بحث هذه المدونة الإلكترونية

Translate كيك520000.

السبت، 11 يونيو 2022

مجلد9. و10. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني

 مجلد9. و10. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني

9.   مجلد9. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني


( ولما رأت عزمى حثيثا على السرى ... وقد رابها صبري على موقف البين )
( أتت بصحاح الجوهري دموعها ... فعارضت من دمعى بمختصر العين ) 3وفى هذا المعنى
( كتبت بدمع عيني صفح خدي ... وقد منع الكرى هجر الخليل )
( وراب الحاضرين فقلت هذا ... كتاب العين ينسب للخليل )
ومن الأغراض الظريفة فيها
( تعجلت وخط الشيب فى زمن الصبا ... لخوضى غمار الهم فى طلب المجد )
( فمهما رأيتم شيبة فوق مفرقى ... فلا تنكروها إنها شيبة الحمد )
ومن التورية بالنجوم والكاتب بيته بيت شرفه
( بأوت على زمنى همه ... فأعتبنى الزمن العاتب )
( وشرفنى الله فى موطنى ... وفى بيته يشرف الكاتب )
وأبدع منها قولى لمن يدعى بشمس الدين
( قل لشمس الدين وقيت الردى ... لم يدع سقمك عندى جلدا )
( رمدت عينك هذا عجب ... أوعين الشمس تشكو الرمدا ) وقلت فى غرض التورية بما يظهر من الأبيات
( أفل الألى كانوا نجو ... ما للورى فالكون مظلم )
( وتناكر الناس الحديث ... الحق وافتقد المعلم )
( أنا كاتب السلطان ما ... طالعت قط كتاب مسلم )
( إلا سخاما قادحا ... فى الدين والله المسلم )

وفى معنى الدعابة مع بعض الطلبة
( قال لى عندما أتى بجدال ... وشكوك على أصول الدين )
( ولسانى يبدل الدال تاء ... عاجز فى الأمور عن تبيين )
( التمس مخرجا يوافق قولى ... قلت أحسنت يا جلال التين )
وفى التورية
( اذمم ذوى التطفيل مهما أتى ... وإن تكن أجملتهم فاعنه )
( يمشى على رجليه مع أنه ... من جنس من يمشى على بطنه ) وقلت
( أفقد جفنى لذيذ الوسن ... من لم أزل فيه خليع الرسن )
( عذاره المسكى فى خده ... أنبته الله النبات الحسن ) وقلت فى رثاء من اسمه حسن
( أشكو إلى الله من بثى ومن شجنى ... لم أجن من محنتى شيئا سوى محن )
( أصابت الحسن العين التى رشقت ... وعادة العين لا تصمى سوى الحسن ) وفى الشيب
( تفر عن الشيب الغوانى تعززا ... كما يعتريها إن رأت سام أبرصا )
( بدا وضحا فى جده العمر شانيا ... فمن سام شيخا فهو قد سام أبرصا ) وقلت فى السها من النجوم الجوفية
( قالوا السها بادي النحول كأنه ... متستر تبدو مخايل خوفه )
( أتراه يشكو قلت هذا ممكن ... والله يعلم داره من جوفه )

وقلت
( عابوا وقالوا بساقه شعر ... لقد عداه الكمال من ساق )
( قلت أنظروا ورد روض وجنته ... وكل ورد مشوك الساق ) وقلت فى التضمين
( رفعت قصة اشتياقى ليحيى ... فزوى الوجه رافضا للفتوه )
( ورمى بالكتاب ضعف اهتبال ... قلت ( يحيى خذ الكتاب بقوة ) ) وقلت
( وذى حيل يعيى التقية أمره ... مكايده فى لجة الليل تسبح )
( يدب شبول الليث والليث ساهر ... ويسرق ناب الكلب والكلب ينبح ) وقلت
( لما رأوا كلفي به ودروا ... مقدار ما لى فيه من حب )
( قالوا الفتى حلو فقلت لهم ... طلعت حلاوته على قلبى ) وقلت ولهما حكاية
( وذي زوجة تشكو فقلت له اسقها ... دواء من الحب الملين للبطن )
( فقال أبت شرب الدواء بطبعها ... فقلت اسقها إن عافت الشرب بالقرن ) وقلت
( لعنوا بريا من خبائث ظنهم ... فالله يلعن أهل سوق العنبر )
( والله لا أوطأت ساقى سوقهم ... أبد الزمان فتلك سوق العن بري ) ومن الفكاهات

( ولما دعانى داعى الهوى ... وأخلف ما كنت أملته )
( ولم يبق غير البكا حيلة ... بكيت بمقدار ما نلته ) وقلت وقد رفع للسلطان باكورة بنفسج
( قدم البنفسج وهو نعم الوارد ... قدنم منه إلى طيب زائد )
( فسألته ما باله فأجابنى ... والحق لا يبغى عليه شاهد )
( أقبلت أطلب من بنان محمد ... صلة فعاد على منه عائد ) وقلت من التشبيه
( سهرنا وفى سير النجوم اعتبارنا ... إلى أن ضفا لليل من فوقنا ريط )
( فخلنا شهاب الرجم إبرة خائط ... مسوحا وما يبقى من الذنب الخيط ) وقلت أودع صديقا أنست به
( فلاحة مثلى ممقوتة ... وإن أعجب البدء منها وراق )
( زرعت اللقاء وعالجته ... فلم أستفد منه إلا الفراق ) ومن تضمين المثل
( لا تهج بالذكر فى كبدى ... نار وجد شق محتمله )
( ويقول الناس فى مثل ... لا تحرك من دنا أجله ) ومن المدح
( عجبا لراحتك الملثة بالندى ... أن لا تكون على الغمام غماما )
( يهمي ووجهك نوره متألق ... والقطر إن سحب السحاب أغاما ) ومن أبيات المدح

( يا ناصر الدين لما قل ناصره ... ومطلع الجود فى الدنيا وقد أفلا )
( لولا التشهد والترداد منك له ... لم يسمع الناس يوما من لسانك لا ) ومن أوصاف صنيع سلطانى
( ماذا أحدث فى صنيع خلافة ... هشت اليه الشهب فى آفاتها )
( فكأنماالجوزاء حين تعرضت ... شدت لتخدم فيه عقد نظاقها ) ومن قصيدة فى وصف فرس
( فبوأته من مهجتى متبوأ ... خفيا على سر الفؤاد المكتم )
( ويا عجبا منى وفرط تشيعي ... أهيم بوجدي فيه وهو ابن ملجم ) ومن الحماسة فى التورية بالمنطق
( حتى إذا فرض الجلاد جداله ... ورأيت ريح النصر ذات هبوب )
( قدمت سالبه العدو وبعدها ... أخرى بعز النصر ذات وجوب )
( وإذا توسط حد سيفك عندها ... جزأي قياس فزت بالمطلوب ) وفى خاتمة قصيدة
( ما ضرنى إن لم أجىء متقدما ... السبق يعرف آخر المضمار )
( ولئن غدا ربع البلاغة بلقعا ... فلرب كنز فى أساس جدار ) ومن المدح
( إن أبهم الخطب جلى فى دجنته ... رأيا يفرق بين الرأى والرشد )
( وإن عتا الدهر أبدى من أسرته ... وكفه هدى حيران وري صد )

( وإن نظرت إلى لألاء غرته ... يوم الهياج رأيت الشمس فى الأسد ) ومن الأوصاف فى قصيدة
( كم ليال بت فى ظلمائها ... أمتطى من نار شوقى فرشا )
( وكأن النجم شرب ثمل ... واصل الثمل حتى ارتعشا ) ومن التورية بالكفتين من الحيل العددية
( لا عدل فى الملك إلا وهو قد نصبه ... وصير الخلق فى ميزانه عصبه )
( والكفتان ترى من كفه درتا ... أن تخرج العدد المجهول للطلبه ) وفى رجل يحتال على الولاية
( حلفت لهم بأنك ذو يسار ... وذو ثقة وبر فى اليمين )
( ليستندوا اليك بحفظ مال ... فتأكل باليسار وباليمين ) وقلت ولهما حكاية تظهر من الأبيات
( قلت لما استقل مولاي زرعى ... ورأى غلة الطعام قليلة )
( دمنتى لانتجاعى الحرث كلت ... فهى اليوم دمنه وكليلة ) ومما صدرت به كتابا لأحد الفضلاء
( يا من تقلد للعلاء سلوكا ... والفضل صير نهجه مسلوكا )
( كاتبتنى متفضلا فملكتنى ... لا زلت منك مكاتبا مملوكا ) وقلت فى غرض يظهر منه

( جلس المولى لتسليم الورى ... ولفصل البرد فى الجو احتكام )
( فإذا ما سألوا عن يومنا ... قلت هذا اليوم برد وسلام ) وقلت من التورية
( يا مالكى بخلال ... تهدى إلى القلب حيره )
( أضرمت قلبى نارا ... يا مالك بن نويره ) وقلت فى التورية
( أضاف إلى الجفون السود شعرا ... كجنح الليل أو صبغ المداد )
( فقلت أمير هذا الحسن تزكو ... الأجور له بتكثير السواد ) وقلت أيضا
( بأبى بدر غزانى ... مستبيحا شرح صدرى )
( فأنا اليوم شهيد ... الحب من غزوة بدر ) وقلت ولهما حكاية
( أيا ليلة بالخصب لم تأل شهرة ... كما اشتهرت فى فضلها ليلة القدر )
( فآمن قلب اللوز من علة النوى ... وأصبح فيها التين منشرح الصدر ) ومن النزعات المشرقية فى التورية
( يا قائدي نحو الغرام بمقلة ... نفقت حلاوتها بكل فؤادي )
( ماذا جنيت على من مضض الهوى ... الله ينصف منك يا قوادي )

ومن هذا النمط المشرقى
( وقالت حلقت الكس منى بنورة ... فقلت لها استنصرت من ليس ينصر )
( ألا فابلغى عنى فديتك واصدقى ... محلق ذاك الكس أنى مقصر ) ومنها
( قال لى والدموع تنهل سحا ... فى عراض من الخدود محول )
( بك ما بى فقلت مولاي عافاك ... المعافى من عبرتى ونحولى )
( أنا جفني القريح يروى عن الأعمش ... والجفن منك عن مكحول ) ومن أبيات التورية أو ما داخلته
( فى مصر قلبى من خزائن يوسف ... حب وعير مدامعى تمتاره )
( حليت شعرى باسمه فكأنه ... فى كل قطر حله ديناره ) ومن المدح أيضا ولا أستحضر لقبه
( رأيت بكفك اعتبارا ... بأسا وندى ما إن يبارى )
( فقلت وقد عجبت منها ... يا بحر متى تدعو نوارا ) وقلت مما يجرى مجرى الحكم
( إن الهوى لشكاية معروفة ... صبر التصبر من أجل علاجها )
( والنفس إن ألفت مرارة طعمه ... ضمنت بذاك له صلاح مزاجها ) ومن الغرائب فى الأوصاف
( كأنما الروض ملك ... باهى به جلساه )

( يرضى النديم فمهما ... سقى الرياض كساه ) وفى غرض النسيب
( أصبح الخد منك جنة عدن ... مجتلى أعين وشم أنوف )
( ظللته من الجفون سيوف ... جنة الخلد تحت ظل السيوف ) وقلت فى النسيب
( أرسلت طرفى فى حلاك بنظرة ... هى كانت السبب الغريب لما بى )
( وأراك بالعبرات قد عاقبتها ... ليس الرسول بموضع لعقاب ) ومن تحسين القبيح
( وأحول يعدي القلب سهم جفونه ... فتضحى صحيحات القلوب به مرضى )
( رأى الحسن أن اللحظ منه مهند ... فحرفه كيما يكون له أمضى ) ومن النزعات الحسنة
( من لى بذكرى كلما أوجزتها ... تمحو سلوى واشتياقى تثبت )
( وسحاب دمع كلما أمطرته ... غير القتاد بمضجعى لا ينبت ) ومن النسيب
( جاء العذار بظل غير ممدود ... فمنتهى الحسن منه غير محدود )
( ناديت قلبى إذ لاحت طلائعه ... يا صبر أيوب هذا درع داود ) وفى نقيضه
( ما ضر منى أن أخلفت موعودي ... وروض خدك أضحى ذاوي العود )
( وقال قوس عذار فوق صفحته ... سفينة الحسن قد حطت على الجودي )

ومن التضمين
( يا من بأكناف فؤادي ربع ... قد ضاق بى عن حبك المتسع )
( ما فيك لى جدوى ولا أرعوي ... شح مطاع وهوى متبع ) ومن الأغراض المخترعة
( أنكرت لما أطل عارضه ... فقال لى حين رابه نظرى )
( ألم تقل لى بأننى قمر ... فانظر إلى وبر أرنب القمر ) ومن التضمين
( يا كوكب الحسن يا معناه يا قمرة ... يا روضة المتناهى الريع يا ثمرة )
( أمرتنى بسلو عنك ممتنع ... مأمور حسنك لما يقض ما أمره ) وقلت
( لما رضيت بفرقتى وبعادي ... وصرمت آمالى وخنت ودادي )
( لاعنت أم الصبر فيك وبعده ... ورثت للأشجان كنز فؤادي )
( فالصبر مني أجنبي بعدها ... ولواعج الأشجان من أولادي ) ومن الأغراض المشرقية
( سار بى للأمير يشكو اعتراضى ... يوسف والشهود أبناء جنسه )
( قال لى ما تقول قلت مجيبا ... لم نخف من نكاله أو لحبسه )
( حصحص الحق يا خوند فدعنى ... أنا راودت يوسفا عن نفسه ) ومن الأوصاف

( بثنا نطارح هم القحط ليلتنا ... وأيد الهم والسهد البراغيثا )
( وكان يحمد ما كنا نكابده ... من المشقة لو أن البرا غيثا ) وفى قريب من المعنى
( وقالوا بدت منكم على الجسم حمرة ... فقلت براغيث لكم رقطونا )
( عدت نحونا ليلا ومن بعدنا اغتدت ... كما رقصت فى القلو بزر قطونا ) ومن التضمين
( قال جوادي عندما ... همزت همزا أعجزه )
( إلى متى تهمزنى ... ( ويل لكل همزه ) ) وفى رثاء السلطان أبى الحجاج رحمه الله تعالى
( غبت فلا عين ولا مخبر ... ولا انتظار منك مرقوب )
( يا يوسف أنت لنا يوسف ... وكلنا فى الحزن يعقوب ) وقلت ولهما حكاية
( طال حزنى لنشاط ذاهب ... كنت أسقى دائما من حانه )
( وشباب كان يندى نضره ... نزل الثلج على ريحانه ) وقلت وقد أعجبني نشاط ولدي
( سرق الدهر شبابي من يدي ... ففؤادي مشعر بالكمد )
( وحمدت الأمر إذ أبصرته ... باع ما أفقدنى من ولدي )

وقلت ولهما حكاية
( قلت للشيب لا يربك جفائى ... فى اختصاري لك البرور ومقتك )
( أنت بالعتب يا مشيبي أولى ... جئتنى غفلة وفى غير وقتك ) ومما خططته فى رملة نزلتها
( أقمنا برهة ثم ارتحلنا ... كذاك الدهر حال بعد حال )
( وكل بداية فإلى انتهاء ... وكل إقامة فإلى ارتحال )
( ومن سام الزمان دوام أمر ... فقد وقف الرجاء على المحال ) وقلت أيام مقامى بسلا
( أيا أهل هذا القطر ساعده القطر ... بليت فدلونى لمن يرفع الأمر )
( تشاغلت بالدنيا ونمت مفرطا ... وفى شغلى أو نومتى سرق العمر ) وقلت والبقاء لله وحده وبه نختم الهذر
( عد عن كيت وكيت ... ما عليها غير ميت )
( كيف ترجو حالة البقيا ... لمصباح وزيت )
انتهى ما نقلته من الإحاطة من ترجمة نظمه وبعض ما ذكر هنا قد تقدم وكررته لكونه بلفظه فى الإحاطة وقد ذكرت أثناء الأبواب غير هذا الباب من نظم لسان الدين رحمه الله تعالى كثيرا ولنعزز ذلك هنا بذكر ما لم يتقدم ذكره إذ نظمه بحر لا ساحل له ولذا كتب ابنه أبو الحسن على هذا المحل من الإحاطة ما صورته ولوالدى أيضا المترجم به رحمه الله تعالى فى سكين الأضاحى لسلطانه أبى الحجاج يوسف بن نصر فيما يكتب بالسكين المضحية

( لي الفخر إن أبصرتنى أو سمعت لى ... على كل مصقول الغرارين مرهف )
( كفانى فخرا أن ترانى قائما ... بسنة إبراهيم فى كف يوسف ) ومقطوعاته كثيرة لم يتضمن هذا الديوان منها إلا القليل بسبب الاختصار ومن أراد الوقوف على جملتها فعليه بكتاب الصيب والجهام فى شعره رحمه الله تعالى قال ذلك ولده على لطف الله تعالى به آمين انتهى
فمن ذلك قوله رحمه الله تعالى
( عسى خطرة بالركب يا حادى العيس ... على الهضبة الشماء من قصر باديس )
( لنظفر من ذاك الزلال بعلة ... وننعم فى تلك الظلال بتعريس )
( حبست بها ركبى فواقا وإنما ... عقدت على قلبى بها عقد تحبيس )
( لقد رسخت آي الجوى فى جوانحى ... كما رسخ الإنجيل فى قلب قسيس )
( بميدان جفنى للسهاد كتيبة ... تغير على سرح الكرى فى كراديس )
( وما بى إلا نفحة حاجرية ... سرت والدجى ما بين وهن وتغليس )
( ألا نفس يا ريح من جانب الحمى ... تنفس من نار الجوى بعض تنفيس )
( ويا قلب لا تلق السلاح فربما ... تعذر فى الدهر اطراد المقاييس )
( وقد تعتب الأيام بعد عتابها ... وقد يعقب الله النعيم من البوس )
( ولا تخش لج الدمع يا خطرة الكرى ... إلى الجفن بل قيسي على صرح بلقيس )
( تقول سليمى ما لجسمك شاحبا ... مقالة تأنيب يشاب بتانيس )
( وقد كنت تعطو كلما هبت الصبا ... بريان فى ماء الشبيبة مغموس )
( ومن رابح الأيام يا ابنة عامر ... بجوب الفلا راحت يداه بتفليس )

( فلا تحسبى والصدق خير سجية ... ظهور النوى إلا بطون النواميس )
( وقفراء أما ركبها فمضلل ... ومربعها من آنس غير مأنوس )
( سحبنا بها من هضبة لقرارة ... ضلالا وملنا من كناس الى خيس )
( إذا ما نهضنا عن مقيل غزالة ... نزلنا فعرسنا بساحة عريس )
( أدرنا بها كأسا دهاقا من السرى ... أملنا بها عند الصباح من الروس )
( وحانة خمار هدانا لقصدها ... شميم الحميا واصطكاك النواقيس )
( تطلع ربانيها من جداره ... يهينم فى جنح الظلام بتقديس )
( بكرنا وقلنا إذ نزلنا بساحة ... عن الصافنات الجرد والضمر العيس )
( أيا عابد الناسوت إنا عصابه ... أتينا لتثليث بلى ولتسديس )
( وما قصدنا إلا المقام بحانه ... وكم ألبس الحق المبين بتلبيس )
( فأنزلنا قوراء فى جنباتها ... محاريب شتى لاختلاف النواميس )
( بدرنا بها طين الختام بسجدة ... أردنا بها تجديد حسرة إبليس )
( ودار العذارى بالمدام كأنها ... قطيع تهادى فى رياش الطواويس )
( وصارفنا فيها نضارا بمثله ... كأنا ملأنا الكاس ليلا من الكيس )
( وقمنا نشاوى عندما متع الضحى ... كما نهضت غلب الأسود من الخيس )
( فقال لبئس المسلمون ضيوفنا ... أما وأبيك الحبر ما نحن بالبيس )
( وهل فى بنى مثواك إلا مبرز ... بحلبة شورى أو بحلقة تدريس )
( إذا هز عسال اليراعة فاتكا ... أسال نجيع الحبر فوق القراطيس )
( يقلب تحت النقع مقلة ضاحك ... إذا التفت الأبطال عن مقل شوس )

( سبينا عقار الروم فى عقر دارها ... بحلية تمويه وخدعة تدليس )
( لئن أنكرت شكلى ففضلى واضح ... وهل جائز فى العقل إنكار محسوس )
( رسبت بأقصى الغرب ذخر مضنة ... وكم دره علياء فى قاع قاموس )
( وأغريت سوسي بالعذيب وبارق ... على وطن دانى الجوار من السوس ) ومن أبدع ما صدر عن لسان الدين رحمه الله تعالى لاميته المشهورة التى خاطب بها السلطان حين عاد من المغرب إلى الأندلس وأعاد الله تعالى عليه ملكه الذى كان خلع منه ويقال إن السلطان أمر بكتب هذه القصيدة على قصوره بالحمراء إعجابا بها وإنها إلى الآن لم تزل مكتوبة بتلك القصور التى استولى عليها العدو الكافر أعادها الله تعالى للإسلام وأول هذه القصيدة
( الحق يعلو والأباطل تسفل ... والله عن احكامه لا يسأل ) قال لسان الدين رحمه الله تعالى نظمتها للسلطان أسعده الله تعالى وأنا بمدينة سلا لما انفصل طالبا حقه بالأندلس كان صنع الله تعالى براعة استهلالها ووجهت بها اليه إلى رندة قبل الفتح ثم لما قدمت أنشدتها بعد الفتح وفاء بنذري وسميتها المنح الغريب فى الفتح القريب ومنها
( وإذا استحالت حالة وتبدلت ... فالله عز و جل لا يتبدل )
( واليسر بعد العسر موعود به ... والصبر بالفرج القريب موكل )
( والمستعد لما يؤمل ظافر ... وكفاك شاهد قيدوا وتوكلوا )
( أمحمد والحمد منك سجية ... بحليها دون الورى تتجمل )
( أما سعودك فهى دون منازع ... عقد بأحكام القضاء مسجل )

( ولك السجايا الغر والشيم التى ... بغريبها يتمثل المتمثل )
( ولك الوقار إذا تزلزلت الربى ... وهفت من الروع الهضاب المثل )
( عوذ كمالك ما استطعت فإنه ... قد تنقص الأشياء مما تكمل )
( تاب الزمان إليك مما قد جنى ... والله يأمر بالمتاب ويقبل )
( إن كان ماض من زمانك قد مضى ... بإساءة قد سرك المستقبل )
( هذا بذاك فشفع الجانى الذى ... أرضاك فيما قد جناه الأول )
( والله قد ولاك أمر عباده ... لما ارتضى بك قيما لا تعزل )
( وإذا تغمدك الإله بنصره ... وقضى لك الحسنى فمن ذا يخذل ) ومنها
( وظعنت عن أوطان ملكك راكبا ... متن العباب فأي صبر يجمل )
( والبحر قد حنيت عليك ضلوعه ... والريح تقطع للزفير وترسل )
( ولك الجواري المنشآت قد اغتدت ... تختال فى برد الشباب وترفل )
( جوفاء يحملها ومن حملت به ... من يعلم الأنثى وماذا تحمل ) ومنها
( صبحتهم غرر الجياد كأنما ... سد الثنية عارض متهلل )
( من كل منجرد أغر محجل ... يرمى الجلاد به أغر محجل )
( زجل الجناح إذا أجد لغاية ... وإذا تغنى للصهيل فبلبل )
( جيد كما التفت الظليم وفوقه ... أذن ممشقة وطرف أكحل )
( فكأنما هو صورة فى هيكل ... من لطفه وكأنما هو هيكل )

ومنها
( وخليج هند راق حسن صفائه ... حتى يكاد يعوم فيه الصيقل )
( غرقت بصفحته النمال وأوشكت ... تبغى النجاة فأوثقتها الأرجل )
( فالصرح منه ممرد والصفح ... منه مورد والشط منه مهدل )
( وبكل أزرق إن شكت الحاظه ... مرة العيون فبالعجاجة تكحل )
( متأود أعطافه فى نشوة ... مما يعل من الدماء وينهل )
( عجبا له أن النجيع بطرفه ... رمد ولا يخفى عليه مقتل ) ومنها
( لله موقفك الذى وثباته ... وثباته مثل به يتمثل )
( والخيل خط والمجال صحيفة ... والسمر تنقط والصوارم تشكل )
( والبيض قد كسرت حروف جفونها ... وعوامل الأسل المثقف تعمل )
( لله قومك عند مشتجر القنا ... إذ ثوب الداعى المهيب وأقبلوا )
( قوم إذا لفح الهجير وجوههم ... حجبوا برايات الجهاد وظللوا ) وهى طويلة لم يحضرنى الآن منها سوى ما كتبته
ومن نظمه رحمه الله تعالى قوله
( يا إمام الهدى وأي إمام ... أوضح الحق بعد إخفاء رسمه )
( أنت عبد الحليم حلمك نرجو ... فالمسمى له نصيب من اسمه ) وقال يخاطب عبد الواحد بن زكريا بن أحمد اللحيانى أبا مالك ابن سلطان إفريقية مودعا

( أبا مالك أنت نجل الملوك ... غيوث الندى وليوث النزال )
( ومثلك يرتاح للمكرمات ... وما لك بين الورى من مثال )
( عزيز بأنفسنا ان نرى ... ركابك مؤذنة بارتحال )
( وقد خبرت منك خلقا كريما ... أناف على درجات الكمال )
( وفازت لديك بساعات أنس ... كما زار فى الليل طيف الخيال )
( ولولا تعللنا أننا ... نزورك فوق بساط الجلال )
( ونبلغ فيك الذى نبتغى ... وذاك على الله سهل المنال )
( لما فترت أنفس من أسى ... ولا برحت أدمع فى انهمال )
( تلقتك حيث حللت السعود ... وكان لك الله فى كل حال )
وتوفى أبو مالك المخاطب بهذا فى بلاد الجريد سنة 750
ومن نظم ابن الخطيب قوله لما أشرف على الحضرة المراكشية حاطها الله تعالى
( ماذا أحدث عن بحر سبحت به ... من البحار فلا إثم ولا حرج )
( دحاه مبتدع الأشياء مستويا ... ما إن به درك كلا ولا درج )
( حتى إذا ما المنار الفرد لاح لنا ... صحت ابشري يا مطايا جاءك الفرج )
( قربت من عامر دارا ومنزلة ... والشاهد العدل هذا الطيب والأرج ) وقال رحمه الله تعالى
( كأنا بتامسنا نجوس خلالها ... وممدودها فى سيرنا ليس يقصر )
( مراكب فى البحر المحيط تخبطت ... ولا جهة تدري ولا البر تبصر )

وقال سامحه الله تعالى وهو مكتوب بالمدرسة التى بناها السلطان أبو الحجاج ابن نصر رحمه الله تعالى
( ألا هكذا تبنى المدارس للعلم ... وتبقى عهود المجد ثابتة الرسم )
( ويقصد وجه الله بالعمل الرضى ... وتجنى ثمار العز من شجر العزم )
( تفاخر منى حضرة الملك كلما ... تقدم خصم فى الفخار الى خصم )
( فأجدى إذا ضن الغمام من الحيا ... وأهدى إذا جن الظلام من النجم )
( فيا ظاعنا للعلم يطلب رحله ... كفيت اعتراض البيد أو لجج اليم )
( ببابى حط الرحل لا تنو وجهة ... فقد فزت فى حال الإقامة بالغنم )
( فكم من شهاب فى سمائى ثاقب )
( ومن هالة دارت على قمر تم )
( يفيضون من نور مبين إلى هدى ... ومن حكمه تجلو القلوب إلى حكم )
( جزى الله عنى يوسفا خير ما جزى ... ملوك بنى نصر عن الدين والعلم )
وقال رحمه الله تعالى مررت يوما مع شيخنا أبى البركات ابن الحاج ببعض مسالك غرناطة حرسها الله تعالى فأنشدنى من نظمه
( غرناطة ما مثلها حضره ... الماء والبهجة والخضرة )
واستجازنى رحمه الله تعالى فقلت
( سكانها قد أسكنوا جنة ... فهم يلقون بها نضره )
وقال فى تورية طبية
( إنى وإن كنت ذا اعتلال ... رث القوى بين الهزال )

( فى عارض التيس لى شفاء ... فكيف فى عارض الغزال )
وقال رحمه الله تعالى يخاطب شيخه سيدي أبا عبد الله ابن مرزوق موطئا على بيت المشارقة فى العذار
( أما والذى تبلى لديه السرائر ... لما كنت أرضى الخسف لولا الضرائر )
( غدوت لضيم ابن الربيب فريسة ... أما ثار من قومى لنصري ثائر )
( إذا التمست كفى لديه جرايتى ... كأنى جان أوبقته الجرائر )
( وما كان ظنى أن أنال جراية ... يحكم من جرائها فى جائر )
( متى جاد بالدينار أخضر زائفا ... ودارته دارت عليها الدوائر )
( وقد أخرج التعنيت كيس مرارتى ... ورقت لبلواي النفوس الأخاير )
( تذكرت بيتا فى العذار لبعضهم ... له مثل بالحسن فى الأرض ثائر )
( وما اخضر ذاك الخد نبتا وإنما ... لكثرة ما شقت عليه المرائر )
( وجاه ابن مرزوق لدي ذخيرة ... وللشدة العظمى تعد الذخائر )
( ولو كان يدري ما دهاني لساءه ... وأنكر ما صارت إليه المصائر )
وقال رحمه الله تعالى يخاطب أحد الشرفاء
( أعيا اللقاء علي إلا لمحة ... فى جملة لا تقبل التفصيلا )
( فجعلت بابك عن يمينك نائبا ... أهديه عند زيارتى تقبيلا )
( فإذا وجدتك نلت ما أملته ... أو لم أجدك فقد شفيت غليلا )
ولما دخل رحمه الله تعالى مدينة أنفا ومر منها على دار عظيمة تنسب إلى والي

جبايتها عبو من بنى الترجمان قارون قومه وغنى صنفه قال
( قد مررنا بدار عبو الوالى ... وهى ثكلى تشكو صروف الليالى )
( أقصدت ربها الحوادث لما ... رشقته بصائبات نبال )
( كان بالأمس واليا مستطيلا ... وهو اليوم ما له من وال )
وقال فى الشيخ ابن بطان الصنهاجي
( لله درك يا ابن بطان فما ... لشهير جودك فى البسيطة جاحد )
( إن كان فى الدنيا كريم واحد ... يزن الجميع فأنت ذاك الواحد )
( أجريت فضلك جعفرا يحيا به ... ما كان من مجد فذكرك خالد )
( فالقوم منك تجمعوا فى مفرد ... ولد كما شاء العلاء ووالد )
( وهى الليالى لا تزال صروفها ... يشقى بموقعها الكريم الماجد )
( وبمستعين الله يصلح منك ما ... قد كان أفسده الزمان الفاسد )
وقال رحمه الله تعالى وقد انتابه البرغوث
( زحفت إلى ركائب البرغوث ... نم الظلام بركبها المحثوث )
( بالحبة السوداء قابل مقدمى ... لله أي قرى أعد خبيث )
( كسحت بهن ذباب سرح تجلدى ... ليلا فحبل الصبر جد رثيث )
( إن صابرت نفسى أذاه تعبدت ... أو صحت منه أنفت من تحنيث )
( جيشان من ليل وبرغوث فهل ... جيش الصباح لصرختى بمغيث )

وقال يخاطب الوالى محمد بن حسون بن أبى العلاء وصدر بها رسالة
( لم يبق لى جود الولاية حاجة ... فى الأمن أو فى الجاه أو فى المال )
( بعد اللقاء أولو الفضائل بغيتي ... ورأيت هذا القصد شرط كمال )
( أجملته وتشوفت لبيانه ... همم فكنت مفسر الإجمال )
( وخصصت بالإلقاء غيرك غيره ... وجعلت ذكرك شاهد الأعمال )
( للبست يا ابن أبى العلا قشب الملا ... وتركت أهل الأرض فى أسمال )
( إن دون الفضلاء فضلا معلما ... فلقد أتيت عليه بالإكمال )
( تثني عليك رعيه آمالها ... فى أن تفوز يداك بالآمال )
( أرعيتها هملا فلم يطرق لها ... بمنيع سورك طارق الإهمال )
( من كنت واليه توالته العلا ... ومن اطرحت فما له من والي )
وقال فى عثمان بن يحيى بن عمر بن روح
( أسمى ذي النورين وجهك فى الوغى ... شمس الضحى حلت بليث عرين )
( إن تفتخر بمرين أرض العدوة ... القصوى فإنك أنت فخر مرين )
وقال رحمه الله تعالى عند وقوفه على مراكش واعتباره بما صار إليه أمرها
( بلد قد غزاه صرف الليالى ... وأباح المصون منه مبيح )
( فالذى خر من بناه قتيل ... والذى خر منه بعض جريح )
( وكأن الذى يزور طبيب ... قد تأتى له بها التشريح )
( أعجمت منه أربع ورسوم ... كان قدما بها اللسان الفصيح )

( كم معان غابت بتلك المغانى ... وجمال أخفاه ذاك الضريح )
( وملوك تعبدوا الدهر لما ... أصبح الدهر وهو عبد صريح )
( دوخوا نازح البسيطة حتى ... قال ما شاء ذابل وصفيح )
( حين شبت لهم من البأس نار ... ثم هبت لهم من النصر ريح )
( أثر يندب المؤثر لما ... طال بعد الدنو منه النزوح )
( ساكن الدار روحها كيف يبقى ... جسد بعدما تولى الروح )
وقال رحمه الله تعالى يخاطب أحمد بن يوسف حفيد الولى الصالح سيدي أبى محمد صالح النائم فى ظل صيته رحمه الله تعالى
( يا حفيد الولى يا وارث الفخر ... الذى نال فى مقام وحال )
( لك يا أحمد بن يوسف جبنا ... كل قطر يعيي أكف الرحال )
وقال فى نفاضة الجراب لما خرجت من آسفى سرت إلى منزل ينسب إلى أبى خدو وفيه رجل من بنى المنسوب إليه اسمه يعقوب فألطف وأجزل وآنس فى الليل وطلبنى بتذكرة تثبت عندي معرفته فكتبت له
( نزلنا على يعقوب نجل أبى خدو ... فعرفنا الفضل الذى ما له حد )
( وقابلنا بالبشر واحتفل القرى ... فلم يبق لحم لم ننله ولا زبد )
( يحق علينا أن نقوم بحقه ... ويلقاه منا البر والشكر والحمد ) وقال
( أألقى إلى الأيام فضل مقادتى ... فتجنبني مابين كد وإرهاق )

( وأتلف بين الخلق والرزق فكرتى ... ولست بخلاق ولست برزاق )
( إذا كنت بالإثراء لى فى تملق ... رضيت بعز النفس فى عز إملاق ) وقال
( لك الملك ملك الحسن فاقض بنا الذى ... تشاء فما يعصى لأمرك واجبه )
( إذا ما كسرى اللحظ من تحت حاجب ... تحكم فى الألباب كسرى وحاجبه ) وقال
( سألنا ربيع العام للعام رحمه ... فضن ولم يسمح بذرة إنعام )
( فقلنا وقد رد الوجوه ولم يبل ... قليل الحيا قبحت والله من عام ) وقال
( تخونه صرف الزمان وهل ترى ... بقاء لحى أو دواما على أمر )
( هو الدهر ذو وجهين يوم وليلة ... ومن كان ذا وجهين يعتب فى غدر ) وقال رحمه الله تعالى فى شجر الجوز
( انظر إلى ينعى وحسن بسوقى ... يهفو النسيم بقدي الممشوق )
( يجلو اللواحظ منظرى حسنا كما ... يجلو ثغور الغانيات عروقى ) وقال رحمه الله تعالى فى ساق
( كيف آمنتما على الشرب ظبيا ... لحظه فى القلوب غير أمين )
( راح يسقى فصب فى الكأس نزورا ... ثقة منه بالذى فى العيون )
وقال يخاطب السلطان

( أنت للمسلمين خير عماد ... وملاذ وأي حرز حريز )
( لو رأى ما شرعت لخلق فيه ... عمر الفاضل ابن عبد العزيز )
( لجزى ملكك المبارك خيرا ... وقضى بالشفوف والتبريز )
( فاشكر الله ما استطعت بفعل ... وبقول مطول أو وجيز )
( كل ملك يرى بصحبة أهل ... العلم قد باء بالمحل العزيز )
( فإذا ما ظفرت منهم بإكسير ... ملأت البلاد من إبريز )
( والبرايا تبيد والملك يفنى ... أين كسرى الملوك مع أبرويز ) وقال رحمه الله تعالى
( ما لى أهذب نفسى فى مطامعها ... والنفس تأنف تهذيبي وتهذي بى )
( إذا استعنت على دهري بتجربة ... تأبى المقادير تجريبي وتجري بى ) وقال
( من لا نصيب لصحبه فى خيره ... وإذا سعى لم يقض حاجة غيره )
( فاقصد أباه متى أردت وقل له ... الله يلهمه العزاء بايره ) وقال رحمه الله تعالى
( أمستخرجا كنز العقيق بآماقى ... أناشدك الرحمن فى الرمق الباقى )
( فقد ضعفت عن حمل صبرى طاقتى ... عليك وضاقت عن زفيري أطواقى ) وقال رحمه الله تعالى
( إذا لم أشاهد منك قبل منيتى ... نهاية آمالى وغاية غاياتى )
( فحسن عزائى حيل بيني وبينه ... وقرة عينى لم تحل بمرآتى )
( شهودك أمنى من عداة خواطري ... وقربك حرزي من توقع آفات )

( فإن لم يكن وصل فهبها إشارة ... فيا حسن شاراتى بها من إشارات )
وقال رحمه الله تعالى يخاطب الدنيا
( دنيا خدعت الذى سفرت له ... عن صفحة لم يحل بها كرم )
( سرقت حظ الإله من يده ... فهان ما كان منه يحترم )
( هذا الذى نال منك ليس له ... منقطع دائم ومنصرم )
( وهبه نال الذى أراد أما ... بين يديه المشيب والهرم )
ولما أورد رحمه الله تعالى قول القائل فى وصف الدنيا
( كلما أنبت الزمان قناة ... ركب المرء فى القناة سنانا )
( وكأنا لم نرض فيها بريب ... الدهر حتى أعانه من أعانا )
وقال أثره ما نصه والحق ما قلته من أبيات تناسب ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله
( والله إن لم يداركها وقد وحلت ... بلمحة أو بلطف من لدنه خفى )
( ولم يجد بتلافيها على عجل ... ما أمرها صائر إلا إلى التلف )
فحب الدنيا رأس كل بلية ولولاه لم تزل النفس صافية عالية عن سجيتها الأولية
ومن نظمه رحمه الله تعالى قوله
( إن رأى الحق فيك منه بقية ... فاتق البعد فيه حق التقيه )
( وإذا لم يكن لذاتك رسم ... قائم تلك حالة حقيه ) وقوله رحمه الله تعالى

( فسامح إذا ما لم تفدك عبارة ... وإن أشكلت يوما فخذها كما هيا )
( وتلخيص ما دندنت بالقول حوله ... إذا قمت بالباقى فما زلت باقيا ) وقال رحمه الله تعالى
( ففى عالم الأسرار ذاتك تجتلى ... ملامح نور لاح للطور فانهدا )
( وفى عالم الحس اغتديت مبوأ ... لتشفى من استشفى وتهدى من استهدى )
( فما كنت لولا أن أتيت هداية ... من الله مثل الخلق رسما ولا حدا )
وهذه الأبيات فى مدح النبى صلى الله عليه و سلم
وقال رحمه الله تعالى
( حمامة البان ما هذا البكاء على ... مر الليالى وما ذا البث والحزن )
( لا منزل بنت عنه أنت تندبه ... ولا حبيب ولا خل ولا سكن )
( لو كنت تنفث عن شوق منيت به ... إذا لصار رمادا تحتك الغصن )
وقال رحمه الله تعالى مضمنا
( أمط عنك مهما اسطعت كل إرادة ... وإلا فمغنى القوم عنك بعيد )
( تكون مريدا ثم فيك إرادة ... إذا لم ترد شيئا فأنت مريد ) وقال رحمه الله تعالى
( تعلقته من دوحة الجود والباس ... قضيبا لعوبا بالرجاء وبالياس )
( ضروبا بضرب لليراعة والقنا ... طروبا بحمل المشرفية والكاس )
( يذكرنيه الصبح عند انصداعه ... جمال رواء فى تأرج أنفاس )
( ويبدو لعينى شعره وجبينه ... إذا ما سفحت الحبر فى صفح قرطاس )

وقال رحمه الله تعالى
( أحب لحبها جملى ورحلى ... وعزمى والقتادة والطريقا )
( ومن أخشاه من سبع ولص ... فكيف فريقها سلموا فريقا )
( وكيف أخص باسم الحب إن لم ... أحب لأجلها إلا صديقا )
وقال رحمه الله تعالى وقلت من قصيدة
( أنا نسخة الأكوان أدمج خطها ... فسر ذوى التحقيق فى طي أوراقى )
( فمن عالم الأشباح ليلى وظلمتى ... ومن عالم الأرواح نورى وإشراقى )
وقال رحمه الله تعالى
( مولاى مولاي إن أرضاك بذل دمى ... فقد أتيت به أسعى على قدمى )
( وإن تعاظم ذنب قد جنته يدي ... وطال قرعى عليه السن من ندم )
( فهبه لى واغتفر ما كان من خطإ ... وزلة وارع لى حبى على القدم )
وقال رحمه الله تعالى من قصيدته العينية السلوية التى وجهها إلى سلا أيام خلف بها أهله وولده
( بولي الله فابدأ وابتدر ... واحد الآحاد فى باب الورع )
ترجمة الولى ابن عاشر
قلت هذا الولى هو العارف بالله تعالى سيدي الحاج أحمد بن عاشر أحد الصلحاء أصحاب الكرامات المشهورة بالمغرب وقد زرت قبره بسلا عام تسعة وألف وهو أحمد بن عمر بن محمد بن عاشر الأندلسى نزيل سلا الولى الزاهد المشهور بالمناقب والأحوال

قال ابن عرفة ما أدركت مبرزا فى زماننا هذا إلا الشيخ أبا الحسن المنتصر وأحمد بن عاشر بسلا انتهى
وقال بلدينا أبو عبد الله ابن صعد التلمسانى فى كتابه النجم الثاقب فيما لأولياء الله تعالى من المناقب كان أحد الأولياء الأبدال معدودا فى كبار العلماء مشهورا بإجابة الدعاء معروفا بالكرامات مقدما فى صدور الزهاد منقطعا عن الدنيا وأهلها ولو كانوا من صالحى العباد ملازما للقبور فى الخلاء المتصل ببحر مدينة سلا منفردا عن الخلق لا يفكر فى أمر الرزق وله أخبار جليلة وكرامات عجيبة مشهورة ممن جمع له العلم والعمل وألقى عليه القبوول من الخلق شديد الهيبة عظيم الوقار كثير الخشية طويل التفكر والاعتبار قصده أمير المؤمنين أبو عنان وارتحل إليه عام سبعة وخمسين وسبعمائة فوقف ببابه طويلا فلم يأذن له وانصرف وقد امتلأ قلبه من حبه وإجلاله ثم عاود الوقوف ببابه مرارا فما وصل اليه فبعث له بعض أولاده بكتاب كتبه إليه يستعطفه لزيارته ورؤيته فأجابه بما قطع رجاءه منه وأيس من لقائه واشتد حزنه وقال هذا ولى من أولياء الله تعالى حجبه الله عنا انتهى
ولما أجرى ذكره لسان الدين فى نفاضة الجراب قال ما ملخصه ولقيت من أولياء الله تعالى بسلا الولى الزاهد الكبير المنقطع القرين فرارا عن زهرة الدنيا وعزوفا عنها وإغفاء فى الورع وشهرة بالكشف وإجابة الدعوة وظهور الكرامة أبا العباس ابن عاشر يسر الله تعالى لقاءه على تعذره لصعوبة تأتيه وكثرة هيبته قاعدا بين القبور فى الخلاء رث الهيئة مطرق اللحظ كثير الصمت مفرط الانقباض والعزلة قد فر من أهل الدنيا وتطارحهم فهو شديد الاشمئزاز من قاصده مجرمز للوثبة من طارقه نفع الله تعالى به
وقال ابن الخطيب القسمطينى الشهير بابن قنفذ لقيته بسلا سنة 763 وهو على أتم حال فى الورع والفرار من الأمراء والتمسك بالسنة وهو الشيخ

الفقيه الولي توفى فى سنة خمس وستين وسبعمائة انتهى
وممن انتفع به ونال بركته الولى العارف بالله سيدي ابو عبد الله ابن عباد شارح الحكم وقد ترجمناه فى هذا الكتاب
وقال ابن عباد المذكور فى رسائله وقد كنت قدما خرجت فى يوم مولده صلى الله عليه و سلم صائما إلى ساحل البحر فوجدت هناك سيدي الحاج ابن عاشر رحمه الله تعالى وجماعة من أصحابه معهم طعامم يأكلونه فأرادوا منى الأكل فقلت إنى صائم فنظر إلى سيدي الحاج نظرة منكرة وقال لى هذا يوم فرح وسرور يستقبح فى مثله الصوم كالعيد فتأملت قوله فوجدته حقا وكأنه أيقظنى من النوم انتهى
وقال ابن قنفذ السابق فى رحلته ما صورته وكان ابن عاشر رحمه الله تعالى فريدا فى الورع ميسرا عليه فى ذاك أتم تيسير محفوظا من كل ما فيه شبهة كثير النفور من الناس وخصوصا أصحاب الولاية فى الأعمال وخرجت على يده تلامذة نجباء أخيار وطريقة أنه جعل إحياء علوم الدين بين عينيه واتبع ما فيه بجد واجتهاد وصدق وانقياد وكان الحجة فى ذلك الطريق وأول اجتماعى به نفر منى فحبسته بيدي وهززته فتبسم ووقف معى وسألنى عن نسبي ودعا لى وطلبته بما يطعمنى فاعتذر لى بالإقلال ثم قال أمهل فدخل وأخرج لى حبات تين يابسة فى يده اليمنى وغطاها باليد اليسرى ودفعها إلى وضحك معى وعجب الحاضرون من ليانته وانشراحه معى لأنه لا ينبسط إلى أحد وحصل لى بذلك فخر لا يدري قدرة إلا من حاول بعضه معه وقصدنى كثير من الخواص فسألنى عن مجلسى معه وما وقع من جوابه وسؤاله وقد حاول ملك المغرب لما ارتحل اليه فى عام سبعه وخمسين وسبعمائة على لقائه فلم يقدر عليه بوجه وحجبه الله تعالى حتى تبعه يوم جمعة من الجامع الأعظم على قدمه والناس ينظرونه وهو لم يره فرجع ولم يكن قوته إلا من نسخ العمدة فى الحديث وكيف يبيعها ولمن يبيعها ولا يأخذ إلا قيمتها

ولم تزل حالته وبركته فى زيادة إلى إن توفى سنة 765 وسأله بعض الأخيار بمحضري عن الفرق بين مكاشفة المسلم ومكاشفة النصرانى لوجود ذلك من بعضهم فقال المسلم الذى له هذه الدرجة يبرىء من العاهة والنصرانى لا يبرىء ثم قال وهل يبرىء الفقيه من العاهة فقال له نعم ثم نظر يمينا وشمالا ليجد صاحب عاهة فياتى بالعيان فلم يجد أحدا وكأنه اغتاظ لهذا السؤال ثم أخرج يده وقال يأتى لمن يقعد عن الحركة فيحبسه بيده ويقيمه وقد ذهب ألمة بعد أن جثا إلى الأرض فى الصفة ثم قال وسئل بعضهم عن هذا وكان السائل نصرانيا فى زي المسلم فقال له الفرق بينهما سقوط الزنار من وسطك قال فسقط وفضحه الله تعالى وأسلم بسبب ذلك انتهى كلام ابن قنفذ القسمطينى رحمه الله تعالى
وترجمة ولى الله تعالى سيدي الحاج ابن عاشر نفعنا الله تعالى ببركاته متسعة جدا وكراماته ومناقبه لا نبلغ لها حدا ولا نطيق لها عدا وإنما ألمعنا بذكره قصدا للتبرك به والله ولى التوفيق وهو الهادى إلى سواء الطريق
رجع الى نظم لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى
فنقول ومن مداعباته رحمه الله تعالى قوله
( ومولع بالكتب يبتاعها ... بأرخص السوم وأغلاه )
( فى نصف الاستذكار أعطيته ... مختصر العين فأرضاه )
ويعنى بمختصر العين الزبيدى فافهم وقال رحمه الله تعالى من قصيدة
( ووالله ما اعتل الأصيل وانما ... تعلم من شجوي فبان اعتلاله )
وهذا غاية فى المبالغة وحسن التعليل

وقال رحمه الله تعالى وقفت على قبر المعتمد بالله فى مدينة أغمات فى حركة راحة أعملتها إلى الجهات المراكشية باعثها لقاء الصالحين ومشاهدة الآثار عام واحد وستين وسبعمائة وهو بمقبرة أغمات فى نشز من الأرض وقد حفت به سدرة وإلى جنبه قبر اعتماد حظية مولاه رميك وعليهما هيئة التغرب ومعاناة الخمول من بعد الملك فلا تملك العين دمعها عند رؤيتهما فأنشدت فى الحال
( قد زرت قبرك عن طوع بأغمات ... رأيت ذلك من أولى المهمات )
( لم لا أزورك يا أندى الملوك يدا ... ويا سراج الليالى المدلهمات )
( وأنت من لو تخطى الدهر مصرعه ... إلى حياتى لجادت فيه أبياتى )
( أناف قبرك فى هضب يميزه ... فتنتحيه حفيات التحيات )
( كرمت حيا وميتا واشتهرت علا ... فأنت سلطان أحياء وأموات )
( ما ريء مثلك فى ماض ومعتقدي ... أن لا يرى الدهر فى حال ولا آت )
وقد تقدم هذا فى القسم الأول فى الباب السابع منه وكررته هنا والله الموفق
وقال رحمه الله تعالى موريا حين أكل مشرف الدار القابض أي أكل ماله
( مشرف دار الملك ما باله ... منتفخ الجوف شكا نافضا )
( فقيل لى ليس به علة ... لكنه قد أكل القابضا )

وقال
( يا نفس لا تصغى إلى سلوة ... كم أخلف الموعد عرقوب )
( وأنت يا قلبى وصاك ... ابراهيم بالحزن ويعقوب )
وقال فى السعيد أبى بكر ابن السلطان أبى عنان
( أمير كأن قمير الدجى ... أفاض الضياء على صفحتيه )
( تملأ قلبى من جبه ... غداة نظرت بعينى اليه )
( فلا بسط الدهر كف الردى ... لذاك الشخيص وذاك الوجيه )
وقال يخاطب الخطيب ابن مرزوق
( تعلم طيفوري خلال سميه ... وإن كان منسوبا الى غير بسطام )
( وجاء فقير الوقت لابس خرقة ... فليس براض غير صحبه صوام )
( فديتك لا تردده عنك مخيبا ... ودرسه يا مولاي قصة بلعام )
وقال مما كتبت به إلى ابن مرزوق المذكور وقد وصل ولده إلى سلا ومنع ابن الخطيب عن لقائه عذر مرض وكان نزوله بزاوية النساك
( صدنى عن لقاء نجلك عذر ... يمنع الجسم عن تمام العباده )
( واختصرت القرى لأن حط رحلا ... فى محل الغنى ودار الزهاده )
( ولو أنى احتفلت لم يعن الدهر ... ولا نلت بعض بعض أراده )
( وعلى كل حالة فقصوري ... عادة إذ قبولك العذر عاده )

( لا عدمت الرضى من الله والحسنى ... كما نص وحيه والزياده )
وقال يخاطبه من ضريح السلطان أبى الحسن بشاله لاستنهاض عزيمته فى قضاء غرضه
( برئت لله من حولى ومن حيلي ... إن نام عنى وليي فهو خير ولى )
( أصبحت ما لى من عطف أؤمله ... من غيره فى مهمات ولا بذل )
( ما كنت أحسب أن أرمى بقاصيه ... للهجر أقطع فيها جانب الأمل )
( من بعد ما خلصت نحوى الشفاعة ما ... بين العلا والدجى والبيض والأسل )
( إن كنت لست بأهل للذى طمحت ... اليه نفسى وأهوى نحوه أملى )
( فكيف يلغى ولا ترعى وسيلته ... دخيل قبر أمير المسلمين على )
( من بعد ما اشتهرت حالى به وسرت ... بها الركائب فى سهل وفى جبل )
( والرسل تترى ولا تخفى نتائجها ... عند التأمل من قول ولا عمل )
( ولا لليلى من صبح أطالعه ... كأن همى قد مد الدجنة لى )
( لو أننى بابن مرزوق عقدت يدي ... وكان محتكما فى خيرة الدول )
( لكان كربى قد افضى إلى فرج ... وكان حزنى قد أوفى على جذلى )
( ألمحت بالعتب لم أحذر مواقعه ... أنا الغريق فما خوفى من البلل )
( ولست أجحد ما خولت من نعم ... لكنها النفس لا تنفك عن أمل )
( ولست أياس من وعد وعدت به ... وإنما خلق الإنسان من عجل )
وقال رحمه الله تعالى يخاطب السلطان أبا الحجاج
( أمولاي إن الشعر ديوان حكمه ... يفيد الغنى والعز والجاه من كانا )
( وقد وجد المختار فى الحفل منصتا ... له وحبا كعبا عليه وحسانا )

( وفيما رواه الناقلون وأثبتوا ... بذلك ديوانا صحيحا فديوانا )
( بأن أبا بكر خيلفته الرضى ... وفاروقه الأدنى اليه وعثمانا )
( وأن عليا قدس الله جمعهم ... وكرمنا بالقرب منهم وحيانا )
( لهم فى ضروب القول إذا هم فحوله ... خطاب وشعر يستقران تبيانا )
( وفاض على أهل القريض نوالهم ... فروض روض القول سحا وتهتانا )
( وأنت أحق الناس أن تفعل الذى ... به فعل المختار دينا وإيمانا )
( فما زلت تهدي فى البرية هديه ... وتقضى بما يرضيه سرا وإعلانا )
( وان قيل قدر المرء ما هو محسن ... فصنعه نظم القول أرفعه شانا )
وقال موريا
( بنفسى حبيب فى ثناياه بارق ... ولكنها للواردين عذاب )
( إذا كان لى منه عن الوصل حاجز ... فدمعى عقيق بالجفون مذاب ) وقال
( عذبت قلبى بالهوى فقيامه ... فى نار هجرك دائما وقعوده )
( ولقد عهدت القلب وهو موحد ... فعلام يقضى فى العذاب خلوده )
وقال فى التجنيس
( دعوتك للود الذى جنباته ... تداعت مبانيها وهمت بأن تهي )
( وقلت لعهد الوصل والقرب بعدما ... تناءى وهل أسلو حياتى وأنت هى )
( ومن شام من جو الشبيبة بارقا ... ولم تنهه عنه النهى كيف ينتهى )
وقال
( ناديت دمعى إذ جد الرحيل بهم ... والقلب من فرق التوديع قد وجبا )
( سقطت يا دمع من عينى غداه نأى ... عنى الحبيب ولم تقض الذى وجبا )

وقال
( شلير لعمرى أساء الجوار ... وسد على رحيب الفضا )
( هو الشيخ أبرد شىء يرى ... إذا لبس البرنس الأبيضا )
وقال قلت أخاطب بعض من أدل عليه وما أولانى بذلك
( إذا قمت قل بعقيب الكرى ... إلهمى أنت إله الورى )
( تباركت أنشأتهم من تراب ... وأنشاتنى بينهم من خرا )
قلت ولا خفاء ببشاعة هذا فحذفه أولى من إثباته
وقال يداعب بعض أصحابه
( شيخ رباط إن أتى شادن ... خلوته عند انسدال الظلام )
( أدلى وقد أبصره دلوه ... وقال يا بشراي هذا غلام )
وقال فى غرض يظهر
( لم أجد فيه لين بث لقلبى ... وقبولا لحجتى واعتذارى )
( ثقل الله ظهره بعيال ... سود الله وجهه بعذار )
وقال من قصيدة
( أخذت وأمواج الردى متلاطمه ... بضبعى يا نجل الوصى وفاطمه )
وقال
( ووجه غرست الورد فيه بنظره ... فيا ليت كفى متعت بجنى غرسى )
( كأن سواد الخال فى وجناته ... علامة مولانا على احمر الطرس )
( وبينهما فى باطن الأمر نسبه ... لذلك أمضيت العزام على نفسى )

وقال يشير إلى بعض طبقات الغناء
( ضرط الفقيه فقلت ذاك غريبة ... ما كان ذلك منه بالمعلوم )
( فدنا إلى وقال قد أصرفتكم ... من ضرطتى بغريبة المزموم )
وفى آخر سنة أربع وسبعين وجه إلى السلطان أبى حمو سلطان تلمسان أبياتا لزومية فى غرض الهناء وهى
( وقف الغرام على ثناك لسانى ... رعيا لما اوليت من إحسان )
( فكانما شكرى لما أوليته ... شكر الرياض لعارض النيسان )
( أنا شيعة لك حيث كنت قضية ... لم يختلف فى حكمها نفسان )
( ولقد تشاجرت الرماح فكنت فى ... ميدان نهرك فارس الفرسان )
( ورويت غر مآثر أسندتها ... لعلاك بين صحائح وحسان )
( ولأنت أولى بالتشيع شيمة ... لم تتفق لسواك من إنسان )
( الشمس أنت قد انفردت وهل يرى ... بين الورى فى مطلع شمسان )
( جبرت بجبرك كل نفس حرة ... وشدا بشكر الله كل لسان )
( وبدت سعودك مستقيما سيرها ... وعلت ففر أمامها النحسان )
( فاستقبل السعد المعاود سافرا ... عن أي وجه للرضى حسان )
( وابغ المزيد بشكر ربك ولتثق ... بمضاعف الإنعام والإحسان )
( فالشكر يقتاد المزيد ركائبا ... تنتاب بابك منه فى أرسان )
( ثم السلام عليك يزرى عرفه ... طيبا بعرف العود والبلسان )
وقال

( بحق ما بيننا يا ساكنى القصبه ... ردوا علي حياتى فهى مغتصبه )
( ماذا جنيتم على قلبى ببينكم ... وانتم الأهل والأحباب والعصبه )
قلت ولعل ابن زمرك قال أبياته التى على هذا الروى المذكورة فى غير هذا الموضع من هذا الكتاب جوابا لهذه حين كان ابن زمرك من جملة أتباع لسان الدين رحم الله تعالى الجميع وقال لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى
( حين ساروا عنى وقد خنقتنى ... عبرات قد أعربت عن ولوعى )
( صحت من ينصر الغريب فلما ... لم أجد ناصرا بلعت دموعى ) وقال
( قال لى والدموع تنهل سحبا ... فى عراص من الخدود محول )
( بك ما بى فقلت مولاي عافاك ... المعافى من عبرتى ونحولى )
( أنا جفنى القريح يروى عن الأعمش ... والجفن منك عن مكحول ) وقال
( أشكو لمبسه الحريق وقد حمى ... عنى لماه المشتهى ورحيقه )
( يا ريقه حيرتنى ومطلتنى ... ما أنت إلا بارد يا ريقه )
وقال فيمن ركب البحر وماد
( ركب السفينة واستقل بافقها ... فكأنما ركب الهلال الفرقد )

حذف 1 502
( وشكوا إليه بميده فأجبتهم ... لا غرو ان ماد القضيب الأملد ) وقال عندما خرج السلطان ابن الأحمر من فاس متوجها إلى الأندلس لطلب حقه
( ولما حثثت السير والله حاكم ... لملكك فى الدنيا بعز وفى الأخرى )
( حكى فرس الشطرنج طرفك لا يرى ... ينقل من بيضاء إلا إلى حمرا ) ويعنى بالبيضاء فاسا الجديدة وبالحمراء حمراء غرناطة وتذكرت هنا أن بعض علماء الأندلس وأظنه أبا عبد الله ابن جزى لما رمدت عين بعض أهل فاس سأله عنها فقال
( يا سيدي عينى قد ... أودى قذاها بالأنس )
( فانظر إليها ترها ... دار مليك الأندلس ) يعني حمراء فأجابه بقوله
( وقيت مما تشتكى ... من القذى والوصب )
( ما رمدت عيناك بل ... عين العلا والأدب )
( فلتحمدن أن لم تكن ... دار مليك المغرب ) نى وقد خنقتنى ... عبرات قد أعربت عن ولوعى )
( صحت من ينصر الغريب فلما ... لم أجد ناصرا بلعت دموعى ) وقال
( قال لى والدموع تنهل سحبا ... فى عراص من الخدود محول )
( بك ما بى فقلت مولاي عافاك ... المعافى من عبرتى ونحولى )
( أنا جفنى القريح يروى عن الأعمش ... والجفن منك عن مكحول ) وقال
( أشكو لمبسه الحريق وقد حمى ... عنى لماه المشتهى ورحيقه )
( يا ريقه حيرتنى ومطلتنى ... ما أنت إلا بارد يا ريقه ) وقال فيمن ركب البحر وماد
( ركب السفينة واستقل بافقها ... فكأنما ركب الهلال الفرقد )

( وشكوا إليه بميده فأجبتهم ... لا غرو ان ماد القضيب الأملد )
وقال عندما خرج السلطان ابن الأحمر من فاس متوجها إلى الأندلس لطلب حقه
( ولما حثثت السير والله حاكم ... لملكك فى الدنيا بعز وفى الأخرى )
( حكى فرس الشطرنج طرفك لا يرى ... ينقل من بيضاء إلا إلى حمرا )
ويعنى بالبيضاء فاسا الجديدة وبالحمراء حمراء غرناطة
وتذكرت هنا أن بعض علماء الأندلس وأظنه أبا عبد الله ابن جزى لما رمدت عين بعض أهل فاس سأله عنها فقال
( يا سيدي عينى قد ... أودى قذاها بالأنس )
( فانظر إليها ترها ... دار مليك الأندلس )
يعني حمراء فأجابه بقوله
( وقيت مما تشتكى ... من القذى والوصب )
( ما رمدت عيناك بل ... عين العلا والأدب )
( فلتحمدن أن لم تكن ... دار مليك المغرب )
يعني بيضاء وهذا من غريب ما يحاضر به
رجع وقال لسان الدين رحمه الله تعالى
( أجاد يراع الحسن خط عذاره ... وأودعه السر المصون الذى يدري )
( ولم يفتقر فيه لختم وطابع ... فمبسمه أغناه عن طابع السر )

وقال فى غرناطة
( أحييك يا معنى الكمال بواجب ... وأقطع فى أوصافك الغر أوقاتى )
( تقسم منك الترب قومى وجيرتى ... ففى الظهر أحيائى وفى البطن أمواتى )
وقال فى غرض ينحو نحو المشارقة
( رموا بالسلو حليف الغرام ... وأدمعه كالحيا الهاطل )
( أعوذ بعزك يا سيدي ... لذلى من دعوة الباطل ) وقال
( يا ليل طلت ولم تجد بتبسم ... وأريتني خلق العبوس النادم )
( هلا رحمت تغربى وتفرقى ... لله ما أقساك يا ابن الخادم )
وقال فى مروحة سلطانية
( كأنى قوس الشمس عند طلوعها ... وقد قدمت من قبلها نسمة الفجر )
( وإلا كما هبت بمحتدم الوغى ... بنصر ولكن من بنود بنى نصر )
وقال يخاطب شيخه ابن الجياب
( بين السهام وبين كتبك نسبة ... فبها يصاب من العدو المقتل )
( وإذا أردت لها زيادة نسبة ... هذى وهذى فى الكنانة تجعل )
وقال يتغزل وفيه معنى غريب
( إن اللحاظ هى السيوف حقيقة ... ومن استراب فحجتى تكفيه )
( لم يدع غمد السيف جفنا باطلا ... إلا لشبه اللحظ يغمد فيه )

قيل وأحسن منه قول غيره
( إن العيون النجل أمضى موقعا ... من كل هندى وكل يمانى )
( فضل العيون على السيوف بأنها ... قتلت ولم تخرج من الأجفان )
وأصل ما قال لسان الدين قول الأول
( بين السيوف وعينيه مناسبة ... من اجلها قيل للأغماد أجفان )
وقال لسان الدين رحمه الله تعالى فى الساعة وتسميها المغاربة المنجانه
( تأمل الرمل فى المنجان منقطعا ... يجرى وقدره عمرا منك منتهبا )
( والله لو كان وادى الرمل ينجده ... ما طال كامله إلا وقد ذهبا ) وقال
( أقول لعاذلى لما نهانى ... وقد وجد المقالة إذ جفانى )
( علمت بأنه مر التجنى ... وفاتك أنه حلو اللسان )
وقال فى غرض صوفى
( لا تنكروا إن كنت قد أحببتكم ... أو أننى استولى على هواكم )
( طوعا وكرها ما ترون فإننى ... طفت الوجود فما وجدت سواكم )
وقال يمدح وفيه تورية
( وإن نظرت إلى لألاء غرته ... يوم الهياج رأيت الشمس فى الأسد )
وقال مما يكتب على طاق الماء بباب القبة

( أنا طاق تزهو بى الأيام ... تعبت فى بدائعى الأفهام )
( وتبديت للنواظر محرابا ... كأن الإناء فى امام )
( واقف للصلاة حتى إذا ما ... جئت للشرب حان منى سلام )
وقال فى ذلك أيضا
( يا صانعى لله ما أحكمته ... فلأنت بين العالمين رئيس )
( أحكمت تاجى يوم صغت رقوشه ... فصبت اليه مفارق ورؤوس )
( وأقمت فى محرابه فكأنه ... مجلى إناء الماء فيه عروس )
وقال فى المشيب
( أنى لمثلى بالهوى من بعد ما ... للوخط فى الفودين أي دبيب )
( لبس البياض وحل ذروة منبر ... منى ووإلى الوعظ فعل خطيب )
وقال رحمه الله تعالى
( والله ما جان على ماله ... أو جاهه من ذب عن عرضه )
( والناس فى خير وفى ضده ... هم شهداء الله فى أرضه ) وقال
( إلهى بالبيت المقدس والمسعى ... وجمع إذا ما الخلق قد نزلوا جمعا )
( وبالموقف المشهود يا رب فى منى ... إذا ما أسال الناس من خوفك الدمعا )
( وبالمصطفى والصحب عجل إقالتى ... وأنجح دعائى فيك يا خير من يدعى )
( صدعت وأنت المستغاث جنابه ... أقل عثرتى يا موئلى واجبر الصدعا )

وقال رحمه الله تعالى فى بنيونش سبتة
( بنيونش أسنى الأماكن رقعه ... وأجل أرض الله طرا شانا )
( هى جنة الدنيا التى من حلها ... نال الرضى والروح والريحانا )
( قالوا القرود بها فقلت فضيلة ... حيوانها قد قارب الإنسانا )
وفى بنيونش هذه يقول أبو عبد الله ابن مجبر
( بنيونش جنة ولكن ... طريقها يقطع النياطا )
( وجنة الخلد لا يراها ... إلا فتى يقطع الصرطا )
وقال ابن الخطيب رحمه الله تعالى
( إن الهوى لشكاية معروفة ... صبر التصبر من أجل علاجها )
( والنفس إن ألفت مرارة طعمه ... يوما ضمنت لها صلاح مزاجها )
وقال رحمه الله تعالى
( ولما رأت عزمى حثيثا على السرى ... وقد رابها صبرى على موقف البين )
( أتت بصحاح الجوهرى دموعها ... فقابلت من دمعى بمختصر العين ) وقال رحمه الله تعالى
( تذكرت عهدا كان أحلى من الكرى ... وأقصر من إلمام طيف خياله )

( فيا ليت شعرى من أتاح لى المنى ... وعذب بالى هل أمر بباله ) وقال رحمه الله تعالى
( عينى جنت فعلام تحرق أضلعى ... أبما جنى جار يعذب جار )
( يا قلب لا تدهشك نيران الهوى ... فكنار إبراهيم تلك النار )
( فاصبر على ما حملوا تنل المنى ... بالسبك أدرك نقشه الدينار ) وقال رحمه الله تعالى
( وما كان إلا أن جنى الطرف نظرة ... غدا القلب رهنا فى عقوبة ذنبه )
( وما العدل أن يأتى امرؤ بجريرة ... فيؤخذ فى اوزارها جار جنبه ) وقال رحمه الله تعالى
( برى جسدى فيكم غرام ولوعة ... إذا سكن الليل البهيم تثور )
( فلولا أنيني ما اهتدى نحو مضجعى ... خيالكم بالليل حين يزور )
( ولو شئت فى طى الكتاب لزرتكم ... ولم تدر عنى أحرف وسطور )
وقال رحمه الله تعالى
( بلد تحف به الرياض كأنه ... وجه جميل والرياض عذاره )
( وكأنما وادية معصم غادة ... ومن الجسور المحكمات سواره ) وقال رحمه الله تعالى يخاطب السلطان أبا حمو صاحب تلمسان ويشكره على ما كان أعان به أهل الأندلس
( لقد زار الجزيرة منك بحر ... يمد فليس تعرف منه جزرا )

( أعدت لها بعهدك عهد موسى ... سميك فهى تتلو منه ذكرا )
( أقمت جدارها وأفدت كنزا ... ولو شئت اتخذت عليه أجرا ) وقال أيضا
( وقالوا الجزيرة قد صوحت ... فقلت غمام الندى تنتظر )
( إذا وكفت كف موسى بها ... غماما يعود الجناب الخضر )
وقال رحمه الله تعالى عقب الإياب من الرحلة المراكشية
( أفادت وجهتى بنداك مالا ... قضى دينى وأصلح بعض حالى )
( ومتعت الخواطر بانشراح ... وأطرفت النواظر باكتحال )
( وأبت خفيف ظهر والمظايا ... بجاهك تشتكى ثقل الرحال )
( وشانى للمعالم غير شان ... وحالى بالمكارم جد حال )
( فحب علاك إيمانى وعقدى ... وشكر نداك دينى وانتحالى )
( كما قد صح لله انقطاعى ... بتأميلي جنابك وارتحالى )
( وما يبقى سوى فعل جميل ... وحال الدهر لا تبقى بحال )
( وكل بداية فإلى انتهاء ... وكل إقامة فإلى ارتحال )
( ومن سام الزمان دوام أمر ... فقد وقف الرجاء على المحال )
وقال رحمه الله تعالى فى الضراعة الى ربه والاعتراف بذنبه
( مولاي إن أذنبت ينكر أن يرى ... منك الكمال ومنى النقصان )
( والعفو عن سبب الذنوب مسبب ... لولا الجناية لم يكن غفران )

وقال رحمه الله تعالى
( سلام على تلك المرابع إنها ... معاهد الأفي وعهد صحابى )
( ويا آسة المغنى انعمى فلطالما ... سكبت على مثواك ماء شبابى )
وقال سامحه الله تعالى
( أموطنى الذى أزعجت منه ... ولم أرزأ به مالا ولا دم )
( لئن أزعجت عنك بغير قصد ... فقبلى فارق الفردوس آدم )
ومن ميلادياتة رحمه الله تعالى قوله
( ما على القلب بعدكم من جناح ... أن يرى طائرا بغير جناح )
( وعلى الشوق أن يشب إذا هب ... بأنفاسكم نسيم الصباح )
( جيرة الحى والحديث شجون ... والليالى تلين بعد الجماح )
( أترون السلو خامر قلبى ... بعدكم لا وفالق الإصباح )
( ولو أنى أعطى اقتراحى على ... الأيام ما كان بعدكم باقتراحى )
( ضايقتنى فيكم صروف الليالى ... واستدارت على دور الوشاح )
( وسقتنى كأس الفراق دهاقا ... فى اغتباق مواصل واصطباح )
( واستباحت من جدتى وفتائى ... حرما لم أخله بالمستباح )
ومنها
( يا ترى والنفوس أسرى أمان ... ما لها من وثاقها من سراح )
( هل يباح الورود بعد ذياد ... أو يتاح اللقاء بعد انتزاح )

( واذا أعوز الجسوم التلاقى ... ناب عنه تعارف الأرواح )
وهى طويلة لم يحضرنى منها الآن سوى ما ذكرته
وقد حذا حذوها الفقيه الكاتب أبو زكريا يحيى بن خلدون أخو قاضى القضاة ولى الدين بن خلدون صاحب التاريخ فقال فى مولد عام ثمانية وسبعين وسبعمائة واستطرد لمدح السلطان أبى حمو موسى صاحب تلمسان الذى تقدم ذكره قريبا
( ما على الصب فى الهوى من جناح ... أن يرى حلف عبره وافتضاح )
( وإذا ما المحب عيل اصطبارا ... كيف يصغى إلى نصيحة لاح )
( يا رعى الله بالمحصب ربعا ... آذنت عهده النوى بانتزاح )
( كم أدرنا كأس الهوى فيه مزحا ... رب جد من الجوى فى المزاح )
( هل إلى رسمه المحيل سبيل ... يا حداه المطى تلك الطلاح )
( نسأل الدار بالخليط ونسقى ... ذلك الربع بالدموع السفاح )
( أي شجو عاينت بعد نواها ... من أسى لازم وصبر مزاح )
( أهل ودى إن رابكم برح وجدى ... من صبا بارق وبرق لياح )
( فاسألوا البرق عن خفوق فؤادى ... والصبا عن سقام جسمى المتاح )
( يا أهيل الحمى نداء مشوق ... ما له عن هوى الدمى من براح )
( طالما استعذب المدامع وردا ... فى هواكم عن كل عذب قراح )
( عادة بالطلول للشوق عيد ... من حمام بدوحهن صداح )
( من لقلب من الجوى فى ضرام ... ولجفن من البكا فى جراح )
( ولصب يهيجه الذكر شوقا ... فهو سكرا يرتاد من غير راح )
( وليال قضيت للهو فيها ... وطرا والشباب ضافى الجناح )

( راكبا فى الهوى ذلول تصاب ... ساحبا فى الغرام ذيل مراح )
( ونجوم المنى تنير إلى إن ... روع الشيب سربها بالصباح )
( أي مسرى حمدت لم أخل منه ... بسوى حسرة وطول افتضاح )
( واخسارى يوم القيامة إن لم ... يغفرالله زلتى واجتراحى )
( لم أقدم وسيلة فيه إلا ... حب خير الورى الشفيع الماحى )
( سيد العالمين دنيا وأخرى ... أشرف الخلق فى العلا والسماح )
( سيد الكون من سماء وأرض ... سره بين غاية وافتتاح )
( زهرة الغيب مظهر الوحى معنى النور ... كنه المشكاة والمصباح )
( آية المكرمات قطب المعالى ... مصطفى الله من قريش البطاح )
( أول الأنبياء تخصيص زلفى ... آخر المرسلين بعث نجاح )
( صفوة الخلق أرفع الرسل قدرا ... وسراج الهدى وشمس الفلاح )
( من لميلاده بمكة ضاءت ... من قرى قيصر جميع الضواحى )
( وخبت نار فارس وتداعت ... من مشيد الإيوان كل النواحى )
( من رقى فى السماء سبعا طباقا ... ورأى آي ربه فى اتضاح )
( ودنا منه قاب قوسين قربا ... ظافرا فى العلا بكل اقتراح )
( من هدى الخلق بين حمر وسود ... وجلا ليل غيهم بالصباح )
( من يجير الورى غدا يوم يجزى ... كل عاص وطائع باجتراح )
( من إلى حوضه وظل لواه ... يلجأ الناس بين ظام وضاحى )
( أحمد المجتبى حبيبا وأنى ... فوق عز الحبيب مرمى طماح )
( فى أناجيلة المسيح تلاه ... باسمه والكليم فى الألواح )
( ولكم حجة وبرهان صدق ... فى سماع أتى بها والتماح )
( إن فى النجم والنبات لآيا ... بهرت والجماد والأرواح )
( معجزات فتن المدارك وصفا ... وحسابا كالزهر أو كالصباح )

( يا رواة القريض والشعر عجزا ... ما عسى تدركون بالأمداح )
( إنما حسبنا الصلاة عليه ... وهى للفوز آية استفتاح )
( يا إلهى بحق أحمد عفوا ... عن ذنوب جنيتهن قباح )
( وأدم دولة الخليفة موسى ... ذى المعالى المبينة الأوضاح )
( مفخر الملك مستقر المزايا ... مظهر اللطف ذو التقى والصلاح )
( ناصر الحق خاذل الجور عدلا ... ملجأ الخائفين بحر السماح )
( يتلقى الندى بوجه حيي ... ويلاقى العدا ببأس صفاح )
( وله المكرمات إرثا ولبسا ... حاز حمدا بها معلى القداح )
( من علا باذخ وفخر صميم ... وكمال بحت ومجد صراح )
( وأحاديث فى المعالى حسان ... رويت عنه فى العوالى الصحاح )
( عاقد صفقة العلا كل حين ... فائز فيه سعيه بالرباح )
( للندى والهدى يروح ويغدو ... أي مغدى الى العلا ومراح )
( ملك تشرق الأسرة منه ... فى سماء السرير نور صباح )
( وإذا ما علا بعالى العوالى ... صهوة الجرد فهو ليث الكفاح )
( لبس الدهر منه حله حسن ... وثنى للسرور عطف مراح )
( وعلى عاتق الخلافة منه ... طرز فخر سبى النهى بالتماح )
( ورث الملك شامخا عن سراة ... شيدوا ركنه بايدى الصفاح )
( من بنى القاسم الذين تحلوا ... بالمعالى واستأثروا بالفلاح )
( فرعوا هضبة الخلافة مجدا ... رفعوا سقفه على الأرماح )
( نشروا راية المفاخر حمدا ... خافق النور بالربى والبطاح )
( يا إماما بذ الملوك جلالا ... وجمالا فديت بالأرواح )
( أنت شمس الكمال دمت عليها ... فى اغتباق من المنى واصطباح )
( وبنوك الأعلون أنجم سعد ... زاهرات بنورك الوضاح )
( وأبو تاشفين بدر منير ... زانه الله بالخلال الصباح )

( أكمل العالمين خلقا وخلقا ... أشرف الناس فى الندى والكفاح )
( وبكم زينت سماء المعالى ... واهتدى الناس فى الدجى والصباح )
وكان السلطان ابو حمو الممدوح بهذه القصيدة يحتفل لليلة مولد رسول الله صلى الله عليه و سلم غاية الاحتفال كما كان ملوك المغرب والأندلس فى ذلك العصر وما قبله
ومن احتفاله له ما حكاه شيخ شيوخ شيوخنا الحافظ سيدي أبو عبد الله التنسى ثم التلمسانى فى كتابه راح الأرواح فيما قاله المولى أبو حمو من الشعر وقيل فيه من الأمداح وما يوافق ذلك على حسب الاقتراح ونصه أنه كان يقيم ليلة الميلاد النبوى على صاحبه الصلاة والسلام بمشورة من تلمسان المحروسة مدعاة حفيلة يحشر فيها الناس خاصة وعامة فما شئت من نمارق مصفوفة وزرابى مبثوثة وبسط موشاة ووسائد بالذهب مغشاة وشمع كالأسطوانات وموائد كالهالات ومباخر منصوبة كالقباب يخالها المبصر تبرا مذاب ويفاض على الجميع أنواع الأطعمة كأنها أزهار الربيع المنمنمة تشتهيها الأنفس وتستلذها النواظر ويخالط حسن رياها الأرواح ويخامر رتب الناس فيها على مراتبهم ترتيب احتفال وقد علت الجميع أبهة الوقار والإجلال وبعقب ذلك يحتفل المسمعون بأمداح المصطفى عليه الصلاة و السلام ومكفرات ترغب فى الإقلاع عن الآثام يخرجون فيها من فن إلى فن ومن أسلوب إلى أسلوب ويأتون من ذلك بما تطرب له النفوس وترتاح إلى سماعه القلوب وبالقرب من السلطان رضوان الله تعالى عليه خزانة المنجانة قد زخرفت كأنها حلة يمانية لها أبواب موجفة على عدد ساعات الليل

الزمانية فمهما مضت ساعة وقع النقر بقدر حسابها وفتح عند ذلك باب من أبوابها وبرزت منه جارية صورت فى أحسن صورة فى يدها اليمنى رقعة مشتملة على نظم فيه تلك الساعة باسمها مسطورة فتضعها بين يدي السلطان بلطافة ويسراها على فمها كالمؤدية بالمبايعة حق الخلافة هكذا حالهم الى انبلاج عمود الصباح ونداء المنادى حى على الفلاح انتهى
وقال التنسى المذكور فى كتابه المسمى ب نظم الدر والقيان فى شرف بنى زيان وذكر ملوكهم الأعيان ما نصه وكان السلطان أبو حمو يقوم بحق ليلة مولد المصطفى صلى الله عليه و سلم ويحتفل لها بما هو فوق سائر المواسم يقيم مدعاة يحشر لها الأشراف والسوقة فما شئت من نمارق مصفوفة وزرابى مبثوثة وشمع كالأطوانات وأعيان الحضرة على مراتبهم تطوف عليهم ولدان قد لبسوا أقبية الخز الملون وبأيديهم مباخر ومرشات ينال كل منها بحظة وخزانة المنجانة ذات تماثيل لجين محكمة الصنعه بأعلاها أيكة تحمل طائرا فرخاه تحت جناحيه ويختله فيهما أرقم خارج من كوة بجذر الأيكة صاعدا وبصدرها أبواب مرتجة بعدد ساعات الليل الزمانية يصاقب طرفيها بابان كبيران وفوق جميعها دوين رأس الخزانة قمر أكمل يسير على خط الاستواء سير نظيره فى الفلك ويسامت أول كل ساعة بابها المرتج فينقض من البابين الكبيرين عقابان بفى كل واحد منهما صنجة صفر يلقيها إلى طست من الصفر مجوف بوسطة ثقب يفضى بها إلى داخل الخزانة فيرن وينهش الأرقم أحد الفرخين فيصفر له أبوه فهناك يفتح باب الساعة الذاهبة وتبرز منه جارية محتزمة كأظرف ما أنت راء بيمناها إضبارة فيها اسم ساعتها منظوما ويسراها موضوعة على فيها كالمبايعة بالخلافة والمسمع قائم ينشد

أمداح سيد المرسيلن وخاتم النبيين سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه و سلم ثم يؤتى آخر الليل بموائد كالهالات دورا والرياض نورا وقد اشتملت من أنواع محاسن المطاعم على ألوان تشتهيها الأنفس وتستحسنها الأعين وتلذ بسماع اسمائها الآذان ويشره مبصرها للقرب منها والتناول وأن كان ليس بغرثان والسلطان لم يفارق مجلسه الذى ابتدأ جلوسه فيه وكل ذلك بمرأى منه ومسمع حتى يصلى هنالك صلاة الصبح
على هذا الأسلوب تمضى ليلة المصطفى صلى الله عليه و سلم فى جميع أيام دولته أعلى الله تعالى مقامه فى عليين وشكر له فى ذلك صنيعه الجميل آمين
وما من ليلة مولد مرت فى أيامه إلا ونظم فيها قصيدا فى مديح مولد المصطفى صلى الله عليه و سلم
أول ما يبتدىء المسمع فى ذلك الحفل العظيم بإنشاده ثم يتلوه إنشاد من رفع الى مقامه العلى فى تلك الليلة نظما انتهى وهو أتم مساقا مما فى راح الأرواح
ولا باس أن نلم ببعض المقطوعات التى أنشأها الكاتب أبو زكريا يحيى ابن خلدون المذكور على لسان جارية المنجانة فى مخاطبة السلطان أبى حمو معلمة بما مر من ليل ففى مضى ساعتين قوله
( أخليفة الرحمن والملك الذى ... تعنو لعز علاه أملاك البشر )
( لله مجلسك الذى يحكي علا ... بك مالكى أفق السماء لمن نظر )
( أوما ترى فيه النجوم زواهرا ... وجه الخليفة بينهن هو القمر )
( والليل منه ساعتان قد انقضت ... تثنى عليك ثنا الرياض على المطر )
( لا زال هذا الملك منصورا بكم ... وبلغت مما ترتجى أسنى الوطر )

( أمولاي يا ابن الملوك الألى ... لهم فى المعالى سنى الرتب )
( تولت ثلاث من الليل أبقت ... لك الفخر فى عجمها والعرب )
( فدم حجة الله فى أرضه ... تنال الذى شئته من أرب )
وقوله فى مضى ست ساعات
( يا ماجدا وهو فرد ... تخاله فى عساكر )
( ست من الليل ولت ... ما إن لها من نظائر )
( دامت لياليك حتى ... إلى المعاد نواضر )
وقوله فى مضى ثمانى ساعات
( يا أكرم الخلق ذاتا ... وأشرف الناس أسره )
( مرت ثمان وأبقت ... فى القلب منى حسرة )
( فيهن كان شبابى ... أخا نعيم ونضره )
( ولى بها الدهر عنى ... ترى لها بعد كره )
( فالله يبقيك مولى ... يطيل فى السعد عمره )
وقوله فى مضى عشر ساعات
( يا مالك الخير والخيل التى حكمت ... له بعز على الأيام مقتبل )
( هذا الصباح وقد لاحت بشائره ... والليل ودعنا توديع مرتحل )
( لله عشر من الساعات باهرة ... مضين لا عن قلى منا ولا ملل )
( كذا تمر ليالي العمر راحلة ... عنا ونحن من الآمال فى شغل )
( نمسى ونصبح فى لهو نسر به ... جهلا وذلك يدنينا من الأجل )

( والعمر يمضى ولا ندري فوا أسفا ... عليه إذا مر فى الآثام والزلل )
( يا ليت شعرى غدا كيف الخلاص به ... ولم نقدم له شيئا من العمل )
( يا رب عفوك عما قد جنته يدي ... فليس لى بجزاء الذنب من قبل )
( يا رب وانصر أمير المسلمين أبا ... حمو الرضى وأنله غاية الأمل )
( وأبق فى العز والتمكين مدته ... وأعل دولته الغرا على الدول )
انتهى المجلد السادس

بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الخامس تتمه
رجع الى نظم لسان الدين رحمه الله تعالى فنقول وأما موشحاته وأزجاله فكثيرة وقد انتهت إليه رياسة هذا الفن كما صرح بذلك قاضي القضاة ابن خلدون في مقدمة تاريخه الكبير ولنذكر بعض كلامه إذ لا يخلو من فائدة زائدة قال رحمه الله تعالى ما ملخصه وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم وتهذبت مناحيه وفنونه وبلغ التنميق فيه الغاية استحدث المتأخرون منهم فنا منه سموه بالموشح ينظمونه أسماطا أسماطا وأغصانا أغصانا يكثرون منها ومن أعاريضها المختلفة ويسمون المتعدد منها بيتا واحدا ويلتزمون عدد قوافي تلك الأغصان وأوزانها متتاليا فيما بعد إلى آخر القطعة وأكثر ما ينتهي عندهم إلى سبعة أبيات ويشتمل كل بيت على اغصان عددها بحسب الأغراض والمذاهب وينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد وتجاوزوا في ذلك إلى الغاية واستظرفه الناس وحمده الخاصة والكافة لسهولة تناوله وقرب طريقه وكان المخترع

لها بجزيرة الأندلس مقدم بن معافى القبري من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني وأخذ عنه ذلك ابن عبد ربه صاحب العقد ولم يذكر لهما مع المتأخرين ذكر وكسدت موشحاتهما فكان أول من برع في هذا الشأن بعدهما عبادة القزاز شاعر المعتصم بن صمادح صاحب المرية وقد ذكر الأعلم البطليوسي أنه سمع أبا بكر ابن زهر يقول كل الوشاحين عيال على عبادة القزاز فيما اتفق له من قوله
( بدر تم شمس ضحى ... غصن نقا مسك شم )
( ما أتم ما أوضحا ... ما أورقا ما أنم )
( لا جرم من لمحا ... قد عشقا قد حرم )
وزعموا أنه لم يسبق عبادة وشاح من معاصريه الذين كانوا في زمان ملوك الطوائف وجاء مصليا خلفه منهم ابن أرفع رأسه شاعر المأمون بن ذي النون صاحب طليطلة قالوا وقد أحسن في ابتدائه في الموشحة التي طارت له حيث يقول
( العود قد ترنم بأبدع تلحين ... وشقت المذانب رياض البساتين )
وفي انتهائه حيث يقول
( تخطر ولم تسلم عساك المأمون ... مروع الكتائب يحيى بن ذي النون )
ثم جاءت الحلبة التي كانت في مدة الملثمين فظهرت لهم البدائع وفرسان حلبتهم الأعمى التطيلي ثم يحيى بن بقي وللتطيلي من الموشحات المذهبة قوله

( كيف السبيل إلى صبري وفي المعالم أشجان ... )
( والركب وسط الفلابالخرد النواعم قد بانوا ... )
وذكر غير واحد من المشايخ أن أهل هذا الشأن بالأندلس يذكرون أن جماعة من الوشاحين اجتمعوا في مجلس بإشبيلية وكان كل واحد منهم قد صنع موشحة وتأنق فيها فتقدم الأعمى التطليلي للإنشاد فلما افتتح موشحته المشهورة بقوله
( ضاحك عن جمان ... سافر عن بدر )
( ضاق عنه الزمان ... وحواه صدري )
خرق ابن بقي موشحته وتبعه الباقون
وذكر الأعلم البطليوسي أنه سمع ابن زهر يقول ما حسدت قط وشاحا على قول إلا ابن بقي حين وقع له
( أما ترى أحمد في مجده العالي لا يلحق ... )
( أطلعه المغرب فأرنا مثله يا مشرق ... )
وكان في عصرهما من الوشاحين المطبوعين أبو بكر الأبيض وكان في عصرهم أيضا الحكيم أبو بكر ابن باجة صاحب التلاحين المعروفة
ومن الحكايات المشهورة أنه حضر مجلس مخدومه ابن تيفلويت صاحب سرقسطة فألقىعليه بعض موشحته

( جرر الذيل أيما جر ... وصل السكر منك بالسكر )
فطرب الممدوح لذلك وختمها بقوله
( عقد الله راية النصر ... لأمير العلا أبي بكر )
فلما طرق ذلك التلحين سمع ابن تيفلويت صاح واطرباه وشق ثيابه وقال ما أحسن ما بدأت وما ختمت وحلف الأيمان المغلظة أن لا يمشي ابن باجة لداره إلا على الذهب فخاف الحكيم سوء العاقبة فاحتال بأن جعل ذهبا في نعله ومشى عليه
ثم قال ابن خلدون بعد كلام واشتهر بعد هؤلاء في صدر دولة الموحدين محمد بن أبي الفضل بن شرف إلى أن قال وابن هردوس الذي له
( يا ليلة الوصل والسعود ... بالله عودي )
وابن مؤهل الذي له
( ما العيد في حلة وطاق وشم طيب ... )
( وإنما العيد في التلاقي مع الحبيب ... )
وأبو إسحاق الزويلي

قال ابن سعيد سمعت أبا الحسن سهل بن مالك يقول إنه دخل على ابن زهر وقد أسن وعليه زي البادية إذ كان يسكن بحصن سبتة فلم يعرفه فجلس حيث انتهى به المجلس وجرت المحاضرة أن أنشد لنفسه موشحة وقع فيها
( كحل الدجى يجري من مقلة الفجرعلى الصباح ... )
( ومعصم النهرفي حلل خضرمن البطاح ... )
فتحرك ابن زهر وقال أنت تقول هذا قال اختبر قال ومن تكون فأخبره فقال ارتفع فوالله ما عرفتك
قال ابن سعيد وسابق الحلبة التي أدركت هو أبو بكر ابن زهر وقد شرقت موشحاته وغربت قال وسمعت أبا الحسن سهل بن مالك يقول قيل لابن زهر لو قيل لك ما أبدع ما وقع لك في التوشيح فقال كنت أقول
( ما للموله من سكره لا يفيق يا له سكران ... )
( من غير خمر ما للكثيب المشوق يندب الأوطان ... )
( هل تستعادأيامنا بالخليج وليالينا ... )
( إذ يستفاد من النسيم الأريج مسك دارينا ... )
( وإذ يكاد حسن المكان البهيج أن يحيينا ... )
( نهر أظله دوح عليه أنيق مؤنق فينان ... )
( والماء يجري وعائم وغريق من جنى الريحان ... )
واشتهر بعده ابن حيون إلى أن قال وبعد هؤلاء ابن حزمون بمرسية ذكر ابن الرائس أن يحيى الخزرجي دخل عليه في مجلسه فأنشده موشحة لنفسه فقال له ابن حزمون ما الموشح بموشح حتى يكون عاريا من التكلف فقال

على مثل ماذا فقال على مثل قولي
( يا هاجري ... هل إلى الوصال ... منك سبيل )
( أو هل يرى ... عن هواك سال ... قلب العليل )
وأبو الحسن سهل بن مالك بغرناطة قال ابن سعيد كان والدي يعجب بقوله
( إن سيل الصباح في الشرق ... عاد بحرا في أجمع الأفق )
( فتداعت نوادب الورق ... أتراها خافت من الغرق )
( فبكت سحرة على الورق ... )
واشتهر بإشبيلية لذلك العهد ابو الحسن ابن الفضل قال ابن سعيد عن والده سمعت سهل بن مالك يقول له يا ابن الفضل لك على الوشاحين الفضل بقولك
( واحسرتي لزمان مضى ... عشية بان الهوى وانقضى )
( وأفردت بالرغم لا بالرضى ... وبت على جمرات الغضا )
( أعانق بالفكر تلك الطلول ... وألثم بالوهم تلك الرسوم )
قال وسمعت أبا بكر ابن الصابوني ينشد الأستاذ أبا الحسن الدباج موشحاته غير ما مرة فما سمعته يقول لله درك إلا في قوله
( قسما بالهوى لذي حجر ... ما لليل المشوق من فجر )
( خمد الصبح ليس يطرد ... )
( ما لليلي فيما أظن غد ... )
( صح يا ليل أنك الأبد ... )
( أو تقضت قوادم النسر ... فنجوم السماء لا تسري )

ومن موشحات ابن الصابوني قوله
( ما حال صب ذي ضنى واكتئاب ... أمرضه يا ويلتاه الطبيب )
( عامله محبوبه باجتناب ... ثم اقتدى فيه الكرى بالحبيب )
( جفا جفوني النوم لكنني ... لم أبكه إلا لفقد الخيال )
( وذو الوصال اليوم قد غرني ... منه كما شاء وشاء الوصال )
( فلست باللائم من صدني ... بصورة الحق ولا بالمحال )
واشتهر ببر العدوة ابن خلف الجزائري صاحب الموشحة المشهورة
( يد الإصباح ... قد قدحت ... زناد الأنوار ... من مجامر الزهر )
وابن خزر البجائي وله من موشحة
( ثغر الزمان موافق ... حياك منه بابتسام )
ومن محاسن الموشحات موشحة ابن سهل شاعر إشبيلية وسبتة من بعدها
( هل درى ظبي الحمى أن قد حمى ... قلب صب حله عن مكنس )
( فهو في حر وخفق مثلما ... لعبت ريح الصبا بالقبس )
وقد نسج على منواله فيها صاحبنا الوزير أبو عبد الله ابن الخطيب شاعر الأندلس والمغرب لعصره فقال
( جادك الغيث إذا الغيث همى ... يا زمان الوصل بالأندلس )
( لم يكن وصلك إلا حلما ... في الكرى أو خلسة المختلس )

( إذ يقود الدهر أشتات المنى ... ينقل الخطو على ما يرسم )
( زمرا بين فرادى وثنا ... مثلما يدعو الوفود الموسم )
( والحيا قد جلل الروض سنا ... فثغور الزهر منه تبسم )
( وروى النعمان عن ماء السما ... كيف يروي مالك عن أنس )
( فكساه الحسن ثوبا معلما ... يزدهي منه بأبهى ملبس )
( في ليال كتمت سر الهوى ... بالدجى لولا شموس الغرر )
( مال نجم الكأس فيها وهوى ... مستقيم السير سعد الأثر )
( وطر ما فيه من عيب سوى ... أنه مر كلمح البصر )
( حين لذ الأنس شيئا أو كما ... هجم الصبح هجوم الحرس )
( غارت الشهب بنا أو ربما ... أثرت فينا عيون النرجس )
( أي شيء لامرىءقد خلصا ... فيكون الروض قد مكن فيه )
( تنهب الأزهار منه الفرصا ... أمنت من مكره ما تتقيه )
( فإذا الماء تناجى والحصى ... وخلا كل خليل بأخيه )
( تبصر الورد غيورا برما ... يكتسي من غيظه ما يكتسي )
( وترى الآسى لبيبا فهما ... يسرق السمع بأذني فرس )
( يا أهيل الحي من وادي الغضا ... وبقلبي سكن أنتم به )
( ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا ... لا أبالي شرقه من غربه )
( فأعيدوا عهد أنس قد مضى ... تعتقوا عانيكم من كربه )
( واتقوا الله وأحيو مغرما ... يتلاشى نفسا في نفس )
( حبس القلب عليكم كرما ... أفترضون عفاء الحبس )

( وبقلبي منكم مقترب ... بأحاديث المنى وهو بعيد )
( قمر أطلع منه المغرب ... شقوة المغرى به وهو سعيد )
( قد تساوى محسن أو مذنب ... في هواه بين وعد ووعيد )
( ساحر المقلة معسول اللمى ... جال في النفس مجال النفس )
( سدد السهم وسمى ورمى ... ففؤادي نهبة المفترس )
( إن يكن جار وخاب الأمل ... وفؤاد الصب بالشوق يذوب )
( فهو للنفس حبيب أول ... ليس في الحب لمحبوب ذنوب )
( أمره معتمل ممتثل ... في ضلوع قد براها وقلوب )
( حكم اللحظ بها فاحتكما ... لم يراقب في ضعاف الأنفس )
( منصف المظلوم ممن ظلما ... ومجازي البر منها والمسي )
( ما لقلبي كلما هبت صبا ... عاده عيد من الشوق جديد )
( كان في اللوح له مكتتبا ... قوله ( إن عذابي لشديد )
( جلب الهم له والوصبا ... فهو للأشجان في جهد جهيد )
( لاعج في أضلعي قد أضرما ... فهي نار في هشيم اليبس )
( لم يدع في مهجتي إلا ذما ... كبقاء الصبح بعد الغلس )
( سلمى يا نفس في حكم القضا ... واعمري الوقت برجعى ومتاب )
( دعك من ذكرى زمان قد مضى ... بين عتبى قد تقضت وعتاب )
( واصرفي القول إلى المولى الرضى ... ملهم التوفيق في أم الكتاب )
( الكريم المنتهى والمنتمى ... أسد السرج وبدرالمجلس )
( ينزل النصر عليه مثلما ... ينزل الوحي بروح القدس )

إلى هذا الحد انتهى ابن خلدون من موشحة لسان الدين ولا أدري لم لم يكملها وتمامها قوله
( مصطفى الله سمي المصطفى ... الغني بالله عن كل أحد )
( من إذا ما عقد العهد وفى ... وإذا ما فتح الخطب عقد )
( من بني قيس بن سعد وكفى ... حيث بيت النصر مرفوع العمد )
( حيث بيت النصر محمي الحمى ... وجنى الفضل زكي المغرس )
( والهوى ظل ظليل خيما ... والندى هب إلى المغترس )
( هاكها يا سبط أنصار العلا ... والذي إن عثر الدهر أقال )
( غادة ألبسها الحسن ملا ... تبهرالعين جلاء وصقال )
( عارضت لفظا ومعنى وحلى ... قول من أنطقه الحب فقال )
( هل درى ظبي الحمى أن قد حمى ... قلب صب حله عن مكنس )
( فهو في خفق وحر مثلما ... لعبت ريح الصبا بالقبس )
ثم قال ابن خلدون وأما المشارقة فالتكلف ظاهر على ما عانوه من الموشحات ومن أحسن ما وقع لهم في ذلك موشحة ابن سناء الملك المصري التي اشتهرت شرقا وغربا وأولها
( يا حبيبي ارفع حجاب النور ... عن العذار )
( تنظر المسك على كافور ... في جلنار )
( كللي يا سحب تيجان الربى بالحلي ... )
( واجعلي سوارها منعطف الجدول ... )
ولما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق

كلامه وتصريع أجزائه نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله ونظموا في طريقتهم بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيه إعرابا واستحدثوا فنا سموه بالزجل والتزموا النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد فجاءوا فيه بالغرائب واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة وأول من أبدع في هذه الطريقة الزجلية أبو بكر ابن قزمان وإن كانت قيلت قبله بالأندلس لكن لم تظهر حلاها ولا انسبكت معانيها واشتهرت رشاقتها إلا في زمانه وكان لعهد الملثمين وهو إمام الزجالين على الإطلاق قال ابن سعيد رأيت أزجاله مروية ببغداد أكثر مما رأيتها بحواضر المغرب قال وسمعت أبا الحسن ابن جحدر الإشبيلي إمام الزجالين في عصرنا يقول ما وقع لأحد من أئمة هذا الشأن مثل ما وقع لابن قزمان شيخ الصناعة وقد خرج إلى منتزه مع بعض أصحابه فجلسوا تحت عريش وأمامهم تمثال أسد من رخام يصب الماء على صفائح من الحجر فقال
( وعريش قد قام على دكان بحال رواق ... )
( وأسد قد ابتلع ثعبان من غلظ ساق ... )
( وفتح فمو بحال إنسان به الفواق ... )
( وانطلق من ثم على الصفاح والقى الصياح ... )

وكان ابن قزمان مع أنه قرطبي الدار كثيرا ما يتردد إلى إشبيلية وينتاب نهرها
إلى أن قال ابن خلدون وجاءت بعدهم حلبة كان سابقها مدغليس وقعت له العجائب في هذه الطريقة فمن قوله في زجله المشهور
( ورذاذ دق ينزل ... وشعاع الشمس يضرب )
( فترى الواحد يفضض ... وترى الآخريذهب )
( والنبات يشرب ويسكر ... والغصون ترقص وتطرب )
( وتريد تجي إلينا ... ثم تستحي وترجع )
ومن محاسن أزجاله قوله
( لاح الضيا والنجوم سكارى ... )
ثم قال وظهر بعد هؤلاء في إشبيلية ابن جحدر الذي فضل على الزجالين في فتح ميورقة بالزجل المشهور الذي أوله
( من يعاند التوحيد بالسيف يمحق ... أنا بري ممن يعاند الحق )
قال ابن سعيد لقيته ولقيت تلميذه البعبع صاحب الزجل المشهور الذي أوله
( ليتني إن ريت حبيبي ... أفتل أذنو بالرسيلا )
( لش أخذ عنق الغزيل ... وسرق فم الحجيلا )

ثم جاء من بعدهم أبو الحسن سهل بن مالك إمام الآداب ثم من بعدهم لهذه العصور صاحبنا الوزير أبو عبد الله ابن الخطيب إمام النظم والنثر في الملة الإسلامية غير مدافع فمن محاسنه في هذه الطريقة
( امزج الأكواس واملالي نجدد ... ما خلق المال إلا أن يبدد )
ومن قوله على طريقة الصوفية وينحو منحى الششتري منهم
( بين طلوع وبين نزول ... اختلطت الغزول )
( ومضى من لم يكن ... وبقي من لم يزول )
ومن محاسنه أيضا قوله في ذلك المعنى
( البعد عنك يا ابني أعظم مصايبي ... وحين حصل لي قربك سيبت أقاربي )
انتهى المقصود جلبه من كلام ابن خلدون وقد أطال رحمه الله تعالى في هذا المقصد ولم أرد إيراد جميع كلامه لطوله وعدم تعلق الغرض به وفيما ذكرته منه كفاية لتعلقه بأمر لسان الدين رحمه الله تعالى وشهادته له أنه شاعر الإسلام غير مدافع وأنه انتهت إليه رياسة الصناعة الزجلية والتوشيحية
ترجمة ابن باجة من القلائد
وأبو بكر بن باجة الذي أشار إليه ابن خلدون هو أبو بكر ابن الصائغ التجيبي السرقسطي الذي قال في حقه لسان الدين في الإحاطة إنه آخر فلاسفة الإسلام بجزيرة الأندلس وكان بينه وبين الفتح بن خاقان صاحب القلائد معاداة فلذلك هجاه في القلائد وجعله آخر ترجمة فيها إذ قال ما نصه الأديب أبو بكر بن الصائغ هو رمد عين الدين وكمد نفوس

المهتدين اشتهر سخفا وجنونا وهجر مفروضا ومسنونا فما يتشرع ولا يأخذ في غير الأضاليل ولا يشرع ناهيك من رجل ما تطهر من جنابة ولا أظهر مخيلة إنابة ولا استنجى من حدث ولا أشجى فؤاده بتوار في جدث ولا أقر بباريه ومصوره ولا قر عن تباريه في ميدان تهوره الإساءة إليه أجدى من الإحسان والبهيمة عنده أهدى من الإنسان نظر في تلك التعاليم وفكر في أجرام الأفلاك وحدود الأقاليم ورفض كتاب الله الحكيم العليم ونبذه وراء ظهره ثاني عطفه وأراد إبطال ما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه واقتصر على الهيئة وأنكر أن تكون له إلى الله تعالى فيئة وحكم للكواكب بالتدبير واجترم على الله اللطيف الخبير واجترأ عند سماع النهي والإيعاد واستهزأ بقوله تعالى ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) القص85 فهو يعتقد أن الزمان دور وأن الإنسان نبات أو نور حمامه تمامه واختطافه قطافه قد محي الإيمان من قلبه فما له فيه رسم ونسي الرحمن لسانه فما يمر له عليه اسم وانتمت نفسه إلى الضلال وانتسبت ونفت ( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ) فقصر عمره على طرب ولهو واستشعر كل كبر وزهو وأقام سوق المويسقى وهام بحادي القطار وسقا فهو يعكف على سماع التلاحين ويقف عليه كل حين ويعلن بذلك الاعتقاد ولا يؤمن بشيء قادنا إلى الله تعالى في أسلس مقاد مع منشإ وخيم ولؤم أصل وخيم وصورة شوهها الله تعالى وقبحها وطلعة إذا أبصرها الكلب نبحها وقذارة يؤذي البلاد نفسها ووضارة يحكي الحداد دنسها وفند لا يعمر إلا كنفه ولدد لا يقوم إلا الصعاد جنفه وله نظم أجاد فيه بعض إجادة وشارف الإحسان أو كاده

فمن ذلك ما قاله في عبد حبشي ان يهواه فاشتمل عليه أسر سعر حشاه ونقله إلى حيث لم يعلم مثواه فقال
( يا شائقي حيث لا اسطيع أدركه ... ولا أقول غدا أغدو فألقاه )
( أما النهار فليلي ضم شملته ... على الصباح فأولاه كأخراه )
( أغر نفسي بآمال مزورة ... منها لقاؤك والأيام تأباه )
وله فيه لما بلغه موته وتحقق عنده فوته
( ألا يا رزق والأقدار تجري ... بما شاءت نشا أو لا نشاء )
( هل أنت مطارحي شجوي فتدري ... وأدري كيف يحتمل القضاء )
( يقولون الأمور تكون دورا ... وهذا فقده فمتى اللقاء )
وله في الأمير أبي بكر ابن إبراهيم قدس الله تعالى تربته وآنس غربته مدائح انتظمت بلبات الأوان ونظمت على كل شتيت من الإحسان فمن ذلك قوله
( توضح في الدجى طرف ضرير ... سنا بلوى الصريمة يستطير )
( فيا بأبي ولم أبذل يسيرا ... وإن لم يكفهم ذاك الكثير )
( بريق لا تقل هو ثغر سلمى ... فتأثم إنه حوب وزور )
( فكيف وما أطل الليل منه ... ولا عبقت بساحته الخمور )
( تراءى بالسدير فزاد قلبي ... من البرحاء ما شاء السدير )
( فلولا أن يوم الحشر يقضي ... علي بحكم مولى لايجور )
( دعوت على المشقر أن يجازى ... بما تجزى به الدار الغرور )

ومنها
( لقد وسع الزمان عليه عدوى ... وضر بشبله الليث الهصور )
( وقلبنا الزمان فلا بطون ... تضمنت الوفاء ولا ظهور )
( سوى ذكر أطارحه فولا ال ... أمير لقد عفا لولا الأمير )
( همام جوده يصف السواري ... وسطوته يعيرها الهجير )
( وقلنا نحن كيف وراحتاه ... بحور يلتظي فيها سعير )
( فهل فيما سمعت به خصام ... يكون الخصم فيه هو العذير )
وكان الأمير أبو بكر يعتقد له هذه الماتة ويراها ويجود أبدا ثراها فلما ولي الثغر والشرق لم يفغله من رعي ولم يكله إلى شفاعة وسعي وحمله على ما كان يعتقده فيه من المقت واستعمله على ما كان يقتضيه خلق الوقت من إقامة الوعد وتسويغه كل نعيم رغد وتغليب حجة داحضة وإنهاض عثرة غير ناهضة فتقلد وزارته ودولته تزهى منه بأندى من الوسمي المبتكر وأهدى من النجم في الليل المعتكر وألويته تميس زهوا ميس الفتاة ورعيته تبتهج بملكه ابتهاج حيي بابن الموماة ومذاهبه يبسطها الفضل وينشرها وكتائبه لا يكاد العدو يعشرها فجاس إليه وانبرى وراش في تنكيلهم وبرى وأقطعهم ما شاء من مقابحته وأسمعهم ما يصم بين ختمه ومفاتحته فوغرت

صدورهم السليمة واعتلت صحة ضمائرهم بنفوسهم الأليمة ولم يزل يأخذ في الإضرار بهم ولا يدع ويعلن به ويصدع حتى تفرق ذلك الجمع وألقاه بين بصر السباب والسمع وأفرد الدولة من ولاتها وجردها من حماتها فاستعجل العدو بذلك واستشرى وزأر منه على سرقسطة ليث شرى ولما رأى الشر قد ثار قتامه وبدا من ليله إعتامه ارتحل واحتمل وقال لا ناقة لي في هذا ولا جمل وأقام ببلنسية يشفي نفسه ويستوفي أنسه ونجوم سعدها كل يوم غائرة والعدو يتربص بها أسوأ دائرة ويروم منازلتها ثم يدع الاقتحام ويريد التقدم إليها فيؤثر الإحجام تهيبا لذلك الملك السري والليث الجري وفي خلال هذه المحاولة وأثناء تلك المطاولة عاجل الأمير أبا بكر حمامه واستسر فيها تمامه وأجنه الثرى وحاز منه بدر دجنة وليث شرى فعطلت الدنيا من علاء وجود وأطلت عليها بفقده حوادث أجدبت تهائمها والنجود وفيه يقول يرثيه بما يسيل الفؤاد نجيعا ويبيت به الأسى لسامعه ضجيعا
( أيها الملك قد لعمري نعى المج ... د نواعيك يوم قمن فنحنا )
( كم تقارعت والخطوب إلى أن ... غادرتك الخطوب في الترب رهنا )
( غير أني إذا ذكرتك والده ... إخال اليقين في ذاك ظنا )
( وسألنا متى اللقاء فقيل ال ... قلنا صبرا إليه وحزنا )
وكثيرا ما يغير هذا الرجل على معاني الشعراء وينبذ الاحتشام من ذلك بالعراء ويأخذها من أربابها أخذ غاصب ويعوضهم منها كل هم ناصب فهذا مما أطال به كمد أبي العلاء وغمه فإنه أخذه من قوله يرثي أمه

( فيا ركب المنون ألا رسول ... يبلغ روحها أرج السلام )
( سألت متى اللقاء فقيل حتى ... يقوم الهامدون من الرجام )
ولما فاتت سرقسطة من يد الإسلام وباتت نفوس المسلمين فرقا منهم في يد الاستسلام ارتاب بقبح أفعاله وبرىء من احتذائه بتلك الآراء وانتعاله وأخافه ذنبه ونبا عن مضجع الأمن جنبه فكر ألى الغرب ليتوارى في نواحيه ولا يتراءى لعين لائمه ولاحيه فلما وصل شاطبة حضرة الأمير إبراهيم بن يوسف بن تاشفين وجد باب نفاذه وهو مبهم وعاقه عنه مدلول عليه ملهم فاعتلقه اعتقالا شفى الدين من آلامه وشهد له بعقيدة إسلامه وفي ذلك يقول وهو معقول ويصرح بمذهبه الفاسد وغرضه المستاسد
( خفض عليك فما الزمان وريبه ... شيء يدوم ولا الحياة تدوم )
( واذهب بنفس لم تضع لتحلها ... حيث احتللت بها وأنت عليم )
( يا صاحبي لفظا ومعنى خلته ... من قبل حتى بين التقسيم )
( دع عنك من معنى الإخاء ثقيله ... وانبذ بذاك العبء وهو ذميم )
( واسمح وطارحني الحديث فإنه ... ليل كأحداث الزمان بهيم )
( خذني على أثر الزمان فقد مضى ... بؤس على أبنائه ونعيم )
( فعسى أرى ذاك النعيم وربه ... مرح ورب البؤس وهو سقيم )
( هيهات ساوت بينهم أجداثهم ... وتشابه المحسود والمحروم )
ولما خلص من تلك الحبالة ونجا وأنار من سلامته ما كان دجا احتال في إخفاء ماله واستيفاء آماله فأظهر الوفاء للأمير أبي بكر بالرثاء له والتأبين وتداهيه في ذلك واضح مستبين فإنه وصل بهذه النزعة من الحماية إلى حرم

وحصل في ذمة ذلك الكرم واشتمل بالرعي وأمن من كل سعي فاقتنى قيانا ولقنهن أعاريض من القريض وركب عليها ألحانا أشجى من النوح ولطف بها إلى إشادة الإعلان باللوعة والبوح فسلك بها أبدع مسلك وأطلعها نيرات ما لها غير القلوب من فلك فمن ذلك قوله
( إن غرابا جرى ببينهم ... جاوبه بالثنية الصرد )
( طاروا فها أنت بعدهم جسد ... قد فارق الروح ذلك الجسد )
( واكتتموا صبحة ببينهم ... فبئس والله ما الذي اعتمدوا )
وكقوله
( سلام وإلمام ووسمي مزنة ... على الجدث النائي الذي لا أزوره )
( أحقا أبو بكر تقضى فلا يرى ... ترد جماهير الوفود ستوره )
( لئن أنست تلك القبور بلحده ... لقد أوحشت أنصاره وقصوره )
ومن قلة عقله ونزارته أنه في مدة وزارته سفر بين الأمير أبي بكر رحمه الله تعالى وبين عماد الدولة بن هود رحمه الله تعالى بعد سعايات عليه أسلفها وذخائر كانت له على يديه أتلفها فوافاه أوغر ما كان عليه صدرا وأصغر ما كان لديه قدرا فآل به ذلك الانتقال إلى الاعتقال فأقام فيه شهورا يغازله الحمام بمقلة شوهاء وتنازله الأوهام بفطرته الورهاء وفي ذلك يقول
( لعلك يا يزيد علمت حالي ... فتعلم أي خطب قد لقيت )
( وإني إن بقيت بمثل ما بي ... فمن عجب الليالي أن بقيت )
( يقول الشامتون شقاء بخت ... لعمر الشامتين لقد شقيت )
( أعندهم الأمان من الليالي ... وسالمهم بها الزمن المقيت )
( وما يدرون أنهم سيسقوا ... على كره بكأس قد سقيت )

وعزم عماد الدولة يوما على قتله وألزم المرقبين به التحيل على ختله فنمي إليه الأمر الوعر وارتمى به في لجج اليأس الذعر فقال
( أقول لنفسي حين قابلها الردى ... فراغت فرارا منه يسى إلى يمنى )
( قري تحمدي بعض الذي تكرهينه ... فقد طالما اعتدت الفرار إلى الأهنا )
ثم قضى له قدر قضى بإنظاره وما أمضى من إباحته ما كان رهين انتظاره ويمهل الفاجر حكمة من الله تعالى وعلما و ( إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ) انتهى نص القلائد
ثناء الفتح على ابن باجة
وأين هذا من تحليته له في بعض كتبه بقوله فيه ما صورته نور فهم ساطع وبرهان علم لكل حجة قاطع تتوجت بعصره الأعصار وتأرجت من طيب ذكره الأمصار وقام أوان المعارف واعتدل ومال للأفهام فننا وتهدل وعطل بالبرهان التقليد وحقق بعد عدمه الاختراع والتوليد إذا قدح زند فهمه أورى بشرر للجهل محرق وإن طما بحر خاطره فهو لكل شيء مغرق مع نزاهة النفس وصونها وبعد الفساد من كونها والتحقيق الذي هو للإيمان شقيق والجد الذي يخلق العمر وهو مستجد وله أدب يود عطارد أن يلتحفه ومذهب يتمنى المشتري ان يعرفه ونظم تعشقه اللبات والنحور وتدعيه مع نفاسة جوهرها البحور وقد أثبت منه ما تهوى الأعين النجل أن يكون إثمدها ويزيل من النفوس حزنها وكمدها فمن ذلك قوله يتغزل
( أسكان نعمان الأراك تيقنوا ... بأنكم في ربع قلبي سكان )

( ودوموا على حفظ الوداد فطالما ... بلينا بأقوام إذا استحفظوا خانوا )
( سلوا الليل عني إذ تناءت دياركم ... هل اكتحلت لي فيه بالنوم أجفان )
( وهل جردت أسياف برق سمائكم ... فكانت لها إلا جفوني أجفان )
وله
( أتأذن لي آتي العقيق اليمانيا ... أسائله ما للمعالي وما ليا )
( وهل داركم بالحزن قفراء إنني ... تركت الهوى يقتاد فضل زماميا )
( فيا مكرع الوادي أما فيك شربة ... لقد سال فيك الماء أزرق صافيا )
( ويا شجرات الجزع هل فيك وقفة ... وقد فاء فيك الظل أخضر ضافيا )
وأورد له في المطمح أنه استأذن على المستعين بالله فوجده محجوبا فقال
( من مبلغ خير إمام نشا ... ذا عزة وساميا قدرا )
( قول امرىء لو قاله للصفا ... أنبت فيه ورقا خضرا )
( عبدك بالباب له خجلة ... لو أنها بالنرجس احمرا )
وحكى غير واحد أنه مات له سكن كان يهواه فبات مع بعض أصحابه عند ضريحه ومثواه وكان قد عرف وقت كسوف البدر بصناعة التعديل فزور في نفسه بيتين في خطاب القمر أتقنهما ولحنهما حتى إذا كان قبيل وقت الكسوف بقليل تغنى فيهما بذلك الصوت المشجي واللحن يسوق الشوق ويزجي وهما
( شقيقك غيب في لحده ... وتشرق يا بدر من بعده )
( فهلا كسفت فكان الكسوف ... حدادا لبست على فقده )
فكسف القمر في الحال وعدت هذه من نوادره التي جيد الأخبار بفرائدها حال سامحه الله تعالى

ابن الحداد الوادي آشي
ثم رأيت في الإحاطة نسبة ذلك لغيره ونصه محمد بن أحمد بن الحداد الوادي آشي يكنى أبا عبد الله
حاله شاعر مفلق وأديب شهير مشار إليه في التعاليم منقطع القرين منها في المويسيقى مضطلع بفك المعمى سكن المرية واشتهر بمدح رؤسائها من بني صمادح وقال ابن بسام كان أبو عبد الله هذا شمس ظهيرة وبحر خبر وسيرة وديوان تعاليم مشهورة وضح في طريق المعارف وضوح الصبح المتهلل وضرب فيها بقدح ابن مقبل إلى جلالة مقطع وأصالة منزع ترى العلم ينم على أشعاره ويبين في منازعه وآثاره
تأليفه ديوان شعره كبير معروف وله في العروض تصنيف مشهور مزج فيه بين الألحان المويسيقية والآراء الخليلية
بعض أخباره حدث بعض المؤرخين مما يدل على ظرفه أنه فقد سكنا عزيزا عليه وأحوجت الحاجة إلى تكلف سلوة فلما حضر الندماء وكان قد رصد الخسوف القمري فلما حقق أنه ابتدأ أخذ العود وغنى شقيقك غيب إلى آخره وجعل يرددها ويخاطب البدر فلم يتم ذلك إلا واعترضه الخسوف وعظم من الحاضرين التعجب
ثم قال لسان الدين في ترجمة شعره وقال
( أقبلن في الحبرات يقصرن الخطا ... ويرين في حلل الوراشين القطا )
( سرب الجوى لا الجو عود حسنه ... أن يرتعي حب القلوب ويلقطا )

( مالت معاطفهن من سكر الصبا ... ميلا يخيف قدودها أن تسقطا )
( وبمسقط العلمين أوضح معلم ... لمهفهف سكن الحشا والمسقطا )
( ما أخجل البدر المنير إذا مشى ... يختال والغصن النضير إذا خطا )
ومنها في المدح
( يا وافدي شرق البلاد وغربها ... أكرمتما خيل الوفادة فاربطا )
( ورأيتما ملك البرية فاهنآ ... ووردتما أرض المرية فاخططا )
( يدمي نحور الدارعين إذا ارتأى ... ويذل عز العالمين إذا سطا )
انتهى المقصود منه وأورد له في الإحاطة قصيدة ثانية أولها
( حديثك ما أحلى فزيدي وحدثي ... )
وهي طويلة
وكتب عليها ابن المؤلف ما صورته سمعتها من لفظ شيخي أبي جعفر ابن خاتمة بالمرية في سنة خمس وستين وسبعمائة قاله علي بن الخطيب انتهى
رجع إلى أخبار ابن الصائغ ومن نظمه قوله
( ضربوا القباب على أقاحي روضة ... خطر النسيم بها ففاح عبيرا )
( وتركت قلبي سار بين حمولهم ... دامي الكلوم يسوق تلك العيرا )
( هلا سألت أميرهم هل عندهم ... عان يفك ولو سألت غيورا )
( لا والذي جعل الغصون معاطفا ... لهم وصاغ الأقحوان ثغورا )
( ما مر بي ريح الصبا من بعدهم ... إلا شهقت له فعاد سعيرا )

وتوفي ابن الصائغ في شهر رمضان سنة 523 وقيل سنة خمس وعشرين مسموما في باذنجان بمدينة فاس وهو تجيبي بضم التاء وفتحها وباجة بالباء الموحدة وبعد الألف جيم مشددة ثم هاء ساكنة وهي القصة بلغة الفرنج وسرقسطة بفتح السين والراء وضم القاف وسكون السين الثانية وبعدها طاء مهملة مدينة كبيرة بالأندلس استولى عليها العدو سنة 512
وقال الأمير ركن الدين بيبرس في تأليفه زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة إن ابن الصائغ كان عالما فاضلا له تصانيف في الرياضات والمنطق وإنه وزر لأبي بكر الصحراوي صاحب سرقسطة ووزر أيضا ليحيى بن يوسف ابن تاشفين عشرين سنة بالمغرب وإن سيرته كانت حسنة فصلحت به الأحوال ونجحت على يديه الآمال فحسده الأطباء والكتاب وغيرهم وكادوه فقتلوه مسموما انتهى
وأنشد له بعضهم
( هم رحلوا يوم الخميس عشية ... فودعتهم لما استقلوا وودعوا )
( ولما تولوا ولت النفس معهم ... فقلت ارجعي قالت إلى أين أرجع )
( إلى جسد ما فيه لحم ولا دم ... وما هو إلا أعظم تتقعقع )
( وعينين قد أعماهما كثرة البكا ... وأذن عصت عذالها ليس تسمع )
وقد ذكر بعضهم في تعزيز بيتي الحريري أنه لابن الصائغ الأندلسي وليس هو بهذا فيما أعلم
( انقد مهوى أزره فانثنى ... مه يا عذولي في الذي انقد مه )
( مندمة قتل المعنى فلا ... ترسل سهام اللحظ تأمن دمه )

ترجمة الفتح عن الإحاطة
رجع إلى ابن باجة وقد ذكر لسان الدين في الإحاطة سبب العداوة بينه وبين الفتح في ترجمة الفتح ولنذكرها بنصه فنقول قال رحمه الله تعالى الفتح بن محمد بن عبيد الله الكاتب من قرية تعرف بقلعة الواد من قرى يحصب يكنى أبا نصر ويعرف بابن خاقان
حاله كان آية من آيات البلاغة لا يشق غباره ولا يدرك شأوه عذب الألفاظ ناصعها أصيل المعاني وثيقها لعوبا بأطراف الكلام معجزا في باب الحلى والصفات إلا أنه كان محارفا مقدورا عليه لا يمل من المعاقرة والقصف حتى هان قدره وابتذلت نفسه وساء ذكره ولم يدع بلدا من بلاد الأندلس إلا ودخله مسترفدا أميره واغلا في عليته قال الأستاذ في الصلة وكان معاصرا للكاتب أبي عبد الله ابن أبي الخصال إلا أن بطالته أخلدت به عن مرتبته وقال ابن عبد الملك قصد يوما إلى مجلس قضاء أبي الفضل عياض مخمرا فتنسم بعض حاضري المجلس رائحة الخمر فأعلم القاضي بذلك فاستثبت وحده حدا تاما وبعث إليه بعد أن أقام عليه الحد بثمانية دنانير وعمامة فقال الفتح حينئذ لبعض من أصحابه عزمت على إسقاط القاضي أبي الفضل من كتابي الموسوم بقلائد العقيان قال فقلت لا تفعل وهي نصيحة فقال وكيف ذلك فقلت له قصتك معه من الجائز من أن تنسى وأنت تريد أن تتركها مؤرخة إذ كل من ينظر في كتابك يجدك قد ذكرت

فيه من هو مثله ودونه في العلم والصيت فيسأل عن ذلك فيقال له فيتوارث العلم عن الأكابر الأصاغر قال فتبين ذلك وعلم صحته وأقر اسمه
وحدثني بعض الشيوخ أن سبب حقده على ابن باجة أبي بكر آخر فلاسفة الإسلام بجزيرة الأندلس ما كان من إزرائه به وتكذيبه إياه في مجلس إقرائه إذ جعل يكثر ذكر ما وصله به أمراء الأندلس ووصف حليا وكان يبدو من أنفه فضلة خضراء اللون زعموا فقال له فمن تلك الجواهر إذن الزمردة التي على شاربك فثلبه في كتابه بما هو معروف وعلى ذلك فابو نصر نسيج وحده غفر الله تعالى له
مشيخته روي عن أبوي بكر ابن سليمان بن القصيرة وابن عيسى ابن اللبانة وأبي جعفر ابن سعدون الكاتب وأبي الحسن ابن سراج وأبي خالد ابن بشتغير وأبي الطيب ابن زرقون وأبي عبد الله ابن خلصة الكاتب وأبي عبد الرحمن ابن طاهر وأبي عامر ابن سرور وأبي محمد ابن عبدون وأبي الوليد ابن حجاج وابن دريد الكاتب
تواليفه ومصنفاته شهيرة منها قلائد العقيان و مطمح الأنفس والمطمح أيضا وترسيله مدون وشعره وسط وكتابته فائقة
شعره من شعره قوله وثبت في قلائده يخاطب أبا يحيى ابن الحاج
( أكعبة علياء وهضبة سؤدد ... وروضه مجد بالمفاخر تمطر )
( هنيئا لملك زار أفقك نوره ... وفي صفحتيه من مضائك أسطر )
( وإني لخفاق الجناحين كلما ... سرى لك ذكر أو نسيم معطر )
( وقد كان واش هاجنا لتهاجر ... فبت وأحشائي جوى تتفطر )

( فهل لك في ود ذوى لك ظاهرا ... وباطنه يندى صفاء ويقطر )
( ولست بعلق بيع بخسا وإنني ... لأرفع أعلاق الزمان وأخطر )
فروجع عنه بما ثبت أيضا في قلائده مما أوله
( ثنيت أبا نصر عناني وربما ... ثنت عزمة السهم المصمم أسطر )
نثره ونثره شهير ونثبت له من غير المتعارف من السلطانيات ظهيرا كتبه عن بعض الأمراء لصاحب الشرط ولا خفاء بإدلاله وبراعته كتاب تأكيد اعتناء وتقليد ذي منة وغناء أمر بإنفاذه فلان أيده الله تعالى لفلان ابن فلان صانه الله تعالى ليتقدم لولاية المدينة الفلانية وجهاتها ويضرح ما تكاثف من العدوان في جنباتها تنويها أحظاه بعلائه وكساه رائق ملائه لما علمه من سنائه وتوسمه من غنائه ورجاه من حسن منابه وتحققه من طهارة ساحته وجنابه وتيقن أيده الله تعالى أنه مستحق لماولاه مستقل بما تولاه لا يعتريه الكسل ولا تثنيه عن المضاء الصوارم والأسل ولم يكل الأمر منه إلى وكل ولا ناطه بمناط عجز ولا فشل وأمره أن يراقب الله تعالى في أوامره ونواهيه وليعلم أنه زاجره عن الجور وناهيه وسائله عما حكم به وقضاه وأنفذه وأمضاه ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ) فليتقدم إلى ذلك يجزم لا يخمد توقده وعزم لا ينفد تفقده ونفس مع الخير ذاهبة وعلى متن البر والتقوى راكبة ويقدم للاحتراس من عرف اجتهاده وعلم أرقه في البحث وسهاده وحمدت أعماله وأمن تفريطه وإهماله ويضم إليهم من يحذو حذوهم ويقفو شأوهم

ممن لا يستراب بمناحيه ولا يصاب خلل في ناحية من نواحيه وأن يذكي العيون على الجناة وينفي عنها لذيذ السنات ويفحص عن مكامنهم حتى يغص بالريق نفس آمنهم فلا يستقر بهم موضع ولا يفر منهم خب ولا موضع فإذا ظفر منهم بمن ظفر بحث عن باطنه وبث السؤال في مواضع تصرفه ومواطنه فإن لاحت شبهة أبداها الكشف والاستبراء وتعداها البغي والافتراء نكله بالعقوبة أشد نكال وأوضح له منها ما كان ذا إشكال بعد أن يبلغ إناه ويقف في طرفه مداه وحد له أن لا يكشف بشرة إلا في حد يتعين وإن جاءه فاسق أن يتبين وأن لا يطمع في صاحب مال موفور وأن لا يسمع من مكشوف في مستور وأن يسلك السنن المحمود وينزه عقوبته من الأفراط وعفوه من تعطيل الحدود وإذا انتهت أليه قصة مشكلة أخرها إلى غده فهو على العقاب أقدر منه على رده فقد يتبين في وقت ما لا يتبين في وقت والمعاجلة بالعقوبة من المقت وأن يتغمد هفوات ذوي الهيئات وأن يستشعر الإشفاق ويخلع التكبر فإنه ملابس أهل النفاق وليحسن لعباد الله تعالى اعتقاده ولا يرفض زمام العدل ولا مقاده وأن يعاقب المجرم قدر زلته ولا يعتز عند ذلته وليعلم أن الشيطان أغواه وزين له مثواه فليشفق من عثاره وسوء آثاره وليشكر الله تعالى على ما وهبه من العافية وألبسه من ملابسها الضافية ويذكره جل وعلا في جميع أحواله ويفكر في الحشر وأهواله ويتذكر وعدا ينجز فيه ووعيدا ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) والأمير أيده الله تعالى ولي له ما عدل وأقسط وبرىء منه إن جار وقسط فمن قرأه فليقف عند حده ورسمه وليعرف له حق

قطع الشر وحسمه ومن وافقه من شريف أو مشروف وخالفه في نهي عن منكر أو أمر بمعروف فقد تعرض من العقاب لما يذيقه وبال خبله ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله وكتب في كذا
وفاته بمراكش ليلة الأحد لثمان بقين من محرم من عام تسعة وعشرين وخمسمائة ألفي قتيلا ببيت من بيوت فندق أحد فنادقها وقد ذبح وعبث به وما شعر به إلا بعد ثلاث ليال من قتله انتهى نص الإحاطة
ترجمة الفتح عن المغرب
وقال في المغرب ما ملخصه فخر أدباء إشبيلية بل الأندلس أبو نصر الفتح بن محمد بن عبيد الله القيسي الإشبيلي صاحب القلائد والمطمح ذكره الحجاري في المسهب الدهر من رواة قلائده وحملة فرائده طلع من الأفق الإشبيلي شمسا طبق الآفاق ضياؤها وعم الشرق والغرب سناها وسناؤها وكان في الأدب أرفع الأعلام وحسنة الأيام وله كتاب قلائد العقيان ومن وقف عليه لا يحتاج في التنبيه على قدره إلى زيادة بيان وهو وأبو الحسن ابن بسام الشنتمري مؤلف الذخيرة فارسا هذا الأوان وكلاهما قس وسحبان والتفضيل بينهما عسير إلا أن ابن بسام أكثر تقييدا وعلما مفيدا وإطنابا في الأخبار وإمتاعا للأسماع والأبصار والفتح أقدر على البلاغة من غير تكلف وكلامه أكثر تعلقا وتعشقا بالأنفس ولولا ما اتسم به مما عرف من أجله بابن خاقان لكان أحد كتاب الحضرة المرابطية بل مجليها المستولي على الرهان وإنما أخل به ما ذكرناه مع كونه اشتهر بذم

أولي الأحساب والتمرين بالطعن على الأدباء والكتاب وقد رماه الله تعالى بما رمى به إمام علماء الأندلس أبا بكر ابن باجة فوجد في فندق بحضرة مراكش قد ذبحه عبد أسود خلا معه بما اشتهر عنه وتركه مقتولا وفي دبره وتد والله سبحانه يتغمده برحمته
ومن شعره قوله من أبيات في المدح
( إلى أين ترقى قد علوت على البدر ... وقد نلت غايات السيادة والقدر )
( وجدت إلى أن ليس يذكر حاتم ... وأغنيت أهل الجدب عن سبل القطر )
( وكم رام أهل اللوم باللوم وقفة ... وبحرك مد لا يؤول إلى جزر )
( ولو لم يكن فيك السماح جبلة ... لأثر ذاك اللوم فيك مع الدهر )
وذكره ابن الإمام في سمط الجمان وأنشد له
( لله ظبي من جنابك زارني ... يختال زهوا في ملاء مراح )
( ولي التماسك في هواه كأنه ... مروان خاف كتائب السفاح )
( فخلعت صبري بالعرا ونبذته ... وركبت وجدي في عنان جماح )
( أهدى لي الورد المضعف خده ... فقطفته باللحظ دون جناح )
( وأردت صبرا عن هواه فلم أطق ... وأريت جدا في خلال مزاح )
( وتركت قلبي للصبابة طائرا ... تهفو به الأشواق دون جناح )
وذكره ابن دحية في المطرب ونعته بابن خاقان قال والشيخ أبو الحجاج البياسي ينكر هذا وقيل إنما قيل له ابن خاقان لما تقدم ذكره في كلام الحجاري وقال ابن دحية إنه قتل ذبحا بمسكنه في فندق ببيت من حضرة مراكش صدر سنة تسع وعشرين وخمسمائة أشار بقتله علي بن يوسف بن تاشفين

وقال أبو الحسن ابن سعيد رأيت فضلاء الأندلس ينتقدون على الفتح أول افتتاحه في خطبة قلائده الحمد لله الذي راض لنا البيان حتى انقاد في أعنتنا وشاد مثواه في أجنتنا لكون ما تضمنته الفقرة الأولى أصوب مما تضمنته الفقرة الثانية والصواب ضد ذلك انتهى
وقال ابن الأبار في معجم أصحاب الصدفي إنه لم يكن مرضيا وحذفه أولى من إثباته انتهى ولذا لم يذكره في التكملة
وقال ابن خاتمة إنه لم يعرف من المعارف بغير الكتابة والشعر والآداب وما حكاه في الإحاطة من تاريخ وفاته مخالف لما حكاه ابن الأبار أنه ليلة عيد الفطر من سنة ثمان وعشرين وخمسمائة قال وقرأت ذلك بخط من يوثق به وحكى ابن خلكان قولا آخر أنه توفي سنة خمس وثلاثين وخمسمائة وقيل وهو خطأ على أنه حكى القول الآخر أيضا
ودفن بباب الدباغين رحمه الله تعالى
وقد قيل إن قتله كان بإشارة أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين أخي إبراهيم الذي ألف برسمه قلائد العقيان
وقد ذكر ابن خلكان أن المطمح ثلاث نسخ صغرى ووسطى وكبرى والذي قاله ابن الخطيب وابن خاتمة وغير واحد من المغاربة أنه نسختان فقط صغرى وكبرى ولعله الصواب إذ صاحب البيت أدرى بالذي فيه
ومن تأليف الفتح راية المحاسن وغاية المحاسن ومجموع في ترسيله وتأليف صغير في ترجمة ابن السيد البطليوسي نحو الثلاثة كراريس على منهاج القلائد

رسائل للفتح
ومن بديع إنشاء الفتح المذكور سامحه الله تعالى قوله أطال الله تعالى بقاء الوزير الأجل عتادي الأسرى وزنادي الأورى وأيامه أعياد وللسعد في زمانه انقياد أما أنا أدام الله تعالى عزه فجوي عاتم وأعيادي مآتم وصبحي عشاء وما لي إلا من الخطوب انتشاء أبيت بين فؤاد خافق وطرف مسهد نائي المحلة من مزار العود حين لا أرى الروض المنور ولا أحس سهيلا إذا لاح ثم تهور وقد بعدت دار إلى حبيبة ودنت مني حوادث بأدناها تؤذى الشبيبة وأي عيش لمن لزم المفاوز لا يريمها حتى ألفه ريمها قد رمته النوائب فما اتقى وارتقت له الجوائح في وعور المرتقى يواصل النوى ولا يهجر سيرا ولا يزجر في الإراحة طيرا قد هام بالوطن هيام ابن طالب بالحوض والعطن وحن إلى تلك البقاع حنينه إلى أثلات القاع ولا سبيل أن يشعب صدر بينه شاعب أو تكلمه أحجار للدار وملاعب وليس له إلى أين يجنح ولا يرى أمله يسنح قد طوى البلاد وبسطها وتطرف الأرض وتوسطها ولم يلف مقيلا ولا وجد مقيلا إلى الله أشكو ما أقاسي وأقاصي وبيده الأقدام والنواصي ولقاؤه موعد كل موعد وكل معمر سيدركه يوما حمام الموعد وأنفذته وقد صدرت عن فلانة بعد أهوال لقيتها وأنكال سقيتها وسفر لقيت منه نصبا وكدر أعقبني وصبا وإلى متى يعزلني السعد ولله الأمر من قبل ومن بعد انتهى

2 - وكتب رحمه الله تعالى من رسالة سيدي لا عدمت ارتفاقا ولا حرمت تكيفا من السعد واتفاقا أنا الآن مشتغل البال لا أفرق بين الإعراض والإقبال وعند تفرغي أوجه لك ما حضر ومثلك أرجأ الأمر وأنظر وفي علم الله تعالى لو أمكنني لحملتك على كاهل وأوردتك منه أعذب المناهل وأبحت لك السعد ثغرا ترتشفه وخلعته بردا عليك تلتحفه لكن الزمان لا يجد وصروفه لا تنجد وعلى أي حال فلا بد أن تجد قراك وتحمد سراك إن شاء الله تعالى
3 - وكتب إلى أبي بكر بن علي عند ولايته إشبيلية أطال الله تعالى بقاء الأمير الأجل أبي بكر للأرض يتملكها ويستدير بسعده فلكها استبشر الملك وحق له الاستبشار وأومأ إليه السعد في ذلك وأشار بما اتفق له من توليتك وخفق عليه من ألويتك فلقد حبي منك بملك أمضى من السهم المسدد
( طويل نجاد السيف رحب المقلد ... )
يقدم حيث يتأخر الذابل ويكرم إذا بخل الوابل ويحمي الحمى كربيعة ابن مكدم ويسقي الظبى نجيعا كلون العندم فهنيئا للأندلس لقد استردت عهد خلفائها واستمدت تلك الإمامة بعد عفائها حتى كأن لم تمر أعاصرها ولم يمت حكمها ولا ناصرها اللذان عمرا الرصافة والزهرا ونكحا عقائل الروم وما بذلا إلا المشرفية مهرا والله تعالى أسأله انتصار أيامك وبه أرجو انتشار أعلامك حتى يكون عصرك أعجب من عصرهم ونصرك أعز من

نصرهم والسلام انتهى
وقال بعضهم من أحسن ما رأيت له قوله معاليك أشهر رسوما وأعطر نسيما من أن يغرب شهاب مسعاها أو يجدب لرائد مرعاها فإن نبهتك فإنما نبهت عمرا وإن استنرتك فإنما أستنير قمرا والأمير أيده الله تعالى أجل من أعتصم في ملكه وأنتظم في سلكه فإنه حسام بيد الملك طلاقته فرنده وشهامته حده وقضيب في دوحة الشرف رطيب بشره زهره وبره ثمره وقد توسمت نارك لعلي أفوز منها بقبس أو تكون كنار موسى بالوادي المقدس وعسى الأمل أن تعلو بكم قداحه ويشف من أفقكم مصباحه فجرد أيدك الله تعالى صارم عزم لا تفل غروبه واطلع كوكب سعد لا يخاف غروبه انتهى
ولنذكر بعض كلامه في المطمح لغرابته في هذه البلاد المشرقية بخلاف القلائد فإنها موجودة بأيدي الناس فيه
نماذح من تراجم المطمح
قال رحمه الله تعالى في ترجمة أبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي إمام اللغة والإعراب وكعبة الآداب أوضح منها كل إبهام وفضح دون الجهل بها محل الأوهام وكان أحد ذوي الإعجاز وأسعد أهل الأختصار والإيجاز نجم والأندلس في إقبالها والأنفس أول تهممها بالعلم واهتبالها فنفقت له عندهم البضاعة واتفقت على تفضيله الجماعة وأشاد الحكم بذكره فأورى بذلك زناد فكره وله اختصار العين للخليل وهو معدوم

النظير والمثيل ولحن العامة وطبقات النحويين وكتاب الواضح وسواها من كل تأليف مخجل لمن أتى بعده فاضح وله شعر مصنوع ومطبوع كأنما يتفجر من خاطره ينبوع وقد أثبت له منه ما يقترح ولا يطرح فمن ذلك قوله
( كيف بالدين القديم ... لك من أم تميم )
( ولقد كان شفاء ... من جوى القلب السقيم )
( يشرق الحسن عليها ... في دجى الليل البهيم )
وكتب مراجعا
( أغرقتني في بحور فكر ... فكدت منها أموت لما )
( كلفتني غامضا عويصا ... أرجم فيه الظنون رجما )
( ما زلت أسرو السجوف عنه ... كأنني كاشف لظلما )
( أقرب من ليله وأنأى ... مستبصرا تارة وأعمى )
( حتى بدا مشرق المحيا ... لما اعتلى طالعا وتما )
( لله من منطق وجيز ... قد حل قدرا وجل فهما )
( أخلصت لله فيه قولا ... سلمت لله فيه حكما )
( إذ قلت قول امرىء حكيم ... مراقب للإله علما )
( الله ربي ولي نفسي ... في كل بوس ولك نعمى )
وكتب إلى أبي مسلم ابن فهد وكان كثير التكبر عظيم التجبر متغيرا لسانه مقفرا من المعالم جنانه

( أبا مسلم إن الفتى بفؤاده ... ومقوله لا بالمراكب واللبس )
( وليس رواء المرء يغني قلامة ... إذا كان مقصورا على قصر النفس )
( وليس يفيد الحلم والعلم والحجى ... أبا مسلم طول القعود على الكرسي )
واستدعاه الحكم المستنصر بالله أمير المؤمنين فعجل إليه وأسرع فأمرع من آماله ما أمرع فلما طالت نواه واستطالت عليه لوعته وجواه وحن إلى مستكنه بإشبيلية ومثواه استأذنه في اللحوق بها فلومه ولواه فكتب إلى من كان يألفه ويهواه
( ويحك يا سلم لا تراعي ... لا بد للبين من مساع )
( لا تحسبيني صبرت إلا ... كصبر ميت على النزاع )
( ما خلق الله من عذاب ... أشد من وقفة الوداع )
( ما بينها والحمام فرق ... إلا المناحات في النواعي )
( إن يفترق شملنا وشيكا ... من بعد ما كان في اجتماع )
( فكل شمل إلى افتراق ... وكل شعب إلى انصداع )
( وكل قرب إلى بعاد ... وكل وصل إلى انقطاع )
2 - وقال سامحه الله تعالى بعد ترجمة السلطان بالمرية المعتصم بن صمادح ما نصه ابنه عز الدولة أبو مروان عبد الله فتى الراح المعاقر لدنانها المهتصر لأغصان الفتوة وأفنانها المهجر لفلاة الظباء والآرام المشهر في باب الصبابة والغرام نشأ في حجر أبيه نديم قهوة ومديم صبوة وخديم شهوة لا يريم كاسا ولا يروم إلا اقتضاء وانتكاسا ما شهد قتلا ولا قتالا ولا تقلد صارما إلا مختالا قد أمن منه جنان الجبان وعدت له غصون البان وما زال مرتضعا لأخلاف البطالة مقتطعا ما شاء من إطالة متوغلا

في شعاب الفتاك متغلغلا في طريق الانتهاك إلى أن وجهه أبوه إلى أمير المسلمين سفيرا عندما بدت له وجوه الفتنة تسفر ومعاهد الهدنة تقفر مع أكامل أصحبهم نقصانه وذوي أديان جعلهم خلصانه يسمعون بوادر بذاذته وينظرون مناكر لذاذته فآلت سفراته إلى الاعتقال وقصرت نخوته ما بين قيد وعقال فجاء كالمهر لا يعرف لجاما وصار حبيس قوم لا يألونه استعجاما وحين شالت نعامته وسالت عليه ظلامته كتب إلى أبيه
( أبعد السنا والمعالي خمول ... وبعد ركوب المذاكي كبول )
( ومن بعد ما كنت حرا عزيزا ... أنا اليوم عبد أسير ذليل )
( حللت رسولا بغرناطة ... فحل بها في خطب جليل )
( وثقفت إذ جئتها مرسلا ... وقبلي كان يعز الرسول )
( فقدت المرية أكرم بها ... فما للوصول إليها سبيل )
فراجعه أبوه بقطعة منها
( عزيز علي ونوحي دليل ... على ما أقاسي ودمعي يسيل )
( وقطعت البيض أغمادها ... وشقت بنود وناحت طبول )
( لئن كنت يعقوب في حزنه ... ويوسف أنت فصبر جميل )
ولم يزل يتحيل في تخلصه وأخذه من يد مقتنصه فسرق وحراسه منه بمكان السلك من النحر وطرق به على ثبج البحر فوافى المرية وقد أخذ البحث عليه آفاق البرية فهنىء المعتصم بخلاصه وبقي مستقرا بعراصه إلى أن أخلوها ومضوا لطلبة ما نووها فنجا أخوه إلى حيث ذكرنا من بلاد الناصر ولجأ هو إلى أحد المرابطين لأذمة كانت بينهما وأواصر وأقام معه سمير لهوه وأمير سهوه إلى أن انقرض أمده وطواه سروره لا كمده فلم ير إلا

خالعا لعذاره طالعا في ثنيات اغتراره غير مكترث باتضاعه ولا منحرف عن ارتشاف الغي وارتضاعه وبد منه في هذه الحال ندى كاثر به السحاب وظاهر بسببه الصحاب وتخدم الأوطار وتقدم لذوي الرتب فيها والأخطار تقدما حسن من ذكره وأولع الألسن بشكره فارتفع عنه الكدح وشفع له في الذم ذلك المدح وكان نظمه بديع الوصف رفيع الرصف وقد أثبت له ما يشهد بإجادته وإحسانه شهادة الروض بجود نيسانه
أخبرني ابن القطان أنه ساير الأمير يحيى بن أبي بكر إلى طليطلة في جيوش فاضت سيلا وخاضت المطايا قتامها ليلا وكان ملكا لم يعقد على مثله لواء ولم يحتو على شبهه حواء جمال محيا وكمال عليا وحسن شيم وبعد همم أغنى العفاة وأحيا الرفات وألغى الأجواد وأنسى كعب ابن مامة وابن أبي داود فلما شارف طليطلة وكشفها واشتف بلالتها وارتشفها وضرب بكنفها مضاربه وأجال بساحتها زنجه وأعاربه سقط أحد الويته عن يد حامله وانكسر عند عامله فطائفة تفاءلت وطائفة تطيرت وفرقة ابتهجت وأخرى تغيرت فقال
( لم ينكسر عود اللواء لطيرة ... يخشى عليك بها وأن تتأولا )
( لكن تحقق أنه يندق في ... نحر العدا ولدى الوغى فتعجلا )
وأخبرني أخوه رفيع الدولة أن ابن اللبانة كتب إليه والخلع قد نضا لبوسه وقصر بوسه وكدر صفاءه وغدر وفاءه وطوى ميدان جوده وأذوى أفنان وجوده قوله
( يا ذا الذي هز أمداحي بحليته ... وعزه أن يهز المجد والكرما )

( واديك لا زرع فيه اليوم تبذله ... فخذ عليه لأيام المنى سلما )
فدعته دواعي الندى وأولعته بالجدا في ذلك المدى فتحيل في بر طبعه وكتب معه
( المجد يخجل من نقديك في زمن ... ثناه عن واجب البر الذي علما )
( فدونك النزر من مصف مودته ... حتى يوفيك أيام المنى سلما )
3 - ابنه الثاني رفيع الدولة أبو يحيى ابن المعتصم
من بيت إماره والى السعد طوافه بها واعتماره عمرت أنديته ونشرت به رايات العز وألويته إلى أن خوى كوكبهم وهوى مرقبهم فتفرقوا ايادي سبا وفرقوا من وقع الأسنة والظبى وفارقوا أرضا كأرض غسان ووافقوا أياما كيوم أهل اليمامة مع حسان بعدما خامرت النفوس مكارمهم مخامرة الرحيق وأمهم الناس من كل مكان سحيق وانتجعوا انتجاع الأنواء واستطعموا في المحل واللأواء وصالوا بالدهر وسطوا وبين النهي والأمر فيه خطوا ورفيع الدولة هذا فجر ذاك الصباح وضوء ذلك المصباح وغصن تلك الدوحة ونسيم تلك النفحة لم يمتهن والدهر قد بذله ولا ترك الانتصار والأمر قد خذله فالتحف بالصون وارتدى وراح على الانقباض واغتدى فما تلقاه إلا سالكا جددا ولا تراه إلا لابسا سوددا وله أدب كالروض المجود إذا أزهر ونظم كزهر التهائم والنجود بل كالصبح إذا أسفر واشتهر أوقفه على النسيب وصرفه إلى المحبوبة والحبيب فمن ذلك قوله

( ما لي وللبدر لم يسمح بزورته ... لعله ترك الإجمال أو هجرا )
( إن كان ذاك لذنب ما شعرت به ... فأكرم الناس من يعفو إذا قدرا )
وله أيضا
( يا عابد الرحمن كم ليلة ... أرقتني وجدا ولم تشعر )
( إذ كنت كالغصن ثنته الصبا ... وصحن ذاك الخد لم يشعر )
وله أيضا
( وأهيف لا يلوي على عتب عاتب ... ويقضي علينا بالظنون الكواذب )
( يحكم فينا أمره فنطيعه ... ونحسب منه الحكم ضربة لازب )
وله أيضا رحمه الله تعالى
( وعلقته حلو الشمائل ماجنا ... خنث الكلام مرنح الأعطاف )
( ما زلت أنصفه وأوجب حقه ... لكنه يأبى من الإنصاف )
وله أيضا
( حبيب متى ينأى عن العين شخصه ... يكاد فؤادي أن يطير من البين )
( ويسكن ما بين الضلوع إذا بدا ... كأن على قلبي تمائم من عين )
وله أيضا
( أفدي أبا عمرو وإن كان جانيا ... علي ذنوبا لا تعدد بالعتب )
( فما كان ذاك الود إلا كبارق ... أضاء لعيني ثم أظلم للقلب )

وله وقد بلغه موتي وتحقق عنده فوتي
( مثنى الوزارة قد أودى فما فعلت ... تلك المحابر والأقلام والطرس )
( ما كنت أحسب يوما قبل ميتتة ... أن البلاغة والآداب تختلس )
واستأذن ليلة على أحد الأمراء وأنا عنده في أسنى موضع وأبهى مطلع وجوانب حفده بين يدي محتلة وسحائب رفده علي منهلة وكان أجمل من مقل وأكمل من من المهد إلى سرير الملك قد نقل وكتب إلي يهنيني بقدوم من سفر
( قدمت أبا نصر على حال وحشة ... فجاءت بك الآمال واتصل الأنس )
( وقرت بك العينان واتصل المنى ... وفازت على يأس ببغيتها النفس )
( فأهلا وسهلا بالوزارة كلها ... ومن رأيه في كل مظلمة شمس )
4 - وقال في المطمح في ترجمة الوزير أبي الوليد ابن حزم واحد دونه الجمع وهو للجلالة بصر وسمع روضة علاه رائقة السنا ودوحة بهاه طيبة الجنى لم يتزر بغير الصون ولم يشتهر بفساد بعد الكون مع نفس برئت من الكبر وخلصت خلوص التبر مع عفاف التحف به برودا وما ارتشف به ثغرا برودا فعفت مواطنه وما استرابت ظواهره ولا بواطنه وأما شعره ففي قالب الإحسان أفرغ وعلى وجه الاستحسان يلقى ويبلغ وكتب إليه ابن زهر
( أأبا الوليد وأنت سيد مذحج ... هلا فككت أسير قبضة وعده )
( وحياة من أمد الحياة بوصله ... وذهابها حتما بأيسر صده )

( لأقاتلنك إن قطعت بمرهف ... من جفنه وبصعدة من قده )
فراجعه أبو الوليد
( لبيك يا أسد البرية كلها ... من صادق عبث المطال بوعده )
( يمضي بأمرك ساء أو سر القضا ... ويفل حد النائبات بحده )
( إيه ووافقت الصبا في معرض ... ذهب المشيب بهزله وبجده )
5 - وقال في المطمح في ترجمة أبي بكر الغساني ما صورته صليب العود مهيب الوعود لو دعي له الأسد الورد لأجاب ولو رمي بذكره الليل البهيم لانجاب ولو قعدت بين يديه الأطواد لتحرك سكونها ولو عصته الطيور ما آوتها وكونها مع وقار تخاله يذبلا وفخار يفضح بلبلا وشيم لو كانت بالروض ما ذوى أو تقاسمت في الخلق ما رمد أحد بعدما شوى وسجايا تنجلي عنها الظلماء كأن مزاجها عسل وماء انتهى
وهذا الغساني هو صاحب تفسير القرآن وقد عرف به في الإحاطة فليراجع ثمة
6 - وقال أيضا في المطمح ما صورته أبو عامر ابن عقال كان له ببني قاسم تعلق وفي سماء دولتهم تألق فلما خوت نجومهم وعفت رسومهم انحط عن ذلك الخصوص وسقط سقوط الطائر المقصوص وتصرف بين وجود وعدم وتحرف قاعدا حينا وحينا على قدم وفي خلال حاله وأثناء انتحاله لم يدع حظه من الحبيب ولا ثنى لحظه

عن الغزال الربيب ولم يزل يطير ويقع والدهر يخرق حاله ويرقع إلى أن أرقاه الأمير إبراهيم بن يوسف بن تاشفين رحمه الله تعالى أعلى ربوة وأراه أبهى حظوة فأدرك عنده رتبة أعلام التحبير والإنشا وترك الدهر قلق الحشا وتسنم منزلة لا يتسنمها إلا من تطهر من درنه وجمح إحسانه في ميدان حرنه والحظوظ أقسام لا تسام والدنيا إنارة وإعتام
( ولو لم يعل إلا ذو محل ... تعالى الجيش وانحط القتام )
وقد أثبت عنه بعض ما انتقيته والذي أخذته مباين لما أبقيته فمن ذلك قوله
( يا ويح أجسام الأنا ... م لما تطيق من الأذى )
( خلقت لتقوى بالغذا ... ء وسقمها ذاك الغذا )
( وتنال أيام السلا ... مة بالحياة تلذذا )
( فإذا انقضى زمن الصبا ... ورمى المشيب فأنفذا )
( وجد السقام إلى المفا ... صل والجوانح منفذا )
( ويقول مهما يعط شي ... ئا ناولوني غير ذا )
وحذا في هذه القصيدة خذو الصابي في قوله
( وجع المفاصل وهو أي ... سر ما لقيت من الأذى )
( رد الذي استحسنته ... والناس من حظي كذا )
( والعمر مثل الكاس ير ... سب في أواخرها القذى )

وله يعتذر عن زيارة اعتمدها ومواصلة اعتقدها فعاقته عنها حوادث لوته وعدته عن ذلك وثنته
( بينما كنت راجيا للقائه ... والتشفي بالبشر من تلقائه )
( وترقبت من سماء نزاعي ... قمر الأنس طالعا من سمائه )
( إذ دهاني اعتراض خطب ثناني ... عن غمام يشفي الغليل بمائه )
( فتدلهت انزويت حياء ... منه والعذر واضح لسنائه )
وله فصل كتب به عن الأمير إبراهيم يصف إجازة أمير المسلمين البحر سنة خمس عشرة وخمسمائة وفي الساعة الثانية من يوم الجمعة كان جوازه أيده الله تعالى من مرسى جزيرة طريف على بحر ساكن قد ذل بعد استصعابه وسهل بعد أن رأى الشامخ من هضابه وصار حيه ميتا وهذره صمتا وجباله لا ترى فيها عوجا ولا أمتا وضعف تعاطيه وعقد السلم بين موجه وشاطيه فعبر آمنا من لهواته متملكا لصهواته على جواد يقطع الجو سبحا ويكاد يسبق البرق لمحا لم يحمل لجاما ولا سرجا ولا عهد غير اللجة الخضراء مرجا عنانه في رجله وهدب العين يحكي بعض شكله فلله هو من جواد له جسم وليس له فؤاد يخرق الهواء ولا يرهبه ويركض الماء ولا يشربه
وقال في ترجمة الفقيه أبي مروان عبد الملك بن زيادة الله الطبني ما نصه
من ثنية شرف وحسب ومن أهل حديث وأدب إمام في اللغة متقدم فارع لرتب الشعر متسنم له رواية بالأندلس ورحلة إلى المشرق ثم عاد

وقد توج بالمعارف المفرق وأقام بقرطبة علما من أعلامها ومتسنما لترفعها وإعظامها تؤثره الدول وتصطفيه أملاكها الأول ما زال فيها مقيما ولا برح عن طريق أمانيها مستقيما إلى أن اغتيل في إحدى الليالي بقضية يطول شرحها فأصبح مقتولا في فراشه مذهولا كل أحد من انبساط الضرب إليه على انكماشه وقد أثبت من محاسنه ما يعجب السامع وتصغي إليه المسامع فمن ذلك قوله
( وضاعف ما بالقلب يوم رحيلهم ... على ما به منهم حنين الأباعر )
( وأصبر عن أحباب قلب ترحلوا ... ألا إن قلبي سائر غير صابر )
ولما رجع إلى قرطبة وجلس ليرى ما احتقبه من العلوم اجتمع إليه في المجلس خلق عظيم فلما رأى تلك الكثرة وما له عندهم من الأثرة قال
( إني إذا حضرتني ألف محبرة ... يكتبن حدثني طورا وأخبرني )
( نادت بمفخري الأقلام معلنة ... هذي المفاخر لا قعبان من لبن )
وكتب إلى ذي الوزارتين أبي الوليد ابن زيدون
( أبا الوليد وما شطت بنا الدار ... وقل منا ومنك اليوم زوار )
( وبيننا كل ما تدريه من ذمم ... وللصبا ورق خضر وأنوار )
( وكل عتب وإعتاب جرى فله ... بدائع حلوة عندي وآثار )
( فاذكر أخاك بخير كلما لعبت ... به الليالي فإن الدهر دوار )
8 - وقال في ترجمة صاحب العقد الفقيه العالم أبي عمر أحمد بن عبد ربه

عالم ساد بالعلم ورأس واقتبس به من الحظوة ما اقتبس وشهر بالأندلس حتى سار إلى المشرق ذكره واستطار شرر الذكاء فكره وكانت له عناية بالعلم وثقة ورواية له متسقة وأما الأدب فهو كان حجته وبه غمرت الأفهام لجته مع صيانة وورع وديانة ورد ماءها فكرع وله التأليف المشهور الذي سماه بالعقد وحماه عن عثرات النقد لأنه أبرزه مثقف القناة مرهف الشباة تقصر عنه ثواقب الألباب وتبصر السحر منه في كل باب وله شعر انتهى منتهاه وتجاوز سماك الإحسان وسماه
أخبرني ابن حزم أنه مر بقصر من قصور قرطبة لبعض الرؤساء فسمع منه غناء أذهب لبه وألهب قلبه فبينما هو واقف تحت القصر إذ رش بماء من أعاليه فاستدعى رقعة وكتب إلى صاحب القصر بهذه القطعة
( يا من يضن بصوت الطائر الغرد ... ما كنت أحسب هذا الضن في أحد )
( لو أن أسماع أهل الأرض قاطبة ... أصغت إلى الصوت لم ينقص ولم يزد )
( فلا تضن على سمعي ومن به ... صوتا يجول مجال الروح في الجسد )
( أما النبيذ فإني لست أشربه ... ولا أجيئك إلا كسرتي بيدي )
وعزم فتى كان يتألفه وخامره كلفه على الرحيل في غده فأذهبت عزمته قوى جلده فلما أصبح عاقته السماء بالأنواء وساقته مكرها إلى الثواء فاستراح أبو عمر من كمده وانفسح له من التواصل ضائق أمده فكتب إلى المذكور العازم على البكور
( هلا ابتكرت لبين أنت مبتكر ... هيهات يأبى عليك الله والقدر )
( ما زلت أبكي حذار البين ملتهبا ... حتى رثى لي فيك الربح والمطر )
( يا برده من حيا مزن على كبد ... نيرانها بغليل الشوق تستعر )
( آليت أن لا أرى شمسا ولا قمرا ... حتى أراك فأنت الشمس والقمر )

ومن شعره الذي صرح به تصريح الصب وبرح فيه وقائع اسم الحب قوله
( الجسم في بلد والروح في بلد ... يا وحشة الروح بل يا غربة الجسد )
( إن تبك عيناك لي يا من كلفت به ... من رحمة فهما سهماك في كبدي )
ومنه قوله
( ودعتني بزفرة واعتناق ... ثم نادت متى يكون التلاقي )
( وبدت لي فأشرق الصبح منها ... بين تلك الجيوب والأطواق )
( يا سقيم الجفون من غير سقم ... بين عينيك مصرع العشاق )
( إن يوم الفراق أفظع يوم ... ليتني مت قبل يوم الفراق )
وله أيضا
( يا ذا الذي خط الجمال بخده ... خطين هاجا لوعة وبلابلا )
( ما صح عندي أن لحظك صارم ... حتى لبست بعارضيك حمائلا )
وأخبرني بعضهم أن الخطيب أبا الوليد ابن عيال حج فلما انصرف تطلع إلى لقاء المتنبي واستشرف ورأى أن لقياه فائدة يكتسبها وحلة فخر لا يحتسبها فصار إليه فوجده في مسجد عمرو بن العاص ففاوضه قليلا ثم قال أنشدني لمليح الأندلس يعني ابن عبد ربه فأنشده
( يا لؤلؤا يسبي العقول أنيقا ... ورشا بتقطيع القلوب رفيقا ... ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... درا يعود من الحياء عقيقا )

( وإذا نظرت إلى محاسن وجهه ... أبصرت وجهك في سناه غريقا )
( يا من تقطع خصره من رقة ... ما بال قلبك لا يكون رقيقا )
فلما أكمل إنشادها استعادها منه وقال يا ابن عبد ربه لقد تأتيك العراق حبوا
وله أيضا
( ومعذر نقش الجمال بخطه ... خدا له بدم القلوب مضرجا )
( لما تيقن أن سيف جفونه ... من نرجس جعل النجاد بنفسجا )
وله أيضا
( وساحبة فضل الذيول كأنها ... قضيب من الريحان فوق كثيب )
( إذا ما بدت من ثغرها قال صاحبي ... أطعني وخذ من وصلها بنصيب )
وله أيضا
( هيج الشوق دواعي سقمي ... وكسا الجسم ثياب الألم )
( أيها البين أقلني مرة ... فإذا عدت فقد حل دمي )
( يا خلي الذرع نم في غبطة ... إن من فارقته لم ينم )
( ولقد هاج بجسمي سقما ... حب من لو شاء داوى سقمي )
وبلغ سن عوف بن محلم واعترف بذلك اعتراف متألم عندما وهت شدته وبليت جدته وهو آخر شعر قال ثم عثر في أذيال الردى وما استقال

( كلاني لما بي عاذلي كفاني ... طويت زماني برهة وطواني )
( بليت وأبليت الليالي مكرها ... وصرفان للأيام معتوران )
( وما لي لا أبلى لسبعين حجة ... وعشر أتت من بعدها سنتان )
( فلا تسألاني عن تباريح علتي ... ودونكما مني الذي تريان )
( وإني بحول الله راج لفضله ... ولي من ضمان الله خير ضمان )
( ولست أبالي من تباريح علتي ... إذا كان عقلي باقيا ولساني )
وفي أيام إقلاعه عن صبوته وارتجاعه عن تلك الغفلة وأوبته وانثنائه عن مجون المجون إلى صفاء توبته محص أشعاره في الغزل بما ينافيها ونصل من قوادمها وخوافيها بأشعار في الزهد على أعاريضها وقوافيها منها القطعة التي أولها
( هلا ابتكرت لبين أنت مبتكر ... )
محصها بقوله
( يا راقدا ليس يعفو حين يقتدر ... ماذا الذي بعد شيب الراس تنتظر )
( عاين بقلبك إن العين غافلة ... عن الحقيقة واعلم أنها سقر )
( سوداء تزفر من غيظ إذا سفرت ... للظالمين فلا تبقي ولا تذر )
( لو لم يكن لك غير الموت موعظة ... لكان فيه عن اللذات مزدجر )
( أنت المقول له ما قلت مبتدئا ... هلا ابتكرت لبين أنت مبتكر )
9 - وقال في ترجمة أبي القاسم المنيشي ما صورته
أبو القاسم المنيشي أحد أبناء حضرة إشبيلية المقلين الناهضين بأعباء

الضرائر المستقلين لم يزل يعشو لكل ضوء وينتجع مصاب كل نوء فيوما يخصب ويوما يجدب وآونة يفرح وأخرى ينتدب إلى أن صدقت مخايله فرمقت بخوته وتحايله وأتى من العجب بمنسدل الحجب ومن الأشر ما لم يأت من بشر وما تصرف إلا في أنزل الأعمال ولا تعرف إلا بأخون العمال لم يفرع ربوة ظهور ولم يقرع باب رجل مشهور وله أدب ولسن ومذهب فيهما يستحسن لكنه نكب عن المقطع الجزل وذهب مذهب الهزل إلا في النادر فربما جد ثم أخلق منه ما استجد وعاد إلى ديدنه عودة أبي عباد إلى واواته ومدنه وأخذ في ذلك الغرض وليس شرط كتابي بذاءه ولا أن يقف حذاءه وقد أثبت له ما هو عندي نافق ولغرض كتابي موافق فمن ذلك قوله
( يا روضة باتت الأنداء تخدمها ... أتى النسيم وهذا أول السحر )
( إن كان قدك غصنا فالثراء به ... مثل الكمائم قد زرت على الزهر )
( اربأ بخديك عن ورد وعن زهر ... واغن بقرطيك عن شمس وعن قمر )
( يا قاتل الله لحظي كم شقيت به ... من حيث كان نعيم الناس بالنظر )
وله من رثاء في والدتي رحمة الله عليها
( يا ناصحي غير مفتات ولا شجن ... على النصائح والنصاح مفتات )
( لا أستجيب ولو ناديت من كثب ... قد وقذتني تعلات وعلات )
( إن كان رأيك في بري وتكرمتي ... بحيث قد ظهرت منه علامات )
( لا ترض لي غير شجو لا أفارقه ... فذاك أختاره والناس أشتات )
ومنها
( يا ذا الوزارة من مثنى وواحدة ... لله ما اصطنعت منك الوزارات )

( لله منك أبا نصر أخو جلد ... إذا ألمت ملمات مهمات )
( أستودع الله نورا ضمه كفن ... كما تواري بدور التم هالات )
( قضت وليت شبابي كان موضعها ... هيهات لو قضيت تلك اللبانات )
( مضت ولما يقم من دونها أحد ... هلا وقد أعذرت فيها المروءات )
وله يصف زرزورا
( أمنبر ذاك أم قضيب ... يفرعه مصقع خطيب )
( يختال في بردتي شباب ... لم يتوضح بها مشيب )
( كأنما ضمخت عليه ... أبراده مسكة وطيب )
( أخرس لكنه فصيح ... أبله لكنه لبيب )
( جهم على أنه وسيم ... صعب على أنه أريب )
10 - أبو الحسن البرقي
بلنسي الدار نفيسي المقدار ما سمعت له بشرف ولا علمت له بسلف ولا اطلعت منه على غير سرف ورد إشبيلية سنة تسع وتسعين وأربعمائة واتصل بابن زهر فناهيك من حظ في أكنافه جال ومن لحظ فيما أراده أجال ومن أمل استوفر وحظ مسك أذفر ومن وجه جاه له أسفر سلك به ساحة الرغائب وتملك بسببه إباحة الحاضر والغائب وقال فما نبذت مقالته وأقال فما قيدت إقالته وكان حلو المجالسة مجلو المؤانسة ذا نشب وافر ومذهب في المساهمة سافر إلا أنه كان كلفا بالفتيان معنى بهم في كل الأحيان ونيف على السبعين وهو برداء الصبوة مرتد وبعترتها معتد مع أدب زهرته ترف وكأنه بحر والألباب منه تغترف وقد أثبت له بعض

ما وجدت له في الغلمان وأنشدت له في تلك الأزمان فمن ذلك قوله رحمه الله تعالى
( إن ذكرت العقيق هاجك شوق ... رب شوق يهيجه الادكار )
( يا خليلي حدثاني عن الرك ... ب سحيرا أأنجدوا أم أغاروا )
( شغلونا عن الوداع وولوا ... ما عليهم لو ودعوا ثم ساروا )
( أنا أهواهم على كل حال ... عدلوا في هواهم أم جاروا )
وعلق بإشبيلية فتى يعرف بابن المكر وبات من حبه طريحا بين أيدي الوساوس والفكر لا يمشي إلا صبا ولا يفشي إلا غراما وحبا وما زال يقاسي لوعته مقاساة يناجي به صرعته ويكابد جواه ويلازم هواه حتى اكتسى خده بالعذار وانمحت عنه بهجة آذار فسلا من كلفه وتصدى ذلك لمواصلته بصلفه فقال
( الآن لما صوحت وجناته ... شوكا وأضحت سلوة العشاق )
( واستوحشت منه المحاسن واكتست ... أنوار وجهك واهن الأخلاق )
( أمسيت تبذل لي الوصال تصنعا ... خلق اللئيم وشيمة المذاق )
( هلا وصلت إذ الشمائل قهوة ... وإذ المحيا روضة الأحداق )
( يا كم أطلت غرام قلب موجع ... كم قد ألب إليك بالأشواق )
( ما كنت إلا البدر ليلة تمه ... حتى قضت لك ليلة بمحاق )
( لاح العذار فقلت وجد نازح ... إن ابن داية مؤذن بفراق )
وله فيه مناقضا لذلك الغرض معارضا للوعة سلوه الذي كان عرض
( يلومون في ظبي تزايد حسنه ... بخطين خطا لوعتي وغراميا )

( وقد كنت أهوى خده وهو عاطل ... فكيف وقد أضحى لعيني حاليا )
وله أيضا في مثله
( أجيل الطرف في خد نضير ... يردد ناظري نظري إليه )
( إذا رمدت بحمرته جفوني ... شفاها منه إثمد عارضيه )
11 - أبو الحسن علي بن جودي
برز في الفهم وأحرز منه أوفر سهم وعانى العلوم بقريحة ذكية وواخى ينفس في المعارف زكية وله أدب واسع مداه يانع كالروض بلله نداه ونظم أرق من دمع العاني ولطيف المعاني وأعبق من نفس الخمائل في أكف الصبا والشمائل ونثر كالزهر المطلول أو السلك المحلول إلا أنه سها فأسرف وزها بما لا يعرف وتصدى إلى الدين بالافتراء ولم يراقب الله تعالى في ذلك الاجتراء واشتهرت عنه في ذلك أقوال سدد إلى الملة نصالها وأبدى بها ضلالها فعظمت به المحنة وكمنت له في كل نفس إحنة وما زال يتدرج فيها وينتقل حتى عثر وما كاد يستقل فمر لا يلوي على تلك النواحي وفر لا ينثني إلى لوائم ولواحي وما زال يركب الأهواء ويخوضها ويذلل النفس بها ويروضها حتى أسمحت ببعض الإسماح وكفت عن ذلك الجماح واستقر عند أبي مالك فآواه ومهد له مثواه وجعله في جملة من اختص من المبطلين واستخلص من المعطلين فكثيرا ما يصطفيهم ولا يدري أيدخرهم أم يقتنيهم وقد أثبت له ما يبهر سامعا ويظهر برقا لامعا فمن ذلك قوله
( أحن إلى ريح الشمال فإنها ... تذكرنا نجدا وما ذكرنا نجدا )
( تمر على ربع أقام به الهوى ... وبدل من أهليه جاثمة ربدا )

( فيا ليت شعري هل تقضى لبانة ... فأرتشف اللميا وأعتنق القدا )
( خليلي لا والله ما أحمل الهوى ... وإن كنت في غير الهوى رجلا جلدا )
وقوله أيضا
( سل الركب عن نجد فإن تحية ... لساكن نجد قد تحملها الركب )
( وإلا فما بال المطي على الوجى ... خفافا وما للريح مرجعها رطب )
وقوله أيضا
( إذا ارتحلت غربية فاعرضا لها ... فبالغرب من نهوى له البلد الغربا )
( لقد ساءنا أنا بعيد وأننا ... بأرضين شتى لا مزارا ولا قربا )
( يفجعنا إما بعاد مبرح ... وإما أمور باعثات لنا كربا )
( ظعنا على حكم الليالي وخطبها ... فيا ليت لم ندر الليالي ولا الخطبا )
( وكنت أرجي الدهر بعد الذي مضى ... ديارا وقربا والأصادق والصحبا )
( أحقا يسير الركب لم ترتحل بنا ... إليك ولم تحد الحداة لنا ركبا )
وقوله أيضا
( لقد هيج النيران يا أم مالك ... بتدمير ذكرى ساعدتها المدامع )
( عشية لا أرجو لقاءك عندها ... ولا أنا أن يدنو مع الليل طامع )
وقوله أيضا
( حننت إلى البرق اليماني وإنما ... نعالج شوقا ما هنالك هانيا )
( فيا راكبا يطوي البلاد تحملن ... تحيتنا إن كنت تلجأ لاقيا )
( ليالينا بالجزع جزع محجر ... سقى الله يا فيحاء تلك اللياليا )
( وما ضر صحبي وقفة بمحجر ... أحيي بها تلك الرسوم البواليا )

وله أيضا
( خليلي من نجد فإن بنجدهم ... مصيفا لبيت العامري ومربعا )
( ألا رجعا عنها الحديث فإنني ... لأغبط من ليلى الحديث المرجعا )
( عزيز علينا يا ابنة القوم أننا ... غريبان شتى لا نطيق التجمعا )
( فريق هوى منا يمان ومشئم ... يحاول يأسا أو يحاول مطمعا )
( كأنا خلقنا للنوى وكأنما ... حرام على الأيام أن تتجمعا )
ووجدت له في بعض نسخ المطمح قوله أيضا
( سقى دارك الآتي ببطن محصب ... مثاكيل من وفد الغمام المرنح )
( ألم تعلمي يا فتنة القلب أنني ... تطارحت من حبي لكم كل مطرح )
( إذا نعبت غربان دار وجدتني ... وشوقي مقيم بين ناء ونزح )
وله أيضا
( ألا خبر وللبلوى ضروب ... وفيك لكل مشتاق حبيب )
( حباك الله بالنعمى فنونا ... وجر لكم مع النعمى خطوب )
( متى تقضي بخسفتك الليالي ... وتعصف فيكم ريح هبوب )
( فإنكم تجرون المنايا ... وتعمر من مجانيكم قلوب )
وقد ذكر في المطمح له تخميسا جاريا على ألسنة الناس إلى الآن وهو
( أيا ساكنين بارض اللوى ... وصالكم لسقامي دوا )
( وعافاكم الله من ذا الجوى ... ملكتم فؤادي فصار الهوى )
( علي رقيب رقيب رقيب ... )

( ولما تبدت لهم حالتي ... وما حرك الهجر من زفرتي )
( بكوا رحمة لي من ساعتي ... فقلت متى الوصل يا سادتي )
( فقالوا قريب قريب قريب ... )
وهو وإن لم يكن في ذروة البلاغة فقد ذكرته لأنه مطروق بالمغرب عند أهل التلاحين وغيرهم
ولنذكر بعض نص خطبة المطمح قال رحمه الله تعالى فيه أما بعد حمد الله الذي أشعرنا إيمانا وإلهاما وصير لنا أفهاما ويسر لنا برود آداب ونشرنا للانبعاث لإثباتها والانتداب وصلى الله على سيدنا محمد الذي بعثه رحمة ونبأه منة منه ونعمة وسلم تسليما فإنه كان بالأندلس أعلام فتنوا بسحر الكلام ولقوا منه كل تحية وسلام فشعشعوا البدائع وروقوها وقلدوها بمحاسنهم وطوقوها ثم هووا في مهاوي المنايا وانطووا بأيدي الرزايا وبقيت مآثرهم الحسان غير مثبتة في ديوان ولا مجملة في تصنيف تجتلي فيه العيون وتجتني منه زهر الفنون إلى أن أراد الله تعالى إظهار إعجازها واتصال صدورها بأعجازها فحللت من الوزير أبي العاصي حكم بن الوليد عند من رحب وأهل وأعل بمكارمه وأنهل وندبني إلى أن أجمعها في كتاب وأدركني من التنشط إلى إقبال ما ندب إليه وكتابة ما حث عليه فأجبت رغبته وحليت بالإسعاف لبته وذهبت إلى إبدائها وتخليد عليائها وأمليت منها في بعض أيام ثلاثة أقسام القسم الأول يشتمل على سرد غرر الوزراء وتناسق درر الكتاب والبلغاء القسم الثاني يشتمل على محاسن أعلام العلماء وأعيان القضاة والحكماء القسم الثالث يشتمل على ذكر محاسن الأدباء النوابغ النجباء انتهى

وهذه خطبة المطمح الصغير وأما الكبير والآوسط فضمنهما ذكر الملوك والسلاطين حسبما نقلنا بعضه فيما مر من هذا الكتاب على أننا نقلنا بعضا من الصغير أيضا فليعلم ذلك من يقف على هذا الكتاب ومن له أدنى ممارسة وليراجع من الترجمة الفرق بين كلامه في الصغير وغيره وبالجملة فما رأيت ولا سمعت أحلى من عبارة الفتح رحمه الله تعالى في تحلية الناس ووصف أيام الانس وليس الخبر كالعيان وقد سردنا بعض كلامه في القلائد وفي المطمح
قطعة من الموشحات
ولنرجع الآن إلى ما كنا بصدده من أمر التوشيح فنقول وتمام موشحة ابن سهل التي عارضها لسان الدين هو قوله
( هلا درى ظبي الحمى أن قد حمى ... قلب صب حله عن مكنس )
( فهو في حر وخفق مثلما ... لعبت ريح الصبا بالقبس )
( يا بدورا أطلعت يوم النوى ... غررا تسلك بي نهج الغرر )
( ما لقلبي في الهوى ذنب سوى ... منكم الحسن ومن عيني النظر )
( أجتني اللذات مكلوم الجوى ... والتذاذي من حبيبي بالفكر )
( كلما أشكوه وجدا بسما ... كالربى بالعارض المنبجس )
( إذ يقيم القطر فيها مأثما ... وهي من بهجتها في عرس )
( غالب لي غالب بالتؤده ... بأبي أفديه من جاف رقيق )
( ما رأينا مثل ثغر نضده ... أقحوانا عصرت منه رحيق )
( أخذت عيناه منه العربده ... وفؤادي سكره ما إن يفيق )

( فاحم الجمة معسول اللمى ... أكحل اللحظ شهي اللعس )
( وجهه يتلو الضحى مبتسما ... وهو من إعراضه في عبس )
( أيها السائل عن ذلي لديه ... لي جزاء الذنب وهو المذنب )
( أخذت شمس الضحى من وجنتيه ... مشرقا للصب فيه مغرب )
( ذهبت أدمع أجفاني عليه ... وله خد بلحظي مذهب )
( يطلع البدر عليه كلما ... لاحظته مقلتي في الخلس )
( ليت شعري أي شيء حرما ... ذلك الورد على المغترس )
( كلما أشكو إليه حرقي ... غادرتني مقلتاه دنفا )
( تركت ألحاظه من رمقي ... أثر النمل على صم الصفا )
( وأنا أشكره فيما بقي ... لست ألحاه على ما أتلفا )
( فهو عندي عادل إن ظلما ... وعذولي نطقه كالخرس )
( ليس لي في الحب حكم بعدما ... حل من نفسي محل النفس )
( منه للنار بأحشائي اضطرام ... يلتظي في كل حين ما يشا )
( وهي في خديه برد وسلام ... وهي ضر وحريق في الحشا )
( أتقي منه على حكم الغرام ... أسد الغاب وأهواه رشا )
( قلت لما أن تبدى معلما ... وهو من ألحاظه في حرس )
( أيها الآخذ قلبي مغنما ... اجعل الوصل مكان الخمس )
وقد عارض هذا الموشح أيضا بعض متأخري المغاربة فقال
( يا عريب الحي من حي الحمى ... أنتم عيدي وأنتم عرسي )
( لم يحل عنكم ودادي بعدما ... حلتم لا وحياة الأنفس )

( من عذيري في الذي أحببته ... مالك قلبي شديد البرحا )
( بدر تم أرسلت مقلته سهم لحظ لفؤادي جرحا )
( إن تبدى أو تثنى خلته ... غصن بان فوقه شمس ضحى )
( تطلع الشمس عشاء عندما ... تنجلي منه بأبهى ملبس )
( وترى الليل أضا منهزم ... وترى الصبح أضا في الغلس )
( يا حياة النفس صل بعد النوى ... والها مضنى شديد الشغف )
( قد براه السقم حتى ذا الهوى ... كاد أن يفضي به للتلف )
( آه من ذكر حبيب باللوى ... وزمان بالمنى لم يسعف )
( كنت أرجو الطيف يأتي حلما ... عائدا يا نفس من ذا فايأسي )
( هل يعود الطيف صبا مغرما ... ساهرى أجفانه لم تنعس )
( همت في أطلال ليلى وأنا ... ليس في الأطلال لي من أرب )
( ما مرادي رامة والمنحنى ... لا ولا ليلى وسعدى مطلبي )
( إنما سؤلي وقصدي والمنى ... سيد العجم وتاج العرب )
( أحمد المختار طه من سما ... الشريف ابن الشريف الكيس )
( خاتم الرسل الكريم المنتمى ... طاهر الأصل زكي النفس )
وقال في مباراة هذه الموشحات السابقة
( لا تلمني يا عذولي تأثما ... ما ترى جسمي بسقم قد كسي )
( مثلما شرح غرامي علما ... حيث أشكو وحشة من مؤنس )

( ظبي أنس عن فؤادي نفرا ... وفؤادي مكتو من صده )
( وعذولي في هوى الحب فرى ... بملام مذ نهى عن وده )
( أنت أعمى يا عذولي ما ترى ... يانع الورد بدا من خده )
( وله ثغر إذا ما ابتسما ... كبروق أومضت في الغلس )
( وثناياه كدر نظما ... فضياها في الدجى كالقبس )
( كم ترى سحرى بجفنيه بدا ... لفؤاد في الهوى أضحى كليم )
( ليس سحر مقلتي هذا سدى ... يا فؤادي إن شفى السحر السقيم )
( خيفة أوجس قلبي وغدا ... راحلا صبري وها شوقي مقيم )
( يا إله العرش يا رب السما ... يا عليما بضمير الأنفس )
( قلبي الولهان يشكو ألما ... من جفا ظبي أغن أكيس )
( أغيد يسبي البرايا بالمقل ... أدعج الجفن بعينيه حور )
( لو رأته الشمس أضحت في خجل ... وهو للبدر بوجه قد قمر )
( من معاني حسنه رق الغزل ... في غزال قد غزاني بالنظر )
( آخذ بالروح مني كلما ... رمق الصب بطرف أنعس )
( يقنص الأسد بلحظ قد رمى ... أسهما تفتك من غير قسي )
( يا رعى الله زمانا سلفا ... بلويلات تقضت بانشراح )
( مثل دينار وها قد صرفا ... في ألذ العيش مع حب وراح )
( فاعذروا القلب الذي قد شغفا ... بحبيب ما له عنه براح )
( بدر تم أهيف حلو اللمى ... ريقه شهد شهي اللعس )
( كسلاف عهدها قد قدما ... تنجلي في كأسها كالعرس )

( قهوة بكر عجوز عتقت ... زمنا في دنها من قبل نوح )
( هي لما في زجاج أشرقت ... شمس راح غربت في كل روح )
( جددت بسطا وكم قد مزقت ... قلب صب في غبوق وصبوح )
( حلف الخمار عنها قسما ... أنها بالمكث كادت تنتسي )
( فاسقني صرفا ولا تمزج بما ... راحه كم أذهبت من عبس )
( في رياض قد شدا شحروره ... عاطنيها بين أكناف الشجر )
( وانظم الشمل ودع منثوره ... حول ورد وأقاح وزهر )
( وإذا الطل بدا شبوره ... كلل الأوراق منه بالدرر )
( ما ترى الريحان عبدا خدما ... حيث أضحى واقفا في المجلس )
( جلس النسرين لكن ربما ... إستحت منه عيون النرجس )
( فتنزه في رياض خضر ... وغصون غردت فيها هزار )
( وانتشق عرف زهور عطر ... ياسمين زينته الجلنار )
( وشذا الزهر كمسك أذفر ... واقبل العذر لابن البزددار )
( طامع في رحمة الله وما ... خاب عبد طامع لم ييأس )
( يا إلهي جد علينا كرم ... يا كريما قبل أخذ الأنفس )
رجع إلى موشحات ابن الخطيب
قال لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى ومما قلته من الموشحات التي انفرد باختراعها الأندلسيون وطمس الآن رسمها

( رب ليل ظفرت بالبدر ... ونجوم السماء لم تدر )
( حفظ الله ليلنا ورعى ... )
( أي شمل من الهوى جمعا ... )
( غفل الدهر والرقيب معا ... )
( ليت نهر النهار لم يجر ... حكم الله لي على الفجر )
( علل النفس يا أخا العرب ... )
( بحديث أحلى من الضرب ... )
( في هوى من وصاله أربي ... )
( كلما مر ذكر من تدري ... قلت يا برده على صدري )
( صاح لا تهتمم بأمر غد ... )
( وأجز صرفها يدا بيد ... )
( بين نهر وبلبل غرد ... )
( وغصون تميل من سكر ... أعلنت يا غمام بالشكر )
( يا مرادي ومنتهى أملي ... )
( هاتها عسجدية الحلل ... )
( حلت الشمس منزل الحمل ... )
( وبرود الربيع في نشر ... والصبا عنبرية النشر )
( غرة الصبح هذه وضحت ... )
( وقيان الغصون قد صدحت ... )
( وكأن الصبا إذا نفحت ... )

( وهفا طيبها عن الحصر ... مدحة في علا بني نصر )
( هم ملوك الورى بلا ثنيا ... )
( مهدوا الدين زينوا الدنيا ... )
( وحمى الله منهم العليا ... )
( بالإمام المرفع الخطر ... والغمام المبارك القطر ... )
( إنما يوسف إمام هدى ... )
( حاز في المعلوات كل مدى ... )
( قل لدهر بملكه سعدا ... )
( افتخر جملة على الدهر ... كافتخارالربيع بالزهر )
( يا عمادالعلاء والمجد ... )
( أطلع العيد طالع السعد ... )
( ووفى الفتح فيه بالوعد ... )
( وتجلت فيه علىالقصر ... غرر من طلائع النصر )
( فتهنأ من حسنه البهج ... )
( بحياة النفوس والمهج ... )
( واستمعها ودع مقال شجي ... )
( قسما بالهوى لذي حجر ... ما لليل المشوق من فجر )
ومن بديع موشحات لسان الدين رحمه الله تعالى قوله

( كم ليوم الفراق من غصه ... في فؤاد العميد )
( نرفع الأمر فيه والقصة ... للولي الحميد )
( رحل الركب يقطع البيدا ... بسفين النياق )
( كل وجناء تتلع الجيدا ... وتبذ الرفاق )
( حسبت ليلة اللقا عيدا ... فهي ذات اشتياق )
( صائمات لا تقبل الرخصه ... قبل فطر وعيد )
( فهي مذ أملته مختصه ... بجهاد جهيد )
ومنه في آخره
( يا إمام العلاء والفخر ... ذا السنا المبهج )
( هاكها لا عدمت في الدهر ... آملا يرتجي )
( عارضت قول بائع التمر ... بمقال شجي )
( غربوك الجمال يا حفصه ... من مكان بعيد )
( من سجلماسة ومن قفصه ... وبلاد الجريد )
وقد ألف رحمه الله تعالى في هذا الفن كتابه المسمى بجيش التوشيح وأتى فيه بالغرائب وذيل عليه صاحبنا وزير القلم بالمغرب العلم الشهير المنفرد في عصره بحيازة قصب السبق في البلاغة سيدي عبد العزيز بن محمد الفشتالي رحمه الله تعالى بكتاب سماه مدد الجيش واستهله بقوله حمدا لمن أمد جيش محمد بعترته وأتى فيه بكثير من موشحات أهل عصرنا من المغاربة

وضمنه من كلام أمير المؤمنين مولانا المنصور أبي العباس أحمد الشريف الحسني رحمة الله تعالى ورضوانه عليه ما زاده زينا وأخبرني رحمه الله تعالى أنه ذكر فيه لأهل العصر في أمير المؤمنين ولأمير المؤمنين المذكور أزيد من ثلاثمائة موشح ولا حرج في إيراد بعضها هنا فمنها قول أحد الوافدين من أهل مكة على عتبة السلطان مولانا المنصور وهو رجل يقال له أبو الفضل ابن محمد العقاد وقد عارض بها موشحتي لسان الدين وابن سهل السابقتين
( ليت شعري هل أروي ذا الظما ... من لمى ذاك الثغير الألعس )
( وترى عيناي ربات الحمى ... باهيات بقدود ميس )
( يدخلون السقم من دار اللوى ... كلم الهجر فؤادي وأسر )
( هد من ركن اصطباري والقوى ... مبدلا أجفان نومي بالسهر )
( حين عز الوصل عن وادي طوى ... هملت أعين دمعي كالمطر )
( فعساكم أن تجودوا كرما ... بلقاكم في سواد الحندس )
( وتداووا قلب صب مغرما ... من جراحات العيون النعس )
( كلما جن ظلام الغسق ... هزني الشوق إليكم شغفا )
( واعتراني من جفاكم قلقي ... مذ تذكرت جيادا والصفا )
( وتناهت لوعتي من حرقي ... ثم زاد الوجد في التلفا )

( فانعموا لي ثم جودوا لي بما ... يطف نيران الجوى ذي القبس )
( ساعة لي من رضاكم مغنما ... وتداوي جثتي مع نفسي )
( كنت قبل اليوم في زهو وتيه ... مع أحبابي بسلع ألعب )
( ومعي ظبي بإحدى وجنتيه ... مشرق الشمس وأخرى مغرب )
( فرماني بسهام من يديه ... ضارب البين فقلبي متعب )
( لست أرجو للقاهم سلما ... غير مدحي للإمام الأرأس )
( أحمد المحمودحقا من سما ... الشريف ابن الشريف الكيس )
ومنها قول بعض المراكشيين
( واخجلتا للصباح ... والشمس إذلاح جؤذر )
( ساق يدير الكؤوسا ... تضيء خمرا وتزهر )
( تقادمت في الدنان ... من عهد نوح تروق )
( في لونها البهرماني ... تدار فينا وتعبق )
( قد أطلقت من عنان ... من عن صبوح يرقق )
( يسعى بها من ملاح ... من كان باللحظ يسكر )
( بالحسن يصبي الجليسا ... ويستخف الموقر )

( يثير كامن وجد ... في قلب كل سقيم )
( يسطو علينا بقد ... يزري بغصن قويم )
( أشقى بعشقي وودي ... في جنة ونعيم )
( من ذي الوجوه الصباح ... ياشادنا غن واذكر )
( وهات لحنا نفيسا ... نرويه عنك ونأثر )
( في مدح من ساد طفلا ... هذي الباريا وفاقا )
( من حاز مجدا وفضلا ... بين الأنام وفاقا )
( في عدله قال قولا ... يسري فيعدو العراقا )
( في احمد ذي السماح ... في الشرق والغرب ينصر )
( أحيا الهدى والنفوسا ... وذل ملة قيصر )
( تراه سلما وحربا ... من رأيه في جنوده )
( يختال لم يبغ عجبا ... من عزه في بروده )
( يهوى المعالي كسبا ... ويقتنيها بجوده )
( فخار أهل البطاح ... وعز من قد تمصر )
( ثناه يملا الطروسا ... عن صورة المجد عبر )
( ملك بنى في البديع ... منازلا كالدراري )
( فيا له من صنيع ... الروض والماء جاري )
( فقل بصوت رفيع ... إذ بان فجر النهار )

( أهدى نسيم الصباح ... مسكا شميما وعنبر )
( وجىء بها خندريسا ... من خد ساقيه تعصر )
ومن موشحات السلطان المنصور المذكور
( ريان من ماء الصبا ... أهيف وممتلي البرد )
( كالغصن هزته الصبا ... فوق الربى الشهب )
( قد قلت لما أن سبى ... بحسنه يسبي )
( من عينه سل ظبى ... وغمدها قلبي )
( أسرني ماضي الشبا ... أوطف مرنح القد )
( يا فاضح الروض سنا ... بل مخجل البدر )
( وقاطعي ظلما عنا ... ومن مقره صدري )
( إن لم تكن شمس دنا ... فإنها تجري )
( علقته من الظبا ... أسجف يسطو على الأسد )
( قلت له وقد نهد ... وجد في حربي )
( وغلب الظبي الأسد ... ففاز بالغلب )
( الشمس برجها الأسد ... فاسع إلى قلبي )
ولم يحضرني الآن تمامها
ومنها قوله يعارض لسان الدين وابن الصابوني

( وليالي الشعور إذ تسري ... ما لنهر النهار من فجر )
( حبذا الليل طال لي وحدي ... )
( لو تراني جعلته بردي ... )
( فاطميا في خلعة الجعدي ... )
( هي ليلى أخت بني بشر ... فأين أنت يا أبا بدر )
( كم سقطنا ألطف من طل ... )
( واجتمعنا وما درى ظلي ... )
( واسترحنا من كاشح نذل ... )
( رب ليل ظفرت بالبدر ... ونجوم السماء لم تدر )
( وبنفسي مهفهف ألمى ... )
( ومطيع وغرني لما ... )
( سألته وقانعي مما ... )
( في رباط قسمتني صدري ... لحنين وناظري بدر )
( وهلال في حسنه اكتملا ... )
( هو شمس وأضلعي الحملا ... )
( قام يشدو وينثني في ملا ... )
( قسما بالهوى لذي حجر ... ما لليل المشوق من فجر )

من مقطعات المنصور
ثم عن لنا أن نورد هنا جملة من مقطوعات مولانا السلطان المنصور مما تلقيناه عنه أيام كوننا في إيالته الشريفة فمن ذلك قوله رادا على من قال في ابن أبي الحديد
( لقد أتى باردا ثقيلا ... ولم يرث ذاك من بعيد )
( فهو كما قد علمت شيء ... أشهر ما كان في الحديد )
ما صورته
( لقد أتى صارما صقيلا ... ولم يرث ذاك من بعيد )
( شديد بأس متى يعادي ... وشدة البأس في الحديد )
ومن نظمه قوله
( لله تمر طيب ... وافى على البشرى انطوى )
( يا حسنه مجتمعا ... يحلو لنا بلا نوى )
وقوله معميا في قمر على طريقة الاكتفاء
( معذبي أعجزني نيله ... من لي بمن مسكنه في السما )
( لم أنس إذ قال إلا تكتفي ... قلت بمن بالطرف قلبي رمى )
وقوله
( تبدى وزند الشوق تقدحه النوى ... فتوقد أنفاسي لظاه وتضرم )
( وهش لتوديعي فأعرضت مشفقا ... على كبد حرى وقلب يقسم )

( ولولا ثواه بالحشا لأهنتها ... ولكنها تعزى إليه فتكرم )
( فاعجب لآساد الشرى كيف أحجمت ... على أنه ظبي الكناس ويقدم )
وقال قدس الله تعالى روحه موريا
( إن يوما لناظري قد تبدى ... فتملى من حسنه تكحيلا )
( قال جفني لصنوه لا تلاقي ... إن بيني وبين لقياك ميلا )
وقد تبارى خدام حضرة هذا السلطان في تخميس هذين البيتين ومن أشهر ذلك قول الأستاذ الحافظ سيدي أحمد الزموري رحمه الله تعالى وكان يصلي بالسلطان التراويح
( ورقيب يردد اللحظ ردا ... ليس يرضى سوى ازديادي بعدا )
( ساءه الطرف مذ جنى الخد وردا ... إن يوما لناظري قد تبدى )
( فتملى من حسنه تكحيلا ... )
( وتصدى من فحشه في استباق ... يمنع اللحظ من جنى واعتناق )
( أيأس العين من لحاظ ائتلاق ... قال جفني لصنوه لا تلاقي )
( إن بيني وبين لقياك ميلا ... )
ومن نظم السلطان المذكور وهو من أوليات شعره قوله في ورده مقلوبة بين يدي محبوبه
( ووردة شفعت لي عند مرتهني ... راقت وقد سجدت لفاتر الحدق )
( كأن خضرتها من فوق حمرتها ... خال على خده من عنبر عبق )
وقال أيضا من أولياته

( شادن نم عليه عرفه ... ما خلاصي من سهام كامنه )
( أحلال فيه أني خائف ... وغزالي بعد خوفي آمنه )
وقال في وصف رقيب ملازم
( رقيبي كأن الأرض مرآة شخصه ... فأين تولى الطرف مني يراه )
( مقيم بوجه الوصل حتى كأنما ... وصالي هلال والسواد صداه )
وقال
( أيا روضة ضنت علي بزهرها ... ولم يتلق ناظراي سواك )
( أبيحي لنفسي من شذاك بقاءها ... إذا فت طرفي عل الانف يراك )
وقال أيضا
( على جدول غطت عليه بشعرها ... لئلا يرى الشمس الرقيبة لي طرف )
( فبت أرى في جدول بدر وجهها ... غريقا ونقطات العبير به كلف )
وقال
( طرقت حماه والأسود خوادر ... به فتولى بالظبى وهو يبعد )
( فعلمت آساد الشرى كيف تقدم ... وعلم غزلان النقا كيف تشرد )
وقال
( لما نأى المحبوب رق لي الدجى ... وأتى يعللني برعي كواكبه )
( أولى غراب البين ردك يا حشا ... والبين مزني الصباح كواك به )

وقال معميا باسم حظيته الشهيرة الحسن والإحسان نسيم
( يا هلالا طلوعه بين جفني ... وغزالا كناسه بين جنبي )
( إن سهما رميت غادر هما ... لو تناهى ما شك آخر قلبي )
ورأيت بخطه على هذا المحل ما صورته قولي إن سهما تنصيص وغادر هما إسقاط وهو إشارة لإسقاط هما من هذا الاسم وقولي لو تناهى انتقاد والانتقاد الإشارة إلى بعض أجزاء الكلمة ليؤخذ جزء الاسم المطلوب كأن يذكر الوجه أو الصدر أو التاج أو الرأس ويعني به الحرف الأول من الكلمة والقلب والجوف والحشا والخصر ويراد به الوسط والآخر والمنتهى والختام ويقصد به آخر الكلمة فقولي لو تناهى معناه أنه أخذ لفظة هم غير متناه فبقيت الميم من هما وقولي ما شك آخر قلبي انتقاد أيضا وأردت بآخر قلبي الياء ويسمى أيضا التسمية وهو أن تذكر الاسم وتريد المسمى او تذكر المسمى وتريد الاسم وقد تم الاسم
واعلم أنهم لم يشترطوا في استخراج الاسم بطريق التعمية حصولها بحركاتها وسكناتها بل اكتفوا بحصول الكلمة من غير ملاحظة لهيئاتها الخاصة فإذا وقع ذلك فمن المحسنات ويسمى العمل التذييلي انتهى كلامه على البيتين في اسم نسيم
وقال في اسم غزال وقد جمع تعميتين ولغزا
( وأملد مطوي الحشا زال ردفه ... فلا خصر إلا إن تصورته وهما )
( بنصف اسمه يرمي القلوب وعكس ما ... بقي ابدا أذن المحب به أصمى )

78 - وكتب عليه ما صورته قولي أملد أردت به بعمل الترادف غصن ومطوي الحشا انتقاد و زال ردفه قضيت به غرضين أزلت به النون بعمل الإسقاط الباقي بعد طي الصاد التي بوسطه وأثبته أعني زال في مواضعها أي النون من غصن والحال أن الصاد محذوفة وذلك بعمل الانتقاد وأوضحت ذلك بقولي فلا خصر وآن كنت لا أحتاج إليه لئلا يكون في البيت شيء خارج عن التعمية انتهى تفسيره رحمه الله تعالى
ويعني بقوله بنصف اسمه يرمي القلوب غز لأنه نصف غزال ويعني بقوله وعكس ما بقي إلى آخره لفظة لا لأنها مقلوب ما بقي وهو ال
وقال في اسم سلاف على منهاج ما تقدم
( وأحور وسنان الجفون كأنما ... سقى لحظه من ريق فيه بقرقف )
( نضا صارما لا فل صارم لحظه ... تزايد فيه منذ سل تلاه في )
وفسره بقوله قولي تلاه في من طريق التسمية وفي من العمل التذييلي وهو أن يأتي بالكلمة بحركاتها وسكناتها وهي من المحسنات كما سبق
وقال في اسم آمنة من التعمية أيضا
( من شقائي قنصته وهو خشف ... في رضاه عن الملوك ابتدلت )
( أملد منه مذ تحلل خصر ... وتثنى عن حبه ما عدلت )
وكتب عليه ما صورته قولي أملد أردت الألف بعمل التشبيه وخصر منه انتقاد وأردت بالخصر وسط لفظ منه وتحلله أن ينحل السكون الذي على النون وقولي وتثنى أي الألف من التثنية لا التثني فتم الاسم

بحركاته وعدده انتهى تفسيره
وقال وقد لبس منصورية من النوع الذي يقال له قلب حجر والمنصورية نوع لبس معروف بالمغرب استخرجه السلطان المذكور وأضافه إلى اسمه
وصفوا اشتياقي للحبيب وسرهم ... قول الحبيب أنا أنا فيه )
( قلبي له حجر فقلت مغالطا ... للعاذل المؤذي أنا فيه )
قال وفي هذين البيتين عدة من المحسنات غير التعمية منهاجناس التركيب المسى بالملفق وحده بأن يكون كل من الركنين مركبا من كلمتين وهذا هو الفرق بين الملفق وبين المركب وقل من فرق بينهما ومنها الانسجام ومنها الاستخدام وعهدي بالفقيه علي بن منصور الشيظمي تعرض إلى شرحهما بكراسة والتعمية في هذين البيتين بالعمل الحسابي وهو كثير إلا أن هذا العمل أحسبني أبا عذرته إذ لم أره لغيري ومادة التعمية فيه أنا أنافيه قلبي له حجر فقولي انا أنافيه معناه أن تضرب أنا في ه وقولي في ه نص في الضرب ويخرج من هذا مائتان وستون عدد حروف هيماني وحقك وقولي قلبي له حجر بعمل القلب يصير رجح فصار المجموع هيماني وحقك يرجح وفيه التورية وهيماني وحقك الخارج من هذا الضرب فيه تهكم بالواشي فهو من المحسنات أيضا أعني قوله وحقك ويصلح أن تسمى هذه التعمية بالافتنان لأن الافتنان عندهم أن يفتن الشاعر فيأتي بفنين متضادين من فنون الشعر في بيت واحد وهذا وقع التضاد فيه في كلمة واحدة فظاهر أن أنافيه يضاد هيماني وحقك يرجح الذي يخرج بطريق الحساب فافهمه ويمكن استخراج تعمية أخرى من قولي للعاذل المؤذي أنافيه انتهى

والاستخدام الذي اشار إليه هو في قوله أنا فيه أي في هذا الثوب المسمى بقلب حجر كما دلت عليه الحكاية وأما المعنى الثاني لقوله أنا فيه فظاهر
وقال وقد قطف وردة من روض المسرة في زمن النرجس
( وافى بها البستان صنوك وردة ... يقضي بها لما مطلت وعودا )
( أهدى البهار محاجرا وأتى بها ... في وقته كيما تكون خدودا )
( فبعثتها مرتادة بنسيمها ... تثني من الروض النضير قدودا )
وقال
( لي حبيب يأتي بكل غريب ... هو عندي منكر ومعرف )
( لست أشكو لصيرفي ونحوي ... أنه بي نحا وفي تصرف )
( فعله في لازم متعد ... ومزيد مجرد ومضعف )
وقال
( لا وطيف علم السيف فقد ... في قوام كقنا الخط نهد )
( ووميض لاح لما بسمت ... فأرتنا منه درا او برد )
( ما هلال الأفق إلا حاسد ... منه حسنا وعلاء وغيد )
( ولذا عاش قليلا ناحلا ... كيف لا يفنى نحولا من حسد )
وقد ضمن قوله ما هلال الأفق أديب زمانه الشيخ إمام الدين الخليلي الوافد على حضرته من بيت المقدس فقال
( قسما بالبيت والركن الذي ... طاب حجا واستلاما للأبد )
( ما هلال الأفق إلا حاسد ... منه حسنا وعلاء وغيد )
وقد اتفق لإمام الدين هذا أنه اجتمع بالحضرة المنصورية هو والعقاد المكي

السابق والشريف المدني وهو رجل وافد من أهل المدينة انتمى إلى الشرف فقال إمام الدين يا أمير المؤمنين إن المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال شد أهلها إليك الرحال هذا مكي وذاك مدني وأنا مقدسي ثم أنشد
( إن أمير المؤمنين أحمد ... بحر الندى وفضله لا يجحد )
( فطيبة ومكة أهلها ... والمسجد الأقصى بذاك شهدوا )
رجع إلى نظم المنصور وقال
( وكيف بقلب في هواه مقلب ... وأنى له بين الضلوع مقام )
( فيا شادنا يرعى الحشا أنت بالحشا ... أما لمحل أنت فيه ذمام )
وقال يخاطب رئيس كتابه صاحبنا سيدي عبد العزيز الفشتالي السابق الذكر
( يا كاتبا ألفاظه ... تغرس روضا ذا فنن )
( إن جوابي للذي ... يشكو دناه اردد حزن )
وقال موريا بمصانعه الثلاثة البديع والمسرة والمشتهى
( بستان حسنك أبدعت زهراته ... ولكم نهيت القلب عنه فما انتهى )
( وقوام غصنك بالمسرة ينثني ... يا حسنه رمانة للمشتهى )
ولولا خوف الإطالة المملة لذكرت من محاسن مولانا أمير المؤمنين المنصور رحمه الله تعالى بعض ما أؤدي به حقه سقى الله تعالى عهاده وقد بسطت الكلام على السلطان المذكور في كتابي روضة الآسى العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته من أعلام مراكش وفاس وأطال الكلام على ترجمته صاحبنا

الوزير الكبير الشهيد سيدي عبد العزيز بن محمد الفشتالي في كتابه المسمى بمناهل الصفا في فضائل الشرفا وعهدي به اكمل منه ثماني مجلدات وهو مقصور على دولة السلطان المذكور وذويه وألف كاتب أسراره الرئيس أبو عبد الله محمد بن عيسى فيه كتابا سماه الممدود والمقصور من سنا السلطان المنصور وهذه التسمية وحدها مطربة رحم الله تعالى الجميع
رجع إلى التوشيح
كتب إلي بعض أذكياء الأصحاب الأعيان موشحا يمدحني به في آخره عارض به موشح لسان الدين السابق الذي أوله
( جادك الغيث إذا الغيث همى ... يا زمان الوصل بالأندلس )
ونصه
( عطر الأرجاء لما نسما ... شمأل للصبح عند الغلس )
( وأتت شمس الضحى تنسخ ما ... يقرأ الليل لنا من عبس )
( طاف بالكأس من الزهر فتى ... مولع بالصد عني مذ فتي )
( فتن الألباب لما التفتا ... واحتسى منه ببعض الشفة )
( وأنا ما بين حتى متى ... صده تيه الهوى عن ألفتي )
( وكؤوس الراح بين الندما ... أرجت بالعرف أفق المجلس )
( خمرة صفراء في البلور ما ... أشبه الحان بروض النرجس )
( بادر اللذة واجمع شملها ... بمدام وغلام مطرب )
( ذي عيون ناعسات كم لها ... من فنون السحر ما يلعب بي )
( وافر الأرداف عانى حملها ... ناحل الخصر وذا من عجب )

( كلما أترع كأسا قال ما ... أنت بالشاري حياة الأنفس )
( فابذل الجهد وكن مغتنما ... لنفيس النفس طيب الأنفس )
( فرص الأيام كن منتهزا ... مبتداها قبل حذف الخبر )
( ورحاب الأنس لج منتجزا ... قبل أن تمضي كلمح البصر )
( واجن من زهر الهوى محترزا ... من جنايات هجوم الكبر )
( لا تخف لوما ويمم حيثما ... لاحت اللذات كالمختلس )
( ما مضى أنس ووافى مثلما ... كان ذا الدهر لنا بالحرس )
( للرياض اذهب ترى بلبلها ... لاشتياق الورد مثل الثكل )
( وخدود الورد قد كللها ... دمع طل لاشتياق البلبل )
( وقدود البان قد قام لها ... مانع الوصل بحد الأسل )
( والربى فاحت تحاكي خدما ... وعليهن ثياب السندس )
( جيبها زرر بالزهر كما ... زر بالفضة ثوب الأطلس )
( وجلا الروض لنا أشجاره ... مائسات في قباء أخضر )
( وترى في جيدها نواره ... يتلالاكعقود الجوهر )
( خلع الليل به أطماره ... فغدا كالصبح باهي المنظر )
( وبقاياه زهت فيه أما ... في شفاه الغيد حسن اللعس )
( كعذار في محيا علما ... فبدا للغير لا الملتمس )
( حبذا الصبوة أيام الصبا ... وعيون الشيب في سهو الوسن )
( فإذا أيقظها دهر صبا ... لصروف حد شفريها وسن )
( جرد الشيب لنا بيض الشبا ... واقتفى شرخ شباب وطعن )

( وغدا الإنسان شيخا هرما ... واعتراه لاعج من وجس )
( فات إذ مات فيقضي ندما ... واغتنام الوقت شغل الكيس )
( لا تدع عمرك يمضي هدرا ... أنت إذ ذاك جبان غافل )
( وارق بالجهد من السؤل الذرا ... واجتهد والضرع ضخم حافل )
( إنما الأيام أمثال الشرى ... والجريء الشهم ليث باسل )
( ووحوش الإنس تسعى مغنما ... باردا للأسد المفترس )
( ترك الوهم وخاض الظلما ... وله العزم أضا كالقبس )
( ليس يحظى بالمنى إلا الذي ... كابد الأهوال حتى ظفرا )
( كان للراحة كالمنتبذ ... من وراء الظهر أنى ظهرا )
( مثلما قد بات ذا طرف قذي ... يقطع الليل جميعا سهرا )
( في طلاب العلم حتى علما ... أنه يملا بروح القدس )
( أحمدالناصب فينا علما ... للتقى فاز به من يأتسي )
( حل في مصر وإن كان العلا ... قد عفت لما اعتراها في خلل )
( ورياض الفضل لما أن علا ... نقع جهل جف منهن البلل )
( ازدرت أغصانها حتى خلا ... قاعها من عذب ما يشفي العلل )
( نفرت إذ حل فيها كالسما ... وهو بدر بكمال مكتس )
( حوله الطلاب كالشهب سما ... قدرها من نوره المقتبس )
( أيها الطالب للعلم اتئد ... ليس إلا بابه ينفعكا )
( إن ترم نيل المرجى فاجتهد ... في اتباع للذي يرفعكا )
( علم من يعمل إكسير فزد ... منه واترك حاسدا يدفعكا )

( والزم الأعتاب وانزل بالحمى ... خلاع الربقة من قول المسي )
( باعتقاد فاز من قد لثما ... نعله والكبر شأن المبلس )
( مذ خبرت الناس طرا نظرا ... لمناط الأمر في هذا الزمان )
( لم أجد إلا مقالا صدرا ... عن دعاو أخلفت عند العيان )
( غير ما يمليه فانظر لترى ... درر الألفاظ في سمط البيان )
( ببديع النطق لما نظما ... بهت المنطيق مثل الأخرس )
( وأتى يخضع جمع العلما ... نحو ذا المفرد في الملتمس )
( إنما المجد الرفيع الممتطي ... أرؤس الآساد قسرا مثل ذا )
( يدع المرفوع كالمنهبط ... ثم للنازل يعلي منفذا )
( ناظرا في أمره بالأحوط ... خافض الطرف على حر القذى )
( كل من أم حماه قد حمى ... بحسام العزم هش الملمس )
( فإذاجرد منه انفصما ... جلمد الصخر بذاك الميس )
( حبذا المغرب قطرا بالسنا ... فضله يبهر بدر الأفق )
( قطره الشامخ قد أهدى لنا ... سيدا قد فاق شمس المشرق )
( كل من فاتته أسباب المنى ... بعلاه للثريا يرتقي )
( قل لمن يرجو سوى المذكور ما ... ينبت الزهر بأرض اليبس )
( لا ولا الناس سواء إنما ... رأي من سواهم في هوس )
( لذ بشهم فاز من أمله ... بنوال فاق سح الهامل )
( أثقل السؤدد إذ حمله ... وقر فضل مستبين شامل )
( وحماه الأمن من أم له ... بلغ القصد فبشرى الآمل )

( بحره الوافر بالعلم طما ... كامل الأمداد لم يحتبس )
( نال منه الناس حتى عمما ... مشرقا والغرب للأندلس )
رجع إلى موشحات لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى
فمن المنسوب إلى محاسنه قوله
( قد حرك الجلجل بازي الصباح ... والفجر لاح )
( فيا غراب الليل حث الجناح ... )
وهذا مطلع موشح بديع له لم يحضرني الآن تمامه لكوني تركته وجملة من كلام لسان الدين في كتبي بالمغرب جبرها الله تعالى علي وهو معارض للموشح الشهير الذي أوله
( بنفسج الليل تذكى وفاح ... بين البطاح )
( كأنه يسقى بمسك وراح ... )
وهذا المنحى هو الذي سلكه الجمال ابن نباته إذ قال مادحا لجلال الدين الخطيب رحم الله تعالى الجميع
( ما سح محمر دموعي وساح ... على الملاح )
( إلا وفي قلبي المعنى جراح ... )
( بي من بني الأتراك حلو الشباب ... مر السطا )
( عشقته حين عدمت الصواب ... من الخطا )
( تشكو حشا الغزلان منه التهاب ... إذا عطا )
( وربما تشكو الغصون اكتئاب ... إذا خطا )

( ما مس ذاك الغصن بين الوشاح ... إلا وراح )
( قولي عذولي كله في الرياح ... )
( آها لصب دمعه حيث كان ... دمع أريق )
( هذا أسير في وجوه الحسان ... وذا طليق )
( أرق جسمي بالضنى يوم بان ... بدر الفريق )
( فها أنا اليوم له يا فلان ... عبد رقيق )
( يزيد أجفاني ندى وارتياح ... نهي اللواح )
( مثل جلال الدين يوم السماح ... )
( حبر له في الخلق ذكر جميل ... لا يفترى )
( ماح على غيظ الغمام البخيل ... محل الثرى )
( ما رأت العين له من مثيل ... ولا ترى )
( يوقد في أوطانه للنزيل ... نار القرى )
( شرارها في الكيس حمر صحاح ... لها اقتداح )
( لكنها في القلب عذب قراح ... )
( يا مالك العلم وفيض الندى ... جزت المدى )
( فابق وكل العالمين الفدا ... دع العدا )
( أنت الذي أصبح غيث الجدا ... صبح الهدى )
( كم يقتفى منك وكم يقتدى ... ويجتدى )
( علم جلي ونوال صراح ... صفو مباح )
( يروي به راوي الرجا عن رباح ... )

( ومغرم لا يختشي من رقيب ... ولا عذول )
( معلق القلب بشجو عجيب ... ولا وصول )
( يسكر لكن بصفات الحبيب ... لا بالشمول )
( لما رنا الظبي وماس القضيب ... أضحى يقول )
( كم ينتضي جفنك وعطفك صفاح ... على رماح )
( ما ذي محاسن ذي خزاين سلاح ... )
ومن الموشحات الصادرة من المشارقة المعارضة للمغاربة قول عثمان البلطي يمدح القاضي الفاضل
( ويلاه من رواغ ... بجوره يقضي )
( ظبي له إغذاذ ... منه الحفا حظي )
ولم أقف على تمامها وقد بارى بها التوشيح المشهور للمغاربة وهو
( عقارب الأصداغ ... في السوسن الغض )
( تسبي تقى من لاذ ... بالنسك والوعظ )
( من قبل أن يعدو ... علي لم أحسب )
( أن تخضع الأسد ... لجؤذر الربرب )
( ظبي له خد ... مفضض مذهب )
( وشادن يبدو ... في صدغه عقرب )

( رقة زهر الباغ ... في جسمه الفضي )
( وقسوة الأفلاذ ... في قلبه الفظ )
( مهفهف بدع ... أصبحت مغرى به )
( قلبي له ربع ... لو كنت في قلبه )
( أصابني صدع ... مذ لج في عتبه )
( السهد والدمع ... حظي من قربه )
( والعين لا ينساغ ... لها جنى الغمض )
( والدمع ذو إغذاذ ... ناهيك من حظ )
ومن أحسن ما للمشارقة من التوشيح قول الشهاب العزازي يعارض أحمد ابن حسن الموصلي
( يا ليلة الوصل وكأس العقار ... دون استتار )
( علمتماني كيف خلع العذار ... )
( اغتنم اللذات قبل الذهاب ... )
( وجر أذيال الصبا والشباب ... )
( واشرب فقد طابت كؤوس الشراب ... )
( على خدود تنبت الجلنار ... ذات احمرار )
( طرزها الحسن بآس العذار ... )

( الراح لا شك حياة النفوس ... )
( فحل منها عاطلات الكؤوس ... )
( واستجلها بين الندامى عروس ... )
( تجلى على خطابها في إزار ... من النضار )
( حبابها قال مقام النثار ... )
( أما ترى وجه الهنا قد بدا ... )
( وطائر الأشجار قد غردا ... )
( والروض قد وشاه قطر الندى ... )
( فكمل اللهو بكأس تدار ... على افترار )
( مباسم النوار غب القطار ... )
( اجن من الوصل ثمار المنى ... )
( وأوصل الكأس بما أمكنا ... )
( مع طيب الريقة حلو الجنى ... )
( بمقلة أفتك من ذي الفقار ... ذات احورار )
( منصورة الأجفان بالانكسار ... )
( زار وقد حل عقود الجفا ... )
( وافتر عن ثغر الرضى والوفا ... )
( فقلت والوقت لنا قد صفا ... )
( يا ليلة أنعم فيها وزار ... شمس النهار )
( حييت من بين الليالي القصار ... )

ويعجبني من موشحات العزازي المذكور قوله
( ما على من هام وجدا بذوات الحلى ... )
( مبتلىبالحدق السود وبيض الطلى ... )
( باللوى ملي حسن لديوني لوى ... )
( كم نوى ... قتلي وكم عذبني بالنوى )
( قد هوى في حبه قلبي بحكم الهوى ... )
( واصطلى نار تجنيه ونار القلى ... )
( كيف لا يذوب من هام بريم الفلا ... )
( هل ترىيجمعنا الدهر ولو في الكرى ... )
( أم ترىعيني محيا من لجسمي برى ... )
( بالسرىيا حاديي ركب بليلي سرى ... )
( عللاقلبي بتذكار اللقا عللا ... )
( وانزلادون الحمى حي الحمى منزلا ... )
( بي رشا دمعي بسري في هواه فشا ... )
( لو يشابرد مني جمرات الحشا ... )
( ما مشى إلا انثنى في سكره وانتشى ... )
( عطلا من الحميا يا مدير الطلا ... )
( ما حلا إذا أدار الناظر الأكحلا ... )

( هلا يلام من غلب الحب عليه فهام ... )
( مستهام بفاتر اللحظ رشيق القوام ... )
( ذي ابتسام احسن نظما من حباب المدام ... )
( لو ملا من ريقه كأسا لأحيا الملا ... )
( أو جلا وجها رأيت القمر المجتلى )
( لو عفا قلبك عمن زل أو من هفا ... )
( أو صفا ما كان كالجلمد أو كالصفا ... )
( بالوفا سل عن فتى عذبته بالجفا ... )
( هل خلافؤاده من خطرات الولا ... )
( أو سلاأو خان ذاك الموثق الأولا ... )
وقوله أيضا يعارض الموصلي
( ما سلت الأعين الفواتر ... من غمد أجفانها الصفاح )
( إلا أسالت دم المحاجر ... من غير حرب ولا كفاح )
( تالله ما حرك السواكن ... غير الظباء الجآذر )
( لما استجاشت بكل طاعن ... من القدود النواضر )
( وفوقت أسهم الكنائن ... من كل جفن وناظر )
( عرب إذا صحن يا لعامر ... بين سرايا من الملاح )
( طلت علينا من المحاجر ... طلائع تحمل السلاح )

( أحبب بماتطلع الجيوب ... منها وما تبرز الكلل )
( من أقمر ما لها مغيب ... وأغصن زانها الميل )
( هيهات أن تعدل القلوب ... عنها ولو جارت المقل )
( لما توشحن بالغدائر ... سفرن عن أوجه صباح )
( فانهزم الليل وهو عاثر ... بذيله واختفى الصباح )
( وأهيف ناعم الشمائل ... تهزه نسمة الشمال )
( فينثني كالقضيب مائل ... كما انثنى شارب ومال )
( له عذار كالندى سائل ... لله كم من دم أسال )
( شقت على نبته المرائر ... من داخل الأنفس الصحاح )
( تكل في وصفه الخواطر ... وتخرس الألسن الفصاح )
( ظبي إلى الإنس لا يميل ... الشمس والبدر من حلاه )
( الحسن قالوا ولم يقولوا ... مبداه منه ومنتهاه )
( وطرفه الناعس الكحيل ... هيهات من سيفه النجاه )
( أذل بالسحر كل ساحر ... فهو له خافض الجناح )
( يجول في باطن الضمائر ... كما يجول القضا المتاح )
( أما ترى الصبح قد تطلع ... مذ غمضت أعين الغسق )
( والبدر نحو الغروب أسرع ... كهارب ناله فرق )
( والبرق بين السحاب يلمع ... كصارم حين يمتشق )
( وتحسب الأنجم الزواهر ... أسنة ألقت الرماح )
( فانهزم النهر وهو سائر ... فدرعته يد الرياح )

وموشحة الموصلي التي عارضها العزازي هي قوله
( رنا بأجفانه الفواتر ... لما انثنى واحد الملاح )
( فسل من طرفه بواتر ... وهز من عطفه رماح )
( ناظره جرد المهند ... وغمده مني الحشا )
( وعامل القد فهو أملد ... يطعن للقلب إن مشى )
( والعارض القائم المزرد ... لفتنة الناس قد نشا )
( والحاجب القوس بالفواتر ... لنبله في الحشا جراح )
( ومشرف الصدغ فهو جائر ... سلطانه للدما أباح )
( فجفنه الفاتك الكناني ... من ثعل راش لي نبال )
( وهو الخفاجي قد غزاني ... ووجهه من بني هلال )
( عبسي لحظ له سباني ... جسم زبيدي بالدلال )
( والردف يدعى من آل عامر ... وواضح الصلت من صباح )
( وخصره من هشيم ضامر ... يدور من حوله وشاح )
( فوجهه جنة وكوثر ... رضابه العذب لي حلا )
( والنار في وجنتيه تسعر ... حيالها خاله اصطلى )
( عجبت من خاله المعنبر ... إذ يعبد النار كيف لا )

( يحرق بالنار وهو كافر ... وما سقى ريقه القراح )
( كامل حسن معناه وافر ... بسيط وصف كالمسك فاح )
( ما اخضر نبت العذار إلا ... بآسه سيج الشقيق )
( وهو كنمل سعى وولى ... ولم يجد للجنى طريق )
( من ريقة البدر إذ تجلى ... في هالة العارض الأنيق )
( لما تبدى بالوجه دائر ... وحير العقل حين لاح )
( شق على خده المرائر ... وقطع الأنفس الصحاح )
( ورب يوم أتى وحيا ... كالشمس والنجم والقمر )
( بالكأس والراح والمحيا ... ثلاثة تفتن البشر )
( وقال قم يا نديم هيا ... اقض بنا لذة الوطر )
( فالخمر تجلى على المزاهر ... من اغتباق إلى اصطباح )
( وطافت الراح بالمجامر ... من عنبر الزهر في البطاح )
ومما يطربني من الموشحات قول بعضهم
( ما بي شمول إلا شجون ... مزاجها في الكاس دمع هتون )
( لله ما بذر ... من الدموع )
( صب قد استعبر ... من الولوع )
( أودى به جؤذر ... يوم الطلوع )

( فهو قتيل لا بل طعين ... بين الرجا والياس له سنون )
( جرحت للحين ... كفى بكفي )
( وحيل ما بيني ... وبين إلفي )
( لا شك بالبيت ... يكون حتفي )
( حال الرحيل ولي ديون ... إن ردها العباس فهو الأمين )
( أما ترى البدرا ... بدر السعود )
( قد اكتسى خضرا ... من البرود )
( إذا انثنى نضرا ... من القدود )
( أضحى يقول مت يا حزين ... قد اكتسى بالآسى الياسمين )
( قلت وقد شرد ... النوم عني )
( وأيأس العود ... السقم مني )
( صد فلما صد ... قرعت سني )
( جسمي نحيل لا يستبين ... يطلبه الجلاس حيث الأنين )
( تجاوز الحدا ... قلبي اشتياقا )
( وكلف السهدا ... من لا أطاقا )
( قلت وقد مدا ... ليلي رواقا )
( ليلي طويل ولا معين ... يا قلب بعض الناس أما تلين )

الباب السادس
في مصنفاته في الفنون ومؤلفاته المحققة للواقف عليها الآمال والظنون وما كمل منها أو اخترمته دون إتمامه المنون
اعلم أن تصانيف لسان الدين التي علمت نحو الستين وكلها في غاية البراعة بحيث إنه لم يأت أحد من أهل عصره بمثل ما جاء به بل وكثير من غير أهل عصره رحمه الله تعالى وقد وقفت بالمغرب على كثير منها وفيها أقول مضمنا ببعض تغيير
( تصانيف الوزير ابن الخطيب ... ألذ من الصبا الغض الرطيب )
( فأية راحة ونعيم عيش ... توازي كتبه أم أي طيب )
قال رحمه الله تعالى في تعريفه بنفسه آخر الإحاطة ما صورته
التواليف التاج المحلى في مساجلة القدح المعلى و الكتيبة الكامنة في ادباء المائة الثامنة و الإكليل الزاهر فيما فضل عند نظم التاج من الجواهر ثم النقاية بعد الكفاية هذا في نحو القلائد والمطمحين لأبي نصر الفتح بن محمد وطرفة العصر في دولة بني نصر في أسفار ثلاثة و بستان الدول موضوع غريب ما سمع بمثله قل أن شذ عنه فن من الفنون يشتمل على شجرات

عشر أولها شجرة السلطان ثم شجرة الوزارة ثم شجرة الكتابة ثم شجرة القضاء والصلاة ثم شجرة الشرطة والحسبة ثم شجرة العمل ثم شجرة الجهاد وهي فرعان أسطول وخيول ثم شجرة ما يضطر باب الملك إليه من الأطباء والمنجمين والبيازرة والبياطرة والفلاحين والندماء والشطرنجيين والشعراء والمغنين ثم شجرة الرعايا وتقسيم هذا كله غريب يرجع إلى شعب وأصول وجراثيم وعمد وقشر ولحاء وغصون وأوراق وزهرات مثمرة وغير مثمرة مكتوب على كل جزء من هذه الأجزاء بالصبغ اسم الفن المراد به وبرنامجه صورة بستان كمل منه نحو من ثلاثين سفرا ثم قطع عنه الحادث على الدولة وديوان شعري في سفرين سميته الصيب والجهام والماضي والكهام والنثر في غرض السلطانيات كثير والكتاب المسمى باليوسفي في صناعة الطب في سفرين كبيرين كتاب ممتع وعائد الصلة وصلت به صلة الأستاذ أبي جعفر ابن الزبير في سفرين وكتاب الإحاطة بما تيسر من تاريخ غرناطة كتاب كبير في أسفار تسعة هذا متصل بآخرها وتخليص الذهب في اختيار عيون الكتب الأدبيات الئلاثة وجيش التوشيح في سفرين ومن بعد الانتقال من الأندلس وما وقع من كياد الدولة نفاضة الجراب في علالة الاغتراب موضوع جليل في أربعة أسفار وكتاب عمل من طب لمن حب ومنزلته في الصناعة الطبية بمنزلة كتاب أبي عمرو ابن الحاجب المختصر في الطريقة الفقهية لا نظير له ومن الأراجيز المسماة رقم الحلل في نظم الدول والأرجوزة المسماة بالحلل المرقومة في اللمع المنظومة ألفية من ألف بيت في أصول الفقه والأرجوزة المسماة بالمعلومة معارضة للمقدمة المسماة بالمجهولة في العلاج من الرأس إلى القدم

إذا أضيفت إلى رجز الرئيس أبي علي كملت بها الصناعة كمالا لا يشينه نقص والأرجوزة المسماة بالمعتمدة في الأغذية المفردة والأرجوزة في السياسة المدنية إلى ما يشذ عن الوصف كالرجز في عمل الترياق الفاروقي والكلام على الطاعون المعاصر والإشارة وقطع السلوك ومثلى الطريقة في ذم الوثيقة حتى في المويسيقى والبيطرة والبيزرة هذر كثف به الحجاب ولعب بالنفس الإيجاب وضاع الزمان ولا تسل بين الرد والقبول والنفي والإيجاب ولله در القائل وهو المؤلف
( والكون أشراك نفوس الورى ... طوبى لنفس حرة فازت )
( إن لم تحز معرفة الله قد ... أورطها الشيء الذي حازت )
وكل ميسر لما خلق له ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم انتهى ما له في آخر الإحاطة بحروفه
قلت ولنذكر ما تأخر تأريخه عن الإحاطة أو أشير إليه فيها مجملا فنقول من أشهر تواليفه رحمه الله تعالى كتاب ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب في عدة مجلدات وهو داخل في قوله السابق في الإحاطة والنثر في غرض السلطانيات كثير وهذا الكتاب قد اشتمل من الإنشاء على كثير في أغراض شتى من مخاطبات الملوك على اختلاف أجناسهم وصدقاتهم وغير ذلك من أحوالهم وأحوال الكبراء ومخاطباتهم حتى ملوك النصارى وذكر في صدره خطب بعض كتبه وفي آخره بعض مقاماته وتحليته لأهل عصره وغير ذلك وبالجملة فهو كتاب مفرد في بابه
وقال الأمير الشهير العلامة أبو الوليد إسماعيل بن الأحمر رحمه الله تعالى في كتابه نثير فرائد الجمان فيمن نظمني وإياه الزمان ما صورته لابن الخطيب

الأوضاع المصنفات التي آذان إحسانها هي المقرطات المشنفات منها في التصوف الذي أكثر أهل الحقائق إليه نظر التشوف روضة التعريف بالحب الشريف انتهى وسرد غير هذا الكتاب مما قدمنا ذكره وغيره
وهذا الكتاب أعني روضة التعريف غريب المنزع وعارض به ديوان الصبابة لابن أبي حجلة صاحب السكردان وضمنه من التصوف وعبارات أهله العجب العجاب وتكلم فيه على طريقة أهل الوحدة المطلقة وبذلك سجل عليه أعداؤه في نكبته الآخرة التي ذهبت فيها نفسه ونسبوه إلى مذهب الحلول وغيره مما ذكره يطول حسبما ألمعنا بذلك فيما سبق وقد جعل هذا الكتاب شجرة ذات أفنان وعمود مشتمل على القشر والعود وأوراق وصورة طائر فوقها ولم أر في فنه مثله جازاه الله تعالى عن نيته فإنه في الحب الشريف الرباني مبلغ الناظر فيه غاية أمنيته
ومن تواليفه رحمه الله تعالى غير ما سبق اللمحة البدرية في الدولة النصرية وكتاب السحر والشعر ومعيار الأخبار و مفاضلة مالقة وسلا وخطرة الطيف ورحلة الشتاء والصيف وقد ذكرهما في الريحانة بنصهما وجعلهما من جملة ما اشتملت عليه والمسائل الطبية في مجلد والكتيبة الكامنة في شعراء المائة الثامنة ورسالة تكون الجنين والوصول لحفظ الصحة في الفصول وكتاب الوزارة ومقامة السياسة والغيرة على أهل الحيرة وحمل الجمهور على السنن المشهور و الزبدة الممخوضة والرد على أهل الإباحة وسد الذريعة في تفضيل الشريعة وتقرير الشبه وتحرير الشبه واستنزال اللطف الموجود في سر الوجود وأبيات الأبيات فيما أختاره رحمه الله تعالى من مطالع ما له من الشعر وفتات الخوان ولقط الصوان في سفر يتضمن المقطوعات فقط وكناسة الدكان بعد انتقال السكان والدرر الفاخرة واللجج الزاخرة جمع فيه نظم ابن صفوان وأعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام وما يجر ذلك

من شجون الكلام و المباخر الطيبية في المفاخر الخطيبية وخلع الرسن في أمر القاضي ابن الحسن وتدوين شعر شيخه ابن الجياب وجمع نثر المذكور وسماه تافه من جم ونقطة من يم وشرحه لكتاب نفسه رقم الحلل في نظم الدول فهذا ما حضرني علمه من تواليف لسان الدين رحمه الله تعالى فأما البيزرة ففي مجلد وأما البيطرة فكذلك في مجلد جامع لما يرجع إليه من محاسن الخيل وغير ذلك وأما رجز الأصول فقد شرحه قاضي القضاة ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون صاحب التاريخ المشهور واما رقم الحلل في نظم الدول فهو في غاية الحلاوة والعذوبة والجزالة وقد كنت بالمغرب أحفظ أكثره فنسيته الآن وابتدأه بقوله
( الحمد لله الذي لا ينكره ... من سرحت في الكائنات فكره )
وعلق بحفظي الآن منه قوله في الوليد بن يزيد
( ثم الوليد بن يزيد العائث ... قد نقلت من فعله خبائث )
وفي آخر دولة بني أمية قوله
( وصار قصر الملك من أميه ... أقفر ربعا من ديار ميه )
وفي الأمين
( باع العلا بشادن وكاس ... وصحبة الشيخ أبي نواس )
وفي المعتصم
( وهو الذي تألف الأتراكا ... فنصبوا لقومه الأشراكا )
ومن أبيات هذا الكتاب قوله

( ويفسد الملك بالاحتجاب ... كذاك بالزهو وبالإعجاب )
وما أحسن قوله فيه عند ذكر موت بعض الملوك
( وأقفرت من ملكه أوطانه ... سبحان من لا ينقضي سلطانه )
معلومات عن كتاب الإحاطة
وأما كتاب الإحاطة فهو الطائر الصيت بالمشرق والمغرب والمشارقة أشد إعجابا به من المغاربة وأكثر لهجا بذكره مع قلته في هذه البلاد المشرقية وقد اعتنى باختصاره الأديب الشهير البدر البشتكي وسماه مركز الإحاطة في أدباء غرناطة وهو في مجلدين بخطه رأيت الأخير منهما بمصر وقال في آخره ما نصه هذا آخر ما أردت إيراده وفوفت أبراده من كل طرفة وتحفة وفائدة أدبية ونادرة تاريخية في كتاب الإحاطة بتاريخ غرناطة ولما كان المعول عليه والباعث الداعي إليه ذكر أدبائه ومآثر علمائه سميته مركز الإحاطة بأدباء غرناطة والحمد لله أولا وآخرا وباطنا وظاهرا علقه لنفسه ثم لمن شاء الله تعالى من بعده الفقير إلى عفو ربه محمد بن إبراهيم بن محمد البدر البشتكي لطف الله تعالى به بمنه وكرمه مستهل صفر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة وحسبنا الله ونعم الوكيل انتهى
وقد جعل كل أربعة أجزاء من الأصل في مجلد إذ هو في مجلدين كما سبق ونسخة الأصل في ثمانية مجلدات فنقص من الأصل ثلاثة أرباع أو نحوها
ولما وقف سلطان الأندلس من كتاب الإحاطة نسخة على بعض مدارس غرناطة كتب ابن عاصم حجة الوقفية بخطه ولنثبتها لما فيها من الفوائد قال

الأديب الفقيه أبو عبد الله محمد بن الحداد الشهير بالوادي آشي نزيل تلمسان المحروسة كان على ظهر النسخة الزائقة الجمال والفائقة الكمال من الإحاطة بتاريخ غرناطة المحبسة على المدرسة اليوسفية من الحضرة العلية بخط قاضي الجماعة ومنفذ الأحكام الشرعية المطاعة صدر البلغاء وعلم العلماء ووحيد الكبراء وأصيل الحسباء الوزير الرئيس المعظم أبي يحيى ابن عاصم رحمة الله تعالى عليه ما نصه الحمدلله الجاعل الاستدلال بالأثر على المؤثر مما سلمه الأعلام وشهدت به العقول الراجحة والأحلام وهو الحجة المعتمدة حين تتفاضل الألباب وتتقاصر الأفهام وبه الاستمساك إن طرقت الشكوك أو عرضت الأوهام وحسبك بما يسلم في هذا المقام العالي من الأدلة وما يعتمد في هذا المجال المتضايق من البراهين المستقلة فحقيق أن يتلقى هذا النوع من الاستدلال فيما دون الفن المشار إليه بالقبول ويستنبل المهتدي لاستنباطه لما فيه من التبادر للأفهام والتسابق للعقول وإذا ثبت أن المستدل بهذه الأدلة سالك على سواء سبيل ومنتم من صحة النظر إلى أكرم قبيل فلا خفاء أن كتاب الإحاطة للشيخ الرئيس ذي الوزارتين أبي عبدالله ابن الخطيب رحمه الله تعالى من أثر هذه الدولة النصرية أدامها الله تعالى بكل اعتبار ومآثرها التي هي عبرة لأولى الألباب وذكرى لذوي الأبصار اما الأول فلأن الأنباء التي أظهرت بهجتها وأوضحت حجتها وشرفت مقصدها وكرمت مصعدها إنما هي مناقب ملوكها الكرام ومكارم خلفائها الأعلام أو أخبار من اشتملت عليه دولتهم الشريفة من صدور حملة السيوف والأقلام وأفذاذ حفظة الدين والدنيا والشرف والعليا والملك والإسلام أو ما يرجع إلى مفاخر حضرة الملك وينتظم نظم الجمان في ذلك السلك من حصانة قلعتها وأصالة منعتها وقديم اختطاطها وكريم جهادها ورباطها وحسن ترتيبها ووضعها وما اشتمل عليه من مقاصد الأنس آهل ربعها وما سوى هذه الأقسام الثلاثة فمن قبيل القليل ومما يرجع إلى شرف الحضرة ممن انتابها

من أهل الفضل الواضح والمجد الأثيل وأما ثانيا فإن راسم آياتها المتلوة ومبدع محاسنها المجلوة وناقل صورتها من الفعل إلى القوة إنما هوحسنة من حسنات هذه الدولة النصرية الكريمة ونشأة من نشآت جودها الشامل النعمة الهامل الديمه فما ظهر عليه من كمالات الأوصاف على الانصاف فأخلاف هذه المكارم النصرية أرضعته وعناياتها الجميلة أسمته فوق الكواكب ورفعته وإليها ينسب إحسانه إن انتسب ومن كريم تشريفها اكتسب والحضرة هي منشؤة الذي عظم فيه قدره بل أفقه الذي أشرق فيه بدره والتشريفات السلطانية التي فتقت اللها باللها وأحلت من مراقي العز فوق السها وأمكنت الأيدي من الذخائر والأعلاق وطوقت المنن كالقلائد في الأعناق وقلدت الرياسة والأقلام أقلام وثنت الوزارة والأعلام أعلام فبهرت أنواع المحاسن وورد معين البلاغة غير المطروق ولا الآسن وبرعت التواليف في الفنون المتعددة واشتهرت التصانيف ومنها هذا التصنيف المشار إليه لما له من الأذمة المتأكدة إذ أظهر هذا الاستدلال وأوضح البيان ما كتمه الإجمال فلنفصح الآن بما قصد ولنحقق من أنجم السعادة ما رصد وذلك أن لمولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين الغالب بالله المؤيد بنصره أبي عبد الله محمد ابن الخلفاء النصريين أيده الله ونصرة وسنى له الفتح المبين ويسره مآثر لم يسبق إليها ومكارم لم يجر أحد ممن وسم بالكرم عليها لجلالة قدرها وضخامة أمرها من ذلك هذا المقصد الذي أثر لها كالكتاب المذكور وسواه مما هو واحد في فنه وفذ في معناه عقد في جميعها التحبيس على أهل العلم والطلبة بحضرته العليا هنالك ليشمل به الإمتاع ويعم به الانتفاع والله تعالى ينفع بهذا القصد الكريم ويتولى المثوبة على هذا العقد الجسيم وهذه النسخة في اثني عشر سفرا متفقة الخط والعمل اكتتب هذا

على ظهر الأول منها وبتاريخ رجب الفرد من عام تسعة وعشرين وثمانمائة عرف الله تعالى بركته بمنه انتهى
وكان لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى أرسل في حياته نسخة من الإحاطة إلى مصر ووقفها على أهل العلم وجعل مقرها بخانقاه سعيد السعداء وقد رأيت منها المجلد الرابع وهذا نص وقفيته الحمد لله وحده وقف الفقير الى رحمة الله تعالى الشيخ أبو عمرو ابن عبد الله بن الحاج الأندلسي نفع الله تعالى به عن موكله مصنفه الشيخ الإمام العلامة بركة الأندلس لسان الدين أبي عبد الله محمد ابن الشيخ أبي محمد عبد الله بن الخطيب الأندلسي السلماني فسح الله تعالى في مدته وفتح لنا وله أبواب رحمته ومنحنا وإياه من رفده وعطيته وأسكننا وإياه أعالي جنته جميع هذا الكتاب تاريخ غرناطة وهو ثمانية اجزاء هذا رابعها عن مصنفه المذكور بمقتضى التفويض الذي أحضره وهو أنه فوض اليه النيابة عنه في جميع أموره المالية كلها وشؤونه جميعها والنظر في احواله على اختلافها وتباين أجناسها تفويضا تاما على العموم والإطلاق والشمول والاستغراق لم يستثن شيئا مما تجوز النيابة فيه إلا أسنده إليه وهو ثابت على سيدنا ومولانا قاضي القضاة يومئذ بثغر الإسكندرية المحروس أدام الله تعالى أيامه كمال الدين خالصة أمير المؤمنين أبي عبد الله محمد بن الربعي المالكي ثبوته مؤرخ بثالث ذي الحجة عام سبعة وستين وسبعمائة وقفا شرعيا على جميع المسلمين ينتفعون به قراءة ونسخا ومطالعة وجعل مقره بالخانقاه الصالحية سعيد السعداء رحم الله تعالى واقفها وجعل النظر في ذلك للشيخ العلامة شهاب الدين أبي العباس أحمد بن حجلة حرسه الله تعالى ثم من بعده لناظر أوقاف الخانقاه المذكورة فلا يحل لأحد يؤمن بالله العظيم ويعلم أنه صائر الى ربه الكريم أن يبطله ولا شيئا منه

ولا يبدله ولا شيئا منه فمن فعل ذلك أو أعان عليه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ومن أعان على إبقائه على حكم الوقف المذكور جعله الله تعالى من الفائزين المطمئنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وأشهد الواقف الوكيل عليه في ذلك في الثاني والعشرين لشهر الله تعالى المحرم عام ثمانية وستين وسبعمائة انتهى
وقد رأيت بظهر أول ورقة من هذه النسخة خطوط جماعة من العلماء فمن ذلك ما كتبه الحافظ المقريزي المؤرخ ونصه انتقى منه داعيا لمؤلفه أحمد ابن علي المقريزي في شهر ربيع سنة ثمان وثمانمائة
وما رقمه الحافظ السيوطي ونصه الحمد لله وحده طالعته على طبقات النحاة واللغويين وكتبه عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي سنة ثمان وستين وثمانمائة انتهى
وبعد هذين ما صورته انتقى منه داعيا لمؤلفه محمد بن محمد القوصوني سنة أربع وخمسين وتسعمائة
وبعده ما صورته أنهاه نظرا وانتقاء علي الحموي الحنفي لطف الله به
وبخط مولانا العارف الرباني علامة الزمان وبركة الأوان سيدي الشيخ محمد البكري الصديقي ما نصه طالعته مبتهجا برياضه المونقة وأزهار معانيه المشرقة مرتقيا في درج كلماته العذاب سماء الاقتباس مقتنيا من لطائفه دررا وجواهر بل أحاشيها بذلك القياس كتبه محمد الصديقي غفر الله له انتهى
ورأيت بهامش هذه النسخة كتابة جماعة من أهل المشرق والمغرب كابن دقماق والحافظ ابن حجر وغيرهما من أهل مصر ومن المغاربة ابن المؤلف ابي الحسن علي ابن الخطيب والخطيب الكبير سيدي أبي عبد الله ابن مرزوق والعلامة أبي الفضل ابن الإمام التلمساني والنحوي الراعي والشيخ الفهامة الشهير يحيى العجيسي شارح الألفية وصاحب التآليف وغير هؤلاء ممن يطول

تعدادهم رحم الله تعالى جميعهم
وقد اشار ابن الأحمر حفيد الغني بالله تعالى الذي كان ابن الخطيب وزيرا له ثم انفصل عنه حسبما تقدم إلى ما يتعلق بكتاب الإحاطة في جملة كلام نصه وتلقينا ممن نثق به أن الكاتب المجيد الأصيل حسبا البارع أدبا أبا عبد الله ابن جزي وفد على السلطان أبي عنان صاحب المغرب في حدود عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة فأكرم جنابه وكمل من تقريبه واصطناعه آرابه فانتدب إلى ذكر وطنه الأندلسي وصاح بمن عذله
( أيا ويح الشجي من الخلي ... )
وبرع غاية البراعة في التاريخ الذي جمعه ورفع راية البلاغة لما كلف به ووضعه فلم يكن شيء من الكلام إلا قال الإحسان وأنا معه استوعب ما شاء وأبدع في كل ما نقل سواء كان شعرا أو إنشاء لكن سابق أجله منع من الإمتاع بمجمله ومفصله وجاءت الحادثة العظمى من وفاة مولانا والد جدنا أمير المسلمين ابي الحجاج في غرة شوال من عام خمسة وخمسين وسبعمائة فعين لتعريف صاحب المغرب بالكائنة خاص الدولة ورئيس الجملة أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن الخطيب فوقف من تاريخ ابن جزي على شاطىء نهر فياض وانتشق من ورقاته أزاهر رياض وحمله النظر في بدائعه على أن يأخذ في جمع كتابه المسمى بالإحاطة فيما تيسر من تاريخ غرناطة ووجد لذلك موجبا أغراه بجمعه وهو أن الشيخ الحجة الشاعر المفلق أبا إسحاق ابن الحاج وفد على الأندلس بعد جوبه في الآفاق وترحله إلى ما وراء الشام والعراق وإعلامه أنه يذهب في بدأة تاريخ مذهب ابن جزي وغيره وكان وحيدا في فنون الآداب والمساجلة لأعلام الكتاب وبحكم الاتفاق على أثر وصول ابن الخطيب من الرسالة للسلطان ابي عنان وجد الحاجب الخطير أبا

النعيم رضوان قد استولى على وظيفة الحجابة والرياسة واقنعه بالاسم من ذلك المسمى وبأن وقفه دون طموحه إلى عادته من المرقب الأسمى فأنتج الانتباذ من تلك الرياسة الخطيبية أن ألفى الخطبة على جلالة مقدارها وتوضح أنوارها في مرتقى إجلالها وإكبارها وأخذ في تأليف الإحاطة مستدعيا تصحيح الموالد والوفيات والأسماء والمسميات ومستكثرا من طرف المصنفات ليتم قصده من الإطناب ونقله العيون الرائقة من كل كتاب وألقى جميع مقاصده والمعظم من تنظيم فرائده بيد الشيخ العمدة معلم الجملة منا كتاب الله وسنة رسوله ابي عبد الله الشريشي قدس الله تعالى ضريحه وهذا الشيخ الذي لم يجاوز سن الكهولة في ذلك الوقت هو الذي تولى من المبيضات نقله وأحكم جنسه وفصله وانختم على مجلدات ستة ولما عاد ابن الخطيب إلى الأندلس بعودة جدنا الغني بالله تعالى إلى ملكه عام ثلاثة وستين وسبعمائة تلاحقت الفروع من كتاب الإحاطة بالأصول وأنجز من التبحر في الوعد الممطول ووضعت بخانقاه سعيد السعداء نسخته المتممة من اثني عشر سفرا انتهى كلامه
وقد علمت أن المكتوب في الوقفية كما مر ثمانية مجلدات لا اثنا عشر فلعل ذلك الاختلاف بسبب الكبر والصغر والله سبحانه وتعالى أعلم
والكاتب أبو عبد الله ابن جزي الذي أشار إليه قد عرفنا به فيما سبق فليراجع
ترجمة أبن الحاج النميري
وأما العلامة ابن الحاج فهو أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم ابن محمد بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم بن عبد العزيز بن إسحاق بن أحمد بن أسد بن قاسم الكاتب القاضي النميري ويعرف بابن الحاج الغرناطي قال

في الإحاطة نشأ على عفاف وطهارة وبر وصيانة وبلغ الغاية في جودة الخط وارتسم في كتاب الإنشاء عام أربعة وثلاثين وسبعمائة مع حسن سمت وجودة أدب وخط وظهور كفاية يقيد ولا يفتر ويروي الحديث مع الطهارة والنزاهة مليح الدعابة طيب الفكاهة شرق وحج وتطوف وقيد واستكثر ودون رحلة سفره وناهيك بها طرفة وقفل لإفريقية وخدم بعض ملوكها وكتب ببجاية ثم خدم سلطان المغرب أبا الحسن ثم كتب عن صاحب بجاية ثم تنزه عن الخدمة وانقطع بتربة الشيخ أبي مدين مؤثر الخمول ذاهبا مذهب العكوف بباب الله تعالى حجة على أهل الحرص والتهافت ثم جبر على الخدمة عند أبي عنان ثم أفلت عند موته فلحق بالأندلس وتلقي ببر وتنويه وعناية وولي القضاء بقرب الحضرة وهو الآن من صدور القطر وأعيانه متوسط الاكتهال روى عن مشيخة بلده واستكثر وأخذ في رحلته عن ناس شتى وألف تواليف منها إيقاظ الكرام بأخبار المنام وجزء في بيان الاسم الأعظم كثير الفائدة و نزهة الحدق في ذكر الفرق وكتاب اللباس والصحبة في جمع طرق المتصوفة المدعي أنه لم يجمع مثله وجزء في الفرائض على الطريقة البديعة التي ظهرت بالمشرق وجزء في الأحكام الشرعية سماه بالفصول المقتضبة في الأحكام المنتخبة ورجز في الجدل ورجز صغير في الحجب والسلاح ورجز صغير سماه بمثالث القوانين في التورية والاستخدام والتضمين مولده بغرناطة سنة ثلاث عشرة سبعمائة وامتحن بالأسر مع جماعة بعد قتال عام ثمانية وستين ثم فكه الله تعالى انتهى ملخصا
وأخذ عنه جماعة كالقاضي أبي بكر ابن عاصم صاحب التحفة وغيره وهو من الأدباء المكثرين وكان عندي بالغرب مجلد من رحلته التي بخطه

وقد أتى فيه بالعجب العجاب وتمهر في الحديث على طريقة أهل المشرق لأنه لقي جماعة من الحفاظ كالذهبي والبرزالي والمزي وناهيك بالثلاثة وغيرهم ممن يطول تعداده وله النظم الرائق العذب الجامع بين جزالة المغاربة ورقة المشارقة كما ستراه فمن نظمه يمدح الحافظ جمال الدين يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي وقد أبصره على أسرة دار الحديث الأشرفية بدمشق
( جمال الدين للإقراء يعلو ... أسرته إذا اصطف الرجال )
( فمذ جليت محاسنه بدا لي ... محيا في أسرته الجمال )
ضمن قول المعري
( اهل فبشر الأهلين منه ... محيا في اسرته الجمال )
وقوله في الحافظ علم الدين ابي القاسم محمد بن يوسف البرزالي
( نوى النوى علم الدين الرضى فأنا ... من بعد فرقته بالشام ذو ألم )
( فلا تلمني على حبي دمشق فقد ... أصبحت فيها زمانا صاحب العلم )
وقال فيه أيضا
( نوى النوى علم الدين الرضى فذكت ... نار اشتياقي حتى استعظموا ألمي )
( فقلت إني من قوم شعارهم ... جود فلا تنكروا ناري على العلم )
وقال في الحافظ شمس الدين الذهبي
( رحلت نحو دمشق الشام مبتغيا ... رواية عن ذوي الأحلام والأدب )
( ففزت في كتب الآثار حين غدت ... تروى بسلسلة عظمى من الذهب ي )

وقال في الحافظ المزي أيضا
( جمال الدين أضحى في دمشق ... إماما نحوه طال الذميل )
( فلم أعدم بمنزله جميلا ... فحيث هو الجمال هو الجميل )
وقال حين بدوره على الأمير الصالح المحدث الجليل قطب الدين أبي إسحاق إبراهيم ابن الملك المجاهد سيف الدين إسحاق أبن السلطان الملك الرحيم بدر الدين بن لؤلؤ بن عبد الله النوري صاحب الموصل ليروي عنه
( إلى قصد قطب الدين وافيت عندما ... أقمت علىالترحال في الشرق والغرب )
( وأصبحت كالأفلاك في السير والسرى ... فها أنا في مصر أدور على القطب )
وقال في قاضي القضاة العالم الشهير صاحب التفسير عماد الدين الكندي وهو ممن أخذ عنه بثغر الإسكندرية
( ولما اختبرت ذوات الورى ... تعجبت من حسن ذات العماد )
( فتلك التي لم أكن مبصرا ... مدى عمري مثلها في البلاد )
وقال في القاضي وجيه الدين يحيى بن محمد الصنهاجي
( أضحى وجيه الدين أسبق سابق ... في العلم والعلياء والخلق النبيه )
( عجب الورى من سبقه وتعجبوا ... فأجبتهم لا تنكروا سبق الوجيه )
ومن بديع نظمه رحمه الله تعالى قوله
( قد قارب العشرين ظبي لم يكن ... ليرى الورى عن حبه سلوانا )
( وبدا الربيع بخده فكأنما ... وافى الربيع ينادم النعمانا )
وقوله
( وعارض في خده نباته ... بحسنه بين الورى يسحرنا )
( أجرى دموعي إذ جرى شوقا له ... فقلت ( هذا عارض ممطرنا )

وقال وقد توفي أبو يحيى أبو بكر صاحب تونس وولي ابنه أبو حفص عمر بعد قتله لإخوته
( وقالوا أبو حفص حوى الملك غاصبا ... وإخوته أولى وقد جاء بالنكر )
( فقلت لهم كفوا فما رضي الورى ... سوى عمر من بعد موت أبي بكر )
وقال
( أتوني فعابوا من أحب جماله ... وذاك على سمع المحب خفيف )
( فما فيه عيب غير أن جفونه ... مراض وأن الخصر منه ضعيف )
وقال
( أيا عجبا كيف تهوى الملوك ... محلي وموطن أهلي وناسي )
( وتحسدني وهو مخدومة ... وما أنا إلا خديم بفاس )
وقال
( لي المدح يروى منذ كنت كأنما ... تصورت مدحا للورى وثناء )
( وما لي هجاء فاعجبن لشاعر ... وكاتب سر لا يقيم هجاء )
وقال في حقه القاضي أبو البقاء خالد البلوي نقلت من خط سيجري ورفيقي وصديقي إمام المسلمين برهان الدين أبي إسحاق ابن إبراهيم بن عبدالله بن الحاج وأكثره مما كان أنشدنيه قديما من نظمه في التورية قوله
( ومهاة تقول إن هي كلت ... ودعا للمزاح خل ممازج )

( وازر الردف إن في الأزر مني ... رمل يبرين يا طبيب وعالج )
وقوله
( وروض ممحل جدب المراعي ... سريع القيظ وقدا والتهابا )
( حكى ابن أبي ربيعة لا شجونا ... ولكن كونه يهوى الربابا )
وقوله
( وظبي طر عارضه وأعفى ... عذارا بعد يزهو باخضرار )
( رأى سقما بمقلته فوافى ... بآس عاد لكن من عذار )
وقوله
( أتوني بنمام من الروض يانع ... سقته الغوادي كل أسجم مدرار )
( فلا غرو إن أصليته نار زفرتي ... وحكم على النمام الإلقاء في النار )
وقوله
( هذه الشمس بالحجاب توارت ... بعد نور لها ورحب وبشر )
( وأتى الليل بالنسيم عليلا ... فهو يمشي من أفقه لابن زهر )
يعني بذلك الوزير الكبير الشهير الطبيب ابن زهر الإشبيلي الأندلسي فإنه كان وحيد دهره في الطب فجاءت التورية بسبب ذلك محكمة الى الغاية
وقال أبو إسحاق النميري المذكور
( ايا ضوء الصباح ارفق بصب ... تسيل دموعه في الخد سيلا )
( وكنت بليلة ليلاء طالت ... فها أنا في الورى مجنون ليلا )

وقال يخاطب شيخه سيف الدين
( لمولاي سيف الدين في الفقه بيننا ... مقام اجتهاد ليس يلحقه الحيف )
( فتقليده فرض على أهل عصرنا ... ولا عجب عندي إذا قلد السيف )
وقال
( رعى الله معطار النسيم فإنه ... رأى من غصون البان ما شاء من عطف )
( وأبدى حديث الغيث وهومسلسل ... لذاك لعمري ليس يخلو من الضعف )
وترشحت التورية بكون المحدثين يقولون الحديث المسلسل لا يخلو من الضعف ولو في التزام التسلسل مع كون متن الحديث صحيحا كما قرر في محله
وقال رحمه الله تعالى
( نظرت إلى روض الجمال بوجهه ... وسقيته دمعا به العين تكلف )
( فصح حديث الحسن عن ورد خدها ... وإن كان أضحى وهو راو مضعف )
وقال رحمه الله تعالى
( بدا عارض المحبوب فاحمر خجلة ... وأهدى لنا وردا به الحسن ناهض )
( فقلت له لا تنكر الورد ناضرا ... فقد سال في خديك من قبل عارض )
وقال
( النوم عن إنسان عيني نافر ... كالوحش ليس يقارب الإنسانا )
( والدمع منها فاض طوفانا فلا ... عجب إذا ما غرق الأجفانا )
وقال رحمه الله تعالى

( بكت شجنا ففاض الدمع يحكي ... يتامى الدر إذ يهوي تؤاما )
( وسلت من محاجرها سيوفا ... فخفت على المحاجر واليتامى )
وقال القاضي خالد البلوي رحمه الله تعالى من نظم صاحبنا أبي إسحاق ابن الحاج النميري يخاطب شيخه وشيخنا أيضا صاحب ديوان الإنشاء الإمام جمال الدين إبراهيم ابن الإمام العلامة صاحب ديوان الإنشاء ملك الكلام قس الفصاحة شهاب الدين محمود بن سليمان الحلبي وقد تقرب إليه في قصد الرواية عنه
( إلى ابن شهاب الدين طال تغربي ... فلما سرت عيسي له وركابي )
( رويت حديث الفضل عنه فصح لي ... كما شئت مرويا عن ابن شهاب )
وقوله يخاطب كمال الدين بن جمال الدين المذكور
( أشبهت والدك الرضى في فضله ... وأخذته عنه بخير مناب )
( وملكتني فحديث فضلك في الورى ... عن مالك يروى عن ابن شهاب )
وقال رحمه الله تعالى
( لعمرك ما ثغره باسم ... ولكنه حبب لاعب )
( ولو لم يكن ريقه مسكرا ... لما دار من حوله الشارب )
وقال رحمه الله تعالى ملغزنا في القلم
( سألتك ما واش يراد حديثه ... ويهوى الغريب النازح الدار إفصاحه )
( تراه مدى الأيام أصفر ناحلا ... كمثل عليل وهو قد لازم الراحه )
وقال وقد وقف حاجب السلطان على عين ماء ببعض الثغور وشرب منها
( تعجبت من ثغر هذي البلاد ... ومولاي من عينها شارب )
( فلله ثغر أرى شاربا ... وعين بدا فوقها حاجب )

وقال
( وحمراء في الكأس مشمولة ... تحث على العود في كل بيت )
( فلا غرو أن جاءني سابقا ... إلى الأنس خل يحث الكميت )
وقال
( بروضتنا الظمياء طال اكتئابنا ... فلله غيث ميت آمالنا أحيا )
( وأشبه مهيارا فها تلك عينه ... تفيض إذا شام البروق على ظميا )
وقال
( اثنان عزا فلم يظفر بنيلهما ... وأعوزا من هما في الدهر مطلبه )
( أخ مودته في الله صادقة ... ودرهم من حلال طاب مكسبه )
وقال موريا بالقائد نافع على ما اختاره البخاري وجماعة أن أصح الأسانيد مالك عن نافع
( عن نافع أسند حديث أحبتي ... يا مالكا رقي بحسن صنائع )
( فأجل إسناد وخير رواية ... عندي رواية مالك عن نافع )
وقال ( إني لأعجب من فعالك في الهوى ... لما حللت بحسن ذاتك ذاتي )
( ونفيت نومي ثم اثبت الأسى ... فجمعت بين النفي والإثبات )
وقال
( ألا معصم للصب من وشي معصم ... أطلت إليه نظرة المتوسم )
( فأبقت به عيني حلى من سوادها ... وبعض سواد وسط قلبي المتيم )

( وليس خضابا ما علاه وإنما ... جرى فيه بعد الدمع ما عز من دمي )
( ولم يعد مني اللون لون سواده ... خلا أنني أشقى وقيل له انعم )
وقال وقد جاء الشاعر المفلق أبو العباس أحمد بن عبد المنان بيت الكتاب وفي عينه خضرة
( أيا احمد المرتضى للعلا ... ومن حاز في صنعه كل زين )
( تراءيت في العلم روضا نضيرا ... فلاتنكرن خضرة حول العين )
وله فيه
( لك الخير عدم السبك أبدل ناظري ... زمردة مخضرة من لجينه )
( فلا تنكروا ما راع من ذاك إنني ... لصائغ تبر القول ناقد شينه )
( ولا عجب إن أعوز السبك صائغا ... فأوجب عدم السبك خضرة عينه )
وقال فيمن يعرف بالصهال
( ألا رب فرسان توافوا فأدركوا ... مع الليل أوتارا لهم دون إمهال )
( وأجروا بصهال كميتا كما ابتغوا ... فلا تنكروا الإجراء منهم بصهال )
ولما كتب الرئيس الكاتب الجليل أبو عبد الله العزفي مداعبا
( يا عصبة كل فتى منهم علم ... فرغتم من كتبكم ردوا القلم )
أجابه ابن الحاج المذكور بقوله
( ألا احتسبوا ما قد أعرتم لفتية ... تكرمكم بالصفح عن فعلهم قاضي )
( ولا تطمعوا في الرد فالناس كلهم ... رأوا أن مولانا له القلم الماضي )
وقال الوادي آشي نقلت من خط الكاتب العلامة الصدر البارع الحاج

القاضي الناظم الناثر الجامع للمحاسن والمفاخر أبي إسحاق إبراهيم بن الحاج النميري ما نصه كتب إلي الفاضل النخبة أبو الفضل ابن رضوان متمثلا بقول المأمون
( ملك الثلاث الآنسات عناني ... )
فكتبت إليه في التورية
( هنيئا لك البشرى بهن فدم كما ... تريد بنعمى للسعادة جامعه )
( وإن كنت من أهل الصلاح فلا تكن ... بمائل قلب منك عن حب رابعه )
فأجابني بقوله
( يا سيدي ذكرتني بالرابعة ... لعلها لكل خير جامعه )
( إني أخاف أن تكون باقعه ... فتفرك المغازل المطاوعه )
ولابن الحاج المذكور من قصيدة طويلة
( لمن الخيام سطت ببيض صفاح ... وارت سوادا غال كل صباح )
( إن مزقت رقعت بنقع كتائب ... او قوضت عمدت بسمر رماح )
وله في رثاء الطبيب ابن عمار واقترح عليه ذلك ابن جزي
( إلا اسعدا عيني على السهد والبكا ... فقدواصل السهد المبرح تذكاري )
( وأبدى الردى فتك ابن عباد اذ سطا ... فلا غرو أن أبكي لفقد ابن عمار )
وقال مما يكتب في الترس
( أنا الترس قد أنشأت بالأمر عدة ... ليوم جهاد مطلع غرة النصر )

( فلاقوا بي الأعداء في زحفهم ولا ... تبالوا بقرع الزرق والبيض والسمر )
( ولا تنكروا ستري لمقتل حاملي ... ففي اسمي كما شاهدتم أحرف الستر )
وله يهني السلطان أبا عنان أمير المؤمنين المريني بالإبلال من المرض
( مطالب إلا أنهن مواهب ... قضى الله أن تقضى فنعم المطالب )
( شفاء أمير المؤمنين وإنه ... لأكرم من تحدى إليه الركائب )
( وكم قلت غاب البدر والشمس ضلة ... ورانت على قلبي الهموم النواصب )
( ولم يغبا لكن شكا الضر فارس ... وأوحش منه مجلس الملك غائب )
( لك الله يا خير الملوك وخير من ... تحن له حتى العتاق الشوازب )
( وقل لمن وافى بشيرا نفوسنا ... فما هي إلا بعض ما أنت واهب )
( أقول لجرد الخيل قبا بطونها ... معقدة منها لحرب سباسب )
( طوالع من تحت العجاج كأنها ... نعام بكثبان الصريم خواضب )
( محجلة غرا كأن رعالها ... بحار جرت فيها الصبا والجنائب )
( من الأعوجيات الصوافن ترتمي ... إذا رجفت يوم القراع مقانب )
( هنيئا فقد صح الإمام الذي به ... تفل السيوف المرهفات القواضب )
( ومستأصل الفل المغذ جياده ... لضرب كما ترغو الفحول الضوارب )
( ومن حطم السمر الطوال كعوبها ... بطعن كما امتاح الركية شارب )
( وكر على أرض العدا بفوارس ... كأنهم في الحرب أسد غوالب )
( كأن ظباهم في الهياج أكفهم ... تجود وأرواح العداة مواهب )
( كأن رماح الخط أحسابهم وما ... حوت من نفوس المعتدين مناقب )
( هم ما هم حدث عن البحر أو بني ... مرين فنهج القول أبلج لاحب )
( من البيت شادت قيس عيلان فخره ... فطالت معاليه وطابت مناسب )
( وأحيا له ملك الخليفة فارس ... مآثر غالتها الليالي الذواهب )

( كريم فلا الحادي النجائب مخفق ... لديه ولا المنضي الركاب خائب )
( أرى بذله النعمى ففضت مكاسب ... أرى بأسه الأنضى ففضت كتائب )
( أنامله يروي الورى صوب جودها ... فلولا دوام الرأي قلت السحائب )
( وكم خلت برقا في الدجى نور بشره ... تشيم سناه الناجيات النجائب )
( فأخجلني أني أرى البرق خلبا ... فلا الصوب هام لا ولا الجود ساكب )
( أعرني أمير المؤمنين بلاغة ... فإني عن عجز لمدحك هائب )
( وأنطق لساني بالبيان معلما ... فإني في التعليم للجود راغب )
( وكيف ترى لي بعد في الجود رغبة ... وجودك لي فوق الذي أنا طالب )
( وقد شبت الآمال إذ شبت ثم إذ ... تفقدتها لم يدر ما شب شائب )
( بلغت بك الآمال حتى كأنها ... وقد صدقت ما شئت صدقا كواذب )
( عجبت وما تولي وأوليت معجبا ... فلا برحت تنمو لديك العجائب )
( وحسبي دعاء لو سكت كفيته ... كما قيل لكن في الدعاء مذاهب )
( وما أنا إلا عبدك المخلص الذي ... يراقب في إخلاصه ما يراقب )
( فخذها تبث العذر لا المدح إنه ... هوالبحر قل هل يجمع البحر حاسب )
( بقيت بقاء الدهر ملكك قاهر ... وسيبك فياض وسيفك غالب )
( وغوفيت من ضر وأعطيت أجره ... ولا روعت إلا عداك النوائب )
وقال رحمه الله تعالى
( ولولا ثلاث جاء جبريل سائلا ... لخير الورى عنها لآثرت فقداني )
( مقامات إسلام أزيد بفعله ... ثوابا وإيمان أديم وإحساني )
وقال رحمه الله تعالى أنشدني السلطان أمير المؤمنين أبو عنان فارس ابن أمير المسلمين أبي الحسن المريني رحمهما الله تعالى لنفسه

( يا ملما بأرض تلك البلاد ... حي فاسا وحي أهل الوداد )
( إن تناءت بشخصها عن عياني ... فحماها مصور في فؤادي )
قصائد في مدح تلمساني وفاس
قلت تذكرت بهذا البحر والروي والغرض قول الفقيه الكاتب العلامة الناظم الناثر أبي عبد الله محمد بن يوسف الثغري كاتب سلطان تلمسان أمير المسلمين أبي حمو موسى بن يوسف الزياني يمدحه ويذكر تلمسان المحروسة
( أيها الحافظون عهد الوداد ... جددوا أنسنا بباب الجياد )
( وصلوها أصائلا بليال ... كلآل نظمن في الأجياد )
( في رياض منضدات المجاني ... بين تلك الربى وتلك الوهاد )
( وبروج مشيدات المباني ... باديات السنا كشهب بواد )
( رق فيها النسيب مثل نسيبي ... وصفا النهر مثل صفو ودادي )
( وزها الزهر والغصون تثنت ... وتغنت عليه ورق شواد )
( وانبرى كل جدول كحسام ... عاري الغمد سندسي النجاد )
( وظلال الغصون تكتب فيه ... احرفا سطرت بغير مداد )
( تذكر الوشم في معاصم خود ... نصبت فوقه ذوات امتداد )
( وكؤوس المنى تدار علينا ... بجنى عفة ونقل اعتقاد )
( واصفرار الأصيل فيها مدام ... وصفير الطيور نغمة شاد )
( كم غدونا بها لأنس ورحنا ... جادها رائح من المزن غاد )
( ولكم روحة على الدوح كادت ... أن تريح الصبا لنا وهو غاد )
( رقت الشمس في عشاياه حتى ... أحدثت منه رقة في الجماد )
( جددت بالغروب شجو غريب ... هاجه الشوق بعد طول البعاد )

( يا حيا المزن حيها من بلاد ... غرس الحب غرسها في فؤادي )
( وتعاهد معاهد الانس منها ... وعهود الصبا بصوب العهاد )
( حيث مغنى الهوى وملهى الغواني ... ومراد المنى ونيل المراد )
( ومقر العلا ومرقى الأماني ... ومجر القنا ومجرى الجياد )
( كل حسن على تلمسان وقف ... وخصوصا على ربى العباد )
( ضحك النور في رباها وأربى ... كهف ضحاكها على كل ناد )
( وسما تاجها على كل تاج ... ونما وهدها على كل واد )
( يدعي غيرها الجمال فيقضي ... حسنها أن تلك دعوى زياد )
( وبشعري فهمت معنى علاها ... من حلاها فهمت في كل وادي )
( حضرة زانها الخليفة موسى ... زينة الحلي عاطل الأجياد )
( وحباها بكل بذل وعدل ... وحماها من كل باغ وعاد )
( ملك جاوز المدى في المعالي ... فالنهايات عنده كالمبادي )
( معقل للهدى منيع النواحي ... مظهر للعلا رفيع العماد )
( قاتل المحل والأعادي ... جميعا بغرار الظبى وغر الأيادي )
( كلما ضنت السحائب أغنت ... راحتاه عن السحاب الغوادي )
( كم هبات له وكم صدقات ... عائدات على العفاة بواد )
( فأيادي خليفة الله موسى ... أبحر عذبة على الوراد )
( ركب الجود في بسيط يديه ... فتلافى به تلاف العباد )
( جل باريه ملجأ للبرايا ... كالحيا ضامنا حياة البلاد )
( جل من خصه بتلك المزايا ... باهرات من طارف وتلاد )
( شيم حلوة الجنى وسجايا ... شهد المجد أنها كالشهاد )
( يا إمام الهدى وشمس المعالي ... وغمام الندى وبدر النادي )

( لك بين الملوك سر خفي ... ليس معناه للعقول بباد )
( فكأن البلاد كفك مهما ... كان فيها من ينتمي لعناد )
( قبضت كفك البنان عليه ... فأتى بالاذعان حلف انقياد )
( بكم تصلح البلاد جميعا ... إن آراءكم صلاح البلاد )
( لم تزل دائما تحن إليكم ... كحنين السقيم للعواد )
( لو أعنيت بمنطق شكرتكم ... مثل شكر العفاة للأجواد )
( قد أطاعتكم البلاد جميعا ... طاعة ارغمت أنوف الأعادي )
( فأريحوا الجياد أتعبتموها ... وأقروا السيوف في الأغماد )
( واهنأوا خالدين في عز ملك ... قائم السعد دائم الإسعاد )
( وإليكم من مذهبات القوافي ... حكما سهلت ليان المقاد )
( كل بيت من النظام مشيد ... عطر الأفق بالثناء المجاد )
( ذو ابتسام كزهر روض مجود ... وانتظام كسلك در مجاد )
ولأبي المكارم منديل ابن الإمام الشهير صاحب المقدمة الآجرومية قصيدة في المنحى وافقت قصيدة الثغري في البحر وبعض المطلع فلا ندري أيهما نسج على منوال الآخر إذ هما متعاصران إلا أن ذاك قالها في تلمسان وهذا في مدينة فاس وهي
( أيها العارفون قدر الصبوح ... جددوا أنسنا بباب الفتوح )
يعني بباب الفتوح أحد أبواب فاس كما أن باب الجياد في كلام الثغري أحد أبواب تلسمان
ثم قال ابن آجروم بعد المطلع

( جددوا ثم أنسنا ثم جدوا ... يسرح الطرف في مجال فسيح )
( حيث شابت مفارق اللوز نورا ... وتساقطن كاللجين الصريح )
( وبدا منه كل ما احمر يحكي ... شفقا مزقته أيدي الريح )
( وكأن الذي تساقط منه ... نقط لحن من دم مسفوح )
( وإذا ما وصلتم للمصلى ... فلتحلوا بموضع التسبيح )
( وبطيفورها فطوفوا لكيما ... تبصروا من ذراه كل سطوح )
( ولتقيموا هناك لمحة طرف ... لتردوا به ذماء الروح )
( ثم حطوا رحالكم فوق نهر ... كل في وصفه لسان المديح )
( فوق حافاته حدائق خضر ... ليس عنها لعاشق من نزوح )
( وكأن الطيور فيها قيان ... هتفت بين أعجم وفصيح )
( وهي تدعوكم إلى قبة الجو ... ز هلموا إلى مكان مليح )
( فيه ما تشتهون من كل نور ... مغلق في الكمام أو مفتوح )
( وغصون تهيج رقصا إذا ما ... سمعت صوت كل طير صدوح )
( فأجيبوا دعاءها أيها السر ... ب وخلوا مقال كل نصيح )
( واجنحوا للمجون فهو جدير ... وخليق من مثلكم بالجنوح )
( واخلعوا ثم للتصابي عذارا ... إن خلع العذار غير قبيح )
( وإذا شئتم مكانا سواه ... هو أجلى من ذلكم في الوضوح )
( فاجمعوا أمركم لنحو خليج ... جاء كالصل من قفار فسيح )
( عطرت جانبيه كف الغوادي ... بشذا عرف زهرها الممنوح )
( قل لمهيار إن شممت شذاها ... قول مستخبر أخي تجريح )
( أين هذا الشذا الذكي من القي ... والرند والغضا والشيح )
( حبذا ذلك المهاد مهادا ... بين دان من الربى ونزوح )
( ثم من ذلك المهاد أفيضوا ... نحو هضب من الهموم مريح )

( فيه للحسن دوحة وروايا ... وانشراح لذي فؤاد قريح )
( وحجار تدعى حجار طبول ... غير أن التطبيل غير صحيح )
( تنثر الشمس ثم كل غدو ... زعفرانا مبللا بنضوح )
( وسوى من هناك يسبي عقولا ... ويجلي لحاظ طرف طموح )
( وعيون بها تقر عيون ... وكلاها يأسو كلوم الجريح )
( فرشت فوقها طنافس زهر ... ليس كالعهن نسجها والمسوح )
( كلما مر فوقهن طليح ... عاد من حسنهن غير طليح )
( فانهضوا أيها المحبون مثلي ... لنرى ذات حسنها الملموح )
( هكذا يربح الزمان وإلا ... كل عيش سواه غير ربيح )
وما أحسن قول الكاتب الثغري يمدح تلمسان والسلطان المذكور آنفا
( تاهت تلمسان بحسن شبابها ... وبدا طراز الحسن في جلبابها )
( فالبشر يبدو من حباب ثغورها ... متبسما أو من ثغور حبابها )
( قد قابلت زهر النجوم بزهرها ... وبروجها ببروجها وقبابها )
( حسنت بحسن مليكها المولى أبي ... حمو الذي يحمي حمى أربابها )
( ملك شمائله كزهر رياضها ... ونداه فاض بها كفيض عبابها )
( أعلى الملوك الصيد من أعلامها ... وأجلها من صفوها ولبابها )
( غارت بغرة وجهه شمس الضحى ... وتنقبت خجلا بثوب ضبابها )
( والبدر حين بدت أشعتها له ... حسنا تضاءل نوره وخبا بها )
( لله حضرته التي قد شرفت ... خدامها فسموا بخدمة بابها )
( فاللهم في يمناه يبلغها المنى ... والمدح في علياه من أسبابها )
وللثغرى المذكور قصيدة لامية بديعة في مدح السلطان أبي حمو

ووصف بلاد تلمسان وأجاد فيها إلى الغاية وهي
( قم مبصرا زمن الربيع المقبل ... تر ما يسر المجتني والمجتلي )
( وانشق نسيم الروض مطلولا وما ... أهداك من عرف وعرف فاقبل )
( وانظر إلى زهر الرياض كأنه ... در على لبات ربات الحلي )
( في دولة فاضت يداها بالندى ... وقضت بكل منى لكل مؤمل )
( بسطت بأرجاء البسيطة عدلها ... وسطت بكل معاند لم يعدل )
( سلطانها المولى أبو حمو الرضى ... ذو المنصب السامي الرفيع المعتلي )
( تاهت تلمسان بدولته على ... كل البلاد بحسن منظرها الجلي )
( راقت محاسنها ورق نسيمها ... فحلا بها شعري وطاب تغزلي )
( عرج بمنعرجات باب جيادها ... وافتح بها باب الرجاء المقفل )
( ولتغد للعباد منها غدوة ... تصبح هموم النفس عنك بمعزل )
( وضريح تاج العارفين شعيبها ... زره هناك فحبذا ذاك الولي )
( فمزاره للدين والدنيا معا ... تمحى ذنوبك أو كروبك تنجلي )
( وبكهفها الضحاك قف متنزها ... تسرح نفوسك في الجمال الأجمل )
( وتمش في جنباتها ورياضها ... واجنح إلى ذاك الجناب المخضل )
( تسليك في دوحاتها وتلاعها ... نغم البلابل واطراد الجدول )
( وبربوة العشاق سلوة عاشق ... فتنت وألحاظ الغزال الأكحل )
( بنواسم وبواسم من زهرها ... تهديك أنفاسا كعرف المندل )
( فلو امرؤ القيس بن حجر راءها ... قدما تسلى عن معاهد مأسل )

( أو حام حول فنائها وظبائها ... ما كان محتفلا بحومة حومل )
( فاذكر لها كلفي بسقط لوائها ... فهواي عنها الدهر ليس بمنسل )
( كم جاد لي فيها الزمان بمطلب ... جادته أخلاف الغمام المسبل )
( واعمد إلى الصفصيف يوما ثانيا ... وبه تسل وعنه دأبا فاسأل )
( واد تراه من الأزاهر خاليا ... أحسن به عطلا وغير معطل )
( ينساب كالأيم انسيابا دائما ... أو كالحسام جلاه كف الصيقل )
( فزلاله في كل قلب قد حلا ... وجماله في كل عين قد جلي )
( واقصد بيوم ثالث فوارة ... وبعذب منهلها المبارك فانهل )
( تجري على در لجينا سائلا ... أحلى وأعذب من رحيق سلسل )
( واشرف على الشرف الذي بإزائها ... لترى تلمسان العلية من عل )
( تاج عليه من المحاسن بهجة ... أحسن بتاج بالبهاء مكلل )
( وإذا العشية شمسها مالت فمل ... نحو المصلى ميلة المتمهل )
( وبملعب الخيل الفسيح مجاله ... أجل النواظر في العتاق الحفل )
( فلحلبة الأشراف كل عشية ... لعب بذاك الملعب المتسهل )
( فترى المجلي والمصلي خلفه ... وكلاهما في حريه لا يأتلي )
( هذا يكر وذا يفر فينثني ... عطفا على الثاني عنان الأول )
( من كل طرف كل طرف يستبي ... قيد النواظر فتنة المتأمل )
( ورد كأن أديمه شفق الدجى ... او أشهب كشهاب رجم مرسل )
( أو من كميت لا نظير لحسنه ... سام معم في السوابق مخول )
( أو أحمر قاني الأديم كعسجد ... أو أشقر يزهو بعرف أشعل )
( أو أدهم كالليل إلا غرة ... كالصبح بورك من أغر محجل )
( جمع المحاسن في بديع شياته ... مهما ترق العين فيه تسهل )
( عقبان خيل فوقها فرسانها ... كالأسد تنقض انقضاض الأجدل )
( فرسان عبد الواد آساد الوغى ... حامو الذمار أولو الفخار الأطور )

( فإذا دنت شمس الأصيل لغربها ... فإلى تلمسان الأصيل فادخل )
( من باب ملعبها لباب حديدها ... متنزها في كل ناد أحفل )
( وتأن من بعد الدخول هنيهة ... واعدل إلى قصر الإمام الأعدل )
( فهو المؤمل والديار كناية ... والسر في السكان لا في المنزل )
( فإذا أمير المؤمنين رأيته ... فالثم ثرى ذاك البساط وقبل )
( فالمجد لفظ في الحقيقة مجمل ... وحلاه تفصيل لذك المجمل )
( بشرى لعبد الواد بالملك الذي ... خلصوا به من كل خطب معضل )
( بأعزهم جارا وأمنعهم حمى ... وأجلهم مولى وأعظم موئل )
( بالعادل المستنصر المنصور وال ... والمهدي والمتوكل )
( وكفاهم سعدا أبو حمو الذي ... يحمي حماهم بالحسام الفيصل )
( وبحسن نيته لهم وبجده ... وبسعده وبسعيه المتقبل )
( ذو الهمة العليا التي آثارها ... حلت به فوق السماك الأعزل )
( بحر الندى الأحلى وفخر المنتدى ... وسنا الدجى الأجلى وزين المحفل ( ينهل منه لنا الجدا وبه الدجي ... تجلى بمشرق وجهه المتهلل ) تجلى بمشرق وجهه المتهلل )
( هنىء به زمن الربيع وقل له ... بشرى بأملح من حلاك وأجمل )
( وعلى علاه من صنيعة فضله ... ترداد نافحة السلام الأكمل )
وكأنه عارض بهذه القصيدة قطعة في بحرها ورويها في مدح مدينة فاس لبعض العلماء وأظنه القاضي المزدغي وهي
( يا فاس حيا الله أرضك من ثرى ... وسقاك من صوب الغمام المسبل )
( يا جنة الدنيا التي أربت على ... حمص بمنظرها البهي الأجمل )
( غرف على غرف ويجري تحتها ... ماء ألذ من الرحيق السلسل )
( وبساتن من سندس قد زخرفت ... بجداول كالأيم أو كالفيصل )
( وبجامع القروين شرف ذكره ... أنس بذكراه يهيج تململي )

( وبصحنه زمن المصيف عجائب ... فمع العشي الغرب فيه استقبل )
( واشرب بتلك البيلة الحسنا به ... واكرع بها عني فديتك وانهل )
وقد تمثل لسان الدين رحمه الله تعالى في مدينة فاس بقول القائل
( بلد أعارته الحمامة طوقها ... وكساه ريش جناحه الطاووس )
( فكأنما الأنهار فيه مدامة ... وكأن ساحات الديار كؤوس )
وما أحسن قوله أعني لسان الدين في مدح تلمسان
( حيا تلمسان الحيا فربوعها ... صدف يجود بدره المكنون )
( ما شئت من فضل عميم إن سقى ... أروى ومن ليس بالممنون )
( أو شئت من دين إذا قدح الهدى ... أورى ودنيا لم تكن بالدون )
( ورد النسيم لها بنشر حديقة ... قد أزهرت أفنانها بفنون )
( وإذا حبيبة أم يحيى أنجبت ... فلها الشفوف على عيون العين )
يعني بحبيبة أم يحيى عين ماء بتلمسان من أعذب المياه وأخفها وكانت جارية بالقصور السلطانية ولم تزل إلى الآن منها بقية آثار ورسوم والبقاء لله تعالى وحده
وممن مدح تلمسان الحاج الطبيب أبو عبد الله محمد بن أبي جمعة الشهير بالتلالسي رحمه الله تعالى إذ قال
( سقى الله من صوب الحيا هاطلا وبلا ... ربوع تلمسان التي قدرها استعلى )

( ربوع بها كان الشباب مصاحبي ... جررت إلى اللذات في دارها الذيلا )
( فكم نلت فيها من أمان قصية ... وكم منح الدهر الضنين بها النيلا )
( وكم غازلتني الغيد فيها تلاعبا ... وكم من عذول لا أطيع له قولا )
( وكم ليلة بتنا على رغم حاسد ... ندير كؤوس الوصل إذ بالصفا تملا )
( وكم ليلة بتنا بصفصيفها الذي ... تسامى على الأنهار إذ عدم المثلا )
( وكدية عشاق لها الحسن ينتهي ... يعود المسن الشيخ من حسنها طفلا )
( نعم وغدير الجوزة السالب الحجى ... نعمت بها طفلا وهمت بها كهلا )
( ومنه ومن عين أم يحيى شرابنا ... لانهما في الطيب كالنيل بل أحلى )
( وعبادها ما القلب ناس ذمامه ... به روضة للخير قد جعلت حلا )
( به شيخنا المذكور في الأرض ذكره ... أبو مدين أهلا به دائما أهلا )
( لها بهجة تزري على كل بلدة ... بتاج عليها كالعروس إذا تجلى )
( فيا جنة الدنيا التي راق حسنها ... فحازت على كل البلاد به الفضلا )
( ولا عجب أن كنت في الحسن هكذا ... وموسى الإمام المرتضى فيك قد حلا )
( ولاحت لدينا فيك منه محاسن ... كأن سناها حاجب الشمس إذ جلى )
( مطاع شجاع في الوغى ذو مهابة ... حسام على الباغين في الأرض قد سلا )
( كريم حليم حاتمي نواله ... سعيد حميد يصدق القول والفعلا )
( له راحة كالغيث ينهل ودقها ... وصارم نصر مرهف الحد لا فلا )
( هو الملك الأرقى هو الملك الرضى ... هو الملك الأسنى هو الملك الأعلى )
( ومن هذه الأوصاف فيه تجمعت ... حقيقا على كل المعالي قد استولى )
( إمام حباه الله ملكا مؤزرا ... فلا ملك إلا لعزته ذلا )
( من الزاب وافانا عزيزا مظفرا ... يجر من النصر المنوط به ذيلا )

( بدت لليك الغرب شدة بأسه ... وإنعامه للمعتفين وما أولى )
( فبادره بالصلح خوف فواته ... وسالمه إذ كان ذاك به أولى )
( فكان بحمد الله صلحا مهنأ ... به طابت الدنيا وجزنا به السبلا )
( له في المعالي رتبة لا ينالها ... سواه وكتب في فضائله تتلى )
( لطاعته كل الأنام تبادرت ... فيا سعد من وافى ويا ويح من ولى )
( أحساده موتوا فإن قلوبكم ... بجمر الغضا مما بها أبدا تصلى )
( لقد جبر الله البلاد بملكه ... به ملئت أمنا به ملئت عدلا )
( فلا زال هذا الملك فيه مخلدا ... وصارمه الأمضى وخادمه الأعلى )
ومما مدحت به تلمسان قول الإمام الصوفي أبي عبد الله محمد بن خميس الذي قدمنا ذكره في هذا الكتاب وبعض ما يتعلق به وذكرنا أيضا فيما مر بعض أمداحه لها
( تلمسان جادتك السحاب الروائح ... وأرست بواديك الرياح اللواقح )
( وسح على ساحات باب جيادها ... ملث يصافي تربها ويصافح )
( يطير فؤادي كلما لاح لامع ... وينهل دمعي كلما ناح صادح )
( ففي كل شفر من جفوني مائح ... وفي كل شطر من فؤادي قادح )
( فما الماء إلا ما تسح مدامعي ... ولا النار إلا ما تجن الجوانح )
( خليلي لا طيف لعلوة طارق ... بليل ولا وجه لصبحي لائح )
( نظرت فلا ضوء من الصبح ظاهر ... لعيني ولا نجم إلى الغرب جانح )
( بحقكما كفا الملام وسامحا ... فما الخل كل الخل إلا المسامح )
( ولا تعذلاني واعذراني فقلما ... يرد عناني عن علية ناصح )

( كتمت هواها ثم برح بي الأسى ... وكيف أطيق الكتم والدمع فاضح )
( لساقية الرومي عندي مزية ... وإن رغمت تلك الرواسي الرواشح )
( فكم لي عليها من غدو وروحة ... تساعدني فيها المنى والمنائح )
( فطرف على تلك البساتين سارح ... وطرف إلى تلك الميادين جامح )
( تحار بها الأذهان وهي ثواقب ... وتهفو بها الأحلام وهي بوارح )
( ظباء مغانيها عواط عواطف ... وطير مجانيها شواد صوادح )
( تقتلهم فيها عيون نواظر ... وتبكيهم منهم عيون نواضح )
( على قرية العباد مني تحية ... كما فاح من مسك اللطيمة فائح )
( وجاد ثرى تاج المعارف ديمة ... تغص بها تلك الربى والأباطح )
( إليك شعيب بن الحسين قلوبنا ... نوازع لكن الجسوم نوازح )
( سعيت فما قصرت عن نيل غاية ... فسعيك مشكور وتجرك رابح )
( نسيت وما أنسى الوريط ووقفة ... أنافح فيها روضه وأفاوح )
( مطلا على ذاك الغدير وقد بدت ... لإنسان عيني من صفاه صفائح )
( أماؤك أم دمعي عشية صدقت ... علية فينا ما يقول المكاشح )
( لئن كنت ملآنا بدمعي طافحا ... فإني سكران بحبك طافح )
( وإن كان مهري في تلاعك سائحا ... فذاك غزالي في عبابك سابح )
( قراح أتى ينصب من رأس شاهق ... بمثل حلاه تستحث القرائح )
( أرق من الشوق الذي أنا كاتم ... وأصفى من الدمع الذي أنا سافح )
( أما وهوى من لا أسميه إنني ... لعرضي كما قال النصيح لناصح )
( أبعد صيامي واعتكافي وخلوتي ... يقال فلان ضيق الصدر بائح )
( لبعت رشادي فيه بالغي ضلة ... وكم صالح مثلي غدا وهو طالح )
( وأي مقام ليس لي فيه حاسد ... وأي مقال ليس لي فيه مادح )

( الا قل لفرسان البلاغة أسرجوا ... فقد جاءكم مني المكافي المكافح )
( أيخمل ذكري عندهم وهو نابه ... ويغمط شجوي عندهم وهو شائح )
( بدور إذا جن الظلام كوامل ... وأسد إذا لاح الصباح كوالح )
( تركتك سوق البز لا عن تهاون ... وكيف وظبي سانح فيك بارح )
( وإني وقلبي في ولائك طامع ... وناظر وهمي في سماطك طامح )
( أيا أهل ودي والعشير مؤمن ... أتقضى ديوني أم غريمي فالح )
( وهل ذلك الظبي النصاحي للذي ... يقطع من قلبي بعينيه ناصح )
( كنيت بها عنه حياء وحشمة ... ووجه اعتذاري في القضية واضح )
تعريف بتلمسان
وتلمسان هذه هي مدينتنا التي علقت بها لتمائم وقد نزلها من سلفنا عبد الرحمن بن أبي بكر المقري بن علي صاحب الشيخ أبي مدين الذي دعا له ولذريته بما ظهر فيهم قبوله وتبين وهو الأب الخامس كما سبق في ترجمة أخبارهم وهي من أحسن مدائن المغرب ماء وهواء حسبما قال ابن مرزوق
( يكفيك منها ماؤها وهواؤها ... )
وقال الكاتب أبو زكريا يحيى بن خلدون في كتابه بغية الرواد في اخبار بني عبد الواد وأيام أبي حمو الشامخة الأطواد بعد كلام في شأن البربر ما صورته ودار ملكهم وسط بين الصحراء والتل تسمى بلغة البربر تلمسن كلمة مركبة من تلم ومعناه تجمع وسن ومعناه اثنان أي الصحراء والتل فيما ذكره شيخنا العلامة أبو عبد الله الآبلي رحمه الله تعالى وكان

حافظا بلسان القوم ويقال تلمشان وهو أيضا مركب من تلم ومعناه لها وشان أي لها شأن وهي مدينة عريقة في التمدن لذيذة الهواء عذبة الماء كريمة المنبت اقتعدت بسفح جبل ودوين رأسه بسيط اطول من شرق إلى غرب عروسا فوق منصة والشماريخ مشرفة عليها إشراف التاج على الجبين ويطل منها على فحص أفيح معد للفلاحة تشق ظهوره الأسلحة عن مثل أسنمة المهارى وتبقر في بطونه عند تدميث الغمائم بطون العذارى وبها للملك قصور زاهرات اشتملت على المصانع الفائقة والصروح الشاهقة والبساتين الرائقة مما زخرفت عروشه ونمقت غروسه ونوسبت أطواله وعروضه فأزرى الخورنق وأخجل الرصافة وعبث بالسدير وتنصب إليها من عل أنهار من ماء غير آسن تتجاذبه أيدي المذانب والأسراب المكفورة خلالها ثم ترسله بالمساجد والمدارس والسقايات بالقصور وعليه الدور والحمامات فيفعم الصهاريج ويفهق الحياض ويسقي ريعه خارجها مغارس الشجر ومنابت الحب فهي التي سحرت الألباب رواء وأصبت النهى جمالا ووجد المادحون فيها المقال فأطالوا وأطابوا إلى أن قال فأنا أنشد ساكنها قول ابن خفاجة لاستحقاقها إياه عندي
( ما جنة الخلد إلا في منازلكم ... وهذه كنت لو خيرت أختار )

( لا تتقوا بعدها أن تدخلوا سقرا ... فليس تدخل بعد الجنة النار )
وتوسطت قطرا ذا كور عديدة تعمرها أمشاج البربر والعرب مريعة الجنبات منجبة للحيوان والنبات كريمة الفلاحة زاكية الإصابة فربما انتهت في الزوج الواحد منها إلى أربعمائة مد كبير ثم أطال في ذلك ابن خلدون المذكور بما يوقف عليه في الكتاب المذكور
ومما ينسب للسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى في وصفها ما صورته تلمسان مدينة جمعت بين الصحراء والريف ووضعت في موضع شريف كأنها ملك علما رأسه تاجه وحواليه من الدوحات حشمه وأعلاجه عبادها يدها وكهفها كفها وزنتها زيانها وعينها أعيانها هواها المقصور بها فريد وهواؤها الممدود صحيح عتيد وماؤها برود صريد حجبتها أيدي القدرة عن الجنوب فلا نحول فيها ولا شحوب خزانة زرع ومسرح ضرع فواكهها عديدة الأنواع ومتاجرها فريدة الانتفاع وبرانسها رقاق رفاع إلا أنها بسبب حب الملوك مطمعة للملوك ومن أجل جمعها الصيد في جوف الفرا مغلوبة للأمرا أهلها ليست عندهم الراحة إلا فيما قبضت عليه الراحة ولا فلاحة إلا لمن أقام رسم الفلاحة ليس بها لسع العقارب إلا فيما بين الأقارب ولا شطارة إلا فيمن ارتكب الخطارة انتهى
وقد كنت بالغرب نويت أن أجمع في شأنها كتابا ممتعا أسميه بأنواء نيسان في أنباء تلمسان وكتبت بعضه ثم حالت بيني وبين ذلك العزم الأقدار وارتحلت منها إلى حضرة فاس حيث ملك الأشراف ممتد الرواق فشغلت بأمور الإمامة والفتوى والخطابة وغيرها ثم ارتحلت بنية الحجاز وجعلت إلى الحقيقة المجاز وها أنا ذا إلى الآن في البلاد المصرية وفي علم الله تعالى ما لا نعلم والتسليم لأحكام الأقدار أسلم والله تعالى يختم لنا بالحسنى بجاه نبيه ومصطفاه

وبها ولدت أنا وأبي وجدي وجد جدي وقرأت بها ونشأت إلى أن ارتحلت عنها في زمن الشبيبة إلى مدينة فاس سنة تسع وألف ثم رحعت إليها آخر عام عشرة وألف ثم عاودت الرجوع إلى فاس سنة ثلاث عشرة وألف إلى أن ارتحلت عنها للمشرق أواخر رمضان سنة سبع وعشرين وألف ودخلت مصر برجب من عام ثمانية وعشرين وألف والشام بشعبان عام سبعة وثلاثين وألف وأبت منها إلى مصر أواخر شوال من العام وشرعت في هذا المؤلف بالقعدة من العام
ترجمة أبي مدين
وقد تخرج بتلمسان من العلماء والصلحاء ما لا ينضبط ويكفيها افتخارا دفن ولي الله سيدي أبي مدين بها وهو شعيب بن الحسين الأندلسي شيخ المشايخ وسيد العرافين وقدوة السالكين قال الشيخ أبو عبد الله محمد ابن التلمساني في كتابه النجم الثاقب فيما لأولياء الله تعالى من المناقب كان الشيخ سيدي أبو مدين فردا من أفراد الرجال وصدرا من صدور الأولياء الأبدال حمع الله له علم الشريعة والحقيقة وأقامه ركن الوجود هاديا وداعيا للحق فقصد بالزيارة من جميع الأقطار واشتهر بشيخ المشايخ وذكر التادلي وغيره أنه خرج على يده ألف شيخ من الأولياء أولي الكرامات وقال أبو الصبر كبير مشايخ وقته كان أبو مدين زاهدا فاضلا عارفا بالله تعالى خاض بحار الأحوال ونال أسرار المعارف خصوصا مقام التوكل لا يشق غباره ولا تجهل آثاره قال التادلي كان مبسوطا بالعلم مقبوضا بالمراقبة كثير الالتفات بقلبه إلى الله تعالى حتىختم له بذلك أخبرني من شهد وفاته أنه رآه

في آخر الرمق يقول الله الحق وكان من أعلام العلماء وحفاظ الحديث خصوصا جامع الترمذي وكان يقوم عليه ورواه عن شيوخه عن أبي ذر وكان يلازم كتاب الإحياء ويعكف عليه وترد عليه الفتاوى في مذهب مالك فيجيب عنها في الوقت وله مجلس وعظ يتكلم فيه فتجتمع عليه الناس من كل جهة وتمر به الطيور وهو يتكلم فتقف تسمع وربما مات بعضها وكثيرا ما يموت بمجلسه أصحاب الحب تخرج عليه جماعة كثيرة من العلماء والمحدثين وأرباب الأحوال وكان شيخه أبو يعزى يثني عليه جميلا ويخصه بين أصحابه بالتعظيم والتبجيل قرأ بفاس بعد قدومه من الأندلس على الشيخ الحافظ أبي الحسن أبن حرزهم وعلى الفقيه الحافظ العلامة أبي الحسن ابن غالب
وذكر عنه أنه قال كنت في أول أمري وقراءتي على الشيوخ إذا سمعت تفسير آية او معنى حديث قنعت به وانصرفت لموضع خال خارج فاس أتخذه مأوى للعمل بما فتح به علي فإذا خلوت به تأتيني غزالة تأوي إلي وتؤنسني وكنت أمر في طريقي بكلاب القرى المتصلة بفاس فيدورون حولي ويبصبصون لي فبينا أنا يوما بفاس إذا برجل من معارفي بالأندلس سلم علي فقلت وجبت ضيافته فبعت ثوبا بعشرة دراهم فطلبت الرجل لأدفعها له فلم أجده هنالك فخليتها معي وخرجت لخلوتي على عادتي فمررت بقريتي فتعرض لي الكلاب ومنعوني الجواز حتى خرج من القرية من حال بيني وبينهم ولما وصلت لخلوتي جاءتني الغزالة على عادتها فلما شمتني نفرت عني وأنكرت علي فقلت ما أوتي علي إلا من أجل هذه الدراهم التي معي فرميتها فسكنت الغزالة وعادت لحالها معي ولما رجعت لفاس جعلت الدراهم معي ولقيت الأندلسي فدفعتها إليه ثم مررت بالقرية في خروجي للخلوة فدار بي كلابها وبصبصوا على عادتهم وجاءتني الغزالة فشمتني من

مفرقي لقدمي وأنست بي كعادتها وبقيت كذلك مدة وأخبار سيدي أبي يعزى ترد علي وكراماته يتداولها الناس وتنقل إلي فملأ قلبي حبه فقصدته مع جماعة الفقراء فلما وصلنا إليه أقبل على الجماعة دوني وإذا حضر الطعام منعني من الأكل معهم وبقيت كذلك ثلاثة أيام فأجهدني الجوع وتحيرت من خواطر ترد علي ثم قلت في نفسي إذا قام الشيخ من مكانه أمرغ وجهي في المكان فقام ومرغت وجهي فقمت وأنا لا أبصر شيئا وبقيت طول ليلتي باكيا فلما أصبح دعاني وقربني فقلت له يا سيدي قد عميت ولا أبصر شيئا فمسح بيده على عيني فعاد بصري ثم مسح على صدري فزالت عني تلك الخواطر وفقدت ألم الجوع وشاهدت في الوقت عجائب من بركاته ثم استأذنته في الانصراف بنية أداء الفريضة فأذن لي وقال ستلقى في طريقك الأسد فل يرعك فإن غلب خوفه عليك فقل له بحرمة يدنور إلا انصرفت عني فكان الأمر كما قال فتوجه الشيخ أبو مدين للشرق وأنوار الولاية عليه ظاهرة فأخذ عن العلماء واستفاد من الزهاد والأولياء وتعرف في عرفة بالشيخ سيدي عبد القادر الكيلاني فقرأ عليه في الحرم الشريف كثيرا من الحديث وألبسه خرقة الصوفية وأودعه كثيرا من أسراره وحلاه بملابس أنواره فكان أبو مدين يفتخر بصحبته ويعده افضل مشايخه الأكابر
وعن بعض الأولياء قال رأيت في النوم قائلا يقول قل لأبي مدين بث العلم ولا تبال ترتع غدا مع العوالي فإنك في مقام آدم أبي الذراري فقصصتها عليه فقال لي عزمت على الخروج للجبال والفيافي حتى أبعد عن العمران ورؤياك هذه تعدل بي عن هذا العزم وتأمرني بالجلوس فقولك ترتع غدا مع العوالي إشارة لحديث حلق الذكر مراتع أهل الجنة والعوالي أصحاب عليين ومعنى قوله أبي الذراري أن آدم أعطي قوة على النكاح

وأمر به ولم يجعل له قوة على كون ذريته مطيعين مؤمنين وكذا نحن أعطانا الله العلم وأمرنا ببثه وتعليمه ولا قدرة لنا على كون أتباعنا موفقين
وكان يقول كرامات الأولياء نتائج معجزات نبينا وطريقتنا هذه أخذناها عن أبي يعزى بسنده عن الجنيد عن سري السقطي عن حبيب العجمي بالسند إلى رب العزة جل جلاله
وعن العارف عبد الرحيم المغربي قال سمعت سيدي أبا مدين يقول أوقفني ربي عز و جل بين يديه وقال لي يا شعيب ماذا عن يمينك قلت يا رب عطاؤك قال وعن شمالك قلت يا رب قضاؤك فقال يا شعيب قد ضاعفت لك هذا وغفرت لك هذا فطوبى لمن رآك أو رأى من رآك
وعن سيدي أبي العباس المرسي جلت في ملكوت الله تعالى فرأيت سيدي أبا مدين متعلقا بساق العرش وهو يومئذ أشقر أزرق فقلت له وما علومك وما مقامك فقال علومي أحد وسبعون علما وأما مقامي فرابع الخلفاء ورأس السبعة الأبدال
وسئل رضي الله عنه عما خصه الله تعالى به فقال مقامي العبودية وعلومي الألوهية وصفاتي مستمدة من الصفات الربانية ملأت علومه سري وجهري وأضاء بنوره بري وبحري فالمقرب من كان به عليما ولا يسمو إلا من أوتي قلبا سليما الذي يسلم مما سواه ولا يكون في الوعاء إلا ما جعل فيه مولاه فقلب العارف يسرح في الملكوت بلا شك ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب )
وسئل عن الحياء فقال أوله دوام الذكر وأوسطه الأنس بالمذكور وأعلاه أن لا ترى شيئا سواه
واختلف أهل مجلسه هل الخضر ولي أم نبي فرأى رجل صالح منهم معروف بالولاية النبي تلك الليلة فقال الخضر نبي وأبو مدين ولي

وذكر التادلي وغيره أن رجلا جاءه ليعترض عليه فجلس في الحلقة فأخذ صاحب الدولة في القراءة فقال له أبو مدين أمهل قليلا ثم التفت للرجل وقال له لم جئت فقال لأقتبس من نورك فقال له ما الذي في كمك قال له مصحف فقال له أفتحه واقرأ في أول سطر يخرج لك ففتحه وقرأ أول سطر فإذا فيه ( الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ) فقال له أبو مدين أما يكفيك هذا فاعترف الرجل وتاب وصلح حاله
وذكر صاحب الروض عن الشيخ الزاهد أبي محمد عبد الرزاق أحد خواص أصحابه قال مر شيخنا أبو مدين في بعض بلاد المغرب فرأى أسدا افترس حمارا وهو يأكله وصاحبه جالس بالبعد على غاية الحاجة والفاقة فجاء أبو مدين وأخذ بناصية الأسد وقال لصاحب الحمار أمسك الأسد واستعمله في الخدمة موضع حمارك فقال له ياسيدي أخاف منه فقال لا تخف لا يستطيع أن يؤذيك فمر الرجل يقوده والناس ينظرون إليه فلما كان آخر النهار جاء الرجل ومعه الأسد للشيخ وقال له يا سيدي هذا الأسد يتبعني حيث ذهبت وأنا شديد الخوف منه لا طاقة لي بعشرته فقال الشيخ للأسد اذهب ولا تعد ومتى آذيتم بني آدم سلطتهم عليكم
ومن مشهور كراماته أنه كان ماشيا يوما على ساحل فأسره العدو وجعلوه في سفينة فيها جماعة من أسرى المسلمين فلما استقر في السفينة توقفت عن السير ولم تتحرك من مكانها مع قوة الريح ومساعدتها وأيقن الروم أنهم لا يقدرون على السير فقال بعضهم أنزلوا هذا المسلم فإنه قسيس ولعله من أصحاب السرائر عند الله تعالى وأشاروا له بالنزول فقال لا أفعل إلا إن أطلقتم جميع من في السفينة من الأسارى فعلموا أن لا بد لهم من ذلك

فأنزلوهم كلهم وسارت السفينة في الحال
ومن كراماته أنه لما اختلف طلبة بجاية في حديث إذا مات المؤمن أعطي نصف الجنة وأشكل عليهم ظاهره إذ بموت مؤمنين يستحقان كل الحنة فجاءوا إليه وهو يتكلم على رسالة القشيري فكاشفهم في الحال بلا سؤال وقال لهم المراد أنه يعطى نصف جنته هو فيكشف له عن مقعده ليتنعم به وتقر عينه ثم النصف الآخر يوم القيامة
وكان أولياء وقته يأتونه من البلدان للاستفتاء فيما يعرض لهم من المسائل
وذكر تلميذه الصالح سيدي عبد الخالق التونسي عنه أنه قال سمعت برجل يسمى موسى الطيار يطير في الهواء ويمشي على الماء وكان رجل يأتيني عند صدع الفجر فيسألني عن مسائل لا يفهمها الناس فوقع ليلة في نفسي أنه موسى الطيار الذي سمعت به وطال علي الليل في انتظاره فلما طلع الفجر نقر الباب رجل فإذا هو الذي يسألني فقلت له أنت موسى الطيار فقال نعم ثم سألني وانصرف ثم جاءني مع رجل آخر فقال لي صلينا الصبح ببغداد وقدمنا مكة فوجدناهم في صلاة الصبح فأعدنا معهم وجلسنا حتى صلينا الظهر وأتينا القدس فوجدناهم في الظهر فقال لي صاحبي هذا نعيد معهم فقلت لا فقال لي ولم أعدنا الصبح بمكة فقلت له كذلك كان شيخي يفعل وبه أمرنا فاختلفنا وأتيناك للجواب فقال أبو مدين فقلت لهم أما إعادة الصبح بمكة فلأنها بها عين اليقين وببغداد علم اليقين وعين اليقين أولى من علم اليقين وصلاتكم الظهر بمكة وهي أم القرى فلذلك لا تعاد في غيرها قال فقنعا به وانصرفا
وكان استوطن بجاية ويقول إنها معينة على طلب الحلال ولم يزل بها

يزداد حاله على مر الليالي رفعة ترد عليه الوفود وذوو الحاجات من الآفاق ويخبر بالوقائع والغيوب إلى أن وشى به بعض علماء الظاهر عند يعقوب المنصور وقال له إنا نخاف منه على دولتكم فإن له شبها بالإمام المهدي وأتباعه كثيرون بكل بلد فوقع في قلبه وأهمه شأنه فبعث إليه في القدوم عليه ليختبره وكتب لصاحب بجاية بالوصية به والاعتناء وأن يحمل خير محمل فلما أخذ في السفر شق على أصحابه وتغيروا وتكلموا فسكتهم وقال لهم إن منيتي قربت وبغير هذا المكان قدرت ولا بد لي منه وأنا شيخ كبير ضعيف لا قدرة لي على الحركة فبعث الله تعالى من يحملني إليه برفق ويسوقني إليه أحسن سوق وأنا لا أرى السلطان ولا يراني فطابت نفوسهم وذهب بوسهم وعلموا أنه من كراماته فارتحلوا به على أحسن حال حتى وطئوا به حوز تلمسان فبدت له رابطة العباد فقال لأصحابه ما أصلحه للرقاد فمرض مرض موته فلما وصل وادي يسر اشتد به المرض ونزلوا به هناك فكان آخر كلامه الله الحق
وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وتسعين وخمسمائة فحمل إلى العباد مدفن الأولياء الأوتاد وسمع أهل تلمسان بجنازته فكانت من المشاهد العظيمة والمحافل الكريمة وفي ذلك اليوم تاب الشيخ أبو علي عمر الحباك وعاقب الله تعالى السلطان فمات بعده بسنة أو أقل
ونقل المعتنون بأخباره أن الدعاء عند قبره مستجاب وجربه جماعة وقد زرته مئين من المرات ودعوت الله تعالى عنده بما ارجو قبوله
وقد أطال في ترجمته التادلي في كتابه التشوف لرجال التصوف وقد

أفردها أبن الخطيب القسمطيني بتأليف سماه أنس الفقير
ومن كلامه من رزق حلاوة المناجاة زال عنه النوم ومن اشتغل بطلب الدنيا ابتلي فيها بالذل ومن لم يجد من قلبه زاجرا فهو خراب
وقوله بفساد العامة تظهر ولاة الجور وبفساد الخاصة تظهر دجاجلة الدين الفتانون
وقوله من عرف نفسه لم يغتر بثناء الناس عليه ومن خدم الصالحين ارتفع ومن حرمه الله تعالى احترامهم ابتلاه الله بالمقت من خلقه وانكسار العاصي خير من صولة المطيع
وقوله من علامة الإخلاص أن يغيب عنك الخلق في مشاهدة الحق
وسئل عن المحو والشيخ فقال المحو من شهدت له ذاتك بالتقديم وسرك بالاحترام والتعظيم والشيخ من هداك بأخلاقه وأيدك بإطراقه وأنار باطنك بإشراقه إلى غير ذلك من كلامه النير وهو بحر لا ساحل له
وله نظم كثير مشهور بأيدي الناس ومما ينسب له قوله
( بكت السحاب فأضحكت لبكائها ... زهر الرياض وفاضت الأنهار )
( وقد اقبلت شمس النهار بحلة ... خضرا وفي أسرارها أسرار )
( وأتى الربيع بخيله وجنوده ... فتمتعت في حسنه الأبصار )
( والورد نادى بالورود إلى الجنى ... فتسابق الأطيار والأشجار )
( والكأس ترقص والعقار تشعشعت ... والجو يضحك والحبيب يزار )
( والعود للغيد الحسان مجاوب ... والطار أخفى صوته المزمار )
( لا تحسبوا الزمر الحرام مرادنا ... مزمارنا التسبيح والأذكار )
( وشرابنا من لطفه وغناؤنا ... نعم الحبيب الواحد القهار )
( والعود عادات الجميل وكأسنا ... كأس الكياسة والعقار وقار )

( فتألفوا وتطيبوا واستغنموا ... قبل الممات فدهركم غدار )
( والله أرحم بالفقير إذا أتى ... من والديه فإنه غفار )
( ثم الصلاة على الشفيع المصطفى ... ما رنمت بلغاتها الأطيار )
وإنما ذكرت ترجمة سيدي الشيخ أبي مدين للتبرك به ولكونه شيخ جدي فأنا في بركته لقول جدي إنه دعا له ولذريته بما ظهر قبوله ولأنا ذكرنا في هذا التأليف كثيرا من أنباء أبناء الدنيا فأردنا كفارة ذلك بذكر الصالحين والله الموفق بمنه وكرمه آمين

الباب السابع
في ذكر بعض تلامذته الآخذين عنه المستهدين به على المنهاج المتلقين أنواع العلوم منه والمقتبسين أنوار الفهوم من سراجه الوهاج
اعلم أن تلامذة لسان الدين رحمه الله تعالى كثيرون إلا أنه لم يرزق السعادة في كثير منهم بل بارزوه بالعداوة واجتهدوا في إيصال المكروه إليه
فمن أشهرهم الوزير الكاتب أبو عبدالله ابن زمرك وارث مرتبته من بعده ومقتعد أريكة سعده وقد ألمع به في الإحاطة وكان إذ ذاك من جملة أتباعه إذ قال ما محصله محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف الصريحي يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن زمرك
أصله من شرقي الأندلس وسكن سلفه ربض البيازين من غرناطة وبه ولد ونشأ وهو من مفاخره
حاله هذا الفاضل صدر من صدور طلبة الأندلس وأفراد نجبائها مختصر مقبول هش خلوب عذب الفكاهة حلو المجالسة حسن التوقيع خفيف الروح

عظيم الانطباع شره المذاكرة فطن بالمعاريض حاضر الجواب شعلة من شعل الذكاء تكاد تحتدم جوانبه كثير الرقة فكه غزل مع حياء وحشمة جواد بما في يده مشارك لإخوانه نشأ عفا طاهرا كلفا بالقراءة عظيم الدؤوب ثاقب الذهن أصيل الحفظ ظاهر النبل بعيد مدى الإدراك جيد الفهم فاشتهر فضله وذاع أرجه وفشا خبره واضطلع بكثير من الأغراض وشارك في كثير من الفنون وأصبح متلقف كرة البحث وصارخ الحلقة وسابق الحلبة ومظنة الكمال ثم ترقى في درج المعرفة والاضطلاع وخاض لجة الحفظ وركض قلم التقييد والتسويد والتعليق ونصب نفسه للناس متكلما فوق الكرسي المنصوب وفوق المحفل المجموع مستظهرا بالفنون التي بعد فيها شأوه من العربية والبيان واللغة وما يقذف به في لج النقل من الأخبار والتفسيرمتشوفا مع ذلك إلى السلوك مصاحبا للصوفية آخذا نفسه بارتياض ومجاهدة ثم عانى الأدب فكان أملك به وأعمل الرحلة في طلب العلم والازدياد فترقى إلى الكتابة عن ولد السلطان أمير المسلمين بالمغرب أبي سالم إبراهيم ابن أمير المسلمين أبي الحسن علي بن عثمان بن يعقوب ثم عن السلطان وعرف في بابه بالإجادة
ولما جرت الحادثة على السلطان صاحب الأمر بالأندلس واستقر بالمغرب أنس له وانقطع إليه وكر في صحبة ركابه إلى استرجاع حقه فلطف منه محله وخصه بكتابة سره وثابت الحال ودالت الدولة وكانت له الطائلة فأقره على رسمه معروف الانقطاع والصاغية كثير الدالة مضطلعا بالخطة خطا وإنشاء ولسنا ونقدا فحسن منابه واشتهر فضله وظهرت مشاركته وحسنت وساطته ووسع الناس تخلقه وأرضى للسلطان حمله وامتد في ميدان النظم والنثرباعه فصدر عنه من المنظوم في أمداحه قصائد بعيدة الشأو في مدى الإجادة وهو بحاله الموصوفة إلى هذا العهد أعانه الله تعالى وسدده

شيوخه قرأ العربية على الأستاذ رحلة المغرب في فنها أبي عبد الله ابن الفخار ثم على القاضي الشريف إمام الفنون اللسانية أبي القاسم محمد بن أحمد الحسني والفقه والعربية على الأستاذ المفتي أبي سعيد ابن لب واختص بالفقيه الخطيب الصدر المحدث أبي عبد الله ابن مرزوق فأخذ عنه كثيرا من الرواية ولقي القاضي الحافظ أبا عبد الله المقري عندما قدم على الأندلس وذاكره وقرأ الأصول الفقهية على أبي علي منصور الزواوي ويروي عن جملة منهم القاضي أبو البركات ابن الحاج والمحدث أبو الحسين ابن التلمساني والخطيب أبو عبد الله ابن اللوشي والمقرىء أبو عبد الله ابن بيبش وقرأ بعض الفنون العقلية بمدينة فاس على الشريف الرحلة الشهير أبي عبد الله العلوني التلمساني واختص به اختصاصا لم يخل فيه من استفادة مران وحنكة في الصنعة
شعره وشعره مترام الى هدف الإجادة خفاجي النزعة كلف بالمعاني البديعة والألفاظ الصقيلة غزير المادة فمن ذلك ما خاطبني به وهو من أول ما نظمه قصيدة مطلعها
( أما وانصداع النور من مطلع الفجر ... )
وهي طويلة
ومن بدائعه التي عقم عن مثلها قياس قيس واشتهرت بالإحسان اشتهار الزهد بأويس ولم يحل مجاريه ومباريه إلا بويح وويس قوله في إعذار الأمير ولد سلطانه المنوه بمكانه وهي من الكلام الذي عنيت الإجادة بتذهيبه وتهذيبه وناسب الحسن بين مديحه ونسيبه

( معاذ الهوى أن أصحب القلب ساليا ... وأن يشغل اللوام بالعذل باليا )
( دعاني أعط الحب فضل مقادتي ... ويقضي علي الوجد ما كان قاضيا )
( ودون الذي رام العواذل صبوة ... رمت بي في شعب الغرام المراميا )
( وقلب إذا ما البرق أومض موهنا ... قدحت به زندا من الشوق واريا )
( خليلي إني يوم طارقة النوى ... شقيت بمن لو شاء أنعم باليا )
( وبالخيف يوم النفر يا أم مالك ... تخلفت قلبي في حبالك عانيا )
( وذي أشر عذب الثنايا مخصر ... يسقي به ماء النعيم الأقاحيا )
( أحوم عليه ما دجا الليل ساهرا ... وأصبح دون الورد ظمآن صاديا )
( يضيء ظلام الليل ما بين أضلعي ... إذا البارق النجدي وهنا بدا ليا )
( أجيرتنا بالرمل والرمل منزل ... مضى العيش فيه بالشبيبة حاليا )
( ولم أر ربعا منه أقضى لبانة ... وأشجى حمامات وأحلى مجانيا )
( سقت طلة الغر الغوادي ونظمت ... من القطر في جيد الغصون الآليا )
( أبثكم أني على النأي حافظ ... ذمام الهوى لو تحفظون ذماميا )
( أناشدكم والحر أوفى بعهده ... ولن يعدم الأحسان والخير جازيا )
( هل الود إلا ما تحاماه كاشح ... وأخفق في مسعاه من جاء واشيا )
( تأوبني والليل يذكي عيونه ... ويسحب من ذيل الدجنة ضافيا )
( وقد مثلت زهر النجوم بأفقه ... حبابا على نهر المجرة طافيا )
( خيال على بعد المزار ألم بي ... فأذكرني من لم أكن عنه ساليا )
( عجبت له كيف اهتدى نحو مضجعي ... ولم يبق مني السقم والشوق باقيا )
( رفعت له نار الصبابة فاهتدى ... وخاض لها عرض الدجنة ساريا )
( ومما أجد الوجد سرب على النقا ... سوانح يصقلن الطلى والتراقيا )

( نزعن عن الألحاظ كل مسدد ... فغادرن أفلاذ القلوب دواميا )
( ولما تراءى السرب قلت لصاحبي ... وأيقنت أن الحب ما عشت دانيا )
( حذارك من سقم الجفون فإنه ... سيعدي بما يعيي الطبيب المداويا )
( وإن أمير المسلمين محمدا ... ليعدي نداه الساريات الهواميا )
( تضيء النجوم الزاهرات خلاله ... وينفث في روع الزمان المعاليا )
( معال إذا ما النجم صوب طالبا ... مبالغها في العز حلق وانيا )
( يسابق علوي الرياح إلى الندى ... ويفضح جدوى راحتيه الغواديا )
( ويغضي عن العوراء إغضاء قادر ... ويرجح في الحلم الجبال الرواسيا )
( همام يروع الأسد في حومة الوغى ... كما راعت الأسد الظباء الجوازيا )
( مناقب تسموللفخار كأنما ... تجاري الى المجد النجوم الجواريا )
( إذا استبق الأملاك يوما لغاية ... أبيت وذاك المجد إلا التناهيا )
( بهرت فأخفيت الملوك وذكرها ... ولا عجب فالشمس تخفي الدراريا )
( جلوت ظلام الظلم من كل معتد ... ولا غرو أن تجلو البدور الدياجيا )
( هديت سبيل الله من ضل رشده ... فلا زلت مهديا إليه وهاديا )
( أفدت وحي الملك مما أفدته ... وطوقت اشراف الملوك الأياديا )
( وقد عرفت منها مرين سوابقا ... تقر لها بالفضل أخرى الليالي )
( وكان أبو زيان جيدا معطلا ... فزينته حتى اغتدى بك حاليا )
( لك الخير لم تقصد بما قد أفدته ... جزاء ولكن همة هي ما هيا )
( فما تكبر الأملاك غيرك آمرا ... ولا ترهب الأشراف غيرك ناهيا )
( ولا تشتكي الأيام من داء فتنة ... فقد عرفت منك الطبيب المداويا )
( وأندلسا أوليت ما أنت أهله ... وأوردتها وردا من الأمن صافيا )
( تلافيت هذا الثغر وهو على شفا ... وأصبحت من داء الحوادث شافيا )
( ومن بعد ما ساءت ظنون بأهلها ... وحاموا على ورد الأماني صواديا )

( فما يأملون العيش إلا تعللا ... ولا يعرفون الأمن إلا أمانيا )
( عطفت على الأيام عطفة راحم ... وألبستها ثوب امتنانك ضافيا )
( فآنس من تلقائك الملك رشده ... ونال بك الإسلام ما كان راجيا )
( وقفت على الإسلام نفسا كريمة ... تصد عدوا عن حماه وعاديا )
( فرأي كما انشق الصباح وعزمة ... كما صقل القين الحسام اليمانيا )
( وكانت رماح الخط خمصا ذوابلا ... فأنهلت منها في الدماء صواديا )
( وأوردت صفح السيف أبيض ناصعا ... فأصدرته في الروع أحمر قانيا )
( لك العزم تستجلي الخطوب بهديه ... ويلفى إذا تنبو الصوارم ماضيا )
( إذا أنت لم تفخر بما أنت أهله ... فما الصبح وضاح المشارق عاليا )
( ويهنيك دون العيد عيد شرعته ... نبث به في الخافقين التهانيا )
( أقمت به من فطرة الدين سنة ... وجددت من رسم الهداية عافيا )
( صنيع تولى الله تشييد فخره ... وكان لما أوليت فيه مجازيا )
( تود النجوم الزهر لو مثلت به ... وقضت من الزلفى إليك الأمانيا )
( وما زال وجه اليوم بالشمس مشرقا ... سرورا به والليل بالشهب حاليا )
( على مثله فليعقد الفخر تاجه ... ويسمو به فوق النجوم مراقيا )
( به تغمر الأنواء كل مفوه ... ويحدو به من كان بالقفر ساريا )
( ويوسف فيه بالجمال مقنع ... كأن له من كل قلب مناجيا )
( وأقبل ما شاب الحياء مهابة ... يقلب وجه البدر أزهر باهيا )
( وأقدم لا هيابة الحفل واجما ... ولا قاصرا فيه الخطا متوانيا )
( شمائل فيه من أبيه وجده ... ترى العز فيها مستكنا وباديا )
( فيا علقا اشجى القلوب لو اننا ... فديناك بالأعلاق ما كنت غاليا )
( جريت فأجريت الدموع تعطفا ... وأطلعت فيها للسرور نواشيا )
( وكم من ولي دون بابك مخلص ... يفديه بالنفس النفيسة واقيا )

( وصيد من الحيين أبناء قيلة ... تكف الأعادي أو تبيد الأعاديا )
( بهاليل غر إن أعدوا لغارة ... أعادوا صباح الحي أظلم داجيا )
( فوالله لولا أن توخيت سنة ... رضيت بها أن كان ربك راضيا )
( لكان بها للأعوجيات جولة ... تشيب من الغلب الشباب النواصيا )
( وتترك أوصال الوشيج مقصدا ... وبيض الظبي حمر المتون دواميا )
( ولما قضى من سنة الله ما قضى ... وقد حسدت منه النجوم المساعيا )
( أفضنا نهني منك أكرم منعم ... ابي لعميم الجود إلا تواليا )
( فيهني صفاح الهند والبأس والندى ... وسمر العوالي والعتاق المذاكيا )
( ويهني البنود الخافقات فإنها ... سيعقدها في ذمة النصر غازيا )
( كأني به يشقي الصوارم والظبي ... ويحطم في اللأم الصلاب العواليا )
( كأني به قد توج الملك يافعا ... وجمع أشتات المكارم ناشيا )
( وقضى حقوق الفخر في ميعة الصبا ... وأحسن من دين الكمال التقاضيا )
( وما هو إلا السعد إن رمت مطلعا ... وسددت سهما كان ربك راميا )
( فلا زلت يا فخر الخلافة كافلا ... ولا زلت يا خير الأئمة كافيا )
( ودمت قرير العين منه بغبطة ... وكان له رب البرية واقيا )
( نظمت له حر الكلام تمائما ... جعلت مكان الدر فيها القوافيا )
( لآل بها تبأى الملوك نفاسة ... وجلت لعمري أن تكون لآليا )
( أرى المال يرميه الجديدان بالبلى ... وما إن أرى إلا المحامد باقيا )
وورد على السلطان أبي سالم ملك المغرب رحمة الله تعالى عليه وفد الأحابيش بهدية من ملك السودان ومن جملتها الحيوان الغريب المسمى بالزرافة فأمر من يعاني الشعر من الكتاب بالنظم في ذلك الغرض فقال وهي من بدائعه

( لولا تألق بارق التذكار ... ما صاب واكف دمعي المدرار )
( لكنه مهما تعرض خافقا ... قدحت يد الأشواق زند أواري )
( وعلى المشوق إذا تذكر معهدا ... أن يغري الأجفان باستعبار )
( أمذكري غرناطة حلت بها ... أيدي السحاب أزرة النوار )
( كيف التخلص للحديث وبيننا ... عرض الفلاة وطافح الزخار )
( هذا على أن التغرب مركبي ... وتولج الفيح الفساح شعاري )
( فلكم أقمت غداة زمت عيسهم ... أبغى القرار ولات حين قرار )
( وطفقت أستقري المنازل بعدهم ... يمحو البكاء مواقع الآثار )
( إنا بني الآمال تخدعنا المنى ... فنخادع الآمال بالتسيار )
( نتجشم الأهوال في طلب العلا ... ونروع سرب النوم بالأفكار )
( لا يحرز المجد الخطير سوى امرىء ... يمطي العزائم صهوة الأخطار )
( إما يفاخر بالعتاد ففخره ... بالمشرفية والقنا الخطار )
( مستبصر مرمى العواقب واصل ... في حمله الإيراد بالإصدار )
( فأشد ما قاد الجهول إلى الردى ... عمه البصائر لا عمى الأبصار )
( ولرب مربد الجوانح مزبد ... سبح الهلال بلجه الزخار )
( فتقت كمائم جنحه عن أنجم ... سفرت زواهرهن عن أزهار )
( مثلت على شاطي المجرة نرجسا ... تصطف منه على خليج جاري )
( وكأنما بدر التمام بجنحه ... وجه الإمام بجحفل جرار )
( وكأنما خمس الثريا راحة ... ذرعت مسير الليل بالأشبار )
( أسرجت من عزمي مصابيحا بها ... تهدي السراة لها من الأقطار )

( وارتاع من بازي الصباح غرابه ... لما أطل فطار كل مطار )
ومنها
( وغريبة قطعت إليك على الونى ... بيدا تبيد بها هموم الساري )
( تنسيه طيته التي قد أمها ... والركب فيها ميت الأخبار )
( يقتادها من كل مشتمل الدجى ... وكأنما عيناه جذوة نار )
( تشدو بحمد المستعين حداتها ... يتعللون به على الأكوار )
( إن مسهم لفح الهجير أبلهم ... منه نسيم ثنائك المعطار )
( خاضوا بها لجج الفلا فتخلصت ... منها خلوص البدر بعد سرار )
( سلمت بسعدك من غوائل مثلها ... وكفى بسعدك حاميا لذمار )
( وأتتك يا ملك الزمان غريبة ... قيد النواظر نزهة الأبصار )
( موشية الأعطاف رائقة الحلى ... رقمت بدائعها يد الأقدار )
( راق العيون أديمها فكأنه ... روض تفتح عن شقيق بهار )
( ما بين مبيض وأصفر فاقع ... سال اللجين به خلال نضار )
( يحكي حدائق نرجس في شاهق ... تنساب فيه أراقم الأنهار )
( تحدو قوائم كالجذوع وفوقها ... جبل أشم بنوره متوار )
( وسمت بجيد مثل جذع مائل ... سهل التعطف لين خوار )
( تستشرف الجدران منه ترائبا ... فكأنما هو قائم بمنار )
( تاهت بكلكلهاوأتلع جيدها ... ومشى بها الإعجاب مشي وقار )
( خرجوا لها الجم الغفير وكلهم ... متعجب من لطف صنع الباري )
( كل يقول لصحبه قوموا انظروا ... كيف الجبال تقاد بالأسيار )
( ألقت ببابك رحلها ولطالما ... ألقى الغريب به عصا التسيار )
( علمت ملوك الأرض أنك فخرها ... فتسابقت لرضاك في مضمار )

( يتبوأون به وإن بعد المدى ... من جاهك الأعلى أعز جوار )
( فارفع لواء الفخر غير مدافع ... واسحب ذيول العسكر الجرار )
( واهنأ بأعياد الفتوح مخولا ... ما شئت من نصر ومن أنصار )
( وإليكها من روض فكري نفحة ... شف الثناء بها على الأزهار )
( في فصل منطقها ورائق رسمها ... مستمتع الأسماع والأبصار )
( وتميل من أصغى لها فكأنني ... عاطيته منها كؤوس عقار )
وأنشد السلطان في ليلة ميلاد رسول الله عقب ما فرغ من البنية الشهيرة ببابه رحمه الله تعالى
( تأمل أطلال الهوى فتألما ... وسيما الجوى والسقم منها تعلما )
( أخو زفرة هاجت له نار ذكرة ... فأنجد في شعب الغرام وأتهما )
وسرد لسان الدين هذه القصيدة بطولها وهي تقارب التسعين بيتا ثم قال ما نصه وأنشد السلطان في وجهة للصيد أعملها وأطلق أعنة الجياد في ميادين ذلك الطراد وأرسلها قوله
( حياك يا دار الهوى من دار ... نوء السماك بديمة مدرار )
( وأعاد وجه رباك طلقا مشرقا ... متضاحكا بمباسم النوار )
( أمذكري دار الصبابة والهوى ... حيث الشباب يرف غصن نضار )
( عاطيتني عنها الحديث كأنما ... عاطيتني عنها كؤوس عقار )
( إيه وإن أذكيت نار صبابتي ... وقدحت زند الشوق بالتذكار )
( يا زاجر الأظعان وهي مشوقة ... أشبهتها في زفرة وأوار )
( حنت إلى نجد وليست دارها ... وصبت إلى هنديه والغار )
( شاقت به برق الحمى واعتادها ... طيف الكرى بمزارها المزوار )

( هل تبلغ الحاجات إن حملتها ... إن الوفاء سجية الأحرار )
( عرض بذكري في الخيام وقل إذا ... جئت العقيق مبلغ الأوطار )
( عار بقومك يا ابنة الحيين أن ... تلوي الديون وأنت ذات يسار )
( أمنعت ميسور الكلام أخا الهوى ... وبخلت حتى بالخيال الساري )
( وأبان جاري الدمع عذر هيامه ... لكن أضعت له حقوق الجار )
( هذا وقومك ما علمت خلالهم ... أوفى الكرام بذمة وجوار )
( الله في نفس شعاع كلما ... هب النسيم تطير كل مطار )
( بالله يا لمياء ما منع الصبا ... أن لا تهب بعرفك المعطار )
( يا بنت من تشدو الحداة بذكره ... متعللين به على الأكوار )
( ما ضر نسمة حاجر لو أنها ... أهدت لنا خبرا من الأخبار )
( هل بانه من بعدنا متأود ... متجاوب مترنم الأطيار )
( وهل الظباء الآنسات كعهدنا ... يصرعن أسد الغاب وهي ضوار )
( يفتكن من قاماتها ولحاظها ... بالمشرفية والقنا الخطار )
( أشعرت قلبي حبهن صبابة ... فرمينني من لوعتي بجمار )
( وعلى الكثيب سوانح حمر الحلى ... بيض الوجوه يصدن بالأفكار )
( أدنى الحجيج مزارهن ثلاثة ... بمنى لو أن منى ديار قرار )
( لكن يوم النفر جدن لنا بما ... عودننا من جفوة ونفار )
( يا ابن الألى قد أحرزوا خصل العلا ... وسموا بطيب أرومة ونجار )
( وتنوب عن صوب الغمام أكفهم ... وتنوب أوجههم عن الأقمار )
( من آل سعد رافعي علم الهدى ... والمصطفين لنصرة المختار )

( أصبحت وارث مجدهم وفخارهم ... ومشرف الأعصار والأمصار )
( وجه كما حسر الصباح نقابه ... ويد تمد أناملا ببحار )
( جددت دون الدين عزمة أروع ... جددت منها سنة الأنصار )
( حطت البلاد ومن حوته ثغورها ... وكفى بسعدك حاميا لذمار )
( لله رحلتك التي نلنا بها ... أجر الجهاد ونزهة الأبصار )
( أوردتنا فيها لجودك موردا ... مستعذب الإيراد والإصدار )
( وأفضت فينا من نداك مواهبا ... حسنت مواقعها على التكرار )
( أضحكت ثغر الثغر لما جئته ... وخصصته بخصائص الإيثار )
( حتى الفلاة تقيم يوم وردتها ... سنن القرى بثلاثة الأثوار )
( وسرت عقاب الجو تهديك الذي ... تصطاد من وحش ومن أطيار )
( والأرض تعلم أنك الغوث الذي ... تضفي عليها واقي الأستار )
( ولرب ممتد الأباطح موحش ... عالي الربى متباعد الأقطار )
( همل المسارح لا يراع قنيصه ... إلا لنبأة فارس مغوار )
( سرحت عنان الريح فيه وربما ... ألقت بساحته عصا التسيار )
( باكرته والأفق قد خلع الدجى ... مسحا ليلبس حلة الإسفار )
( وجرى به نهر النهار كمثل ما ... سكب النديم سلافة من قار )
( عرضت به المستنفرات كأنها ... خيل عراب جلن في مضمار )
( أتبعتها غرر الجياد كواكبا ... تنقض رجما في سماء غبار )
( والهاديات يؤمها عبل الشوى ... متدفق كتدفق التيار )

( أزجيتها شقراء رائقة الحلى ... فرميته منها بشعلة نار )
( أثبت فيه الرمح ثم تركته ... خضب الجوانح بالدم الموار )
( حامت عليه الذابلات كأنها ... طير أوت منه إلى أوكار )
( طفقت أرانبه غداة أثرتها ... تبغي الفرار ولات حين فرار )
( هل ينفع الباع الطويل وقد غدت ... يوم الطراد قصيرة الأعمار )
( من كل منحفز بلمحة بارق ... فاتت خطاه مدارك الأبصار )
( وجوارح سبقت إليه طلابها ... فكأنما طالبنه بالثار )
( سود وبيض في الطراد تتابعت ... كالليل طارده بياض نهار )
( ترمي بها وهي الحنايا ضمرا ... مثل السهام نزعن عن أوتار )
( ظنت بأن ينجو لها كلا ولو ... أغريته بأرانب الأقمار )
( ولكل فتخاء الجناح إذا ارتمت ... فكأنها نجم السماء الساري )
( زجل الجناح مصفق كمن الردى ... في مخلب منه وفي منقار )
( أجلى الطريد من الوحوش وإن رمى ... طيرا أتاك به على مقدار )
( وأريتنا الكسب الذي أعداده ... ملأت جمالا أعين النظار )
( بيض وصفر خلت مطرح سرحها ... روضا تفتح عن شقيق بهار )
( من كل موشي الأديم مفوف ... رقمت بدائعه يد الأقدار )
( خلط البياض بصفرة في لونه ... فترى اللجين يشوب ذوب نضار )
( أوأشعل راق العيون كأنه ... غلس يخالط سدفة بنهار )
( سرحت بمخضر الجوانب يانع ... تنساب فيه أراقم الأنهار )
( قد أرضعته الساريات لبانها ... وحللن فيه أزرة النوار )
( أخذت سعودك حذرها فلحكمة ... أغرت جفون المزن باستعبار )
( لما أرتك الشمس صفرة حاسد ... لجبينك المتألق الأنوار )
( نفثت عليك السحب نفث معوذ ... من عينها المتوقع الإضرار )
( فارفع لواء الفخر غير مدافع ... واسحب ذيول العسكر الجرار )

( واهنأ بمقدمك السعيد مخولا ... ما شئت من عز ومن أنصار )
( قد جئت دارك محسنا ومؤملا ... متعت بالحسنى وعقبى الدار )
( وإليكها من روض فكري نفحة ... شف الثناء بها على الأزهار )
ومن شعره في غير المطولات قوله
( لقد زادني وجدا وأغرى بي الجوى ... ذبال بأذيال الظلام قد التفا )
( تشير وراء الليل منه بنانة ... مخضبة والليل قد حجب الكفا )
( تلوح سنانا حين لا تنفح الصبا ... وتبدي سوارا حين تثني له العطفا )
( قطعت به ليلا يطارحني الجوى ... فآونة يبدو وآونة يخفى )
( إذا قلت لا يبدو أشال لسانه ... وإن قلت لا يخفى الضياء به كفا )
( إلى أن أفاق الصبح من غمرة الدجى ... وأهدى نسيم الروض من طيبه عرفا )
( لك الله يا مصباح أشبهت مهجتي ... وقد شفها من لوعة الحب ما شفا )
ومما ثبت له صدر رسالة
( أزور بقلبي معهد الأنس والهوى ... وأنهب من أيدي النسيم رسائلا )
( ومهما سألت البرق يهفو من الحمى ... يبادره دمعي مجيبا وسائلا )
( فيا ليت شعري والأماني تعلل ... أيرعى لي الحي الكرام الوسائلا )
( وهل جيرتي الأولى كما قد عهدتهم ... يوالون بالإحسان من جاء سائلا )
ومن أبياته الغراميات
( قيادي قد تملكه الغرام ... ووجدي لا يطاق ولا يرام )
( ودمعي دونه صوب الغوادي ... وشجوي فوق ما يشكو الحمام )

( إذا ما الوجد لم يبرح فؤادي ... على الدنيا وساكنها السلام )
وفي غرض يظهر من الأبيات
( ومشتمل بالحسن أحوى مهفهف ... قضى رجع طرفي من محاسنه الوطر )
( فأبصرت أشباه الرياض محاسنا ... وفي خده جرح بدا منه لي أثر )
( فقلت لجلاسي خذوا الحذر إنما ... به وصب من أسهم الغنج والحور )
( ويا وجنة قد جاورت سيف لحظه ... ومن شأنها تدمى من اللمح بالبصر )
( تخيل للعينين جرحا وإنما ... بدا كلف منه على صفحة القمر )
ومما يرجع إلى باب الفخر ولعمري لقد صدق
( ألائمة في الجود والجود شيمة ... جبلت على إيثارها يوم مولدي )
( ذريني فلو أني أخلد بالغنى ... لكنت ضنينا بالذي ملكت يدي )
وقال
( لقد علم الله أني امرؤ ... أجرر ذيل العفاف القشيب )
( فكم غمض الدهر أجفانه ... وفازت قداحي بوصل الحبيب )
( وقيل رقيبك في غفلة ... فقلت أخاف الإله الرقيب )
وفي مدح كتاب الشفاء وقد طلبه الفقيه أبو عبد الله ابن مرزوق عندما شرع في شرحه
( ومسرى ركاب للصبا قد ونت به ... نجائب سحب للتراب تزوعها )
( تسل سيوف البرق أيدي حداتها ... فتنهل خوفا من سطاها دموعها )
( تعرضن غربا يبتغين معرسا ... فقلت لها مراكش وربوعها )
( لتسقي أجداثا بها وضرائحا ... عياض إلى يوم المعاد ضجيعها )

( وأجدر من تبكي عليه يراعة ... بصفحة طرس والمداد نجيعها )
( فكم من يد في الدين قد سلفت له ... يرضي رسول الله عنه صنيعها )
( ولا مثل تعريف الشفاء حقوقه ... فقد بان فيه للعقول جميعها )
( بمرآة حسن قد جلتها يد النهى ... فأوصافه يلتاح فيه بديعها )
( نجوم اهتداء والمداد يجنها ... وأسرار غيب واليراع تذيعها )
( لقد حزت فضلا يا أبا الفضل شاملا ... فيجزيك عن نصح البرايا شفيعها )
( ولله ممن قد تصدى لشرحه ... فلباه من غر المعاني مطيعها )
( فكم مجمل فصلت منه وحكمة ... إذا كتم الإدماج منه تشيعها )
( محاسن والإحسان يبدو خلالها ... كما افتر عن زهر البطاح ربيعها )
( إذا ما أجلت العين فيها تخالها ... نجوما بآفاق الطروس طلوعها )
( معانيه كالماء الزلال لذي صدى ... وألفاظ در يروي نصيعها )
( رياض سقاها الفكر صوب ذكائه ... فأخصب للوراد منها مريعها )
( تفجر عن عين اليقين زلالها ... فلذ لأرباب الخلوص شروعها )
( إلا يا ابن جار الله يا ابن وليه ... لأنت إذا عد الكرام رفيعها )
( إذا ما أصول المرء طابت أرومة ... فلا عجب أن أشبهتها فروعها )
( بقيت لأعلام الزمان تنيلها ... هدى ولأحداث الخطوب تروعها )
مولده رابع عشر شوال من عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة انتهى كلام لسان الدين في الإحاطة في ترجمة تلميذه أبي عبد الله ابن زمرك
قلت ورأيت بخط أبي الحسن علي بن لسان الدين رحمهما الله تعالى على هامش هذه الترجمة من الإحاطة كلاما في حق ابن زمرك رأيت أن أذكره بجملته الآن وإن تقدم بعضه في هذا الكتاب
فمن ذلك أنه كتب على حاشية أول الترجمة ما صورته أتبعه الله تعالى خزيا وعامله بما يستحقه فبهذا ترجمه والدي مولاه الذي رفع من قدره فيه ولم

يقتله أحد غيره كفانا الله تعالى شر من أحسنا إليه انتهى
وكتب على قوله نشأ عفا طاهرا إلى آخره ما نصه هذا الوغد ابن زمرك من شياطين الكتاب ابن حداد بالبيازين قتل أباه بيده أوجعه ضربا فمات من ذلك وهو أخس عباد الله تربية وأحقرهم صورة وأخملهم شكلا استعمله أبي في الكتابة السلطانية فجنينا أيام تحولنا عن الأندلس منه كل شر وهو كان السبب في قتل أبي مصنف هذا الكتاب الذي رباه وأدبه واستخدمه جسبما هو معروف وكفانا الله تعالى شر من أحسنا إليه وأساء إلينا انتهى
وكتب على قول والده فترقى إلى الكتابة إلى آخره ما صورته على يد سيدي أبي عبد الله ابن مرزوق ولا حول ولا قوة إلا بالله انتهى
وكتب على قول معاذ الهوى أن أصحب القلب ساليا إلى آخره ما نصه هذه القصيدة نظم له مولاي الوالد تغمده الله تعالى برحمته منها النسيب كله وهكذا جرت عادته معه في الأمداح السلطانية حضرة الملك والله المطلع على ذلك قاله ابن المصنف علي بن الخطيب انتهى
وكتب على قوله لولا تألق بارق التذكار إلى آخره ما صورته هذا الرجس الشيطان كثيرا ما ينظم في هذا الوزن ويتبع حمارة هذه الراء حتى لا يتركها جملة إذ الرجل ابن حمار مكاري حداد فالنفس تميل بالطبع انتهى
وكتب على قوله حياك يا دار الهوى من دار إلى آخره ما صورته انظر إلى كثرة تحريكه لحمارة هذه الراء وعلقت له بها مالخوليا انتهى
وكتب على قوله وجوارح سبقت إليه طلابها إلى آخره ما صورته سرق طردية إبراهيم بن خفاجة فانظرها تجده سرق المعاني والألفاظ مع أن

والدي نظم له أكثرها على حسب عادته معه قال علي بن الخطيب انتهى
وكتب على قوله يا مصباح ما نصه كان يحب صبيا اسمه مصباح وهو الآن مجنون العقل بتونس يحترف بالحياكة انتهى
وكتب على قوله الائمتي في الجود إلى آخره ما صورته كذبت يا نجس من أين الفخر لك أو لبيتك لست والله من الجود في شيء نعم سخنة عين الجود انتهى
وكتب على قوله لقد علم الله أني امرؤ إلى آخره ما معناه لا والله فأنت مشهور بكذا يا قرد فمن أين العفاف وأنت بالآندلس كذا وكذا إلى أن قال وأنحسهم بيتا قاله مولاك الذي ربيت في نعمته ونعمة الله علي بن الخطيب بالقاهرة انتهى
وقد نسبه إلى ما لا يليق فالله أعلم بحقيقة الأمر
وكتب غيره على قول ابن زمرك أزور بقلبي الأبيات المتقدمة عند قوله سائلا في موضعين هما من السؤال فحصل على الإيطاء المذموم انتهى
قلت أما ما ذكره ابن لسان الدين من أن أباه كان ينظم لابن زمرك فذلك والله أعلم كان في ابتداء أمره وإلا فقد جاء ابن زمرك في آخر أيام لسان الدين وبعد موته بالبدائع التي لا تنكر كما سنذكره وأما كونه سعى في قتل لسان الدين مع إحسانه إليه فقد جوزي من جنس عمله وقتل بمرأى من أهله ومسمع وأزهقت معه روح ابنيه حسبما نذكره وهذا قصاص الدنيا وعفو الله تعالى في الآخرة منتظر للجميع
ولنذكر ترجمة ابن زمرك من كلام ابن السلطان ابن الأحمر في مجلد ضخم رأيته بالمغرب جمع فيه شعر ابن زمرك وموشحاته وعرف به في أوله إذ قال ما نصه أما بعد ما يجب من حمد الله تعالى في كل حال وشكره على ما

أولى ويسر من صلاح الأحوال والصلاة والسلام على سيدنا محمد صفوة الأنبياء وسيد الأرسال والرضى عمن له من صحب وأنصار وآل فإن من المعلوم أن الأدب له بالنفس علاقة تؤديه إلى الاستحسان وتؤثر من اشتهر به بالملاحظة بلحظ الحظ مع تعاقب الأحيان ولا خفاء أن أيام مولانا الجد المقدس الغني بالله تولاه الله تعالى برضوانه كانت غررا في وجوه الأيام ومواسم تجمع الطم والرم من الرؤساء الأعلام الآخذين بأعنة الكلام السابقين في حلبة النثار والنظام وأن الفقيه الرئيس المدرك الناظم الناثر أبا عبد الله محمد بن يوسف أبن زمرك عفا الله تعالى عنه وحسبك بمن ارتضاه مولانا الجد رحمه الله تعالى لكتابته وصرفه في الوجوه المتعددة من رسالته وحجابته وكان بذلك خليقا لما جمع من أدوات الكمال علما وتحقيقا وإدراكا ونبلا وفقها وأصولا وفروعا وأدبا وتحصيلا وبيانا وتفسيرا ونظما وترسيلا لما كان قد أخفت الأيام سنا صبحه وخابت وسائل نصحه وعادت بعدوانها بعد فوز قدحه وعثر بين أقدام أقوام لا يعرفون أي ذخر فقدوا ولا أي مطلق من تصريفاته الجميلة قيدوا مستبصرين بالجهل في دياجي غيهم معجبين بما ارتكبوه من جياد بغيهم جميعهم يلحظه بمقل دامية وألفاظ حامية يصابحونه بأوجه خلت عن الوجاهة سيماها الحسد وضميرها السخط بما قدره الواحد الصمد
( فخر على الألاءة لم يوسد ... كأن جبينه سيف صقيل )
فيا لله من أشلاء هنالك ضائعة وأعلاق غير مصونة ووسائل مخفورة وأذمة قطعت أرحامها ولم يرع ذمامها وعاثت الأيدي الفاتكة حينئذ على بنيه وارتكبوها شنعاء في أهله وذويه

( هل كان إلا حيا تحيا العباد به ... هل كان إلا قذى في عين ذي عور )
( إن قال قولا ترى الأبصار خاشعة ... لما يخبر من وحي ومن أثر )
( يا لهف قلبي لو قد كنت حاضره ... غداة جرعه أدهى من الصبر )
( لما تركت له شلوا بمضيعة ... ولا تولى صريع الناب والظفر )
( وكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر )
وإن سأل سائل عن الحبرالذي ألمعنا بذكره وضمنا هذا البيت ذروا من فظيع أمره فذلك عندما نسب صاحب الأمر إليه ما راب وتله وابنيه للجبين معفرين بالتراب وصدمه في جنح الليل والمصحف بين يديه يتوسل بآياته ويتشفع بعظيم بركاته فأخذته السيوف وتعاورته الحتوف واذهبه سليبا قتيلا مصيرا مصراع منزله كثيبا مهيلا وكنا على بعدمن هذه الآزفة التي أورثت القولب شجنا طويلا وذكرتنا بعناية مولانا الجد الغني بالله لجانبه أعظم ذكرى فأغرينا برثائه خلدا وفكرا وارتجلنا عند ذكره الآن هذه الأبيات إشارة مقنعة وكناية في السلوان مطمعة وأرضينا بالشفقة أو داءه وأرغمنا بتأبينه أعداءه ولما تبلج الصبح لذي عينين وتلقينا راية الفرج بالراحتين عطفتنا على أبنائه عواطف الشفقة وأطلقنا لهم ما عاثت الأيدي عليه صلة لرحم طالما أضاعها من جهل الأذمة وأخفر عهود تخدمه لمن سلف من الأئمة وصرفنا للبحث والتفتيش وجوه آمالنا وجعلنا ضم ما نثرته الحوادث من منظوماته من أكيد أعمالنا وكان تعلق بمحفوظنا جملة وافرة من كلامه مشتملة على ما راق وحسن من نثاره ونظامه فأضفنا ذلك إلى ما وقع عليه اجتهادنا من رقاعه الحائلة المنتهبة بأيدي النوائب الداثرة المستلبة بتعدي النواصب فخلص من الجملة قلائد عقيان وعقود در ومرجان ترتاح

النفوس النفيسة لإنشادها وتحضر الأبصار والأسماع عند إيرادها إلى ما يتخللها من تخليد مآثر سلفنا والإشارة بعظيم ملكنا فشرعنا في تقيد أوابداها الشاردة وإحياء روسومها البائدة كلفا بالأدب لوضوح فضله وتأدية لما يجب من رعاية أهله ولنبدأ بالتعريف بحال هذا الرئيس المنبه عليه ونظهر ما كنا نضمره من الميل إليه في كل ما له أو عليه فنقول
هو الفقيه الكاتب الفذ الأوحد أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن يوسف الصريحي ويعرف بابن زمرك
أصله من شرق الأندلس وسكن سلفه بالبيازين من غرناطة وبها ولد فنشأ ضئيلا كالشهاب يتوقد مختصر الجرم والأعين بإطالة فواضله تشهد ومكتب الفئة القرآنية يؤثره بالجناب الممهد فاشتغل أول نشأته بطلب العلم والدؤوب على القراءة وأخذ نفسه بملازمة حلقات التدريس ولم يبلغ حد وجوب المفترضات إلا وهو متحمل الرواية وملتمس لفوائد الدراية ومصابح كل يوم أعلام العلوم ومستمد بمصابيح الحدود العلمية والرسوم فافتتح أبواب الكتب النحوية بالإمام أبي عبد الله ابن الفخار الآية الكبرى في فن العربية وتردد الأعوام العديدة إلى قاضي الجماعة أبي القاسم الشريف فأحسن الإصغاء وبذ النحاة البلغاء بما أوجب رثاءه عند الوقوف على ضريحه بالقصيدة الفريدة التي أولها
( أغرى سراة الحي بالإطراق ... )
واهتدى في طريق الخطبة ومناهج الصوفية بالخطيب المعظم أبي عبد الله ابن مزروق الوافد على مولانا الجد أبي الحجاج رضي الله تعالى عنه في عام ثلاثة

وخمسين وسبعمائة وإليه جنح وإياه قصد عند تغربه إلى المغرب في دولة السلطان ابي سالم فتوجه بالعمامة التي ارتجل بين يديه فيها
( توجتني بعمامه ... توجت تاج الكرامه )
( فروض حمدك يزهى ... مني بسجع الحمامه )
وأخذ علم الأصلين عن الحافظ الناقد ابي علي منصور الزواوي وبرع في الأدب أثناء الانقطاع وأول الطلب لأبي عبد الله ابن الخطيب ولكن لم يحمد بينهما المآل واقتدى في العلوم العقلية بالشريف ابي عبد الله التلمساني قدوة الزمان وحصلت له الإجازة والتحديث بقاضي الجماعة وشيخ الجملة أبي البركات ابن الحاج وبالخطيب البليغ أبي عبد الله اللوشي وبالخطيب الورع ابي عبد الله ابن بيبش العبدري رضي الله تعالى عنه وعن جميعهم وبواجب محافظتنا على عهدهم إذ نحن وردنا بالإجازة التامة عذب وردهم وصل سببنا بهم الكثير من شيوخنا مثل الإمام المعظم أبي محمد عبد الله بن جزي ومعلمنا الثقة المجتهد أبي عبد الله الشريشي والقاضي الإمام أبي عبد الله محمد بن علي بن علاق وغيرهم رحمة الله تعالى عليهم لذلك صار صدرا في نوادي طلبة الأندلس وأفراد نجبائها فما شاءه المحاضر يجده في خضله ويتلقاه من باهر فضله فكاهة ومجالسة أنيقة ممتعة ومحادثة أريضة مزهرة وجوابا مطبقا للمفصل وذهنا سابقا لإيضاح المشكل مع انقياد الطبع وإرسال الدمعة في سبيل الخشوع والرقة ورشح الجبين عند تلقي الموعظة وصون الوجه بجلباب الحياء ومقابلة الناظر إليه بالاحتشام والمبادرة للاستدعاء على طهارة وبذل وسع وكرم نفس لم يعهد أجمل مشاركة منه لإخوانه ولا أمتع منه بجاهه إلى مبالغة في الهشة

والمبرة والإيثار بما منح وجنوح إلى حب الصالحين وذلك بالانضواء إلى شيخ الفرق الصوفية الولي أبي جعفر ابن الزيات وأخيه الفاضل الناسك شيخنا أبي مهدي قدس الله تعالى مغناه وسواهما من أهل الاندلس والعدوة وحمله أشد الحمل على كل ملبس كأبي زكريا البرغواطي وسواه ومن تنديراته زعموا على أبي الحسن المحروق لميله عنه
( ولد الفقر والرباط ولكن ... نفسه للسلوك ذات افتقار )
وخطب الأدب يافعا وكهلا وحاز علمه إدراكا ونهلا ولما كانت الحادثة على مولانا الجد رحمة الله تعالى واجتاز إلى المغرب كما تقرر في غير هذا كلف به وأنس إليه لحلاوة منطق ورفع استيحاش ومراوضة خلق ثم كر في صحبة ركابه فعلت منزلته ولطف محله
وقفنا على رقعة من رقاعة وهو يبدىء فيها ويعيد ويقول خدمته سبعا وثلاثين سنة ثلاثا بالمغرب وباقيها بالأندلس أنشدته فيها ستا وستين قصيدة في ستة وستين عيدا وكل ما في منازله السعيدة من القصر والرياض والدشار والسبيكة من نظم رائق ومدح فائق في القباب والطاقات والطرز وغير ذلك فهو لي وكنت أواكله وأواكل ابنه مولاي أبا الحجاج وهما كبيرا ملوك أهل الأرض وهنأته بكذا وكذا قصيدة وفوض لي في عقد الصلح بين الملوك بالعدوتين وصلح النصارى عقدته تسع مرات ألخسة فوض إلي ذلك
قلنا صدق في جميع ما ذكره والعقود بذلك شاهدة له وخصه عام ثلاثة وسبعين بكتابة سره واستعمله بعد أعوام في السفارة بينه وبين ملوك عصره فحمد منابه ونمت أحواله ورغد جنابه وكان هنالك بعض تقولات تشين

وجه اجتهاده وتومىء بما احتقبه من سوء مقاصده وما صرفه من قبيح أغراضه وهاجت الفتنة فكانت سفارته أعظم أسبابها
وعند الأشد من عمره عرضت لأفكاره تقلبات وأقعدته عن قداح السياسة آفات مختلفات وأشعرته حدة ذهنه أن يتخبط في أشراك وقعات فقعد بجامع مالقة ثم بمسجد الحمراء ملقيا على الكرسي فنونا جمة وعلوما لم يزل يتلقاها عن أولياء التعظيم والتجلة فانحاز إلى مادة أمم بمالقة طما منهم البحر وتراءى لأبصارهم وبصائرهم الفخر وكان التفسير أغلب عليه لفرط ذكائه وما كان قيده وحصله أيام قراءته وإقرائه فما شئت من بيان وإعجاز قرآن وآيات توحيد وإخلاص ومناهج صوفية تؤذن بالخلاص يوم الأخذ بالنواص ومرارا عدة سمع ما يلقيه ولي الأمر ويا شدة البلوى التي أذاقه مرها وأمطاه إلى طية الهلاك ظهرها ويا قرب ما كان الفوت والحسام الصلت من متباعد هذه القرب التي ألغيت
قلنا لقد جمح جواد القلم فأطلقنا ونحن نشير إلى هذا الرئيس وتبدل طباعه بعد انقضاء أعوام شاهدة باضطلاعه وإحراز شيم أدت إلى علو مقداره واستقامة مداره فآل عمر مولانا جدنا إلى النفاد ورمت رئيس كتابه هذا أسهم الحساد فظهر الخفي وسقط به الليل على سرحان وقد طالما جرب الوفي والصفي وكان من شأنه الاستخفاف بأولياء الأمر من حجاب الدولة والاسترسال في الرد عليهم بالطبع والجبلة مع الاستغراق في غمار الفتن أندلسا وغربا ومراعاة حظوظ نفسه استيلاء وغصبا أما الجراءة فانتضى سيوفها

وأما إكفاء السماء على الأرض فقواصم نوع صنوفها وأما المجاهرة فوقف بميدان الاعتراض صفوفها وأما المجاملة فنكر معروفها أداه هذا النبأ العظيم إلى سكنى المعتقل بقصبة المرية وعلى الأثر كان الفرج قريبا وسطور المؤاخذة قد أوسعها العفو تضريبا ونالته هذه المحنة عند وفاة مولانا الجد الغني بالله وكانت وفاته غرة شهر صفر عام ثلاثة وتسعين وسبعمائة لأسباب يطول شرحها أطهرها شراسة في لسانه واغترار بمكانه وتضريب بين خدام السلطان وأعوانه فكبا لليدين والفم إلى أن من الله تعالى بسراحه وأعاده إلى الحضرة في أول شهر رمضان المعظم من عام أربعة وتسعين وسبعمائة فكان ما كان من وفاة مولانا الوالد رحمه الله تعالى وقيام أخينا محمد مقامه بالأمر فاستمر الحال أياما قلائل وقدم للكتابة الفقيه ابن عاصم لمدة من عام ثم أعاد المذكور إلى خطته وقد دمثت بعض أخلاقه وخمدت شراسته وحلا بعض مذاقه فما كان إلا كلا وليت وإذا به قد ساء مشهدا وغيبا وأوسع الضمائر شكا وريبا وغلبت الإحن عليه وغلت مراجلها لديه فصار يتقلب على جمر الغضا ويتبرم بالقضا ويظهر النصح وفي طيه التشفي ويسم نفسه بالصلاح ويعلن بالخشوع ويشير بأنه الناصح الأمين ويتلو قوله تعالى ( ولكن لا تحبون الناصحين ) ورتب على المشتغلين كبيرهم وصغيرهم ذنوبا لم يقترفوها ونسب إليهم نسبا من التضييع لم يعرفوها وأنهم احتجنوا الأموال وأساءوا الأعمال والأقوال فلم يظفر من ذلك بكبير طائل ولا حصل على تفاوت أعداده على حاصل هذا على قلة معرفته بتلك الطريقة الاشتغالية وعدم اضطلاعه بالأمور الجبائية فمن نفس يروع سربها ويكدر بالامتحان والامتهان شربها ومن ضارعة خاشعة لله تعالى سلبت وطولبت بغير ما اكتسبت وتعدت الأيدي إلى أقوام جلة سعدوا بشقائه وامتحنوا وهم المبرأون من تزويره واعتدائه وسيسألون يوم لا يغني مال ولا بنون

وصار يصرف أغراضه ويظهر أحقاده بين إفصاح بما كان الإعجام خيرا من إلقائه وإن عمر المسكين المستضعف لا حاجة في طول بقائه إلى مجاهرة عهد منه أيام شبيبته نقيضها وانعكس في شاخته تصريحها المنغص وتعريضها لا يريح نفسه من جهد ولا يقف من اللجلجة عند حد وقد كان ثقل سمعه فساءت إجابته وطغت أخلاقه فسئم الناس وساطته وربما استحلف فلم يكن بين اللازمة واللازمة إلا الحنث عن قصد وغير قصد ودعا على نفسه وأبنائه بإنجاز وعد وأن يقيض الله له ولهم قاتل عمد فسبحان القاهر فوق عباده الرحيم بهذا الشخص وبالأموات من شيعته وأولاده فاستمر على ذلك إلى إحدى الليالي فهلك في جنح الليل في جوف داره على يد مخدومه تلقاه زعموا عند الدخول عليه وهو بالمصحف رافع يديه فجدلته السيوف وتناولته الحتوف فقضي عليه وعلى من وجد من خدامه وابنيه كل ذلك بمرأى عين من أهله وبناته ولم يتقوا الله فيه حق تقاته فكانت أنكى الفجائع وأفظع الوقائع وساءت القالة وعظم المصاب وكل شيء إلى أجل نافذ وكتاب انتهى كلام ابن الأحمر في مقدمة كتابه
وقد اطلعت منه على تصاريف أحوال ابن زمرك وقتله على الوجه الذي يعلم منه أن ثأر لسان الدين ابن الخطيب لديه لا يترك بل قتلته أفظع من قتلة لسان الدين لأن هذا قتل بين عياله وأهله وقتل معه ابناه ومن وجد من خدمه ولسان الدين رحمه الله تعالى خنق بمفرده وعند الله تجتمع الخصوم وهو العفو الغفور
وقد فهم من مضمون ما سبق أن قتل ابن زمرك بعد عام خمسة وتسعين وسبعمائة ولم أقف من أمره على غير ما تقدم

ولا بأس أن نلم بشيء من نظمه البارع مما كنت انتقيته بالغرب من تأليف ابن الأحمر المذكور وأوردت كثيرا منه في أزهار الرياض
فمن ذلك قوله في ذكر غرناطة العلية وتهنئة سلطانه الغني بالله ببعض المواسم العيدية ووصف كرائم جياده وآثار ملكه وجهاده
( يا من يحن إلى نجد وناديها ... غرناطة قد ثوت نجد بواديها )
( قف بالسبيكة وانظر ما بساحتها ... عقيلة والكثيب الفرد جاليها )
( تقلدت بوشاح النهر وابتسمت ... أزهارها وهي حلي في تراقيها )
( وأعين النرجس المطلول يانعة ... ترقرق الطل دمعا في مآقيها )
( وافتر ثغر أقاح من أزاهرها ... مقبلا خد ورد من نواحيها )
( كأنما الزهر في حافاتها سحرا ... دراهم والنسيم اللدن يجبيها )
( وانظر إلى الدوح والأنهار تكنفها ... مثل الندامى سواقيها سواقيها )
( كم حولها من بدور تجتني زهرا ... فتحسب الزهر قد قبلن أيديها )
( حصباؤها لؤلؤ قد شف جوهرها ... والنهر قد سال ذوبا من لآليها )
( نهر المجرة والزهر المطيف به ... زهر النجوم إذا ما شئت تشبيها )
( يزيد حسنا على نهر المجرة قد ... أغناه در حباب عن دراريها )
( يدعى المنجم رائيه وناظره ... مسميات أبانتها أساميها )
( إن الحجاز مغانيه بأندلس ... ألفاظها طابقت منها معانيها )
( فتلك نجد سقاها كل منسجم ... من الغمام يحييها فيحييها )
( وبارق وعذيب كل مبتسم ... من الثغور يجليها مجليها )
( وإن أردت ترى وادي العقيق فرد ... دموع عشاقها حمرا جواريها )
( وللسبيكة تاج فوق مفرقها ... تود در الدراري لو تحليها )

( فإن حمراءها والله يكلؤها ... ياقوتة فوق ذاك التاج يعليها )
( إن البدور لتيجان مكللة ... جواهر الشهب في أبهى مجاليها )
( لكنها حسدت تاج السبيكة إذ ... رأت أزاهره زهرا يجليها )
( بروجها لبروج الأفق مخجلة ... فشهبها في جمال لا تضاهيها )
( تلك القصور التي راقت مظاهرها ... تهوي النجوم قصورا عن معاليها )
( لله لله عينا من رأى سحرا ... تلك المنارة قد رقت حواشيها )
( والصبح في الشرق قد لاحت بشائره ... والشهب تستن سبقا في مجاريها )
( تهوي إلى الغرب لما غالها سحر ... وغمض الفجرمن أجفان واشيها )
( وساجع العود في كف النديم إذا ... ما استوقفت ساجعات الطير يغريها )
( يبدي أفانين سحر في ترنمه ... يصبي العقول بها حسنا ويسبيها )
( يجسه ناعم الأطراف تحسبها ... لآلئا وهي نور في تلاليها )
( مقاتل بلحاظ قوس حاجبها ... ترمي القلوب بها عمدا فتصميها )
( فباكر الروض والأغصان مائلة ... يثني النفوس لها شوقا تثنيها )
( لم يرقص الدوح بالأكمام من طرب ... حتى شدا من قيان الطير شاديها )
( وأسمعتها فنون السحر مبدعة ... ورق الحمام وغناها مغنيها )
( غرناطة آنس الرحمن ساكنها ... باحت بسر معانيها أغانيها )
( أعدى نسيمهم لطفا نفوسهم ... فرقة الطبع طبع منه يعديها )
( فخلد الله أيام السرور بها ... صفرا عشياتها بيضا لياليها )
( وروض المحل منها كل منبجس ... إذا اشتكت بغليل الجدب يرويها )
( يحكي الخليفة كفا كلما وكفت ... بالجود فوق موات الأرض يحييها )
( تغني العفاة وقد أمت مكارمه ... عن السؤال وبالإحسان يغنيها )

( له بنان فلا غيث يساجلها ... جودا ولا سحبه يوما تدانيها )
( فإن تصب سحبه بالماء حين همت ... بعسجد ولجين صاب هاميها )
( يا أيها الغيث أنت الغوث في زمن ... ملوكه تلفت لولا تلافيها )
( إن الرعايا جزاك الله صالحة ... ملكت شرقا وغربا من يراعيها )
( إن الخلائق في الأقطار أجمعها ... سوائم أنت في التحقيق راعيها )
( فكل مصلحة للخلق تحكمها ... وكل صالحة في الدين تنويها )
( إذا تيممت أرضا وهي مجدبة ... فرحمة الله بالسقيا تحييها )
( يا رحمة بثت الرحمى بأندلس ... لولاك زلزلت الدنيا بمن فيها )
( في فضل جودك قد عاشت مشيختها ... في ظل أمنك قد نامت ذراريها )
( في طول عمرك يرجو الله آملها ... بنصر ملكك يدعو الله داعيها )
( عوائد الله قد عودت أفضلها ... لتبلغ الخلق ما شاءت أمانيها )
( سل السعود وخل البيض مغمدة ... واضرب بها فرية التثليث تفريها )
( لله أيامك الغر التي اطردت ... فيها السعود بما ترضى ويرضيها )
( لله دولتك الغراء إن لها ... لكافلا من إله العرش يكفيها )
( هيهات أن تبلغ الأعداء مأربة ... في جريها وجنود الله تحميها )
( هذي سيوفك في الأجفان نائمة ... والمشركون سيوف الله تفنيها )
( سريرة لك في الإخلاص قد عرفت ... حسنى عواقبها حتى أعاديها )
( لم يحجب الصبح شهب الأفق عن بصر ... إلا وهديك للأبصار يبديها )
( يا ابن الملوك وأبناء الملوك إذا ... تدعو الملوك إلى طوع تلبيها )
( أبناء نصر ملوك عز نصرهم ... وأوسعوا الخلق تنويها وترفيها )
( هم المصابيح نور الله موقدها ... تضيء للدين والدنيا مشاكيها )
( هم النجوم وأفق الهدي مطلعها ... فوزا لمهديها عزا لهاديها )

( هم البدور كمال ما يفارقها ... هم الشموس ظلام لا يواريها )
( قضت قواضبها أن لا انقضاء لها ... وأمضت الحكم في الأعدا مواضيها )
( وخلدت في صفاح الهند سيرتها ... وأسندت عن عواليها معاليها )
( وأورثتك جهادا أنت ناصره ... والأجر منك يرضيها ويحظيها )
( كم موقف ترهب الأعداء موقعه ... والخيل تردي ووقع السمر يرديها )
( ثارت عجاجته واليوم محتجب ... والنقع يؤثر غيما من دياجيها )
( وللأسنة شهب كلما غربت ... في الدارعين تجلت من عواليها )
( وللسيوف بروق كلما لمعت ... تزجي الدماء وريح النصر يزجيها )
( أطلعت وجها تريك الشمس غرته ... تبارك الله ما شمس تساميها )
( من أين للشمس نطق كله حكم ... يفيدها كل حين منك مبديها )
( لك الجياد إذا تجري سوابقها ... فللرياح جياد ما تجاريها )
( إذا انبرت يوم سبق في أعنتها ... ترى البروق طلاحا لا تباريها )
( من أشهب قد بدا صبحا تراع له ... شهب السماء فإن الصبح يخفيها )
( إلا التي في لجام منه قيدها ... فإنه سامها عزا وتنويها )
( أو أشقر مر عن شقر البروق وقد ... أبقى لها شفقا في الجو تنبيها )
( أو أحمر جمره في الحرب متقد ... يعلو لها شرر من بأس مذكيها )
( لون العقيق وقد سال العقيق دما ... بعطفه من كماة كر يدميها )
( أو أدهم ملء صدر الليل تنعله ... أهلة فوق وجه الأرض يبديها )
( إن حارت الشهب ليلا في مقلده ... فصبح غرته بالنور يهديها )
( أو أصفر بالعشيات ارتدى مرحا ... وعرفه بتمادي الليل ينبيها )

( مموه بنضار تاه من عجب ... فليس يعدم تنويها ولا تيها )
( ورب نهر حسام رق رائقه ... متى ترده نفوس الكفر يرديها )
( تجري الرؤوس حبابا فوق صفحته ... وما جرى غير أن البأس يجريها )
( وذابل من دم الكفار مشربه ... يجني الفتوح وكف النصر تجنيها )
( وكم هلال لقوس كلما نبضت ... ترى النجوم رجوما في مراميها )
( أئمة الكفر ما يممت ساحتها ... إلا وقد زلزلت قسرا صياصيها )
( يا دولة النصر هل من مبلغ دولا ... مضين أنك تحييها وتنسيها )
( أو مبلغ سالف الأنصار مألكة ... والله بالخلد في الفردوس يجزيها )
( ان الخلافة أعلى الله مظهرها ... أبقت لنا شرفا والله يبقيها )
( يا ابن الذين هم في كل مكرمة ... مفاخر ولسان الدهر يمليها )
( أنصار خير الورى مختار هجرته ... جيران روضته أكرم بأهليها )
( سمتهم الملة السمحاء تكرمة ... أنصارها وبهم عزت أواليها )
( ففي حنين وفي بدر وفي أحد ... تلفي مفاخرهم مشهورة فيها )
( ولتسأل السير المرفوع مسندها ... فعن مواقفهم تروى مغازيها )
( مآثر خلد الرحمن أثرتها ... ينصها من كتاب الله قاريها )
( ماذا يجيد بليغ أو ينمقه ... من الكلام ووحي الله تاليها )
( له الجهاد به تسري الرياح إلى ... ممالك الأرض من شتى أقاصيها )
( تحدى الركاب إلى البيت العتيق به ... فمكة عمرت منه نواديها )
( بشائر تسمع الدنيا وساكنها ... إذا دعا باسمك الأعلى مناديها )
( كفى خلافتك الغراء منقبة ... أن الإله يوالي من يواليها )
( وقد أفاد بنيه الدهر تجربة ... أن السعود تعادي من يعاديها )
( إذا رميت سهام العزم صائبة ... فما رميت بل التوفيق راميها )
( شكرا لمن عظمت منا مواهبه ... وإن تعد فليس العد يحصيها )

( عما قريب ترى الأعياد مقبلة ... من الفتوح ووفد النصر حاديها )
( وتبلغ الغاية القصوى بشائرها ... فقد أظلت بما ترضى مباديها )
( فاهنأ بما شئت من صنع تسر به ... وانو الأماني فالأقدار تدنيها )
( مولاي خذها كما شاءت بلاغتها ... ولو تباع لكان الحسن يشريها )
( أرسلتها حيثما الأرواح مرسلة ... نوادرا تنشر البشرى أماليها )
( جاءت تهنيك عيد الفطر معجبة ... بحسنها ولسان الصدق يطريها )
( البشر في وجهها واليمن في يدها ... والسحر في لفظها والدر في فيها )
( لو رصع البدر منها تاج مفرقه ... لم يرض در الدراري أن تحليها )
( فإن تكن بنت فكري وهو أوجدها ... نعماك في حجره كانت تربيها )
( في روض جودك قد طوقتني مننا ... طوق الحمام فما سجعي موفيها )
( ولو أعرت لسان الدهر يشكرها ... لكان يقصر عن شكر يوفيها )
( بقيت للدين والدنيا إمام هدى ... مبلغ النفس ما ترجو أمانيها )
( والسعد يجري لغايات تؤملها ... ما دامت الشهب تجري في مجاريها )
وقال رحمه الله تعالى شاكرا لنعم وصلته من المذكور في عاشوراء
( مولاي يا ابن السابقين إلى العلا ... والرافعين لواءها المنشورا )
( إن لوحظوا في المعلوات فإنهم ... طلعوا بآفاق العلاء بدورا )
( أو فوخروا في المكرمات فإنهم ... نظموا بأسلاك الفخار شذورا )
( أبناء أنصار النبي وصحبه ... في الذكر أصبح فخرهم مذكورا )
( والمؤثرين وربنا أثنى بها ... في الحشر خلد وصفهم مسطورا )
( فاضت علينا من نداك غمائم ... وتفجرت من راحتيك بحورا )
( من كف شفاف الضياء تخاله ... لصفاء جوهره تجسد نورا )

( نعم منوعة تعدد وفرها ... أعجزت عنها شكري الموفورا )
( في موسم للدين قد جددته ... وأقمت فينا عيده المشهورا )
( أضعاف ما أهديتنا من منة ... تهدي إليك ثوابها عاشورا )
( وعلى الطريق بشائر محمودة ... ألقاك جذلانا بها مسرورا )
وقال يصف زهر القرنفل الصعب الاجتناء بجبل الفتح وقد وقع له السلطان الغني بالله المذكور بذلك فارتجل قطعا منها
( أتوني بنوار يروق نضارة ... كخد الذي أهوى وطيب تنفسه )
( وجاءوا به من شاهق متمنع ... تمنع ذاك الظبي في ظل مكنسه )
( رعى الله مني عاشقا متقنعا ... بزهر حكى في الحسن خد مؤنسه )
( وإن هب خفاق النسيم بنفحة ... حكت عرفه طيبا قضى بتأنسه )
ومنها
( رعى الله زهرا ينتمي لقرنفل ... حكى عرف من أهوى وإشراق خده )
( ومنبته في شاهق متمنع ... كما امتنع المحبوب في تيه صده )
( أميل إذا الأغصان مالت بروضة ... أعانق منها القضب شوقا لقده )
( وأهفو لخفاق النسيم إذا سرى ... وأهوى أريج الطيب من عرف نده )
ومنها
( يقر بعيني أن أرى الزهر يانعا ... وقد نازع المحبوب في الحسن وصفه )
( وما أبصرت عيني كزهر قرنفل ... حكى خد من يسبي الفؤاد وعرفه )
( تمنع في أعلى الهضاب لمجتن ... تمنعه مني إذا رمت إلفه )
( وفي جبل الفتح اجتنوه تفاؤلا ... بفتح لباب الوصل يمنح عطفه )
( وما ضر ذاك الغصن وهو مرنح ... إذا ما ثنى نحو المتيم عطفه )

قال ابن الأحمر في الكتاب المذكور فيما مر ومن القصائد التي يود الصبح سناها والنسيم اللدن رقة معناها يهنىء مولانا الجد رضي الله تعالى عنه عند وصول خالصة مقامه وكبير خدامه القائد خالد رحمه الله تعالى من تلمسان بالهدية وتجديد المقاصد الودية ووافق استئناف راحة من الذا ت العلية ومن بعض فروع دوحتها الزكية
( أدرها ثلاثا من لحاظك واحبس ... فقد غال منها السكر أبناء مجلس )
( إذا ما نهاني الشيب عن أكؤس الطلا ... تدير علي الخمر منها بأكؤس )
( عذيري من لحظ ضعيف وقد غدا ... يحكم منا في جسوم وأنفس )
( وروض شباب ماس غصن قوامه ... وفتح فيه اللحظ أزهار نرجس )
( وما زال ورد الخد وهو مضعف ... يعير أقاح الثغر طيب تنفس )
( وكم جال طرف الطرف في روض حسنه ... يقيده فيه العذار بسندس )
( أما وليالي الوصل في روضة الصبا ... ومألف احبابي وعهد تأنسي )
( لئن نسيت تلك العهود أحبتي ... فقلبي عهد العامرية ما نسي )
( وحاشا لنفسي بعدما افتر فودها ... من الشيب عن صبح به متنفس )
( وألبسها ثوب الوقار خليفة ... به لبس الإسلام أشرف ملبس )
( وجدد للفتح المبين مواسما ... أقام بها الإيمان أفراح معرس )
( وأورثه العلياء كل خليفة ... نماه إلى الأنصار كل مقدس )
( فيا زاجر الأظعان وهي ضوامر ... بغير الفلا والوحش لم تتأنس )
( إذا جئت من دار الغني بربه ... مناخ العلا والعز فاعقل وعرس )
( فإن شئت من بحر السماحة فاغترف ... وإن شئت من نور الهداية فاقبس )

( أمولاي إن السعد منك لآية ... أنارت بها الأكوان جذوة مقبس )
( إذا شئت أن ترمي القصي من المنى ... تدور لك الأفلاك مرفوعة القسي )
( فترمي بسهم من سعودك صائب ... سديد لأغراض الأماني مقرطس )
( أهنيك بالإبلال ممن شفاؤه ... شفاؤك فاشكر من تلافى وقدس )
( ودعني أرد يمناك فيه غمامة ... بتخل صوب العارض المتبجس )
( أقبل منها راحة إثر راحة ... أتتك بها الركبان من بيت مقدس )
( ومن نسب الفتح المبين ولادة ... إليه بغير الفخر لم يتأسس )
( فيا أيها المولى الذي بكماله ... خلائف هذا العصر في الفخر تأتسي )
( لآمنت موسى من عوادي سميه ... ولولاك لم يبرح بخيفة موجس )
( بعثت بميمون النقيبة في اسمه ... خلود لعز ثابت متأسس )
( فجاءك بالمال العريض هدية ... بها الدين أثواب المسرة يكتسي )
( وشفعها بالصافنات كأنها ... وقد راق مرآها جآذر مكنس )
( تنص من الإشراف جيد غزالة ... وترنو من الإيجاس عن لحظ أشوس )
( لك الخير موسى مثل موسى كلاهما ... بغير شعار الود لم يتلبس )
( فلا زلت في ظل النعيم وكل من ... يعاديك لا ينفك يشقى بأبؤس )
( عليك سلام مثل حمدك عاطر ... تنفس وجه الصبح عنه بمعطس )
وقال في مولد عام سبعة وستين وسبعمائة وألم في أخرياتها بوصف المشور الأسنى الرفيع المبنى
( زار الخيال بأيمن الزوراء ... فجلا سناه غياهب الظلماء )
( وسرى مع النسمات يسحب ذيله ... فأتت تنم بعنبر وكباء )
( هذا وما شيء ألذ من المنى ... إلا زيارته مع الإغفاء )

( بتنا خيالين التحفنا بالضنى ... والسقم ما نخشى من الرقباء )
( حتى أفاق الصبح من غمراته ... وتجاذبت أيدي النسيم ردائي )
( يا سائلي عن سر من أحببته ... السر عندي ميت الأحياء )
( تالله لاأشكو الصبابة والهوى ... لسوى الأحبة أو أموت بدائي )
( يا دين قلبي لست أبرح عانيا ... أرضى بسقمي في الهوى وعنائي )
( أبكي وما غير النجيع مدامع ... أذكي ولا ضرم سوى أحشائي )
( أهفو إذا تهفو البروق وأنثني ... لسرى النواسم من ربى تيماء )
( بالله يا نفس الحمى رفقا بمن ... أغريته بتنفس الصعداء )
( عجبا له يندى على كبدي وقد ... أذكى بقلبي جمرة البرحاء )
( يا ساكني البطحاء أي إبانة ... لي عندكم يا ساكني البطحاء )
( أترى النوى يوما تخيب قداحها ... ويفوز قدحي منكم بلقاء )
( في حيكم قمر فؤادي أفقه ... تفديه نفسي من قريب نائي )
( لم تنسني الأيام يوم وداعه ... والركب قد أوفى على الزوراء )
( أبكي ويبسم اوالمحاسن تجتلى ... فعلقت بين تبسم وبكاء )
( يا نظرة جاذبتها أيدي النوى ... حتى استهلت أدمعي بدماء )
( من لي بثانية تنادي بالأسى ... قدك اتئد أسرفت في الغلواء )
( ولرب ليل بالوصال قطعته ... أجلو دجاه بأوجه الندماء )
( أنسيت فيه القلب عادة حلمه ... وحثثت فيه أكؤس السراء )
( وجريت في طلق التصابي جامحا ... لا أنثني لمقادة النصحاء )
( أطوي شبابي لمشيب مراحلا ... برواحل الإصباح والإمساء )

( يا ليت شعري هل أرى أطوي إلى ... قبر الرسول صحائف البيداء )
( فتطيب في تلك الربوع مدائحي ... ويطول في ذاك المقام ثوائي )
( حيث النبوة نورها متألق ... كالشمس تزهى في سنا وسناء )
( حيث الرسالة في ثني قدسها ... رفعت لهدي الخلق خير لواء )
( حيث الضريح ضريح أكرم مرسل ... فخر الوجود وشافع الشفعاء )
( المصطفى والمرتضى والمجتبى ... والمنتقى من عنصر العلياء )
( خير البرية مجتباها ذخرها ... ظل الإله الوارف الأفياء )
( تاج الرسالة ختمها وقوامها ... وعمادها السامي على النطراء )
( لولاه للأفلاك ما لاحت بها ... شهب تنير دياجي الظلماء )
( ذو المعجزات الغر والآي الألى ... أكبرن عن عد وعن إحصاء )
( وكفاك رد الشمس بعد مغيبها ... وكفاك ما قد جاء في الإسراء )
( والبدر شق له وكم من آية ... كأنامل جاءت بنبع الماء )
( وبليلة الميلاد كم من رحمة ... نشر الإله بها ومن نعماء )
( قد بشر الرسل الكرام ببعثه ... وتقدم الكهان بالأنباء )
( أكرم بها بشرى على قدم سرت ... في الكون كالأرواح في الأعضاء )
( أمسى بها الإسلام يشرق نوره ... والكفر أصبح فاحم الأرجاء )
( هو آية الله التي أنوارها ... تجلو ظلام الشك أي جلاء )
( والشمس لا تخفى مزية فضلها ... إلا على ذي المقلة العمياء )
( يا مصطفى والكون لم تعلق به ... من بعد أيدي الخلق والإنشاء )
( يا مظهر الحق الجلي ومطلع ال ... السني الساطع الأضواء )
( يا ملجأ الخلق المشفع فيهم ... يا رحمة الأموات والأحياء )
( يا آسي المرضى ومنتجع الرضى ... ومواسي الأيتام والضعفاء )

( أشكو إليك وأنت خير مؤمل ... داء الذنوب وفي يديك دوائي )
( إني مددت يدي إليك تضرعا ... حاشا وكلا أن يخيب رجائي )
( إن كنت لم أخلص إليك فإنما ... خلصت إليك محبتي وندائي )
( وبسعد مولاي الإمام محمد ... تعد الأماني أن يتاح لقائي )
( ظل الإله على البلاد وأهلها ... فخر الملوك السادة الخلفاء )
( غوث العباد وليث مشتجر القنا ... يوم الطعان وفارج الغماء )
( كالدهر في سطواته وسماحه ... تجري صباه بزعزع ورخاء )
( رقت سجاياه وراقت مجتلى ... كالنهر وسط الروضة الغناء )
( كالزهر في إيراقه والبدر في ... إشراقه والزهر في لألاء )
( يا ابن الألى إجمالهم وجمالهم ... فلق الصباح وواكف الأنواء )
( أنصار دين الله حزب رسوله ... والسابقون بحلبة العلياء )
( يا ابن الخلائف من بني نصر ومن ... حاطوا ذمار الملة السمحاء )
( من كل من تقف الملوك ببابه ... يستمطرون سحائب النعماء )
( قوم إذا قادوا الجيوش إلى الوغى ... فالرعب رائدهم إلى الأعداء )
( والعز مجلوب بكل كتيبة ... والنصر معقود بكل لواء )
( يا وارثا عنها مناقبها التي ... تسمو مراقيها على الجوزاء )
( يا فخر أندلس وعصمة أهلها ... يجزيك عنها الله خير جزاء )
( كم خضت طوع صلاحها من مهمه ... لا تهتدي فيه القطا للماء )
( تهدي بها حادي السرى بعزائم ... تهدي نجوم الأفق فضل ضياء )
( فارفع لواء الفخر غير مدافع ... واسحب ذيول العزة القعساء )
( واهنأ بمبناك السعيد فإنه ... كهف ليوم مشورة وعطاء )

( لله منه هالة قد أصبحت ... حرم العفاة مصرع الأعداء )
( تنتابها طير الرجاء فتجتني ... ثمر المنى من دوحة الآلاء )
( لله منه قبة مرفوعة ... دون السماء تفوت لحظ الرائي )
( راقت بدائع وشيها فكأنها ... وشي الربيع بمسقط الأنداء )
( عظمت ميلاد النبي محمد ... وشفعته بالليلة الغراء )
( أحييت ليلك ساهرا فأفدتنا ... قوت القلوب بذلك الإحياء )
( يا أيها الملك الهمام المجتبى ... فاتت علاك مدارك العقلاء )
( من لي بأن أحصي مناقبك التي ... ضاقت بهن مذاهب الفصحاء )
( وإليك مني روضة مطلولة ... أرجت أزاهرها بطيب ثناء )
( فافسح لها أكناف صفحك إنها ... بكر أتت تمشي على استحياء )
قال ابن الأحمر ومن إعذاريات ابن زمرك المحكمة نسقا ورصفا المتناهية في كل فن حسن تحلية غريبة ووصفا حسبما اقتضته ملاحظة النسبة الرفيعه مولانا رحمة الله تعالى عليه واحتفاله المناسب لعز ملكه من تعميم الخلق بالجفلى في دعواهم واستدعاء أشراف الأمم من أهل المغرب وسواهم تفننا في مكارم متعددة أيامها عن أصالة المجد معربة وإغراء لهمم الملك بما لتتميم الأنس من أوضاع مغرية ومباهاة بعرض الجيوش والكتائب للعدو الكافر وتكاثرا من مماليك دولته بالعدد الوافر مما ألجم اللسن الذكي عيا وغادر الإعذار الذنوني منسيا كافأ الله سبحانه أبوته المولوية عنا وعن آبائنا وتلقى بالقبول الكفيل بتجديد الرضوان ما يصل له من خالص دعائنا أنه منعم جواد قوله في الصنيع المختص من ذلك بمولانا الوالد قدس الله تعالى روحه وذلك سنة أربع وستين وسبعمائة

( معاذ الهوى أن أصحب القلب ساليا ... )
القصيدة وقد تقدمت بتمامها فراجعها
ثم قال ومن ذلك ما أنشد في الصنيع الثاني المخصوص بعمينا السيدين الأميرين سعد ونصر رحمة الله تعالى عليهما وأجاد في وصف الجند والجرد والطلبة وغرائب الأوضاع
( اللمحة من بارق متبسم ... أرسلته دمعا تضرج بالدم )
( وللمحة تهفو ببانات اللوى ... يهفو فؤادك عن جوانح مغرم )
( هي عادة عذرية من يوم أن ... خلق الهوى تعتاد كل متيم )
( قد كنت أعذل ذا الهوى من قبل أن ... أدري الهوى واليوم أعذل لومي )
( كم زفرة بين الجوانح ما ارتقت ... حذر الرقيب ومدمع لم يسجم )
( إن كان واشي الدمع قد كتم الهوى ... هيهات واشي السقم لما يكتم )
( ولقد أجد هواي رسم دارس ... قد كاد يخفى عن خفي توهم )
( وذكرت عهدا في حماة قد انقضى ... فأطلت فيه ترددي وتلومي )
( ولربما أشجى فؤادي عنده ... ورقاء تنفث شجوها بترنم )
( لا أجدب الله الطلول فطالما ... أشجى الفصيح بها بكاء الأعجم )
( يا زاجر الأظعان يحفزها السرى ... قف بي عليها وقفة المتلوم )
( لترى دموع العاشقين برسمها ... حمرا كحاشية الرداء المعلم )
( دمن عهدت بها الشبيبة والهوى ... سقيا لها ولعهدها المتقدم )
( وكتيبة للشوق قد جهزتها ... أغزو بها السلوان غزو مصمم )
( ورفعت فيها القلب بندا خافقا ... وأريت للعشاق فضل تهممي )
( فأنا الذي شاب الحماسة بالهوى ... لكن من أهواه ضايق مقدمي )
( فطعنت من قد القوام بأسمر ... ورميت من غنج اللحاظ بأسهم )

( يا قاتل الله الجفون فإنها ... مهما رمت لم تخط شاكلة الرمي )
( ظلمت قتيل الحب ثم تبينت ... للسقم فيها فترة المتظلم )
( يا ظبية سنحت بأكناف الحمى ... سقي الحمى صوب الغمام المسجم )
( ما ضر إذ أرسلت نظرة فاتك ... أن لو عطفت بنظرة المترحم )
( فرأيت جسما قد أصيب فؤاده ... من مقلتيك وأنت لم تتأثمي )
( ولقد خشيت بأن يقاد بجرحه ... فوهبت لحظك ما أحلك من دمي )
( كم خضت دونك من غمار مفازة ... لا تهتدي فيها الليوث لمجثم )
( والنجم يسري من دجاه بأدهم ... رحب المقلد بالثريا ملجم )
( والبدر في صفح السماء كأنه ... مرآة هند وسط لج ترتمي )
( والزهر زهر والسماء حديقة ... فتقت كمائم جنحها عن أنجم )
( والليل مربد الجوانح قد بدا ... فيه الصباح كغرة في أدهم )
( فكأنما فلق الصباح وقد بدا ... مرأى ابن نصر لاح للمتوسم )
( ملك أفاض على البسيطة عدله ... فالشاة لا تخشى اعتداء الضيغم )
( هو منتهى آمال كل موفق ... هومورد الصادي وكنز المعدم )
( لاحت مناقبه كواكب أسعد ... فرأت ملامح نوره عين العمي )
( ولقد تراءى بأسه وسماحه ... فأتى الجلال من الجمال بتوأم )
( مثل الغمام وقد تضاحك برقه ... فأفاد بين تجهم وتبسم )
( أنسى سماحة حاتم وكذاك في ... يوم اللقاء ربيعة بن مكدم )
( سير تسير النيرات بهديها ... وتعير عرف الروض طيب تنسم )
( فالبدر دونك في علا وإنارة ... والبحر دونك في ندى وتكرم )
( ولك القباب الحمر ترفع للندى ... فترى العمائم تحتها كالأنجم )
( يذكى الكباء بها كأن دخانه ... قطع السحاب بجوها المتغيم )
( ولك العوالي السمر تشرع للعدى ... فتخر صرعى لليدين وللفم )

( ولك الأيادي البيض قد طوقتها ... صيد الملوك ذوي التلاد الأقدم )
( شيم يقر الحاسدون بفضلها ... والصبح ليس ضياؤه بمكتم )
( ورث السماحة عن أبيه وجده ... فالأكرم ابن الأكرم ابن الأكرم )
( نقلوا المعالي كابرا عن كابر ... كالرمح مطرد الكعوب مقوم )
( وتسنموا رتب العلاء بحقها ... ما بين جد في الخلافة وابنم )
( يا آل نصر أنتم سرج الهدى ... في كل خطب قد تجهم مظلم )
( الفاتحون لكل صعب مقفل ... والفارجون لكل خطب مبهم )
( والباسمون إذا الكماة عوابس ... والمقدمون على السواد الأعظم )
( أبناء أنصار النبي وحزبه ... وذوي السوابق والجوار الأعصم )
( سل عنهم أحدا وبدرا تلقهم ... أهل الغناء بها وأهل المغنم )
( وبفتح مكة كم لهم في يومه ... بلواء خير الخلق من متقدم )
( أقسمت بالحرم الأمين ومكة ... والركن والبيت العتيق وزمزم )
( لولا مآثرهم وفضل علاهم ... ما كان يعزى الفضل للمتقدم )
( ماذا عسى أثني وقد أثنت على ... عليائهم آي الكتاب المحكم )
( يا وارثا عنها مآثرها التي ... قد شيدت للفخر أشرف معلم )
( يا فخر أندلس لقد مدت إلى ... علياك كف االلائذ المستعصم )
( أماسعودك في الوغى فتكفلت ... بسلامة الإسلام فاخلد واسلم )
( وافيت هذا الثغر وهو على شفا ... فشفيت معضل دائه المستحكم )
( ورعيته بسياسة دارت على ... مختطه دور السوار بمعصم )
( كم ليلة قد بت فيها ساهرا ... تهدي الأمان إلى العيون النوم )
( يا مظهر الألطاف وهي خفية ... ومهب ريح النصر للمتنسم )
( لله دولتك التي آثارها ... سيرالركاب لمنجد أو متهم )
( ما بعد يومك في المواسم بعدما ... أتبعت عيد الفطر أكرم موسم )

( وافتك أشراف البلاد ليومه ... من كل ندب للعلا متسنم )
( صرفوا إليك ركابهم وتيمموا ... من بابك المنتاب خير ميمم )
( وتبوأوا منه بدار كرامة ... فالكل بين مقرب ومنعم )
( ودت نجوم الأفق لو مثلت به ... لتفوز فيه برتبة المستخدم )
( والروض مختال بحلية سندس ... من كل موشي الرقوم منمنم )
( ورياحه نسمت بنشر لطيمة ... وأقاحه بسمت بثغر ملثم )
( وأريتنا فيه عجائب جمة ... لم تجر في خلد ولم تتوهم )
( أرسلت سرعان الجياد كأنها ... أسراب طير في التنوفة حوم )
( من كل منحفز بخطفة بارق ... قد كاد يسبق لمحة المتوهم )
( طرف يشك الطرف في استثباته ... فكأنه ظن بصدر مرجم )
( ومسافر في الجو تحسب أنه ... يرقى إلى أوج السماء بسلم )
( رام استراق السمع وهو ممنع ... فأصيب من قضب العصي بأسهم )
( رجمته من شهب النصال حواصب ... لولا تعرضه لها لم يرجم )
( ومداره الأفلاك أعجز كنهها ... إبداع كل مهندس ومهندم )
( يمشي الرجال بجوفها وجميعهم ... عن مستوى قدميه لم يتقدم )
( ومنوع الحركات قد ركب الهوا ... يمشي على خط به متوهم )
( فإذا هوى من جوه ثم استوى ... أبصرت طيرا حول صورة آدم )

( يمشي على فتن الرشاء كأنه ... فيه مساور ذابل أو أرقم )
( وإليك من صون العقول عقيلة ... وقفت ببابك وقفة المسترحم )
( ترجو قبولك وهو أكبر منحة ... فاسمح به خلدت من متكرم )
( طاردت فيها وصف كل غريبة ... فنظمت شارده الذي لم ينظم )
( ودعوت أرباب البيان أريهم ... كم غادر الشعراء من متردم )
( ما ذاك إلا بعض أنعمك التي ... قد علمتنا كيف شكر المنعم )
ثم قال وأنشد من ذلك في الصنيع المخصوص بعمنا الأمير أبي عبد الله رحمة الله تعالى عليه وأطنب في وصف دار الملك وغير ذلك من ضخامة آثار مولانا رضي الله تعالى عنه
( سل الأفق بالزهر الكواكب حاليا ... فإني قد أودعته شرح حاليا )
( وحملت معتل النسيم أمانة ... قطعت بها عمر الزمان أمانيا )
( فيا من رأى الأرواح وهي ضعيفة ... أحملها ما يستخف الرواسيا )
( وساوس كم جدت وجد بي الهوى ... فعد به القلب المقلب هازيا )
( ومن يطع الألحاظ في شرعة الهوى ... فلا بد أن يعصي نصيحا ولاحيا )
( عدلت بقلبي عن ولاية حكمه ... غداة ارتضى من جائر اللحظ واليا )
( وما الحب إلا نظرة تبعث الهوى ... وتعقب ما يعيي الطبيب المداويا )
( فيا عجبا للعين تمشي طليقة ... ويصبح من جرائها القلب عانيا )
( ألا في سبيل الله نفس نفيسة ... يرخص منها الحب ما كان غاليا )
( ويا رب عهد للشباب قضيته ... وأحسنت من دين الوصال التقاضيا )
( خلوت بمن أهواه من غير رقبة ... ولكن عفافي لم أكن عنه خاليا )

( ويوم بمستن الظباء شهدته ... أجد وصالا باليا فيه باليا )
( ولم أصح من خمر اللحاظ وقد غدا ... به الجو وضاح الأسرة صاحيا )
( وجرد من غمد الغمامة صارما ... من البرق مصقول الصفيح يمانيا )
( تبسم فاستبكى جفوني غمرة ... ملأت بدر الدمع منها ردائيا )
( وأذكرني ثغرا ظمئت لورده ... ولا والهوى العذري ما كنت ناسيا )
( وراح خفوق القلب مثلي كأنما ... ببرق الحمى من لوعة الحب ما بيا )
( وليلة بات البدر فيها مضاجعي ... وباتت عيون الشهب نحوي روانيا )
( كرعت بها بين العذيب وبارق ... بمورد ثغر بات بالدر حاليا )
( رشفت به شهد الرضاب سلافة ... وقبلت في ماء النعيم الأقاحيا )
( فيا برد ذاك الثغر رويت غلتي ... ويا حر أنفاسي أذبت فؤاديا )
( وروضة حسن للشباب نضيرة ... هصرت بغصن البان فيها المجانيا )
( وبت أسقي وردة الخد أدمعي ... فأصبح فيها نرجس اللحظ ذاويا )
( ومالت بقلبي مائلات قدودها ... فما للقدود المائلات وما ليا )
( جزى الله ذاك العهد عودا فطالما ... أعاد على ربعي الظباء الجوازيا )
( وقل لليال في الشباب نعمتها ... وقضيتها أنسا سقيت لياليا )
( ويا واديا رفت علي ظلاله ... ونحن ندير الوصل قدست واديا )
( رمتني عيون السرب فيه وإنما ... رمين بقلبي في الغرام المراميا )
( فلولا اعتصامي بالأمير محمد ... لما كنت من فتك اللواحظ ناجيا )
( فقل للذي يبني على الحسن شعره ... عليه مع الإحسان لا زلت بانيا )
( فكم من شكاة في الهوى قد رفأتها ... ورفعتها بالمدح إذ جاء تاليا )

( وكم ليلة في مدحه قد سهرتها ... أباهي بدر النظم فيه الدراريا )
( ولاح عمود الصبح مثل انتسابه ... رفعت عليه للمديح المبانيا )
( إمام أفاد المكرمات زمانه ... وشاد له فوق النجوم المعاليا )
( وجاوز قدر البدر نورا ورفعة ... ولم يرض إلا بالكمال مواليا )
( هو الشمس بثت في البسيطة نفعها ... وأنوارها أهدت قريبا وقاصيا )
( هو البحر بالإحسان يزخر موجه ... ولكنه عذب لمن جاء عافيا )
( هو الغيث مهما يمسك الغيث سحبه ... يرو بسحب الجود من كان صاديا )
( شمائل لو أن الرياض بحسنها ... لما صار فيها زهرها الغض ذاويا )
( فيا ابن الملوك الصيد من آل خزرج ... وذا نسب كالصبح عز مساميا )
( ألست الذي ترجو العفاة نواله ... فتخجل جدواه السحاب الغواديا )
( ألست الذي تخشى البغاة صياله ... فتوجل علياه الصعاب العواديا )
( وهديك مهما ضلت الشهب قصدها ... تولته في جنح الدجنة هاديا )
( وعزمك أمضى من حسامك في الوغى ... وإن كان مصقول الغرارين ماضيا )
( فكم قادح في الدين يكفر ربه ... قدحت له زند الحفيظة واريا )
( وما راعة إلا حسام وعزمة ... يضيئان في ليل الخطوب الدواجيا )
( فلولاك يا شمس الخلافة لم يبن ... سبيل جهاد كان من قبل خافيا )
( ولولاك لم ترفع سماء عجاجة ... تلوح بها بيض النصول دراريا )
( ولولاك لم تنهل غصون من القنا ... وكانت إلى ورد الدماء صواديا )
( فأثمر فيها النصل نصرا مؤزرا ... وأجنى قطاف الفتح غضا ودانيا )
( ومهما غدا سفاح سيفك عاريا ... يغادر وجه الأرض بالدم كاسيا )

( قضى الله من فوق السموات أنه ... على من أبى الإسلام في الأرض قاضيا )
( فكم معقل للكفر صبحت أهله ... بجيش أعاد الصبح أظلم داجيا )
( رقيت إليه والسيوف مشيحة ... قد بلغت فيه النفوس التراقيا )
( ففتحت مرقاه الممنع عنوة ... وبات به التوحيد يعلو مناديا )
( وناقوسه بالقسر أمسى معطلا ... ومنبره بالذكر أصبح حاليا )
( عجائب لم تخطر ببال وإنما ... ظفرنا بها عن همة هي ما هيا )
( فمنك استفاد الدهر كل عجيبة ... يباهي بها الأملاك أخرى لياليا )
( وعنك يروي الناس كل غريبة ... تخط على صفح الزمان الأماليا )
( ولله مبناك الجميل فإنه ... يفوق على حكم السعود المبانيا )
( فكم فيه الأبصار من متنزه ... تجد به نفس الحليم الأمانيا )
( وتهوى النجوم الزهر لو ثبتت به ... ولم تك في أفق السماء جواريا )
( ولو مثلت في سابقيه لسابقت ... إلى خدمة ترضيك منها الجواريا )
( به البهو قد حاز البهاء وقد غدا ... به القصر آفاق السماء مباهيا )
( وكم حلة جللته بحليها ... من الوشي تنسي السابري اليمانيا )
( وكم من قسي في ذراه ترفعت ... على عمد بالنور باتت حواليا )
( فتحسبها الأفلاك دارت قسيها ... تظل عمود الصبح إذ بات باديا )
( سواري قد جاءت بكل غريبة ... فطارت بها الأمثال تجري سواريا )
( به المرمر المجلو قد شف نوره ... فيجلو من الظلماء ما كان داجيا )
( إذا ما أضاءت بالشعاع تخالها ... على عظم الأجرام منها لآليا )
( به البحر دفاع العباب تخاله ... إذا ما انبرى وفد النسيم مباريا )
( إذا ما جلت أيدي الصبا متن صفحه ... أرتنا دروعا أكسبتنا الأياديا )

( وراقصة في البحر طوع عنانها ... تراجع ألحان القيان الأغانيا )
( إذا ما علت في الجو ثم تحدرت ... تحلي بمرفض الجمان النواحيا )
( بذوب لجين سال بين جواهر ... غدا مثلها في الحسن أبيض صافيا )
( تشابه جار للعيون بجامد ... فلم أدر أيا منهما كان جاريا )
( فإن شئت تشبيها له عن حقيقة ... تصيب بها المرمى وبوركت راميا )
( فقل أرقصت منها البحيرة متنها ... كما يرقص المولود من كان لاهيا )
( أرتنا طباع الجود وهي وليدة ... ولم ترض في الإحسان إلا تغاليا )
( سقت ثغر زهر الروض عذب برودها ... وقامت لكي تهدي إلى الدهر ساقيا )
( كأن قد رأت نهر المجرة ناضبا ... فرامت بأن تجري إليه السواقيا )
( وقامت بنات الدوح فيه مواثلا ... فرادى ويتلو بعضهن مثانيا )
( رواضع في حجر الغرام ترعرعت ... وشبت فشبت حبها في فؤاديا )
( بها كل ملتف الغدائر مسبل ... تجيل به أيدي النسيم مداريا )
( وأشرف جيد الغصن فيها معطلا ... فقلدت النوار منه التراقيا )
( إذا ما تحلت در زهر غروسه ... يبيت لها النمام بالطيب واشيا )
( مصارفة النقدين فيها بمثلها ... أجاز بها النقدين منها كما هيا )
( فإن ملأت كف النسيم بمثلها ... دراهم نور ظل عنها مكافيا )
( فيملأ حجر الروض حول غصونها ... دنانير شمس تترك الروض حاليا )
( تغرد في أفنانها الطير كلما ... تجس به أيدي القيان الملاهيا )
( تراجعها سجعا فتحسب أنها ... بأصواتها تملي عليها الأغانيا )

( فلم ندر روضا منه أنعم نضرة ... وأعطر أرجاء وأحلى مجانيا )
( ولم نر قصيرا منه أعلى مظاهرا ... وأرفع آفاقا وأفسح ناديا )
( معاني من نفس الكمال انتقيتها ... وزينت منها بالجمال المغانيا )
( وفاتحت مبناه بعيد شرعته ... تبث به في الخافقين التهانيا )
( ولما دعوت الناس نحو صنيعه ... أجابوا لهم من جانب الغور داعيا )
( وأموه من أقصى البلاد تقربا ... وما زال منك السعد يدني الأقاصيا )
( وأذكرت يوم العرض جودا ومنعة ... بموقف عرض كنت فيه المجازيا )
( جزيت به كلا على حال سعيه ... فما غرست يمناه اصبح جانيا )
( وأطلعت من جزل الوقود هوادجا ... تذكر يوم النفر من كان ساهيا )
( وحين غدا يذكي ببابك للقرى ... فلا غرو أن أجريت فيه المذاكيا )
( وطامحة في الجو غير مطالة ... يرد مداها الطرف أحسر عانيا )
( تمد لها الجوزاء كف مسارع ... ويدنو لها بدر السماء مناجيا )
( ولاعجب أن فاتت الشهب بالعلا ... وأن جاوزت منها المدى المتناهيا )
( فبين يدي مثواك قامت لخدمة ... ومن خدم الأعلى استفاد المعاليا )
( وشاهد ذا أني ببابك واقف ... وقد حسدت زهر النجوم مكانيا )
( وقد أرضعت ثدي الغمائم قبلها ... بحجر رياض كن فيه نواشيا )
( فلما أبينت عن قراره أصلها ... أرادت إلى مرقى الغمام تعاليا )
( وعدت لقاء السحب عيدا وموسما ... لذاك اغتدت بالزمر تلهي الغواديا )
( فأضحكت البرق الطروب خلالها ... وباتت لأكواس الدراري معاطيا )
( رأت نفسها طالت فظنت بأنها ... تفوت على رغم اللحاق المراميا )

( فخفت إليها الذابلات كأنها ... طيور إلى وكر أطلن تهاويا )
( حكت شبها للنحل والنحل حوله ... عصي إلى مثواه تهوي عواليا )
( فمن مثبت منها الرمية مدرك ... ومن طائش في الجو حلق وانيا )
( وحصن منيع في ذراها قد ارتقى ... فأبعد في الجو الفضاء المراقيا )
( كأن بروق الجو غارت وقد أرت ... بروج قصور شدتهن سواميا )
( فأنشأت برجا صاعدا متنزلا ... يكون رسولا بينهن مداريا )
( تطور حالات أتى في ضروبها ... بأنواع حلي تستفز الغوانيا )
( فحجل برجليها وشاح بخصرها ... وتاج إلى ما حل منها الأعاليا )
( وما هو إلا طير سعد بذروة ... غدا زاجرا من أشهب الصبح بازيا )
( أمولاي يا فخر الملوك ومن به ... سيبلغ دين الله ما كان راجيا )
( بنوك على حكم السعادة خمسة ... وذا عدد للعين ما زال واقيا )
( تبيت لهم كف الثريا معيذة ... ويصبح معتل النواسم راقيا )
( أسام عليها للسعادة ميسم ... ترى العز فيها مستكنا وباديا )
( جعلت أبا الحجاج فاح طرسهم ... وقد عرفت منك الفتوح التواليا )
( وحسبك سعد ثم نصر يليهم ... محمد الأرضى فلا زلت راضيا )
( أقمت به من فطرة الدين سنة ... وجددت من رسم الهداية عافيا )
( وجاءوا به ملء العيون وسامة ... يقبل وجه الأرض أزهر باهيا )
( فيا عاذرا ما كان أجرا مثله فمثلك لا يدمي الأسود الضواريا )
( وجاءتك من مصر التحايا كرائما ... فما فتقت أيدي التجار الغواليا )

( ووافتك من أرض الحجاز تميمة ... تتمم صنع الله لا زال باديا )
( وناداك بالتمويل سلطان طيبة ... فيا طيب ما أهدى إليك مناديا )
( وقام وقد وافى ضريح محمد ... لسلطانك الأعلى هنالك داعيا )
( سريرتك الرحمى جزاك بسعيها ... إله يوفي بالجزاء المساعيا )
( فوالله لولا سنة نبوية ... عهدناه مهديا إليها وهاديا )
( وعذر من الإعذار قرر حكمه ... من الشرع أخبار رفعن عواليا )
( لراعت بها للحرب أهوال موقف ... تشيب بمبيض النصول العواليا )
( لك الحمد فيه من صنيع تعده ... فثالثه في الفخر عزز ثانيا )
( تشد له الجوزاء عقد نطاقها ... لتخدم فيه كي تنال المعاليا )
( وهنيت بالأمداح فيه وقد غدا ... وجودك فيه بالإجادة وافيا )
( ودونك من بحر البيان جواهرا ... كرمن فما يشرين إلا غواليا )
( وطاردت فيها وصف كل غريبة ... فأعجزت من يأتي ومن كان ماضيا )
( فيا وارث الأنصار لا عن كلالة ... تراث جلال يستخف الرواسيا )
( بأمداحه جاء الكتاب مفصلا ... يرتله في الذكر من كان تاليا )
( لقد عرف الإسلام مما أفدته ... مكارم أنصارية وأياديا )
( عليك سلام الله فاسلم مخلدا ... تجدد أعيادا وتبلي أعاديا )
ثم قال ومن ذلك في الصنيع المختص بالأمراء الجلة أخينا المعز لدولتنا أبي الحسن وأخينا أبي العباس وابن عمنا أبي عبد الله وصل الله تعالى سعودهم
ولقد ابدع في تشييده وتأسيسه وبسط يد الحسن من براعته وتخميسه وذلك

على ذكر عودة مولانا رحمة الله تعالى عليه من سبتة لما عادت إلى ملكه
( أرقت لبرق مثل جفني ساهرا ... ينظم من قطر الغمام جواهرا )
( فيبسم ثغر الروض قد عنه أزاهرا ... وصبح حكى وجه الخليفة باهرا )
( تجسم من نور الهدى وتجسدا ... )
( شفاني معتل النسيم إذا انبرى ... وأسند عن دمعي الحديث الذي جرى )
( وقد فتق الأرجاء مسكا وعنبرا ... كأن الغني بالله في الروض قد سرى )
( فهبت به الأرواح عاطرة الردا ... )
( عذيري من قلب إلى الحسن قد صبا ... تهيجه الذكرى ويصبو إلى الصبا )
( ويجري جياداللهو في ملعب الصبا ... ولولا ابن نصر ما أفاق وأعتبا )
( رأى وجهه صبح الهداية فاهتدى ... )
( إليك أمير المسلمين شكاية ... جنى الحسن فيها للقلوب جناية )
( وأعظم فيها بالعيون نكاية ... وأطلع في ليل من الشعر آية )
( محيا جميلا بالصباح قد ارتدى ... )
( بهديك تهدى النيرات وتهتدي ... وأنواؤها جدوى يمينك تجتدي )
( وعدلك للأملاك أوضح مرشد ... بآثاره في مشكل الأمر تقتدي )
( فما بال سلطان الجمال قد اعتدى ... )
( نحكم منا في نفوس ضعيفة ... وسل سيوفا من جفون نحيفة )
( ألم يدر أنا في ظلال خليفة ... ودولة أمن لا تراع منيفة )
( بها قد رسا دين الهوى وتمهدا ... )

( خذوا بدم المشتاق لحظا أراقه ... وبرقا بأعلام الثنية شاقه )
( وإن كلفوه فوق ما قد أطاقه ... يبث حديثاما ألذ مساقه )
( خليفتنا المولى الإمام محمدا ... )
( تقلد حكم العدل دينا ومذهبا ... وجور الليالي قد أزاح وأذهبا )
( فيا عجبا للشوق أذكى وألهبا ... وسل صباحا صارم البرق مذهبا )
( وقد بات في جفن الغمامة مغمدا ... )
( يذكرني ثغرا لأسماء أشنبا ... إذا ابتسمت تجلو من الليل غيهبا )
( كعزم أمير المسلمين إذا احتبى ... وأجرى به طرفا من الصبح أشهبا )
( وأصدر في ذات الإله وأوردا ... )
( فسبحان من أجرى الرياح بنصره ... وعطر أنفاس الرياض بشكره )
( فبرد الصبا يطوى على طيب نشره ... ومهما تجلى وجهه وسط قصره )
( ترى هالة بدر السماء بها بدا ... )
( إمام أفاد المعلوات زمانه ... فما لحقت زهر النجوم مكانه )
( ومد على شرق وغرب أمانه ... ولا عيب فيه غير أن بنانه )
( تغرق مستجديه في أبحر الندى ... )
( هو البحر مد العارض المتهللا ... هو البدر لكن لا يزال مكملا )
( هو الدهر لا يخشى الخطوب ولا ولا ... هو العلم الخفاق في هضبة العلا )
( هو الصارم المشهور في نصره الهدى )
( أماوالذي أعطى الوجود وجوده ... وأوسع من فوق البسيطة جوده )
( لقد أصحب النصر العزيز بنوده ... ومد بأملاك السماء جنوده )
( وأنجز للإسلام بالنصر موعدا ... )

( أمولاي قد أنجحت رأيا وراية ... ولم تبق في سبق المكارم غاية )
( فتهدي سجايا كابن رشد نهاية ... وإن كان هذا السعد منك بداية )
( سيبقى على مر الزمان مخلدا ... )
( سعودك تغني عن قراع الكتائب ... وجودك يزري بالغمام السواكب )
( ووإن زاحمتها شهبها بالمناكب ... ووجهك بدر المنتدى والمواكب )
( وقد فسحت في الفخر أبناؤك المدى ... )
( بنوك كأمثال الأنامل عدة ... أعدت لما يخشى من الدهر عدة )
( وزيد بهم برد الخلافة جدة ... أطال لهم في ظل ملكك مدة )
( إله يطيل العمر منك مؤبدا ... )
( بدور بأوصاف الكمال استقلت ... غمام بفياض النوال استهلت )
( سيوف على الأعداء بالنصر سلت ... نجوم بآفاق العلاء تجلت )
( ولاحت كما شاءت سعودك اسعدا ... )
( وإن أبا الحجاج سيفك منتضى ... وبدر بآفاق الجمال تعرضا )
( بنورك يا شمس الخلافة قد أضا ... وراقت على أعطافه حلل الرضى )
( فحل محلا من علاك ممهدا ... )
( مليك له تعنو الملوك جلالة ... يجرر أذيال الفخار مطالة )
( وتفرق أسد الغاب منه بسالة ... وترضاه أنصار الرسول سلالة )
( فأبناؤه طابوا فروعا ومحتدا ... )
( أزاهر في روض الخلافة أينعت ... زواهر في أفق العلاء تطلعت )

( جواهر أغيت في الجمال وأبدعت ... وعن قيمة الأعلاق قدرا ترفعت )
( يسر بها الإسلام غيبا ومشهدا ... )
( بعهد ولي العهد كرم عهده ... وأنجز في تخليد ملكك وعده )
( تنظم منهم تحت شملك عقده ... وأورثهم فخرا أبوه وجده )
( فأعلى عليا حين أحمد أحمدا ... )
( تحوط بهم ملكا عزيزا وملة ... وتلحظ عين السعد منهم أهلة )
( ستبدو على أفق العلا مستقلة ... وسحبا بفياض العلا مستهلة )
( تفجر بحرا للسماحة مزبدا ... )
( ونجلك نصر يقتفي نجل رسمه ... أمير يزين العقل راجح حلمه )
( أتاك بنجل يستضاء بنجمه ... لحب رسول الله سماه باسمه )
( وباسمك في هذي الموافقة اقتدى ... )
( أقمت بإعذار الإمارة سنة ... وطوقت من حلي بفخرك منة )
( وأسكنتها في ظل برك جنة ... وألحفتها برد امتنانك جنة )
( وعمرت منها بالتلاوة مسجدا ... )
( فلله عينا من رآهم تطلعوا ... غصونا بروض الجود منك ترعرعوا )
( وفي دوحة العلياء منك تفرعوا ... ملوك بجلباب الحياء تقنعوا )
( أضاء بهم من أفق قصرك منتدى ... )
( وقد أشعروا الصبر الجميل نفوسهم ... وأضفوا به فوق الحلي لبوسهم )
( وقد زينوا بالبشر فيه شموسهم ... وعاطوا كؤوس الأنس فيه جليسهم )
( وأبدوا على هول المقام تجلدا ... )

( شمائل فيهم من أبيهم وجدهم ... تفصل آي الفخر فيها بحمدهم )
( وتنسبها الأنصار قدما لسعدهم ... تضيء بها نورا مصابيح سعدهم )
( ولم لا ومن صحب الرسول توقدا ... )
( فوالله لولا سنة قد أقمتها ... وسيرة هدي للنبي علمتها )
( وأحكام عدل للجنود رسمتها ... لجالت بها الأبطال تقصد سمتها )
( وتترك أوصال الوشيج مقصدا ... )
( ويا عاذرا أبدى لنا الشرع عذره ... طرقت حمى قد عظم الله قدره )
( وأجريت طيبا يحسد الطيب نشره ... لقذ جئت ما تستعظم الصيد أمره )
( وتفديه إن يقبل خليفتها فدا ... )
( رعى الله منها دعوة مستجابة ... أفادت نفوس المخلصين إنابة )
( ولم تلف من دون القبول حجابة ... وعاذرها لم يبد عذرا مهابة )
( فأوجب عن نقص كمالا تزيدا ... )
( فنقص كمال المال وفر نصابه ... وما السيف إلا بعد مشق ذبابه )
( وما الزهر إلا بعد شق إهابه ... بقطع يراع الخط حسن كتابه )
( وبالقص يزداد الذبال توقدا ... )
( ولما قضوا من سنة الشرع واجبا ... ولم نلق من دون الخلافة حاجبا )
( أفضنا نهني منك جذلان واهبا ... أفاض علينا أنعما ومواهبا )
( تعود بذل الجود فيما تعودا ... )
( هنيئا هنيئا قد بلغت مؤملا ... وأطلعت نورا يبهر المتأملا )

( وأحرزت أجر المنعمين مكملا ... تبارك من أعطى جزيلا وأجملا )
( وبلغ فيك الدين والملك مقصدا ... )
( ألا في سبيل العز والفخر موسم ... يظل به ثغر المسرة يبسم )
( وعرف الرضى من جوه يتنسم ... وأرزاق أرباب السعادة تقسم )
( ففي وصفه ذهن الذكي تبلدا ... )
( وجللت في هذا الصنيع مصانعا ... تمنى بدور التم منها مطالعا )
( وأبديت فيها للجمال بدائعا ... وأجريت للإحسان فيها مشارعا )
( يود بها نهر المجرة موردا )
( وأجريت فيها الخيل وهي سوابق ... وإن طلبت في الروع فهي لواحق )
( نجوم وآفاق الطراد مشارق ... يفوت التماح الطرف منها بوارق )
( إذا ما تجاري الشهب تستبق المدى ... )
( وتطلع في ليل القتام كواكبا ... وقد وردت نهر النهار مشاربا )
( تقود إلى الأعداء منها كواكبا ... فترسم من فوق التراب محاربا )
( تحور رؤوس الروم فيهن سجدا ... )
( سوايح بالنصر العزيز سوانح ... وهن لأبواب الفتوح فواتح )
( تقود إليك النصر والله مانح ... فما زلت باب الخير والله فاتح )
( وما تم شيء قد عدا بعد ما بدا ... )
( رياح لها مثنى البروق أعنة ... ظباء فإن جن الظلام فجنة )
( تقيها من البدر المتمم جنة ... وتشرع من زهر النجوم أسنة )
( فتقذف شهب الرجم في أثغر العدا ... )

( فأشهب من نسل الوجيه إذا انتمى ... جرى فشأى شهب الكواكب في السما )
( وخلف منها في المقلد أنجما ... تردى جمالا بالصباح وربما )
( يقول له الإصباح نفسي لك الفدا ... )
( وأحمر قد أذكى به البأس جمرة ... وقد سلب الياقوت والورد حمرة )
( أدار به ساق من الحرب خمرة ... وأبدى حبابا فوقها الحسن غرة )
( يزين بها خدا أسيلا موردا ... )
( وأشقر مهما شعشع الركض برقه ... أعار جواد البرق في الأفق سبقه )
( بدا شفقا قد جلل الحسن أفقه ... ألم تر أن ألله أبدع خلقه )
( فسال على أعطافه الحسن عسجدا ... )
( وأصفر قد ود الأصيل جماله ... وقد قد من برد العشي جلاله ( إذا أسرجوا جنح الظلام ذباله ... فغرته شمس تضيء مجاله )
( وفي ذيله ذيل الظلام قد ارتدى ... )
( وأدهم في مسح الدجى متجرد ... يجيش بها بحر من الليل مزبد )
( وغرته نجم به تتوقد ... له البدر سرج والنجوم مقلد )
( وفي فلق الصبح المبين تقيدا ... )
( وأبيض كالقرطاس لاح صباحه ... على الحسن مغداه وفيه مراحه )
( وللظبيات الآنسات مراحه ... تراه كنشوان أمالته راحه )
( وتحسبه وسط الجمال معربدا ... )

( وذاهبة في الجو ملء عنانها ... وقد لفعتها السحب برد عنانها )
( يفوت ارتداد الطرف لمح عيانها ... وختمت الجوزاء سبط بنانها )
( وصاغت لها حلي النجوم مقيدا ... )
( أراها عمود الصبح علو المصاعد ... وأوهمها قرب المدى المتباعد )
( ففاتته سببقا في مجال الرواعد ... وأتحفت الكف الخضيب بساعد )
( فطوقت الزهر النجوم بها يدا ... )
( وقد قذفتها للعصي حواصب ... قد انتشرت في الجو منها ذوائب )
( تزاور منها في الفضاء حبائب ... فبينهما من قبل ذاك مناسب )
( لأنهما في الروض قبل تولدا ... )
( بنات لأم قد حبين لروحها ... دعاها الهوى من بعد كتم لبوحها )
( فأقلامها تهوي لخط بلوحها ... فبالأمس كانت بعض أغصان دوحها )
( فعادت إليها اليوم من بعد عودا ... )
( ويا رب حصن في ذراها قد اعتلى ... أنارت بروج الأفق في مظهر العلا )
( بروج قصور شدتها متطولا ... فأنشأت برجا صاعدا متنزلا )
( يكون رسولا بينهما مترددا ... )
( وهل هي إلا هالة حول بدرها ... يصوغ لها حليا يليق بنحرها )
( تطور أنواعا تشيد بفخرها ... فحجل برجليها وشاح بخصرها )
( وتاج بأعلى رأسها قد تنضدا ... )

( أراد استراق السمع وهو ممنع ... فقام بأذياك الدجى يتلفع )
( وأصغى لأخبار السما يتسمع ... فأتبعه منها ذوابل شرع )
( لتقذفه بالرعب مثنى وموحدا ... )
( وما هو إلا قائم مد كفه ... ليسأل من رب السموات لطفه )
( لمولى تولاه وأحكم رصفه ... وكلف أرباب البلاغة وصفه )
( وأكرم منه القانت المتهجدا ... )
( ملاقي ركب من وفود النواسم ... مقبل ثغر للبروق البواسم )
( مختم كف بالنجوم العواتم ... مبلغ قصد من حضور المواسم )
( تجدده مهما صنيع تجددا ... )
( ومضطرب في الجو أثبت قامة ... تقدم يمشي في الهواء كرامة )
( تطلع في غصن الرشاء كمامة ... وتحسبه تحت الغمام غمامة )
( يسيل على أعطافها عرق الندى ... )
( هوى واستوى في حالة وتقلبا ... كخاطف برق قد تألق خلبا )
( وتحسبه قد دار في الأفق كوكبا ... ومهما مشى واستوقف العقل معجبا )
( تقلب فيه العين لحظا مرددا ... )
( لقد رام يرقى للسماء بسلم ... فيمشي على خط به متوهم )
( أجل في الذي يبديه فكر توسم ... ترى طائرا قد حل صورة آدمي )
( وجنا بمهواة الفضاء تمردا ... )
( ومنتسب للخال سموه ملجما ... له حكمات حكمها فاه ألجما )
( تخالف جنسا والداه إذا انتمى ... كما جنسه أيضا تخالف عنهما )
( عجبت له إذ لم يلد وتولدا ... )

( ثلاثتها في الذكر جاءت مبينة ... من اللاء سماها لنا الله زينة )
( وأنزل فيها آية مستبينة ... وأودع فيها للجهول سكينة )
( وآلاءه فيها على الخلق بددا ... )
( كسوه من الوشي اليماني هودجا ... يمد على ما فوقه الظل سجسجا )
( وكم صورة تجلى به تبهر الحجى ... وجزل وقود ناره تصدع الدجى )
( وقلب حسود غاظ مذكيه موقدا ... )
( وما هي إلا مظهر لجهاده ... أرتنا بها الأفراح فضل اجتهاده )
( ملاعبها هزت قدود صعاده ... وأذكرت الأبطال يوم طراده ) ( فما ارتبت فيه اليوم صدقته غدا ... )
( ألا جدد الرحمن صنعا حضرته ... ودوح الأماني في ذراه هصرته )
( بقصر طويل الوصف فيه اختصرته ... يقيد طرف الطرف مهما نظرته )
( ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا ... )
( دعوت له الأشراف من كل بلدة ... فجاءوا بآمال لهم مستجدة )
( وخصوا بألطاف لديه معدة ... أياد بفياض الندى مستمدة )
( فكلهم من فضله قد تزودا ... )
( وجاءتك من آل النبي عصابة ... لها في مرامي المكرمات إصابة )
( أحبتك حبا ليس فيه استرابة ... ولبت دواعي الفوز منها إجابة )
( وناداهم التخصيص فابتدروا الندا ... )
( أجازوا إليك البحر والبحر يزخر ... لبحر سماح مده ليس يجزر )

( فرواهم من عذب جودك كوثر ... وواليت من نعماك ما ليس يحصر )
( وعظمتهم ترجو النبي محمدا ... )
( عليه صلاة الله ثم سلامه ... به طاب من هذا النظام اختتامه )
( وجاء بحمد الله حلوا كلامه ... يعز على أهل البيان مرامه )
( وتمسي له زهر الكواكب حسدا ... )
( أبث به حادي الركاب مشرقا ... حديث جهاد للنفوس مشوقا )
( رميت به من بالعراق مفوقا ...
( وأرسلت منه بالبديع مطوقا )
( حماما على دوح الثناء مغردا ... )
( ركضت به خيل البيان إلى مدى ... فأحرزت خصل السبق في حلبة الهدى )
( ونظمت من نظم الدراري مقلدا ... وطوقت جيد الفخر عقدا منضدا )
( وقمت به بين السماطين منشدا ... )
( نسقت من الإحسان فيه فرائدا ... وأرسلت في روض المحاسن رائدا )
( وقلدت عطف الملك منه قلائدا ... تعودت فيه للقبول عوائدا )
( فلا زلت للفعل الجميل معودا ... )
( ولا زلت للصنع الجميل مجددا ... ولا زلت للفخر العظيم مخلدا )
( وعمرت عمرا لا يزال مجددا ... وعمرت بالأبناء أوحد أوحدا )
( وقرت بهم عيناك ما سائق حدا ... )
وقال في عيد
( بشرى كما وضح الزمان وأجمل ... يغشى سناها كل من يتهلل )

( أبدى لها وجه النهار طلاقة ... وافتر من ثغر الأقاح مقبل )
( ومنابر الإسلام يا ملك الورى ... بحلاك أو بحليها تتكلل )
( تجلو لنا الأكوان منك محاسنا ... تروى على مر الزمان وتنقل )
( فالشمس تأخذ من جبينك نورها ... والبشر منك بوجهها يتهلل )
( والروض ينفح من ثنائك طيبه ... والورق فيه بالممادح تهدل )
( والبرق سيف من سيوفك منتضى ... والسحب تهمي من يديك وتهمل )
( يا أيها الملك الذي أوصافه ... در على جيد الزمان يفصل )
( الله أعطاك التي لا فوقها ... وحباك بالفضل الذي لا يجهل )
( وجه كما حسر الصباح نقابه ... لضيائه تعشو البدور الكمل )
( تلقاه في يوم السماحة والوغى ... والبشر في جنباته يتهلل )
( كف أبت أن لا تكف عن الندى ... أبدا فإن ضن الحيا تسترسل )
( وشمائل كالروض باكره الحيا ... وسرت برياه الصبا والشمأل )
( خلق ابن نصر في الجمال كخلقه ... ما بعدها من غاية تستكمل )
( نور على نور بأبهى منظر ... في حسنه لمؤمل ما يأمل )
( فاق الملوك بسيفه وبسيبه ... فبعدله وبفضله يتمثل )
( وإذا تطاول للعميد عميدهم ... فله عليه تطاول وتطول )
( يا آية الله التي أنوارها ... يهدى بها قصد الرشاد الضلل )
( قل للذي التبست معالم رشده ... هيهات قد وضح الطريق الأمثل )
( قد ناصح الإسلام خير خليفة ... وحمى عزيز الملك أغلب مشبل )
( فلقد ظهرت من الكمال بمستوى ... ما بعده لذوي الخلافة مأمل )

( وعناية الله اشتملت رداءها ... وعلقت منها عروة لا تفصل )
( فالجود إلا من يديك مقتر ... والغيث إلا من نداك مبخل )
( والعمر إلا تحت ظلك ضائع ... والعيش إلا في جنابك ممحل )
( حيث الجهاد قد اعتلت راياته ... حيث المغانم للعفاة تنفل )
( حيث القباب الحمر ترفع للقرى ... قد عام في أرجائهن المندل )
( يا حجة الله التي برهانها ... عز المحق به وذل المبطل )
( قل للذي ناواك يرقب يومه ... فوراءه ملك يقول ويفعل )
( والله جل جلاله إن أمهلت ... أحكامه مستدرجا لا تهمل )
( يا ناصر الإسلام وهو فريسة ... أسد الفلا من حولها تتسلل )
( يا فخر أندلس وعصمة أهلها ... لك فيهم النعمى التي لا تجهل )
( لا يهمل الله الذين رعيتهم ... فلأنت أكفى والعناية أكفل )
( لا يبعد النصر العزيز فإنه ... آوى إليك وأنت نعم الموثل )
( لولا نداك لها لما نفع الندى ... ولجف من ورد الصنائع منهل )
( لولاك كان الدين يغمط حقه ... ولكان دين النصر فيه يمطل )
( لكن جنيت الفتح من شجر القنا ... وجنى الفتوح لمن عداك مؤمل )
( ولقبل ما استفتحت كل ممنع ... من دونه باب المطامع مقفل )
( ومتى نزلت بمعقل متأشب ... فالعصم من شعفاته تستنزل )
( وإذا غزوت فإن سعدك ضامن ... أن لا تخيب وأن قصدك يكمل )
( فمن السعود أمام جيشك موكب ... ومن الملائك دون جندك جحفل )

( وكتيبة أردفتها بكتيبة ... والخيل تمرح في الحديد وترفل )
( من كل منحفز كلمعة بارق ... بالبدر يسرج والأهلة ينعل )
( أوفى بهاد كالظليم وخلفه ... كفل كما ماج الكثيب الأهيل )
( حي إذا ملك الكمي عنانه ... يهوي كما يهوي بجو أجدل )
( حملت اسود كريهة يوم الوغى ... ما غابها إلا الوشيج الذبل )
( لبسوا الدروع غدائرا مصقولة ... والسمر قضب فوقها تتهدل )
( من كل معتدل القوام مثقف ... لكنه دون الضريبة يعسل )
( أذكيت فيه شعلة من نصله ... يهدى بها إن ضل عنه المقتل )
( ولرب لماع الصقال مشهر ... ماض ولكن فعله مستقبل )
( رقت مضاربه وراق فرنده ... فالحسن فيه مجمل ومفصل )
( فإذا الحروب تسعرت أجزالها ... ينساب في يمناك منها جدول )
( وإذا دجا ليل القتام رأيته ... وكأنه فيه ذبال مشعل )
( فاعجب لها من جذوة لا تنطفي ... في أبحر زخرت وهن الأنمل )
( هي سنة أحييتها وفريضة ... أديتها قرباتها تتقبل )
( فإذا الملوك تفاخرت بجدودها ... فلأنت أحفى بالجهاد وأحفل )
( يا ابن الذين جمالهم ونوالهم ... شمس الضحى والعارض المتهلل )
( يا ابن الإمام ابن الإمام ابن الإما ... م ابن الإمام وقدرها لا يجهل )
( آباؤك الأنصار تلك شعارهم ... فلحيهم آوى النبي المرسل )
( فهم الألى نصروا الهدى بعزائم ... مصقولة وبصائر لا تخذل )
( ماذا يحبر شاعر في مدحهم ... وبفضلهم أثنى الكتاب المنزل )
( مولاي لا أحصي مآثرك التي ... بحديثها تنضى المطي الذلل )

( وإذا الحقائق ليس يدرك كنهها ... سيان فيها مكثر ومقلل )
( فإليك من شوال غرة وجهه ... أهداكها يوم أغر محجل )
( عذراء راق العيد رونق حسنها ... فغدا بنظم حليها يتجمل )
( رضعت لبان العلم في حجر النهى ... فوفت لها منه ضروع حفل )
( سلك البيان بها سبيل إجادة ... لولا صفاتك كان عنها يعدل )
( جاءت تهني العيد أيمن قادم ... وافى بشهر صيامه يتوسل )
( وطوى الشهور مراحلا معدودة ... كيما يرى بفناء جودك ينزل )
( وأتى وقد شف النحول هلاله ... ولشوقه للقاء وجهك ينحل )
( عقدت بمرقبه العيون مسرة ... فمكبر لطلوعه ومهلل )
( فاسلم لألف مثله في غبطة ... ظل المنى من فوقه يتهدل )
( فإذا بقيت لنا فكل سعادة ... في الدين والدنيا بها تتكفل )
وقال ابن الأحمر ومن جياد أناشيده المتميزة بالسبقية وبارقات تهانيه في المواسم العقيقية قوله يهنئه رضوان الله تعالى عليه بطلوع مولانا الوالد قدس الله تعالى روحه
( طلع الهلال وأفقه متهلل ... فمكبر لطلوعه ومهلل )
( أوفى على وجه الصباح بغرة ... فغدا الصباح بنوره يتجمل )
( شمس الخلافة قد أمدت نوره ... وبسعدها يرجو التمام ويكمل )
( لله منه هلال سعد طالع ... لضيائه تعشو البدر الكمل )
( وألحت يا شمس الهداية كوكبا ... يعشي سناه كل من يتأمل )
( والتاج تاج البدر في أفق العلا ... ما زال بالزهر النجوم يكلل )

( ولئن حوى كل الجمال فإنه ... بالشهب أبهى ما يكون وأجمل )
( أطلعت يا بدر السماح هلاله ... والملك أفق والخلافة منزل )
( يبدو بهالات السروج وإنه ... من نور وجهك في العلا يستكمل )
( قلدت عطف الملك منه صارما ... بغنائه ومضائه يتمثل )
( حليته بحلى الكمال وجوهرال ... النفيس وكل خلق يجمل )
( يغزو أمامك والسعود أمامه ... وملائك السبع العلا تتنزل )
( من مبلغ الأنصار منه بشارة ... غر البشائر بعدها تسترسل )
( أحيا جهادهم وجدد فخرهم ... بعد المئين فملكهم يتأثل )
( فبه إلى الأجر الجزيل توصلوا ... وبهم إلى رب السما يتوسل )
( من مبلغ الأذواء من يمن وهم ... قد توجوا وتملكوا وتقيلوا )
( أن الخلافة في بنيهم أطلعت ... قمرا به سعد الخليقة يكمل )
( من مبلغ قحطان آساد الشرى ما غابها إلا الوشيج الذبل )
( أن الخلافة وهو شبل ليوثهم ... قد حاط منها الدين ليث مشبل )
( يهني بني الأنصار أن إمامهم ... قد بلغته سعوده ما يأمل )
( يهني البنود فإنها ستظله ... وجناح جبريل الأمين يظلل )
( يهني الجياد الصافنات فإنها ... بفتوحه تحت الفوارس تهدل )
( يهني المذاكي والعوالي والظبي ... فبها إلى نيل المنى يتوصل )
( يهني المعالي والمفاخر أنه ... في مرتقى أوج العلا يتوقل )
( سبقت مقدمة الفتوح قدومه ... وأتاك وهو الوادع المتمهل )
( وبدت نجوم السعد قبل طلوعه ... تجلو المطامع قبله وتؤثل )

( وروت أحاديث الفتوح غرائبا ... والنصر يملي والبشائر تنقل )
( ألقت إإليك به السعود زمامها ... فالسعد يمضي ما تقول ويفعل )
( فالفتح بين معجل ومؤجل ... ينسيك ماضيه الذي يستقبل )
( أوليس في شأن المشير دلالة ... أن المقاصد من طلابك تكمل )
( ناداهم داعي الضلال فأقبلوا ... ودعاهم داعي المنون فجدلوا )
( عصوا الرسول إباية وتحكمت ... فيهم سيوفك بعدها فاستمثلوا )
( كانوا جبالا قد علت هضباتها ... نسفتهم ريح الجلاد فزلزلوا )
( كانوا بحارا من حديد زاخر ... أذكتهم نار الوغى فتسيلوا )
( ركبت أرجلها الأداهم كلما ... يتحركون إلى قيام تصهل )
( كان الحديد لباسهم وشعارهم ... واليوم لم تلبسه إلا الأرجل )
( الله أعطاك التي لا فوقها ... فتحا به دين الهدى يتأثل )
( جددت للأنصار حلي جهادها ... فالدين والدنيا به تتجمل )
( من يتحف البيت العتيق وزمزما ... والوفد وفد الله فيه ينزل )
( متسابقين إلى مثابة رحمة ... من كل ما حدب إليه تنسل )
( هيما كأفواج القطا قد ساقها ... ظمأ شديد والمطاف المنهل )
( من كل مرفوع الأكف ضراعة ... والقلب يخفق والمدامع تهمل )
( حتى إذا روت الحديث مسلسلا ... بيض الصوارم والرماح العسل )
( من فتحك الأسنى عن الجيش الذي ... بثباته أهل الوغى تتمثل )
( أهدتهم السراء نصرة دينهم ... واستبشروا بحديثها وتهللوا )
( وتناقلوا عنك الحديث مسرة ... بسماعه واهتز ذاك المحفل )
( ودعوا بنصرك وهو أعظم مفخرا ... إن الحجيج بنصر ملكك يحفل )

( فاهنأ بملكك واعتمد شكرا به ... لطف الإله وصنعه تتخول )
( شرفت منه باسم والدك الرضى ... يحيا به منه الكريم المفضل )
( أبديت من حسن الصنيع عجائبا ... تروى على مر الزمان وتنقل )
( خفقت به أعلامك الحمر التي ... بخفوقها النصر العزيز موكل )
( هدرت طبول العز تحت ظلالها ... عنوان فتح إثرها يستعجل )
( ودعوت أشراف البلاد وكلهم ... يثني الجميل وصنع جودك أجمل )
( وردوا ورود الهيم أجهدها الظما ... فصفا لهم من ورد كفك منهل )
( وأثرت فيه للطراد فوارسا ... مثل الشموس وجوههم تتهلل )
( من كل وضاح الجبين كأنه نجم وجنح النقع ليل مسبل )
( يرد الطراد على أغر محجل ... في سرجه بطل أغر محجل )
( قد عودوا قنص الكماة كأنما ... عقبانها ينقض منها أجدل )
( يستتبعون هوادجا موشية ... من كل بدع فوق ما يتخيل )
( قد صورت منها غرائب جمة ... تنسي عقول الناظرين وتذهل )
( وتضمنت جزل الوقود حمولها ... والنصر في التحقيق ما هي تحمل )
( والعاديات إذا تلت فرسانها ... آي القتال صفوفها تترتل )
( لله خيلك إنها لسوابح ... بحر القتام وموجه متهيل )
( من كل برق بالثريا ملجم ... بالبدر يسرج والأهلة ينعل )
( أوفى بهاد كالظليم وخلفه ... كفل كما ماج الكثيب الأهيل )
( هن البوارق غير أن جيادها ... عن سبق خيلك يا مؤيد تنكل )
( من أشهب كالصبح يعلو سرجه ... صبح به نجم الظلالة يأفل )
( أو أدهم كالليل قلد شهبه ... خاض الصباح فأثبتته الأرجل )

( أو أشقر سال النضار بعطفه ... وكساه صبغة بهجة لا تنصل )
( أو أحمر كالجمر أضمر بأسه ... بالركض في يوم الحفيظة يشعل )
( كالخمر أترع كأسها لندامها ... وبها حبابة غرة تتسيل )
( أو أصفر لبس العشي ملاءة ... وبذيله لليل ذيل مسبل )
( أجملت في هذا الصنيع عوائدا ... الجود فيها مجمل ومفصل )
( أنشأت فيها من نداك غمائما ... بالفضل تنشأ والسماحة تهمل )
( فجرت من كفيك عشرة أبحر ... تزجي سحاب الجود وهي الأنمل )
( من قاس كفك بالغمام فإنه ... جهل القياس ومثلها لا يجهل )
( تسخو الغمام ووجهها متجهم ... والوجه منه مع الندى يتهلل )
( والسحب تسمح بالمياه وجوده ... ذهب به أهل الغنى تتمول )
( من قاس بالشمس المنيرة وجهه ... ألفيته في حكمه لا يعدل )
( من أين للشمس المنيرة منطق ... ببيانه در الكلام يفصل )
( من أين للشمس المنيرة راحة ... تسخو إذا بخل الزمان الممحل )
( من قاس بالبدر المنير كماله ... فالبدر ينقص والخليفة يكمل )
( من أين للبدر المنير شمائل ... تسري برياها الصبا والشمأل )
( من أين للبدر المنير مناقب ... بجهادها تنضى المطي الذلل )
( يا من إذا نفحت نواسم حمده ... فالمسك يعبق طيبه والمندل )
( يا من إذا لمحت محاسن وجهه ... تعشو العيون ويبهرالمتأمل )
( يا من إذا تليت مفاخر قومه ... آي الكتاب بذكرها تتنزل )
( كفل الخلافة منك يا ملك العلا ... والله جل الجلاله لك أكفل )
( مأمونها وأمينها ورشيدها ... منصورها مهديها المتوكل )

( حسب الخلافة أن تكون وليها ... ومجيرها من كل من يتحيل )
( حسب الزمان بأن تكون إمامه ... فله بذلك عزة لا تهمل )
( حسب الملوك بأن تكون عميدها ... ترجو الندى من راحتيك وتأمل )
( حسب المعالي أن تكون إمامها ... فعليك أطناب المفاخر تسدل )
( يا حجة الله التي برهانها ... عز المحق به وذل المبطل )
( أنت الإمام ابن الإمام ابن الإما ... م ابن الإمام وفخرها لا يعدل )
( علمت حتى لم تدع من جاهل ... أعطيت حتى لم تدع من يسأل )
( وعناية الله اشتملت رداءها ... وعلقت منها عروة لا تفصل )
ومنها
( أخذت قلوب الكافرين مهابة ... فعقولهم من خوفها لا تعقل )
( حسبوا البروق صوارما مسلولة ... أرواحهم من بأسها تتسلل )
( وترى النجوم مناصلا مرهوبة ... فيفر منها الخائف المتنصل )
( يا ابن الألى وجمالهم ... شمس الضحى والعارض المتهلل )
( مولاي لا أحصي مآثرك التي ... بجهادها يتوصل المتوسل )
( أصبحت في ظل امتداحك ساجعا ... ظل المنى من فوقه يتهدل )
( طوقته طوق الحمائم أنعما ... فغدا بشكرك في المحافل يهدل )
( فإليك من صون العقول عقيلة ... أهداكها صنع أغر محجل )
( عذراء راق الصنع رونق حسنها ... فغدا بنظم حليها يتكلل )
( خيرتها بين المنى فوجدتها ... أقصى مناها أنها تتقبل )

( لا زلت شمسا في سماء خلافة ... وهلالك الأسمى يتم ويكمل )
قال ومن رقيق منازعه في بعض نزه مولانا رضوان الله عليه بالقصر السلطاني من شنيل قوله
( نفسي الفداء لشادن مهما خطر ... فالقلب من سهم الجفون على خطر )
( فضح الغزالة والأقاحة والقنا ... مهما تثنى أو تبسم أو نظر )
( عجبا لليل ذوائب من شعره ... والوجه يسفر عن صباح قد سفر )
( عجبا لعقد الثغر منه منظما ... والعقد من دمعي عليه قد انتثر )
( ما رمت أن أجني الأقاح بثغره ... إلا وقد سل السيوف من الحور )
( لم أنسه ليل ارتقاب هلاله ... والقلب من شك الظهور على غرر )
( بتنا نراقبه بأول ليلة ... فإذا به قد لاح في نصف الشهر )
( طالعته في روضة كخلاله ... والطيب من هذي وتلك قد اشتهر )
( وكلاهما يبدي محاسن جمة ... ملء التنسم والمسامع والبصر )
( والكأس تطلع شمسها في خده ... فتكاد تعشي بالأشعة والنظر )
( نورية كجبينه وكلاهما ... يجلو ظلام الليل بالوجه الأغر )
( هي نسخة للشيخ فيها نسبة ... ما إن يزالا يرعشان من الكبر )
( أفرغت في جسم الزجاجة روحها ... فرأيت روح الأنس منها قد بهر )
( لا تسق غير الروض فضلة كأسها ... فالغصن في ذيل الأزاهر قد عثر )
( ما هب خفاق النسيم مع السحر ... إلا وقد شاق النفوس وقد سحر )
( ناجى القلوب الخافقات كمثله ... ووشى بما تخفي الكمام من الزهر )

( وروى عن الضحاك عن زهر الربى ... ما أسند الزهري عنه عن مطر )
( وتحملت عنه حديث صحيحه ... رسل النسيم وصدق الخبر الخبر )
( يا قصر شنيل وربعك آهل ... والروض منك على الجمال قد اقتصر )
( لله بحرك والصبا قد سردت ... منه دروعا تحت أعلام الشجر )
( والأس حف عذاره من حوله ... عن كل من يهوى العذار قد اعتذر )
( قبل بثغر الزهر كف خليفة ... يغنيك صوب الجود منه عن المطر )
( وافرش خدود الورد تحت نعاله ... واجعل بها لون المضاعف عن خفر )
( وانظم غناء الطير فيه مدائحا ... وانثر من الزهر الدراهم والدرر )
( المنتقى من جوهر الشرف الذي ... في مدحه قد أنزلت آي السور )
( والمجتبى من عنصر النور الذي ... في مطلع الهدي المقدس قد ظهر )
( ذو سطوة مهما كفى ذو رحمة ... مهما عفا ذو عفة مهما قدر )
( كم سائل للدهر أقسم قائلا ... والله ما أيامه إلا غرر )
( مولاي سعدك كالمهند في الوغى ... لم يبق من رسم الضلال ولم يذر )
( مولاي وجهك والصباح تشابها ... وكلاهما في الخافقين قد اشتهر )
( إن الملوك كواكب أخفيتها ... وطلعت وحدك في مظاهرها قمر )
( في كل يوم من زمانك موسم ... في طيه للخلق أعياد كبر )
( فاستقبل الأيام يندى روضها ... ويرف والنصر العزيز له ثمر )
( قد ذهبت منها العشايا ضعف ما ... قد فضضت منها المحاسن في السحر )
( يا ابن الذين إذا تعد خلالهم ... نفد الحساب وأعجزت منها القدر )
( إن أوردوا هيم السيوف غدائرا ... مصقولة فلطالما حمدوا الصدر )
( سائل ببدر عنهم بدر الهدى ... فبهم على حزب الضلال قد انتصر )

( واسأل مواقفهم بكل مشهر ... واقر المغازي في الصحيح وفي السير )
( تجد الثناء ببأسهم وبجودهم ... في مصحف الوحي المنزل مستطر )
( فبمثل هديك فلتنر شمس الضحى ... وبمثل قومك فليفاخر من فخر )
( ماذا أقول وكل وصف معجز ... والقول فيك مع الإطالة مختصر )
( تلك المناقب كالثواقب في العلا ... من رامها بالحصر أدركه الحصر )
( إن غاب عبدك عن حماك فإنه ... بالقلب في تلك المشاهد قد حضر )
( فاذكره إن الذكر منك سعادة ... وبها على كل الأنام قد افتخر )
( ورضاك عنه غاية ما بعدها ... إلا رضى الله الذي ابتدع البشر )
( فاشكر صنيع الله فيك فإنه ... سبحانه ضمن المزيد لمن شكر )
( وعليك من روح الإله تحية ... تهفو إليك مع الأصائل والبكر )
ثم قال ومن أغراضه الوقتية استرسالا مع الطبع البديهي في الشكر عن ضروب من التحف التي يقتضيها التحفي السلطاني باولياء خدمته نبذ متعددة فيما يظهر فيها فمنها قوله
( يا خير من ملك الملوك بجوده ... وبفضله قد أشبه الأملاكا )
( والله ما عرف الزمان وأهله ... أمنا ويمنا دائما لولاكا )
( وافيت أهلي بالرياض عشية ... في روض جاهك تحت ظل ذراكا )
( فوجدته قد طله صوب الندى ... بسحائب تنهل من يمناكا )
( وسفائن مشحونة ألقى بها ... بحر السماح يجيش من نعماكا )
( رطب من الطلع النضيد كأنها ... قد نظمت من حسنها أسلاكا )
( من كل ما كان النبي يحبها ... وأحبها الأنصار من أولاكا )
( وبدائع التحف التي قد أطلعت ... مثل البدور أنارت الأحلاكا )

( نطف من النور المبين تجسمت ... حتى حسبنا أنهن هداكا )
( يحلو على الأفواه طيب مذاقها ... لولا التجسد خلتهن ثناكا )
( طافت بها النشأ الصغار كأنها ... سرب القطا لما وردن نداكا )
( نجواهم مهما سمعت كلامهم ... ونداؤهم مولاي أو مولاكا )
( بلغت في الأبناء عبدك سؤله ... لا زلت بتلغ في بنيك مناكا )
( يتدارسون من الدعاء صحائفا ... كيما يطيل الله في بقياكا )
( فبقيت شمسا في سماء خلافة ... وهم البدور أمدهن سناكا )
ومنها وقد أهداه نعمة الله أطباقا من حب الملوك
( كتب الإله على العباد محبة ... لك كان فرض كتابها موقوتا )
( وأنا الذي شرفته من بينهم ... حتى جعلت له المحبة قوتا )
( ما زلت تتحفه بكل ذخيرة ... حتى لقد أتحفته الياقوتا )
( وإلى الملوك قد اعتزى من عزه ... فغدا له ياقوتها ممقوتا )
ومنها في مثل ذلك
( يا خير من ملك الملوك ... أهديتني حب الملوك )
( فكأنما ياقوتها ... نظمت لنا نظم السلوك )
( إن الملوك إذا لجوا ... فغياثهم أن أملوك )
( وكذا العفاة إذا شكوا ... فغناهم أن يسألوك )
( فالله يقبل من دعا ... لعلاك من أهل السلوك )
( لا زلت تطلع غرة ... كالشمس في وقت الدلوك )

( ومنها وقد أهداه صيدا مما صاده أولاده
( يا خير من ورث السماح عن الألى ... نصروا الألى وتبوأوا إيمانا )
( في كل يوم منك تحفة منعم ... والى الجميل وأجزل الإحسانا )
( قد أذكرت دار النعيم عبيده ... وتضمنت من فضله رضوانا )
( تهدي موالي الذين تفرعوا ... عن دوح فخرك في العلا أغصانا )
( لجلالك الأعلى قنيصا أتعبوا ... في صيده الأرواح والأبدانا )
( فتخصني منه بأوفر قسمة ... فسحت لعبدك في الرضى ميدانا )
( لله من مولى كريم بالذي ... تهدي الموالي يتحف العبدانا )
( تدعو بني إلى الغني بربه ... يا ربنا أغن الذي أغنانا )
( وعليك من قدس الإله تحية ... تهديك منه الروح والريحانا )
ومنها وقد أهداه أصنافا من الفواكه
( يا من له الوجه الجميل إذا بدا ... فاقت محاسنه البدور كمالا )
( والمنتقى من جوهر الفخر الذي ... فاق الخلائف عزة وجمالا )
( ما أبصرت عيناي مثل هدية ... أبدت لنا صنع الإله تعالى )
( فيها من التفاح كل عجيبة ... تذكي برياها صبا وشمالا )
( تهدي لنا نهد الحبيب وخده ... وتري من الورد الجني مثالا )
( وبها من الأترج شمس أطلعت ... من كل شطر للعيون هلالا )
( ويحفها ورق يروق كأنه ... ورق النضار وقد أجاد نبالا )
( لون العشية ذهبت صفحاتها ... رقت وراقت بهجة وجمالا )

( وبها من النقل الشهي مذكر ... عهدا تولى ليته يتوالى )
( لله منها خضرة من حضرة ... تغني العفاة وتحسب الآمالا )
( أذكرتني العهد القديم ومعهدا ... كانت شموس الراح فيه تلالا )
( فأردت تجديد العهود وإنما ... كتب المشيب على عذاري لالا )
( فأدرت من ذكراك كأس مدامة ... وشربت من حبي لها جريالا )
( فبقيت شمسا في سماء خلافة ... لا يستطيع لها الزمان زوالا )
ومنها يوم عاشوراء
( يا أيها المولى الذي بركاته ... رفعت لواء للندى منشورا )
( لك راحة تزجي الغمام بأنمل ... فجرت منها بالنوال بحورا )
( واليوم موسم قربة وعبادة ... وغدا ظفرت بأجره عاشورا )
( راعيت فيه سنة نبوية ... تروي الثقات حديثه المشهورا )
( لا زلت عامك كله في غبطة ... لقيت منها نضرة وسرورا )
ومنها في بعض قطعة
( واليت ما أوليت يا بحر الندى ... ووحق جودك ما رأيت كهذه )
( فإذا يهز لها اللسان حسامه ... فصفات فخرك قد قضت بنفاذه )
( علمت فرسان الكلام نظامها ... كتعلم التلميذ من أستاذه )
( والبحر تمتار السحائب ماءه ... فتجوده من غيثها برذاذه )
ومنها وقد أهداه باكورا
( يا وارث الأنصار وهي مزية ... بفخارها أثنى الكتاب المنزل )
( أهديتني الباكور وهي بشارة ... ببواكر الفتح الذي يستقبل )

( وولادة لهلال تم طالع ... وجه الزمان بوجهه يتهلل )
( هو أول الأنوار في أفق الهدى ... وترى الأهلة بعده تسترسل )
( مولاي صدق الفال قد جربته ... من لفظ عبدك والعواقب أجمل )
ومنها في جفنة
( طعامك من دار النعيم بعثته ... فشرفته من حيث أدري ولا أدري )
( بهضبة نعمى قد سمونا لأوجها ... فصدنا بأعلاها الشهي من الطير )
( وقوراء قد درنا بهالة بدرها ... كما دارت الزهر النجوم على البدر )
( وقد حملت فوق الرؤوس لأنها ... هدية مولى حل في مفرق الفخر )
( فما شئت من طعم زكي مهنإ ... وما شئت من عرف ذكي ومن نشر )
( فلو أنها قد قدمت لخليفة ... لأعظمها قدرا وبالغ في الشكر )
( وكم لك من نعمى علي عميمة ... يقل لأدناها الجميل من الذكر )
( فلا زلت يا مولى الملوك مبلغا ... أماني ترجوها إلى سالف الدهر )
ومنها شكرا عن كتاب
( مولاي يوم الجمعه ... سعوده مجتمعه )
( فانعم صباحا واغتنم ... أوقاته المجتمعه )
( وابشر بصنع عاجل ... أعلامه مرتفعه )
( وانتظر الفتح الذي ... يأتيك بالنصر معه )
( وبيضه وسمره ... إلى العداة مشرعه )
( واللطف مرجو فرد ... بفضل ربي مشرعه )

( فاتحتني شرفتني ... برقعة مرفعه )
( بل روضة ممطورة ... أزهارها منوعه )
( حديقة قد جدتها ... بصوب جود مترعه )
( وراية منشورة ... وآية مستبدعه )
( كم حكم لطيفة ... في طيهامستودعه )
( عقيلة صورتها ... من الجمال مبدعه )
( سقيتني من فضلها ... بفضل كاس مترعه )
( فدم وأملاك الورى ... على علاك مجمعه )
ومنها شكرا على خلعه
( يا بدر تم في سماء خلافة ... حفت نجوم السعد هالة قصره )
( ألبست عبدك من ثيابك ملبسا ... قد قصرت عنه مدارك شكره )
( ورضاك عنه خير ما ألبسته ... فلقد أشاد بجاهه وببره )
( ألبستني أركبتني شرفتني ... أهديتني ما لا أقوم بحصره )
( نظري لوجهك وهو أجمل نير ... يزري على شمس الزمان وبدره )
( أعلى وأعظم منة لا سيما ... وأنا المنعم في الحضور ببشره )
( لا زلت مولى للملوك مؤملا ... وحلاك للإسلام مفخر دهره )
ومنها وقد خلع رضوان الله تعالى عليه على سول من أرساله
( أبحر سماح مد عشرة أبحر ... تفيض غمام الجود وهي الأنامل )
( بكفك غيث للبلاد وأهلها ... يروض محل الأرض والعام ماحل )

( لك الخير إن أصبحت بحر سماحة ... يعم نداه فالمواهب ساحل )
( خلعت على هذا الرسول ملابسا ... بها تتسنى في علاك المآمل )
( وبلغته آماله كيف شاءها ... فبلغت يا مولاي ما أنت آمل )
ومنها وقد مرض بعض أبنائه رحمة الله تعالى على الجميع قوله سائلا عن حاله
( أسائل بدر التم كيف هلاله ... وأدعو له الرحمن جل جلاله )
( وأسأله تعجيل راحته التي ... وسيلتنا فيها النبي وآله )
( ستبلغ فيه ما تؤمل من منى ... ويرضيك يا بدر الكمال كماله )
وفي مثله
( أقول لبدر التم كيف هلالكا ... نعمت صباحا بالسعود وآلكا )
( وبلغت في النجل الكريم سعادة ... تقر بها عينا وينعم بالكا )
( وخصصت بالبشرى من الله ربنا ... كما عم أقطار البلاد نوالكا )
ومن التورية باسم قائد ولاه على جماعة من الجند
( يا أيها المولى الذي أيامه ... تهمي بسحب الجود من آلائه )
( أبشر لجيشك بالسعادة كلما ... يغزو ونصر الله تحت لوائه )
وأنشده في ملبس اتخذه
( أمولاي يا ابن السابقين إلى العلا ... ومن نصروا الدين الحنيفي أولا )
( غنيت بنور الله عن كل زينة ... وألبست من رضوانه أشرف الحلى )
( وقارك زاد الملك عزا وهيبة ... وسوغه من رحمة الله منهلا )

( ويا شمس هدي في سماء خلافة ... وأبناؤه الزهر المنيرة تجتلى )
( تبارك من أبداك في كل مظهر ... جميلا جليلا مستعاذا مؤملا )
( فيخجل منك الشمس شمس هداية ... ويحسد منك البدر بدرا مكملا )
( إذا أنت ألبست الزمان وآله ... ملابس عز ليس يدركها البلى )
( وطوقت أجياد الملوك أياديا ... وتوجتهم بالفخر تاجا مكللا )
( فما شئت فالبس فالمشاهد قائل ... تبارك ما أبهى وأسنى وأجملا )
( ألا كل من صلى وضحى ومن دعا ... ومد يديه ضارعا متوسلا )
( وجودك شرط في حصول قبوله ... وجودك أثرى كفه فتنفلا )
وقال برسم ما يرسم على ثوب في بعض هدايا مولانا رحمه الله تعالى للسلطان أبي العباس
( أهدي أبا العباس ... ملك الندى والباس )
( ثوب السماء لأنه ... بدر بدا للناس )
( فلق الصباح بوجهه ... عوذته بالناس )
( يكسو إماما لم يزل ... بحلى المحامد كاسي )
( فيا له من مرتد ... ثوب التقى لباس )
( أذياله من حمده ... مسكية الأنفاس )
( وبطرزه مدح زرى ... بالمدح في القرطاس )
( إن كنت في لون السما ... ء بنسبة وقياس )
( فلأنت يا بدر العلا ... شرفتني بلباس )
( أنا منشد ما في وقو ... فك ساعة من باس )

( لترى رياضا أطلعت ... زهرا على أجناس )
( أوراقها توريقها ... بقضيبها المياس )
( ومن المديح مدامتي ... ومن المحابر كاسي )
( فالله يمتع لابسي ... بالبشر والإيناس )
وقال في مثل ذلك
( إن الإمام محمدا ... أهدى الخليفة أحمدا )
( للباسه ثوبا وقد ... لبس المحامد وارتدى )
( وعمامة الشفق التي ... من فوقها شمس الهدى )
( يا حسنها إذ أرسلت ... من كفه غيث الندى )
( وكأن وشي رقومها ... بالبرق طرز عسجدا )
( وبطرزه لون السماء ... ووجهه قمر بدا )
( لله منه نير ... حل المنازل اسعدا )
( مستنصر أعلى له ... فوق المنازل أسعدا )
ثم قال وأنشده وهو على جواد أدهم
( تجلى لنا المولى الإمام محمد ... على أدهم قد راق حسن أديمه )
( فأبصرت صبحا فوق ليل وقد حكى ... مقلد ذاك الطرف بعض نجومه )
وكتب له مع هدية زهر
( أمولاي تقبيلي ليمناك شاقني ... ولا ينكر الظمآن شوقا إلى البحر )
( ولما رأيت الدهر ماطلني بها ... وشوقني من حيث أدري ولا أدري )

( بعثت لك الزهر الجني لعله ... يقبلها عني ثغور من الزهر )
وكتب إليه أيضا متشوقا
( كتبت ودمعي بلل الركب قطره ... وأجرى به بين الخيام السواقيا )
( حنينا لمولى أتلف المال جوده ... ولكنه قد خلد الفخر باقيا )
( وما عشت بعد البين إلا لأنني ... أرجي بفضل الله منه التلاقيا )
وأنشده أيضا وهو بحال تألم
( كأني بلطف الله قد عم خلقه ... وعافى إمام المسلمين وقد شفى )
( وقاضي القضاء الحتم سجل ختمه ... وخط على رسم الشفاء له اكتفى )
وله في مثل ذلك
( لك الخير يا مولاي أبشر بعصمة ... عقدت مع الأيام في حفظها صلحا )
( وعافية في صحة مستجدة ... تجدد للدين السعادة والنجحا )
( ووجه التهاني مشرق متهلل ... وجو الأماني بعدما غام قد أضحى )
( وقد ظهرت للبرء منك علامة ... علامتك العليا تقول لنا صحا )
وفي مثل ذلك
( يا إماما قد تخذنا ... ه من الدهر ملاذا )
( خط يمناك ينادي ... صح هذا صح هذا )
وقال مهنئا بالشفاء

( الحمد لله بلغنا المنى ... لما رأيناك وزال العنا )
( وفزت بالأجر وكبت العدا ... وفزت بالعز وطيب الثنا )
( فالحمد لله على ما به ... من علينا من طهور السنا )
وقال أيضا في نحوه
( نعم قرت العينان وانشرح الصدر ... وقد لاح من وجه الإمام لنا البدر )
( سرينا بليل التيه يكذب فجره ... فلما تجلى فجره صدق الفجر )
( أغر المحيا بالحياء مقنع ... زهاه الكلام الحر والنسب الحر )
( إمام الهدى قد خصه بخلافة ... إله له في خلقه النهي والأمر )
وقال في مثله وقد ركب رحمه الله تعالى لمعاهد حضرته
( هنيئا هنيئا لا نفاد لعده ... وبشرى لدين الله إنجاز وعده )
( فقد لاح بدر التم في أفق العلا ... وحل كما يرضى منازل سعده )
( وطاف أمير المسلمين محمد ... بحضرته العليا مبلغ قصده )
( ولاحت بها الأنوار من بشر وجهه ... وفاح بها النوار من نشر حمده )
( وأبصرت الأبصار شمس هداية ... وأشرقت الأرجاء من زهر رفده )
( ولوحت الأعلام فيها بنصره ... كما لوح الصبح المبين ببنده )
( ستهدي له الأيام كل مسرة ... ويحيي به الرحمن آثار جده )
( فسل الحسام السعد واضرب به العدا ... وخل حسام الهند في كنز غمده )
( فسيفك سيف الله مهما سللته ... يقيم حدود الله قائم حده )

وقال وقد عاد رحمه الله تعالى من بعض متوجهاته الجهادية لجبل الشوار
( على الطائر الميمون والطالع السعد ... قدمت مع الصنع الجميل على وعد )
( وقد عدت من جبل الشوار لتجتلي ... عقائل للفتح المبين بلا عد )
وقال مما رسم في طيقان الأبواب بالمباني السعيدة التي ابتناها رحمه الله تعالى
( أنا تاج كهلال ... أنا كرسي جمال )
( ينجلي الإبريق فيه ... كعروس ذي اختيال )
( جود مولانا ابن نصر ... قد حباني بالكمال )
وفي مثله
( من رأى التاج الرفيعا ... قد حوى الشكرالبديعا )
( تحسد الأفلاك منه ... قوسه السهل المنيعا )
( دمت ربعا للتهاني ... أنظم الشمل الجميعا )
وفيه
( للغني بالله قصر ... للتهاني يصطفيه )
( فيه محراب صلاة ... يقف الإبريق فيه )
( تاليا سورة حسن ... والمعالي تقتفيه )
وفيه
( أي قوس ذي جمال ... سهمه سهم السعاده )

( ملك الإبريق فيه ... عود الإحسان عاده )
( ذو صلاة من صلات ... كلها دأبا معاده )
وقال في المعنى مما كتب به لعمنا الأمير سعد رحمة الله تعالى عليه
( انظر لأفق جمال ... به الأباريق تصعد )
( حسن بديع حباه ... به الأمير الممجد )
( فخر الإمارة سعد ... به الخليفة يسعد )
( وكيف لا وأبوه ... فخر الملوك محمد )
( عليه حلي رضاه ... في كل يوم يجدد )
وقال فيه أيضا
( رفعت قوس سمائي ... يزهى بتاج الهلال )
( قد قلدته نقوشي ... در الدراري العوالي )
( ترى الأباريق فيه ... تهديك عذب الزلال )
( قد زان قصري سعد ... بسعده المتوالي )
( فدام يعمر ربعي ... في كلء مولى الموالي )
وفي الغرض
( ما ترى في الرياض أشباهي ... يسحر العقل حسني الزاهي )
( زان روضي أميره سعد ... وهو نجل الغني بالله )
( دام منه بمرتقى عز ... آمر بالسعود أو ناهي )
وقال في غرض الشكر عن مغطى صنهاجي أهداه إياه

( لمن قبة حمراء مد نضارها ... تطابق منها أرضها وسماؤها )
( وما أرضها إلا خزائن رحمة ... وما قد سما من فوق ذاك غطاؤها )
( وقد شبه الرحمن خلقتنا به ... وحسبك فخرا بان منه اعتلاؤها )
( ومعروشة الأرجاء مفروشة بها ... صنوف من النعماء منها وطاؤها )
( ترى الطير في أجوافها قد تصففت ... على نعم عند الإله كفاؤها )
( ونسبتها صنهاجة غير أنها ... تقصر عما قد حوى خلفاؤها )
( حبتني بها دون العبيد خلافة ... على الله في يوم الجزاء جزاؤها )
وفي مثله
( ما للعوالم جمعت في قبة ... قد شادها كرم الإمام محمد )
( في صفح صرح بالزجاج مموه ... وبجود مولاي الإمام ممهد )
( ما إن رأيت ولا سمعت كطائر ... عن ثوب موشي الرياش مجرد )
( إن لم تكن تلك الطيور تغردت ... فلشكر هذا العيد سجع مغرد )
( صفت عليها للفواكه كل ما ... قد عاهدته بدوحها المتعود )
( لو أبصرت صنهاجة أوضاعه ... دانت له أملاكها بتعبد )
( عودتني الصنع الجميل تفضلا ... لا زلت خير معوذومعود )
( وبسورة الأنعام كم من آية ... فيها لقار بالنوال مجود )
وقال تذييلا لبيتي ابن المعتز
( سقتني في ليل شبيه بشعرها ... شبيهة خديها بغير رقيب )
( فأمسيت في ليلين للشعر والدجى ... وشمسين من خمر وخد حبيب )

( إلى أن بدا الصبح المبين كأنه ... محيا ابن نصر لم يشن بغروب )
( شمائله مهما أديرت كؤوسها ... قلائد أسماع وأنس قلوب )
وقال مذيلا على بيت ابن وكيع
( هي في أوجه الندامى عقيق ... وهي مثل النضار في الأقداح )
( كابن نصر تراه في الحرب ليثا ... وهو بدر الندى وغيث السماح )
( ذكره قد ثنى قدود الندامى ... وأعاد الحياة في الأرواح )
وقال مما يرسم للغني بالله
( للغني بالله ملك ... برده بالعز مذهب )
( دام في رفعة شان ... ما جلا الإصباح غيهب )
وقال أيضا
( يا ابن نصر لك ملك ... ليس تعدوه الفتوح )
( دمت روحا للمعالي ... ما سرى في الجسم روح )
ومن مقطوعاته
( وابن نصر له محيا كصبح ... إن تجلى جلالنا كل كرب )
( ذو حسام كأنه لمع برق ... في بنان كأنها غيث سحب )
ومن أخرى
( وكأن النجوم في غسق اللي ... جمان يلوح في آبنوس )

( وكأن الصباح في الأفق يجلى ... بحلي النجوم مثل العروس )
( وكأن الرياض تهدي ثناء ... للغني بالله فوق الطروس )
وقال من قصيدة أولها
( أضياء هدي أم ضياء نهار ... وشذا المحامد أم شذا الأزهار )
( قسما بهديك في الضياء وإنه ... شمس تمد الشهب بالأنوار )
ومنها
( كم من لطائف للهدى أوضحتها ... خفيت لطائفها على الأفكار )
( كم من جرائم قد غفرت عظيمها ... مستنزلا من رحمة الغفار )
( علمت ملوك الأرض أنك فخرها ... فتسابقت لرضاك في مضمار )
ومنها يصف الجيش
( سالت به تحت العجاج سفينة ... لقحت بريح العز من أنصار )
( أرست بجودي الجود في يوم الندى ... وجرت بيوم الحرب في تيار )
ومنها
( ألقى بأيدي الريح فضل عنانه ... فيكاد يسبق لمحة الأبصار )
ومنها
فهي العراب متى انبرت يوم الوغى ... قد أعربت عن لطف صنع الباري )

ومنها
( إن خاض في ليل العجاج رأيته ... يجلو دجنته بوجه نهار )
ومنها
( كم فيهم من قار ضيف طارق ... وضحت شواهد فضله للقار )
ومنها
( يا أيها الملك الذي أيامه ... غرر تلوح بأوجه الأعصار )
( قد زارك العيد السعيد مبشرا ... فاسمح لألف منهم بمزار )
( لما ازدهته عواطف ألطفتها ... عطف الإله عليك عطف سوار )
( فأتىيؤمم منك هديا صالحا ... كي يستمد النور بعد سرار )
( وأتاك يسحب ذيل سحب أغدقت ... تغري جفون المزن باستعبار )
( جادت بجاري الدمع من قطر الندى ... فرعى الربيع لها حقوق الجار )
( فأعاد وجه الأرض طلقا مشرقا ... متضاحكا بمباسم النوار )
( لما دعاك إلى القيام بسنة ... حكمت داعي الجود والإيثار )
( فأفضت فينا من نداك مواهبا ... حسنت مواقعها على التكرار )
( فاهنأ بعيد عاد يشتمل الرضى ... جذلان يرفل في حلى استبشار )
ومنها
( لا عذر لي إن كنت فيه مقصرا ... سدت صفاتك أوجه الأعذار )
( فإذا نظمت من المناقب درها ... شرفتني منها بنظم دراري )
( فلذاك أنظمها قلائد لؤلؤ ... لألاؤها قد شف بالأنوار )

وأنشد على لحده المقدس رحمه الله تعالى
( ضريح أمير المسلمين محمد ... يخصك ربي بالسلام المردد )
( وحيتك من روح الإله تحية ... مع الملإ الأعلى تروح وتغتدي )
( وشقت جيوب الزهر فيك كمائم ... يرف بها الريحان عن خضل ندي )
( وصابت من الرحمى عليك غمائم ... تروي ثرى هذا الضريح المنجد )
( وزارتك من حور الجنان أوانس ... نواعم في كل النعيم المخلد )
( وجاءتك بالبشرى ملائكة الرضى ... كما جاء في الذكر الحكيم الممجد )
( وصافح منك الروض أطيب تربة ... وعاهد منك المزن أكرم معهد )
( رضى الله والصفح الجميل وعفوة ... يوالى على ذاك الصفيح المنضد )
( ويا صدفا قد فاز من جوهر العلا ... بكل نفيس بالنفاسة مفرد )
( أعندك أن العلم والحلم والحجى ... وزهر الحلى قد أدرجت طي ملحد )
( وهل أنت إلا هالة القمر الذي ... ينور هداه الشهب تهدي وتهتدي )
( ويا عجبا من ذلك الترب كيف لا ... يفيض ببحر للسماحة مزبد )
( لقد ضاقت الأكوان وهي رحيبة ... بما حزت من فخر عظيم وسودد )
( قدمت على الرحمن أكرم مقدم ... وزودت من رحماه خير مزود )
( أقام بك المولى الإمام محمد ... مؤمل فوز بالشفيع محمد )
( فجاء كما ترضى وترضى به العلا ... وأنجز للآمال أكرم موعد )
( ومد ظلال العدل في كل وجهة ... وكف أكف البغي من كل معتد )
( وقام بمفروض الجهاد عن الورى ... وعود دين الله خير معود )
( قضى بعدما قضى الخلافة حقها ... وعامل وجه الله في كل مقصد )

( وفتح بالسيف الممالك عنوة ... ومدت له أملاكها كف مجتد )
( وكسر تمثال الصليب وأخرست ... نواقيس كانت للضلال بمرصد )
( وطهر محرابا وجدد منبرا ... وأعلن ذكر الله في كل مسجد )
( ودانت له الأملاك شرقا ومغربا ... وكلهم ألقى له الملك باليد )
( طبق معمور البسيطة ذكره ... وسارت به الركبان في كل فد فد )
( وسافر عن دار الفناء ليجتلي ... بما قدم اليوم السعادة في غد )
( وقام بأمر الله حق قيامه ... بعزمة لا وان ولا متردد )
( لئن سار للرحمن خير مودع ... وحل من الفردوس أشرف مقعد )
( فقد خلف المولى الخليفة يوسفا ... يعيد له غر المساعي ويبتدي )
( سبيلك في سبل المكارم يقتفي ... وهديك يا خير الأئمة يقتدي )
( محمد جلى الخطب من بعد يوسف ... ويوسف جل الخطب بعد محمد )
( ولو وجد الناس الفداء مسوغا ... فداك ببذل النفس كل موحد )
( ستبكيك أرض كنت غيث بلادها ... وتبكيك حتى الشهب في كل مشهد )
( وتبكي عليك السحب ملء جفونها ... بدمع يروي غلة المجدب الصدي )
( وتلبس فيك النيرات ظلامها ... حدادا ويذكي النجم جفن مسهد )
( وما هي إلا أعين قد تسهدت ... فكحلها نجم الظلام بإثمد )
( فلا زلت في ظل النعيم مخلدا ... ونجلك يحيا بالبقاء المخلد )
( وأوردك الرحمن حوض نبيه ... وأصدر من خلفت عن خير مورد )
( عليك سلام مثل حمدك عاطر ... يفض ختام المسك عن تربك الندي )
( وصلى على المختار من آل هاشم ... صلاة بها نرجو الشفاعة في غد )
وقال يستعطف الوالد السلطان أبا الحجاج

( بما قد حزت من كرم الخلال ... بما أدركت من رتب الجلال )
( بماخولت من دين ودنيا ... بما قد حزت من شرف الجمال )
( بما أوليت من صنع جميل ... يطابق لظه معنى الكمال )
( تغمدني بفضلك واغتفرها ... ذنوبا في الفعال وفي المقال )
وقال أيضا
( أتعطش أولادي وأنت غمامة ... تعم جميع الخلق بالنفع والسقيا )
( وتظلم أوقاتي ووجهك نير ... تفيض به الأنوار للدين والدنيا )
( وجدك قد سماك ربك باسمه ... وأورثك الرحمن رتبته العليا )
( وقد كان أعطاني الذي أنا سائل ... وسوغني من غير شرط ولا ثنيا )
( وشعري في غر المصانع خالد ... يحييه عني في الممات وفي المحيا )
( وما زلت أهدي المدح مسكا مفتقا ... فتحمله الأرواح عاطرة الريا )
( وقد أكثر العبد التشكي وإنه ... وحقك يا فخر الملوك قد استحيا )
( وما الجود إلا ميت غير أنه ... إذا نفخت يمناك في روحه يحيا )
( فمن شاء أن يدعو لدين محمد ... فيدعو لمولانا الخليفة بالبقيا )
وقال أيضا فيه وقد نزل بالولجة من مرج الحضرة
( منزل اليمن والرضى والسعود ... أنجزت فيه صادقات الوعود )
( كل يوم نزاهة إن تقضت ... أنشدتها السعود بالله عودي )
( جمع المستعين وصف كمال ... بين بأس عم الملوك وجود )

( فاهن في غبطة وعزة ملك ... أنت والله فخر هذا الوجود )
وقال أيضا مشيرا لتوليته العلامة
( لك غرة ود الصباح جمالها ... ومحاسن تهوى البدور كمالها )
( وشمائل تحكي الرياض خلالها ... وأنامل برجو الأنام خلالها )
( للمستعين خلافة نصرية ... عرفت ملوك العالمين جلالها )
( وأنا الذي قد نال منك معاليا ... تهدي النجوم الزاهرات منالها )
( تهديه ما قد نلته من بعضها ... فالفخر كل الفخر فيمن نالها )
( في كل يوم منك منة منعم ... لو طاولت سمك السما ما طالها )
( بلغت آمال العبيد فبلغت ... فيك العبيد من البقا آمالها )
وقال أيضا وكتبها إليه مع خمسة أقلام
( أيا مالكا لم يبد للعين حسنه ... سوى ملك قد حل من عالم القدس )
( لك الخير خذها كالأنامل خمسة ... تعوذ مرآك المكمل بالخمس )
( فمن أبصرت عيناك مرآه فليقل ... أعوذ برب الناس أو آية الكرسي )
ثم قال ابن الأحمر وقال يخاطب مولانا الوالد رحمة الله تعالى عليه وقد مر معه بفحص رية والثلج قد عم أنديته وبسط أرديته في وجهة توجهها مولانا الجد تغمده الله تعالى إلى مالقة
( يا من به رتب الإمارة تعتلي ... ومعالم الفخر المشيدة تبتني )

( أزجر بهذا الثلج فألا إنه ... ثلج اليقين بنصر مولانا الغني )
( بسط البياض كرامة لقدومه ... وافتر ثغرا عن مسرة معتني )
( فالأرض جوهرة تلوح لمجتل ... والدوح مزهرة تفوح لمجتني )
( سبحان من أعطى الوجود وجوده ... ليدل منه على الجواد المحسن )
( وبدائع الأكوان في إتقانها ... أثر يشير إلى البديع المتقن )
ثم قال ومن أوليات نظمه يخاطب شيخه الوزير أبا عبد الله ابن الخطيب مادحا قوله
( أما وانصداع النور من مطلع الفجر ... )
إلى آخره وقد تقدمت
ثم قال وقال يراجع الكاتب أبا زكريا ابن أبي دلامة
( على الطائر الميمون والطالع السعد ... أتتني مع الصنع الجميل على وعد )
( وأحييت يا يحيى بها نفس مغرم ... يجيل جياد الدمع في ملعب السهد )
( نسيت وما أنسى وفائي وخلتي ... وأقفر ربع القلب إلا من الوجد )
( وما الطل في ثغر من الزهر باسم ... بأزكى وأصفى من ثنائي ومن ودي )
( فأصدقتها من بحر فكري جواهرا ... تنظم من در الدراري في عقد )
( وكنت أطيل القول إلا ضرورة ... دعتني إلى الإيجاز في سورة الحمد )
وأنشد السلطان أبا العباس المرسي في غراب من إنشائه
( أإنسان عين الدهر جفنك قد غدا ... يحفك منه طائر اليمن والسعد )
( إذا ما هفا فوق الرؤوس شراعه ... أرك جناحا مد للجزر والمد )

وأنشد فيه أيضا
( لك الخير شأن الجفن يحرس عينه ... وهذا بعين الله يحرس دائما )
( تبيت له خمس الثريا معيذة ... تقلده زهر النجوم تمائما )
( فيا جفن لا تنفك في الحفظ دائما ... وإن كنت في لج من البحر عائما )
انتهى ما لخصته من كلام ابن الأحمر في حق ابن زمرك وذلك جملة من نظمه
موشحات ابن زمرك
وقد رأيت أن أعزز ذلك ببعض موشحات ابن زمرك المذكور مما انتقيته من كلام ابن الأحمر
فمنها قوله متشوقا إلى غرناطة ويمدح الغني بالله
( بالله يا قامة القضيب ... ومخجل الشمس والقمر )
( من ملك الحسن في القلوب ... وأيد اللحظ بالحور )
( من لم يكن طبعه رقيقا ... لم يدر ما لذة الصبا )
( فرب حر غدا رقيقا ... تملكه نفحة الصبا )
( نشوان لم يشرب الرحيقا ... لكن إلى الحسن قد صبا )
( فعذاب القلب بالوجيب ... ونعم العين بالنظر )
( وبات والدمع في صبيب ... يقدح من قلبه الشرر )

( عجبت من قلبي المعنى ... يهفو إذا هبت الرياح )
( لو كان للصب ما تمنى ... لطار شوقا إلى البطاح )
( وبلبل الدوح إن تغني ... أسهر ليلي إلى الصباح )
( عساك إن زرت يا طبيبي ... بالطيف في رقدة السحر )
( أن تجعل النوم من نصيبي ... والعين تحمي من السهر )
( كم شادن قاد لي الحتوفا ... بمربع القلب قد سكن )
( يسل من لحظه سيوفا ... فالقلب بالروع ما سكن )
( خلقت من عادتي ألوفا ... أحن للإلف والسكن )
( غرناطة منزل الحبيب ... وقربها السؤل والوطر )
( تبهر بالمنظر العجيب ... فلا عدا ربعها المطر )
( عروسة تاجها السبيكة ... وزهرها الحلي والحلل )
( لم ترض من عزها شريكه ... بحسنها يضرب المثل )
( أيدها الله من مليكه ... تملكها أشرف الدول )
( بدولة المرتجى المهيب ... الملك الطاهر الأغر )
( تختال من بردها القشيب ... في حلة النور والزهر )
( كرسيها جنة العريف ... مرآتها صفحة الغدير )
( وجوهر الطل عن شنوف ... تحكمها صنعة القدير )
( والأنس فيها على صنوف ... فمن هديل ومن هدير )

( كم خرق الزهر من جيوب ... وكلل القضب بالدرر )
( فالغصن كالكاعب اللعوب ... والطير تشدو بلا وتر )
( ولائم النصر في احتفال ... وفرح دين الهوى جديد )
( سلطانها معمل العوالي ... محمد الظافر السعيد )
( ومخجل البدر في الكمال ... سلطانها المجتبى الفريد )
( أصفح مولى عن الذنوب ... أكرم عاف إذا قدر )
( وشمس هدي بلا مغيب ... وبحر جود بلا حسر )
( مولاي يا عاقد البنود ... تظلل الأوجه الصباح )
( أوحشت يا نخبة الوجود ... غرناطة هالة السماح )
( سافرت باليمن والسعود ... وعدت بالفتح والنجاح )
( يا ملهم القلب للغيوب ... ومطعم النصر والظفر )
( أسمعك الله عن قريب ... على السلامه من السفر )
وقال أيضا من الموشحات الرائقة في مثل أغراض هذه السابقة وأشار إلى محاسن من وصف الدشار
( نسيم غرناطة عليل ... لكنه يبرىء العليل )
( وروضها زهره بليل ... ورشفه ينقع الغليل )
( سقى بنجد ربى المصلى ... مباكرا روضه الغمام )
( فجفنه كلما استهلا ... تبسم الزهر في الكمام )
( والروض بالحسن قد تحلى ... وجرد النهر عن حسام )

( ودوحها ظله ظليل ... يحسن في ربعه المقيل )
( والبرق والجو مستطيل ... يلعب بالصارم الصقيل )
( عقيلة تاجها السبيكه ... تطل بالمرقب المنيف )
( كأنها فوقه مليكه ... كرسيها جنة العريف )
( تطبع من عسجد سبيكه ... شموسها كلما تطيف )
( أبدعك الخالق الجميل ... يا منظرا كله جميل )
( قلبي إلى حسنه يميل ... وقلنا قد صبا جميل )
( وزاد للحسن فيك حسنا ... محمد الحمد والسماح )
( جدد للفخر فيك مغنى ... في طالع اليمن والنجاح )
( تدعى دشارا وفيك معنى ... يخصك الفأل بافتتاح )
( فالنصر والسعد لا يزول ... لأنه ثابت أصيل )
( سعد وأنصاره قبيل ... آباؤه عترة الرسول )
( أبدى به حكمة القدير ... وتوج الروض بالقباب )
( ودرع الزهر بالغدير ... وزين النهر بالحباب )
( فمن هديل ومن هدير ... ما أولع الحسن بالشباب )
( كبت على روضها القبول ... وطرفها بالسرى كليل )
( فلم يزل بينها يجول ... حتى تبدت له حجول )
( للزهر في عطفها رقوم ... تلوح للعين كالنجوم )
( وللندى بينها رسوم ... عقد الندى فوقه نظيم )
( وكل واد بها يهيم ... ولم يزل حولها يحوم )

( شنيلها مد منه نيل ... والشين ألف لمستنيل )
( وعين واد به تسيل ... من فوق خد له أسيل )
( كم من ظلال به ترف ... تضفو له فوقها ستور )
( ومن زجاج به يشف ... ما بين نور وبين نور )
( ومن شموس بها تصف ... تديرها بينها البدور )
( مزاجها العذب سلسبيل ... يا هل إلى رشفها سبيل )
( وكيف والشيب في عذول ... وصبغة صفرة الأصيل )
( يا سرحة في الحمى ظليله ... كم نلت في ظلك المنى )
( روضك الله من خميله ... يجنى به أطيب الجنى )
( وبرقها صادق المخيله ... ما زال بالغيث محسنا )
( أنجز لي وعدك القبول ... فلم أقل مثل من يقول )
( يا سرحة الحي يا مطول ... شرح الذي بيننا يطول )
ومن ذلك ما كتب به إلى الغني بالله
( أبلغ لغرناطة سلامي ... وصف لها عهدي السليم )
( فلو رعى طيفها ذمامي ... ما بت في ليلة السليم )
( كم بت فيها على اقتراح ... أعل من خمرة الرضاب )
( أدير فيها كؤوس راح ... قد زانها الثغر بالحباب )
( أختال كالمهر في الجماح ... نشوان في روضة الشباب )

( أضاحك الزهر في الكمام ... مباهيا روضه الوسيم )
( وأفضح الغصن في القوام ... إن هب من جوها نسيم )
( بينا أنا والشباب ضاف ... وظله فوقنا مديد )
( ومورد الأنس فيه صاف ... وبرده رائق جديد )
( إذ لاح في الفود غير خاف ... صبح به نبه الوليد )
( ايقظ من كان ذا منام ... لما انجلى ليله البهيم )
( وأرسل الدمع كالغمام ... في كل واد به أهيم )
( يا جيرة عهدهم كريم ... وفعلهم كله جميل )
( لا تعذلوا الصب إذ يهيم ... فقبله قد صبا جميل )
( القرب من ربعكم نعيم ... وبعدكم خطبه جليل )
( كم من رياض به وسام ... يزهى بها الرائض المسيم )
( غديرها أزرق الجمام ... ونبتها كله جميم )
( أعندكم أنني بفاس ... أكابد الشوق والحنين )
( أذكر أهلي بها وناسي ... واليوم في الطول كالسنين )
( الله حسبي فكم أقاسي ... من وحشة الصحب والبنين )
( مطارحا ساجع الحمام ... شوقا إلى الإلف والحميم )
( والدمع قد لج في انسجام ... وقد وهى عقده النظيم )

( يا ساكني جنة العريف ... أسكنتم جنة الخلود )
( كم ثم من منظر شريف ... قد حف باليمن والسعود )
( ورب طود به منيف ... أدواحه الخضر كالبنود )
( والنهر قد سل كالحسام ... لراحة الشرب مستديم )
( والزهر قد راق بابتسام ... مقبلا راحة النديم )
( بلغ عبيد المقام صحبي ... لا زلتم الدهر في هنا )
( لقاكم بغية المحب ... وقربكم غاية المنى )
( فعندكم قد تركت قلبي ... فجدد الله عهدنا )
( ودارك الشمل بانتظام ... من مرتجى فضله العميم )
( في ظل سلطاننا الإمام ... الطاهر الظاهر الحليم )
( مؤمن العدوتين مما ... يخاف من سطوة العدا )
( وفارج الكرب إن ألما ... ومذهب الخطب والردى )
( قد راق حسنا وفاق حلما ... وما عدا غير ما بدا )
( مولاي يا نخبة الأنام ... وحائز الفخر في القديم )
( كم أرقب البدر في التمام ... شوقا إلى وجهك الكريم )
ومنها موشحة عارض بها موشحة ابن سهل التي أولها ليل الهوى يقظان وهي
( نواسم البستان ... تنثر سلك الزهر )
( والطل في الأغصان ... ينظمه بالجوهر )

( وراحة الإصباح ... أضاء منها المشرق )
( تنشرها الأرواح ... فلا تزال تخفق )
( والزهر زهر فاح ... له عيون ترمق )
( فأيقظ الندمان ... يبصران ما لم يبصر )
( جواهر الشهبان ... قد عرضت للمشتري )
( قدحت لي زندا ... يا أيهذا البارق )
( أذكرتني عهدا ... إذ الشباب رائق )
( فالشوق لا يهدا ... ولا الفؤاد الخافق )
( وكيف بالسلوان ... والقلب رهن الفكر )
( وسحب الهجران ... تحجب وجه القمر )
( لولا شموس الكاس ... نديرها بين البدور )
( وعرج الإيناس ... منا على ربع الصدور )
( لكن لها وسواس ... يغري بربات الخدور )
( كم واله هيمان ... بصبح وجه مسفر )
( ضياؤه قد بان ... من تحت ليل مقمر )
( يا مطلع الأنوار ... كم فيك من مرأى جميل )
( ونزهة الأبصار ... ما ضر لو تشفى الغليل )
( يا روضة الأزهار ... وعرفها يبري العليل )

( قضيبك الفينان ... يسقى بدمع همر )
( فلاعج الأشجان ... فيض الدموع يمتري )
( هل في الهوى ناصر ... أو هل يجار الهائم )
( لو كان لي زائر ... طيف الخيال الحائم )
( ما بت بالساهر ... ودمع عيني ساجم )
( والحب ذو عدوان ... يجهد في ظلم البري )
( وصارم الأجفان ... مؤيد بالحور )
( رحماك في صب ... أذكرته عهد الصبا )
( بواعث الحب ... قادت إليه الوصبا )
( لم تهف بالقلب ... ريح الصبا إلا صبا )
( بليلة الأردان ... قد ضمخت بالعنبر )
( يشير غصن البان ... منها بفضل المئزر )
( طيبها حمد ... فخر الملوك المجتبى )
( من يرجح الطود ... من حلمه إذا احتبى )
( قد جرد السعد ... منه حساما مذهبا )
( فالبأس والإحسان ... والغوث للمستنصر )
( تحمله الركبان ... تحية للمنبر )
( عصابة الكتاب ... حق لها الفوز العظيم )
( تختال في أثواب ... ألبسها الطول الجسيم )
( فحسبها الإطناب ... في الحمد والشكر العميم )

( خليفة الرحمن ... لا زلت سامي المظهر )
( يا مورد الظمآن ... ورأس مال المعسر )
( خذها على دعوى ... تزري على الروض الوسيم )
( جاءت كما تهوى ... أرق من لدن النسيم )
( قد طارحت شكوى ... من قال في الليل البهيم )
( ليل الهوى يقظان ... والحب ترب السهر )
( والصبر لي خوان ... والنوم من عيني بري )
وله في الصبوحيات
( ريحانة الفجر قد أطلت ... خضراء بالزهر تزهر )
( وراية الصبح قد أظلت ... في مرقب الشرق تنشر )
( فالشهب من غارة الصباح ... ترعد خوفا وتخفق )
( وأدهم الليل في جماح ... أعنة البرق يطلق )
( والأفق في ملتقى الرياح ... بأدمع الغيث يشرق )
( والسحب بالجوهر استهلت ... فالبرق سيف مجوهر )
( صفاحه المذهبات حلت ... في راحة الجو تشهر )
( كم للصبا ثم من مقيل ... بطيبه الزهر يشهد )
( والنهر كالصارم الصقيل ... في حلية النور يغمد )
( ورب قال به وقيل ... للطير في حين تنشد )
( فألسن الورق قد أملت ... مدائحا عنه تشكر )
( ونسمة الصبح قد تجلت ... في سندس الروض تعثر )

( والكاس في راحة النديم ... يجلو به غيهب الهموم )
( أقبست النار في القديم ... من قبل أن تخلق الكروم )
( والنهر في ملعب النسيم ... للزهر في عطفه رقوم )
( فلبة الحلي قد تحلت ... والطل في الحلي جوهر )
( وبهجة الكون قد تجلت ... والروض بالحسن يبهر )
( يذكرني وجنة الحبيب ... والآس في صفحة العذار )
( وشارب الشارب العجيب ... بين أقاح وجلنار )
( يدير من ثغره الشنيب ... سلافة دونهاالعقار )
( حلت لأهل الهوى وجلت ... بالذكر والوهم تسكر )
( كم من نفوس بها تسلت ... فما لها الدهر منكر )
( يا غصن بان يميل زهوا ... ريان في روضه الشباب )
( لو كنت تصغي لرفع شكوى ... أطلت من قصة العقاب )
( ومن لمثلي ببث نجوى ... للبدر في رفرف السحاب )
( عزائم الصبر فيك حلت ... وعقدة الصبر تذخر )
( قد أكثر منك ما استقلت ... وليت لو كنت تشعر )
( كم ليلة بتها وبتا ... ضدين في السهر والرقاد )
( أسامر النجم فيك حتى ... علمت أجفانها السهاد )
( أرقب بدر الدجى وأنتا ... قد لحت في هالة الفؤاد )

( نفسي وليت ما تولت ... دعها على الشوق تصبر )
( لو سمتها الهجر ماتولت ... ولم تكن عنك تنفر )
( علمها الصبر في الحروب ... سلطاننا عاقد البنود )
( معفر الصيد للجنوب ... أعز من حف بالجنود )
( نصرت بالرعب في القلوب ... والبيض لم تبرح الغمود )
( عناية الله فيه حلت ... بسعده الدين ينصر )
( والخلق في عصره تملت ... غنائما ليس تحصر )
( مولاي يا نكتة الزمان ... دار بما ترتضي الفلك )
( جللت باليمن والأمان ... كل مليك وما ملك )
( لم يدر وصفي ولاعياني ... أملك أنت أم ملك )
( جنودك الغلب حيث حلت ... بالفتح والنصر تخفر )
( وعادة الله فيك دلت ... أنك بالكفر تظفر )
( يا آية الله في الكمال ... ومخجل البدر في التمام )
( قدمت بالعز والجلال ... والدهر في ثغره ابتسام )
( يختال في حلة الجمال ... والبدر قد عاد في اختتام )
( ريحانة الفجر قد أطلت ... خضراء بالزهر تزهر )
( وراية الصبح قد أظلت ... في مرقب الشرق تنشر )
وقال سامحه الله تعالى
( قد طلعت راية الصباح ... وآذن الليل بالرحيل )
( فباكر الروض باصطباح ... واشرب على زهره البليل )

( فالورق هبت من السبات ... لمنبر الدوح تخطب )
( تسجع مفتنة اللغات ... كل عن الشوق يعرب )
( والغصن بعد الذهاب ياتي ... لأكؤس الطل يشرب )
( وأجمع السحب في انسياح ... في كل روض لها سبيل )
( والجو مستبشر النواحي ... يلعب بالصارم الصقيل )
( قم فاغتنم بهجة النفوس ... ما بين نور وبين نور )
( وشفع الصبح بالشموس ... تديرها بيننا البدور )
( ونبه الشرب للكؤوس ... تمزج من ريقة الثغور )
( ما أجمل الراح فوق راح ... صفراء كالشمس في الأصيل )
( تغادر الصدرذا انشراح ... للأنس في طيه مقيل )
( ولا تذر خمرة الجفون ... فسكرها في الهوى جنون )
( ولتخش من أسهم العيون ... فإنها رائد المنون )
( عرضت منها إلى الفتون ... وكل خطب لها يهون )
( أهيم بالغادة الرداح ... والجسم من حبها عليل )
( لو بت منها على اقتراح ... نقعت من ريقها الغليل )
( أواعد الطيف للمنام ... ومن لعيني بالمنام )
( أسهر في ليلة التمام ... وأنت يا بدر في التمام )
( وألثم الزهر في الكمام ... عليه من ثغرك ابتسام )
( سفرت عن مبسم الأقاح ... وريقك العذب سلسبيل )
( قل لي يا ربة الوشاح ... هل لي إلى الوصل من سبيل )

( يا كعبة الحسن زدت حسنا ... وللهوى حولك المطاف )
( وغصن بان إذا تثنى ... لو حان من زهرك القطاف )
( ألا انعطاف على المعنى ... فالغصن يزهى بالانعطاف )
( أصبحت تزهو على الملاح ... بذلك المنظر الجميل )
( ووجهك الشمس في اتضاح ... لو أنها لم تكن تميل )
( ما الزهر إلا بنظم در ... تحسد في حسنه العقود )
( للملك الظاهر الأغر ... أكرم من حف بالسعود )
( محمد الحمد وابن نصر ... وباسط العدل في الوجود )
( مساجل السحب في السماح ... بالغيث من رفده الجليل )
( ومخجل البدر في اللياح ... بغرة ما لها مثيل )
( يا مشرب الحب في القلوب ... وواهب الصفح للصفاح )
( نصرت بالرعب في الحروب ... والرعب أجدى من السلاح )
( قد لحت من عالم الغيوب ... لم تعدم الفوز والفلاح )
( مراكش نهبة افتتاح ... والصنع في فتحها جليل )
( بشراك بالفتح والنجاح ... والشكر من ذلك القبيل )
وقال أيضا رحمه الله تعالى
( في كؤوس الثغر من ذاك اللعس ... راحة الأرواح )
( وتغشى الروض مسكي النفس ... عاطر الأرواح )
( وكسا الأدواح وشيا مذهبا ... يبهر الشمسا )

( عسجد قد حل من فوق الربى ... يبهج النفسا )
( فاتخذ للهو فيه مركبا ... تلحق الأنسا )
( منبر الغصن عليه قد جلس ... ساجع الأدواح )
( حلل السندس خضرا قد لبس ... عطفه المرتاح )
( قم ترى هذا الأصيل شاحبا ... حسنه قد راق )
( ولأذيال الغصون ساحبا ... في حلى الأوراق )
( ونديم قال لي مخاطبا ... قول ذي إشفاق )
( عادة الشمس بغرب تختلس ... هات شمس الراح )
( إن أرانا الجو وجها قد عبس ... أوقد المصباح )
( ووجوه الشرب تغني عن شموس ... كلما تجلى )
( بلحاظ أسكرتناعن كؤوس ... خمرها أحلى )
( مظهرات من خفايا في النفوس ... سورا تتلى )
( ما زمان الأنس إلا مختلس ... فاغتنم يا صاح )
( وعيون الشهب تذكي عن حرس ... تخصم النصاح )
( ما ترى ثغر الوميض باسما ... يظهر البشرا )
( وثناء الروض هب ناسما ... عاطرا نشرا )
( بث من أزهاره دراهما ... قائلا بشرى )
( ركب المولى مع الظهر الفرس ... وشفي وارتاح )
( بجنود الله دأبا يحترس ... إن غدا أو راح )

( وجب الشكر علينا والهنا ... بعضنا بعضا )
( فزمان السعد وضاح السنا ... وجهه الأرضى )
( أثمرت فيه العوالي بالمنى ... ثمرا غضا )
( يجتني الإسلام منها ما اغترس ... سيفه السفاح )
( في ضمير النقع منها قد هجس ... سهب تلتاح )
( يا إماما بالحسام المنتضى ... نصرالحقا )
( ثغرك الوضاح مهما أو مضا ... أخجل البرقا )
( وديوان السعد منه تقتضى ... توسع الحقا )
( لك وجه من صباح مقتبس ... بشره وضاح )
( وجميل الصفح منه ملتمس ... منعم صفاح )
( هاكها تمزج لطفا بالنسيم ... كلما هبا )
( قد أتت بالبر والصنع الجسيم ... تشكر الربا )
( أخجلت من قال في الصبح الوسيم ... مغرما صبا )
( غرد الطير فنبه من نعس ... يا مدير الراح )
( وتعرى الفجر عن ثوب الغلس ... وانجلى الإصباح )
وقال أيضا سامحه الله تعالى
( قدأنعم الله بالشفاء ... واستكملت راحة الإمام )
( فلتنطق الطير بالهناء ... وليضحك الزهر في الكمام )
( وجوده بهجة الوجود ... وبرؤه راحة النفوس )

( قد لاح في مرقب السعود ... واستبشرت أوجه الشموس )
( فالدوح يومي إلى البنود ... أكمامه غطت الرؤوس )
( والزهر في روضة السماء ... كالزهر قد راق بابتسام )
( والصبح مستشرق اللواء ... والبدر مستقبل التمام )
( محاسن الكون قد تجلت ... جمالها العقل يبهر )
( عرائس بالبها تحلت ... والطل في الحلي جوهر )
( وألسن الورق قد أملت ... مدائحا عنه تشكر )
( تستوقف الخلق بالغناء ... كأنها تحسن الكلام )
( تطنب لله في الثناء ... تقول سلمت يا سلام )
( كم من ثغور لها ثغور ... تبسم إذ جاءها البشير )
( ومن خدور بها بدور ... يشير منها له المشير )
( تقول إذ حفها السرور ... تبارك المنعم القدير )
( قد أنعم الله بالبقاء ... في ظل مولى به اعتصام )
( قد صادف النجح في الدواء ... فالداء عنا له انفصام )
( يهنيك مولاي بل يهنى ... ببرئك الدين والهدى )
( فالغرب والشرق منك يعنى ... بمذهب الخطب والردى )
( والله لولاك ما تهنا ... ما فيه من سطوة الردى )
( يا مورد الأنفس الظماء ... قد كان يشتفها الأوام )
( وقرة العين بالبهاء ... رددت للأعين التمام )

( لو أبذل الروح في البشارة ... بذلت بعض الذي ملك )
( فأنت يا نفس مستعاره ... مولاي بالفضل جملك )
( لم أدر إذ سطر العباره ... أملك هو أم ملك )
( لا زلت مولاي في هناء ... مبلغ القصد والمرام )
( ودمت للملك في اعتلاء ... تسحب أذياله الغمام )
وقال في مالقة
( عليك يا رية السلام ... ولا عدا ربعك المطر )
( مذحل في قصرك الإمام ... فقربك السؤل والوطر )
( والدوح في روضك الأنيق ... للشكر قد حطت الرؤوس )
( والغصن في نهره غريق ... وفي حلاه كما عروس )
( والجو من وجهك الشريق ... تحسده أوجه الشموس )
( وأعين الزهر لا تنام ... تستعذب السهد والسهر )
( تنفث من تحتها الغمام ... ترقيك من أعين الزهر )
( عروسة أنت يا عقيله ... تجلى على مظهر الكمال )
( مدت لك الكف مستقيله ... تمسح أعطافك الشمال )
( والبحر مرآتك الصقيله ... تشف عن ذلك الجمال )
( والحلي زهر له انتظام ... يكلل القضب بالدرر )
( قد راق من ثغره ابتسام ... والورد في خدها خفر )

( إن قيل من بعلها المفدى ... ومن له وصلها مباح )
( أقول أسنى الملوك رفدا ... مخلد الفخر بالصفاح )
( محمد الحمد حين يهدى ... ثناؤه عاطر الرياح )
( تخبر عن طيبه الكمام ... والخبر يغني عن الخبر )
( فالسعد والرعب والحسام ... والنصر آياته الكبر )
( ذو غرة تسحر البدورا ... وطلعة تخجل الصباح )
( كم راية سامها طهورا ... تظلل الأوجه الصباح )
( وكم جهاد جلاه نورا ... أظفر بالفوز والنجاح )
( الطاهر الظاهر الهمام ... أعز من صال وافتخر )
( لسيفه في العدا احتكام ... جرى به سابق القدر )
( يا مرسل الخير في الغوار ... لو تطلب البحر تلحق )
( لك الجواري إذا تجاري ... سوابق الشهب تسبق )
( تستن في لجة البحار ... فالكفر منهن يفرق )
( فالدين وليقصر الكلام ... بسيفك اعتز وانتصر )
( كذاك أسلافك الكرام ... هم نصروا سيد البشر )
وقال من غير هذا البحر في المحدث بمالقة
( قد نظم الشمل أتم انتظام ... واغتنم الأحباب قرب الحبيب )
( واستضحك الروض ثغور الغمام ... عن مبسم الزهر البرود الشنيب )

( وعمم النور رؤوس الربى ... وجلل النور صدور البطاح )
( وصافح القضب نسيم الصبا ... فالزهر يرنو عن عيون وقاح )
( وعاود النهر زمان الصبا ... فقلد الزهر مكان الوشاح )
( وأطلع القصر برود التمام ... في طالع الفتح القريب الغريب )
( خدودها قامت مقام الغمام ... فلا اشتكى من بعدها بالمغيب )
( أصبحت يا رية مجلى النفوس ... جمالك العين بها يبهر )
( والبشر يسري في جميع الشموس ... وراية الأنس بها تشهر )
( والدوح للشكر تحط الرؤوس ... وأنجم الزهر بها تزهر )
( وراجع النهر غناء الحمام ... وقد شدت تسجع سجع الخطيب )
( بمنبر الغصن الرشيق القوام ... لما انثنى يهفو بقد رطيب )
( يا حبذا مبناك فخر القصور ... بروجه طالت بروج السما )
( ما مثله في سالفات العصور ... ولا الذي شاد ابن ماء السماء )
( كم فيه من مرأى بهيج ونور ... في مرتقى الجو به قد سما )
( خليفة الله ونعم الإمام ... أتحفك الدهر بصنع عجيب )
( يهنيك شمل قد غدا في التئام ... ممهدا في ظل عيش خصيب )
( نواسم الوادي بمسك تفوح ... ونفحة الند به تعبق )
( وبهجة السكان فيه تلوح ... وجوه من نورهم يشرق )
( وروضة بالسر منه يبوح ... بلابل عن وجده تنطق )

( لو أن من يفهم عنها الكلام ... فهي تهنيك هناء الأديب )
( ونهره قد سل منه الحسام ... يلحظه النرجس لحظ المريب )
( فأجمل الأيام عصر الشباب ... وأجمل الأجمل يوم اللقا )
( يا درة القصر وشمس القباب ... وهازم الأحزاب في الملتقى )
( بشرك الرب بحسن المآب ... متعك الله بطول البقا )
( ولا يزال القصر قصر السلام ... يختال في برد الشباب القشيب )
( يتلو عليك الدهر في كل عام ... ( نصر من الله وفتح قريب ) )
وقال من المخلع في الشفاء
( في طالع اليمن والسعود ... قد كملت راحة الإمام )
( فأشرق النور في الوجود ... وابتسم الزهر في الكمام )
( قد طلعت راية النجاح ... وانهزم البؤس والعنا )
( وقال حي على الفلاح ... مؤذن القوم بالمنى )
( فالدهر يأتي بالاقتراح ... مستقبلا أوجه الهنا )
( تخفق منشورة البرود ... والسعد يقدم من أمام )
( والأنس مستجمع الوفود ... واللطف مستعذب الجمام )
( وأكؤس الطل مترعات ... بأنمل السوسن الندي )
( والطير مفتنة اللغات ... تشدو بأصوات معبد )
( والغصن يذهب ثم ياتي ... بالسندس الغض مرتدي )

( والدوح يومي إلى السجود ... شكرا لذي الأنعم الجسام )
( والريح خفاقة البنود ... تباكر الروض بالغمام )
( مظاهر للجمال تجلى ... قد هز أعطافها السرور )
( وباهر الحسن قد تجلى ... ما بين نور وبين نور )
( قد هنأت بالشفاء مولى ... بعصره تفخر العصور )
( ما بين ابأس وبين جود ... قد مهد الأمن للأنام )
( فالدين ذو أعين رقود ... وكان لا يطعم المنام )
( والكاس في راحة السقاة ... تروح طورا وتغتدي )
( يهديكها رائق السمات ... ما بين برق وفرقد )
( والشمس تذهب للبيات ... قد لبست ثوب عسجد )
( والزهر في اليانع المجود ... يقابل الشرب بابتسام )
( والروض من حلية الغمود ... قد جرد النهر عن حسام )
( مولاي يا أشرف الملوك ... وعصمة الخلق أجمعين )
( أهديك من جوهر السلوك ... يقذفه بحرك المعين )
( جعلت تنظيمه سلوكي ... وأنت لي المنجد المعين )
( تحية الواحد المجيد ... ورحمة الله والسلام )
( عليك من راحم ودود ... يا مخجل البدر في التمام )
وقال من الرمل المجزوء
( وجه هذا اليوم باسم ... وشذا الأزهار ناسم )

( هاتها صاح كؤوسا ... جالبات للسرور )
( وارتقب منها شموسا ... طالعات في حبور )
( ما ترى الروض عروسا ... في حلى نور ونور )
( وأتت رسل النواسم ... تجتلي هذي النواسم )
( قد أهلت بالبشائر ... أضحكت ثغر الأزاهر )
( سنحت في يمن طائر ... ونظمن كالجواهر )
( فانشروها في العشائر ... إن هذا الصنع باهر )
( وأشيعوا في العوالم ... الغني بالله سالم )
( أي نور يتوقد ... أي بدر يتلالا )
( أي فخر يتخلد ... أي غيث يتوالى )
( إنما المولى محمد ... رحمة الله تعالى )
( كفه بحر المقاسم ... وبها حج المباسم )
( خير أملاك الزمان ... من بني سعد ونصر )
( ما ترى أن الشواني ... في صعيد البر تجري )
( قد أطارتها التهاني ... دون بحري وبحر )
( مذ رأت بحر النعائم ... كلها جار وعائم )
( فهنيئا بالشفاء ... يا أمير المسلمينا )
( ولنا حق الهناء ... وجميع العالمينا )
( إن جهرنا بالدعاء ... ينطق الدهر أمينا )
( دمت محروس المكارم ... بظبي البيض الصوارم )

وقال يهني السلطان موسى ابن السلطان أبي عنان وقد وجه إليه الغني بالله أمه وعياله عند تملكه المغرب من قبله
( قد نظم الشمل أتم انتظام ... ولاحت الأقمار بعد المغيب )
( وأضحك الروض ثغور الغمام ... عن مبسم الزهر البرود الشنيب )
( وعاود الغصن زمان الصبا ... وأشرب الأنس جميع النفوس )
( وعمم النور رؤوس الربى ... وجلل النور وجوه الشموس )
( وأطرب الغصن نسيم الصبا ... فالدوح للشكر تحط الرؤوس )
( واستقبل البدر ليالي التمام ... وصافح الصبح بكف خضيب )
( وراجع الأطيار سجع الحمام ... بكل ذي لحن بديع غريب )
( نواسم الوادي بمسك تفوح ... ونفحة الند به تعبق )
( وبهجة السكان فيه تلوح ... وجوه من نوره يشرق )
( وعرفه بالطيب منه يفوح ... كأنه من عنبر يفتق )
( والنهر قد سل كمثل الحسام ... حبابه تطفو وطورا تغيب )
( وثغرها قد راق منه ابتسام ... ينهىء الحب بقرب الحبيب )
( كواكب أبراجهن الخدور ... يلوح عنها كل بدر لياح )
( جواهر أصدافهن القصور ... نظمها السعد كنظم الوشاح )
( يا حبذا والله ركب السرور ... يبشر المولى بنيل اقتراح )
( ابتهج الكون بموسى الإمام ... واختال في برد الشباب القشيب )
( وعاده يخدم مثل الغلام ... شبابه قد عاد بعد المشيب )

( أكرم به والله وفد الكريم ... مولى سنا الحرة في مقدمه )
( مرضاتها تحظي بدار النعيم ... وتوجب التوفيق من منعمه )
( بشر بالنصر وفتح جسيم ... وخيره أجمع في مقدمه )
( لقاؤها المبرور مسك الختام ... بشرك الله بصنع عجيب )
( وقصرك الميمون قصر السلام ... خط بحفظ من سميع مجيب )
( مولاي يهنيك وحق الهنا ... قد نظم الشمل كنظم السعود )
( قد فزت بالفخر ونيل المنى ... وأنجز السعد جميع الوعود )
( وقرت العين وزال العنا ... وكلما مر صنيع يعود )
( فلا يزل ملكك حلف الدوام ... يحوز في التخليد أوفى نصيب )
( يتلو عليك الدهر بعد السلام ... ( نصر من الله وفتح قريب ) )
وقال رحمه الله تعالى في وصف غرناطة والطرد وغيرهما
( لله ما أجمل روض الشباب ... من قبل أن يفتح زهر المشيب )
( في عهده أدرت كأس الرضاب ... حبابها الدر بثغر الحبيب )
( من كل من يخجل بدر التمام ... إذا تبدى وجهه للعيون )
( ويفضح الغصن بلين القوام ... وأين منه لين قد الغصون )
( ولحظه يمضي مضاء الحسام ... ويذهل العقل بسحر الجفون )
( أبصرت منه إذ يحط النقاب ... شمسا ولكن ما لها من مغيب )
( إذا تجلت بعد طول ارتقاب ... صرفت عنها اللحظ خوف الرقيب )

( من عاذري منه فؤادا صبا ... للامع البرق وخفق الرياح )
( يطير إن هب نسيم الصبا ... تعيره الريح خفوق الرياح )
( ما أولع الصب بعهد الصبا ... وهل على من قد صبا من جناح )
( فقلبه من شوقه في التهاب ... قد أحرق الأكباد من الوجيب )
( والجفن منه سحبه في انسكاب ... قد روض الخد بدمع سكيب )
( غرناطة ربع الهوى والمنى ... وقربها السؤل ونيل الوطر )
( وطيبها بالوصل لو أمكنا ... لم أقطع الليل بطول السهر )
( عما قريب حق فيها الهنا ... بيمن ذي العودة بعد السفر )
( ويحمد الناس نجاح الإياب ... بكل صنع مستجد غريب )
( ويكتب الفال على كل باب ... ( نصر من الله وفتح قريب ) )
( ما لذة الأملاك إلا القنص ... لأنه الفال بصيد العدا )
( كم شارد جرع فيه الغصص ... وأورد المحروب ورد الردى )
( وكم بذا الفحص لنا من حصص ... قد جمع البأس بها والندى )
ومنها بعد أبيات من الوزن والروي
( مولاي مولاي وأنت الذي ... جددت للأملاك عهد الجلال )
( والشمس والبدر من العوذ ... لما رأت منك بديع الجمال )
( والروض في نعمته يغتذي ... بطيب ما قد حزته من خلال )
( بشراك بشراك بحسن المآب ... تستضحك الروض بثغر شنيب )
( ودمت محروس العلا والجناب ... بعصمة الله السميع المجيب )
انتهى ما انتقيته من كلام ابن زمرك من كتاب ابن الأحمر رحمه الله

تعالى وقد عرفت منه ما تسنى للغني بالله ابن الأحمر من الفتوحات والسعود ونفاذ الأمر على ملوك المغرب فهو الأحق بقول لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى
( ملك إذا عاينت منه جبينه ... فارقته والنور فوق جبيني )
( وإذا لثمت يمينه وخرجت من ... أبوابه لثم الملوك يميني )
وكان الغني بالله المذكور معتقدا في الصالحين حتى إنه كتب وهو بفاس مخلوع إلى ضريح ولي الله سيدي أبي العباس السبتي بمراكش ومن إنشاء وزيره لسان الدين على لسانه
( يا ولي الإله أنت مطاع ... )
الأبيات والنثر بعدها وقد ذكرتهما في الباب الخامس فراجعه وكان ذلك بفضل الله تعالى عنوان رجوعه إلى ملكه ونظم تلك الأماكن في سلكه حتى حصل له من السعد ما لم يحصل لغيره حسبما يعلم ذلك من كلام لسان الدين وابن زمرك وغيرهما
ترجمة الولي السبتي
والسبتي المذكور هو سيدي أبو العباس أحمد بن جعفر السبتي الخزرجي الولي الصالح العالم العارف بالله القطب ذو الكرامات الشهيرة والمناقب الكثيرة والأحوال الباهرة والفضائل الظاهرة والأخلاق الطاهرة

نزيل مراكش وبها توفي سنة إحدى وستمائة وولادته بسبته عام أربعة وعشرين وخمسمائة ودفن خارج مراكش وقبره مشهور مقصود بإجابة الدعاء وقد زرته مرارا كثيرة فرأيت عليه من ازدحام الناس ما لا يوصف وهو ترياق مجرب
وقال لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى كان سيدي أبو العباس السبتي رضي الله تعالى عنه مقصودا في حياته مستغاثا به في الأزمات وحاله من أعظم الآيات الخارقة للعادة ومبنى أمره على انفعال العالم عن الجود وكونه حكمة في تأثير الوجود له في ذلك أخبار ذائعة وأمثال باهرة ولما توفي ظهر هذا الأثر على تربته وتشبث بلحده وانسحب على مكانه عادة حياته ووقع الإجماع على تسليم هذه الدعوى وتخطى الناس مباشرة قبره بالصدقة إلى بعثها له من أماكنهم على بعد المدى وانقطاع الأماكن القصى تحملهم أجنحة نياتهم فتهوى إليه بمقاصدهم من كل فج عميق فيجدون الثمرة المعروفة والكرامة المشهورة
وقال ابن الزيات كان أبو العباس قد أعطى بسطة في اللسان وقدرة على الكلام لا يناظره أحد إلا أفحمه ولا يسأله إلا أجابه كأن القرآن والحجج على طرف لسانه حاضرة يأخذ بمجامع القلوب ويسحر العامة والخاصة ببيانه يأتيه المنكرون للإنكار فما ينصرفون إلا مسلمين منقادين وشأنه كله عجيب وهو من عجائب الزمان وحدثني مشايخنا أنهم سمعوه يقول أنا

القطب وحدثني أبو الحسن الصنهاجي من خواص خدامه قال خرجت معه مرة لصهريج غابة الرمان يوم عرفة فجلسنا هناك وصلينا فقال لي إنما سمي هذا اليوم يوم عرفة لانتشار الرحمة فيه لمن تعرف إليه بالطاعات وقد فاتنا عرفة فتعال نمثل بهذا المكان ونعمل كما يعملون لعل الله تعالى يتغمدنا برحمته معهم فعمل مكانا داثرا بالعين الكعبة ومحل عنصر الماء الحجر وموضعا آخر مقام إبراهيم فطاف بالعين أسبوعا وأنا أطوف بطوافه وكبر على العنصر في كل طواف وصلى في مثل المقام ركعتين تامتين وأطال في سجود الثانية ثم استند إلى الشجرة ثم قال لي يا علي اذكر كل حاجة لك من حوائج دنياك تقض فإن الله تعالى وعد في هذا اليوم من تعرف له أن يقضي حوائجه فقلت له ما أريد إلا التوفيق فقال لي ما خرجت معك من باب المدينة حتى وفقت فسألته عن حاله من بدايته إلى نهايته وبم تنفعل له الأشياء ويستجاب له الدعاء ولم صار يأمر بالصدقة والإيثار من شكا إليه حالا أو تعذر عليه مطلب في هذه الدار فقال لي ما آمر الناس إلا بما ينتفعون به وإني لما قرأت القرآن وقعدت بين يدي الشيخ أبي عبدالله الفخار تلميذ القاضي عياض ونظرت في كتب الأحكام وبلغت من السن عشرين سنة وجدت قوله تعالى ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) فتدبرته وقلت أنا مطلوب به فلم أزل أبحث عنها إلى أن وقفت على أنها نزلت حين آخى النبي بين المهاجرين والأنصار وأنهم سألوا النبي أن يعلمهم حكم المؤاخاة فأمرهم بالمشاطرة ففهمت أن العدل المأمور به في الأية هو المشاطرة ثم نظرت إلى حديث تفترق أمتي على ثلاثين فرقة الحديث وأنه

قاله صبيحة اليوم الذي آخى فيه بين المهاجرين والأنصار وذكر له الأنصار أنهم شاطروا المهاجرين فقال لهم ذلك بأثره فعلمت أن الذي هو عليه وأصحابه المشاطرة والإيثار فعقدت مع الله تعالى نية أن لا يأتيني شيء إلا شاطرت فيه الفقراء فعملت عليه عشرين سنة فأثمر لي الحكم بالخاطر فلا أحكم على خاطري بشيء إلا صدق فلما أكملت أربعين سنة راجعت تدبر الآية فوجدت الشطر هو العدل والإحسان ما زاد عليه فعقدت مع الله تعالى نية لا يأتيني قليل ولا كثير إلا أمسكت ثلثه وصرفت الثلثين لله تعالى فعملت عليه عشرين سنة فأثمر لي الحكم في الخلق بالولاية والعزل فأولي من شئت وأعزل من شئت ثم نظرت بعد ذلك في أول ما فرضه الله تعالى على عباده في مقام الإحسان فوجدت شكر النعمة بدليل إخراج الفطرة عن المولود قبل أن يفهم ووجدت أصناف من تصرف إليهم الصدقات الواجبة سبعة وسبعة اصناف أخر صرفها فيها للإحسان والزيادة وذلك أن لنفسك عليك حقا وللزوجة حقا وللرحم حقا ولليتيم حقا وللضعيف حقا وذكر صنفين آخرين فانتقلت لهذه الدرجة وعقدت مع الله تعالى عقدا أن كل ما يأتيني أمسك سبعيه حق النفس وحق الزوجة وأصرف الخمسة أسباع لمستحقيها فأقمت عليه أربعة عشر عاما فأثمر لي الحكم في السماء فمتى قلت يا رب قال لي لبيك ثم قال لي إنها نهايتي بتمام عمري وهو أن تنقضي لي ستة أعوام تكملة العشرين عاما
قال الصنهاجي فأرخت ذلك اليوم فلما مات وحضرت جنازته تذكرت التاريخ المكتوب وحققت العدد فنقصت من ستة أعوام ثلاثة أيام خاصة

فيحتمل أن تكون من الشهور الناقصة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
وقال أبو بكر أبن مساعد جاء بعض السلاطين إلى أبي العباس وهو راكب وقال له إلى متى تحيرنا ولا تصرح لنا عن الطريق فقال له هو الإحسان فقال له بين لي فقال له كل ما أردت أن يفعله الله تعالى معك فافعله مع عبيده
وقال له أبو الحسن الخباز أما ترى ما فيه الناس من القحط والغلاء فقال إنما حبس المطر لبخلهم فلو تصدقوا لمطروا فقل لأصحابك الفلاحين تصدقوا بمثل ما أنفقتم تمطروا فقال له لا يصدقني أحد ولكن مرني في خاصة نفسي فقال له تصدق بمثل ما أنفقت فقال له إن الله تعالى لا يعامل بالدين ولكن أستسلف فاحتال وتصدق بها كما أمره قال فخرجت إلى البحيرة التي عمرتها والشمس شديدة الحر فأيست من المطر ورأيت جميع ما غرست مشرفا على الهلاك فأقمت ساعة فإذا سحابة أمطرت البحيرة حتى رويت وظننت أن الدنيا كلها مطرت فخرجت فإذا المطر لم يتجاوزها انتهى
والحكايات عنه في مثل هذا كثيرة
وقال ابن الخطيب القسمطيني في رحلته حضرت عند الحاج الصالح الورع الزاهد أبي العباس أحمد بن عاشر بمدينة سلا وقد سأله أحد الفقراء عن كرامة الأولياء فقال له لا تنقطع بالموت الكرامة انظرإلى السبتي يشير إلى الشيخ الفقيه العالم المحقق أبي العباس السبتي المدفون بمراكش وما ظهر عند قبره من البركات في قضاء الحاجات بعقب الصدقات سمعت يهوديا بمراكش يلهج ببركته وينادي باسمه في أمر أصابه لا مع المسلمين فسألته عن سببه

فأخبر أنه وجد بركته في غير موطن فسألته عما بدا له في وقت فقال لي وحق ما أنزل على موسى بن عمران ما أذكر لك إلا ما اتفق لي سريت ليلة مع قافلة في مفازة فعرجت دابتي فما شككت في قتلي وسلب مالي فجلست وبكيت وبيني وبين الناس بعد وقلت يا سيدي أبا العباس خاطرك قال لي والله ما أتممت الكلام إلا وأهل القافلة أصابهم سبب وقفوا به وضربت دابتي وخف عرجها ثم زال واتصلت بالناس فقلت له لم لم تسلم فقال حتى يريد الله تعالى وعجبت من كون ذلك من يهودي وهذه شهادة من عدو في الدين ولقد وقفت على قبره مرات وسألت الله تعالى في أشياء يسر لي فيها سؤلي منها أن أكون ممن يشتغل بالعلم ويوصف به وأن ييسر علي فهم كتب عينتها فيسر الله تعالى علي ذلك في أقرب مدة وكان السبتي آية في أحواله ما أدرك صحبته إلا الخواص من الناس وكان أصل مذهبه الحض على الصدقة وكان أمره عجبا في إجابة الدعاء بنزول المطر واختصاصه بمكان دون آخر وقال لأصحابه أنا القطب وكان تفقه على أبي عبدالله الفخارووقفت على قبره وله بركات وأنوار وكان السبتي آية في المناظرة وأوذي باللسان كثيرا جدا فصفح وتجاوز
ورأى عبدالرحمن بن يوسف الحسني النبي في النوم فقال له يا رسول الله ما تقول في السبتي قال وكنت سيىء الاعتقاد فيه فقال لي بعد أن تبسم هو من السباق قال فقلت بين لي يا رسول الله فقال هوممن يمر على الصراط كالبرق قال فخرجت بعد الصبح فلقيني أبو العباس فقال لي ما رأيت وما سمعت والله لا تركتك حتى

تعرفني فعرفته فصاح كلمة الصفا من المصطفى انتهى ببعض اختصار
وقال ابن الزيات وحدثني أبو العباس الصنهاجي وغيره أن رجلا يعرف بابن الشكاز وكان غنيا فدار عليه الزمان وافتقر حدث أنه وصل لأبي العباس السبتي وعليه ثوب خلق تظهر منه عورته فشكا إليه حالته فأخذ بيده إلى أن خرج معه من باب تاغزوت فجاء إلى مطهرة هناك قال فدخل أبو العباس المطهرة وتجرد من أثوابه وناداني وقال لي خذ هذه الثياب فأخذتها وكان بعد العصر فأردت أن أرى ما يكون من أمره فصعدت إلى حائط هناك إلى قرب المغرب فإذا بفتى خرج من الباب على دابة معه رزمة ثياب فلما رأيته نزلت إليه فقال لي أين الفقيه أبو العباس فقلت ها هو في الساقية عريان فقال لي أمسك الدابة فسمعت الفقيه يقول له أين تلك الثياب فأخذها منه وخرج فلما رآني قال لي وما لك هنا قلت يا سيدي خفت عليك فلم أقدر على الانصراف وأتركك فقال لي أفترى الذي فعلت ما فعلت له يتركني ثم سألت الفتى عن سبب وصوله إليه فذكر له أن إحدى الكرائم أمرته أن يحمل إليه تلك الثياب وقالت له لا تدفعها إلا للفقيه ولا يلبسها إلا هو وهذه قصة صحيحة مشهورة
وقال ابن الخطيب وروضته بباب تاغزوت أحد أبواب مراكش غير حافلة البناء ربما يتبرع متبرع باحتفالها فلا تساعده الأقدار وزرتها وربما شاهدت في داخلها أشياخا من أهل التعفف والتصوف يسارقون خفية الناظر إلى مساقط رحمات الله تعالى عليها لكثرة زائريها فيقتحم ذو الحاجة بابها خالعا نعله مستحضرا نيته ويقعد بإزاء القبر ويخاطبه بحاجته ويعين بين يدي النجوى صدقة

على قبره ويدسها في أواني في القبر معدة لذلك ومن عجز عن النقدين تصدق بالطعام ونحوه فإذاخف الزائرون آخر النهار عمد القائم إلى التربة إلى ما أودع هناك في تلك الأواني وفرقه على المحاويج الحافين بالروضة ويحصون كل عشية ويعمهم الرزق المودع فيها وإن قصر عنهم كملوه في غده
قال ابن الخطيب لسان الدين وترافع خدام الروضة لقاضي البلد وتخاصموا في أمر ذاك الرزق المودع هناك فسالهم القاضي عن خرجه اليوم فقالوا يحصل في هذه الأيام في اليوم الواحد ثمانمائة مثقال ذهبا عينا وربما وصل في بعض الأيام لألف دينار فما فوقها فروضة هذا الولي ديوان الله تعالى في المغرب لا يحصى دخله ولا تحصر جبايته فالتبر يسيل واللجين يفيض وذو الحاجة كالطير تغدو خماصا وترجع بطانا يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم
قال وأنا ممن جرب المنقول عن القبر فاطرد القياس وتزيفت الشبهة وتعرفت من بدء زيارته ما تحققت من بركته وشهد على برهان دعوته انتهى
وقال الشيخ أبو الحجاج يوسف التادلي في كتابه التشوف إلى رجال التصوف كان أبو العباس جميل الصورة ابيض اللون حسن الثياب فصيح اللسان مقتدرا على الكلام حليما صبورا يحسن إلى من يؤذيه ويحلم على من يسفه عليه رحيما عطوفا محسنا إلى اليتامى والأرامل يجلس حيث أمكنه الجلوس من الطرق والسوق ويحض على الصدقة ويذكر في فضلها آيات وأحاديث ويأخذها ويفرقها على المساكين ويرد أصول الشرع إلى الصدقة ويفسرها بها ويقول معنى قول المصلي الله أكبر أي من أن نضن عليه بشيء فمن رأى شيئا من متاع الدنيا في نفسه أكبر فلم يحرم ولا كبر ومعنى رفع اليدين للتكبير تخليت من كل شيء لا قليلا ولا كثيرا

وهكذا يتكلم بنحو هذا في جميع العبادات ويقول سر الصوم أن تجوع فإذا جعت تذكرت الجائع وما يقاسيه من نار الجوع فتتصدق عليه فمن صام ولم يعطف على الجائع فكأنه لم يصم إلى غير ذلك من كلامه في مثل هذا
وكان إذا أتاه امرؤ يأمره بالصدقة ويقول له تصدق ويتفق لك ما تريده وأخباره في ذلك كثيرة عجيبة
قال التادلي وحدثني ولده الفقيه أبو عبد الله عن أبيه أنه قال كان ابتداء امري وأنا صغير أني سمعت كلام الناس في التوكل ففكرت في حقيقته فرأيت أنه لا يصح إلا بترك شيء ولم يكن عندي منه بد فتركت الأسباب وأطرحت العلائق ولم تتعلق نفسي بمخلوق فخرجت سائحا متوكلا وسرت نهاري كله فأجهدني الجوع والتعب وقد نشأت في رفاهية من العيش وما مشيت قط على قدمي فبلغت قرية فيها مسجد فتوضأت ودخلت المسجد فصليت المغرب ثم العشاء وخرج الناس فقمت لأصلي فلم أقدر من شدة الجوع والتألم بالمشي فصليت ركعتين وجلست أقرأ القرآن إلى أن مضى جزء من الليل فإذا قارع يقرع الباب بعنف فاستجاب له صاحب الدار فقال له هل رأيت بقرتي فقال لا فقال إنها ضلت وقد أكثر عجلها من الحنين فطلبتها فلم نجدها في القرية فقال أحدهم لعلها دخلت في المسجد وقت العتمة ففتحوا باب المسجد ودخلوا فوجدوني فقال صاحب البقرة ما أظنك أكلت الليلة شيئا فذهب وجاءني بكسرة خبز وقدح لبن ثم ذهب ليأتيني بالماء فوجد بقرته في داخل الدار فخرج لجيرانه وقال لهم ما زالت البقرة من الدار وما كان خروجي إلا لهذا الفتى الجائع في المسجد ثم رغبني أن أمشي معه لمنزله فأبيت

وكان في أول أمره يسكن في الفندق ويعلم الحساب والنحو ويأخذ الأجرة على ذلك وينفقها على طلبة العلم الغرباء ويمشي في الأسواق ويذكر الناس ويضربهم على ترك الصلاة ويأتي بالطعام على رأسه
وبات ليلة عند الطلبة فارتفعت أصواتهم بالمذاكرة فإذا بالحرس قد قرعوا باب الفندق فقام إليهم القيم بخدمته فقالوا له ما تعلمون أن من رفع صوته بالليل يقتل ثم قعد اثنان من الحرس على باب الفندق ليحملونا إذا طلع الفجر للوالي فجاء القيم فأخبرنا فأدركنا خوف عظيم وأيقنا بالهلاك فأخذ أبو العباس في الضحك ولا يبالي ثم خلا بنفسه عند السحر ساعة ثم قال لنا لا خوف عليكم قد استوهبتكم من الله تعالى وهذان الحرسيان الوقفان غدا يقتلان إن شاء الله تعالى فقيل له الجزاء عندك على الأفعال من الخير والشر وهما لم يفعلا ما يوجب قتلهما بل جزاؤهما يروعان كما روعانا فقال العلماء ورثة الأنبياء وترويعكم عظيم لا يقابله منهم إلا القتل فما زلنا نعارضه في ذلك حتى قال عقوبتهما أن يضرب كل واحد منهما مائة سوط ثم اجتاز عبد الله الخراز صاحب الوقت بالجامع الأعظم فوجد حانوته مفتوحا ورأى الحرسيين على قرب فلم يشك أنهما حلاه فحملا إلى رحبة القصر قبل طلوع الفجر فقال لنا أبو العباس احضروا على ضربهما كما أرادا قتلكم فتبعناهما وحضرنا حتى ضرب كل واحد مائة سوط
وكراماته ومناقبه كثيرة لا تحصى
وكان يقول أصل الخير في الدنيا والآخرة الإحسان وأصل الشر فيهما البخل قال الله تعالى ( فأما من أعطى ) وقال عن إبليس ( ثم

لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم ) وقال ( ومنهم من عاهد الله ) وقال ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) وقال ( إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة ) وقال ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) وقال ( ليس البر أن تولوا وجوهكم ) وقال ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض ) فهذه الأمانة هي الرزق فأعطت السموات ما فيها من الماء وهو المطر والأرض ما فيها من الماء النازل من الجبال والجبال ما فيها كذلك وأنبتت الأرض وأبت إمساكها فخزن الإنسان جميعها عنده ومنع المساكين إنه كان ظلوما جهولا وفي الحديث هم الأقلون ورب الكعبة إلا من قال هكذا وهكذا الحديث ولما أراد الله تعالى إهلاك فرعون وقومه دعا عليهم موسى بالبخل فقال ( ربنا إنك آتيت فرعون إلى قوله دعوتكما ) وكان رضي الله عنه في آخر عمره كثيرا ما يقرأ هذه الآية ( أفرأيت الذي تولى إلى قوله سوف يرى ) وكان يقول من قال إن الله تعالى لا يجازي على الصدقات فقد وافق اليهود في الفرية على الله تعالى لأنهم قالوا ( يد الله مغلولة غلت أيديهم ) أي لا يجازي على الصدقات قال الله تعالى ( غلت أيديهم إلى آخره ) أي يجازي على العطاء كيف شاء كان يقول في قوله تعالى ( والذين يكنزون الذهب والفضة الآية ) إنما كويت هذه المواضع لأن الغني يعرض عن المسكين بوجهه ثم بجنبه ثم بظهره فعوقبت هذه المواضع بالكي بالنار لإعراضه عن الفقير ومنازعه رحمه الله تعالى في أمثال هذا كثيرة انتهى ملخصا
وحدث أبو إسحاق إبراهيم بن أبي يعمور أنه دخل صحبة الشيخ سيدي أبي العباس السبتي إلى الأمير السيد أبي سعيد عثمان يعوده فقال له ادع الله

تعالى لي أيها الشيخ فقال له ارجع إلى الله تعالى حق الرجوع بحيث تتحقق أنه الممرض والمعافي واخرج عن بعض ما عندك من فضول الدنيا لأبناء الجنس لتكون ممن وقي شح نفسه فحينئذ يحصل لك ما ترجوه من الدعاء ثم التفت إلى الحاضرين وقال في المرض فوائد لا ينبغي أن تجهل الأولى معرفة قدر العافية الثانية تمحيص بعض الذنوب الثالثة توقع الثواب الرابعة تنقية الجسم من فضول الأخلاط الخامسة كثرة ذكر الله تعالى والتضرع إليه السادسة حدوث الرقة والشفقة السابعة وهي العظمى الصدقة والخروج عن رذيلة البخل انتهى وحدث الكاتب أبو القاسم ابن رضوان عن أبي بكر ابن منظور عن بعض أعيان مراكش أنه توفي وأوصى ابنا له كان من أهل البطالة أن يعمد إلى ألف دينار من متخلفه فيدفعها للشيخ سيدي أبي العباس السبتي ففعل وقال للشيخ إن أبي توفي وأوصاني أن أدفع إليك هذه الألف دينار تضعها حيث شئت فقال له الشيخ قد قبلتها وصرفتها إليك فقال له يا سيدي وما تأمرني أن أفعل بها قال خذها قال فانصرفت من عنده وسؤت ظنا بقوله ثم قلت وأنا أنفق مثل ذلك على عادتي في الوجه الذي يلذ لي فلأفعلن بها ما أفعل بغيرها فأخذتها في محفظة وخرجت ألتمس الزنى فإذا امرأة على دابة وغلام يقودها فأشرت إلى الغلام فقال لي نعم واتبعني إلى بستان لي فنزلت المرأة فأدخلتها إلى قبة كانت في البستان وأخذ الغلام الدابة وصار ناحية وقال أغلق الباب ففعلت ثم أقبلت إلى القبة فإذا المرأة تبكي بكاء شديدا حتى طال بكاؤها وبكيت لبكائها فقلت لها ما شأنك فقالت أفعل ما دعوتني لأجله ودع عنك هذا ونحيبها يزيد فقلت لها إن المعنى الذي دعوتك لأجله لا يصلح مع البكاء بل مع الأنس وانشراح الصدر وزوال الانقباض ورفع الخجل فقالت نترك البكاء ونرجع للأنس على ما تحب ويوفى غرضك فقلت لا حتى أعلم سبب بكائك وألححت عليها فقالت أتعرف حاجب الملك الذي سجنه قلت نعم قالت فأنا ابنته

ولم يبق له أحد غيري وقد سجنه الملك وأخذ أمواله فما زلت أبيع ما ترك أبي وأنفقه عليه حتى لم يبق بيدي شيء فلما أعيتني الحيلة فيما أنفقه ألجأت نفسي ووقفت هذا الموقف وأنا بكر ما رأى لي أحد وجها قط فرميت لها بالألف دينار وقلت لها والله لا قربت منك على هذا الوجه أبدا فأنفقي الدنانير على والدك إلى أن تنفد وابعثي لي غلامك أعلمه بمنزلي ولازمي دارك واستمري على صيانتك وإلا فضحتك وتريني والله لا أزال أبيع أملاكي وأنفقها على والدك حتى أموت أو يفنى كل ما أملكه ثم خرجت ألتمس الغلام وإذا بجماعة يطلبون البنت وقالوا إن الملك رضي عن والدها ورد عليه ضياعه وأملاكه ووصله بعشرة آلاف دينار وقعد يلتمس بنته فلم توجد فسقط في يد الغلام الذي كان مع الدابة وظن أن الأمر على ما جرى بيني وبين البنت فبادرته وقلت له لا عليك فتجاهل في خبرها حتى ينصرفوا ودخلت إلى البنت وقلت لها إن الملك قد رضي عن والدك ورد عليه ماله ووصله فسيري إلى دارك فركبت دابتها وانصرفت فدخلت على والدها فقال لها أين كنت وما الذي أخرجك عن دارك وهم بها فقالت له أخرج عني كل من في الدار ففعل فأخبرته أمرها مع الشاب من أوله إلى آخره ورمت إليه بالألف دينار وقالت له هذا الذي أعطاني لأنفق عليك فقال أبوها هذا والله هو الكبريت الأحمر والله لو كان أبوه كنافا ما أنفت أن أزوجك منه فوجه العبد الذي كان معها إلى الشاب وقال له إن سيدي يدعوك قال فخفت أن يوضع عنده الأمر على غير وجهه ثم أقدمت إقدام من علم براءة نفسه فدخلت عليه فقام إلي وعانقني وقد عرف لي مقامي وقال أما الآن وأنت من أعيان الناس فقد قرت بك عيني وقال والله لو كان أبوك كنافا ما أنفت لبنتي أن أزوجك منها فما قام من المجلس حتى وجه إلى

العدول وأشهد على نفسه بأنه زوج ابنته فلانة من هذا الشاب ونقدها عنه الشطر الأول من العشرة آلاف دينار التي وصله بها الملك وأجل لها عنه الشطر الثاني وأهدى لها من الحلى كذا وكذا ومن الثياب كذاوكذا حتى أتى على أكثر أملاكه حتى أنفقها على ذلك فحصل من إشارة الشيخ السبتي رضي الله عنه في تلك الألف دينار على أضعاف مضاعفة من الأموال وظفر ببنت حاجب الملك انتهى
رجع إلى ابن زمرك رحمه الله تعالى
قال الشاطبي في الإشارات والإفادات ما صورته
إفادة أفادني صاحبنا الفقيه الكاتب أبو عبد الله ابن زمرك إثر إيابه إلى وطنه من رحلة العدوة في علم البيان فوائد أذكر منها الآن ثلاثا الفقه في اللغة وهو النظر في مواقع الألفاظ وأين استعملتها العرب ومن مثل هذا الوجه قرم وعام إذا اشتهى لكن لا يستعمل قرم إلا مع اللحم ولا يستعمل عام إلا مع اللبن فتقول عمت إلى اللبن وكذلك قولهم أصفر فاقع وأحمر قان ولا يقال بالعكس وهذا كثير والثانية تحري الألفاظ البعيدة عن طرفي الغرابة والابتذال فلا يستدل بالحواشي من اللغات ولا المستذل في ألسن العامة والثالثة اجتناب كل صيغة تخرج الذهن عن أصل المعنى أو تشوش عليه إذ المقصود الوصول في بيان المعنى إلى أقصاه والإتيان بما يحصله سريعا ويمكنه في الذهن وتحري كل صيغة تمكن المعنى اوتحرض السامع على الاستماع وأخبرني أن كتاب المغرب يحافظون في شعرهم وكتابتهم على طريقة العرب ويذمون ما عداها من طريقة المولدين وأنها خارجة عن الفصاحة وهذه المعاني الثلاثة لا توجد إلا فيها
وذكر من شرح بديعية الحلي من المغاربة وهو الشيخ النحوي عبيد الثعالبي في شواهد حسن الختام أن منه ختام قصيدة للكاتب البارع أبي عبد الله المعروف

بابن زمرك الأندلسي مدح بها ملك المغرب عبد العزيز حين قدم عليه رسولا من صاحب الأندلس وهو قوله
( ولو أنشدت بين العذيب وبارق ... لقال رواة الغرب يا حبذا الشرق )
ولم يظهر لي كل الظهور دلالته لي على حسن الختام ولا بد فالله سبحانه أعلم وقد أطلنا في ترجمة ابن زمرك فلنختم نظامه بموشحة له زهرية مولدية تضمنت مدح المصطفى وهي هذه
( لو ترجع الأيام بعد الذهاب ... لم تقدح الأيام ذكرى حبيب )
( وكل من نام بليل الشباب ... يوقظه الدهر بصبح المشيب )
( يا راكب العجز ألا نهضة ... قد ضيق الدهر عليك المجال )
( لا تحسبن أن الصبا روضة ... تنام فيها تحت فيء الظلال )
( فالعيش نوم والردى يقظة ... والمرء ما بينهما كالخيال )
( والعمر قد مر كمر السحاب ... والملتقى بالله عما قريب )
( وأنت مخدوع بلمع السراب ... تحسبه ماء ولا تستريب )
( والله ما الكون بما قد حوى ... إلا ظلال توهم الغافلا )
( وعادة الظل إذا ما استوى ... تبصره منتقلا زائلا )
( إنا إلى الله عبيد الهوى ... لم نعرف الحق ولا الباطلا )
( فكل من يرجو سوى الله خاب ... وإنما الفوز لعبد منيب )
( يستقبل الرجعى بصدق المتاب ... ويرقب الله الشهيد القريب )

( يا حسرتا مر الصبا وانقضى ... وأقبل الشيب يقص الأثر )
( واخجلتا والرحيل قد قوضا ... وما بقي في الخبر غير الحبر )
( وليتني لو كنت فيما مضى ... أدخر الزاد لطول السفر )
( قد حان من ركب التصابي إياب ... ورائد الرشد أطال المغيب )
( يا أكمه القلب بغين الحجاب ... كم ذا أناديك فلا تستجيب )
( هل يحمل الزاد لدار الكريم ... والمصطفى الهادي شفيع مطاع )
( فجاهه ذخر الفقير العديم ... وحبه زادي ونعم المتاع )
( والله سماه الرؤوف الرحيم ... فجاره المكفول ما إن يضاع )
( عسى شفيع الناس يوم الحساب ... وملجأ الخلق لرفع الكروب )
( يلحقني منه قبول مجاب ... يشفع لي في موبقات الذنوب )
( يا مصطفى والخلق رهن العدم ... والكون لم يفتق كمام الوجود )
( مزية أعطيتها في القدم ... بها على كل نبي تسود )
( مولدك المرقوم لما نجم ... أنجز للأمة وعد السعود )
( ناديت لو يسمح لي بالجواب ... شهر ربيع يا ربيع القلوب )
( أطلعت للهدي بغير احتجاب ... شمسا ولكن ما لها من غروب )
2 - ومن تلامذة لسان الدين رحمه الله تعالى الطبيب العالم ابن المهنا شارح ألفية ابن سينا وشرحه عليها من أبدع الشروح وقد نقل عن السان الدين

كثيرا واعتمد عليه في أمور الطب وقد طال عهدي به الآن وهو من الكتب المشهورة بالمغرب ولم أره بهذه الديار المشرقية
3 - ومن تلامذة لسان الدين رحمه الله تعالى الأديب الكاتب العالم العلامة القاضي أبو بكر ابن جزي الكلبي وأبوه الشيخ أبو القاسم ابن جزي شيخ لسان الدين وبيت بني جزي بيت كبير مشهور بالمغرب والأندلس وقد عرفنا فيما سبق بالشيخ أبي القاسم وابنيه العلامتين الناظمين الناثرين الكاتب أبي عبدالله محمد والقاضي أبي بكر المذكور فليراجع في الباب الثالث
ورأيت بخط بعض علماء المغرب أن أبا بكر المذكور روى عن لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى جميع تواليفه مع أنه مقاربه في السن ولكن الإنصاف في ذلك الزمان غير معدوم وقد عرف به لسان الدين في الإحاطة والذي فهمت من عبارته في الإحاطة أنه إن عبر بصاحبنا فلا يطلقها غالبا إلا على تلامذته وربما أطلقها على غيرهم كما لا يخفى على من مارس كلامه رحمه الله تعالى وأتقن تاريخ أهل المغرب والأندلس رحم الله تعالى الجميع
4 - ومن تلامذة لسان الدين رحمه الله تعالى مؤدب أولاد الملوك ومعلمهم القرآن وسنة رسول الله عبد الله الشريشي وهو الذي تولى أولا نقل الإحاطة من مبيضتها كما سبقت الإشارة إليه في كلام حفيد السلطان ابن الأحمر وأحكم النسخة فكانت في مجلدات ستة وكان لسان الدين ألقى إليه بالمبيضات اعتمادا منه عليه وثقة به لاشتغال لسان الدين بأمور المملكة
5 - ومن تلامذة لسان الدين القاضي الكاتب أبو محمد عطية بن يحيى بن عبدالله بن طلحة بن أحمد بن عبدالرحمن بن غالب بن عطية المحاربي

قال في الإحاطة صاحبنا الفقيه الخطيب كاتب الإنشاء بالباب السلطاني أبو محمد نسيج وحده في اصالة البيت وعفاف النشأة مقصود المنزل نبيه الصهر معم مخول في الأصالة بارع الخط جيد القريحة سيال المداد نشيط البنان جلد على العمل خطيب ناظم ناثر قرأ بغرناطة وولي الخطابة بالمساجد الأعظم والقضاء سنتين ببلده في حداثة السن ثم انتقل إلى غرناطة فجأجأت به الكتابة السلطانية داحضة بالحق آوته إلى هضبة أمانة مستظهرة ببطل كفاية فاستقل رئيسا في غرض إعانتي وانتشالي من هفوة الكلفة على جلل الضعيف وإلمام المرض ثم كشفت الخبرة منه عند الحادثة على الدولة وإزعاجها من الأندلس عن سوأة لا توارى وعورة لا يرتاب في أشنوعتها ولا يتمارى فسبحان من علم النفس فجورها وتقواها إذ لصق بالدائل الفاسق فكان آلة انتقامه وجارحة صيده وأحبولة كيده فسفك الدماء وهتك الأستار ومزق الأسباب وبدل الأرض غير الأرض وهو يزقه في أذنه زقوم النصيحة وينحله لقب الهداية ويبلغ في شد أزره إلى الغاية عنوان عقل الفتى اختياره يجري في سبيل دعوته طوالا أخرق يسيء السمع فيسيء الإجابة بدويا قحا جهوريا ذاهلا عن عواقب الدنيا والآخرة طرفا في سوء العهد وقلة الوفاء مردودا في الحافرة منسلخا من آية السعادة تشهد عليه بالجهل يده ويقيم عليه الحجج شرهه وتبوئه هفوات الندم جهالته ثم أسلم المحروم مصطنعه أحوج ما كان إليه وتبرأ منه ولحقته بعده مطالبة مالية لقي لأجلها ضغطا وهو الآن بحال خزي واحتقاب تبعات واستدعيت شيئا من نظمه ونثره حال التصنيف ليترجم به فكتب إلي ما نصه
( يا سيدا فاق في مجد وفي شرف ... وفات سبقا بفضل الذات والسلف )

( وفاضلا عن سبيل الذم منحرفا ... وعن سبيل المعالي غير منحرف )
( وتحفة الزمن الآتي به فلقد ... ربا بما حازه منها على التحف )
( ومعدنا لنفيس الدر فهو لما ... حواه منه لدى التشبيه كالصدف )
( وبحر علم جميع الناس مغترف ... منه ونيل المعالي خير مؤتلف )
( وسابقا بذ أهل العصر قاطبة ... فالكل في ذاك منهم غير مختلف )
( من ذا يخالف في نار على علم ... أو يجحد الشمس نورا وهو غير خفي )
( ما أنت إلا وحيد العصر في شيم ... وفي ذكاء وفي علم وفي ظرف )
( لله من منتم للمجد منتسب ... بالفضل متسم بالعلم متصف )
( لله من حسب عد ومن كرم ... قد شاده السلف الأخيار للخلف )
( إيه أيا من به تبأى الوزارة إذ ... كنت الأحق بها في الذات والشرف )
( يا صاحب القلم الأعلى الذي جمعت ... فيه المعالي فبعض البعض لم أصف )
( يا من يقصر وصفي في علاه ومن ... أنسى مديح حبيب في أبي دلف )
( شرفتني عندما استدعيت من نظمي ... نظما تدونه في أبدع الصحف )
( وربما راق ثغر في تبسمه ... حتى إذا ناله إلمام مرتشف )
( أجل قدرك أن ترضى لمنتجع ... بسوء كيلته حظا مع الحشف )
( هذا ولو أنني فيما أتيت به ... نافحت بالطيب زهر الروضة الأنف )
( لكنت أفضي إلى التقصير من خجل ... إذ لست بالبعض مما تستحق أفي )
( فحسبي العجز عما قد أشرت به ... فالعجز حتما قصارى كل معترف )
( لكن أجبت إلى المطلوب ممتثلا ... وإن غدوت بمرمى القوم كالهدف )
( فانظر إليها بعين الصفح عن زلل ... واجعل تصفحها من جملة الكلف )
( بقيت للدهر تطويه وتنشره ... تسمو من العز باسم غير منصرف )
ثم ذكر نثرا وأن مولده بوادي آش آخر عام تسعة وسبعمائة وتولى الخطابة والإمامة بها عام ثمانية وثلاثين وسبعمائة ثم ولي القضاء بها وبأعمالها عام

ثلاثة وأربعين وسبعمائة ثم انتقل للحضرة آخر رجب عام ستة وخمسين وسبعمائة ومن شعره قوله
( ألا أيها الليل البطيء الكواكب ... متى ينجلي صبح بليل المآرب )
( وحتى متى أرعى النجوم مراقبا ... فمن طالع منها على إثر غارب )
( أحدث نفسي أن أرى الركب سائرا ... وذنبي يقصيني بأقصى المغارب )
( فلا فزت من نيل الأماني بطائل ... ولا قمت في حق الحبيب بواجب )
( فكم حدثتني النفس أن أبلغ المنى ... وكم عللتني بالأماني الكواذب )
( وما قصرت بي عن زيارة قبره ... معاهد أنس من وصال الكواعب )
( ولا حب أوطان نبت بي ربوعها ... ولا ذكر خل حل فيها وصاحب )
( ولكن ذنوب أثقلتني فها أنا ... من الوجد قد ضاقت علي مذاهبي )
( إليك رسول الله شوقي مجددا ... فيا ليتني يممت صدر الركائب )
( فأعملت في تلك الأباطح والربى ... سراي مجدا بين تلك السباسب )
( وقضيت من لثم البقيع لبانتي ... وجبت الفلا ما بين ماش وراكب )
( ورويت من ماء بزمزم غلتي ... فلله ما أشهاه يوما لشارب )
( حبيبي شفيعي منتهى غايتي التي ... أرجي ومن يرجوه ليس بخائب )
( محمد المختار والحاشر الذي ... بأحمد حاز المجد من كل جانب )
( رؤوف رحيم خصنا الله باسمه ... وأعظم بماح في الثناء وعاقب )
( رسول كريم رفع الله قدره ... وأعلى له قدرا رفيع الجوانب )
( وشرفه أصلا وفرعا ومحتدا ... يزاحم آفاق السما بالكواكب )
( سراج الهدى ذو الجاه والمجد والعلا ... وخير الورى الهادي الكريم المناسب )
( هو المصطفى المختار من آل هاشم ... وذو الحسب العد الرفيع المناصب )

( هو الأمد الأقصى هو الملجأ الذي ... ينال به مرغوبه كل راغب )
( إمام النبيين الكرام وإنه ... لكالبدر فيهم بين تلك المواكب )
( بشير نذير مفضل متطول ... سراج منير بذ نور الكواكب )
( شريف منيف باهر الفضل كامل ... نفيس المعالي والحلى والمناقب )
( عظيم المزايا ما له من مماثل ... كريم السجايا ما له من مناسب )
( ملاذ منيع ملجأ عاصم لمن ... يلوذ به من بين آت وذاهب )
( جليل جميل الخلق والخلق ما له ... نظير ووصف الله حجة غالب )
( وناهيك من فرع نمته أصوله ... إلى خير مجد من لؤي بن غالب )
( أولي الحسب العد الرفيع جنابه ... بدور الدياجي أو صدور الكتائب )
( له معجزات ما لها من معارض ... وآيات صدق ما لها من مغالب )
( تحدى بهن الخلق شرقا ومغربا ... وما ذاك عمن حاد عنها بغائب )
( فدونكها كالأنجم الشهب عدة ... ونور سنا لا يختفي للمراقب )
( وإحصاؤها مهما تتبعت معوز ... وهو بعد نور الشمس نور لطالب )
( لقد شرف الله الوجود بمرسل ... له في مقام الرسل أعلى المراتب )
( وشرف شهرا فيه مولده الذي ... جلا نوره الأسنى دياجي الغياهب )
( فشهر ربيع في الشهور مقدم ... فلا غرو أن الفخر ضربة لازب )
( فلله منه ليلة قد تلألأت ... بنور شهاب بين الأفق شاهب )
( ليهن أمير المسلمين بها المنى ... وأن نال من مولاه أسنى الرغائب )
( على حين أحياها بذكر حبيبه ... وذكر الكرام الطاهرين الأطايب )
( وألف شملا للمحبين فيهم ... فسار على نهج من الرشد لاحب )

( فسوف يجازى عن كريم صنيعه ... بنخليد سلطان وحسن عواقب )
( وسوف يريه الله في نصر دينه ... غرائب صنع فوق تلك الغرائب )
( فيحمي حمى الإسلام عمن يرومه ... بسمر العوالي أو ببيض القواضب )
( ويعتز دين الله شرقا ومغربا ... بما سوف يبقى ذكره في العجائب )
( إلهي ما لي بعد رحماك مطلب ... أراه بعين الرشد أسنى المطالب )
( سوى زورة القبر الشريف وإنه ... لموهبة فاقت جميع المواهب )
( عليه سلام الله ما لاح كوكب ... وما رافق الأظعان حادي الركائب )
وقال لسان الدين رحمه الله تعالى وليس لهذا الرجل انتحال لغير الشعر والكتابة وغير هذا الشعر قران فقل أن ينتهي هذا الشعر في الضعة والاسترذال إلى ما دون هذا النمط فهو بغير ثان شعرا وشكلا وبلدا لطف الله تعالى بنا وبه انتهى باختصار
6 - ومن تلامذة لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى الكاتب أحمد بن سليمان بن فركون ومن نظمه على لسان من يرمى بالداء العضال في فرج عبد ابن زمرك الوزير بعد ابن الخطيب
( قالوا كلفت به غلاما حالكا ... فأجبتهم في فيه ما يرضي المهج )
( مهما جننت بحسنه وبحبه ... علقت فوقي منه حرزا من سبج )

ورأيت بخط الوادي آشي ما صورته وجدت بخط لسان الدين وخاتمة أعلام البيان المجيدين ذي الوزارتين أبي عبدالله ابن الخطيب رحمه الله تعالى في طرة اسم الكاتب أحمد بن سليمان بن فركون المختص به المتأدب بما انفرد به من انتساخ تواليف ابن الخطيب ما نصه يسقط هذا الساقط من الديوان انتهى
ولعل لسان الدين إنما أمر بإسقاطه من الإحاطة لما يتهم به من معنى بيتيه السابقين ويحتمل أن يكون لغير ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم

الباب الثامن
في ذكر أولاده
الرافلين في حلل الجلاله المقتفين أوصافه الحميدة وخلاله الوارثين العلم والعمل والرياسة والمجد عن غير كلاله ووصيته لهم الجامعة لآداب الدين والدنيا المشتملة على النصائح الكافية والحكم الشافية من كل مرض بلا ثنيا المنقذة من أنواع الضلالة وما يقع في ذلك من المناسبات القوية والأمداح النبوية التي لها على حسن الختام أظهر دلاله
اعلم وفقني الله تعالى وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يعتبر بالدهر في معضاته أن أولاد لسان الدين ثلاثة عبدالله ومحمد وعلي وكلهم حدث عن أبيه وعن ابن الجياب
أما محمد فقد نال حظه من التصوف ولم يكن له إلى خدمة الملوك تشوف ولم يحضرني الآن نص من أنبائه أكتبه لعدم وجود الكتب التي هي مظان ذلك إذ قد تركتها بالمغرب
وقد سبق فيما مر من كلام ابن خلدون أن أولاد لسان الدين كانوا من ندماء السلطان وأهل خلوته وأن عليا كان خالصة السلطان رحم الله تعالى الجميع
وأما عبد الله فقد كتب بالعدوتين لملوك الحضرتين وتولى القيادة والكتابة بالأندلس أيام كان أبوه مدبر الدولة وأكثر الناس بها كالخواص

حوله ولا أعلم الآن ما آل إليه أمره بعد وفاة أبيه وقد ألم ببعض التعريف بمبدإ أحواله أبوه لسان الدين في كتاب الإحاطة في تاريخ غرناطة فقال في حقه ما ملخصه عبد الله بن محمد بن علي بن سعيد بن الخطيب التلمساني حسن الشكل جيد الفهم يغطي منه رماد السكون جمرة حركة منقبض عن الناس قليل البشاشة حسن الخط وسط النظم كتب عن الأمراء بالمغرب وأنشدهم واقتضى صكوكهم بالإقطاعات والإحسان واختال في خلعهم ثم لما كانت الفتنة كتب عن سلطان وطنه معزز الخطة بالقيادة قرأ على قاضي الجماعة الخطيب أبي القاسم الحسني والخطيب أبي سعيد فرج بن لب التغلبي واستظهر بعض المبادىء في العربية واستجيز له من أدركه ميلاده من أهل المشرق والمغرب وشعره مترفع عن الوسط إلى الإجادة يكلله عذر الحداثة فمنه قوله في مولد أربعة وستين وسبعمائة
( بحق الهوى يا حداة الحمول ... قفوها قليلا بتلك الطلول )
( معاهد مرت عليها السحاب ... ببرق خفوق ودمع همول )
( أحن إليها حنين العشار ... وأبكي عليها بشجو طويل )
( فيا سعد عرج عليها الركاب ... ففيها لقلبي شفاء الغليل )
( سقاها من المزن صوب الغمام ... وحيا بعرف النسيم العليل )
( ولا زال فيها يجر الذيول ... فيحيي النفوس بجر الذيول )
( لئن حلت يا ربع عن عهدنا ... فعهد الهوى ليس بالمستحيل )
( ومما شجاني وميض خفوق ... كقلبي غداة النوى والرحيل )
( وميض إذا سله المزن وهنا ... يضئ سناه كعضب صقيل )

( أطار الفؤاد فؤاد المشوق ... وأغرى السهاد بطرف كليل )
( فبت أطاول ليل التمام ... بوجد جديد وصبر محيل )
( ودمع يساجل دمع الغمام ... وشجو الحمائم عند الهديل )
( فيا ليت شعري وهل من سبيل ... على الوجد يوما بصبر جميل )
( وهل يسمح الدهر بعد العناد ... بجبر الكسير وعز الذليل )
( وهل راجع عهدنا بالحمى ... على رغم دهر ظلوم جهول )
( فيا حسن مأوى عزاء جميل ... ويا طيب مأوى بظل ظليل )
( وفي ذمة الله ركب سروا ... يجدون والليل مرخى السدول )
( نشاوى بكأسين كأس الهوى ... وكأس من الأمن مثل الشمول )
( يؤمون بالعيس أم القرى ... وقبر النبي الشفيع الرسول )
( ديار بها الوحي وحي السما ... تنزل أكرم به من نزول )
( بها أشرق الدين كالشمس نورا ... وآن من الشرك وقت الأفول )
( فيا حادي العيس يطوي الفلا ... بوخد القلاص ونص الذميل )
( سفائن آل طواها السرى ... وشق الحزون وقطع السهول )
( نشدتك بالبان بان الحمى ... وبالمورد العذب والسلسبيل )
( إذا ما حللت لدى طيبة ... وجئت محل الرضى والقبول )
( وقبرا ثوى فيه خير الورى ... وبشرى الكليم وفخر الخليل )
( فأبلغ تحية صب مشوق ... عدته عوادي الزمان الخذول )
( وقل يا رسول الهدى والشفيع ... إذا ضاق صدر أب عن سليل )
( عليك الصلاة وطيب السلام ... يحييك عند الضحى والأصيل )
( نبي كريم رؤوف رحيم ... بنص الكتاب وحكم العقول )
( إمام الهدى المجتبى المصطفى ... بأزكى شهيد وأهدى دليل )

( به أظهر الله دين الهدى ... وعلم كيف سواء السبيل )
( وقام بأعباء دين الإله ... أتم القيام بفعل وقيل )
( فأكرم بليلة ميلاده ... على كل وقت وعصر وجيل )
( لك الله من ليلة فضلها ... يجر على النجم فضل الذيول )
( وأيد بالنصر مولى أقام ... مواسمها فعل بر وصول )
( أعاد بها الليل مثل النهار ... بوجه كريم وفعل جميل )
( وأبدى الرضى نحوها والقبول ... وأكرم به من حفي كفيل )
( سمي النبي الكريم الرسول ... وسيف الإله العلي الجليل )
( محمد المرتجى المستجار ... مبيد العدا ومنيل الجزيل )
( من النفر الغر أسد الكفاح ... وأهل السماح عشي النزول )
( تراهم لدى السلم أطواد حلم ... ويوم الكريهة آساد غيل )
( مبيد العداة ومحيي العفاة ... ومأوى الغريب ومدني الدخيل )
( فبأس حكى النار عند احتدام ... وجود حكى السحب عند الهمول )
( فيصلي عداه لدى الحرب نارا ... ويروي نداه زمان المحول )
( إذا فلت البيض يوم الوغى ... فلست ترى عزمه ذا فلول )
( مليك كفيل لمن يرتجيه ... بكل مرام بعيد وسول )
( وفرع كريم حميد الخلال ... نماه إلى المجد طيب الأصول )
( فدام لنا ما سرى في الرياض ... نسيم الصبا ومهب القبول )
( وحن مشوق لأرض الحجاز ... إذا لاح إيماض برق كليل )
وقال يمدح السلطان أبا عبد الله محمد بن يوسف بن نصر من مدينة فاس
( لمن طلل بالرقمتين محيل ... عفت دمنتيه شمأل وقبول )

( يلوح كباقي الوشم غيره البلى ... وجادت عليه السحب وهي همول )
( فيا سعد مهلا بالركاب لعلنا ... نسائل ربعا فالمحب سؤول )
( قف العيس ننظر نظرة تذهب الأسى ... ويشفى بها بين الضلوع غليل )
( وعرج على الوادي المقدس بالحمى ... فطاب لديه مربع ومقيل )
( فيا حبذا تلك الديار وحبذا ... حديث بها للعاشقين طويل )
( دعوت لها سقي الحمى بعدما سرى ... وميض وعرف للنسيم عليل )
( وأرسلت دمعي للغمام مساجلا ... فسال على الخدين منه مسيل )
( فأصبح ذاك الربع من بعد محله ... رياضا بها الغصن المروح يميل )
( لئن حال رسم الدار عما عهدته ... فعهد الهوى في القلب ليس يحول )
( ومما شجاني بعدما سكن الهوى ... بكاء حمامات لهن هديل )
( توسدن فرع البان والنجم مائل ... وقد آن من جيش الظلام رحيل )
( فيا صاحبي دع عنك لومي فإنه ... كلام على سمع المحب ثقيل )
( تقول اصطبارا عن معاهدك الألى ... وهيهات صبري ما إليه سبيل )
( فلله عينا من رآني وللأسى ... غداة استقلت بالخليط حمول )
( يطاول ليل التم مني مسهد ... وقد بان عني منزل وخليل )
( فيا ليت شعري هل يعودن ما مضى ... وهل يسمحن الدهر وهو بخيل )
( وهل راجع عهد الحمى سقي الحمى ... وظل بعين الدمع فيه ظليل )
( وأيام أنس كم نعمنا بقربها ... وقد غاب عنا حاسد وعذول )
( حلفت برب الراقصات إلى منى ... لهن إلى البيت العتيق ذميل )
( لجود أمير المسلمين محمد ... بكل مرام في الزمان كفيل )
( مليك أتاه الله في الملك عزمة ... يروع الأعادي بأسها ويهول )
( هو الملك المنصور والبطل الذي ... يهون عليه الخطب وهو جليل )

( إذا فلت البيض الرقاق وجدته ... أخا عزمات ما بهن فلول )
( يقصر باع المدح دون صفاته ... ويرجع عنها الفكر وهو كليل )
( من النفر البيض الوجوه لدى الوغى ... لهم غرر وضاحة وحجول )
( هم ما هم والحرب قد شب نارها ... وللخيل في جنح العجاج صهيل )
( إذا سئلوا يوم الندى فنالهم ... تفيض شآبيب له وسيول )
( بهم عز دين الله شرقا ومغربا ... وأصبح دين الكفر وهو ذليل )
( هم السادة الأنصار والعرب الألى ... حمى الدين حي منهم وقبيل )
( لهم يوم بدر والرسول أميرهم ... تصول به أرماحهم وتطول )
( فأصبح أصحاب القليب كأنهم ... كثيب لوطء المرهفات مهيل )
( وقد أمن الإسلام كيد عدوه ... وغودر ربع الكفر وهو محيل )
( وعدوا رواحا للمدينة والرضى ... لهم منه فوز عاجل وقبول )
( فمن ذا يجاري أو يداني عصابة ... جزاؤهم عند الإله جزيل )
( لكم يا بني نصر من المجد هضبة ... تزول الرواسي وهي ليس تزول )
( فيا سيد الأملاك والواحد الذي ... إذا عد فخر ليس عنه عدول )
( لقد قرع الأعداء منك مؤيد ... له الذعر نصر والحسام دليل )
( فلم يدركوا ما أملوا غير ساعة ... كذاك متاع الأخسرين قليل )
( تعاوين في باب البنود بسحرة ... كلاب عليهم بعد ذاك عويل )
( أبى الله إلا أن يموتوا بغيظهم ... فويل لهم من مكرهم وأليل )
( فأضحوا حديثا في البلاد ويومهم ... وساء صباح عندهم وأصيل )
( بسعد إمام ينزل العصم سعده ... ويروي نداه والزمان محول )
( وفرع كمال في الخلافة ثابت ... نمته إلى المجد الزكي أصول )
( حكى وجهه شمس النهار إذا بدا ... ورياه عرف الروض وهو بليل )
( أعاد لنا بالعدل أيامه التي ... عهدنا فدارت للسرور شمول )

( فدام لنا ما هب عرف من الصبا ... وأومض برق في الظلام كليل )
( وحن مشوق للحجاز إذا بدت ... لعينيه منه شامة وطفيل )
( وأشرق نجم مثل قلبي خافق ... وحان له عند الغروب أفول )
( ولا زالت الأقدار تجري بأمره ... وصنع إله العرش فيه جميل )
وقال في إعذار ابن السلطان رحمه الله تعالى ورضي عنه
( أثرها عزمة تنضي الركاب ... وإن دميت لها العين انسكابا )
( لعل الوجد تطفأ منه نار ... أبت إلا زفيرا والتهابا )
( أما بعد الألى ترجو قلوب ... تسارع نحو أرضهم انقلابا )
( فيا أخوي كفا عن عتابي ... فلست بسامع أبدا عتابا )
( تذكرت العقيق فسال دمعي ... عقيقا من تذكره مذابا )
( أقول لنسمة مرت صباحا ... يعطر عرفها القفر اليبابا )
( ألا يا هذه كوني رسولي ... وكوني إن رجعت لي الجوابا )
( نشدتك بلغي صحبي سلامي ... إذا جئت المعاهد والقبابا )
( يلومني العواذل في اشتياقي ... إذا ما القلب من وجدي تصابى )
( وكم بين الأباطح من مهاة ... تروع بلحظها الأسد الغضابا )
( رمتني ثم قالت وهي تزري ... ولم تحذر بفتكتها العقابا )
( إذا ما الشهب للغرب استمالت ... وفود الليل بالإصباح شابا )
( أوجه إن رقدت إليك طيفي ... كلمع البرق يخترق السحابا )
( فقلت لقد بخلت على مشوق ... أبى إلا غراما واكتئابا )
( وكيف له بنوم بعد وجد ... يذيب لهيبه الصم الصلابا )

( سينصره من الأنصار ملك ... إذا ناداه مظلوم أجابا )
( كريم الذات من ملإ كرام ... لقد طابت سجاياهم وطابا )
( تواضع رحمة وعلا محلا ... وسهل منه للناس الحجابا )
( فيلس يصد عن جدواه راج ... وليس يسد عن عافيه بابا )
( له عطف على الراجي جميل ... يفل من الردى ظفرا ونابا )
( وعدل أمن الأرجاء حتى ... ترى الغزلان لا تخشى الذئابا )
( أمولاي الذي أحيا المعالي ... وقد بليت وألحفت الترابا )
( مددت على البلاد جناح عدل ... وكف الجور تستلب استلابا )
( وتاب الدهر مما قد جناه ... فجدت له بعفوك حين تابا )
( وسكن عز دولتك الدواهي فكانت رحمة دفعت عذابا )
( ويا لله إعذار سعيد ... دعوت السعد فيه فاستجابا )
( عجبت لمقدم والروع يهفو ... بأفئدة الكماة وما استرابا )
( ومن شبل أطاع أخا سلاح ... وحكمه اصطبارا واحتسابا )
( وهل عذر لعاذر ليث غاب ... أظن فؤاده والعقل غابا )
( فلولا سنة حكمت وهدي ... أصبت وقد سلكت به الصوابا )
( لحامت عصبة الأنصار عنه ... بأسياف تقد بها الرقابا )
( من الصيد الذين لهم نفوس ... لغير الفخر لا تصل الطلابا )
( تنير الليل أوجههم إذا ما ... أرادوا السير أو حثوا الركابا )
( دعوت به الأنام ليوم حشر ... ولم تذخر لهم إلا الثوابا )
( رأوا من زخرف الدنيا مقاما ... يذكر بالجنان لمن أنابا )
( وأبهتهم فما عاطوا حديثا ... ولا عرفوا السؤال ولا الجوابا )

( ولو مكثوا به دهرا طويلا ... لما ذكروا الطعام ولا الشرابا )
( وطاردت الصوار بكل ضار ... كما أتبعت عفريتا شهابا )
( ضربت به على الآذان منها ... فلم تسطع حراكا واضطرابا )
( ومعصوب الجبين بتاج روق ... يروع خواره الأسد الغضابا )
( تعرف أن تحت الأرض ثورا ... فرام بأن يشق له الترابا )
( وكلت به هضيم الكشح أجنى ... حديد الناب تحسبها حرابا )
( تباعد مجمع الشدقين منه ... وسال الموت بينهما لعابا )
( فأثبته كوحي الطرف حتى ... توثق منه جازره غلابا )
( وصاح به الصوار وقد رآه ... حبيس الكلب قدمنع الإيابا )
( فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا )
( وأرسلت الجياد إلى استباق ... كأن بوارقا شقت سحابا )
( فمن ورد أقب ومن كميت ... واشهب يلهب الأرض التهابا )
( وساقية العماد إذا أطلت ... إلى الأدواح تنساب انسيابا )
( تحوم بها العصي فراش ليل ... تروم بسمعه منه اقترابا )
( تحف بها خيول القوم منا ... فترسل نحوها الجرد العرابا )
( عجائب أبدعت علياك فيها ... ومثلك يبدع الأمر العجابا )
( محمد لا عدمت الدهر حمدا ... فقد أحسنت في الملك المنابا )
( وزكى نفسك الرحمن لما ... رآك ملكت للمجد النصابا )
( تداركت البلاد ومن عليها ... فامنت التنائف والشعابا )
( لقد أوليتنا بيض الأيادي ... لقد طوقتنا المنن الرغابا )
( روت عنك العوالي في المعالي ... حديث الفخر حقا لا انتسابا )
( ستفتح من بلاد الشرك أرضا ... قد اعتقلت عقائلها اغتصابا )

( وتعمل في العدا بيض المواضي ... إلى أن ينكر السيف القرابا )
( فما كأس من الصهباء صرف ... تعيد الشيخ من طرب شبابا )
( وطاف بها من الرهبان بدر ... يهتك من دجى الليل الحجابا )
( تجد الأنس عودا بعد بدء ... وربع الهم تتركه خرابا )
( بأعذب من ثنائك حين يطوي ... به الركب الأباطح والهضابا )
( أمولاي استمعها بنت فكر ... تخيرها فأبرزها لبابا )
( وغاص على فرائدها الغوالي )
( وشق على نفائسها العبابا )
( وهناك الإله بكل نعمى ... تقود لك الأماني الصعابا )
( ودمت لعزة الإسلام ركنا ... إلى أن يشمل الشيب الغرابا )
وقال وقد أنشدها السلطان ليلة الميلاد عام خمسة وستين وسبعمائة
( نفس الصبا أهدى إلي نسيما ... قد رام ممتنعا ورام عظيما )
( يا هل يبلغني السرى خير الورى ... فأرى معاهد للهوى ورسوما )
( وأسابق الركبان فوق نجيبة ... تفري من البيد العراض أديما )
( وأحط رحلي في كريم جواره ... أرجو نعيما في الجنان مقيما )
( حتى إذا بلغوا الذي قد أملوا ... ورأوا مقاما بالرضى موسوما )
( وتزاحموا في الترب يستلمونه ... أرأيت في الورد الظماء الهيما )
( قبلت ذاك الترب من شوقي إلى ... من حله وأقمت فيه لزيما )
( وبكيت من دمع المآقي زمزما ... وتركت جسمي كالحطيم حطيما )
( صلى عليه الله ما هبت صبا ... تهدي من الطيب الزكي شميما )
( لله مولده الذي أنواره ... صدعت ظلاما للضلال بهيما )
( شرعت من التأييد سيف هداية ... أردت ظباه فارسا والروما )
( كسر الأكاسر بالعراء ولم يدع ... أن رد قيصر مهزوما )

( لله منها ليلة اضحى بها ... شمل الهدى لأولي الهدى منظوما )
( أبدا أمير المسلمين أعدها ... بدعا من القصر الكريم جسيما )
( ملك أقام الله منه لخلقه ... مولى رؤوفا بالعباد رحيما )
( يحمي ذمار المسلمين من الردى ... ويبيح ربعا للعدا وحريما )
( بمحمد قد عاد دين محمد ... غض الرياض وكان قبل هشيما )
( أحيا به الله الخلافة بعدما ... كانت بأطباق التراب رميما )
( من آل سعد الخزرج بن عبادة ... طابوا فروعا في العلا وأروما )
( تلقاه في يوم الكريهة والوغى ... والخيل عابسة أغر وسيما )
( وتخال كفيه إذا شح الحيا ... أفقا بعامية الغيوث غيوما )
( تأبى خلال العدل والشيم العلا ... من أن يرى في دهره مظلوما )
( كهف العباد وفخرها وثناؤه )
( ترك المديح على الطروس رقيما )
( لا زال يلقى العيش طلقا والعلا ... مرقى وصرف الحادثات خديما )
( ما اهتز غصن في الحديقة ناعم ... لما أحس من الشمال شميما )
مولده بغرناطة يوم السبت سابع عشر صفر عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة انتهى
أشعار للسان الدين
ومما خاطب به لسان الدين رحمه الله تعالى ولده عبد الله المذكور ما في النفاضة من قوله أنشدت ابني عبدالله وقد وصل لزيارتي من الباب السلطاني حيث جرايته ووظيفته وانجر حديث ما فقد بغرناطة في شجون الكلام
( يا بني عبد الإله احتسابا ... عن أثاث ومنزل وعقار )

( كيف يأسى على خسارة جزء ... من يرى الكل في سبيل الخسار )
( هدف لا تني سهام الليالي ... عن سباق تجاهه وبدار )
( واحد طائش وسهم مصيب ... ليس ينجي منها اشتمال حذار )
( غير ذي الدار صرف الهم فيها ... فمناخ الرحيل ليس بدار )
انتهى وقال أيضا رحمه الله تعالى مما أنشدته ولدي عبد الله وأمرته بحفظه والتأدب به واللهج بحكمته
( إذا ذهبت يمينك لا تضيع ... يسارك في البكاء ولا المصيبه )
( ويسراك اغتنم فالقوس ترمي ... وما تدري أرشقتها قريبه )
( وما بغريبة نوب الليالي ... ولكن النجاة هي الغريبة )
قال ومن المنظوم في قريب من هذا قولي
( أيا أهل هذا القطر ساعده القطر ... دهيت فدلوني لمن يرفع الأمر )
( تشاغلت بالدنيا ونمت مفرطا ... وفي شغلي أو نومتي سرق العمر )
وقال رحمه الله تعالى ومما قلته وقد أنصرف عني الولد عبد الله إلى مدينة فاس لإقامة رسمه من الخدمة وأشجاني انصرافه لوقوع قرحة على قرح والله المستعان
( بان يوم الخميس قرة عيني ... حسبي الله أي موقف بين )
( لو جنى موقف النوى حين حيا ... حان يوم الوداع والله حيني )
( ضايقتني صروف هذي الليالي ... وأطالت همي وألوت بديني )
( وطن نازح وشمل شتيت ... كيف يبقى معذب بعد ذين )
( يا إلهي أدرك بلطفك ضعفي ... إن ما أشتكيه ليس بهين )
وقال رحمه الله تعالى أنشدت يوما ولدي عبد الله وقد رأيت منه نشاطا

ومرحا انتقل مني إليه بعد السن
( سرق الدهر شبابي من يدي ... وفؤادي مشعر بالكمد )
( جملة الأمر إذا أبصرته ... باع ما أفقدني من ولدي )
وقد سبق هذان البيتان عند ذكر بعض نظم لسان الدين رحمه الله تعالى
علي وتعليقاته على الإحاطة
وأما علي بن لسان الدين رحمه الله تعالى فهوشاعر البيت بعد أبيه النبيه وكان مصاحبا للسلطان أحمد المريني المستنصر بالله ابن السلطان أبي سالم ابن السلطان أبي الحسن المريني رحمهم الله تعالى
وحكى بعضهم أنه حضر معه في بستان سح فيه ماء المذاكرة الهتان وقد أبدى الأصيل شواهدالاصفرار وأزمع النهار لما قدم الليل على الفرار فقال المستنصر لما لان جانبه وسالت بين سرحات البستان جداوله ومذانبه
( يا فاس إني وأيم الله ذو شغف ... في كل ربع لهم مغناه يسبيني )
( وقد أنست بقرب منك يا أملي ... ونظرة فيكم بالأنس تحييني )
فأجابه أبو الحسن علي بن الخطيب بقوله المصيب
( لا أوحش الله ربعا أنت زائره ... يا بهجة الملك والدنيا مع الدين )
( يا أحمد الحمد أبقاك الإله لنا ... فخر الملوك وسلطان السلاطين )
وقد رحل رحمه الله تعالى إلى مصر ولم يحضرني الآن من أحواله بعد دخوله مصر ما أعول عليه وقد كان وقف بالقاهرة على نسخة الإحاطة التي وجهها أبوه إلى مصر ووقفها بخانقاه سعيد السعداء كما أشرنا إليه فيما مر فكتب بالحواشي كتابات مفيدة وقد ذكرنا بعضها فيما أسلفناه من هذا الكتاب

فليراجع إما تكميل لما أغفله أبوه وإما إخبار عما شاهده هو أو رواية له عن المترجم به أو جواب عن أبيه فيما انتقد عليه
نماذج في تعليقاته من ترجمة ابن جابر
ولنذكر شيئا منها غير ما تقدم بعد إيراد نص الإحاطة فنقول
قال في الإحاطة في حرف الميم في ترجمة شمس الدين الهواري الضرير شارح ألفية ابن مالك وصاحب البديعية الشهيرة بالأعمى والبصير ما صورته محمد بن أحمد بن علي الهواري يكنى أبا عبدالله ويعرف بابن جابر من أهل المرية
حاله رجل كفيف البصر مدل على الشعر عظيم الكفاية والمنة على زمانته رجل إلى المشرق وتظاهر برجل من أصحابنا يعرف بأبي جعفر الإلبيري صارا روحين في جسد ووقع الشعر منهما بين لحيي أسد وشمر للعلم وطلبه فكان وظيفة الكفيف النظم ووظيفة البصير الكتب وانقطع الآن خبرهما انتهى
فكتب المذكور على أول الترجمة ما صورته نعم الرجل ورفيقه أبو جعفر أحسن الله تعالى إليهما فلقد أحسنا الصحبة في الغربة وانفردا بالنزاهة والفضل وعلو الهمة إلا أن المصنف قصر فيهما بعض قصور ومنهما يطلب والإغضاء والصفح فالرجل مات وذكر الأموات بالخير مشروع وهما والله الشرف الباهر بقطرهما علما وعملا أمتع الله تعالى بهما قاله ولد المؤلف علي بن الخطيب بالقاهرة انتهى

وكتب على قول أبيه وانقطع الآن خبرهما ما نصه هما الآن بإلبيرة من حلب تحت إنعام ولطف تحث إليهما الرواحل وتضرب إليهما آباط النجب
رجع لتكميل ترجمة الشمس ابن جابر من الإحاطة
قال لسان الدين بعد ما مضى ما نصه وجرى ذكره في الإكليل بما نصه محسوب من طلبتها الجلة ومعدود فيمن طلع بأفقها من الأهلة رحل إلى المشرق وقد أصيب ببصره واستهان في جنب الاستفادة بمشقة سفره على بيان عذره ووضوح ضره
شعره وشعره كثير فمنه قوله
( سلوا حسن ذاك الخال في صفحة الخد ... متى رقموا بالمسك في ناعم الورد )
( وقولوا لذاك الثغر في ذلك اللمى ... متى كان شأن الدر يوجد في الشهد )
( ومن هز غصن القد منها لفتنتي ... وأودعه رمانتي ذلك النهد )
( ومن متع القضب اللدان بوصفها ... إلى أن أعرن الحسن من ذلك القد )
( فتاة تفت القلب مني بمقلة ... لها رقة الغزلان في سطوة الأسد )
( تمنيت أن تهدي إلي نهودها ... فقالت رأيت البدر يهداه أو يهدي )
( فقلت أللرمان بد من الجنى ... فتاهت وقالت باللواحظ لا الأيدي )
( فقلت أليس القلب عندك حاصلا ... فقالت قلوب الناس كلهم عندي )
( فقلت اجعليني من عبيدك في الهوى ... فقالت كفاني كم لحسني من عبد )
( إذا شئت أن أرضاك عبدا فمت جوى ... ولا تشتكي واصبر على ألم الصد )
( ألم تر أن النحل يحمل ضرها ... لأجل الذي تجنيه من خالص الشهد )
( كذلك بذل النفس سهل لذي النهى ... لما يكسب الإنسان من شرف الحمد )
( ألست ترى كف ابن جانة طالما ... أضاع كريم المال في طلب المجد )

وكتب ابن المؤلف على هذه القصيدة ما صورته عارضة قوية ونزعة خفاجية وكيف لا والشيخ أبو عبدالله صدر صدور الأندلس علما ونظما ونحوا زاده الله تعالى من فضله انتهى
رجع الى الترجمة قال لسان الدين وقال يعني ابن جابر
( عرج على بان العذيب ونادي ... وانشد فديتك أين حل فؤادي )
( وإذا مررت على المنازل بالحمى ... فاشرح هنالك لوعتي وسهادي )
( إية فديتك يا نسيمة خبري ... كيف الأحبة والحمى والوادي )
( يا سعد قد ... بان العذيب وبانه ... فانزل فديتك قد بدا إسعادي )
( خذ في البشارة مهجتي يوما إذا بان العذيب ونور حسن سعاد )
( قد صح عيدي يوم أبصر حسنها ... وكذا الهلال علامة الأعياد )
ومما نقلته من جزء قيده لي صاحبنا الفقيه الأستاذ أبو علي الزواوي مما ادعاه لنفسه
( علي لكل ذي كرم ذمام ... ولي بمدارك المجد اهتمام )
( وأحسن ما لدي لقاء حر ... وصحبة معشر بالمجد هاموا )
( وإني حين أنسب من أناس ... على قمم النجوم لهم مقام )
( يميل بهم إلى المجد ارتياح ... كما مالت بشاربها المدام )
( هم لبسوا أديم الليل بردا ... ليسفر عن أديمهم الظلام )
( هم جعلوا متون العيس أرضا ... فمذ عزموا الرحيل فقد أقاموا )
( فمن كل البلاد لنا ارتحال ... وفي كل البلاد لنا مقام )
( وحول موارد العلياء منا ... لنا مع كل ذي شرف زحام )
( تصيب سهامنا غرض المعالي ... إذا ضلت عن الغرض السهام )
( وليس لنا من المجد اقتناع ... ولو أن النجوم لنا خيام )

ثم سرد لسان الدين القصيدة بتمامها وذكر بعد ما سبق اثنين وستين بيتا ولم نثبتها لطولها ثم قال بعدها نجزت وما كادت ثم قال بعدها أيضا وقد وطأ لإمطاء قروحها وأعيا لإكثار سروحها ثم قال بعده والله ولي النجاة بفضله انتهى
وكتب ابنه على أول القصيدة وهو علي لكل ذي كرم ذمام ما نصه نزعة معرية قاله ابن المؤلف رحمه الله تعالى انتهى
وكتب الشيخ ابن مرزوق على قوله نجزت إلى آخره ما صورته ما أنصف المصنف هذا الفاضل في ترجمته وقدره شهير ومكانه من الفضيلة كبير وعلمه غزير ولعله لم يطلع إلا على ما أودعه
وكتب إثره ابن لسان الدين ما صورته نعم يا سيدي أبا عبدالله ابن مرزوق لم ينصف المترجم به المؤلف ولولا أنهما بالحياة ما صدر منكم التنبيه ولو حصلا تحت الصفيح لم تعملوا فيهما قلما هكذا شأن الدنيا بقلة الوفاء شنشنة معروفة والحقد على الأموات شأن المغاربة قاله علي ابن المصنف رحمه الله تعالى انتهى
استطراد بأشعار ابن جابر
ولا خفاء أن لسان الدين لم يستوف حقوق الشمس ابن جابر الهواري المذكور مع أن له محاسن جمة ومن محاسنه رحمه الله تعالى
( هناؤكم يا أهل طيبة قد حقا ... فبالقرب من خير الورى حزتم السبقا )
( فلا يتحرك ساكن منكم إلى ... سواها وإن جار الزمان وإن شقا )
( فكم ملك رام الوصول لمثل ما ... وصلتم فلم يقدر ولو ملك الخلقا )
( فبشراكم نلتم عناية ربكم ... فها أنتم في بحر نعمته غرقى )

( ترون رسول الله في كل ساعة ... ومن يره فهو السعيد به حقا )
( متى جئتم لا يغلق الباب دونكم ... وباب ذوي الإحسان لا يقبل الغلقا )
( فيسمع شكواكم ويكشف ضركم ... ولا يمنع الإحسان حرا ولا رقا )
( بطيبة مثواكم وأكرم مرسل ... يلاحظكم فالدهر يجري لكم وفقا )
( فكم نعمة لله فيها عليكم ... فشكرا وشكر الله بالشكر يستبقى )
( أمنتم من الدجال فيها فحولها ... ملائكة يحمون من دونها الطرقا )
( كذاك من الطاعون أنتم بمأمن ... فوجه الليالي لا يزال بكم طلقا )
( فلا تنظروا إلا لوجه حبيبكم ... وإن جاءت الدنيا ومرت فلا فرقا )
( حياة وموتا تحت رحماه أنتم ... وحشرا فستر الجاه فوقكم ملقى )
( فيا راحلا عنها لدنيا يريدها ... أتطلب ما يفنى وتترك ما يبقى )
( أتخرج عن حرز النبي وحوزه ... إلى غيره تسفيه مثلك قد حقا )
( لئن سرت تبغي من كريم إعانة ... فأكرم من خير البرية ما تلقى )
( هو الرزق مقسوم فليس بزائل ... ولو سرت حتى كدت تخترق الأفقا )
( فكم قاعد قد وسع الله رزقه ... ومرتحل قد ضاق بين الورى رزقا )
( فعش في حمى خير الأنام ومت به ... إذا كنت في الدارين تطلب أن ترقى )
( إذا قمت فيما بين قبر ومنبر ... بطيبة فاعرف أين منزلك الأرقى )
( لقد أسعد الرحمن جار محمد ... ومن جار في ترحاله فهو الأشقى )
ومن محاسنه رحمه الله تعالى المقصورة الفريدة وهي قوله
( بادر قلبي للهوى وما ارتأى ... لما رأى من حسنها ما قد رأى )
( فقرب الوجد لقلبي حبها ... وكان قلبي قبل هذا قد نأى )

( يا أيها العاذل في حبي لها ... أقصر فلي سمع عن العذل بأى )
( لو أبصر العاذل منها لمحة ... ما فض باب عذله ولا فأى )
( سرحت طرفي طالبا شأو العلا ... وتابعا في حبها ما قد شأى )
( إني لأرعاها على تتبيعها ... عهدي ومثلي من وفى إذا وأى )
( من منصفي من شادن لم أرجه ... لحاجة من وصله إلا زأى )
( وإن قبضت النفس عن سلوانه ... مد أديم هجره لي وسأى )
( لأقطعن البيد أفري حاذها ... بضامر يفري الحصى إذا جأى )
( حتى أزور ربة الخدر وقد ... ذاد الكرى عني الوشاة وذأى )
( يا رب ليل قد تعاطينا به ... حديث أنس مثل أزهار الربى )
( في روضة تعانقت أعصانها ... إذ واصلت ما بينها ريح الصبا )
( نادمت فيها من بني الحسن رشا ... يصبو له من لم يكن قط صبا )
( حلو رخيم الدل في أعطافه ... لين وفي ألحاظه بيض الظبي )
( أيام كان العيش غضا حسنه ... عذب الجنى ريان من ماء الصبا )
( أي زمان ومحل للمنى ... ما ضاق مغناه بنا ولا نبا )
( يا مربعا ما بين نجد والحمى ... ويا زمانا قد حباني ما حبا )

( الله يرعاه زمانا لم يحل ... عن بذل ما نأمله ولا أبى )
( فأي مغنى آهل يممته ... لمقصد حلت لنا فيه الحبا )
( هل ترجع الأيام عيشا باللوى ... فراقه كان اللهيم الأربى )
( تالله لا أعبا بعيش قد مضى ... ولا زمان قد تعدى وعتا )
( مذ علقت كفي بالهادي الذي ... ساد الورى طفلا وكهلا وفتى )
( كالبحر لا يغيض يوما ورده ... لوارد إذا أصاف أو شتا )
( متصل البر لمن قد أمه ... لا يكره العودة ممن قد أتى )
( ولا يناجي نفسه في ضيقة ... أي نهار سر هذا ومتى )
( إن رسول الله مصباح هدى ... يهدي به من في دجى الليل متا )
( كف بني الجور بعدل واضح ... كما تكف اليد كفا من فتى )
( كم ذي هوى قد راضه بهدية ... فانقاد كالعبد إذا العبد قتا )
( قد خالط الحلم سجايا طبعه ... كمثل ما قد خالط الثوب الستا )
( أقسمت لا زلت أوالي مدحه ... ما اشتد بالناس زمان ورتا )
( لولا اشتياقي لديار كرمت ... لبعدها يرثي لنا من قد رثى )
( ومدح من أرجو بأمداحي له ... إصلاح ما قد عاث مني وعثا )
( لم أجعل الشعر لنفسي خلة ... ولم يجش فكري به ولا غثا )

( فما أرى الأيام تبدي منصفا ... ولو حكيت المسك من حسن النثا )
( يا ضيعة الألباب في دهر غدا ... فيه فتيت المسك يعلوه الخثى )
( يا ويل أم ليس تزجي ضيمها ... مثلي بما تبديه من منع الحثا )
( هل مارست إلا أخا عزم إذا ... ما قعد الناس عن الخطب جثا )
( تسيل من جهد السرى أعطافه ... كمثل ما سال من الدوح اللثى )
( له اعتصام بالرسول المجتبى ... أجود من أضفى العطايا وحثا )
( من ليس للدنيا محل عنده ... ولا ينيل المال إلا بالحثا )
( أنا الفتى لا يطبيني طمع ... فأبذل الوجه لنيل يرتجى )
( لكن إذا اضطر زمان جائر ... أملت من ليس يرد من رجا )
( لا أسأل النذل ولو أني به ... أملك ما حاز النهار والدجى )
( حسبي بنو عبد مناف بهم ... يغني من استغنى وينجو من نجا )
( أولئك القوم الألى من أمهم ... أمن ممن لام يوما وهجا )
( يلقاك منهم كل وجه مشرق ... كأنه البدر إذا الليل سجا )
( إني مذ أملتهم لم يثنني ... عن طلب المجد زمان قد شجا )
( إن أنا قد نكرني دهر عدا ... فطالما عرفني فضل الحجى )
( يطوي العدا ذكري ومجدي ناشري ... آليت لا زال لهم مني شجا )
( أنا الذي أعملت للمجد السرى ... لا أسأم الأين ولا أشكو الوجى )

( كم سرت في البيداء لا يقلقني ... حر الهجير لا ولا برد الضحى )
( أرسلها غر الذرا تسري بنا ... كل عويص السير صعب المنتحى )
( يطيح مفتوت الحصى من دونها ... كأنه سهم عن القوس طحا )
( فكم بذلت الجهد في كسب العلا ... وجدت بالنفس لحاني من لحا )
( أرغم أعداي بحزم نافذ ... يعركهم عرك الثفال بالرحى )
( أذود عن عرضي وأحمي حسبي ... بكرم جزل ومجد قد ضحا )
( أقسم بالبيت ومن طاف به ... ومن نحا وجهته فيمن نحا )
( وكل من أعمل لله الخطا ... محا بها من الخطايا ما محا )
( ومعشر ثجوا وعجوا فلهم ... بمرتقى المروة ذكر ووحى )
( لا زلت أزجيها لإدراك العلا ... حتى ترى من جهدها مثل اللحا )
( يا عجبا من حاسد لي قد زها ... بعيشه الغض علي وانتخى )
( كأنني لم أعرف العز ولا ... صاحبت دهري في سرور ورخا )
( وإنما الدهر له تقلب ... إن ارتخى شد وإن شد ارتخى )
( إن الذي لا ينثني عن جوده ... إن بخل الدهر لنا وإن سخا )
( خير الورى طرا من الله به ... أذهب عنا كل غي فامتخى )
( شرفه الله وحلى جيده ... بجوهر من كل مجد موتخى )
( زينه تواضع على علا ... فما ازدهى بعزة ولا نخا )
( فكم حمى بهديه وكم وقى ... وكم أفاد آملا وكم نخا )

( خلص من أسر الخطايا جاهه ... فما على قلب امرىء منها طخا )
( خفف عنا ثفل ما نحمله ... فلم نبت من ثقله نشكو السخا )
( إن تحسب الرسل سماء قد بدت ... فإنه في أفقها نجم هدى )
( وإن يكن كل كريم قد مضى ... طلا فقد أضحى لنا غيث جدا )
( وإن يكونوا أنجما في فلك ... فإنه من بينهم بدر بدا )
( واسطة السلك إذا ما نظموا ... وملجأ القوم إذا الخطب عدا )
( كالبحر بل كالبدر جودا وسنا ... فحبذا من اجتدى أو اقتدى )
( أحسن أخلاقا من الروض إذا ... ما اختال في برد الصبا أو ارتدى )
( وساقط القطر عليه دمعه ... فابتل برد الزهر منه وانتدى )
( تفديه نفسي من شفيع للورى ... وقلت النفس له مني فدا )
( هو الذي أنعشنا من بعد ما ... قد يبس الغصن وأذواه الصدى )
( وكنت في ليل الهوى ذا حيرة ... فجاء بالحق وأنجى وهدى )
( فكم كسا من ثوب نعمى قد ضفا ... وكم هدى بعلمه وكم غذا )
( من اقتدى بغيره فإنه ... لم يتبع سبل الهدى ولا حذا )
( هل هي إلا سنة الحق التي ... أرشد من لاذ بها أو احتذى )
( كف اللسان وانبساط الكف بال ... وطيب الذكر هم قد شذا )

( أحسن ما نال الفتى من كرم ... أن لا يرى من أجله من ائتذى )
( والصمت عما لا يفيد قوله ... من كلم يهذي به فيمن هذى )
( لا شيء كالصمت وقارا للفتى ... يوما ولا أنجى له من الأذى )
( من عيبه يشغله عن غيره ... بات سليم العرض نفاح الشذا )
( ومن يعب عيب ومن يحسن إذن ... لان له كل عصي وخذا )
( ومن تكن دنياه أقصى همه ... لم يرو من ثدي الحجى ولا اغتذى )
( لا تنفق العمر سوى في حب من ... هو الذي في سنن الحق جرى )
( يهديك من رشد ومجد واضح ... روضين من علم وذكر قد سرى )
( أجاد هديا وأفاد نائلا ... وجاد حتى حمم الجود الورى )
( ترى بني الحاجات نحو بابه ... قد أعملوا العيس بحزن في البرى )
( لهم إلى رؤيته تشوق ... تشوق الساري إلى نار القرى )
( ذا يبتغي علما وهذا نائلا ... وخائب من قصده ليس يرى )
( كأنهم إذا رأوا غرته ... وفد حجيج عاينوا أم القرى )
( وجه لديه يحمد السير كذا ... عند الصباح يحمد القوم السرى )
( هدا إذا ما أخلف الناس وفى ... نائي المدى في مجده سامي الذرا )
( إذا شددت الكف في أمر به ... فليس بالواني ولا الواهي العرى )
( أنهضني بهديه إلى التقى ... بعد قصور العزم والباع الوزى )

( هو الشفيع المجتزى بجاهه ... بمثل ذاك الجاه حقا يجتزى )
( مذ زرته لم أشك من شحط النوى ... إذ كان لي فيه غنى ومجتزى )
( وما وجدت غربة ولم يجد ... مس اغتراب من إلى الجود اعتزى )
( متصل البشر غضوب للهدى ... إذا رأى من زاغ عنه أو نزا )
( أصبح من أيامه في مأمن ... من قد لجا يوما إليه أو رزى )
( تخذته كهفا فبت آمنا ... جزاه رب العرش خير ما جزى )
( أدبنا بسنة أفلح من ... نمى إليها النفس يوما أو عزا )
( يجزي أخا الحسنى على إحسانه ... شكر امرىء راض الأمور وحزا )
( لست أجازي الشر بالشر ولا ... أغزو لناوي السوء مثل ما غزا )
( لم تر عين كرسول الله ذا ... حزم ولا أحلم إن دهر غزا )
( إذا ملمات الأمور قلقلت ... ألفيته كأنه طود رسا )
( بخلقه فليقتد المرء فما ... أكرمها من مقتدى ومؤتسى )
( كن حذرا وإن رأيت تمرة ... فمثلها توقد جمرة الأسى )
( لا تيأسن إن تناءى أمل ... وكلما عثا زمان قد عسا )
( وإن بدا صبح المشيب فاطرح ... ما كان إذ ليل الشباب قد غسا )
( ولا تظن الشيب يرجى طبه ... بزور صبغ أو مدام يحتسى )
( إذا الفتى قوس واعتد العصا ... لقوسه عن وتر أعيا الأسا )
( فاذكر زمان الشيب في حال الصبا ... عسى يلين للتقى قلب قسا )

( ما أقبح اللهو على المرء إذا ... ما اشتعل الرأس مشيبا واكتسى )
( لا تحسب الراحة راحا قراقفا ... للشرب منها قبس ومنتشى )
( إذا أداروها وقد جن الدجى ... وشى بهم نيرها فيمن وشى )
( قد حجبت في دنها دهرا إلى ... أن برزت كأنها صبح فشا )
( لم يبق من جوهرها إلا سنا ... ينشىء أفراح الفتى إذا انتشى )
( كأنها والكأس قد حفت بها ... متيم أصبح مضروم الحشا )
( يديرها مختلف الحسن إذا ... أقبل بدر وإذا تاه رشا )
( يحكي القطا والظبي والغصن إذا ... ما قد تثنى أو تجنى أو مشى )
( وإنما الراحة زهد المرء في ... أعراض دنيا تورث العين غشا )
( والمجد إيقادك نيران القرى ... يعشو لها في الأزمات من عشا )
( والجود أن تعطي قباء للندى ... لا لافتخار أو لجاه يختشى )
( خاب أمرؤ لم ير أرضا حلها ... من اصطفى رب السماء وانتصى )
( أرسله الله هدى ورحمة ... أوصى ووالى الخير فينا ووصى )
( وخلص الأنفس من أسر الهوى ... في يوم هول فاز فيه من فصى )
( ذو رأفة تلقاه يوم العرض قد ... مال بناعن الجحيم ومصى )
( صلى عليك الله يا من جاهه ... يوم الحساب ملجأ لمن عصى )
( يا من جرى من كفه الماء ومن ... حن له الجذع وسبح الحصى )
( بك اعتصامي يوم يدنو من دنا ... من رحمة الله ويقصى من قصا )

( هل غير إحسانك يرجو مذنب ... طال به خوف الخطايا وانتصى )
( يا من سما في يوم بدر بدره ... عزا ليشقى كل من شق العصا )
( أحصاهم رب السماء عددا ... وإنهم أدنى الفريقين حصى )
( يا مجتبى من خير قوم حسبا ... فيما أتى من زمن وما مضى )
( يا من تدانى قاب قوسين ومن ... قيل له سل تعط قد نلت المضا )
( ومن أتى والناس من ظلمهم ... في ظلمة ليس لها من مرتضى )
( فكان كالصبح جلا جنح الدجى ... فأذهب الإظلام عنا وانتضى )
( رضيت للإرسال إذ آدم بي ... ن الماء والطين فكنت المرتضى )
( اختارك الله رسولا هاديا ... أكرم بما اختار لنا وما قد ارتضى )
( يا أحلم الناس على من قد جنى ... وأعدل الخلق إذا ما قد قضى )
( يا مصغر الألف إذا ما جاد أو ... جرد في الهيجاء سيفا أو نضا )
( يا ناصحا أحكم تشييد الهدى ... عزما فلما ينتقض و لا انقضى )
( يا مضفيا للناس ظل رحمة ... بات العدا منها على جمر الغضا )
( ادفع الشر بحسنى فإذا ... به أخو صدق وإن كان سطا )
( وانف لنفس كرهت أعمالها ... كمن يريك قدرها حث الخطا )
( إن يدرك الهوى الفتى في بيته ... ليس كمن سعى إليه وخطا )
( وإن خيرا من صديق سيء ... أن يصحب الإنسان في البيد القطا )
( ولا ترم ما لا تطيق نيله ... فخجلة الخيبة شر ممتطى )
( وبت من الدنيا مبات خائف ... فلليالي عدوات وسطا )
( وخلها عنك ولا تعبأ بما ... تبوأ المكثر منها وعطا )

( وجنب الحرص تعش ذا عزة ... أفلح من إن شده الحرص نطا )
( ولا تجد للنفس خظا واطرح ... من امتطى الكبر فبئس ما امتطى )
( لا تطرين صاحبا بغير ما ... فيه فإطراء الفتى كسر المطا )
( لا يحسن المدح سوى لمن يرى ... مادحه بمدحه قد احتظى )
( خير عباد الله ذو العز الذي ... لظله يأوي الشريف الشظى )
( كم آمن ببابه وقبل أن ... يلقاه لاقى ما عجا وما عظا )
( أصبح من حرمته في حرم ... يرفل في ظل هبات وحظا )
( في منزل سيان فيه ربه ... وضيفه فيما اقتنى وما حظا )
( إن رسول الله غيث واكف ... إذا لهيب الصيف داج والتظى )
( إذا أعد للملمين القرى ... لم يدخر عن ضيفه ولا حظا )
( لما علمت جوده الجزل وما ... هناك من علم وحلم وبظا )
( يممته فوق طمر ضامر ... منتظم الأعضاء ملموم الشظا )
( ليس يمس الأرض من سرعته ... كأنما يخشى بها مس اللظى )
( يا موسع الألف بصاع شبعا ... ومن مشى الدوح إليه وسعى )
( وأخصب الضرع بلمس كفه ... وبادر المزن له لما دعا )

( وسلم الظبي عليه كرما ... وكلم الميت فقام ورعى )
( واستشهد الضب فحيا معلنا ... بصدقه ومثبتا لما ادعى )
( إليك أعملت المطايا في الفلا ... تنساب ما بين أراك ولعا )
( مسوغا جاهك علي في غد ... أكون ممن قد أجاد ورعا )
( أزكى صلاة وسلام أبدا ... عليك ما ارتاح الظليم وارتعى )
( وسبح الرعد بحمد من سقى ... صوب الحيا فقال للأرض لعا )
( فاشتملت بالنور كل فدفد ... لم يك للسارح فيه فيه مرتعى )
( وباكر البيداء غيث مسبل ... فأخلف النبت الهشيم ورعى )
( ودق سحاب تحسب البرق به ... أسنة قد أشرعت يوم وغى )
( واخضرت الدوح ومدت قضبها ... فبينها حسن التئام وصغا )
( وساقطت لها السحاب حملها ... إذ خوف الرعد تساقط الفغا )
( ترى خرير الماء في قضيبه ... كأنه ميت ذود قد رغا )
( فسكن القيظ لهيب حرة ... وفر لما أن رأى الماء طغى )
( غيث حمى الرمضاء عنا مثلما ... حمى رسول الله جور من بغى )
( ناه عن الفحشاء داع للهدى ... لم ينتطق بباطل ولا لغا )
( هذا إذا استكفيت في أمر به ... أجداك فيما تنتحيه وكفى )
( تهفو به ريح العلا إلى الندى ... كأنه ناعم غصن قد هفا )
( محيي الهدى والعدل في زمانه ... من بعد ما الفاهما على شفا )

( أخفى الهدى قوم فأضحى وهو قد ... أظهره بعد له فما اختفى )
( إن يقض يعدل أو متى يسأل يهب ... وإن يقل يصدق وإن يعد وفى )
( وإن يجد يجزل وإن جاد يعد ... وإن تسىء يحسن وإن تجن عفا )
( بحر طما بدر سما عضب حمى ... روض نما طب أفاد وشفى )
( لمجتد أو مقتد أو معتد ... أو مجدب أو مشتك خطبا جفا )
( ما لي لا أضفي له المدح وقد ... أضحى به الحق علينا قد ضفا )
( أسس خلق الجود فينا فاغتدى ... به لنا ورد المعالي قد صفا )
( الجود يعلي المرء والبخل لقد ... يحط عن رتبته من ارتقى )
( والعز ما أحسنه لكنه ... إن كان هذا مع علم وتقى )
( والجهل للإنسان عيب قادح ... ولو حوى مالا ككثبان نقا )
( والعلم في حال الغنى والفقر لا ... يزال يرقى بك كل مرتقى )
( ولا ألوم المال فالمال حمى ... من جاهل يلقاك شر ملتقى )
( قد جبل الناس على حب الغنى ... فربه فيهم مهاب متقى )
( وما لذي الفقر لديهم رتبة ... ولو أفاد وأجاد واتقى )
( إن الغنى طب لعلات الفتى ... والفقر داء لا تداويه الرقى )
( والحزم أحرى ما به المرء اقتدى ... في أمره وما به النفس وقى )
( من لم يبت مع الليالي حازما ... لغدرها غادرنه فيها لقى )
( أمضيت طرفي كي يرى طرفي ما ... أخبرته من طيب مجد قد زكا )

( فصدق الحاكي ما أبصرته ... وفاق ما عاينته ما قد حكى )
( فسهلت رؤيته جهد السرى ... وأشكت الأيام من كان شكا )
( عجبت للأيام من عز بها ... ذل ومن يضحك بها يوما بكى )
( فكم لها من كرة على فتى ... جلد إذا ما لهب الحرب ذكا )
( تجتنب الأسد سطاه في الوغى ... فذل حتى صار قصواه بكا )
( وكم صريع غادرت ليس له ... من ملجإ يوما ولا من مشتكى )
( عدت على نفس عدي وسقت ... منها ابن حجر كأس سم كالذكا )
( واستلبت ملك بني ساسان لم ... تترك له على الليالي مرتكى )
( لم يأمن المأمون من صولتها ... ولا ابن هند من عواديها خلا )
( وأتبعت جعفرا الفضل وكم ... بات الطلا يسقيهما صرف الطلا )
( وغالت الزباء في منعتها ... فأظفرت عمرا بها فما ألا )
( وأنفذت في آل بكر حكمها ... وجرعت مهلهلا كأس البلى )
( وكم سبت من سبإ من نعمة ... فمزقوا في كل قفر وفلا )
( وأهلكت عادا وأفنت جرهما ... وزودت منها تميما بالصلى )
( فرعون موسى أولجت في لجة ... فمات قهرا بعد عز وعلا )
( وأظفرت بابن زياد مثلما ... أفنت يزيد حسرة لما اعتلى )
( وسيف استلته من غمدانه ... من بعد ما قد خضعت له الطلى )

( ثم أعادته فحز الجيش عن ... حوزته حز النبات المختلى )
( هي الليالي ليس يرعى صرفها ... لا خاملا فيها ولا من قد سما )
( ولا سول الله فينا لم يزل ... كهف حمى فهو لنا نعم الحمى )
( لله ما أكرمه من سيد ... ينمى من المجد لأعلى منتمى )
( سليم صدر ذو وفاء لم يجش ... في صدره غش امرىء ولا غمى )
( أوسعنا فضلا فما خاب امرؤ ... أوى إلى ذاك الجناب وانتمى )
( يا من غدا للخلق كهفا وحمى ... فأكرم المثوى وآوى وحمى )
( إنا أتينا من ديار دونها ... موحشة بيداء أو بحر طما )
( وإنني من قبح ما أسلفته ... ذو كبد رضيت ودمع قد همى )
( فلا تخيبني مما لك من ... شفاعة ترجى وفضل قد نما )
( إنك من قوم بهم يشفى العنا ... ويدرك الشأو البعيد المرتمى )
( أعرض عن الجاهل مهما قد أسا ... وحسبه من جهله ما قد حوى )
( ولا تلم ذا سفه فإنه ... إن لمته لم يتئد ولا ارعوى )
( وإن رأيت من كريم عثرة ... فقل لعا ولا تعب بما احتوى )
( وإن ترعك من زمان فرقة ... فاصبر لها فالصبر أشفى للجوى )
( وإن أشكر البعد على خير حمى ... قد صدني عن أنسه شحط النوى )
( يا منزلا ما بين نجد والحمى ... ويا ديارا بين كثبان اللوى )

( هل لي إلى تلك المعالي عودة ... أو جرعة من ذلك الماء الروى )
( لا تعجبوا من لعب الدهر بنا ... فأي إنسان على حال سوا )
( إن عشت لاقيتهم وإن أمت ... فإنما الدنيا فناء وتوى )
( إن رسول الله مذ أملته ... فالدهر قد أضمر نصحي ونوى )
( إي والذي ما زال يسري جاهدا ... حتى أتى ميقاته وما ونى )
( فقدم الغسل وصلى ونضا )
( أثوابه مستغفرا مما جنى )
( ثم نوى ملبيا ثم مضى ... حتى رأى ذات السناء والسنى )
( ثم أتى باب بني شيبة قد ... أبصر ما أمل قدما مذ دنا )
( فقبل الركن وطاف وسعى ... ثم مضى مرتحلا نحو منى )
( ثم أتى الموقف يدعو راغبا ... حتى إذا ما نفر القوم انثنى )
( ثم رمى ثم أفاض وانبرى ... معتمرا قد نال غايات المنى )
( ثم مضى مرتحلا فيمن مضى ... ميمما طيبة لا يشكو العنا )
( يبغي التي شرفها الله بمن ... شاد به الدين القويم وابتنى )
( فلم يكن ممن إذا حج جفا ... بل يمم القبر وزار واعتنى )
( خلق على لم يحوها إلا امرؤ ... نهاه عن نبذ العلا رعي النهى )
( فإن يقل من حازها قل الذي ... له تسامى كل مجد وانتهى )
( معتصم الراجين إن خطب دنا ... وكهفهم إن راع أمر ودهى )
( المرشد الناصح لله فما ... قصر في نصر الهدى ولا لها )
( من جد في إدراك ما رام يجد ... ولم يصب من قد توانى وسها )
( فلا يقصر بك خوف خيبة ... من خيل الخيبة في البدء وهى )
( واكتسب الحمد بما تبديه من ... فتح اللها بمستدامات اللها )

( واحرص على المجد ودنياك اطرح ... فأمرها أمر زهيد المشتهى )
( والمرء من إن فاته لم يكتئب ... وإن ينل لم يفتخر ولا ازدهى )
( من لازم الكبر على الناس اغتدى ... متضع القدر ولو نال السها )
( أنى تخيب اليوم آمالي ولي ... من كفه أكرم من صوب الحيا )
( يدني الفتى إلى مدى آماله ... ولو غدا من دونها الأرض الليا )
( إن أهزل القوم زمان معور ... أنعشهم حتى يرى لهم حيا )
( وإن أمات الجدب كل مخصب ... بدا لنيران القرى منه حيا )
( أرسل سحب هديه جارية ... بالحق حتى حيي الدر حيا )
( أوقع في الأنفس من ماء لدى ... ظام إذا ما اشتد بالشمس الحيا )
( لم تعي من فعل جميل كفه ... ولا له في المكرمات معتيا )
( ما لي لا أبلغ أقصى غاية ... في مدح من بالغ جودا واغتيا )
( لكل شخص غاية يبلغها ... وما له في المعلوات مغتيا )
( تعيا يد السائل من معروفة ... ولم يقصر كرما ولا اعتيا )
( والآن قد أكملتها في مدحه ... مقصورة يقصر عنها من خلا )
( ضمنتها من كل فن دررا ... نظما فأضحت من نفيسات الحلى )
( حليتها جيد معاليه وما ... أملح حلي المدح في جيد العلا )

( جعلتها مني وداعا فاعتجب ... لنظمها الحلو الجنى كيف حلا )
( من قارب الرحلة عن ذاك الحمى ... كيف أجاد النظم يوما أو درى )
( أرسلتها من خاطر خامره ... وجد جلا عن مقلتي طيب الكرى )
( وكيف لا آسى على بعدي عن ... قوم جرى من جودهم ما قد جرى )
( أنصار دين الله والهادي الذي ... لولا وضوح هديه ضل الورى )
( فالقلب بين مشرق ومغرب ... مقسم اللوعة مجذوب العرى )
( إذا ذكرت الغرب حنت مهجتي ... وبل دمعي من جوى الشوق الثرى )
( وإن ذكرت حب من في مشرق ... أبطأ في حبهم عن السرى )
( إن يصف من وجه لشخص مورد ... كدر من أخرى فلا صفو يرى )
( فإن ترحلت فقلبي عندكم ... لم يرتحل عن بابكم ولا سرى )
( ولا تزال رسل شوقي أبدا ... تترى على مجدكم الجزل الندى )
( ولن تمر ساعة إلا هفا ... بذكركم مفصح نظمي وشدا )
( فليس عندي للنجاة مخلص ... إن لم يكن منكم نوال أو جدا )
( بكم ملاذي وحماكم ملجئي ... ليس سوى ذاك السماح المجتدى )
( وما ذخرنا عدة سواكم ... مثلكم من يرتجى ويحتدى )
( لا أوحش الله ديارا أنتم ... فيها ولا أزرى بمرعاها الصدى )
( ولا نأت داركم ولا خلا ... ربعكم ما راح يوم واغتدى )
ومن محاسنه أيضاالبديعية المشهورة وهي المعروفة ببديعية العميان ولو لم يكن من محاسنه إلا قصيدته التي في التورية بسور القرآن ومدح النبي لكفى وهي من غرر القصائد وكثير من الناس ينسبها للقاضي

الشهير عالم المغرب أبي الفضل عياض وكنت أنا في أول الاشتغال ممن يعتقد صحة تلك النسبة حتى وقفت على شرح البديعية الموصوفة لرفيقه أبي جعفر فإذا هي منسوبة للناظم ابن جابر وهي
( في كل فاتحة للقول معتبره ... حق الثناء على المبعوث بالبقره )
( في آل عمران قدما شاع مبعثه ... رجالهم والنساء استوضحوا خبره )
( من مد للناس من نعماه مائدة ... عمت فليست على الأنعام مقتصره )
( أعراف نعماه ما حل الرجاء بها ... إلا وأنفال ذاك الجود مبتدره )
( به توسل إذ نادى بتوبته ... في البحر يونس والظلماء معتكره )
( هود ويوسف كم خوف به أمنا ... ولن يروع صوت الرعد من ذكره )
( مضمون دعوة إبراهيم كان وفي ... بيت الإله وفي الحجر التمس أثره )
( ذو أمة كدوي النحل ذكرهم ... في كل قطر فسبحان الذي فطره )
( بكهف رحماه قد لاذ الورى وبه ... بشرى ابن مريم في الإنجيل مشتهره )
( سماه طه وحض الأنبياء على ... حج المكان الذي من أجله عمره )
( قد أفلح الناس بالنور الذي غمروا ... من نور فرقانه لما جلا غرره )
( أكابر الشعراء اللسن قد عجزوا ... كالنمل إذ سمعت آذانهم سوره )
( وحسبه قصص للعنكبوت أتى ... إذ حاك نسجا بباب الغار قد ستره )
( في الروم قد شاع قدما أمره وبه ... لقمان وفق للدر الذي نثره )
( كم سجدة في طلى الأحزاب قد سجدت ... سيوفه فأراهم ربه عبره )
( سباهم فاطر السبع العلا كرما ... لمن بياسين بين الرسل قد شهره )
( في الحرب قد صفت الأملاك تنصره ... فصاد جمع الأعادي هازما زمره )
( لغافر الذنب في تفصيله سور ... قد فصلت لمعان غير مختصره )
( شوراه أن تهجر الدنيا فزخرفها ... مثل الدخان فيعشي عين من نظره )

( عزت شريعته البيضاء حين أتى ... أحقاف بدر وجند الله قد نصره )
( فجاء بعد القتال الفتح متصلا ... وأصبحت حجرات الدين منتصره )
( بقاف والذاريات الله أقسم في ... أن الذي قاله حق كما ذكره )
( في الطور أبصر موسى نجم سؤدده ... والأفق قد شق إجلالا له قمره )
( أسرى فنال من الرحمن واقعة ... في القرب ثبت فيه ربه بصره )
( أراه أشياء لا يقوى الحديد لها ... وفي مجادلة الكفار قد نصره )
( في الحشر يوم امتحان الخلق يقبل في ... صف من الرسل كل تابع أثره )
( كف يسبح لله الحصاة بها ... فاقبل إذا جاءك الحق الذي قدره )
( قد أبصرت عنده الدنيا تغابنها ... نالت طلاقا ولم يصرف لها نظره )
( تحريمه الحب للدنيا ورغبته ... عن زهرة الملك حقا عندما نظره )
( في نون قد حقت الأمداح فيه بما ... أثنى به الله إذ أبدى لنا سيره )
( بجاهه سال نوح في سفينته ... سفن النجاة وموج البحر قد غمره )
( وقالت الجن جاء الحق فاتبعوا ... مزملا تابعا للحق لن يذره )
( مدثرا شافعا يوم القيامة هل ... أتى نبي له هذا العلا ذخره )
( في المرسلات من الكتب انجلى نبأ ... عن بعثه سائر الأخبار قد سطره )
( ألطافه النازعات الضيم في زمن ... يوم به عبس العاصي لما ذعره )
( إذ كورت شمس ذاك اليوم وانفطرت ... سماؤه ودعت ويل به الفجره )
( وللسماء انشقاق والبروج خلت ... من طارق الشهب والأفلاك منتثره )
( فسبح اسم الذي في الخلق شفعه ... وهل أتاك حديث الحوض إذ نهره )
( كالفجر في البلد المحروس غرته ... والشمس من نوره الوضاح مستتره )
( والليل مثل الضحى إذ لاح فيه ألم ... نشرح لك القول في أخباره العطره )
( ولو دعا التين والزيتون لابتدرا ... إليه في الحين واقرأ تستبن خبره )

( في ليلة القدر كم قد حل من شرف ... في الفخر لم يكن الإنسان قد قدره )
( كم زلزلت بالجياد العاديات له ... أرض بقارعة التخويف منتشره )
( له تكاثر آيات قد اشتهرت ... في كل عصر فويل للذي كفره )
( ألم تر الشمس تصديقا له حبست ... على قريش وجاء الروح إذ أمره )
( أريت أن إله العرش كرمه ... بكوثر مرسل في حوضه نهره )
( والكافرون إذا جاء الورى طردوا ... عن حوضه فلقد تبت يدا الكفره )
( إخلاص أمداحه شغلي فكم فلق ... للصبح أسمعت فيه الناس مفتخره )
( أزكى صلاتي على الهادي وعترته ... وصحبه وخصوصا منهم عشره )
( صديقهم عمر الفاروق أحزمهم ... عثمان ثم علي مهلك الكفره )
( سعد سعيد عبيد طلحة وأبو ... عبيدة وابن عوف عاشر العشره )
( وحمزة ثم عباس وآلهما ... وجعفر وعقيل سادة خيره )
( أولئك الناس آل المصطفى وكفى ... وصحبه المقتدون السادة البرره )
( وفي خديجة والزهرا وما ولدت ... أزكى مديحي سأهدي دائما درره )
( عن كل أزواجه أرضى وأوثر من ... أضحت براءتها في الذكر منتشره )
( أقسمت لا زلت أهديهم شذا مدحي ... كالروض ينثر من أكمامه زهره )
معارضات لقصيدة ابن جابر في تضمين السور
انتهت القصيدة وقد عارض منحاها جماعة فما شقوا لها غبارا ومن معارضاتها قول بعضهم
( بسم الإله افتتاح الحمد والبقره ... مصليا بصلاة لم تزل عطره )
( على نبي له الرحمن ممتدح ... في آل عمران أيضا والنسا ذكره )
( كذا بمائدة الأنعام فضله ... ووصفه التم في الأعراف قد نشره )
( أنفاله نزلت أيضا براءة من ... يحبه وهو مشغول بما أمره )

( به نجا يونس من حوته ونجا ... هود ويوسف من سجن به عبره )
( أقسم برعد بإبراهيم أن له ... في حجر نحل ترى الآيات مشتهره )
( سبحان جاعله كهفا لأمته ... ومريم زوجة في جنة نضره )
( طه به الأنبيا للحج قد وفدوا ... والمؤمنون على النور اقتفوا أثره )
( آيات فرقانه ذلت لها الشعرا ... سورة النمل قد قصت لنا سيره )
( والعنكبوت على غار له نسجت ... والروم ولت برعب منه منكسره )
( لقمان حكمته من بعض حكمته ... فاسجد لرب على الأحزاب قد نصره )
( كم في سبا عبرة للقلب قد فطرت ... فلذ بياسين تنجو يا أخا البرره )
( قد صفت الأنبيا والرسل قاطبة ... خلف النبي بأمر الله مؤتمره )
( إن صاد قلبي الهوى تنزيل منقذه ... وغافر الذنب كم ذنب له غفره )
( كم خلعة فصلت للطائعين له ... وأمرهم بينهم شورى بلا نكره )
( لم تلههم زينة الدنيا وزخرفها ... كانوا يروها كدخان له قتره )
( إذا جثا الخلق والأحقاف قد شرفت ... فذاك يوم على الكفار قد نصره )
( محمد خص بالفتح المبين وقد ... أتاه في الحجرات الوحي بالخيره )
( قاف الوفاق وذر الطور نجم هدى ... وشق رب السما للمصطفى قمره )
( رحمن واقعة كل الحديد بها ... كم من مجادلة في الحشر محتذره )
( من يمتحن صفنا في يوم جمعتنا ... فليس يلفى به غش ولا كدره )
( مطهر من نفاق ليس بينهم ... تغابن طلقوا دنياهم القذره )
( وحرموها وفي ملك لها زهدوا ... كزهد صاحب نون حققن خبره )
( إن تسألوني عن نوح نبي هدى ... والمصطفى سامع الجن الذي جهره )
( مزمل اسمه مدثر وله ... يوم القيامة للإنسان ما ضمره )
( للمرسلات نبا في يوم نازعة ... عبوس تكوير شمس في منفطره )

( مطفف الكيل قد بانت خسارته ... في يوم شق السما أبراجها النضره )
( كم طارق سبح الأعلى بغاشية ... والفجر بلدته بالشمس مستتره )
( والليل قمه ولا تترك صلاة ضحى ... يشرح لك الصدر والخيرات مدخره )
( بسورة التين اقرأ أنها نزلت ... في ليلة القدر والأنوار منتشره )
( ولم يكن مثل خير الرسل أحمدنا ... منه تزلزلت الكفار والفجره )
( بعاديات لها قرع بهامته ... أعمى التكاثر من قلب له بصره )
( من كان في عصره همازة أبدا ... يلقاه قبل قريش قاهر قهره )
( ويل لمانع ماعون تراه غدا ... مباعدا كوثر الهادي الذي أثره )
( الكافرون إذا جا نصر خالقنا ... تبا لهم لعنوا هم أمة كفره )
( أخلص لرب فرق الناس تنج إذا ... يوم المعاد غدا من شرة عسره )
( وصل رب على الهادي وعترته ... وآله وعلى أصحابه العشره )
وممن سلك هذا المنهج الشيخ القلقشندي إذ قال
( عوذت حبي برب الناس والفلق ... المصطفى المجتبى الممدوح بالخلق )
( إخلاص وجدي له والعذر يقلقني ... تبت يدا عاذل قد جاء بالملق )
( يهدي لأمته والنصر يعضده ... والكافرون وعذالي على نسق )
( هذا له كوثر والدين شرعته ... والمصطفى من قريش دين وتقي )
( ألم تر الماء قد سحت أصابعه ... ويل لكل جهول بالنبي وشقي )
( في كل عصر ترى آياته كثرت ... أضحى تكاثرها في سائر الأفق )
( وعند قارعة فهو الشفيع لنا ... والعاديات من الأجفان في طلق )
( وزلزلت من غرامي كل جارحة ... وكل بينة تحكي لكم علقي )
( يا عالي القدر رفقا مسني ضرر ... فالله قد خلق الإنسان من علق )

( ولو دعا التين والزيتون جاء له ... والشرح عنه طويل غير مختلق )
( يبدو كشمس الضحى والليل طرته ... كالشمس في بلد والفجر في أفق )
( إني بغاشية لولاك يا أملي ... أنت الشفيع إلى الأعلى وخير تقي )
( كم طارق منك بالإحسان يطرقني ... مثل البروج أتى في أحسن الطرق )
( وفي انشقاق فؤادي عبرة وبه ... ويل من الصد والأجفان في أرق )
( والانفطار به مما يكابده ... والشمس قد كورت في القلب ذي الحرق )
( والصب في عبس والنازعات به ... وقد أتى نبأ من دمعه الغدق )
( ومرسلات دم الإنسان جارية ... إلى القيامة من دمعي ومن حرقي )
( وبالمدثر إني ماسك أبدا ... وبالمزمل إن ألجمت بالعرق )
( فالجن والإنس في خير ببعثته ... هذا ونوح به أنجى من الغرق )
( وفي المعارج معراج الرسول علا ... حقا وفي حاقة كنز لمخترق )
( والله مرسله في نون بشره ... والملك خيره حتى رأى ولقي )
( وجاء بالحل والتحريم أمته ... وبالطلاق من الدنيا لمنطلق )
( وفي التغابن تجار به ربحوا ... إذ المنافق في خسر وفي نفق )
( يا صاحب الجمعة الغراء يا أملي ... في الصف عند امتحاني أنج من زلقي )
( وأنت في الحشر عوني في مجادلتي ... عسى تزيل حديد النار من عنقي )
( وعند واقعة إن كان لي رمق ... فاشفع إلى ربك الرحمن من رمقي )
( لم أرع يا قمري للنجم في سهر ... إلا لعلك من نار الجحيم تقي )
( قلبي الكليم غدا للطور مرتقيا ... ودر دمعي غدا بالذاريات سقي )
( وقاف يعجز عن حمل الغرام بكم ... وليس في حجرات الدمع من رمق )
( إنا فتحنا قتالا للعذول ففي ... أحقاف جاثية في الغيظ والحنق )
( دخان زخرف ما العذال فيه هبا ... شوراي تتركه في أنف محترق )

( وعز من فصلت في مدحه سور ... نبينا المصطفى الهادي إلى الطرق )
( فغافر الذنب كم أهدى به زمرا ... وكم سقى كفه صاد بمندفق )
( وليس غيرك في الصافات أقصده ... وأنت ياسين لي من سائر الفرق )
( يا فاطرا قد سبا الأحزاب طلعته ... كم سجدة لك في الأسحار والغسق )
( لقمان يشهد أن الروم تعرفه ... والعنكبوت فقد سدت عن الغلق )
( هذا ولي قصص بالنمل قد كتبت ... هامت بها الشعرا في خده اليقق )
( تبارك الله من بالنور كلله ... قد أفلح الحج لما زاره فوقي )
( يا أيها الأنبيا طه ختامكم ... ويا ابن مريم خذ من مسكه العبق )
( لاذوا بكهف لهم سبحان خالقه ... حتى أتى الأمر بعد الخوف والفرق )
( فالركن والحجر حقا قد أضاء له ... وذاك دعوة إبراهيم ذي الخلق )
( والله ربي برعب الرعد ينصره ... مسير شهر بلا سيف ولا درق )
( فيوسف مع هود والخليل إذا ... ويونس شربوا من كأسه الدهق )
( لتوبتي أرتجي الأنفال منه غدا ... فإنني رجل أضحيت في قلق )
( أعراف أنعام إنعام له اشتهرت ... وكم لمائدة أسدى لمرتزق )
( كل النسا لم تلد مثل الرسول إذا ... فينا وفي آل عمران ولم تطق )
( أعطيت خاتمة من سورة البقرة ... لم يعطها أحد فيما مضى وبقي )
( فأنت فاتحة الأنبا وخاتمهم ... وكلهم قد أتوا بالود والملق )
( والقلقشندي محب قال سيرته ... في مدح خير الورى الممدوح بالخلق )
( فاقبل هدية عبد أنت مالكه ... وانظر إليه فإن العبد في قلق )
( صلى عليك إله العرش ما طلعت ... ورقا على فنن والورق في الورق )
وهذه القصيدة وإن لم تلحق بلاغة قصيدة ابن جابر فهي مما يتبرك به والأعمال بالنيات
ووقفت على أخرى من هذا النمط هي بالنسبة إلى هذه كنسبة هذه إلى

قصيدة ابن جابر وهي
( بحمد إله العرش أستفتح القولا ... وفي آية الكرسي أستمنح الطولا )
( وفي آل عمران أتى ذكر أحمد ... نساؤهم بالعقد قد أنعموا القولا )
( بأعراف رحماه بأنفال جوده ... شرفنا وفضلنا وتبنا إلى المولى )
( له يونس نادى وهود ويوسف ... وذاكره في الرعد لا يسمع الهولا )
( ودعوة إبراهيم كان محمد ... وفي الحجر خير الخلق قد فضل الرسلا )
( له أمة كالنحل قد صح فضلهم ... فسبحان من أسرى بأحمدنا ليلا )
( علا فضله والناس في كهف نيله ... ومريم في الأخرى يكون لها بعلا )
( وطه له فضل على الخلق كلهم ... ولكن جميع الأنبياء علا فضلا )
( ولولاه ما حج المقام وكعبة ... فأفلح من قد طاف فيها ومن حلا )
( ومن نوره الوهاج كل منور ... وفرقانه قد أخمد الكفر والبطلا )
( ترى الشعرا كالنمل حول محمد ... إذا قصص في العنكبوت لهم تتلى )
( علا ديننا روما ولقمان عالم ... بأن السيوف أسجدت كل من ضلا )
( والاحزاب يسبيهم بحكمة فاطر ... وياسين قد صفت له الملأ الأعلى )
( وصاد جميع الكافرين بزمرة ... له غافر في الحرب قد فصلت فصلا )
( وشوراه في الدنيا بها كل زلفة ... وقد زخرف الكفار في دينهم جهلا )
( لقد رأوا الدخان حول بيوتهم ... بجاثية الأحقاف قد قتلوا قتلا )
( محمدنا لم يخلق الله مثله ... وفي الحجرات فضله أبدا يتلى )
( وقد أنزل الجبار قافا بذكره ... كما تذر الكفار ريح بها تبلى )
( بطور سما والنجم ما ضوء احمد ... كما قمر بل نور خير الورى أجلى )
( به الله رحمن وفي وقعة ترى ... حديدا به الكفار يجدلهم جدلا )

( وقد سمع الغفار دعوة أحمد ... بحشر ولكن بامتحان به تبلى )
( صففنا بجمع للأعادي فمنهم ... منافق إن الكفر في درك سفلى )
( يرى غبنه في الخير منهم مطلق ... ولكن من يحرم نعيما فقد ضلا )
( لأحمد ملك لا يوازيه سيد ... ونون لقد قلنا مقالا به استعلى )
( بحق لقد سالت أباطح مكة ... بفضل الذي قد كان نوح به استعلى )
( صحيح بأن الجن جاءت لأحمد ... ومزمل كان الغمام له ظلا )
( لمدثر فضل القيامة واضح ... أتاه وجمع المرسلات حوت سبلا )
( وعم بجدواه فلا من منازع ... فحيث تراه لا عبوسا ولا بخلا )
( لقد كورت شمس بها انفطر السما ... لويل أتى الكفار وانشق واستولى )
( ولكن بروج الجو تزهو بأحمد ... وفي طارق الأفلاك فضله الأعلى )
( وغاشية كالفجر حلت ببلدة ... بها حرم أمن كشمس جلت ليلا )
( وفاق الضحى حقا جبين محمد ... كما بانشراح الصدر قد خصه المولى )
( فأقسم بالتين الذي عم نفعه ... وبالقلم الأعلى لقدر له أعلى )
( ألم يكن الكفار قد ضل سعيهم ... وقد زلزلوا بالعاديات كما يتلى )
( وقارعة جلت وألهاهم الهوى ... ووالعصر إن الويل يقريهم نزلا )
( ألم تر أن الله فضل أحمدا ... لأمن قريش حيثما سلكوا السبلا )
( أريت بأن الكوثر العذب خصه ... به وجميع الكفر لن يردوا أصلا )
( لقد نصر الرحمن ربي محمدا ... فأردى أبا لهب ولم يكتسب نيلا )
( فيا أحد إني بفضلك عائذ ... إذا غسق الديجور ناديت يا مولى )
ولم أقف على غير هذه الأبيات من هذه القصيدة وقد سقط منها كما رأيت سورة الناس فقلت مكملا على نمطه
( ويا مالكا للناس إني لائذ ... بعفوك فاغفر عمد عبدك والجهلا )

( ويا رب عاملنا بما أنت أهله ... من الجود والرحمى وإن لم نكن أهلا )
( وصل على مسك الختام محمد ... أتم صلاة تملأ الحزن والسهلا )
خطبة لعياض يوري فيها بأسماء السور
وتذكرت بهذا الموضع خطبة القاضي أبي الفضل عياض التي ضمنها سور القرآن على المهيع الماضي آنفا وهي الحمد لله الذي افتتح بالحمد كلامه وبين في سورة البقرة أحكامه ومد في آل عمران والنساء مائدة الأنعام ليتم إنعامه وجعل في الأعراف أنفال توبة يونس وألر كتاب أحكمت آياته بمجاورة يوسف الصديق في دار الكرامة وسبح الرعد بحمده وجعل النار بردا وسلاما على إبراهيم ليؤمن أهل الحجر أنه إذا أتى أمر الله سبحانه فلا كهف ولا ملجأ إلا إليه ولا يظلمون قلامة وجعل في حروف كهيعص سرا مكنونا قدم بسببه طه سائر الأنبياء ليظهر إجلاله وإعظامه وأوضح الأمر حتى حج المؤمنون بنور الفرقان والشعراء صاروا كالنمل ذلا وصغارا لعظمته وظهرت قصص العنكبوت فآمن به الروم وأيقنوا أنه كلام الحي القيوم نزل به الروح الأمين على زين من وافى القيامة وأفصح لقمان الحكمة بالأمر بالسجود لرب الأحزاب فسبا فاطر السموات أهل الطاغوت وأكسبهم ذلا وخزيا وحسرة وندامة وأمد ياسين بتأييد الصافات فصاد الزمر يوم بدره وأوقع بهم ما أوقع صناديدهم في القليب مكدوس ومكبوب حين شالت بهم النعامة وغفر غافر الذنب وقابل التوب للبدريين رضي الله عنهم ما تقدم وما تأخر حين فصلت كلمات الله فذل من حقت عليه كلمة العذاب وأيس من السلامة ذلك بأن أمرهم شورى بينهم وشغلهم زخرف الآخرة عن دخان الدنيا فجثوا أمام الأحقاف لقتال أعداء محمد يمينه وشماله وخلفه وأمامه فأعطوا الفتح وبوئوا حجرات الجنان وحين

تلوا ( ق والقرآن المجيد ) وتدبروا جواب قسم الذاريات والطور لاح لهم نجم الحقيقة وانشق لهم قمر اليقين فنافروا السآمة ذلك بأنهم أمنهم الرحمن إذا وقعت الواقعة واعترف بالضعف لهم الحديد وهزم المجادلون وأخرجوا من ديارهم لأول الحشر يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين حين نافروا السلامة
أحمده حمد من امتحنته صفوف الجموع في نفق التغابن فطلق الحرمات حين اعتبر الملك وعامه وقد سمع صريف القلم وكأنه بالحاقة والمعارج يمينه وشماله وخلفه وأمامه وناح نوح الجن فتزمل وتدثر فرقا من يوم القيامة وأنس بمرسلات النبإ فنزع العبوس من تحت كور العمامة وظهر له بالانفطار التطفيف فانشقت بروج الطارق بتسبيح الملك الأعلى وغشيته الشهامة فورب الفجر والبلد والشمس والليل والضحى لقد انشرحت صدور المتقين حين تلوا سورة التين وعلق الإيمان بقلوبهم فكل على قدر مقامه يبين ولم يكونوا بمنفكين دهرهم ليله ونهاره وصيامه وقيامه إذا ذكروا الزلزلة ركبوا العاديات ليطفئوا نور القارعة ولم يلههم التكاثر حين تلوا سورة العصر والهمزة وتمثلوا بأصحاب الفيل فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف أرأيتهم كيف جعلوا على رؤوسهم من الكور عمامة فالكوثر مكتوب لهم والكافرون خذلوا وهم نصروا وعدل بهم عن لهب الطامة وبسورة الإخلاص قروا وسعدوا وبرب الفلق والناس استعاذوا فأعيذوا من كل حزن وهم وغم وندامة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شهادة ننال بها منازل الكرامة صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه ما غردت في الأيك حمامة انتهت
وممن نسبها للقاضي عياض الشيخ أبو عبدالله محمد ابن الشيخ أبي العباس أحمد بن أبي جمعة الوهراني وفي نفسي من نسبتها له شيء لأن نفس القاضي في البلاغة أعلى من هذه الخطبة والله تعالى أعلم
كنت رأيت بتلمسان المحروسة بخط عمي ومفيدي ولي الله تعالى العارف

المعروف بشيخ الشيوخ الإمام المفتي الخطيب سيدي سعيد بن أحمد المقري صب الله عليه سجال الرضوان خطبة من هذا النمط نصها
خطبة على مثالها لأبي جعفر الطنجالي
الحمد لله الذي افتتح بفاتحة الكتاب سورة البقرة ليصطفى من آل عمران رجالا ونساء وفضلهم تفضيلا ومد مائدة أنعامه ورزقه ليعرف أعراف أنفال كرمه وحقه على أهل التوبة وجعل ليونس في بطن الحوت سبيلا ونجى هودا من كربه وحزنه كما خلص يوسف من سجنه وجبه وسبح الرعد بحمده ويمنه واتخذ الله إبراهيم خليلا الذي جعل في حجر الحجر من النحل شرابا نوع باختلاف ألوانه وأوحى إليه بخفي لطفه سبحانه واتخذ منه كهفا قد شيد بنيانه وأرسل روحه إلى مريم فتمثل لها تمثيلاوفضل طه على جميع الأنبياء فأتى بالحج والكتاب المكنون حيث دعا إلى الإسلام قد أفلح المؤمنون إذ جعل نور الفرقان دليلا وصدق محمدا الذي عجزت الشعراء عن صدق نفثه وشهدت النمل بصدق بعثه وبين قصص الأنبياء في مدة مكثه ونسج العنكبوت عليه في الغار سترا مسدولا وملئت قلوب الروم رعبا من هيبته وتعلم لقمان الحكمة من حكمته وهدى أهل السجدة للإيمان بدعوته وهزم الأحزاب وسباهم وأخذهم أخذا وبيلا فلقبه فاطر السموات والأرض بياسين كما نفذ حكمه في الصافات وبين صاد صدقه بإظهار المعجزات وفرق زمر المشركين وصبر على أقوالهم وهجرهم هجرا جميلا فغفر له غافر الذنب ما تقدم من ذنبه وما تأخر وفصلت رقاب المشركين إذ لم يكن أمرهم شورى بينهم وزخرف منار الإسلام وخفي دخان الشرك وخرت المشركون جاثية كما أنذر أهل الأحقاف فلا يهتدون سبيلا وأذل الذين كفروا بشدة القتال وجاء الفتح للمؤمنين والنصر العزيز وحجر الحجرات الحريز وبقاف القدرة

قتل الخراصون تقتيلا كلم موسى على جبل الطور فارتقى نجم محمد بطاعته مبادي السرور وأوقع الرحمن واقعة الصبح على بساط النور فتعجب الحديد من قوته وكثرت المجادلة في أمته إلى أن أعيد في الحشر بأحسن مقيلا امتحنه في صف الأنبياء وصلى بهم إماما وفي تلك الجمعة ملئت قلوب المنافقين من التغابن خسرا وإرغاما فطلق وحرم تبارك الذي أعطاه الملك وعلم بالقلم ورتل القرآ ترتيلا وعن علم الحاقة كم سأل سائل فسال الإيمان ودعا به نوح فنجاه الله تعالى من الطوفان وأتت إليه طائفة الجن يستمعون القرآن فأنزل عليه يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا فكم من مدثر يوم القيامة شفقة على الإنسان إذا أرسل مرسلات الدمع فعم يتساءلون أهل الكتاب وما تقبل من نازعات المشركين إذا عبس عليهم مالك وتولاهم بالعذاب وكورت الشمس وانفطرت السماء وكانت الجبال كثيبا مهيلا فويل للمطففين إذا انشقت السماء بالغمام وطويت ذات البروج وطرق طارق الصور بالنفخ للقيام وعز اسم ربك الأعلى لغاشية الفجر فيومئذ لا بلد ولا شمس ولا ليل طويلا فطوبى للمصلين الضحى عند انشراح صدورهم إذا عاينوا التين والزيتون وأشجار الجنة فسجدوا باقرأ باسم ربك الذي خلق هذا النعيم الأكبر لأهل هذه الدار ما أحيوا ليلة القدر وتبتلوا تبتيلا ولم يكن للذين كفروا من أهل الكتاب من أهل الزلزلة من صديق ولا حميم وتسوقهم كالعاديات إلى سواء الجحيم وزلزلت بهم قارعة العقاب وقيل لهم ألهاكم التكاثر هذا عصر العقاب الأليم وحشر الهمزة وأصحاب الفيل إلى النار فلا يظلمون فتيلا وقالت قريش ما أمنتم من هول المحشر أرأيت الذي يكذب بالدين كيف طرد عن الكوثر وسيق الكافرون إلى النار وجاء نصر الله والفتح فتبت يدا أبي لهب إذ لا يجد إلى سورة الإخلاص سبيلا فتعوذ برب الفلق من شر ما خلق ونعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي فسق ونتوب

إليه ونتوكل عليه وكفى بالله وكيلا انتهى
وهي من إنشاء الفقيه الجليل الشريف الكامل أبي المجد عبد المنعم ابن الشيخ الفقيه العدل أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن عبد المنعم الهاشمي الطنجالي رحمه الله تعالى ونفعنا به وبسلفه الطاهر
عود إلى نظم ابن جابر
ومن نظم ابن جابر المذكور قوله
( جعلوا لأبناء الرسول علامة ... إن العلامة شأن من لم يشهر )
( نور النبوة في كريم وجوههم ... يغني الشريف عن الطراز الأخضر )
وفي هذا المعنى يقول شمس الدين الدمشقي
أطراف تيجان أتت من سندس ... خضر بأعلام على الأشراف )
( والأشراف السلطان خصهم بها ... شرفا لتفرقهم من الأطراف )
والأشراف المذكور هو شعبان بن حسن بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون الصالحي الألفي رحمهم الله تعالى
وقال الرحالة ابن بطوطه في رحلته عند ذكر سلطان ماردين ابن الملك الصالح ابن الملك المنصور ما نصه وله المكارم الشهيرة وليس بأرض الشام والعراق

ومصر أكرم منه يقصده الشعراء والفقراء فيجزل عطاياهم جريا على سنن أبيه قصده أبو عبدالله محمد بن جابر الأندلسي الهواري الكفيف مادحا فأعطاه عشرين ألف درهم انتهى
ومن شعر ابن جابر رحمه الله تعالى
( وفي الخيام ومن لي بالخيام رشا ... لا أحسب البدر في حسن يقاومه )
( مثل الغزالة إن تاهت وإن طلعت ... فكيف يصرف عنه الصب لائمه
وقوله رحمه الله تعالى
( في القلب من حبكم بدر أقام به ... فالطرف يبصر نورا حين يبصره ) ( تشابه العقد حسنا فوق لبته ... والثغر نظما إذا ما لاح جوهره ) وقوله
( ردف أقام لنا بها فتن الهوى ... وإذا أتت لتقوم قال لها اقعدي )
( أبصرتها ما بين ذاك وبين ذا ... فوقعت منها في المقيم المقعد )
وقوله
( سامح بالوصل على بخله ... وقال لي أنت بوصلي حقيق )
( فقلت ما رأيك في نزهة ... ما بين كاسات وروض أنيق )
( فقال يعني خده واللمى ... هذا هو الروض وهذا الرحيق )
( فبت من دمعي ومن خده ... ما بين نعمان وبين العقيق )
( وإذ تذللت على حبه ... قال أما تخشى أما تستفيق )
( قدي وخدي خفهما يا فتى ... هذا هو الرمح وهذا شقيق )

وقوله
( وقفت للوداع زينب لما ... رحل الركب والمدامع تسكب )
( مسحت بالبنان دمعي وحلو ... سكب دمعي على أصابع زينب )
رجع إلى أولاد لسان الدين رحمه الله تعالى
ومن قصيدة موشحة لابن زمرك يخاطب بها شيخه ومخدومه الوزير لسان الدين ابن الخطيب قبل أن يظلم الجو بينه وبينه جوابا عن رسالة خاطب بها لسان الدين ابن الخطيب أولاده صدر نظم له لم يحضرني ذلك الآن قوله
( ما لي بحمل الهوى يدان ... من بعد ما أعوز التداني )
( أصبحت أشكوه من زمان ... ما بت منه على أمان )
( ما بال عينيك تسجمان ... والدمع يرفض كالجمان )
( ناداك والإلف عنك وان ... والبعد من بعده كواني )
( يا شقة النفس من هوان ... لجج في أبحر الهوان )
( لم يثنه عن هواك ثان ... يا بغية القلب قد كفاني )
وقال بعض الحفاظ في ترجمة أبي الحسن علي بن لسان الدين بعد أن ذكر روايته عن أبيه وابن الجياب وابن مرزوق إنه أخذ عن جماعة غيرهم كالشريف القاضي الفقيه أبي علي الحسن بن يوسف بن يحيى بن أحمد الحسني السبتي نزيل تلمسان والفقيه الإمام العلامة قاضي الجماعة بفاس وكبير العلماء بالمغرب أبي عبد الله محمد المقري التلمساني القرشي والشريف العالم أبي القاسم محمد ابن الفقيه العالم المعلم لكتاب الله تعالى أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن موسى بن إبراهيم بن محمد بن القاسم بن الحسن بن إدريس بن الحسن بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم وليس إدريس المذكور هنا بملك المغرب وجد الأدارسة

قال وروى أيضا عن القاضي ابن شبرين الإشبيلي ثم السبتي نزيل غرناطة والقاضي أبي البركات البلفيقي والكاتب صاحب القلم الأعلى أبي جعفر ابن صفوان القيسي المالكي وابن خاتمة والفقيه الحاج أبي القاسم محمد ابن الفقيه الصالح العالم أبي عمرو يحيى ابن الفقيه الصالح أي القاسم محمد الغساني الرحبي نزيل فاس وغيرهم ممن يطول تعدادهم من الأئمة الأعلام نجوم الإسلام انتهى
خطبة للكفعمي في تضمين أسماء السور
وقد وقفت للكفعمي رحمه الله تعالى في شرح بديعيته على خطبة وقصيدة من هذا النمط قال رحمه الله تعالى ما نصه
ولنختم الخاتمة بخطبة وجيزة في فنها عزيزة وجعلناها في مدح سيد البرية وتورياتها في السور القرآنية فكن لسورها قاريا ولمعارجها راقيا وعل وانهل من شرابها السكري وفكه نفسك بتسجيعها النميري وهي هذه
الحمد لله الذي شرف النبي العربي بالسبع المثاني وخواتيم البقرة من بين الأنام وفضل آل عمران على الرجال والنساء بما وهب لهم من مائدة الأنعام ومنحهم بأعراف الأنفال وكتب لهم براءة من الآثام واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي نجى يونس وهودا ويوسف من قومهم برعد الانتقام وغذى إبراهيم في الحجر بلعاب النحل ذات الإسراء فضاهى كهف مريم عليها السلام وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي هو طه الأنبياء وحج المؤمنين ونور فرقان الملك العلام فالشعراء والنمل بفضله تخبر ولقصص العنكبوت الروم تذكر ولقمان في سجدته يشكر والأحزاب كأيادي سبا تقهر وفاطر يس لصافاته ينصر صاد مقلة زمره تنظر الأعلام فآل حم بقتال فتحه في حجرات قافه قد ظهرت وذاريات طوره ونجمه وقمره قد عطرت وبالرحمن واقعة حديده يوم المجادلة قد نصرت وأبصار معانديه في الحشر يوم الامتحان حسرت

وصف جمعته فائز إذ أجساد المنافقين بالتغابن استعرت وله الطلاق والتحريم ومقام الملك والقلم فناهيك به من مقام وفي الحاقة أعلى الله له المعارج على نوح المتطهر وخصه من بين الإنس والجن بيا أيها المزمل ويا أيها المدثر وشفعه في القيامة إذا دموع الإنسان مرسلات كالماء المتفجر ووجهه عند نبإ النازعات وقد عبس الوجه كالهلال المتنور ويوم التكوير والانفطار وهلاك المطففين وانشقاق ذات البروج بشفاعته غير متضجر وقد حرست لمولده السماء بالطارق الأعلى وتمت غاشية العذاب إلى الفجر على المردة اللئام فهو البلد الأمين وشمس الليل والضحى المخصوص بانشراح الصدر والمفضل بالتين والزيتون المستخرج من أمشاج العليق الطاهر العلي القدر شجاع البرية يوم الزلزال إذ عاديات القارعة تدوس أهل التكاثر ومشركي العصر أهلك الله به الهمزة وأصحاب الفيل إذ مكروا بقريش ولم يتواصوا بالحق ولم يتواصوا بالصبر الخصوص بالدين الحنيفي والكوثر السلسال والمؤيد على أهل الجحد بالنصر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما تبت يدا معاديه ونعم بالتوحيد مواليه وما أفصح فلق الصبح بين الناس وامتد الظلام
قصيدة على مثالها للكفعمي
ولنشفع هذه الخطبة بقصيدة على سور القرآن في مدح سيد ولد عدنان يحسن هنا أن ننضي عن فرائد نفائسها لطلابها ما أغدف من خمرها وستورها ونجلي عن خرائد عرائسها لخطابها ما أسدف من غررها في خدورها فانظر إلى سور أبياتها وصور تورياتها ثم ادعهن يأتينك سعيا فحفظا لها ووعيا وهي هذه
( يا من له السبع المثاني تنزل ... وخواتم البقره عليه تنزل )
( في آل عمران النساء لم تلد ... كنظيره الأجساد ذلك تفعل )

( مولى له الأنعام والأعراف وال ... والحكم التي لا تجهل )
( بعلاه توبة يونس قبلت كذا ... هود ويوسف رعدهم يتجلجل )
( وكذاك إبراهيم في حجر له ... والنحل في الإسرا عليه تعول )
( يا كهف مريم أنت طه الأنبيا ... والحج ثم المؤمنون الأفضل )
( يا نور يا فرقان يا من مدحه ... نطقت به الشعراء وهو المرسل )
( والنمل في قصص الحديث به دعت ... وعليه نسج العنكبوت يهدل )
( والروم تتلو إسمه ولكم به ... لقمان حقا في المضاجع يسأل )
( وبعزمه الأحزاب جمعهم سبا ... وبه الملائكة الكرام تفضل )
( يس سماه الإله بذكره \ ... وكواكب بسعوده لا تأفل )
( يل ليتني صاد شربت بكأسه ... وعليه في زمر وردت فأنهل )
( كم مؤمن قد فصلت أعلامه ... من زخرف بجداه يا من يعقل )
( ودخان جاثية على أحقافها ... بقتاله أطفى وفتح أدخل )
( حجرات قاف ذاريات سمائه ... في طورها نجم منير يكمل )
( ودنا له القمر المنير وشقه ال ... واقعة له لا تجهل )
( زغف الحديد بحربه أصواتها ... رعد مجادلة لقوم أبسلوا )
( وله لدى الحشر العظيم شفاعة ... في أمة بالإمتحان تسربلوا )
( عن صف جمعته المنافق نائيا ... يوم التغابن من حديد ينعل )
( يا من به شرع الطلاق ومن له ال ... والملك العظيم الأكمل )
( يا من به ذو النون لاذ بيمنه ... لما أصيب بحاقة لا تعدل )
( يا من سأل نوح بطاهر إسمه ... يا من أتته الجن يا مزمل )
( مدثر يوم القيامة شافع ... ومخلص الإنسان وهو الموئل )
( يا من نزول المرسلات ببعثه ... يا أيها النبأ العظيم الأكمل )

( والنازعات نزعن نفس عدوه ... هذا وقد عبس الجبين واذهلوا )
( وهو الشفيع إذا المنيرة كورت ... والإنفطار من السماء يعجل )
( ولدى ذوي التطفيف ويل والسما ... في الإنشقاق إذ البروج تبدل )
( والله قد حرس السماء بطارق ... لولادة الأعلى به يتفضل )
( وأزال غاشية العذاب ونوره ... كالفجر إذ أنواره تتهلل )
( بلد أمين ثم شمس أشرقت ... والشعر ضاهى الليل بل هو أليل )
( شمس الضحى من وجهه ولصدره ... ألانشراح وقلبه لا يغفل )
( يا من أتى في التين حقا ذكره ... فاقرأ ولا يرتاب فيه واسألوا )
( يا من ليالي القدر بينة له ... وعداه بالزلزال منه تزلزلوا )
( بالعاديات أزال قارعة العدا ... وبقوله ألهاكم ما تجهل )
( ولقد أتى من قبل عصر نبينا ... ويل لأهل الفيل منه وقتلوا )
( هو صاحب الإيلاف والدين الذي ... يسقى غدا من كوثر يتسلسل )
( والكافرون لنصره في جيدهم ... مسد إذا التوحيد عنه تعدل )
( يا خاتما فلق الصباح كوجهه ... والناس منه مكبر ومهلل )
( أبياتها ميقات موسى عدة ... والكفعمي بمدحه يتجمل )
( صلى عليه الله مع أصحابه ... ما زال طير العندليب يعندل )
ترجمة الكفعمي
والكفعمي هو إبراهيم بن علي بن حسن بن محمد بن صالح نسبة إلى كفر عيما قرية من قرى أعمال صفد كما تقول في النسبة إلى بني عبد الدار

عبدري وإلى حصن كيفا حصكفي وشرحه لبديعيته سماه نور حدقة البديع ونور حديقة الربيع وما رأيت مثله في سعة الحفظ والجمع
ومن نظمه في أسماء الكتب
( يا طريق النجاة بحر فلاح ... أنت دفع الهموم والأحزان )
( أنت أنس التوحيد عدة داع ... ثم روح الإحيا وفلك المعاني )
( نهج حي ونثر در نبيه ... ورياض الآداب ذكرى البيان )
( فائق رائع مسرة راض ... منتهى السؤل جامع للأماني )
( نزهة عدة ظرائف لطف ... روضة مبهج جنان الجنان )
( زاهر كامل شهاب وكنز ... مجتنى من ذخيرة الإخوان )
( فصحاح الألفاظ فيه تلقى ... وشذور العقود والمرجان )
( وهو قوت القلوب نهج جنان ... وكنوز النجاح والبرهان )
فناسب بين أسماء الكتب وقصده غير ذلك وأكثر هذه الكتب التي ورى بها غير موجودة بأيدي الناس بل ولا معروفة لديهم وهذا دليل على سعة اطلاعه
ومن بدائع الكفعمي المذكور رسالة كتب بها إلى قاضي القضاة العالم العلامة أبي العباس ابن الفرفور في شأن أستاذ دار قاضي القضاة المذكور الأمير علاء

الدين ويخرج من أثنائها قصيدة منها يقبل الأرض وينهي سلام عبد لكم محب وعلى المقة مكب لو بدا للناظرين عشر معشار شوقه وغرامه لطبق ذلك ما بين آفاق السموات السبع والأرض لشدة هيامه تراه حقا لكم حافيا بالأمن والسرور والسعد والحبور داعيا لا جرم وهذا الثناء المتوالي والدعا للمقام العالي لا شك من لازم الفرض ملكه الله تعالى أزمة البسط والقبض وأنجاك ربي من المعاطب في دينك ودنياك وأنقذك من شر كل صغير شدة وكبيرها وأرضاك وجعلك أمينا في الأرض إلى يوم القيامة والنشور والعرض كما أنت أمن لي من المخاوف وعون في كل شدة وغوث وملجأ وعدة وأنجحت آمالي ووفرت بإخدامك لي مالي وأحسنت قرضي ووفرت بإجلالك لي عرضي وينهي المملوك إلى سيده قاض القضاة وكافي الكفاة بأن المتولي الأمين ذا الفخر المبين علي ابن المرحوم فخر الدين قوله في أمركم العالي مرضي وفعله مقضي ومدحكم عليه فرض واجب قراه أبدا لسانه ويذكر المناقب وحبكم له واختياركم إياه دال بأنه أمين حليم شاهده حقا يقضي بجعله على خزائن الأرض إنه حفيظ عليم حديث مدح سواكم ليس من مدائحه ولا يمر أبدا بقلبه وجوارحه وإن مر في خاطره لا يحلو قطعا وحكمكم عليه شرعا ومرسومكم يمضي وأمركم يقضي يتيه سرورا به رؤساء أهل الشام ومن في القبيبات من الأنام عزة وعلوا لخدمته الشريفة إياك ولأنه يا قاضي قضاة الدين والأرض لا يريد سواك فإن يك الخادم المذكور في بعض أفعاله غافلا أو في مقاله غير كامل و عصاكم في بعض الأمر فعين العفو والستر عن ذنبه لا جرم تغضي وهو بتوبته إليه يفضي

وسلام الله عليكم ورحمته لديكم كلما نطق ناطق أو ذر في المشارق شارق وما دارت الأفلاك وسبحت بلغاتها الأملاك في فسيح الطول ورحب العرض دوما ما بين السماء والأرض
وهذه أبيات القصيدة المتولده من هذه الرسالة
( سلام محب لو بدا عشر شوقه ... لطبق ما بين السموات والأرض )
( تراه لكم بالأمن والسعد داعيا ... وهذا الدعا لا شك من لازم الفرض )
( وأنجاك في دنياك من كل شدة ... وأرضاك في يوم القيامة والعرض )
( كما أنت لي عون وغوث وعدة ... ووفرت لي مالي ووفرت لي عرضي )
هذا ويصح أن يقرأ عونا بالنصب على الحالية وهو الذي رأيته بخطه أعني الكفعمي ثم قال
( وينهي إلى قاضي القضاة بأن ذا ... علي بن فخر الدين في أمركم مرضي )
( ومدحكم فرض قراه لسانه ... وحبكم إياه شاهده يقضي )
( حديث سواكم لا يمر بقلبه ... وإن مر لا يحلو وحكمكم يمضي )
( يتيه به أهل القبيبات عزة ... لخدمته إياك يا قاضي الأرض )
( فإن يك في أفعاله أو مقاله ... عصاكم فعين العفو عن ذنبه تغضي )
( سلام عليكم كلما ذر شارق ... وسبحت الأملاك في الطول والعرض )
قلت وهذه طريقة بديعة وقد تبارى فيها البلغاء فبعضهم يعمد إلى أحاديث أو آيات وينسج على منواله مثلها ويفرقها في أبيات أو سجعاته ويكتبها بلون مخالف للأصل وقد ذكرت في روضة الورد من أزهار الرياض من كلام ابن عاصم ما لا مزيد وراءه فليراجعه من أراده وذكرت في غيره أيضا نبذة

رجع إلى نظم ابن جابر فمن ذلك قوله
( ناديت من أسري به ... بحياة من أسري به )
( سل مدمعا تجري به ... بلواه في تجريبه )
وقوله
( أيها العاذل في حبي له ... خل نفسي في جواها تحترق )
( ما الذي ضرك منه بعدما ... صار قلبي في هواه تحت رق )
وله
( برد الصباح على برد الصبا سحرا ... ما زال يذكرني أوقات نعمان )
( لهفي لعيش قضينا في معاهدها ... ما بين حسن من الدنيا وإحسان )
وله رحمه الله تعالى من حسناته المقبولة المضاعفة أيضا
( جعلت ملاك العين والقلب في الهوى ... يناطقه القرطين صامتة القلب )
( تصحف لين ألحاظها لي قدها ... وتقلبه كيما تصيد به قلبي )
قال بعض علماء المشرق أجاد والله هذا العالم المغربي المقال وأراد أن لفظ لين إذا قلب صار نيلا وإذا صحف صار نبلا وهذا زيادة على ما فيه من التحريف انتهى
من شعر أبي جعفر رفيق ابن جابر
وقريب منه لرفيق المذكور قوله
( يفتر عن برد يثير ببرده ... حر الغرام ولا سبيل لرشفه )
( أخذ الرشا من حسنه طرفا لذا ... نسب الورى ملح الجمال لطرفه )

وله
( تجر فرعيها على إثرها ... رافلة في حلل الحسن )
( فتطلع البدر لنا في الدجى ... وترسل البدر على الغصن )
وله
( قد نعمنا بجزع نعمان لكن ... عقنا البعد والعقوق قبيح )
( قل لأهل الخيام أما فؤادي ... فجريح لكن ودي صحيح )
وقوله
( مقدمات الرقيب كيف غدت ... عند لقاء الحبيب متصله )
( تمنعنا الجمع والخلو معا ... وإنما ذاك حكم منفصله )
وله يمدح سيد الخلق وخاتم المرسلين صلى الله عليه وعليهم أجمعين
( رحمة أرسله الله لنا ... وشفيعا قد غدا فينا غدا )
( وهب المال لمن مال له ... وفدى من ذنبه من وفدا )
( ليس يحصي فضله إلا الذي ... هو أحصى كل شيء عددا )
وله
( حسن النية ما اسطعت ولا ... تتبع في الناس أسباب الهوى )
( إنما الأعمال بالنيات من ... ينو شيئا فله ما قد نوى )
وله
( قالت وقد حاولت نيل وصالها ... من غير شيء لا تجوز المسأله )
( بالله قل لي أين نحوك يا فتى ... أرأيت موصولا يجيء بلا صله )

وهذا معنى قد تلاعب الشعراء بكرته وقضية ابن عنين في ذلك مع المعظم دالة على توقد فكرته وما ذاك إلا أنه مرض فكتب إلى الملك المعظم
( نظر إلي بعين مولى لم يزل ... يولي الندى وتلاف قبل تلافي )
( أنا كالذي أحتاج ما يحتاجه ... فاغنم دعائي والثناء الوافي )
فعاده المعظم وأعطاه ألفا وقيل ثلاثمائة وقال له هذه الصلة وأنا العائد
قال بعض المغاربة في هذا قد تلطف ابن عنين في الصلة والعائد وأجاد وسبق المعظم إلى فهم مقصوده مطابقة الجوار فأتى بما يستغرب عن سيبويه ونظرائه فلذلك جعل الشرف ابن عنين ديوانه مملوءا بمدحه وأطرابه ونقلته من حفظي وفيه بعض تغيير بيتين
عود إلى شعر ابن جابر
وقال ابن جابر المذكور
( يا دار ليلى لا صمتك يد البلى ... وسقاك در الغيث كل سحاب )
( أصبو إلى تلك الربوع وكيف لا ... أصبو وهن منازل الأحباب )
وقال من قصيدة
( وأطلب تشويق الأنام بحسنه ... فأذكر من أسمائه كل طيب )
ومنها
( وإني لم أمدحه إلا تشوقا ... وإن كان مشهورا بشرق ومغرب )

وقال
( أمر الشباب ... فهفا فقالت دمعتي أغلى )
( أسر الهوى مهج الأنام لها ... إذ سل من أعطافها أسلا )
وقال
( ظعنوا والقدود منهم رماح ... طعنوا في الحشا بها فأصابوا )
( جاد دمعي لهم وقد حاد صبري ... حين سارت بالظاعنين الركاب )
وقال
( شاه وجه الرقيب إذ شاء وصلي ... قمري والأنام عنا نيام )
( زارني بالنهار في الليل لكن ... ليل فرع يحار فيه الظلام )
وقال
( يا أيها الجائر في حكمه ... إني فيما قد جرى حائر )
( قدك من أعدل شيء يرى ... وأنت في أهل الهوى جائر )
وقال
( قد زعم العاذل لي أنه ... يهدي لي الرشد بما يصنع )
( ما هو هاد لي ولكنه ... هاذ فسمعي قال لا تسمعوا )
وقال
( شفى فؤادي من شقا هجره ... وبت من لقياه في عيد )
( وزارني يحكي غزال النقا ... في الحسن لولا الحلي في الجيد ) وقال

( سلب القلب غزال قده ... قد حكى البان لنا والسلما )
( ساحر العين إذا أبصره ... كاتب ألقى لديه القلما )
وقال
( يكفي الأنام بسيفه وبسيبه ... عقد المكاره والمكارم دائما )
وقال
( تحلت بما يحكي محاسن ثغرها ... وحلت عقود الصبر مني عقودها )
( ثقيلة أرداف فصعب قيامها ... بما حملت منها وسهل قعودها )
وقال
( أبى حسنها إلا افتتان قلوبنا ... فكم قد أباد الحسن فيها من الناس )
( وقالت تحمل طول هجري إن ترد ... وصال ذوات الحسن قلت على راسي )
وقال
( أرى أناسا من أراد الرضى ... منهم رجا ما ليس بالممكن )
( سيان أن يعطوا وأن يمنعوا ... قد ضاع فيهم كرم المحسن )
وقال
( يا جيرة الحي حيا الله واديكم ... فكم سرور به للقلب قد عرضا )
( فلن أنال حياة أستلذ بها ... إذا أنا لم أنل من وصلكم غرضا )
وقال
( شب حر الفؤاد ماء رضاب ... منه قد حار فيه ماء الغمام )
( زان بالحلي جيده قلت ماذا ... قال شيء نظمته من كلامي )

وقال
( صاد قلبي وصد عني صدودا ... وانثنى يسحب الذوائب سودا )
( فرأيت الصباح في الليل يبدو ... وشهدت الرشا يصيد الأسودا )
وقال
( إني سئمت من الزمان لطول ما ... قد صد عن حسن الوفاء رجاله )
( ومن النوادر في زمانك أن ترى ... خلا حمدت وداده وخلاله )
وقال
( إن قابل الغصن بأعطافه ... فقل أن تبصر من فرق )
( قلت قد استبعد كل الورى ... فقال ذاك البعض من حقي )
وقال
( صح أن الصباح من وجنتيها ... وغصون الرياض من معطفيها )
( قاتل الله عاذلي قل يوم ... ليس يسعى بالعذل فيه إليها )
وقال
( شدوا محاملهم يوم الرحال وقد ... محا رسوم اصطباري فقد من رحلا )
( هزوا الغصون على الكثبان حين مضوا ... وأسبلوا فوق أقمار الدجى كللا )
وقال
( خد ترى الورد بعضا من محاسنه ... تبارك الله ما أبهى شمائله )
( لصارم اللحظ قد أرخى حمائل من ... عذاره فحمى عنا خمائله )
وقال

( قام حادي الركاب ليلا فغنى ... فاستقام السرى وثار الغرام )
( قيل نام الأنام فاهجع قليلا ... قلت دون الحبيب لست أنام )
وقال
( ترامى بنا في البيد شوق إلى الحمى ... ترى عنده الأجفان منهلة الدمع )
( فلما رأينا ربع من سكن الحشا ... نزلنا فقبلنا ثرى ذلك الربع )
وقال
( يراودني الواشي على حب غيرها ... وإن محالا أن يرى مثل حسنها )
( موفرة الأرداف مهضومة الحشا ... يريك التفات الظبي فاتر جفنها )
وقال
( سلت علينا سيوفا من لواحظها ... ومن لنا من سيوف اللحظ من واقي )
( أضحت لسفك دم العشاق هادرة ... فما ترى دية في قتل عشاق )
وقال
( في خدها شبه للخال أو شية ... بما حوى الحسن من ألطاف أسرار )
( وشي من الحسن لم يحتج لصنع يد ... تبارك الله هذي صنعة الباري )
وقال
( بين الجوانح لو علمت من الجوى ... نار عليها سكب عيني يهمع )
( فدع المدامع في مدى جريانها ... فالدمع بعد فراقهم لا يمنع )
وقال
( قالوا بدارين قد قالوا وقد وردوا ... ماء العقيق وبالزوراء قد باتوا )

( بانوا عن العين لكن بالقلوب ثووا ... وفي البعاد عن الأحباب آفات )
وقال
( مليحة الخد به شامة ... كالورد قدنقط بالغاليه )
( قلت لها ما اسمك قولي لنا ... قالت فما تعرفني غاليه )
وقال
( جارية جارية في مدى ... شبابها من أملح الخلق )
( ما بين فرق الصبح لما بدا ... ووجهها للناس من فرق )
وقال
( لصبه منه امتداد النوى ... فلا يلام الدمع في صبه )
( في قده لين فهلا قضى ... بقلبه منه إلى قلبه )
يريد بالقلب الأول التحويل والنقل أي فهلا قضى بنقل اللين الذي في قده إلى قلبه
وقال
( يا لابس اللام والأسياف عارية ... قد انعطفت على الأعطاف واللام )
( ويا ضجيع رماح الخط يرسلها ... في كل هام لها باللحظ في الهام )
الهام الأول جمع هامة والثاني اسم فاعل من همى يهمي
قال رفيقه لو قال من الهام لكان أليق بالمعنى وألطف
وقال
( من مال يبغي كسب مال له ... من حرمه إن جاء أو حله )

( فلا تثق يوما به واحترز ... منه فما يبقي على خله )
وقال يتشوق إلى وطنه بالمرية
( لله عيش بالمرية قد ذهب ... أخباره بالحسن تكتب بالذهب )
( وهبت لنا تلك الليالي مدة ... ثم استرد الدهر منا ما وهب )
وقال
( أن من شوقه فثار الضرام ... ودرى الناس أنه مستهام )
( لا تسل ما جرى من الدمع لما ... قيل هذي النقا وهذي الخيام )
وقال
( صلاة إله العالمين على الذي ... أقل العطايا منه واد من النعم )
( يجود على الراجي وإن كان مذنبا ... وما قوله للسائلين سوى نعم ) وقال
( قد سبا قلبي غزال فاتن ... سل به كيف اعتدى في سلبه )
( أنا لا أعتب فيما قد جرى ... صفح الله له عن ذنبه )
وقال
( صبرت له فتمادى به ... هواه فكانت هي الفاصله )
( وأنكر بري ويا طالما ... أتاني يوما فألفى صله )
وقال
( وليل نظمنا به شملنا ... كما انتظم البيت بالقافيه )
( وفرقنا الدهر من بعد ذا ... فلست من اليوم ألقى فيه )

أي فئة ولا يكمل التجنيس فيه إلا بتسهيل الهمزة كما قال رفيقه ولما أنشده قال
ومن هذا النوع قول بعض الأندلسيين
( وقائل قال ألا صف لنا ... بستاننا هذا ونارنجنا )
( قلت لهم بستانكم جنة ... ومن جنى النارنج نارا جنى )
وقال ابن جابر المذكور
( قل بحق الهوى سمحت بوصل ... ربة القلب أم نهاك الرقيب )
( رمت نيل الوصال منها فقالت ... لك وصل غدا فقلت قريب )
وقال
( زين الخد منه صدغ كنون ... قد بدا تحته عذار كلام )
( قلت هذي محاسن ابن هلال ... فانثنى وهو ضاحك من كلامي )
وقال
( لهاحسن لها عن كل شيء ... به قلبي فما أنا أستفيق )
( على وجناتها نعمان يبدو ... لنا وشفاهها هن العقيق )
وقال
( تمر في ذكركم الله أحياني ... ولو سرى طيفكم ليلا لأحياني )
( لا يعذب العيش لي بعد العذيب ولا ... نعيم مثل ليالينا بنعمان )
وقال
( مداراة هذا الخلق أوليك بينهم ... صفات هي الأقمار والنظم دارات )

( وشارات حمد المرء أن لا ترى له ... على الناس مما لازم الحلم دارات )
وقال
( أرى كمدا سعيي إلى خامل ولو ... أراك مدى في فرقد بلغ السها )
( وما الخير يوما من لئيم بممكن ... وإن كان منه الخير يوما فقد سها )
وقال
( أرى حيدي عن كل طارىء نعمة ... أراح يدي من أن يقيدها الذل )
( فمن أخذ المعروف من غير أهله ... تروح الليالي وهو في عنقه غل )
وقال
( شبا لحظها الماضي وحسن شبابها ... هما حملا نفسي من الوجد ما بها )
( كثيب النقا من ردفها وقضيبه ... لمعطفها والبدر تحت نقابها )
وقال
( حل عقد الصبر مني عقدها ... إذ سبت قلبي بما في قلبها )
( تحسب الدر على لبتها ... أنجما قد كلل البدر بها )
وقال
( شعر كالليل يبدو تحته ... قمر قد حار شعري في صفاته )
( نقل المسواك عن مبسمه ... أن ماء الورد يجري من لثاته )
وقال
( من سن تلك اللحاظ فاتبعت ... من سنة الحب كل متبع )
( تقتل عشاقها بلا سبب ... وذاك في الحب غير مبتدع )

وقال
( وما شجو صال لوعة الهجر قد قضى ... زمان وصال لم تكدر مشاربه )
( كشجو محب لم يذق لذة الرضى ... ولا بات والغيد الحسان تلاعبه )
وقال
( سرت في رحال العيس منه أهلة ... فأيسر حال أن أزودها قلبي )
( بعيشك قل لي هل داروا كيف علتي ... وفيض دموعي بعد منصرف الركب )
وقال
( من جنى باللحاظ زهر المعاني ... من جناب الحمى إذا الناس ناموا )
( هو قد نال كل ما يتمنى ... وسعت في مراده الأيام )
وقال
( لطائف حسنها بربوع قلبي ... لطائف ألجأتني للغرام )
( تريك تكاسلا في اللحظ منها ... لتحسبه تنبه من منام )
وقال
( إذا زرت حيا بالعقيق فحيهم ... وذكرهم عهدي وحق ودادي )
( حرام فراق العيس حتى تحلني ... بواديه من تلك الوجوه بوادي )
وقال
( من فرط ما في الطرف من فتنة ... قد غلب الحب على الناس )
( قالت نسيت العهد قلت اكففي ... عني فما عبدك بالناسي )

( بين نعمان وسلع ملأ ... ليس منهم لمحب ألم )
( كلفي منهم ببدر حل في ... فلك العلياء فاعرف من هم )
وقال
( أراقبها وحين أرى سبيلا ... أقاربها فتنفر كالغزال )
( وقالت أنت مرتقب لماذا ... فقلت لها ارتقابي للهلال )
وله من قصيدة مطولة في فضائل الصحابة العشرة وأهل البيت فمما يختص منها بأبي بكر رضي الله تعالى عنه قوله
( فمنهم أبو بكر خليفته الذي ... له الفضل والتقديم في كل مشهد )
( وصديق هادي الخلق والمؤثر الذي ... لإنفاقه للمال في الله قد هدي )
( وصهر رسول الله وابنته التي ... يبرئها نص الكتاب الممجد )
( وصاحبه في الغار إذ قال لا تخف ... فثالثنا ذو العرش أوثق منجد )
( وسد على المختار مخرج حية ... هناك برجل منه فازت بأسعد )
( وفيه وفي خير الأنام تسامعوا ... بمكة صوت الهاتف المتقصد )
( جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد )
( وعتق بلال حسبه فهو سيد ... تأثل في الإسلام إعتاق سيد )

( وقال رسول الله إن أمنكم ... علي أبو بكر وأوفى بموعد )
( فصدق إذ كذبتم وأطاع إذ ... عصيتم ووافاني موافاة مسعد )
( ولو أنني من أمتي كنت آخذا ... خليلا تولى خلتي وتوددي )
( لكان أبو بكر ولكن أخوة ... في الاسلام مهما تنقص الناس تزدد )
( فلما أراد الله قبض نبيه ... وصار إلى دار النعيم المخلد )
( تقدم في نيل الخلافة بعده ... بإجماعهم لا بالحسام المهند )
( وقد فارقت يوم السقيفة فرقة ... فلما رأته الحق لم تتردد )
( وقام علي بعد ذاك مبايعا ... فأثنى ثناء المخلص المتودد )
( وأظهر عذرا في تأنيه صادقا ... وبايع طوعا لا لفقدان مسند )
( فآب بحمد منهم غير قاصر ... ومن يتبع الإنصاف والحق يحمد )
( وما أشبه الصديق في الفضل مشبه ... ولا أحصيت أوصافه بتعدد )
ومما يختص بعمر رضي الله تعالى عنه قوله من هذه القصيدة
( ويتبعه في فضله عمر الذي ... رمى عن قسي الصدق قوس مسدد )
( وما كل من رام السعادة نالها ... ولكنه من يسعد الله يسعد )
( هو المرء لم يترك له الحق صاحبا ... ولا قعد الشيطان منه بمقعد )
( ولا سلك الشيطان فجا قد اغتدى ... له سالكا من خوفه المتزيد )
( ومن ظله قد كان ينفر هيبة ... له حيثما أضحى يروح ويغتدي )

( وقد جاء عنهم ما برحنا أعزة ... بإسلامه فانكف من كان يعتدي )
( ومن قولهم إسلامه كان غرة ... وهجرته فتحا شجا كل ملحد )
( وإمرته كانت على الناس رحمة ... فآبوا إلى فتح وعز ممهد )
( ومن فضله رعي النبي بغيره ... له فانثنى عن قصره المتشيد )
( وقد قيل للفاروق هذا ومن به ... فأنبأه عن ذا النعيم المؤبد )
( فأقبل يبكي قائلا كيف غيرتي ... عليك ولولا أنت ما كنت أهتدي )
( ورؤيا رسول الله للقدح الذي ... تناول من در به غاية الصدى )
( وناوله الفاروق من بعد ما ارتووا ... إلى أن غدا من ظفره الري يبتدي )
( فأوله العلم الذي منه ناله ... وأول رؤيا الدلو حسن التأيد )
( فصارت له غربا فأروى بها الورى ... فكان افتتاح الأرض فتح ممهد )
( ورؤياه أيضا في قميص يجره ... وللناس قمص بعضها يبلغ الثدي )
( فأول خير الخلق طول قميصه ... بما حاز في إيمانه من تأيد )
( وتفريقه ما بين حق وباطل ... بيوم سقى الكفار أفظع مورد )
( وسمي بالفاروق من أجل هذه ... وما زال في نص الهدى ذا تجلد )
( وحسبك أن الله وافق رأيه ... لدى يوم بدر إذ رأى قتل من فدي )
( كذا في أذان والحجاب وجعلهم ... مصلى مقاما للخليل بمسجد )

( شديد على أهل الهوى رحمة لمن ... عن الحق لم يجنح ولم يتحيد )
( ومما رووا إن كان في أمة فتى ... يحدث فالفاروق من ذاك فاعدد )
( وما أبغض الفاروق إلا مفارق ... لدين الهدى ذو مذهب لم يسدد )
ومما يختص بعثمان رضي الله تعالى عنه قوله
( وحسبي عثمان بن عفان أنه ... عليه اعتمادي وهو سؤلي ومقصدي )
( إما صبور للأذى وهو قادر ... حليم عن الجاني جميل التعود )
( هو الجامع القرآن والقانت الذي ... إذا جن ليل ليس يأوي لمرقد )
( ويقطع بالصوم النهار وينثني ... مدى ليله في خشية وتهجد )
( وقال رسول الله في بئر رومة ... أما مشتر يبغي به الأجر في غد )
( له الجنة العليا بذلك فاشترى ... وتجهيز جيش العسرة اذكر وعدد )
( فقال رسول الله إذ جاءه بما ... قد احتاج من مال وظهر وأعبد )
( هنيئا لعثمان بن عفان فعله ... وما ضره ما بعد مع هذه اليد )
( وقول ألا أبدي حياء لمن له ... قد استحيت الأملاك أشرف محتد )
( وبلغ بشرى الهاشمي بأنه ... من الجنة العليا بأكرم مقعد )
( ولكن على بلوى وقال سأرتضي ... وأصبر صبر الطائع المتجلد )

( فأظهر يوم الدار صبر أولي النهى ... ولو شاء لم تظفر به يد معتد )
( ولم يرض صونا للدماء بحربهم ... وكان متى يستنجد القوم ينجد )
( فمات شهيدا صابرا فهو خير من ... على نفسه في غير حق قد اعتدي )
( على بنتي المختار أرخى ستوره ... فناهيك من مجد وعز مجدد )
( ولم يدع ذا النورين إلا لأنه ... حوى بيته نورين من نور أحمد )
( وإن لعثمان بن عفان رتبة ... من المجد تسمو عن سماك وفرقد )
ومما يختص بعلي رضي الله تعالى عنه قوله
( وإن عليا كان سيف رسوله ... وصاحبه السامي لمجد مشيد )
( وصهر النبي المجتبى وابن عمه ... أبو الحسنين المحتوي كل سؤدد )
( وزوجه رب السما من سمائه ... وناهيك تزويجا من العرش قد بدي )
( بخير نساء لجنة الغر سؤددا ... وحسبك هذا سؤددا لمسود )
( فباتا وحلي الزهد خير حلاهما ... وقد آثرا بالزاد من جاء يجتدي )
( فآثرت الجنات من حلل ومن ... حلي لها رعيا لذاك التزهد )
( وما ضر من قد بات والصوف لبسه ... وفي السندس الغالي غدا سوف يغتدي )
( وقال رسول الله إني مدينة ... من العلم وهو الباب والباب فاقصد )
( ومن كنت مولاه علي وليه ... ومولاك فاصدق حب مولاك ترشد )
( وإنك مني خاليا من نبوة ... كهرون من موسى وحسبك فاحمد )
( وقال غدا أعط اللواء محببا ... إلي وللرحمن بالنصر مرتدي )
( فباتوا وكل يشتهي أن ينالها ... إلى أن بدا وجه الصباح المجود )
( فنادى عليا ثم أبرأ عينه ... بنفث كأن لم يمس قبل بأرمد )
( فأعطاه إياه وقال له ادعهم ... ومهما أبوا فانهد إليهم تؤيد )

( فجدل منهم من جنى عندما دعا ... إلى الحرب دعوى الفاتك المتمرد )
( وقاتل طول اليوم والباب ترسه ... يجر به للقوم في كل مرصد )
( فأعجزهن الباب من بعد عشرة ... فما الظن في هذا القوي المؤيد )
( وكان من الصبيان أول سابق ... إلى الدين لم يسبق بطائع مرشد )
( وجاء رسول الله مرتضيا له ... وكان عن الزهراء بالمتشرد )
( فمسح عن الترب إذ مس جلده ... وقد قام منه آلفا للتفرد )
( وقال له قول التلطف قم أبا ... تراب كلام المخلص المتودد )
( وفي ابنيه قال المصطفى ذان سيدا ... شبابكم في دار عز وسؤدد )
( وأرسله عنه الرسول مبلغا ... وخص بهذا الأمر تخصيص مفرد )
( وقال هل التبليغ عني ينبغي ... لمن ليس من بيتي فبالقوم فاقتد )
( وقد قال عبد الله للسائل الذي ... أتى سائلا عنهم سؤال مندد )
( وأما علي فالتفت أين بيته ... وبيت رسول الله فاعرفه وأشهد )
( بأمرين من حر وبرد فلم يجد ... أذى بردها أو حرها المتوقد )
( وما زال صواما منيبا لربه ... على الحق قواما كثير التعبد )
( فنوعا من الدنيا بما نال معرضا ... عن المال مهما جاءه المال يزهد )
( لقد طلق الدنيا ثلاثا وكلما ... رآها وقد جاءت يقول لها ابعدي )
( وأقربهم للحق فيها وكلهم ... أولو الحق لكن كان أقرب مهتد
ومنها في ذكر السبطين رضي الله تعالى عنهما

( وبالحسنين السيدين توسلي ... بجدهما في الحشر عند تفردي )
( هما قرتا عين الرسول وسيدا ... شباب الورى في جنة وتخلد )
( وقال هما ريحانتاي أحب من ... أحبهما فاصدقهما الحب تسعد )
( هما اقتسما شبه الرسول تعادلا ... وماذا عسى يحصيه منهم تعددي )
( فمن صدره شبه الحسين أجله ... وللحسن الأعلى وحسبك فاعدد )
( وللحسن السامي مزايا كقوله ... هو ابني هذا سيد وابن سيد )
( سيصلح رب العالمين به الورى ... على فرقة منهم وعظم تبدد )
( وإن تطلبوا ابنا للنبي فلن تروا ... سواي مقال منه غير مفند )
( بدا سيدا ظهر الرسول قد ارتقى ... فقر ولم يعجله وهو بمسجد )
( فقالوا له طال السجود فقال لا ... ولكنما ابني خفت إن قمت يشرد )
( وكان الحسين الصارم الحازم الذي ... متى يقصر الأبطال في الحرب يشدد )
( شبيه رسول الله في البأس والندى ... وخير شهيد ذاق طعم المهند )
( لمصرعه تبكي العيون وحقها ... فلله من جرم وعظم تمرد )
( فبعدا وسحقا لليزيد وشمره ... ومن سار مسرى ذلك المقصد الردي )
ومنها في ذكر حمزة رضي الله تعالى عنه
( ومن مثل ليث الله حمزة ذي الندى ... مبيد العدا مأوى الغريب المطرد )
( فكم حز أعناق العداة بسيفه ... وذب عن المختار كل مشدد )
( فقال رسول الله هذا أمرته ... ولي أسد ضار لدى كل مشهد )
( وقال أبو جهل أصبت محمدا ... بما ساءه فاهتز هزة سيد )

( وأهوى له بالقوس ما بين قومه ... وقال وأخرى بالحسام المهند )
( وقال له إني على دينه فإن ... أطقت فعرج عن طريقي واردد )
( فذل أبو جهل وأبدى تلطفا ... ومن ينصر الحق المبين يؤيد )
( فعاد وقد نال السعادة واهتدى ... وأضحى لدين الله أكرم مسعد )
( وفي يوم بدر حث عند سؤالهم ... لما شهدوا من بأسه المتوقد )
( لمن كان إعلام بريش نعامة ... يشردنا مثل النعام المشرد )
( فذاك الذي والله قد فعلت بنا ... أفاعيله في الحرب ما لم نعود )
( وفي أحد نال الشهادة بعدما ... أذاق سباعا للردى شر مورد )
( ففاز وأضحى سيد الشهداء في ... ملائكة الرحمن يسعى ويغتدي )
( وصلى رسول الله سبعين مرة ... عليه إلى ثنتين عند التعدد )
( وقال مصاب لن نصاب بمثله ... وإن كان لي يوم سأجزي بأزيد )
( وأسمعهم لكن حمزة ما له ... وبشر بالنار النوائح ما عدي )
( نوائحه ... وقلن يا أعين اسعدي )
( وزاد إلى فضل العمومة أنه ... أخوه رضاعا هكذا المجد فاشهد )
( وما زال ذا عرض مصون عن الأذى ... ومال مهان في العطايا مبدد )
( كريم متى ما أوقد النار للقرى ... تجد خير نار عندها خير موقد )
ومنها في ذكر العباس رضي الله تعالى عنه

( وقد بلغ العباس في المجد رتبة ... تقول لبدر التم قصرت فابعد )
( ألا إنه فضل السقاية قد حوى ... فكان لوفد الله أكرم مورد )
( وكان طويل الباع في الباس والندى ... كريما متى يسترفد القوم يرفد )
( ويوم حنين ليس ينسى ثباته ... ودعوته مستنجدا كل منجد )
( وقال رسول الله فيه علي ما ... عليه وأيضا مثله في التزيد )
( إلا إن عم المرء صنو أبيه كي ... يزيدهم في بره المتأيد )
( وبشره أن الخلافة في الورى ... لأولاده من سيد ومسود )
( بشيبته استسقوا إذ المحل شامل ... فجاءهم غيث سقى كل فدفد )
انتهى ما وقفت عليه من هذه القصيدة الفريدة وليس بيدي الآن ديوان شعره حتى أكتبها بكمالها فإنها مناسبة لهذا الباب الذي جعلناه ختما للكتاب كما لا يخفى
ومن مقطعات ابن جابر
( شغفت بها حينا من الدهر لم يكن ... سوى سكب دمعي في محبتها كسبي )
( وما أصل هذا كله غير نظرة ... إلى مقلة منها أضعت لها قلبي )
وقال
( قد بان عذري في مليح له ... لحظا رشا يلحظ من ذعر )
( إني على الهجر مطيع له ... ممتثل في السر والجهر )
وقال
( هذا الرشا يقنص ليث الشرى ... بنظرة منه فلا مخلص )
( لو عارض العاذل يوما له ... لكان من أول ما يقنص )

368 - وقال
( ظبية في ثغرها لعس ... يجتنى من رشفه عسل )
( سلك التيه بمقلتها ... مسلكا قد زانه كسل )
وقال
( رقم الخال خدها فرأينا ... قمر الأفق فيه نقطة ليل )
( قلت أين الكثيب والغصن قالت ... كل ما قد ذكرته تحت ذيلي )
وقال
( إن خفت من فتك المهند والقنا ... فإذا رنت وإذا مشت لا تقرب )
( في قلب برقعها محاسن أنزلت ... قمر السماء لنا بقلب العقرب )
وقال
( رأى عذولي حسنها بعدما ... حقق كوني للهوى جانحا )
( فقال إن كنت محبا لها ... فقد حمدنا رأيك الناجحا )
وقال
( ذكر الله بالمرية عيشا ... لست عن ذكره الجميل أحول )
( طال عهدي بها وما دمت حيا ... لا يزيد الرجاء بل قد يطول )
وقال
( مرت ليال بالمرية طالما ... قضيت من ليل بهن مآربا )
( لم أسل عن تلك الديار وإنما ... جعل القضاء لكل نفس غالبا )

369 - وقال
( لا تعقني عن العقيق فإني ... بين أكنافه تركت فؤادي )
( وعلى تربه وقفت دموعي ... ولسكانه وهبت ودادي )
وقال
( عرف المنزل الذي دار فيه ... زمن الأنس والشباب النضير )
( فشجاه قلب التلاقي فراقا ... وانثنى عنه ذا فؤاد كسير )
وقال
( جمال هذا الغزال سحر ... يا حبذا ذلك الجمال )
( هلال خديه لم يغيب ... عني وإن غيب الهلال )
( غزال أنس يصيد أسدا ... فاعجب لما يصنع الغزال )
( دلاله دل كل شوق ... علي إذ زانه الدلال )
( كماله لا يخاف نقصا ... دام له الحسن والكمال )
( نباله قد رمت فؤادي ... يا حبذا تلكم النبال )
( حلال وصلي له حرام ... وحكم قتلي له حلال )
( زلال ذاك الحمى حياتي ... وأين لي ذلك الزلال )
( قتاله لا يطاق لكن ... يعجبني ذلك القتال )
وقال
( بين تلك الخيام أكرم حي ... طربت للندى عليهم خيام )
( قد أقاموا بين العقيق وسلع ... فحياة النفوس حيث أقاموا )
وقال
( إذا جئت نجدا كرم الله عهده ... فسلم على أهل المنازل من نجد ) 370
( لئن حال بعد الدار بيني وبينهم ... فإني لأرعاهم على ذلك البعد )
وقال
( خجلت عندما نظرت إليها ... وانثنت وهي بين تيه ومنع )
( إنما ورد خدها زرع طرفي ... حين مروا فكيف أحرم زرعي )
وقال
( لك نفسي إذا بدت لك نجد ... فلقد سرني الزمان بنجد )
( فلتلك الخيام عندي عهد ... وأبى الله أن أضيع عهدي )
وقال
( سل عن القوم إن بدت لك سلع ... ففؤادي عند الذين بسلع )
( لي على تلكم المعاهد دمع ... كاد يغني بها عن اللث دمعي )
وقال صفحوا عن محبهم وأقالوا ... من عثار النوى ومنوا بوصل )
( لست أستوجب الوصال ولكن ... أهل تلك الخيام أكرم أهل )
وقال
( مال الزمان بهم عني وقد بعدوا ... لم يلهني عنهم أهل ولا مال )
( إني لأخشى وما الأيام طوع يدي ... أني أموت ولي في القلب آمال )
وقال
( بين وادي النقا وبان المصلى ... ملأ ألبسوا الوجود جمالا )
( إن يكن قد نوى لي الدهر قربا ... منهم فهو قد كفاني نوالا ) 371
وقال
( زرت الديار عن الأحبة سائلا ... ورجعت إذلالا بدمع سائل )
( ونزلت في ظل الأراكة قائلا ... والربع أخرس عن جواب القائل )
وقال
( لا أوحش الله المنازل منهم ... منهم غدت تلك الديار حسانا )
( فاشكر لدهرك أن أراك بحاجر ... بان الحمى وأراكه قد بانا )
وقال
( لك يا وادي العقيق علينا ... كل ما شئت من ذمام وثيق )
( فمن البر أنني أتبرى ... من عقوق لمنزل بالعقيق )
وقال
( يا أهل ذي سلم بشرى لمستلم ... ذاك الثرى مقدم في السير لم ينم )
( يؤم دارا بها خير الورى حسبا ... الخاتم الرسل من عرب ومن عجم )
ولنقتصر من كلام ابن جابر في هذا الموضع على هذا المقدار وإنما أطنبت فيه لما تقدم من الاعتراض على لسان الدين في عدم توفيته بحق المذكور وحق رفيقه مع أنه أطال فيمن دونهما من أهل عصره وأيضا فإن كليهما غريب عندنا بالمغرب لكونهما ارتحلا قبل أن يشتهرا كل الاشتهار وكان خبرهما في لشرق أشهر
من شعر رفيق ابن جابر
وأما رفيقه شارح بديعيته فقد ذكرنا في غير هذا الموضع بعض حاله وكلامه ولنزد هنا ما تيسر فنقول من نظمه

( لئن حال بعد الدار بيني وبينهم ... فإني لأرعاهم على ذلك البعد )
وقال
( خجلت عندما نظرت إليها ... وانثنت وهي بين تيه ومنع )
( إنما ورد خدها زرع طرفي ... حين مروا فكيف أحرم زرعي )
وقال
( لك نفسي إذا بدت لك نجد ... فلقد سرني الزمان بنجد )
( فلتلك الخيام عندي عهد ... وأبى الله أن أضيع عهدي )
وقال
( سل عن القوم إن بدت لك سلع ... ففؤادي عند الذين بسلع )
( لي على تلكم المعاهد دمع ... كاد يغني بها عن اللث دمعي )
وقال
( صفحوا عن محبهم وأقالوا ... من عثار النوى ومنوا بوصل )
( لست أستوجب الوصال ولكن ... أهل تلك الخيام أكرم أهل )
وقال
( مال الزمان بهم عني وقد بعدوا ... لم يلهني عنهم أهل ولا مال )
( إني لأخشى وما الأيام طوع يدي ... أني أموت ولي في القلب آمال )
وقال
( بين وادي النقا وبان المصلى ... ملأ ألبسوا الوجود جمالا )
( إن يكن قد نوى لي الدهر قربا ... منهم فهو قد كفاني نوالا )

وقال
( زرت الديار عن الأحبة سائلا ... ورجعت إذلالا بدمع سائل )
( ونزلت في ظل الأراكة قائلا ... والربع أخرس عن جواب القائل )
وقال
( لا أوحش الله المنازل منهم ... منهم غدت تلك الديار حسانا )
( فاشكر لدهرك أن أراك بحاجر ... بان الحمى وأراكه قد بانا )
وقال
( لك يا وادي العقيق علينا ... كل ما شئت من ذمام وثيق )
( فمن البر أنني أتبرى ... من عقوق لمنزل بالعقيق )
وقال
( يا أهل ذي سلم بشرى لمستلم ... ذاك الثرى مقدم في السير لم ينم )
( يؤم دارا بها خير الورى حسبا ... الخاتم الرسل من عرب ومن عجم )
ولنقتصر من كلام ابن جابر في هذا الموضع على هذا المقدار وإنما أطنبت فيه لما تقدم من الاعتراض على لسان الدين في عدم توفيته بحق المذكور وحق رفيقه مع أنه أطال فيمن دونهما من أهل عصره وأيضا فإن كليهما غريب عندنا بالمغرب لكونهما ارتحلا قبل أن يشتهرا كل الاشتهار وكان خبرهما في الشرق أشهر
من شعر رفيق ابن جابر
وأما رفيقه شارح بديعيته فقد ذكرنا في غير هذا الموضع بعض حاله وكلامه ولنزد هنا ما تيسر فنقول من نظمه

( لما عدا في الناس عقرب صدغها ... كفت أذاه من الورى بالبرقع )
( والصبح تحت خمارها متستر ... عنا متى شاءت تقول له اطلع )
وقال
( تجنت فجن في الهوى كل عاقل ... رآها وأحوال المحب جنون )
( وما وعدت إلا عدت في مطالها ... كذلك وعد الغانيات يكون )
وقال
( لا تجدوا في الهوى على كلف ... نظيره في الغرام لن تجدوا )
( لهفان ما يشتكي إلى أحد ... ظمآن غير الدموع لا يرد )
وقال
( رب ليل قطعته بالجزيره ... فتذكرت أهلنا بالجزيره )
( قصر الأنس ماتطاول منه ... وكذا أزمن السرور يسيره )
قال والجزيرة الأولى المراد بها حمص المحيط بها النهر المسمى بالعاصي والثانية جزيرة الأندلس
وله أيضا
( وما لي والتزين يوم عيد ... وجيد صبابتي بالدمع حالي )
( وقد أرسلت أشهبها بريدا ... وبعد كميتها ينبي بحالي )
والمراد بالأشهب الدمع الذي لا يشوبه شيء وبالكميت الدمع المشوب بالدم قال رحمه الله في شرح البديعية وقد ذكر العقيق بعد كلام ما نصه قلت وكان هذا الوادي المبارك زمن عثمان رضي الله تعالى عنه ذا قصور محتفة وحدائق ملتفة وبنيان مشيد ونخل طلعه نضيد وجنات تؤتي أكلها كل حين

وسواق تجري به بماء معين ثم لعبت به أيدي السنين وغيرت معالمه فصار عبرة للناظرين فلم يبق من معاهده إلا آثار تشهد بحسنه ونضرة نعيم تدل على ما سلف من نضارة غصنه وقد خرجنا إلى هذا الوادي أيام مجاورتنا بالمدينة الشريفة وهو يتدفق بمائه ويعارض بجوهر حبابه أنجم سمائه وقج سالت شعابه وفاض عبابه والناس تفرقوا في جهاته وافترشوا غض نباته والشيح قد توشح بالندى والأنس قد راح به وغدا والأصيل مذهب الرداء والبيداء مخضرة الأنداء وبحافته آثار قصور ليس لها في الحسن قصور قد بليت وحسنها جديد وخربت وربعها بالأنس مشيد انتهى
ومن بديع نظمه قوله
( مهلا فما شيم الوفا منقادة ... لمن ابتغى من نيلها أوطارا )
( رتب المعالي لا تنال بحيلة ... يوما ولو جهد الفتى أو طارا )
وقوله رحمه الله تعالى
( على وادي العقيق سكبت دمعي ... بلا عين فيبدو كالعقيق )
( فكم غصن وريق منه يحكي ... قوام رشا شهي فم وريق )
وقال
( سألتك بالله يا من غدا ... يصرف بالقلب أفعاله )
( تدارك محبا بدرياق وصل ... فإن بعادك أفعى له )
وقال
( لا تأمننه على القلو ... ب فمنه أصل غرامها )
( فلحاظه هن التي ... رمت الورى بسهامها )
ومن فوائده رحمه الله تعالى في شرح البديعية ما نصه ومن غريب ما في

لدى أن أبا علي حكى في تذكرته عن المفضل أنه أتت بمعنى هل وأنشد
( لدى من شباب يشترى بمشيب ... وكيف شباب المرء بعد ذهاب )
رجع وقال رحمه الله تعالى يتشوق إلى حمراء غرناطة
( ذابت على الحمراء حمر مدامعي ... والقلب فيما بين ذلك ذائب )
( طال المدى بي عنهم ولربما ... قد عاد من بعد الإطالة غائب )
وقال
( ما هب من نحو السبيكة بارق ... إلا غدا شوقي لقلبي شابكا )
( والله ما اخترت الفراق لربعها ... لكن قضاء الله أوجب ذلكا )
وقال
( منازل سلمى إن خلت فلطالما ... بها عمرت في القلب مني منازل )
( رسائل شوقي كل يوم تزورها ... وما ضيعت عند الكرام الرسائل )
وقال
( بجور الوداع لنا موقف ... أذاب الفؤاد لأجل الوداع )
( فما أنا أنسى غداة النوى ... وحادي الركائب للبين داعي )
قال وجور الوداع موضع بظاهر غرناطة عادة من سافر أن يودع هناك
وقال
( ناولته وردة فاحمر من خجل ... وقال وجهي يغنيني عن الزهر )

( الخد ورد وعيني نرجس وعلى ... خدي عذار كريحان على نهر )
وقال رحمه الله تعالى في التشريع
( يا راحلا يبغي زيارة طيبة ... نلت المنى بزيارة الأخيار )
( حي العقيق إذا وصلت وصف لنا ... وادي منى بأطايب الأخبار )
( وإذا وقفت لدى المعرف داعيا ... زال العنا وظفرت بالأوطار )
وقال
( يا أولا في المرسلين وآخرا ... الله خصك بالكمال ليرضيك )
( من قبل آدم قد جعلت نبيه ... قدما فقدمك الإله ليعليك )
( أوحى إليك لكي تكون حبيبه ... ويتم نعمته عليك ويهديك )
وقال
( صيرتني في هواك اليوم مشتهرا ... لا قيس ليلى ولا غيلان في الأول )
( زعمت أن غرامي فيك مكتسب ... لا والذي خلق الإنسان من عجل )
وقال
( لا تعاد الناس في أوطانهم ... قلما يرعى غريب الوطن )
( وإذا ما شئت عيشا بينهم ... خالق الناس بخلق حسن )
وقال
( نسختي اليوم في المحبة أصل ... فعليها اعتماد كل عميد )
( نقلوا مرسل المدامع منها ... وصحيح الهوى بغير مزيد )
( قد رواها قبلي جميل وقيس ... حين هاما بكل لحظ وجيد )

ومن فوائده أنه لما أنشد في طراز الحلة قول سعد الدين محمد بن عربي في ابن مالك
( إن الإمام جمال الدين فضله ... )
إلى آخره قال ما ملخصه ولما أورده الصفدي في فض الختام قال هذا في غاية الحسن لو كان الكتاب المذكور يسمى الفوائد وإنما هو تسهيل الفوائد فذكر المضاف إليه دون المضاف وهي تورية ناقصة قلت ابن مالك له كتابان أحدهما الفوائد صنعه أولا ثم صنع تسهيل الفوائد بعده وكأنه سهل فيه كتاب الفوائد وكنت وقفت على هذا الكتاب المسمى بالفوائد ببلدنا غرناطة فلما وصلنا إلى هذه البلاد بحثنا عنه فلم نجده وتمادى الأمر على ذلك إلى سنة 760 فوجدناه في حلب وهو الآن عندنا وهو عزيز الوجود ولذلك خفي على القاضي صلاح الدين انتهى وبعضه بالمعنى
وقال أبو جعفر أحمد المترجم به كتبت إلى صاحبنا الشيخ بدر الدين خليل الناسخ
( مددت النوى وقصرت اللقا ... أترضى بهذا وأنت الخليل )
( وتترك أحمد ذا وحشة ... لديك وأنت له ابن جليل )
وقال
( قد كان لي أنس بطيب حديثكم ... والآن صار حديثكم برسول )
( ولقد مددت من النوى مقصوره ... إن الخليل يراه غير جميل )
وله رحمه الله تعالى
( ما للنوى مدت وأنت خليلنا ... ولقبل قد قصرت برغم الكاشح )
( أتبعت في ذا مذهبا لا يرتضى ... أبدا وليس الرأي فيه بصالح )

وله
( ولما رأى الحساد منك التفاتة ... إلى جانب اللهو الذي كان مرفوضا )
( أضافوا إلى علياك كل نقيصة ... حقيق لدينا بالإضافة مخفوضا )
وله
( حسنك ما بين الورى شائع ... قد عرف الآن بلام العذار )
( فجاء منه مبتدا للهوى ... خبره الآس مع الجلنار )
ولنقتصر على هذا المقدار إلى هنا
رجع إلى أولاد لسان الدين رحمهم الله تعالى
وقد قدمنا أن علي بن لسان الدين كان نديم السلطان وخاصته كما ذكرنا في مخاطبته لابن مرزوق في الباب الخامس قوله فالسلطان يرعاه الله تعالى يوجب ما فوق مزية التعظيم والولد هداهم الله تعالى قد أخذوا بحظ قل أن ينالوه بغير هذا الإقليم والخاصة والعامة تعامل بحسب ما بلته من نصح سليم وترك لما بالأيدي وتسليم وتدبير عاد على عدوها بالعذاب الأليم إلا من أبدى السلامة وهو من إبطان الحسد بحال السليم انتهى
ولقد صدق رحمه الله تعالى فيما ذكره من النصح وغيره
ومن نصائحه رحمه الله تعالى ما كتب به على لسان السلطان ونصه من عبد الله أميرالمسلمين محمد وصل الله تعالى سعده وبلغه من فضله العميم قصده إلى أوليائنا المخصوصين منا ومن سلفنا بذمام الجوار القريب والمساكنة التي لا يتطرق إلى حقها الذي بني استرابة المستريب المعتمدين إذا عدت الرعايا وذكرت المزايا بمزيد الاعتناء والتقريب من الأشياخ الجلة الشرفاء والعلماء والصدور الفقهاء والعدول الأذكياء والأعيان

الوزراء والحماة المدافعين عن الأرجاء والأمناء الثقات الأتقياء والكافة الذين نصل إليهم عوائد الاعتناء ونسير فيهم بإعانة الله تعالى على السبيل السواء من أهل حضرتنا غرناطة المحروسة بفضل الله تعالى وربضها شرح الله تعالى لقبول الحكمة والموعظة الحسنة صدورهم وكنف بنتائج الاستقامة سرورهم وأصلح بعنايته أمورهم واستعمل فيما يرضيهم أميرهم ومأمورهم سلام كريم عليكم أجمعين ورحمة الله تعالى وبركاته
أما بعد حمد الله الذي إذا رضي عن قوم جعل لهم التقوى لباسا والذكرى لبناء المتاب أساسا والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسوله الذي هدانا إلى الفوز العظيم ابتغاء لرحمته والتماسا والرضى عن آله الذين اختارهم له ناسا وجعلهم مصابيح من بعده اقتداء واقتباسا فإنا كتبناه إليكم كتب الله تعالى إعزازكم وحرس أحوازكم وجعل للعمل الصالح اهتزازكم وبقبول النصائح امتيازكم من مستقرنا بمحروسة الحمراء حماها الله سبحانه ولا متعرف بفضل الله تعالى إلا هداية تظهر على الأقوال والأعمال وعناية تحف من اليمين والشمال وتوكل على الله يتكفل لنا ببلوغ الآمال وأنتم أولياؤنا الذين لا ندخر عنهم نصحا ولا نهمل تدبيرهم ما يثمر نجحا وبحسب هذا الاعتقاد لا نغفل عن نصيحة ترشدكم إذا غفلتم وموعظة نقصها عليكم إذا اجتمعتم في بيوت الله واختلفتم وذب عنكم تارة بسلم تعقدها ومطاولة نسددها وتارة بسيوف في سبيل الله تعالى نحددها وعمارة للشهادة نرددها ونفوس بوعد الله نعدها ونرضى بالسهر لتنام أجفانكم وبالكد لتتدع صبيانكم وولدانكم وباقتحام المخاوف ليتصل أمانكم ولو استطعنا أن نجعل عليكم وقاية كوقاية الوليد لجعلنا او امكننا ان لا تفضلكم رعية بصلاح دين أو دينا لفعلنا هذا شغل زماننا منذ عرفناه ومرمى همنا مهما استهدفناه وقد استرعانا الله تعالى جماعتكم وملانا طاعتكم وحرم علينا إضاعتكم

والراعي إذا لم يقصد بسائمته المراعي الطيبة وينتجع مساقط الغمائم الصيبة ويوردها الماء النمير ويبتغ لها النماء والتثمير ويصلح خللها ويداو عللها قد عددها وعدمت غلتها وولدها فندم على ما ضيعه في أمسه وجنى عليها وعلى نفسه
وألفيناكم في أيامنا هذه الميامن عليكم قد غمرتكم آلاء الله تعالى ونعمه وملأت أيديكم مواهبه وقسمه وشغل عدوكم بفتنة قومه فنمتم للعافية فوق مهاد وبعد عهدكم بما تقدم من جهد وجهاد ومخمصة وسهاد فأشفقنا أن يجركم توالي الرخاء إلى البطر أو تحملكم العافية على الغفلة عن الله تعالى وهي أخطر الخطر أو تجهلوا مواقع فضله تعالى وكرمه أو تستعينوا على معصيته بنعمه فمن عرف الله تعالى في الرخاء وجده في الشدة ومن استعد في المهل وجد منفعة العدة والعاقل من لا يغتر في الحرب أو السلم بطول المدة فالدهر مبلي الجدة ومستوعب العدة والمسلمون إخوانكم اليوم قد شغلوا بأنفسهم عن جبركم وسلموا لله في نصركم ونشبت الأيدي ولا حول ولا قوة إلا بالله بثغركم وأهمتهم فتن تركت رسوم الجهاد خالية خاوية ورياض الكتائب الخضر ذابلة ذاوية فإن لم تشمروا لما بين أيديكم في هذه البرهة فماذا تنتظرون وإذا لم تستنصروا بالله مولاكم فبمن تستنصرون وإذا لم تستعدوا في المهل فمتى تستعدون لقد خسر من رضي في الدنيا والآخرة بالدون فلا تأمنوا مكر الله ( فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون )
ومن المنقول عن الملل والمشهور في الأواخر والأول أن المعصية إذا فشت في قوم أحاط بهم سوء كسبهم وأظلم ما بينهم وبين ربهم وانقطعت عنهم الرحمات ووقعت فيهم المثلات والنقمات وشحت السماء وغيض الماء واستولت الأعداء وانتشر الداء وجفت الضروع وأخلفت الرضوع

فوجب علينا أن نستميلكم بالموعظة الحسنة والذكرى التي توقظ من السنة ونقرع آذانكم بقوارع الألسنة فأفزعوا الشيطان بوعيها وتقربوا إلى الله تعالى برعيها الصلاة الصلاة فلا تهملوها ووظائفها المعروفة فكملوها فهي الركن الوثيق والعلم الماثل على جادة الطريق والخاصة التي يتميز بها هذا الفريق وبادروا صفوفها الماثلة وأتبعوا فريضتها النافلة وأشرعوا إلى تاركها أسنة الإنكار واغتنموا بها نواشىء الليل وبوادي الأسحار والزكاة أختها المنسوبة ولدتها المكتوبة المحسوبة فمن منعها فقد بخل على مولاه باليسير مما أولاه وما أحقه بذهاب هبة الوهاب وأولاه فاشتروا من الله تعالى كرائم أموالكم بالصدقات وأنفقوا في سبيله يربحكم أضعاف النفقات وواسوا سؤالكم كلما نصبت الموائد وأعيدت ا \ للترفه العوائد وارعوا حق الجوار وخذوا على أيدي الدعرة والفجار وأخرجوا الشنآن من الصدور واجعلوا صلة الأرحام من عزم الأمور وصونوا عن الاغتياب أفواهكم ولا تعودوا السفاهة شفاهكم وأقرضوا القرض الحسن إلهكم وعلموا القرآن صبيانكم فهو أس المبنى وازرعوه في تراب ترائبهم فعسى أن يجنى ولا تتركوا النصيحة لمن استنصح وردوا السلام على من بتحية الإسلام أفصح وجاهدوا أهواءكم فهي أولى ما جاهدتم وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم وثابروا على حلق العلم والتعلم وحفوا بمراقي التكلم وتعلموا من دينكم ما لا يسعكم عند الله تعالى جهله ويتبين أنكم أهله فمن القبيح أن يقوم أحدكم على به وقاية بره وشعيره ورعاية شاته وبعيره ولا يقوم على شيء يخلص به قاعدة اعتقاده ويعده منجاة ليوم معاده والله عز و جل يقول ولقوله يرحل المنتجعون ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون )
وائنفوا من الحوادث الشنيعة والبدع التي تفت في عضد الشريعة فقد شن علينا الملبسة بأهل التصوف المغار ونال حملتها بل جملتها بإغماضهم

الصغار وتؤول المعاد والجنة والنار وإذا لم يغر الرجل على دينه ودين أبيه فعلى من يغار فالأنبياء الكرام وورثتهم العلماء هم أئمة الاقتداء والكواكب التي عينها الحق للاهتداء فاحذروا معاطب هذا الداء ودسائس هذه الأعداء
وأهم ما صرفتم إليه الوجوه واستدفعتم به المكروه العمل بأمره جل وعلا في الآية المتلوة والحكمة السافرة المجلوة من ارتباط الخيل وإعداد القوة فمن كان ذا سعة في رزقه فليقم لله بما استطاع من حقه وليتخذ فرسا يعمر محلته بصهيله ويقتنه من أجل الله وفي سبيله فكم يتحمل من عيال يلتمس مرضاتهن باتخاذ الزينة والتنافس في ترف المدينة ومؤونة الارتباط أقل وعلى الهمة والدين أدل إلى ما فيه من حماية الحوزة وإظهار العزة ومن لم يحسن الرمي فليتدرب وباتخاذ السلاح إلى الله فليتقرب وقبل الرمي تراش السهام وعلى العباد الاجتهاد وعلى الله التمام
والسكة الجارية في حوادث نواديكم وأثمان العروض التي بأيديكم من تحيف حروفها ونكر معروفها أو سامح في قبول زيف أو مبخوس حيف فقد اتبع هواه وخان نفسه وسواه قال الله عز و جل ( أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) ولتعلموا أن نبيكم صلوات الله عليه إنما بعثه الله مجاهدا وبالحق قاضيا وعن الهفوات حليما متغاضيا فتمسكوا بحبله ولا تعدلوا عن سبله يروكم الله تعالى من سجله ويراعكم من أجله مراعاة الرجل لنجله فهو الذي يقول ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) وإن كان في وطنكم اليوم سعة وقد ألحفكم أمن من الله تعالى ودعة فاحسبوا أنكم في بلد محصور وبين لحيي أسد هصور اكتنفكم

بحر يعب عبابه ودار بكم سور بيد عدوكم بابه ولا يدرى متى ينتهي السلم وينشعب الكلم فإن لم تكونوا بناء مرصوصا وتستشعروا الصبر عموما وخصوصا أصبح الجناح مقصوصا والرأي قد سلبته الحيرة والمال والحريم قد سلبت فيه الصنانة والغيرة وإن شاء الله تهب ريح الحمية ونصرة النفوس على الخيالات الوهمية فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والله متم نوره على رغم الجاحدين وكره الكافرين ( وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين )
واعتقدوا أن الله تعالى لم يجعل الظهور مقرونا بعدد كثير ولو مثل جراد مزرعة أثارها مثير بل بإخلاص لا يبقي لغيرالله افتقارا ونفوس توسع ما سوى الحق اقتدارا ووعد يصدق وبصائر أبصارها إلى مثابة الجزاء تحدق وهذا الدين ظهر مع الغربة وشظف التربة فلم ترعه الأكاسرة وفيولها والقياصرة وخيولها دين حنيف وعلم منيف من وجوه شطر المسجد الحرام تولى وآيات على سبعة أحرف تتلى وزكاة من الصميم تنتقى ومعارج ترتقى وحج وجهاد ومواسم وأعياد ليس إلا تكبير شهير وأذان جهير وقوة تعد وثغور تسد وفيء يقسم وفخر يرسم ونصيحة تهدي وأمانة تؤدى وصدقة تخفى وتبدى وصدور تشرح وتشفى وخلق على خلق القرآن تخذى وتقفى قبض رسول الله وهذا العقد قد سجل والوعد به قد عجل ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ولا ينقطع لهذا الفرع عادة وصله ما دام شبيها بأصله وإنما هو حلب لكم زبدته الممخوضة وخلاصته الممحوضة والعاقبة للمتقين ( ولتعلمن نبأه بعد حين )
وحضرتكم اليوم قاعدة الدين وغاب المجاهدين وقد اخترعت بنا أيامنا هذه وأيام والدنا المقدس الآثار الكبار والحسنات التي تنوقلت بها الأخبار

وأغفلت إلى زمنكم الحسنة المذخورة والمنقبة المبرورة وهي بيمارستان يقيم منكم المرضى المطرحين والضعفاء المغتربين منهم والمعترضين في كل حين فأنتم تطؤونهم بالأقدام على مر الأيام ينظرون إليكم بالعيون الكليلة ويعربون عن الأحوال الذليلة وضرورتهم غير خافية وما أنتم بأولى منهم بالعافية والمجانين تكثر منهم الوقائع وتفشو منهم إماته العهد الذائع عار تحظره الشرائع وفي مثله تسد الذارئع
وقد فضلتم أهل مصر وبغداد بالرباط الدائم والجهاد فلا أقل من المساواة في معنى والمنافسة في مبنى يذهب عنكم لؤم الجوار ويزيل عن وجوهكم سمات العار ويدل على همتكم وفضل شيمتكم أهل الأقطار وكم نفقة هانت على الرجل في مشروع وحرص اعتراه على ممنوع فأسرعوا فالنظر في هذا المهم خير مشروع ولولا اهتمامنا بمرتزقة ديوانكم وإعدادنا مال الجباية للمجاهدين من إخوانكم لسبقناكم إلى هذه الزلفة وقمنا في هذا العمل الصالح بتحمل الكلفة ومع ذلك فإذا قدناكم إلى الجنة ببنائه وأسهمناكم في فريضة أجره وثنائه فنحن إن شاء الله تعالى نعين له الأوقاف التي تجري عنها المرفقة وتتصل عليه بها الصدقة تأصيلا لفخركم وإطابة في البلاد لذكركم فليشاور أحدكم همته ودينه ويستخدم يساره في طاعة القصد الكريم ويمينه ونسأل الله تعالى أن يوفق كلا لهذا القصد ويعينه ومن وراء هذه النصائح عزم ينهيها إلى غايتها ويجبر الكافة على اتباع رأيها ورايتها فأعملوا الأفكار فيما تضمنته من الفصول وتلقوا داعي الله تعالى فيها بالقبول والدنيا مزرعة الآخرة وكم معتبر للنفوس الساخرة بالعظام الناخرة ( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) وأنتم اليوم أحق الناس بقبول الموعظة نفوسا زكية وفهوما لا قاصرة ولا بطية وموطن جهاد ومستسقى غمام

من رحمة الله تعالى وعهاد وبقايا السلف بالأرض التي فتحوا فيها هذا الوطن وألقوا فيها العطن فإلى أين يذهب حسن الظن بأديانكم وصحة إيمانكم وتساوي إسراركم وإعلانكم
اللهم إنا قد خرجنا لك فيهم عن العهدة المتحملة وبلغناهم نصيحتكم المكملة ووعدناهم مع الامتثال رحمتك المؤملة فيسرنا وإياهم لليسرى وعرفنا لطائفك التي خفي فيها المسرى ولا تجعلنا ممن صم عن النداء وأصبح شماتة الأعداء فما ذل من استنصر بجنابك ولا ضل من استبصر بسنتك وكتابك ولا انقطع من توسل بأسبابك والله سبحانه يصل لكم عوائد الصنع الجميل ويحملكم وإيانا من التوفيق على أوضح سبيل ويصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله تعالى وبركاته انتهى
ومن ذلك قوله رحمه تعالى الله على لسان السلطان بعد كلام
الله الله في الهمم فقد خمدت ريحها والله الله في العقائد فقد خفيت مصابيحها والله الله في الرجولية فقد فل حدها والله الله في الغيرة فقد تعسر جدها والله الله في الدين فقد طمع الكفر في تحويله والله الله في الحريم فقد مد إلى استرقاقه يد تأميله والله الله في الملة التي يريد إطفاء سناها وقد كمل فضلها وتناهى والله الله في الحريم والله الله في الدين الكريم والله الله في القرآن والله الله في الجيران والله الله في الطارف اوالتالد والله الله في الوطن الذي توارثه الولد عن الوالد اليوم تستأسد النفوس المهينة اليوم يستنصر الصبر والسكينة اليوم ترعى لهذه المساجد الكرام الذمم اليوم يسلك سبيل العزم والحزم والشدة والشمم اليوم يرجع إلى الله المصرون اليوم يفيق من نوم الغفلة المغترون قبل أن يتفاقم الهول ويحق القول ويسد الباب ويحيق

العذاب ويسترق الكفر الرقاب فالنساء تقي بأنفسهن أولادهن الصغار والطيور ترفرف لتحمي الأوكار إذا أحست العيث بأفراخها والإضرار تمر الأيام عليكم مر السحاب وذهاب الليالي لكم ذهاب فلا خبر يفضي إلى العين ولا حديث في الله تعالى يسمع بين اثنين ولا كد إلا لزينة يحلى بها نحر وجيد ولا سعي إلا لمتاع لا يغني في الشدائد ولا يفيد وبالأمس ندبتم إلى التماس رحمى مسخر السحاب واستقالة كاشف العذاب وسؤال مرسل الديمة ومحيي البشر والبهيمة وقد أمسكت عليكم رحمة السماء وأغبرت جوانبكم المخضرة احتياجا إلى بلالة الماء ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) وإليها الأكف تمدون وأبوابها بالدعاء تقصدون فلم يصحر منكم عدد معتبر ولا ظهر للإنابة ولا الصدقة خبر وتثوقل عن إعادة الرغبة إلى الولي الحميد والغني الذي ( إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ) وايم الله لو كان لهوا لارتقبت الساعات وضاقت المتسعات وتزاحمت على أنديته الجماعات
أتعززا على الله وهو القوي العزيز أتلبيسا على الله وهو الذي يميز الخبيث من الطيب والشبه من الإبريز أمعاندة والنواصي في يديه أغرورا بالأمل والرجوع بعد إليه من يبدأ الخلق ثم يعيده من ينزل الرزق ويفيده من يرجع إليه في الملمات من يرجى في الشدائد والأزمات من يوجد في المحيا والممات أفي الله شك يختلج القلوب أثم غير الله يدفع المكروه وييسر المطلوب تفضلون على اللجإ إليه عوائد الفضل ونزه الجهل وطائفة منكم قد برزت إلى استسقاء رحمته تمد إليه الأيدي والرقاب وتستكشف بالخضوع لعظمته العقاب وتستعجل إلى مواعيد إجابته الارتقاب وكأنكم عن كرمه

قد اشتغنيتم أو على الامتناع من الرجوع إليه بنيتم
أما تعلمون كيف كان نبيكم صلوات الله عليه من التبلغ باليسير والاستعداد للرحيل إلى دار الحق والمسير ومداومة الجوع وهجر الهجوع والعمل على الإياب إلى الله تعالى والرجوع دخلت فاطمة رضي الله تعالى عنها وبيدها كسرة شعير فقال ما هذا يا فاطمة فقالت يا رسول الله خبزت قرصة وأحببت أن تأكل منها فقال يا فاطمة أما إنه أول طعام دخل جوف أبيك منذ ثلاث
وكان يستغفر في اليوم سبعين مرة يلتمس رحماه ويقوم وهو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى ورمت قدماه وكان شأنه الجهاد ودأبه الجد والاجتهاد ومواقف صبره تعرفها الربى والوهاد ومقامات رفقه تحوم على مراتبها الزهاد فإذا لم تقتدوا به فبمن تقتدون وإذا لم تهتدوا به فبمن تهتدون وإذا لم ترضوه باتباعكم فكيف تعتزون إليه وتنتسبون وإذا لم ترغبوا في الاتصاف بصفاته غضبا لله تعالى وجهادا وتقللا من العرض الأدنى وسهادا ففيم ترغبون
فابتروا حبال الآمال فكل آت قريب واعتبروا بمثلات من تقدم من أهل البلاد والقواعد فذهولكم عنها غريب وتفكروا في منابرها التي يعلو عليها واعظ وخطيب ومطيل ومطيب ومساجدها المتعددة الصفوف والجماعة المعمورة بأنواع الطاعة وكيف أخذ الله تعالى فيها بذنب المترفين من دونهم وعاقب الجمهور بما أغضوا عنه عيونهم وساءت بالغفلة عن الله تعالى عقبى جميعهم وذهبت النقمات بعاصيهم ومن داهن في أمره من مطيعهم وأصبحت مساجدهم مناصب للصلبان واستبدلت مآذنهم بالنواقيس من الأذان هذا والناس ناس والزمان زمان
فما هذه الغفلة عمن إليه الرجعة وإليه المصير وإلى متى التساهل في حقوقه

وهو السميع البصير وحتى متى مد الأمل في الزمان القصير وإلى متى نسيان اللجإ إلى الولي النصير قد تداعت الصلبان مجلبة عليكم وتحركت الطواغيت من كل جهة إليكم أفيخذلكم الشيطان وكتاب الله قائم فيكم وألسنة الأيات تناديكم لم تمتح سطورها ولا احتجب نورها وأنتم بقايا من فتحها من عدد قليل وصابر فيها كل خطب جليل فوالله لو تمحض الإيمان ورضي الرحمن ما ظهر التثليث في هذه الجزيرة على التوحيد ولا عدم الإسلام فيها عادة التأييد لكم شمل الداء وصم النداء وعميت الأبصار فكيف الاهتداء والباب مفتوح والفضل ممنوح فتعالوا نستغفر الله جميعا فهو الغفور الرحيم ونستقل مقيل العثار فهو الرؤوف الحليم ونصرف الوجوه إلى الاعتراف بما قدمت أيدينا فقبول المعاذير من شأن الكريم سدت الأبواب وضعفت الأسباب وانقطعت الآمال إلا منك يا فتاح يا وهاب ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) ( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) أعدوا الخيل وارتبطوها وروضوا النفوس على الشهادة وغبطوها فمن خاف الموت رضي بالدنية ولا بد على كل حال من المنية والحياة مع الذل ليست من شيم النفوس السنية واقتنوا السلاح والعدة وتعرفوا إلى الله تعالى في الرخاء يعرفكم في الشدة واستشعروا القوة بالله تعالى على أعدائه وأعدائكم واستميتوا من دون أبنائكم وكونوا كالبناء المرصوص لحملات هذا العدو النازل بفنائكم وحوطوا بالتعديل على الله تعالى وحده بلادكم واشتروا من الله جل جلاله أولادكم ذكروا أن امرأة

احتمل السبع ولدها وشكت إلى بعض الصالحين فأشار عليها بالصدقة فتصدقت برغيف فأطلق السبع ولدها وسمعت النداء يا هذه لقمة بلقمة وإنا لما استودعناه لحافظون
واهجروا الشهوات واستدركوا البقية من بعد الفوات وأفضلوا لمساكينكم من الأقوات واخشعوا لما أنزل الله تعالى من الآيات وخذوا نفوسكم بالصبر على الأزمات والمواساة في المهمات وأيقظوا جفونكم من السنات واعلموا أنكم رضعاء ثدي كلمة التوحيد وجيران البلد الغريب والدين الوحيد وحزب التمحيص ونفر المرام العويص فتفقدوا معاملاتكم مع الله تعالى ومهما رأيتم الصدق غالبا والقلب للمولى الكريم مراقبا وشهاب اليقين ثاقبا فثقوا بعناية الله التي لا يغلبكم معها غالب ولا ينالكم لأجلها عدو مطالب فإنكم في الستر الكثيف وكنف الخبير اللطيف ومهما رأيتم الخواطر متبددة والظنون في الله مترددة والجهات التي تخاف وترجى متعددة والغفلة عن الله ملامسها متجددة وعادة دواعي الخذلان دائمة وأسواق الشهوات قائمة فاعلموا أن الله تعالى منفذ فيكم وعده ووعيده في الأمم الغافلين وأنكم قد ظلمتم أنفسكم ولا عدوان إلا على الظالمين والتوبة ترد الشارد إلى الله تعالى والله يحب التوابين ويحب المتطهرين وهو القائل ( إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين )
وما أقرب صلاح الأحوال مع الله تعالى إذا صحت العزائم وتوالت على حزب الشيطان الهزائم وخملت الدنيا الغريبة في العيون وصدقت فيها عند الله الظنون ( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) وثوبوا سراعا إلى طهارة الثوب وإزالة

الشوب واقصدوا أبواب غافر الذنب وقابل التوب واعلموا أن سوء الأدب مع الله تعالى يفتح أبواب الشدائد ويسد طرق العوائد فلا تمطلوا بالتوبة أزمانكم ولا تأمنوا مكر الله فتغشوا إيمانكم ولاتعلقوا متابكم بالضرائر فهو علام السرائر وإنما علينا أن ننصحكم وإن كنا أولى بالنصيحة ونعتمدكم بالموعظة الصريحة الصادرة علم الله تعالى عن صدق القريحة وإن شاركناكم في الغفلة فقد سبقناكم إلى ألاسترجاع والاستغفار وإنما لكم لدينا نفس مبذولة في جهاد الكفار وتقدم قبلكم إلى مواقف الصبر التي لا ترضى بالفرار واجتهاد فيما يعود بالحسنى وعقبى الدار والاختيار لله ولي الاختيار ومصرف الأقدار وها نحن نسرع في الخروج إلى مدافعة هذا العدو ونفدي بنفوسنا البلاد والعباد والحريم المستضعف والأولاد ونصلى من دونهم نار الجلاد ونستوهب منكم الدعاء لمن وعد بإجابته فإنه يقبل من صرف إليه وجه إنابته اللهم كن لنا في هذا الاهتمام نصيرا وعلى أعدائك ظهيرا ومن انتقام عبدة الأوثان كفيلا اللهم قو من ضعفت حيلته فأنت القوي المعين وانصر من لا نصير له إلا أنت فإياك نعبد وإياك نستعين اللهم ثبت أقدامنا وانصرنا عند تزلزل الأقدام ولا تسلمنا عند لقاء عدو الإسلام فقد ألقينا إليك يد الاستسلام اللهم دافع بملائكتك المسومين اللهم اجعلنا على تيقظ وتذكر من ( قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم )
وقد وردت علينا المخاطبات من إخواننا المسلمين الذين عرفنا في القديم والحديث اجتهادهم وشكرنا في ذات الله تعالى جهادهم بني مرين أولي الامتعاض لله تعالى والحمية والمخصوصين بين القبائل الكريمة بهذه المزية بعزمهم على الامتعاض لحق الجوار والمصارخة التي تليق بالأحرار والنفرة

لانتهاك ذمار نبيهم المختار وحركة سلطانهم بتلك الأقطار والأمصار ومدافعة أحزاب الشيطان وأهل النار فاسألوا الله تعالى إعانتهم على هذا المقصد الكريم الآثار والسعي الضمين للعز والأجر والفخار والسلام الكريم يخصكم أيها الأولياء ورحمة الله وبركاته انتهى
ومما كتبه ابن لسان الدين رحمه الله تعالى على لسان سلطانه الغني بالله تعالى والنظر إليهم بعين الشفقة ما صورته
هذا كتاب كريم أصدرناه بتوفيق الله تعالى شارحا للصدور مصلحا بإعانة الله تعالى للأمور ملحفا للعدل والإحسان الخاصة والجمهور يعلم من يسمعه أو يقف عليه ومن يقرؤه ويتدبر ما لديه ما عاهدنا الله تعالى عليه من تأمين النفوس وحقن الدماء والسير في التجافي عنها على السنن السواء ورفع التناوب عن البعيد منها والقريب والمساواة في العفو والغفران بين البريء منها والمريب وحمل من ينظر بعين العداوة في باطن الأمر محمل الحبيب وترك ما يتوجه بأمر المطالبات ورفض التبعات مما لا يعارض حكما شرعيا ولا يناقض سننا في الدين مرعيا فمن كان رهن تبعة أو طريد تهمه أو منبوزا في الطاعة بريبة توجب أن نريق دمه فقد سحبنا عليه ظلال الأمان وألحفناه أثواب العفو والغفران ووعدناه من نفسنا مواعد الرفق والإحسان حكما عاما وعفوا تاما فاشيا في جميع الطبقات منسحبا على الأصناف المختلفات عاملنا في ذلك من يتقبل الأعمال ولا يضيع السؤال واستغفرنا عن نفسنا وعمن أخطأ علينا من رعيتنا ممن يدرأ الشرع غلطته

ويقبل الحق فيأته ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) لما رأينا من وجوب اتفاق الأهواء والضمائر وخلوص القلوب والسرائر في هذا الوطن الذي أحاط به العدو والبحر ومسه بتقدم الفتنة الضر وصلة لما أجراه الله تعالى على أيدينا وهيأه بنا في نادينا فلم يخف ما سكن بنا من نار الفتنة ورفع من بأس وإحنة وكشف من ظلمة وسدل من نعمة وأصفى من مورد عافية وأولى من عصمة كافية بعدما تخربت الثغور وفسدت الأمور واهتضم الدين واشتد على العباد كلب الكافرين المعتدين ( ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ) فله الحمد دائبا والشكر واجبا ومن الله نسأل أن يتمم نعمته علينا كما أتمها على أبوينا من قبل إن ربك حكيم عليم
ونحن قد شرعنا في تعيين من ينوب عنا من أهل العلم والعدالة والدين والجلالة للتطوف في البلاد الأندلسية ومباشرة الأمور بالبلاد النصرية ينهون إلينا ما يستطلعونه ويبلغون من المصالح ما يتعرفونه ويقيدون ما تحتاج إليه الثغور وتستوجبه المصلحة الجهادية من الأمور ونحن نستعين بفضلاء رعيتنا وخيارهم والمراقبين الله تعالى منهم في إيرادهم وإصدارهم على إنهاء ما يخفى عنا من ظلامة تقع أو حادث يبتدع ومن اتخذت بجواره خمر فاشية أو نشأت في جهته للمنكر ناشية فنحن نقلده العهد ونطوقه القلادة ووراء تنبيهنا على ما خفي من الشكر لمن أهداه وإحماد سعي من أبلغه وأداه ما نرجو ثواب الله تعالى عليه والتقرب به إليه فمن أهدى لنا شيئا من ذلك فهو شريك في أجره ومقاسم في مثوبته يوم ربح تجره وحسبنا الله ونعم الوكيل انتهى
وصية لسان الدين لأبنائه
وإذ أجرينا طرف القلم ملء عنانه فيما للسان الدين رحمه الله تعالى من

النصائح والمواعظ والوصايا وما يرجع بالنفع على الخاصة وجمهور الرعايا كل دون شأوه وقصر عن أمده مديد خطوه وقد تقدم في هذا الكتاب من ذلك جملة وافرة فلتراجع في محالها المتكاثرة وقد آن أن نسرد في هذا المحل الوصية التي أوصى لسان الدين رحمه الله تعالى بها أولاده وهي وصية جامعة نافعة يحصل بها انتعاش لاشتمالها على ما لا بد منه في المعاد والمعاش ونصها
الحمد لله الذي لا يروعه الحمام المرقوب إذا شيم نجمه المثقوب ولا يبغته الأجل المكتوب ولا يفجؤه الفراق المعتوب ملهم الهدى الذي تطمئن به القلوب وموضح السبيل المطلوب وجاعل النصيحة الصريحة في قسم الوجوب لا سيما للولي المحبوب والولد المنسوب القائل في الكتاب المعجز الأسلوب ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب ) ( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب ) والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله أكرم من زرت على نوره جيوب الغيوب وأشرف من خلعت عليه حلل المهابة والعصمة فلا تقتحمه العيون ولا تصمه العيوب والرضى عن آله وأصحابه المثابرين على سبيل الاستقامة بالهوى المغلوب والأمل المسلوب والاقتداء الموصل للمرغوب والعز والأمن من اللغوب
وبعد فإني لما علاني المشيب بقمته وقادني الكبر في رمته وادكرت الشباب بعد أمته أسفت لما أضعت وندمت بعد الفطام على ما رضعت وتأكد وجوب نصحي لمن لزمني رعيه وتعلق بعيني سعيه وأملت أن

تتعدى إلي ثمرة استقامته وأنا رهين فوات وفي برزخ أموات ويأمن العثور في الطريق التي اقتضت عثاري إن سلك وعسى أن لايكون ذلك على آثاري فقلت أخاطب الثلاثة الولد وثمرات الخلد بعد الضراعة إلى الله تعالى في توفيقهم وإيضاح طريقهم وجمع تفريقهم وأن يمن علي منهم بحسن الخلف والتلافي من قبل التلف وأن يرزق خلفهم التمسك بهدي السلف فهو ولي ذلك والهادي إلى خير المسالك
اعلموا هداكم الله تعالى الذي بأنواره تهتدي الضلال وبرضاه ترفع الأغلال وبالتماس قربه يحصل الكمال إذا ذهب المال وأخلفت الآمال وتبرأت من يمينها الشمال أني مودعكم وإن سالمني الردى ومفارقكم وإن طال المدى وما عدا مما بدا فكيف وأدوات السفر تجمع ومنادي الرحيل يسمع ولا أقل للحبيب المودع من وصية محتضر وعجالة مقتصر ورتيمة تعقد في خنصر ونصيحة تكون نشيده وراع مبصر تتكفل لكم بحسن العواقب من بعدي وتوضح لكم من الشفقة والحنو قصدي حسبما تضمن وعد الله من قبل وعدي فهي أربكم الذي لا يتغير وقفه ولا ينالكم المكروه ما رف عليكم سقفه وكأني بشبابكم قد شاخ وبراحلكم قد أناخ وبناشطكم قد كسل واستبدل الصاب من العسل ونصول الشيب تروع بأسل لا بل السام من كل حدب قد نسل والمعاد اللحد ولا تسل فبالأمس كنتم فراخ حجر واليوم أبناء عسكر مجر وغدا شيوخ مضيعة وهجر والقبور فاغرة والنفوس عن المألوفات صاغرة والدنيا بأهلها ساخرة والأولى تعقبها

الآخرة والحازم من لم يتعظ به في أمر وقال بيدي لا بيد عمرو فاقتنوها من وصية ومرام في النصح قصية وخصوا بها أولادكم إذا عقلوا ليجدوا زادها إذا انتقلوا وحسبي وحسبكم الله الذي لم يخلق الخلق هملا ولكن ليبلوهم أيهم أحسن عملا ولا رضي الدنيا منزلا ولا لطف لمن أصبح عن فئة الخير منعزلا
ولتلقنوا تلقينا وتعلموا علما يقينا أنكم لن تجدوا بعد أن أنفرد بذنبي ويفترش التراب حنبي ويسح انسكابي وتهرول عن المصلى ركابي أحرص مني على سعادة إليكم تجلب أو غاية كمال بسببكم ترتاد وتطلب حتى لا يكون في الدين والدنيا أورف منك ظلا ولا أشرف محلا ولا أغبط نهلا وعلا وأقل ما يوجب ذلك عليكم أن تصيخوا إلى قولي الآذان وتستلمحوا صبح نصحي فقد بان وسأعيد عليكم وصية لقمان أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وإذ قال لقمان لابنه وهويعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) وأعيد وصية خليل الله وإسرائيله حكم ما تضمنه حكم تنزيله ( يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) والدين الذي ارتضاه واصطفاه وأكمله ووفاه وقرره مصطفاه من قبل أن يتوفاه إذا أعمل فيه انتقاد فهو عمل واعتقاد وكلاهما مقرر ومستمد من عقل أو نقل محرر والعقل متقدم وبناؤه مع رفض أخيه متهدم فالله واحد أحد فرد صمد ليس له والد ولا ولد

تنزه عن الزمان والمكان وسبق وجوده وجود الأكوان خالق الخلق وما يعملون الذي لا يسأل عن شيء وهم يسألون الحي العليم المدبر القدير ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) أرسل الرسل رحمة لتدعو الناس إلى النجاة من الشقاء وتوجه الحجة في مصيرهم إلى دار البقاء مؤيدة بالمعجزات التي لا تتصف أنوارها بالاختفاء ولا يجوز على تواترها دعوى الانتفاء ثم ختم ديوانهم بنبي ملتنا المرعية الهمل الشاهدة على الملل فتلخصت الطاعة وتعينت الإمرة المطاعة ولم يبق بعده إلا ارتقاب الساعة ثم إن الله تعالى قبضه إذ كان بشرا وترك دينه يضم من الأمة نشرا فمن تبعه لحق به ومن تركه تورط عنه في منتشبه وكانت نجاته على قدر سببه روي عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال تركت فيكم ما إن تمسكتم به لم تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي فعضوا عليهما بالنواجذ
فاعملوا يا بني بوصية من ناصح جاهد ومشفق شفقة والد واستشعروا حبه الذي توفرت دواعيه وعوا مراشد هديه فيا فوز واعيه وصلوا السبب بسببه وآمنوا بكل ما جاء به مجملا أو مفصلا على حسبه وأوجبوا التجلة لصحبه الذين اختارهم الله تعالى لصحبته واجعلوا محبتكم إياهم من توابع محبته واشملوهم بالتوقير وفضلوا منهم أولي الفضل الشهير وتبرأوا من العصبية التي لم يدعكم إليها داع ولا تع التشاجر بينهم أذن واع فهو عنوان

السداد وعلامة سلامة الاعتقاد ثم اسحبوا فضل تعظيمهم على فقهاء الملة وائمتها الجلة فهم صقلة نصولهم وفروع ناشئة من أصولهم وورثتهم وورثة رسولهم
واعلموا أنني قطعت في البحث زماني وجعلت النظر شاني منذ براني الله تعالى وأنشاني مع نبل يعترف به الشاني وإدراك يسلمه العقل الإنساني فلم أجد خابط ورق ولا مصيب عرق ولا نازع خطام ولا متكلف فطام ولا مقتحم بحر طام إلا وغايته التي يقصدها قد نضلتها الشريعة وسبقتها وفرعت ثنيتها وارتقتها فعليكم بالتزام جادتها السابلة ومصاحبة رفقتها الكاملة والاهتداء بأقمارها غير الآفلة والله تعالى يقول وهو أصدق القائلين ( ومن يبتغ غير ألإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في ألآخرة من الخاسرين ) وقد علت شرائعه وراع الشكوك رائعه فلا تستنزلكم الدنيا عن الدين وابذلوا دونه النفوس فعل المهتدين فلن ينفع متاع بعد الخلود في النار أبد الآبدين ولا يضر مفقود مع الفوز بالسعادة والله أصدق الواعدين ومتاع الحياة الدنيا أخس ما ورث الأولاد عن الوالدين اللهم قد بلغت فأنت خير الشاهدين
فاحذروا المعاطب التي توجب في الشقاء الخلود وتستدعي شوه الوجوه ونضج الجلود واستعيذوا برضى الله من سخطه واربأوا بنفوسكم عن غمطه وارفعوا آمالكم عن القنوع بغرور قد خدع أسلافكم ولا تحمدوا علىجيفة العرض الزائل ائتلافكم واقتنعوا منه بما تيسر ولا تأسوا على ما فات وتعذر فإنما هي دجنة ينسخها الصباح وصفقة يتعاقبها الخسار والرباح ودونكم عقيدة الإيمان فشدوا بالنواجذ عليها وكفكفوا الشبه أن تدنوا إليها

واعلموا أن الإخلال بشيء من ذلك خرق لا يرفؤه عمل وكل ما سوى الراعي همل وما بعد الرأس في صلاح الجسم الميت أمل وتمسكوا بكتاب الله تعالى حفظا وتلاوة واجعلوا حمله على حمل التكليف علاوة وتفكروا في آياته ومعانيه وامتثلوا أوامره ونواهيه ولا تتأولوه ولا تغلوا فيه وأشربوا قلوبكم حب من أنزل على قلبه وأكثروا من بواعث حبه وصونوا شعائر الله صون المحترم واحفظوا القواعد التي ينبني عليها الإسلام حتى لا ينخرم
الله الله في الصلاة ذريعة التجلة وخاصة الملة وحاقنة الدم وغنى المستأجر المستخدم وأم العبادة وحافظ اسم المراقبة لعالم الغيب والشهادة والناهية عن الفحشاء والمنكر وإن عرض الشيطان عرضهما ووطأ للنفس الأمارة سماءهما وأرضهما والوسيلة إلى بل الجوانح ببرود الذكر وإيصال تحفة الله إلى مريض الفكر وضامنة حسن العشرة من الجار وداعية للمسالمة من الفجار والواسمة بسمة السلامة والشاهده للعبد برفع الملامة وغاسول الطبع إذا شانه طبع والخير الذي كل ما سواه له تبع فاصبروا النفس على وظائفها بين بدء وإعادة فالخير عادة ولا تفضلوا عليها الأشغال البدنية وتوثروا على العلية الدنية فإن أوقاتها المعينة بالانفلات تنبس والفلك بها من أجلكم لا يحبس وإذا قورنت بالشواغل فلها الجاه الأصيل والحكم الذي لا يغيره الغدو ولا الأصيل

والوظائف بعد أدائها لا تفوت وأين حق من يموت من حق الحي الذي لا يموت وأحكموا أوضاعها إذا أقمتموها وأتبعوها النوافل ما أطقتموها فبالإتقان تفاضلت الأعمال والمراعاة استحقت الكمال ولا شكر مع الإهمال ولا ربح مع إضاعة رأس المال وذلك أحرى بإقامة الفرض وأدعى إلى مساعدة البعض البعض
والطهارة التي هي في تحصيلها سبب موصل وشرط لمشروطها محصل فاستوفوها والأعضاء نظفوها ومياهها بغير أوصافها الحميدة فلا تصفوها والحجول والغرر فأطيلوها والنيات في كل ذلك فلا تهملوها فالبناء بأساسه والسيف برئاسه واعلموا أن هذه الوظيفة من صلاة وطهور وذكر مجهور وغير مجهور تستغرق الأوقات وتنازع شتى الخواطر المفترقات فلا يضبطها إلا من ضبط نفسه بعقال وكان في درج الرجولية ذا انتقال واستقاض صدأه بصقال وإن تراخى قهقر الباع وسرقته الطباع وكان لما سواها أضيع فشمل الضياع
والزكاة أختها الحبيبة ولدتها القريبة مفتاح السماحة بالعرض الزائل وشكران المسئول على الضد من درجة السائل وحق الله تعالى في مال من أغناه لمن أجهده في المعاش وعناه من غير استحقاق ملأ يده وأخلى يد أخيه ولا علة إلا القدر الذي يخفيه وما لم ينله حظ الله تعالى فلا خير فيه فاسمحوا بتفريقها للحاضر لإخراجها في اختيار عرضها ونتاجها واستحيوا من الله تعالى أن تبخلوا عليه ببعض ما بذل وخالفوا الشيطان كلما عذل واذكروا خروجكم إلى الوجود لا تملكون ولا تدرون أين تسلكون فوهب وأقدر وأورد بفضله وأصدر ليرتب بكرمه الوسائل أو يقيم الحجج والدلائل

فابتغوا إليه الوسيلة بماله واغتنموا رضاه ببعض نواله
وصيام رمضان عبادة السر المقربة إلى الله زلفى الممحوضة لمن يعلم السر وأخفى مؤكدة بصيام الجوارح عن الآثام والقيام ببر القيام والاجتهاد وإيثار التهجد على المهاد وإن وسع الاعتكاف فهو من سننه المرعية والواحقه الشرعية فبذلك تحسن الوجوه وتحصل من الرقة على ما ترجوه وتذهب قسوة الطباع ويمتد في ميدان الوسائل الباع
والحج مع الاستطاعة الركن الواجب والفرض عل العين لا يحجبه الحاجب وقد بين رسول الله قدره فيما فرض عن ربه وسنه وقال ليس له جزاء عند الله إلا الجنة
ويلحق بذلك الجهاد في سبيل الله تعالى إن كانت لكم قوة عليه وغنى لديه فكونوا ممن يسمع نفيره ويطيعه وإن عجزتم فأعينوا من يستطيعه
هذه عمد الإسلام وفروضه ونقود مهره وعروضه فحافظوا عليها تعيشوا مبرورين وعلى من يناويكم ظاهرين وتلقوا الله لا مبدلين ولا مغيرين ولا تضيعوا حقوق الله فتهلكوا مع الخاسرين
واعلموا أن بالعلم تستكمل وظائف هذه الألقاب وتجلى محاسنها من بعد الانتقاب فعليكم بالعلم النافع دليلا بين يدي السامع فالعلم مفتاح هذا الباب والموصل إلى اللباب والله عز و جل يقول ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ) والعلم وسيلة النفوس الشريفة إلى المطالب المنيفة وشرطه الخشية لله تعالى والخيفة وخاصة الملأ الأعلى وصفة الله في كتبه التي تتلى والسبيل في الآخرة إلى السعادة وفي الدنيا إلى التجلة عادة والذخر الذي قليله ينفع

وكثيره يشفع لا يغلبه الغاصب ولا يسلبه العدو المناصب ولا يبتزه الدهر إذا مال ولا يستأثر به البحر إذا هال من لم ينله فهو ذليل وإن كثرت آماله وقليل وإن جم ماله وإن كان وقته قد فات اكتسابكم وتخطى حسابكم فالتمسوه لبنيكم واستدركوا منه ما خرج عن أيديكم واحملوهم علىجمعه ودرسه واجعلوا طباعهم ثرى لغرسه واستسهلوا ما ينالهم من تعب من جراه وسهريهجر له الجفن كراه تعقدوا لهم ولاية عز لا تعزل وتحلوهم مثابة رفعة لا يحط فارعها ولا يستنزل واختاروا من العلوم التي ينفقها الوقت ما لا يناله في غيره المقت
وخير العلوم علوم الشريعة وما نجم بمنابتها المريعة من علوم لسان لا تستغرق الأعمار فصولها ولا يضايق ثمرات المعاد حصولها فإنما هي آلات لغير وأسباب إلى خير منها وخير فمن كان قابلا لازدياد وألفى فهمه ذا انقياد فليخص تجويد القرآن بتقديمه ثم حفظ الحديث ومعرفة صحيحة من سقيمه ثم الشروع في أصول الفقه فهو العلم العظيم المنة المهدي كنوز الكتاب والسنة ثم المسائل المنقولة عن العلماء الجلة والتدرب في طرق النظر وتصحيح الأدلة وهذه هي الغاية القصوى في الملة ومن قصر إدراكه عن هذا المرمى وتقاعد عن التي هي أسمى فليرو الحديث بعد تجويد الكتاب وإحكامه وليقرإ المسائل الفقهية على مذهب إمامه وإياكم والعلوم القديمة والفنون المهجورة الذميمة فأكثرها لا يفيد إلا تشكيكا ورأيا ركيكا ولا يثمر في العاجلة إلا اقتحام العيون وتطريق الظنون وتطويق الاحتقار وسمة الصغار وخمول الأقدار والخسف من بعد الإبدار وجادة الشريعة أعرق في الاعتدال وأوفق من قطع العمر في الجدال هذا ابن رشد قاضي المصر

ومفتيه وملتمس الرشد وموليه عادت عليه بالسخطة الشنيعة وهو إمام الشريعة فلا سبيل إلى اقتحامها والتورط في ازدحامها ولا تخلطوا سامكم بحامها إلا ما كان من حساب ومساحة وما يعود بجدوى فلاحة وعلاج يرجع على النفس والجسم براحة وما سوى ذلك فمحجور وضرم مسجور وممقوت مهجور
وأمروا بالمعروف أمرا رفيقا وانهوا عن المنكر نهيا حريا بالاعتدال حقيقا واغبطوا من كان من سنة الغفلة مفيقا واجتنبوا ما تنهون عنه حتى لا تسلكوا منه طريقا
وأطيعوا أمر من ولاه الله تعالى من أموركم أمرا ولا تقربوا من الفتنة جمرا ولا تداخلوا في الخلاف زيدا ولا عمرا
وعليكم بالصدق فهو شعار المؤمنين وأهم ما أضرى عليه الآباء ألسنة البنين وأكرم منسوب إلى مذهبه ومن أكثر من شيء عرف به وإياكم والكذب فهو العورة التي لا توارى والسوأة التي لا يرتاب في عارها ولا يتمارى وأقل عقوبات الكذاب بين يدي ما أعد الله له من العذاب أن لا يقبل منه صدقه إذا صدق ولا يعول عليه إن كان بالحق نطق
وعليكم بالأمانة فالخيانة لوم وفي وجه الديانة كلوم ومن الشريعة التي لا يعذر بجهلها أداء الأمانات إلى أهلها وحافظوا على الحشمة والصيانة ولا تجزوا من أقرضكم دين الخيانة ولا توجدوا للغدر قبولا ولا تقروا عليه طبعا مجبولا ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ) ولا تستأثروا بكنز ولا خزن ولا تذهبوا لغير مناصحة المسلمين في سهل ولا حزن ولا تبخسوا الناس أشياءهم في كيل أو وزن والله الله أن تعينوا في سفك الدماء ولو بالإشارة أو بالكلام أو ما يرجع إلى وظيفة الأقلام واعلموا أن الإنسان في

فسحة ممتدة وسبل الله تعالى غير منسدة ما لم ينبذ الى الله تعالى بأمانه ويغمس في الحرام بيده أو لسانه قال الله تعالى في كتابه الذي هدى به سننا قويما وجلى من الجهل والضلال ليلا بهيما ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما )
واجتناب الزنا وما تعلق به من أخلاق من كرمت طباعه وامتد في سبيل السعادة باعه لو لم تتلق نور الله الذي لم يهد شعاعه فالحلال لم تضق عن الشهوات أنواعه ولا عدم إقناعه ومن غلبت عليه غرائز جهله فلينظر هل يحب أن يزني بأهله والله قد أعد للزاني عذابا وبيلا وقال ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا )
والخمر أم الكبائر ومفتاح الجرائم والجرائر واللهوا لم يجعله الله في الحياة شرطا والمحرم قد أعنى عنه بالحلال الذي سوغ وأعطى وقد تركها في الجاهلية أقوام لم يرضوا لعقولهم بالفساد ولا لنفوسهم بالمضرة في مرضاة الأجساد والله تعالى قد جعلها رجسا محرما على العباد وقرنها بالأنصاب والأزلام في مباينة السداد
ولا تقربوا الربا فإنه من مناهي الدين والله تعالى يقول ( وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ) وقال ( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) في الكتاب المبين ولا تأكلوا مال أحد بغير حق يبيحه وانزعوا الطمع عن ذلك حتى تذهب ريحه والتمسوا الحلال يسعى فيه أحدكم على قدمه ولا يكل اختياره إلا للثقة من خدمه ولا تلجأوا إلى المتشابه إلا عند عدمه فهو في السلوك إلى الله تعالى أصل مشروع والمحافظ عليه مغبوط وإياكم والظلم فالظلم ممقوت بكل لسان مجاهر الله تعالى بصريح العصيان والظلم ظلمات يوم القيامة كما ورد في الصحاح الحسان والنميمة فساد وشتات لا يبقى عليه متات وفي الحديث لا يدخل الجنة قتات

واطرحوا الحسد فما ساد حسود وإياكم والغيبة فباب الخير معها مسدود والبخل فما رؤي البخيل وهو مودود وإياكم وما يعتذر منه فمواقع الخزي لا تستقال عثراتها ومظنات الفضائح لا تؤمن غمراتها وتفقدوا أنفسكم مع الساعات وأفشوا السلام في الطرقات والجماعات ورقوا على ذوي الزمانات والعاهات وتاجروا مع الله بالصدقة يربحكم في البضاعات وعولوا عليه وحده في الشدائد واذكروا المساكين إذا نصبتم الموائد وتقربوا إليه باليسير من ماله واعلموا أن الخلق عيال الله وأحب الخلق إليه المحتاط لعياله وارعوا حقوق الجار واذكروا ما ورد في ذلك من الآثار وتعاهدوا أولي الأرحام والوشائج البادية الالتحام واحذروا شهادة الزور فإنها تقطع الظهر وتفسد السر والجهر والرشا فإنها تحط الأقدار وتستدعي المذلة والصغار ولا تسامحوا في لعبة قمر ولا تشاركوا أهل البطالة في أمر وصونوا المواعيد من الإخلاف والأيمان من حنث الأوغاد والأجلاف وحقوق الله تعالى من الإزراء والاعتساف ولا تلهجوا بالآمال العجاف ولا تكلفوا بالكهانة والإرجاف واجعلوا العمر بين معاش ومعاد وخصوصية وابتعاد واعلموا أن الله سبحانه بالمرصاد وأن الخلق زرع وحصاد وأقلوا بغير الحالة الباقية الهموم واحذروا القواطع عن السعادة كما تحذر السموم واعلموا أن الخير أو الشر في الدنيا محال أن يدوم وقابلوا بالصبر أذاية المؤذين ولا تقارضوا مقالات الظالمين فالله لمن بغي عليه خير الناصرين ولا تستعظموا حوادث الأيام كلما نزلت ولا تضجوا للأمراض إذا أعضلت فكل منقرض حقير وكل منقض وإن طال قصير وانتظروا الفرج وانتشقوا من جناب الله تعالى الأرج وأوسعوا بالرجاء الجوانح واجنحوا إلى الخوف من الله تعالى فطوبى لعبد إليه جانح وتضرعوا إلى الله تعالى بالدعاء والجأوا إليه في البأساء والضراء

وقابلوا نعم الله تعالى بالشكر الذي يقيد به الشارد ويعذب الوارد وأسهموا منها للمساكين وافضلوا عليهم وعينوا الحظوظ منها لديهم فمن الآثار يا عائشة أحسني جوار نعم الله فإنها قلما زالت عن قوم فعادت إليهم ولا تطغوا في النعم فتقصروا عن شكرها وتلفكم الجهالة بسكرها وتتوهموا أن سعيكم جلبها وجد كم حلبها فالله خير الرازقين والعاقبة للمتقين ولا فعل إلا لله إذا نظر بعين اليقين والله الله لا تنسوا الفضل بينكم ولا تذهبوا بذهابه زينكم وليلتزم كل منكم لأخيه ما يشتد به تواخيه بما أمكنه من إخلاص وبر ومراعاة في علانية وسر وللإنسان مزية لا تجهل وحق لا يهمل وأظهروا التعاضد والتناصر وصلوا التعاهد والتزاور ترغموا بذلك الأعداء وتستكثروا الأوداء ولا تتنافسوا في الحظوظ السخيفة ولا تتهارشوا تهارش السباع على الجيفة واعلموا أن المعروف يكدر بالامتنان وطاعة النساء شر ما أفسد بين الإخوان فإذا أسديتم معروفا فلا تذكروه وإذا برز قبيح فاستروه وإذا أعظم النساء أمرا فاحقروه
والله الله لا تنسوا مقارضة سجلي وبروا أهل مودتي من أجلي ومن رزق منكم مالا بهذا الوطن القلق المهاد الذي لا يصلح لغير الجهاد فلا يستهلكه أجمع في العقار فيصبح عرضة للمذلة والاحتقار وساعيا لنفسه إن تغلب العدو على بلده في الافتضاح والافتقار ومعوقا عن الانتقال أمام النوب الثقال وإذا كان رزق العبد على المولى فالإجمال في الطلب أولى وازهدوا جهدكم في مصاحبة أهل الدنيا فخيرها لا يقوم بشرها ونفعها لا يقوم بضرها وأعقاب من تقدم شاهدة والتواريخ لهذه الدعوى عاضدة ومن بلي بها منكم فليستظهر بسعة الاحتمال والتقلل من المال وليحذر معاداة الرجال ومزلات الإدلال وفساد الخيال ومداخلة العيال وإفشاء السر وسكر الاغترار وليصن الديانة ويؤثر الصمت ويلازم الأمانة ويسر من رضى  ==

  مجلد 10 والاخير من نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني


الله على أوضح الطرق ومهما اشتبه عليه أمران قصد أقربهما إلى الحق وليقف في التماس أسباب الجلال دون الكمال غير النقصان والزعازع تسالم اللدن اللطيف من الأغصان وإياكم وطلب الولايات رغبة واستجلابا واستظهارا على الحظوظ وغلابا فذلك ضرر بالمروءات والأقدار داع إلى الفضيحة والعار ومن امتحن بها منكم اختيارا أو جبر عليها إكراها وإيثارا فليتلق وظائفها بسعة صدره ويبذل من الخير فيها ما يشهد أن قدرها دون قدره فالولايات فتنة ومحنة وأسر وإحنة وهي بين إخطاء سعادة وإخلال بعبادة وتوقع عزل وإدالة بإزاء بيع جد من الدنيا بهزل ومزلة قدم واستتباع ندم ومآل العمر كله موت ومعاد واقتراب من الله وابتعاد جعلكم الله ممن نفعه بالتبصير والتنبيه وممن لا ينقطع بسببه عمل أبيه
هذه أسعدكم الله وصيتي التي أصدرتها وتجارتي التي لربحكم أدرتها فتلقوها بالقبول لنصحها والاهتداء بضوء صبحها وبقدر ما أمضيتم من فروعها واستغشيتم من دروعها اقتنيتم من المناقب الفاخرة وحصلتم على سعادة الدنيا والآخرة وبقدر ما أضعتم لآليها النفيسة القيم استكثرتم من بواعث الندم ومهما سئمتم إطالتها واستغزرتم مقالتها فاعلموا أن تقوى الله فذلكة الحساب وضابط هذا الباب كان الله خليفتي عليكم في كل حال فالدنيا مناخ ارتحال وتأميل الإقامة فرض محال فالموعد للالتقاء دار البقاء جعلها الله من وراء خطة النجاة ونفق بضائعها المزجاة بلطائفه المرتجاة والسلام عليكم من حبيبكم المودع والله سبحانه يلأمه حيث شاء من شمل متصدع والدكم محمد بن عبد الله الخطيب بن ورحمة الله وبركاته
انتهت الوصية الفريدة في حسنها الغريبة في فنها المبلغة نفوس الناظرين

فيها فوق ظنها ولأجل ذلك كان شيخ شيوخنا المؤلف الكبير الفقيه الإمام قاضي القضاة العلامة سيدي الشيخ عبد الواحد ابن الشيخ الإمام عالم المالكية صاحب التآلف العديدة كالمعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى إفريقية والأندلس والمغرب وهو في ست مجلدات ولو لم يكن له غيره لكان كافيا وله مصنفات كثيرة غيره أكثرها في مذهب مالك ولم يؤلف في المذهب مثلها كثيرا ما يدخل منها في خطبه
وصية لابن الجنان على لسان ابن هود
رجع إلى ما كنا فيه
أقول لم تزل عادة الأكابر من العلماء والملوك الوصية لأولادهم وعمالهم باقتفاء النهج الذي يرون فيه السلوك وقد وقفت للفقيه الكاتب أبي عبد الله محمد بن الجنان المرسي الأندلسي رحمه الله تعالى على وصية ضمن رسالة كتبها عن ابن هود ملك الأندلس إلى أخيه اشتملت على ما لا بد منه فرأيت أن أذكرها هنا تتميما للفائدة ونصها بعد الصدر
من مجاهد الدين وسيف أمير المؤمنين عبد الله المتوكل عليه أمير المسلمين محمد بن يوسف بن هود أيده الله تعالى بنصره وأمده بتمكينه وأعانه على ما ينويه من إحياء معالم دينه إلى صنونا المبارك وقسيمنا وأخينا المخصوص بتبجيلنا وتكريمنا وحسامنا المنتضى المرتضى لإمضاء عزمنا وتصميمنا الأمير الأعلى الموقر الأسمى الميمون النقيبة المحمود السجية الأحب النية الأعز علينا المتمم بمساعيه الصالحة كل ما نوينا أدام الله تعالى تظفيره وإسعاده وأمضى في الحق قواضبه وصعاده ووالى معونته وإنجاده وتولى توفيقه

وإرشاده سلام طيب كريم زاك يخصكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أما بعد فالحمد لله الذي أوضح للحق سبيلا ومد ظل رحمته على الخلق ظليلا وجعل العدل بحفظ نظام الإسلام كفيلا ونزل الأحكام على قدر المصالح تنزيلا ونصب معالم الهدى علما لمن اقتدى ودليلا وألهم إلى ما يرضاه عملا ومعتقدا وقيلا وصلواته الطيبة وبركاته الصيبة على سيد العالمين وخاتم النبيين محمد رسوله الذي فضله بخلته واصطفاه تفضيلا وبعثه بالحنيفية السمحة فبينها تبيينا وفصلها تفصيلا ورتبها كما أمره ربه إباحة وندبا وتحريما وتحليلا حتى ثبتت سنة الله ( فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ) وعلى آله وصحبه الذين فهموا ما جاءهم به عليه الصلاة و السلام نصا وتأويلا وأبقوا من سيرتهم الفاضلة وأحكامهم العادلة أساسا للمتقين جليلا ومآثر للمقتفين تسبح الأفهام والأقلام في بحارها سبحا طويلا وأمضوا عزائمهم تنسخ بالحق باطلا وبالهدى تضليلا ورضوان الله تعالى يتوالى على خليفته وحامل أمانته إلى خليقته الذي كمل الله تعالى له موجبات الإمامة تكميلا وأناله من هدي النبوة أفضل ما كان للهداة منيلا سيدنا ومولانا الإمام المنتصر بالله تعالى أبي جعفر المنصور أمير المؤمنين المتبوىء من ساحة الشرف والجلالة محلا شريفا جليلا والمنتخب من بحبوحة بيت الرسالة الذي وجد الوحي عنده معرسا ومقيلا والدعاء له من لدن العزيز القوي بنصر يأتي لإمداده بمدد الملائكة قبيلا وفتح يؤتي الإيمان من الظهور بغية وتأميلا
فإنا كتبناه إليكم كتب الله تعالى لكم عزما لا يزال عضبه صقيلا وعزا يروق بإظهار الحق غرة وتحجيلا ورأيا لقداح السداد والنجاح مجيلا وسعدا يوصل إلى الإسعاد برضاه توصيلا من حضرتنا بمرسية حرسها الله تعالى ونحن نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو على فضله الذي أناله جسيما جزيلا ونتوكل عليه توكل من يلجأ في كل أحواله إليه وكفى بالله وكيلا ونستعينه على أمور

المسلمين التي حملنا منها أمانة كبيرة وعبئا ثقيلا ونقف بالضارعة بين يديه طلبا لما يخلصنا لديه عساه أن يجعل لرغبتنا قبولا وتوسيلا ونعوذ به من كل عمل لا يكون حاصله إلا مآلا وبيلا وعرضا من الدنيا قريبا ومتاعا قليلا
إنا والله المرشد لنعلم أن هذا الأمر الذي قلدنا الله تعالى منه ما قلده وأسنده إلينا من أمور خلقه فيما أسنده قد ألزمنا من حقوقه الواجبة وفروضه الراتبة ما لا يستطاع إلا بمعونته أداؤه ولا يستتب إلا بتوفيق الله تعالى انتهاؤه وابتداؤه فهو المشكور عز وجهه على نعمته والمستعان على ما يدني من رضاه ويقرب من رحمته وأن كل امرىء بشأنه مشغول وعن خويصة نفسه مسؤول ونحن بما استرعانا الله تعالى مشغولون وعن الكبير والصغير مسؤولون وعلينا النصيحة لله في عباده وبلاده والنظر لهم بمنتهى جد المجتهد واجتهاده ولا قوة إلا بالله عليه توكلنا وبه إليه توسلنا فعيننا تسهر لتنام للرعية عيونهم وتحركنا يتصل ليحصل لهم سكونهم وأملنا أن لا نقر فيهم بحول الله تعالى ظلما ولا هضما ولا نخرم لهم في إقامة حقوق الله ما استطعنا نظما وأنى ينصرف عن هذا القصد بعمله ونيته من يعرف أن الله جل جلاله لا يجوز ظلم ظالم في بريته ولعل الله الذي حملنا ما حملنا واستعملنا بمشيئته فيما استعملنا أن يهب لنا توفيقه ويسلك بنا إلى هداه طريقه
ألا وإن من وليناه أمرا من أمور المسلمين فهو مطلوب به وموقوف عليه عند ربه فلينظر امرؤ في جزئية ما نيط به وكليته وليراقب فيما لديه عالم خفيته وجليته ألا وكلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته فمن حفظ الله حفظه الله في نفسه وآله وقضى له بالسعادة في حاله ومآله وأنجاه يوم عرضه وسؤاله والخلق عيال الله فأحبهم إليه أحبهم لعياله العدل العدل فبه قامت السموات والأرض وبإقامته أقيمت السنة والفرض ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) وأقوى ما تشتد به أركان الدين وتقوى أما إن الحق في أن لا تتعدى

أساليب الشرع وقوانينه وأن لا يتجاوز في قضية من القضايا إفصاحه وتبيينه وأن يجازى بحكمه المسيئون والمحسنون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ألا وإنا قد عثرنا لبعض قواد الجهات وحكامها على أمور أنكرنا معرفاتها واستقبحنا مستوصفاتها وبرثنا إلى الله تعالى من متغيراتها ومحرفاتها وعلمنا أن منهم أقواما لا يتورعون عن الأموال والدماء ولا يحذرون فيما يأتون ويذرون جبار الأرض والسماء فأزلنا بحمد الله ذلك ونحوه وعجلنا ابتغاء رضاه محقه ومحوه وانبعثنا لنظر جديد واستئناف لإصلاح أحوال وتسديد وتغليظ في المحرمات وتشديد واستقبلنا ما يوسع الأمور ربطا وضبطا ويفيض على الأمة بعون الله تعالى عدلا وقسطا وتعين علينا فيما رأيناه إنفاذ الخطاب إلى كل من استكفيناه بالبلاد ووليناه النظر عنا في مصالح العباد بما يكون إن شاء الله تعالى الاعتماد على فصوله والاستناد إلى محصوله والاجتهاد بحسب فروعه وأصوله
فأول ما نوصيكم به وأنفسنا تقوى الله في كل حال ومراقبة أوامره ونواهيه عند كل انتحاء وانتحال والوقوف عند حدود الله التي حدها وأرصدها بإزاء موجباته وعدها فإنه لا تهداها إلا من رام تعفي رسمها وطمسه ( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) والمحافظة على ما به تحفظ الشريعة والملاحظة لما يضم الرعايا من حوزة أولي الحياطة المنيعة والمثابرة على ما تكف به أكف الاعتداء والمبادرة إلى الاهتمام بالسلف الصالح والاقتداء والطريقة المثلى وآيات الله التي تتلى وهداياته التي لأبصار البصائر تجلى وخفض الجناح والأخذ بالرفق والإنجاح وتوخي الحق الذي هو أوضح انبلاجا من فلق الإصباح والحلم والأناة والمذاهب المستحسنات والأمور البينات
والله الله في الدماء فإنها أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة فيها ولا سبيل لاستحلالها إلا بعد ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان او قتل المسلم

لأخيه وقد قال مالك الأمر والخلق ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) فتثبتوا فيها فأمرها جليل وتحريمها لا يدخله تحليل وإياكم أن تجعلوا فيها لأحد من ولاة الجهاد حكما أو نظرا أو تكلوا إليهم منها مستكثرا أو مستنزرا فإنه إذا استبد بالقضاء فيها كل وال ذهبت هدرا واستباحها الجاهل والجائر أشرا وبطرا وربما كان فيهم من في طباعه سبعية فيقتل بها الناس قتلا ذريعا ويتسهل بذلك من جوره صعبا ويرتكب بجهله شنيعا ويذهل عن قول الله تعالى ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) فأنى تحل المسامحة في هذا الشان او يحكم به كل إنسان في نفوس أهل الإيمان معاذ الله أن يكون هذا ونحن نعرفه أو ينصرف إليه نظرنا فلا نزيله ولا نصرفه فسدوا هذا الباب سدا وصدوا عنه من أمه صدا وكفوا كل ما كان من الأيدي للدماء ممتدا ومن وجب عليه القتل شرعا وتعين واتضح موجب القصاص فيه وتبين فليس لكم إلا القاعدة الكبرى تتحرى فيها الأحكام عليه بمحضر القاضي والشهود كما يجب أن يتحرى بعد أن يتثبت في نازلته لديكم ويستجلى ويستبرا فلا تحل القضية إلا على بصيرة وحقيقة مستنيرة فقد يلوح في اليوم ما خفي بالأمس ويتعذر بعد الإقادة إعادة النفس
وملاك الأمر في انتقاء من يتصرف وتولية من لا يضيم ولا يتحيف فتخيروا للأنظار والجهات من ترتضى سيرته من الولاة ولا تستعملوا أهل الفظاظة والجهالة والمصرين على الراحة والبطالة فإنهم إذا استرعوا أضاعوا وإذا دعاهم شيطان الهوى أطاعوا وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا وميلوا باختياركم إلى المتسمين بالصلاح المرتسمين في ديوان الكفاة النصاح

وأطيلوا مع ذلك التنقير عنهم والتنقيب ولا تغفلوا عن التعهد بالبحث البعيد منهم والقريب ومن عثرتم له على منكر من استباحة دم أو مال وإضاعة للحقوق وإهمال فخذوا على يده وجازوه بفاسد مقصده وأنزلوه بالمنزل الأقصى وعاملوه معاملة من أوصي بتقوى الله فما استوصى
واصرفوا نظركم إلى القضاة فإن مدار الشريعة إنما هو على ما يستند إليهم ويقصر من الأحكام عليهم فإذا كانوا من أهل العلم والديانة وذوي النزاهة والصيانة أمسكهم الورع بزمامه وبلغ العهد بهم غاية تمامه وإذا كانوا بضد هذا قبلوا الرشوة وأوطأوا العشوة وأطالوا النشوة وأحلوا من الدماء والفروج محرمها وطمسوا من السنة بالميل والمين معلمها وحكموا بالهوادة والهوى وطووا من الحق ما انتشر ونشروا من الباطل ما انطوى فانتقوهم فهم أولى بالانتقاء وشر جاسرهم وجاهلهم أحق بالاتقاء ولا تقدموهم ولا غيرهم بالشفاعات والوسائل ولكن قدموهم بتورعهم في القضايا وعلمهم بالمسائل
ومما نؤكد عليهم فيه أمر الشهود فإن شهادة الزور هي الداء العضال والظلمة التي يتستر بها الظلمة والضلال والحجة الداحضة التي بها يحلل الحرام ويحرم الحلال وقد كثر في هذا الزمان أهل الشهادة الفاسدة ونفقت بهم سوق الأباطيل الكاسدة فتقدموا إلى القضاة وفقهم الله تعالى أن لا يقبلوا إلا مشهورا بزكاء وعدل موفورا حظه من رجاحة وعقل ومن كان مغموزا عليه في أحواله منبوزا بالاسترابة في شهادته وأقواله فلترد شهادته على أدراجها وليبطل ما يكون من حجاجها وأكدوا عليهم عند تعارض العقود في الترجيح والنظر في التعديل والتجريح لتجري أمور المسلمين على مستوى الحق المستبين وتبدو المعدلة مشرقة الغرة مؤتلقة الجبين
ومما نأمركم به أن تبحثوا عن العمال ولا تولوا منهم إلا الحسن الطريقة المرضي الأعمال ومن لم يكن منهم جاريا على القوانين المرعية ناصحا لبيت المال

رفيقا بالرعية وكان في أمانته حائدا في الجادة السوية قائلا كما قال قبله ابن اللتبية فليعوض منه غيره وليرفع عن الجانبين ضيره فإنه ما كانت الخيانة قط في شيء إلا أهلكته ولا وضعت في إنسان طبيعة سوء إلا ملكته
وإنما هو مال الله تعالى الذي يرزقه منه الحماة وبه تسد الثغور المهمات فينبغي أن يختار له محتاط في اقتضائه وقبضه حافظ لدينه ومروءته في كله وبعضه فخذوا في انتقاء هذه الأصناف المسمين واطلبوا بهذه الأوصاف المصرفين والمولين واجمعوا من الاجتهاد الحميد والقصد والاعتماد الأثر والعين وأنصفوا منهم إن تظلم من أحدهم متظلم واشفوا شكوى كل متشك وألم كل متألم واعلموا أن حرمة الأموال بحرمة الدماء لاحقة وأن إحدى القضيتين للأخرى مساوية ولاحقة ومن أكبر ما ورد في ذلك وأعظمه قول رسول الله حرمة مال المسلم كحرمة دمه وليكن الناس في الحق سواء لا محاباة ولا مفاضلة ولا مجاوزة في تغليب قوي على ضعيف ولا محاولة إن هذه أمتكم أمة واحدة وإن دلائل الشرع بمراد الله سبحانه وتعالى لشاهدة ولا يؤخذن أحد بجريرة أحد و لايجني ولد على والد ولا والد وعلى ولد فكتاب الله تعالى أولى بالاتباع وأحرى لقول الله عز و جل ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) اللهم إلا من آوى محدثا فإنه مأخوذ بما أجرم وملعون على لسان رسول الله
فارفعوا أعاننا الله تعالى وإياكم للعدل بكل علم منارا واتخذوا الرفق بالإمامة شعارا فقد قال قال رسول الله الرفق لا يكون

في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه وقد نص الكتاب والسنة على مواضع اللين والاشتداد ونبها على منازع المقاربة والسداد فلا غضب لأمر إلا بما غضب له الله عز و جل ولا رضى به إلا إذا استقر فيه رضى الله تعالى وحل قال رسول الله الذي يجلد فوق ما أمر الله تعالى به يقول له الله عز و جل عبدي لم جلدت فوق ما أمرتك به فيقول رب غضبت لغضبك فيقول أكان ينبغي لغضبك أن يكون أشد من غضبي ثم يؤتى بالمقصر فيقول عبدي لم قصرت عما أمرتك به فيقول رب رحمته فيقول أكان ينبغي لرحمتك أن تكون أوسع من رحمتي قال فيأمر فيهما بشيء قد ذكره لم يحفظه الراوي إلا أنه قال صيروهما إلى النار أعاذنا الله تعالى منهابفضله ورحمته فليوقف بالقضايا حيث وقف بها الشرع ويحفظ الأصل من هذه الوصايا والفرع واحتاطوا في الرعية فإنه رأس المال والأمانة التي لا ينبغي أن يكون فيها شيء من الإهمال ومع توفيقكم لما سطرناه في هذا الكتاب وشرحناه من أبواب الخير المسعد في المآب والمآل فاستوفوا ضروب الصالحات واستقصوها واعملوا أعمال البر وخصوها واذكروا آلاء الله وقصوها ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) واشتدوا في تغيير المنكرات كلها واحسموا أدواءها من أصلها ورغبوا الناس في الطاعات واندبوهم إليها ووضحوا لهم أعمالهم وحرضوهم عليها وانتهوا في كل سعي ناجح ورأي راجح إلى أفضل ما ينتهي إليه المنتصحون ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) وخذوا بعمارة مساجد الله التي هي بيوت الأتقياء ومحل مناجاة ذي العظمة والكبرياء إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين
ومروهم بأن يعلموا أولادهم كتاب الله تعالى فإن تعليمه للصغار يطفىء غضب

الرب ونعم الشفيع يوم القيامة والمتوسل فيما يتوج القارىء وأباه تاج الكرامة وأرشدوا للخير ما ستطعتم وابتعوا سبيله فهو أشرف ما اتبعتم والله ولي التوفيق والإرشاد والملجىء بالهداية إلى طريق الفوز والسداد
وهذه أوامرنا إليكم امتثلنا أمر الله تعالى فامتثلوها وأحضروها في خواطركم مع كل لحظة ومثلوها وإنا لما يكون منكم فيها لمستمعون ولآثاركم فيما يوفيها لمتطلعون وقد خرجنا لكم عن عهدة لزمتنا في التذكير ونهجنا لكم منها التقديم والتأخير والله تعالى يعلم أنا إنما قصدنا ما نرجو الخلاص به يوم الحساب وأردنا رضاه فيما أوردناه من هذا الحظر والإيجاب لنرعى حقه سبحانه فيمن استرعانا ونسعى في صلاح الأمة عسى الله تعالى أن ينجح فيه مسعانا
اللهم من عبدك يضرع إليك ويخضع بين يديك في أن تلهمه إلى ما يجمل قصدا ومعتمدا وتهب له من لدنك رحمة وتهيىء له من أمره رشدا اللهم منك المعونة على ما وليت ولك الشكر على ما أوليت فالمهدي من هديت والخير كله فيما قضيت اللهم من أعاننا على مرضاتك فكن له معينا وأورده من توفيقك عذبا معينا إنك الولي النصير العلي الكبير
وإذا وصلكم كتابنا هذا فقصوه على الناس مفصلا ومجملا وأظهروا مضمونه لهم قولا وعملا واسلكوا بهم من مراشده سننا مستجملا أن شاء الله تعالى والله سبحانه يديم علاكم ويصل إعادتكم في كل محمد وإبداكم ويجزل حظوظكم من السعادة وأنصباكم بمنه وكرمه لا رب سواه والسلام الأكرم الأزكى يخصكم ورحمة الله تعالى وبركاته
وكتب في الرابع والعشرين لجمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وستمائة انتهى

ترجمة ابن الجنان
وهذا ابن الجنان له الباع المديد في النظم والنثر ومن شعره رحمه الله تعالى في مرضه الذي توفي فيه وهو آخر كلامه
( جهل الطبيب شكايتي وشكايتي ... أن الطبيب هو الذي هو ممرضي )
( فإن ارتضى برئي تدارك فضله ... وإن ارتضى سقمي رضيت بما رضي )
( ما لي اعتراض في الذي يقضي به ... لكن لرحمته جعلت تعرضي )
ومن نظمه رحمه الله تعالى ملغزا في بطيخة
( وحبلى بأبناء لها قد تمخضوا ... بأحشائها من بعد ماولدوها )
( كسوها غداة الطلق بردا معصفرا ... على يقق أزرارها عقدوها )
( ولما رأوها قد تكامل حسنها ... وأبدر منها طالع حسدوها )
( فقد واقميص البدر بالبرق واجتلوا ... أهلتها من بعد ما فقدوها )
( ولو أنصفوا ما أنصفوا بدر تمها ... ولا أعدموا الحسناء إذ وجدوها )
وقال أيضا ملغزا في الميل وهو المرود
( مسترخص السوم غال ... عال له أي حظوه )
( ما جاوز الشبر قدرا ... لكنه ألف خطوه )
وهذا استخدام ما به باس لأنه اكتسى من الحسن خير لباس وكم لهذا

الكاتب من محاسن ماؤها غير آسن
وقد عرف لسان الدين في الإحاطة بابن الجنان وأطال في ترجمته ونشير إلى بعض ذلك باختصار
وهو محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري من أهل مرسية أبو عبد الله ابن الجنان
كان محدثا راوية ضابطا كاتبا بليغا شاعرا بارعا رائق الخط دينا فاضلا خيرا ذكيا استكتبه بعض امراء الأندلس فكان يتبرم من ذلك ويقلق منه ثم خلصه الله تعالى منه وكان من أعاجيب الزمان في إفراط القماءة حتى يظن رائيه الذي استدبره أنه طفل ابن ثمانية أعوام أو نحوها متناسب الخلقة لطيف الشمائل وقورا خرج من بلده حين تمكن العدو من قبضته سنة 640 فاستقر بأريولة إلى أن دعاه إلى سبتة الرئيس أبو علي اين خلاص فوفد عليه فأجل وفادته وأجزل إفادته وحظي عنده حظوة تامة ثم توجه إلى إفريقية فاستقر ببجاية وكانت بينه وبين كتاب عصره مكاتبات ظهرت فيها براعته وروى ببلده وغيره عن أبي بكر ابن خطاب وأبي الحسن سهل بن مالك وابن قطرال وأبي الربيع ابن سالم وأبي عيسى ابن أبي السداد وأبي علي الشلوبين وغيرهم وكان له في الزهد ومدح النبي بدائع ونظم في المواعظ للمذكرين كثيرا انتهى مختصرا وإلا فترجمته في الإحاطة متسعة رحمه الله تعالى
ولما كتب له أبو المطرف ابن عميرة برسالته الشهيرة التي أولها تحييك الأقلام تحية كسرى وتقف دون مداك حسرى وهي طويلة أجابه بما

نصه ما هذه التحية الكسروية وما هذا الرأي وهذه الروية أتنكيت من الأقلام أو تبكيت من الأعلام أو كلا الأمرين توجه القصد إليه وهو الحق مصدقا لما بين يديه وإلا فعهدي بالقلم يتسامى عن عكسه ويترامى للغاية البعيدة بنفسه فمتى لانت أنابيبه للعاجم ودانت أعاريبه للأعاجم واعجبا لقد استنوق الجمل واختلف القول والعمل لأمر ما جدع أنفه قصير وارتد على عقبه الأعمى أبو بصير أمس أستسقي من سحابه فلا يسقيني وأستشفي بأسمائه فلا يشفيني واليوم يحلني محل أنو شروان ويشكو مني شكوى الزيدية من بني مروان ويزعم أني ابطلت سحره ببئر ذروان ويخفي في نفسه ما الله مبديه ويستجدي بالأثر ما عند مستجديه فمن أين جاءت هذه الطريقة المتبعة والشريعة المبتدعة أيظن أن معماه لا ينفك وأنه لا ينجلي هذا الشك هل ذلك منه إلا إمحاض التيه وإحماض تفتيه ونشوة من خمر الهزل ونخوة من ذي ولاية آمن من العزل تالله لولا محله من القسم وفضله في تعليم النسم لأسمعته ما ينقطع به صلفه وأودعته ما ينصدع به صدفه وأشرت بطرف المشرفي وحده وأشرت إلى تعاليه عن اللعب بجده ولكن هو القلم الأول فقوله على أحسن الوجوه يتأول ومعدود في تهذيبه كل ما لسانه يهذي به وما أنساني إلا الشيطان أياديه أن أذكرها وإنما أقول

( ليت التحية كانت لي فأشكرها ... )
ولا عتب إلا على الحاء المبرحة بالبرحاء فهي التي أقامت قيامتي في الأندية وقامت علي قيام المتعدية يتظلم وهو عين الظالم ويلين القول وتحته سم الأراقم ولعمر اليراعة وما رضعت والبراعة وما صنعت ما خامرني هواها ولا كلفت بها دون سواها ولقد عرضت نفسها علي مرارا فأعرضت عنها ازورارا ودفعتها عني بكل وجه تارة بلطف وأخرى بنجه وخفت منها السآمة وقلت انكحي أسامة فرضيت مني بأبي جهم وسوء ملكته وابن أبي سفيان وصعلكته وكانت أسرع من أم خارجة للخطبة وأسمح من سجاح في استنجاح تلك الخطبة
ولقد كنت أخاف من انتقال الطباع في عشرتها واستثقال الاجتماع من عترتها وأرى من الغبن والسفاه أخذها وترك بنات الأفواه والشفاه إذ هي أيسر مؤونة وأكثر معونة فغلطني فيها أن كانت بمنزل تتوارى صونا عن الشمس ومن نسوة خفرات لا ينطقن إلا بالهمس ووجدتها أطوع من البنان للكف والعنان للكف والمعنى للاسم والمغنى للرسم والظل للشخص والمستدل للنص فما عرفت منها إلا خيرا أرضاه وحسبتها من الحافظات

للغيب بما حفظ الله فعجبت لها الآن كيف زلت نعلها ونشزت فنشرت ما استكتمها بعلها واضطربت في رأيها اضطراب المختار بن أبي عبيد وضربت في الأرض تسعى علي بكل مكر وكيد وزعمت أن الجيم خدعها وألان أخدعها وأخبرها أن سيبلغ بخبرها الخابور وأحضرها لصاحبها كما أحضر بين يدي قيصر سابور
فقد جاءت إفكا وزورا وكثرت من أمرها منزورا وكانت كالقوس أرنت وقد أصمت القنيص والمراودة قالت ( ما جزاء ) وهي التي قدت القميص وربما يظن بها الصدق وظن الغيب ترجيم ويقال لقد خفضت الحاء بالجوار لهذا الجيم وتنتصر لها التي خيمت بين النرجسة والريحانة وختمت السورة باسم جعلت ثانيه أكرم نبي على الله سبحانه فإن امتعضت لهذه التكلمة تلك التي سبقت بكلمتها بشارة الكلمة فأنا ألوذ بعدلها وأعوذ بفضلها وأسألها أن تقضي قضاء مثلها وتعمل بمقتضى ( فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها )
على أن هذه التي قد أبدت مينها ونسيت الفضل بيني وبينها إن قال الحكمان منها كان النشوز عادت حرورية العجوز وقالت التحكيم في دين الله تعالى لا يجوز فعند ذلك يحصحص الحق ويعلم من الأولى بالحكم والأحق ويصيبها ما أصاب أروى من دعوة سعدية حين الدعوى ويا ويحها أرادت أن تجني علي فجنت لي وأناخت لي مركب السعادة وما ابتغت إلا ختلي فأتى شرها بالخير وجاء النفع من طريق ذلك الضير أتراها علمت

بما يثيره اعوجاجها وينجلي عنه عجاجها فقد أفادت عظيم الفوائد ونظيم الفرائد ونفس الفخر ونفيس الدر وهي لاتشكر أن كانت من الأسباب ولا تذكر إلا يوم الملاحاة والسباب
وإنما يستوجب الشكر جسيما والثناء الذي يتضوع نسيما الذي شرف إذ أهدى أشرف السحاءات وعرف بما كان من انتحاء تلك الحاء المذمومة في الحاءات فإنه وإن ألم بالفكاهة بما أمل من البداهة وسمى باسم السابق السكيت وكان من أمر مداعبته كيت وكيت وتلاعب في الصفات تلاعب الصفاح والصبا بالبانة والصبا بالعاشق ذي اللبانة فقد أغرب بفنونه وأغرى القلوب بفتونه ونفث بخفية الأطراف وعبث من الكلام المشقق بالأطراف وعلم كيف يمحض البيان ويخلص العقيان فمن الحق شكره على أياديه البيض وإن أخذ لفظة من معناه في طرف النقيض
تالله أيها الإمام الأكبر والغمام المستمطر والحبر الذي يشفى سائله والبحر الذي لا يرى ساحله ما أنا المراد بهذا المسلك ومن أين حصل ذلك النور لهذا الحلك وصح أن يقاس بين الحداد والملك إنه لتواضع الأعزة وما يكون عند الكرام من الهزة وتحريض الشيخ للتلميذ وترخيص في إجازة الوضوء بالنبيذ لو حضر الذي قضي له بجانب الغربي أمر البلاغة وارتضى ما له في هذه الصناعة من حسن السبك لحليها والصياغة وأطاعته فيما أطلعته طاعة القوافي الحسان واتبعته فيما جمعته لكن بغير إحسان لأذعن كما أذعنت وظعن عن محل الإجادة كما ظعنت وأنى يضاهى الفرات بالنغبة ويباهى بالفلوس من أوتي من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة وأي حظ للكلالة بالنشب وقد اتصل للورثة عمود النسب هيهات والله المطلب وشتان الدر والمخشلب وقد سيم الغلب ورجع إلى قياده السلب
وإن كنا ممن تقدم لشدة الظمإ إلى المنهل كمن أقدم إلىعين تبوك بعد النهي للعلل والنهل فقد ظهرت بعد ذلك المعجزة عيانا وملأ ما هنالك جنانا

وما تعرضنا بإساءة الأدب واللوم ولكن علمنا أن آخر الشرب ساقي القوم وإن أسهبنا فما نلنا رتبة ذلك الإيجاز وإن أعرقنا فهوانا في الحجاز فلكم قصيرات الحجال ولنا قصيرات الخطا في هذا المجال وإكثارنا في قلة وجارنا من الفقر في فقر وذلة ومن لنا بواحدة يشرق ضياؤها ويخفي النجوم خجلها منها وحياؤها إن لم تطل فلأنها للفروع كالأصل وفي الجموع كليلة الوصل فلو سطع نورها الزاهر ونورها الذي تطيب منه الأنوار الأزاهر لسجدت النيران ليوسف ذلك الجمال ووجدت نفحات رياها في أعطاف الجنوب والشمال وأسرعت نحوها النفوس إسراع الحجيج يوم النفر وسار خبرها وسرى فصار حديث المقيمين والسفر وما ضر تلك الساخرة في تجليها الساحرة بتجنيها أن كانت بمنزلة ربيبتها بل ربيئتها هذه التي سبقتني لما سقتني بسيئتها ووجدت ريحها لما فصلت من مصر عيرها وحين وصلت لم يدلني على ساريها إلا عبيرها وكم رامت أن تستتر عني بليل حبرها في هذه المغاني فأغراني بهاؤها وكل مغرم مغرى ببياض صبح الألفاظ والمعاني وهل كان ينفعها تلفحها بمرطها وتلفعها إذ نادتها المودة قد عرفناك يا سودة فأقبلت على شم نشرها وعرفها ولثم سطرها وحرفها وقريتها الثناء الحافل وقرأتها فزينت بها المحافل ورمت أمر الجواب فعزني في الخطاب لكن رسمت هذه الرقعة التي هي لديكم بعجزي واشية وإليكم مني على استحياء ماشية وإن رق وجهها فما رقت لها حاشية فمنوا بقبولها على عللها وانقعوا بماء سماحتكم حر غللها فإنها وافدة من استقر قلبه عندكم وثوى وأقر بأنه يلقط في هذه الصناعة ما يلقى للمساكين من النوى بقيتم سيدي للفضل والإغضاء ودمتم غرة في جبين السمحة البيضاء واقتضيتم السعادة

المتصلة مدة الاقتضاء بيمن الله سبحانه انتهى
ومن نثر ابن الجنان رحمه الله تعالى في شرف المصطفى لمحمد خير الأنام ولبنة التمام عليه أفضل الصلاة والسلام خيرة المفاخر يتضاءل لعظمتها المفاخر والمعالي يتصاغر لعزتها المعالي والمكارم يعجز عن مساجلتها المكارم والمناقب لا تضاهي سناها النجوم الثواقب والمحامد لا يبلغ مداها الحامد والمماجد لا يتعاطى رتبهن المماجد والمناسب سمت بجلالهن المناصب والعناصر طيبها الشرف المتناصر والفضائل تفجرت في أرجائهن الفواضل والشمائل تأرجت بعرفهن الجنائب والشمائل فلا مجاري لسيد البشر الآتي بالنذارات والبشر فيما حباه الله تعالى به وخصه وقصه علينا من خلقه العظيم ونصه عند رسم مدائحه يوجد المعول وفي الثناء عليه يستقصر الكلام المطول هو الآخر في ديوان الرسالة والأول وله في الفضيلة وقبول الوسيلة النص الذي لا يؤول نوره صدع الظلم وظهوره رفع لدين الله تعالى العلم بدأه الوحي وهو بحراء وأسر إليه سر تقدم الإسراء حتى إذا نصب له المعراج وتوقد في منارة السماء ذاك السراج ناجى الحبيب حبيبه وجلا عن وجه الجلاء جلابيبه فتلقى ما تلقى لما علا وترقى ثم صدر عن حضرة القدس وجبين هدايته يبهر سنا الشمس فشق لمعجزاته القمر ونهى بأمر ربه وأمر وأزال الجهالة وأزاح الضلالة وكسر منصوب الأوثان ونصر من قال واحد أحد على من قال ثالث ثلاثة أوثان وبنى الملة على قواعدها الخمس وأحيا دين إبراهيم وكان رفاتا بالرمس فرفلت الحنيفية البيضاء في بردة الجدة وبيضت بيضاء غرتها أوجه الأيام المسودة وانتشرت الرحمة بنبيها ومطرت المرحمة من سحب حيها وافتنت الآيات الباقيات البينات في مساقها واتساقها وإشراقها في آفاقها وائتلاقها
وشهد الحجر والشجر والماء من بين البنان يتفجر والظبية والضب والجذع المشتاق الصب والشاة والبعير والليث إذا هدأ أو سمع منه الزئير

والحي والجماد والقصعة والزاد بأن محمدا رسول الملك الحق والمبلغ عنه بواسطة الملك إلى الخلق وصاحب اللواء المعقود والمقام المحمود والحوض المورود والقول المسموع والذكر المرفوع والصدر المشروح والفخر الباهر الوضوح والأنوار المتناقلة والآثار المتداولة والنبوة التي عهدها تقادم من قبل خلق آدم والمزية المعروف قدرها الجليل المقبول فيها ما دعا به الخليل والرتبة التي استشرف إليها الكليم حتى قال له ( وكن من الشاكرين ) ربه الكريم والبشارة التي كان بها يصيح حين يسيح روح الله تعالى وكلمته عيسى المسيح والشفاعة التي يرجوها الرسل والأمم ويقرع بها الباب المرتج المبهم فما لنبينا المختار من علو المقدار واصطفاء الجبار والاختصاص بالأثرة والاستخلاص للحضرة ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما
حسب هذا الوجود من الفضل الرباني والجود الذي لم يزل عظيما أن بعث الله تعالى فيه رسولا رؤوفا بالمؤمنين رحيما عزيزا على ربه الكريم كريما بسره سجدت الملائكة لآدم تعظيما وبذكره ينظم سلك المادح لحضرته العلية تنظيما صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما صلاة تتصل ما دار كأس محبته على أحبته فكان مزاجه تسنيما وسلاما ينزل دار دارين فيرسل ببضائعها إلى روضة الرضى نسيما
ومن خطبه المرتجله قوله سامحه الله تعالى
الحمد لله الذي حمده من نعمائه وشكره على آلائه من آلائه أحمده حمد عارف بحق سنائه واقف عند غاية العجز عن إحصاء ثنائه عاكف على رسم الإقرار بالافتقار إليه والاستغناء به في كل آنائه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتوحد بعظمته وكبريائه المتقدس عما يقوله الملحدون في أسمائه وأصلي على سيد ولد آدم ونخبة أنبيائه محمد المفضل على العالمين باجتبائه

واصطفائه المنتقى من صميم الصميم وصريح الصريح بجملة آبائه المرتضى ألأمانة والمكانة بإبلاغ أمر الله وأدائه أرسله الله للناس كافة عموما لا يتخصص باستثنائه وفضله بالآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة على أمثاله من المرسلين ونظرائه ورقاه إلى الدرجات العلا وأنهاه إلى سدرة المنتهى ليلة إسرائه وحباه بالخصائص التي لا يضاهي بها بهاء كماله وكمال بهائه ورداه رداء العصمة فكانت عناية الله تكنفه عن يمينه وشماله وأمامه وورائه ووفاه من حظوظ البأس والندى ما شهد بمزيته على الليث والغيث في إبائه وانهمائه صلى الله عليه وعلى آله مصابيح الهدى ونجوم سمائه صلاة تتصل ما سمح البدر بائتلاف أنواره والقطر باندفاق أنوائه وسلم تسليما
ومن نثره رحمه الله تعالى رسالة كتب بها من الأندلس إلى سيد الكونين وهي
السلام العميم الكريم والرحمة التي لا تبرح ولا تريم والبركة التي أولها الصلاة وآخرها التسليم على حضرة الرسالة العامة الدعوة والنبوة المؤيده بالعصمة والأيد والقوة ومثابة البر والتقوى فهي لقلوب الطيبين صفا ومروة مقام سيد العالمين طرا وهاديهم عبدا وحرا ومنقذهم من أشراك الهلاك وقد طالما ألفوا العيش ضنكا والدهر مرا ومقر الأنوار المحمدية والبركات السرمدية أمتع الله تعالى الإسلام والمسلمين بحراسة أضوائها وكلاءة ظلالها العلية وأفيائها وأقر عين عبدها بلثم ثراها والانخراط في سلك من يراها
السلام عليك يا محمد السلام عليك يا أحمد السلام عليك يا أبا القاسم سلام من يمد إليك يد الغريق ويرجو الإنقاذ ببركتك من نكد المضيق ويتقطع أسفا ويتنفس صعدا كلما ازدلف إليك فريق وعمرت نحوك طريق

ولا يفتر صلاة عليك له لسان ولا يجف ريق
كتبته يا رسول الله وقد رحل المجدون وأقمت واستقام المستعدون وما استقمت وبيني وبين لثم ثراك النبوي ولمح سناك المحمدي مفاوز لا يفوز بقطعها إلا من طهر دنس ثوبه بماء توبه وستر وصم عيبه بظهر غيبه فكلما رمت المتاب رددت وكلما يممت الباب صددت وقد أمرنا الله تعالى بالمجيء إليك والوفادة عليك ومن لي بذلك يا رسول الله والآثام تنئي وتبعد والأيام لا تدني ولا تسعد وبين جنبي اشواق لا يزال يهزني منها المقيم المقعد ولئن كنت ممن خلفته عيوبه وأوبقته ذنوبه ولم يرض للوفادة وهو مدنس على ذلك المقام وهو المطهر المقدس فعندي من صدق محبتك وحب صحبتك والاعتلاق بذمتك ما يقدمني وإن كنت مبطئا ويقربني وإن كنت مخطئا
فاشفع لي يا رسول الله في زيارتك فهي أفضل المنى وتوسل لي إلى مولى بين فضيلتك وتقبل وسيلتك في النقلة من هناك إلى هنا واقبلني وإن كنت زائفا وأقبل علي وإن أصبحت إلى الإثم متجانفا فأنت عماد أمتك جميعا وأشتاتا وشفيعهم أحياء وأمواتا ومن نأت به الدار وقعدت بعزمه الأقدار ثم زار خطه ولفظه فقد عظم نصيبه من الخير وحظه وإن لم أكن سابقا فعسى أن أكون مصليا وإن لم أعد مقبلا فلعلي أعد موليا ووحقك وهو الحق الأكيد والقسم الذي يبلغ به المقسم ما يريد وما وخدت إليك ركاب إلا وللقلب إثرها التهاب وللدمع بعدها سح وانسكاب ويا ليتني ممن يزورك معها ولو على الوجنتين ويحييك بين ركبها ولو على المقلتين وما الغنى دونك إلا بؤس وإقلال ولا الدنيا وإن طالت إلا سجون وأغلال والله تعالى يمن على كتابي بالوصول والقبول وعلي بلحاقي ببركتك ولو بعد طول
ثم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته عليك يا سيد الخلق وأقربهم من الحق ولمولاه بإحراز قصب السبق ومن طهر الله تعالى مثواه وقدسه وبناه على

التقوى والرضوان وأسسه وآتاه من كل فضل نبوي أعلاه وأسناه وأنفسه وعلى ضجيعيك السابقين لمهاجريك وأنصارك الفائزين بصحبتك العلية وجوارك وعلى أهل بيتك المطهرين أوائل وأواخر الشهيرين مناقب ومفاخر وصحابتك الذين عزروك ووقروك وآووك ونصروك وقدموك على الأنفس والأموال والأهل وآثروك وأقرئك سلاما تنال بركته من مضى من أمتك وغبر ويخص بفضل الله تعالى وجاهك من كتب وسطر إن شاء الله تعالى
كتبه عبدك المستمسك بعروتك الوثقى اللائذ بحرمك الأمنع الأوقى المتأخر جسما المتقدم نطقا فلان والسلام عليك يا رسول الله تسليما كثيرا ورحمة الله تعالى وبركاته
وله من خطبة طويلة ونشهد أن محمدا عبدالله ورسوله الصفوة المجتبى الكريم أما طاهرة وأبا المختار من الطيبين مباركا طيبا المصطفى نبيا إذ كان آدم بين الماء والطين متقلبا المتقدم بمقام تأخر عنه مقام الملائكة المقربين انتخبه الله وانتجبه وأظهره على غيب عن غيره حجبه وشرفه في الملإ الأعلى وأعلى رتبه وخط اسمه على العرش سطرا وكتبه فهو وسيلة النبيين والمرشح أولا لإمامة المرسلين بعثه ربه لختم الرسالة ونعته بنعت الشرف والجلالة وأيده بالحجة البالغة والدلالة وجعله نورا صادعا لظلام الضلالة واثنى في ذكره الحكيم على خلقه العظيم فما عسى أن يبلغ بعد ثناء المثنين بفضله التصريح وإليه الإشارة وبه سبقت من إبراهيم الدعوة ومن عيسى البشارة وعليه راقت من صفة الرؤوف الرحيم الحلية والشارة وهو المخير بين الملك والعبودية فاختار العبودية بعد الاستخارة والاستشارة فبتواضعه حل بمكان عند ذي العرش مكين أسرى به ربه إليه ووفد أكرم وفادة عليه وأدناه قاب قوسين لديه ووضع إمامه الرسالة العظمى في يديه وقال له ( اصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) فصدع بأمر الله

صدعا وأوتي من المثاني سبعا ومن الآيات البينات آلافا وإن كان أوتي موسى تسعا
فما مشي الشجر إليه يجر عروقه إلا كرجوع العصا حية تسعى وماتفجر الحجر بالماء بأعجب من بنانه نبعت بالعذب الفرات نبعا فارتوى منه خمسمائة وقد كان يكفي آلافا فكيف المئين وكم له عليه الصلاة و السلام من معجزة تبهر وآية هي من أختها أكبر رجعت له الشمس وانشق القمر وكلمه الضب وأخبر به الذئب وسلم عليه الشجر والحجر وكان للجذع عند فراقه إعلانا بوجده واشتياقه أنة وحنين أعطى من المعجزات ما مثله آمن عليه البشر وكانت له في الغار آيات بينات خفي بها على القوم الأثر وارتج لمولده إيوان كسرى وخمدت نار فارس وكان ضرمها يتسعر وأتته أخبار السماء فما عمي في الأرض الخبر فحدث عن الغيوب وما هو على الغيب بضنين وجعل له القرآن معجزة تتلى يبلى الزمان وهي لا تبلى وتعلو كلماتها على الكلم ولا تعلى وتجلى آياتها في عين آيات الشمس حين تجلى فيتوارى منها بالحجاب حاجب وجبين بهر إعجاز التنزيل العلي وظهر به صدق النبي العربي فكم نادى لسان عزه في الندي بأهل البديهة من الفصحاء والروي قل فأتوا بسورة من مثله فلم يكونوا لها مستطيعين
لقد خص نبينا عليه السلام بالآيات الكبر والدلالات الواضحة الغرر والمقامات السامية المظهر والكرامات المخلدة للمفخر فهو سيد الملإ النبوي والمعشر وحامل لواء الحمد في المحشر وصاحب المقام المحمود والكوثر والشفيع المشفع يوم يقوم الناس لرب العالمين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وذريته المباركين وصحابته الأكرمين وأزواجه أمهات المؤمنين صلاة موصولة تتردد إلى يوم الدين وتصعد إلى السموات العلا فتكون كتابا في عليين وسلم تسليما
ومن نثره في خطبة قوله أيها الناس رحمكم الله تعالى أصيخوا

أسماعكم لمواعظ الأيام واعتبروا باحاديثها اعتبار أولي النهى والأحلام وأحضروا لفهم موادها أوعى القلوب وأصح الأفهام وانظروا آثارها بأعين المستيقظين ولا تنظروا بأعين النوام ولا تخدعنكم هذه الدنيا الدنية بتهاويل الأباطيل وأضغاث الأحلام ولا تنسينكم خدعها المموهة وخيالاتها الممثلة ما خلا من مقالاتها في الأنام فهي دار انتياب النوائب ومصاب المصائب وحدوث الحوادث وإلمام الآلام دار صفوها أكدار وسلمها حرب تدار وأمنها خوف وحذار ونظمها تفرق وانتشار واتصالها انقطاع وانصرام ووجودها فناء وانعدام وبناؤها تضعضع وانهدام ينادي كل يوم بناديها منادي الحمام فلا قرار بهذه الغرارة ولا مقام ولا بقاء لساكنيها ولا دوام
فبئست الدار دارا لا تدارى ولا تقيل لعاثرها عثارا ولا تقبل لمعتذر اعتذارا ولا تقي من جورها حليفا ولا جارا وليس لها من عهد ولا ذمام كم فتكت تقوم غافلين عنها نيام كم نازلت بنوازلها من قباب وخيام كم بدلت من سلامة بداء ومن صحة بسقام كم رمت أغراض القلوب بمصميات السهام كم جردت في البرايا للمنايا من حسام كم بددت بأكف النائبات الناهبات من عطايا جسام كم أبادت طوارق حوادثها من شيخ وكهل وغلام
لا تبقي على أحد ولا ترثي لوالد ولا ولد ولا تخلد سرورا في خلد ولا يمتد فيها لآمل أمد بينا يقال قد وجد إذ قيل قد فقد بعدا لها قد طبعت على نكد وكمد فالفرح فيها ترح والحبرة عبرة والضحك والابتسام بكاء وأدمع سجام تفرق الأحبة بعد اجتماعهم وتسكن الوحشة مؤنس رباعهم وتبيح بالحمام حمى الأعزة فلا سبيل إلى امتناعهم وتستحث ركائب الخلائق على اختلاف أنواعهم إلى مصيرهم إلى الله عز و جل وارتجاعهم

فيسيرون طوع الزمام ويلقون مقادة التذلل والاستسلام حتى يلجأوا بالرغام وينزلوا بطون الرجام ويحلوا الوهد بعد المقام السام فلا ناج من خطبها العظيم ولا سليم يتساوى في حكم المنية الأغر والبهيم والأعز والمضيم
ولو أنه ينجو من ذلك مجد صميم وجد كريم وحظ عظيم ومضاء وعزيم ومزية وتقديم وحديث في الفضل وقديم وشرف لسمك السموات مسام وعلى على ساق العرش المجيد ذو ارتسام لنجا حبيب الملك العلام وسيد السادات الأعلام وصفوة الصفوة الكرام وخاتم الأنبياء ولبنة التمام وصباح الهدى ومصباح الظلام والأبيض المستسقى به غيث الغمام ثمال الأرامل وعصمة الأيتام عليه أفضل الصلاة والسلام لكن مع قدره الجليل وفضله الجلي أقدم الموت على جانبه العلي وتقدم ملك الموت لقبض روحه القدسي وتغيب في الثرى جمال ذلك الوجه البهي وتفيض ماء السماء والندى لملك السماحة النبوية والندى وأصيب المسلمون وأعظم بها مصيبة بنبيهم العربي الهاشمي القرشي فيا له وللإسلام من مصاب أسلمنا للحزن أي إسلام وأسال مياه الدموع عن احتراق للضلوع واضطرام وأرانا أن الأسى في رزية لخير البرية واجب وأن التأسي حرام
وهل يسوغ الصبر الجميل في فقيد بكته الملائكة وجبريل وكثر له في السموات السبع النحيب والعويل انقطع به عن الأرض الوحي الحكيم والتنزيل وعظمت الرزية به أن يؤدي حقيقتها الوصف والتمثيل غداة أقفر منه الربع المحيل وأوحش من أنسه السفح والنخيل وكان من تلك الروح الطاهرة الوداع والرحيل وقامت البتول تندب أباها بقلب قريح وجفن دام وتنادت الأمة مات الرسول ففي كل بيت بكاء وانتحاب ونوح والتزام وحارت الألباب والعقول فلا صبر هنالك لقد زلت عن الصبر الأقدام ولما نعيت إليه

نفسه وآن أن تأفل من تلك المطالع شمسه آذن أمته بالفراق وأعلمهم وناشدهم في أخذ القصاص وكلمهم مخافة أن يمضي إلى الملك الحق وعليه تباعة لأحد من الخلق وحاشاه عليه الصلاة و السلام من صفات جائر للأمة ظلام ولكنه تعريف من نبي الرحمة بما يجب وإعلام ثم استمر به صلوات الله وسلامه عليه وتمادى وزاد به السقم المنتاب وتهادى حتى واراه ملحده وخلا منه ربعه ومسجده فعم الحزن والاكتئاب وتوارى النور فأظلم الجناب وعاد الأصحاب وكأنما دموعهم السحاب فقالت فاطمة وقد رابها من دفن أبيها الكريم ما راب أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله فكأن كلامها للقلوب المفجعة كلام وللعيون المفجرة بالدموع انسفاح وانسجام
وفي مثل هذا الشهر شهر ربيع المشيد بذكر الأشجان المذيع كانت وفاة هذا النبي الهادي الشفيع وانتقاله إلى الملإ الأعلى والرفيق الرفيع حين ناداه ربه إلى قربه فلبى بشوق قلبه تلبية المهطع المطيع وحن إلى حضرة القدس فانتظم حين حل بها ما كان من شمله الصديع وانتظر من صنع الرب جميل الصنيع وإنجاز وعد الشفيع في الجميع إذ أعطي لواء الحمد وقام محمود المقام ووقف على الحوض ينادي هلموا إلي أروكم من العطش والأوام
اللهم اسقنا من حوضه المورود وشرفنا بلوائه المعقود وشفعه فينا في اليوم المشهود وارحمنا به إذا صرنا تحت أطباق اللحود اللهم اجعله لنا تعزية من كل مفقود وأوجد لنا من بركاته أشرف موجود وجازه عنا بما أنت أهله من فضل وإحسان وجود وانفعنا بمحبته ومحبة آله وصحابته الركع السجود واجعلنا معهم في الجنة دار الخلود ودار السلام واخصصهم عنا بأكرم تحية وأفضل سلام وصل عليهم صلاة تستلم أركان رضوانك أي استلام وتنتظم له كرامات إحسانك أي انتظام
فصلوات الله عليه وأطيب تحياته ورحمته تتوالى لديه وأجزل بركاته

ما تجدد في ربيع ذكر وفاته وتمهد كهف القبول لطالبي فضله وعفاته وتعزى به كل مصاب في مصيباته وترجى شفاعته كل محب فيه متبع لهداياته وتوفرت للمصلين عليه والمسلمين على جنباته حظوظ من بر الله تعالى وأقسام ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صل عليه من نبي لم يزل بالمؤمنين رؤوفا رحيما اللهم صل عليه من نبي أوجبت حبه وعظمته تعظيما اللهم صل عليه من نبي صليت عليه تجلة وتكريما وأمرتنا بالصلاة عليه إرشادا وتعليما فلنا بأمرك اقتداء وائتمام وبحمدك على ما هديتنا افتتاح واختتام وكلامك يا ربنا أشرف الكلام ولوجهك وحده البقاء والدوام ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) ( هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين والحمد لله رب العالمين ) انتهى
وترجمة ابن الجنان واسعة جدا وكلامه في النبويات نظما ونثرا جليل رحمه الله تعالى
وقال لسان الدين في ألإحاطة بعد أن عرف به وأورد له الرسالة ما صورته ومحاسنه عديده وآماده بعيدة ثم قال إنه انتقل إلى بجاية فتوفي بها في عشر الخمسين وستمائة انتهى
وقال صاحب عنوان الدراية في حق ابن الجنان المذكور ما ملخصه الفقيه الخطيب الكاتب البارع الأديب أبو عبدالله ابن الجنان من أهل الرواية والدراية والحفظ والإتقان وجودة الخط وحسن الضبط وهو في الكتابة من نظراء الفاضل أبي المطرف ابن عميرة المخزومي وكثيرا ما كانا يتراسلان بما يعجز عنه الكثير من الفصحاء ولا يصل إليه إلا القليل من البلغاء ونثره ونظمه

كله حسن ونظمه غزير وأدبه كثير ومن ذلك قصيدته الدالية التي مطلعها
( يا حادي الركب قف بالله يا حادي ... وارحم صبابة ذي نأي وإبعاد )
وله أيضا
( ترك النزاهة عندنا ... أدى إلى وصف النزاهه )
( ما ذاك إلا أنها ... تدعو الوقور إلى الفكاهه )
( وإذا امرؤ نبذ الوقا ... ر فقد تلبس بالسفاهه )
مخمسات من المدائح النبوية
ومن بديع نظم ابن الجنان رحمه الله تعالى هذا التخميس في مدح سيد الوجود وشرف وكرم
( الله زاد محمدا تكريما ... )
( وحباه فضلا من لدنه عظيما ... )
( واختصه في المرسلين كريما ... )
( ذا رأفة بالمؤمنين رحيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( جلت معاني الهاشمي المرسل ... )
( وتجلت الأنوار منه لمجتلي ... )
( وسما به قدر الفخار المعتلي ... )
( فاحتل في أفق السماء مقيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( حاز المحامد والممادح أحمد ... )
( وزكت مناسبه وطاب المحتد ... )
( وتأثلت علياؤه والسؤدد ... )
( مجدا صميما حادثا وقديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( شمس الهداية بدرها الملتاح ... )
( قطب الجلالة نورها الوضاح ... )
( غيث السماحة للندى يرتاح ... )
( يروي بكوثره الظماء الهيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( تاج النبوة خاتم الأنباء ... )
( صفو الصريح خلاصة العلياء ... )
( نجل الذبيح سلالة العلماء ... )
( بشرى المسيح دعاء إبراهيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( فخر لآدم قد تقادم عصره ... )
( من قبل أن يدرى ويجرى ذكره ... )
( سر طواه الطين فهم نشره ... )
( معنى السجود لآدم تفهيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( لله فضل المصطفى المختار ... )
( ما إن له في المكرمات مجاري ... )
( ولا مبار باختصاص الباري ... )
( بالحق قدم مجده تقديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( أوصاف سيدنا النبي الهادي ... )
( ما نالها أحد من الأمجاد ... )
( فالرسل في هدي وفي إرشاد ... )
( قد سلموا لنبينا تسليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( آياته بهرت سنا وسناء ... )
( وأفادت القمرين منه ضياء ... )
( وعلت بأعلام الظهور لواء ... )
( فهدى به الله الصراط قويما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( دنت النجوم الزهر يوم ولادته ... )
( ورأت حليمة آية لسيادته ... )
( وتحدثت سعد بذكر سعادته ... )
( فتفاءلوا نعم اليتيم يتميا ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( لما ترعرع جاءه الملكان ... )
( بالطست فيها حكمة الرحمن ... )
( فاستخرجا القلب العظيم الشان ... )
( منه وطهر ثم عاد سليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( كرمت مناشي أحمد خيرالورى ... )
( وجرى له القلم العلي بما جرى ... )
( ما كان ذلكم حديثا يفترى ... )
( لكنه الحق الجلي رسوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( ما زال برهان النبي يلوح ... )
( يغدو به الإعجاز ثم يروح ... )
( حتى أتاه بعد ذاك الروح ... )
( يوحي له وحي الإله حكيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( شهدت له بمزية التفضيل ... )
( سور وآيات من التنزيل ... )
( وصلاة خالقه أدل دليل ... )
( فافهمه واسمع قوله تعظيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( إن الرسول المعتلي المقدار ... )
( لمؤيد من ربه القهار ... )
( بالمعجزات جلت عمى الأبصار ... )
( وشفت من أدواء الضلال سقيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( كم شاهد لمحمد بنبوته ... )
( في أيد تأييد الإله وقوته ... )
( فبذاك أعلى الله دعوة حجته ... )
( فمضت حساما صارما وعزيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( البدر شق له ليظهر صدقه ... )
( والشمس قد وقفت تعظم حقه ... )
( والمزن أرسل إذ توسل ودقه ... )
( فاخضر ما قد كان قبل هشيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( والماء بين بنانه قد سالا ... )
( عذبا معينا سائغا سلسالا ... )
( كنداه يمنح رفده من سالا ... )
( وينيل راجيه النوال جسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( بركاته أربت على التعداد ... )
( كم أطعمت من حاضرين وبادي ... )
( من قصعة أو حثية من زاد ... )
( رزقا كريما للجيوش عميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( سجد البعير له سجود تذلل ... )
( وشكا إليه بحرقة وتململ ... )
( والشاة قال ذراعها لا تأكل ... )
( مني فإني قد ملئت سموما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( والغصن جاء إليه يمشي مسرعا ... )
( والصخر أفصح بالتحية مسمعا ... )
( والظبية العجماء فيها شفعا ... )
( والضب كلم أحمدا تكليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( والجذع حن له حنين الواله ... )
( يبدي الذي يخفيه من بلباله ... )
( أفلا يحن متيم بجماله ... )
( يشتاق وجها للنبي وسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( ما بالنا نسلو وحب حبيبنا ... )
( يقضي ببث غرامنا ونحيبنا ... )
( لو صح في الإخلاص عقد قلوبنا ... )
( لم ننس عهدا للرسول كريما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( أين الدموع نفيضها هتانا ... )
( أين الضلوع نقضها أشجانا ... )
( حتى نقيم على الأسى برهانا ... )
( لمتمم إرشادنا تتميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( أوليس هادينا إلى سبل الهدى ... )
( أوليس منقذنا من أشراك الردى ... )
( أوليس أكرم من تعمم وارتدى ... )
( أولم يكن أزكى البرية خيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ذاك الشفيع مقامه محمود ... )
( ولواؤه بيد العلا معقود ... )
( فإذا توافت للحساب وفود ... )
( قالوا تقدم بالأنام زعيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( فيقوم بالباب العلي ويسجد ... )
( ويقول يا مولاي آن الموعد ... )
( فيجاب قل يسمع إليك محمد ... )
( ونريك منا نضرة ونعيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( أعظم بعز محمد وبجاهه ... )
( أكرم به متوسلا لإلهه ... )
( شربت كرام الرسل فضل مياهه ... )
( فغدت تعظم حقه تعظيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( يا سامعي أخباره ومفاخره ... )
( ومطالعي آثاره ومآثره ... )
( ومؤملي وافي الثواب ووافره ... )
( إن شئتم فوزا بذاك عظيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
قلت وكثيرا ما كنت أنشد هذه القصيدة بالمغرب في مجالس التدريس وأضيف إليها قبلها أخرى لبعض أهل المغرب الذين لهم في منازل الأمداح النبوية مقيل وتعريس وهي قصيدة ميلاديه كأنما لم ينظمها مؤلفها إلا مقدمة لهذه القصيدة الفريدة وهي
( اسمع حديثا قد تضمن شرحه ... روضا من الإيناس أينع دوحه )
( فيه الشفاء لمن تكاثر برحه ... وافى ربيع قد تعطر نفحه )
( أذكى من المسك الفتيق نسيما ... )
( شهر حوى بوجود أحمد أسعدا ... بالمصطفى بين الشهور تفردا )
( يا ما أجل سنا علاه وامجدا ... لولادة المختار أحمد قد غدا )
( يزهو به فخرا تراه عظيما ... )
( يا من بأدمع مقلتيه يغتذى ... كم ذا تنادي حسرة من منقذي )
( وتقول للزفرات هل من منفذ ... بشرى بشهر فيه مولده الذي )
( سر الزمان علوه تعظيما ... )

( يا ليلة رفعت بأحمد حجبها ... لما دنا بعد التباعد قربها )
( وتطلعت للسعد فينا شهبها ... ضاءت لها شرق البلاد وغربها )
( وتأنقت أرجاؤها تنعيما ... )
( أسدى إليك الدهر حسن صنيعه ... وحباك من غض الجنى ببديعه )
( وافى هلال محمد بربيعه ... فاعتز أمر الله عند طلوعه )
( وغدا به دين الإله قويما ... )
( نظم الزمان بجيد عمرك دره ... فاشكر مآثره وواصل بره )
( وافاك بالسر المصون فسره ... واعرف لهذا الشهر حقا قدره )
( فلقد غدا بين الشهور كريما ... )
( يا صاح جاءت بالآماني أسعد ... وأطل بالبشرى الكريمة مولد )
( هذا ربيع فيه أنجز موعد ... شهر كريم جاء فيه محمد )
( صلوا عليه وسلموا تسليما ... )
ثم قلت أنا عند ختم درس الشفا موطئا لقصيدة ابن الجنان المذكور ولعذب براعتها مرتشفا ما نصه والأعمال بالنيات
( انشق أزاهر عن فنون رياض ... للعلم واكرع من عذاب حياض )
( واسق الرياض بذكره الفياض ... واحفظ كلاما للإمام عياض )
( قد تممت أقسامه تتميما ... )
( لله روض منه أينع دوحه ... يجنى به من الكريم ومنحه )
( فهو الشفاء لمن تكاثر برحه ... مسك الختام به تعطر نفحه )
( فشذاه في الأرجاء صار شميما ... )

( فاضت علينا من هداه عوارف ... زهر وأنوار وظل وارف )
( ونمارق مصفوفة ومطارف ... يا حسن ما أبداه فذ عارف )
( درا بأسلاك الحديث نظيما ... )
( لم لا وبالملك الشفيع تشرفا ... خير البرية ركن أرباب الصفا )
( من أسعد الراجي وقصدا أسعفا ... طه النبي الهاشمي المصطفى )
( صلوا عليه وسلموا تسليما ... )
وقد رأيت بعد وصولي إلى هذا الموضع من هذا الكتاب أن أذكر قصيدة أبن الجنان المذكور في روي تلك القصيدة غير مخمسة مستقلة بنفسها وهو قوله رحمه تعالى
( صلوا على خير البرية خيما ... وأجل من حاز الفخار صميما )
( صلوا على من شرفت بوجوده ... أرجاء مكة زمزما وحطيما )
( صلوا على أعلى قريش منزلا ... بذراه خيمت العلا تخييما )
( صلوا على نور تجلى صبحه ... فجلا ظلاما للضلال بهيما )
( صلوا على هاد أرانا هديه ... نهجا من الدين الحنيف قويما )
( صلوا على هذا النبي فإنه ... من لم يزل بالمؤمنين رحيما )
( صلوا على الزاكي الكريم محمد ... ما مثله في المرسلين كريما )
( ذاك الذي حاز المكارم فاغتدت ... قد نظمت في سلكه تنظيما )
( من كان أشجع من أسامة في الوغى ... ولدى الندى يحكي الحيا تجسيما )
( طلق المحيا ذو حياء زانه ... وسط الندي وزاده تعظيما )
( حكمت له بالفضل كل حكيمة ... في الوحي جاء بها الكتاب حكيما )
( وبدت شواهد صدقه قد قسمت ... بدر الدجى لقسيمه تقسيما )
( والشمس قد وقفت له لما رأت ... وجها وسيما للنبي وسيما )
( كم آية نطقت تصدق أحمدا ... حتى الجماد أجابه تكليما )

( والجذع حن حنين صب مغرم ... أضحى للوعات الفراق غريما )
( جلت مناقب خاتم الرسل الذي ... بالنور ختم والهدى تختيما )
( وسمت به فوق السماء مراتب ... بمقام صدق عز فيه مقيما )
( فله لواء الحمد غير مدافع ... وله الشفاعة إذ يكون كليما )
( نرجوه في يوم الحساب وإنما ... نرجو لموقفه العظيم عظيما )
( ما إن لنا إلا وسيلة حبه ... وتحية تذكو شذا وشميما )
( ولخير ما أهدى امرؤ لنبيه ... أرج الصلاة مع السلام جسيما )
( يا أيها الراجون منه شفاعة ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
وهذه قصيدة بديعة مخمسة من كلام الشيخ الأستاذ أبي العلاء إدريس بن موسى القرطبي في مدح رسول الله وقف عليها أبو عبد الله ابن الجنان المذكور وقرظها بما سنذكره بعدها قريبا وهي
( أهلا بكم يا أهل هذا النادي ... أهل اعتقاد الوعد والميعاد )
( أهدوا الصلاة إلى النبي الهادي ... وصلوا السلام له مع الآباد )
( يندى نسيما مذكرا تسنيما ... )
( هو أول الشفعاء يوم المحشر ... وسواه بين تقدم وتأخر )
( بهت الحضور لهول ذاك المحضر ... والكل في الخطب العميم الأكبر )
( قد هيمت ألبابهم تهييما ... )
( ذاك المقام الأشهر المحمود ... هو للنبي محمد موعود )
( فيه الشفاعة ذخرها موجود ... درك المراد وحوضه المورود )
( فضل الكليم به وإبراهيما ... )

( عيسى وموسى والخليل مروع ... من هول مطلع هنالك يفظع )
( فيقال أحمد قل فإنك تسمع ... فيقوم يحمد ربه فيشفع )
( فضلا من الرب العظيم عظيما ... )
( يا أمة المختار أنتم أمه ... والهول قد عم البسيطة يمه )
( والأنبياء سواه كل همه ... تخليص مهجته وليس يهمه )
( من كان في الدنيا عليه كريما ... )
( صلى الإله على الذي صلى عليه ... عشرا بواحدة يزكيها لديه )
( وأراه في الدارين قرة ناظريه ... يا قاصدين إلى وصولكم إليه )
( راجين من أرج القبول نسيما ... )
( لولا وصية صاحب التنزيل ... أن لا يقال له غلو القيل )
( قول الغلاة لصاحب الإنجيل ... لغلوت في التعظيم والتبجيل )
( عظم المكانة يوجب التعظيما ... )
( طوبى لقلب قد تلالا إذ صفا ... بالسر منه قد تثبت إذ هفا )
( خطت به آيات حب المصطفى ... فغدا لصاحبه بذلك مصحفا )
( يهدي إلى نهج النجاة قويما ... )
( فاقت علا ذكراه إذ راقت حلى ... ملأ النبوة أمهم حين اعتلى )
( في ليلة الإسراء أعلى معتلى ... كتب الإله له التقدم في العلا )
( وعليهم التفويض والتسليما ... )
( وكذاك يسلم في الشفاعة كلهم ... ومحلهم عند الإله محلهم )
( ظل النبي محمد هو ظلهم ... يمشون تحت لوائه فيدلهم )
( يندى عليهم بهجة ونعيما ... )

( أوصافه من كل حسن أبهج ... العرف ينفح والسنا يتبلج )
( فتأرج الأرجاء منه وتبهج ... فاق الزواهر نورها يتوهج )
( والزهر نفاح النسيم وسيما ... )
( طلق المحيا منهل للنائل ... أنحى على الدنيا بزهد كامل )
( هو مثل الدنيا بظل زائل ... لم ترضه حال النعيم الحائل )
( ما حاول الترفيه والتنعيما ... )
( ما ورث المختار مال مؤمل ... إلا جواهر في الكتاب المنزل )
( أشهى لقلب الناظر المتأمل ... وأقر إعجابا لعين المجتلي )
( من كل قيمة مقتض تقويما ... )
( وفقت يا من لم يخالف نصه ... حزت الكمال وليس تخشى نقصه )
( نهج الهدى قول النبي اقتصه ... بالوحي شرفه الإله وخصه )
( شرفا على شرف السناء صميما ... )
( سبحان موح لا يحد له الكلام ... من قال ذات كلام خلاق الأنام )
( خلق فذلك آثم كل الأثام ... ذاك الذي في الدين ليس له ذمام )
( إلا ذمام لا يزال ذميما ... )
( ضل الذي يبغي الهدى مما سواه ... وهوى به في كل مهواة هواه )
( من فارق الفاروق قد تبت يداه ... حيران لم يهد السبيل إلى هداه )
( لا يعرف التحليل والتحريما ... )
( بالمدح مجد المصطفى يممته ... من حلي أوصاف له نظمته )
( لم أبلغ المعشار إذ أحكمته ... بعضا نسيت وبعضه ألهمته )
( قلدته جيد الزمان نظيما ... )

( لو فزت بالإحسان من حسان ... وسحبت أذيالي على سحبان )
( أو أيدتني لسن كل زمان ... من كل ذي زعم عظيم الشان )
( ما كنت بالمعشار منه زعيما ... )
( إدريس حفتك الحقوق حفوفا ... هلا خففت إلى الرسول خفوفا )
( وقريت بالعزم الهموم ضيوفا ... وشدوت أن هال الزمان صروفا )
( مهلا كفاك معلمي التعليما ... )
( ثقة بفضل الواحد القهار ... ملك الملوك مصرف الأعصار )
( جعل النبي مكرم الآثار ... وأمده بالنصر والأنصار )
( وأتم نعمته له تتميما ... )
( هل أجلون بصري بكحل سناه ... يا سعد من كحلت به عيناه )
( ظفرت يداه وساعدته مناه ... لله ذاك الأفق ما أسناه )
( كرم المحل فيقتضي التكريما ... )
ونص تقريظ ابن الجنان على هذه القصيدة هو قوله
( ما زال كل حليف ... لله أضحى وليا )
( وللعلوم خليلا ... وعن سواها خليا )
( ويصوغ عقيان مدح ... للهاشمي حليا )
( ويوجب الحق فيه ... إيجابه الأوليا )
( ويقتفي في رضاه ... نهجا جليلا جليا )
( والكل أحظاه حظ ... فالفوز يلفى مليا )
( لكن إدريس منهم ... حاز المكان العليا )
ولا يخفاك أنه التزم في هذه القطعة ما لا يلزم من اللام قبل الياء رحمه الله تعالى

ولا بأس أن نورد هنا ما حضر من التخميسات الموافقة لتخميس ابن الجنان المذكور السابق أولا في البحر والروي والمنحى الذي لا يضل قاصده وكيف لا وهو مدح الجناب الرفيع العظيم النبوي
فمن ذلك قول أبي إسحاق إبراهيم بن سهل الإسرائيلي الإشبيلي فإن بعضا ذكر أنها من قوله لما أظهر الإسلام وهي لا تقتضي رفع الريبة فيه والاتهام
( جعل المهيمن حب أحمد شيمة ... )
( وأتى به في المرسلين كريمة ... )
( فغدا هواه على القلوب تميمة ... )
( وغدا هداه لهديهم تتميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( أبدى جبين أبيه شاهد نوره ... )
( سجعت به الكهان قبل ظهوره ... )
( كالطير غرد معربا بصفيره ... )
( عن وجه إصباح يطل نسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( أنس الرسالة بعد شدة نفرة ... )
( منجى البرية وهي في يد غمرة ... )
( محيي النبوة والهدى عن فترة ... )
( فكأنما كفل الرشاد يتيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( الله أوضح فضله فتوضحا ... )
( والله بين حبه في والضحى ... )
( والجذع حن له هوى فترنحا ... )
( والماء فاض بكفه تسنيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ريا الرواية عن علاه زكية ... )
( نجواه ربانية ملكية ... )
( أوصافه علوية فلكية ... )
( فإخال شعري عندها تنجيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( احتث في السبع الطباق براقه ... )
( والأرض واجمة تخاف فراقه ... )
( سبحان من أدنى سراه فساقه ... )
( شخصا على ملك الملوك كريما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( فاشتم ريحان القلوب الطيبا ... )
( ودنا فأسمع يا محمد مرحبا ... )
( إني جعلتك جار عرشي الأقربا ... )
( إن كنت قبلك قد جعلت كليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( يا ليلة يجري الزمان فتسبق ... )
( الحجب فيها والأرائج تفتق ... )
( ما كان مسك الليل قبلك يعبق ... )

( بشرى محمد استفاد نسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( حتى إذا اقتعد البراق لينزلا ... )
( نادته أسرار السموات العلا ... )
( يا راحلا ودعته لا عن قلى ... )
( ما كان عهدك بالغيوب ذميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صعد النجود وسار في الأغوار ... )
( سمك السما طورا وبطن الغار ... )
( متقسما في طاعة الجبار ... )
( ما أشرف المقسوم والتقسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( الشافع المتوسل المتقبل ... )
( القانت المدثر المزمل ... )
( وافى وظهر الأرض داج ممحل ... )
( فجلا البهيم به وأروى الهيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( دفعت كرامته الزنوج عن الحرم ... )
( ودعاه جبريل المنزه في الحرم ... )
( وعزت له آيات نون والقلم ... )
( خلقا به شهد الإله عظيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( طاو يفيض الزاد في أصحابه ... )
( غيث ولكن كان يستصحى به ... )
( طابت ضمائر قلبه وترابه ... )

( منه بسر لم يكن مكتوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( يا شوقي الحامي الى ذاك الحمى ... )
( فمتى أقضيه غراما مغرما ... )
( ومتى أعانقه صعيدا مكرما ... )
( بضمير كل موحد ملثوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
ومن ذلك قول بعض الوعاظ وأظنه من أهل المشرق
( جل الذي بعث الرسول رحيما ... )
( ليرد عنا في المعاد جحيما ... )
( وبه نرجي جنة ونعيما ... )
( أضحى على الباري الكريم كريما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ما ضل عن وحي الإله وما غوى ... )
( حاشا رسول الله ينطق عن هوى ... )
( الصادق الثقة الأمين بما روى ... )
( قد نال من رب السماء علوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( وافى له الروح الأمين مبشرا ... )
( نادى به يا خير من وطىء الثرى ... )
( أجب المهيمن يا محمد كي ترى ... )
( ملكا كريما في السماء عظيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( فأجابه المختار حين دعا به ... )

( رب السموات العلا لخطابه ... )
( ركب البراق وقد أتى لجنابه ... )
( أمسى له الروح الأمين نديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( فمتى أرى الحادي يبشر باللقا ... )
( ويضمه بان المحصب والنقا ... )
( وأرى ضريح المصطفى قد أشرقا ... )
( مولى حليما لن يزال رحيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( وأقول للزوار قد نلت المنى ... )
( يهنيكم طيب المسرة والهنا ... )
( فاستبشروا من بعد فقر بالغنى ... )
( فالله زادكم به تكريما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ثم الرضى عن آله الكرماء ... )
( وكذاك عن أصحابه الخلفاء ... )
( فهواهم ديني وعقد ولائي ... )
( قوما تراهم في المعاد نجوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما ) ومنها قول بعض فضلاء المغاربة رحمه الله تعالى
( يا أمة الهادي المبارك أحمد ... )
( يهنيكم نيل الأماني في غد ... )
( بمحمد فزتم ومن كمحمد ... )
( إن شئتم أن تدركوا التتميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( صلوا على البدر المنير الزاهر ... )
( صلوا على المسك الفتيق العاطر ... )
( صلوا على الغصن البهي الناضر ... )
( وتنعموا بصلاتكم تنعيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من بالنبوة زينا ... )
( صلوا على من بالكمال تمكنا ... )
( بمحمد فزنا فإدراك المنى ... )
( فضلا منحنا حادثا وقديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على البدر المنير اللائح ... )
( صلوا على الهادي الحبيب الناصح ... )
( صلوا على المسك الفتيق الفائح ... )
( للرشد فهم والهدى تفهيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من مجده قد أسسا )
( والماء بين بنانه قد بجسا ... )
( وأتت إليه سرحة حتى اكتسى ... )
( بفروعها إذ خيمت تخييما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من كان يبصر من قفا ... )
( وعليه سلمت الجنادل والصفا ... )
( والذئب قال صدقت أنت المصطفى ... )
( وشكا إليه بازل قد ضيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( صلوا على من قد شفى بالريق ... )
( عين الضرير ولدغة الصديق ... )
( وأعاد طعم الماء مثل رحيق ... )
( إذ مج فيه العنبر المختوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من بالملائك جيشا ... )
( وغدت تظلله الغمام إذا مشى ... )
( حرست سماء الله لما أن نشا ... )
( ليكون سر حبيبه مكتوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا عليه كل حين تربحوا ... )
( وبهديه مهما اهتديتم تفلحوا ... )
( والأجر يشملكم فجدوا تنجحوا ... )
( وإذا أردتم أن يكون عظيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا بجمعكم على شمس الهدى ... )
( صلوا على بدر يزين المشهدا ... )
( صلوا عليه به الرشاد تمهدا ... )
( والذكر بين فضله تفخيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا بإخلاص على خير البشر ... )
( صلوا على من فاق حسنا واشتهر ... )
( ونمت فضائله وشق له القمر ... )
( ولكم دليل في علاه أقيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( صلوا على من قد رأى الرحمانا ... )
( بالقلب أو بالعين منه عيانا ... )
( عن قاب أو أدنى مقام كانا ... )
( فخذ الفوائد كي تفاد علوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا عليه كلكم لا تسأموا ... )
( وتبركوا بصلاته وتنعموا ... )
( فعليه صلى الأنبياء وسلموا ... )
( شرفا لهم إذ أمهم تقديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( يا حاضرين بلغتم كل المنى ... )
( عن جمعكم من فضله ذهب العنا ... )
( وإليكم والله قد وجب الهنا ... )
( بمحمد كرمتم تكريما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( قولوا برغم معاندين وحسد ... )
( كي ترغموا أنفا لكل مفند ... )
( صلى الإله على النبي محمد ... )
( أبدا وزاد لقدره تعظيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( يا رب يا ذا المن والإحسان ... )
( جد بالرضى والعفو والغفران ... )
( للوالدين ومنشد الأوزان ... )
( والسامعين أنلهم تنعيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( صلى عليه الله ما اجتمع الملا ... )
( صلى عليه الله ما قطع الفلا ... )
( صلى عليه الله ما انتجع الكلا ... )
( أبدا وما رعت السوام هشيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
ومن ذلك قول الإمام العالم الشهير الأديب مالك بن المرحل المالقي ثم السبتي وهي من غرر القصائد وفيها لزوم ما لا يلزم من ترتيبها على حروف المعجم بجعلها بدأ ورويا على اصطلاح المغرب
( ألف أجل الأنبياء نبيء ... )
( بضيائه شمس النهار تضيء ... )
( وبه يؤمل محسن ومسيء ... )
( فضلا من الله العظيم عظيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( باء بدا في أفق مكة كوكبا ... )
( ثم اعتلى فجلا سناه الغيهبا ... )
( حتى أنار الدهر منه وأخصبا ... )
( إذ كان فيض الخير منه عميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( تاء تبينت الهدى لما أتى ... )
( فنفى الشريك عن القديم وأثبتا ... )
( أحدية من حاد عنها قد عتا ... )
( وتلا كلاما للكريم كريما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ثاء ثوى في الأرض منه حديث ... )

( في كل أفق طيبه مبثوث ... )
( داع بأنواع الهدى مبعوث ... )
( يتلو نجوما أو يهز نجوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( جيم جلا بسراجه الوهاج ... )
( ما جن من ليل الظلام الداجي ... )
( وسقى القلوب بمائه الثجاج ... )
( فأصارها بعد الغموم غميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( حاء حمى دين الهدى بصفائح ... )
( وسما بشم كالجبال أراجح ... )
( من كل أزهر هاشمي واضح ... )
( لولا نداه غدا النبات هشيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( خاء خبت نيران جهل شامخ ... )
( آيات علم للرسالة راسخ ... )
( من مثبت ماح ومنس ناسخ ... )
( قد خص بالذكر الحكيم حكيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( دال دعا فأجاب كل سعيد ... )
( وأتى بوعد صادق ووعيد ... )
( حتى أقر الناس بالتوحيد ... )
( تجنبوا الإشراك والتجسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( ذال ذباب حسامه مشحوذ ... )
( للناكثين وعهدهم منبوذ ... )
( أما السعيد فبالنبي يلوذ ... )
( فيدال من ذل الشقاء نعيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( راء روينا عن ذوي الأخبار ... )
( أن الندى والبأس مع إيثار ... )
( بعض صفات المصطفى المختار ... )
( كم قد تقدم بالأنام زعيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( زاي زعيم بالنزال عزيز ... )
( وبليغ معنى في المقال وجيز ... )
( فلقوله من فعله تعزيز ... )
( ولربما عاد الكلام كلوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( طاء طويل السيف متسع الخطا ... )
( رحب الذراع ومن يمد لهم سطا ... )
( يردي العدا وإذا ارتدى متخمطا ... )
( يبري عذابا إذ ألام أليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ظاء ظهير للعباد حفيظ ... )
( حظ لدى رب العباد حظيظ ... )
( حق له التأبين والتقريظ ... )
( ميتا وحيا ظاعنا ومقيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( كاف كريم العنصرين مبارك ... )
( متفرد بالجاه ليس يشارك ... )
( فهو الذي بمقامه يتدارك ... )
( والهول يغدو مقعدا ومقيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( لام له عقد اللواء الأحفل ... )
( وله الشفاعة في غد إذ تسأل ... )
( وإذا دعا فدعاؤه متقبل ... )
( حق الرحيم بأن يرى مرحوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ميم ملائكة الإله تسلم ... )
( فوجا عليه إذ بدا وتعظم ... )
( ويمر جبريل بها يتقدم ... )
( فيضاعف التعظيم والتكريما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( نون نبي جاءنا ببيان ... )
( وبمعجزات أبرزت لعيان ... )
( وبحسبه أن جاء بالقرآن ... )
( يشفي قلوبا تشتكي وجسوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صاد صفي للإله ومخلص ... )
( ومقرب ومفضل ومخصص ... )
( ذهبا سبيك وزنه لا ينقص ... )
( قد طاب خيما في الورى وأروما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( ضاد ضمين نصحه ممحوض ... )
( ضافي القراءة بالعلوم يفيض ... )
( إن غاض ماء البحر ليس يغيض ... )
( لما استمر زلاله تسنيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( عين عزيز ذكره مرفوع ... )
( في الأنبياء وقوله مسموع ... )
( مشروح صدر حبه مشروع ... )
( من لا يدين بذاك كان ذميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( غين غزا من زاغ عنه ومن طغى ... )
( وغدا يشب لمن طغى نار الوغى ... )
( حتى أقامت من عصى بعد الصغا ... )
( وتقوم النار العصا تقويما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( فاء فواتح سورة الأعراف ... )
( وبراءة والرعد والأحقاف ... )
( أحظته بالأقسام والأوصاف ... )
( فمتى توفي حقه منظوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( قاف قوافي النظم عنه تضيق ... )
( أيطيقه الإنسان ليس يطيق ... )
( فالخلق في التقصير عنه خليق ... )
( ولو آنهم ملأوا الفضاء رقوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( سين سلام كالنفيس تنفسا ... )
( وقد اجتنى وردا وصافح نرجسا ... )
( أهدى إليه في الصباح وفي المسا ... )
( بقصائد كادت تكون نسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( شين شمائله الكريمة تعطش ... )
( من كان من سكر المحبة يرعش ... )
( لكن أضاع العمر فيما يوحش ... )
( فغدت ندامته عليه نديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( هاء هو الهادي الذي اقتدح النهى ... )
( فتفكرت في ملك من رفع السها ... )
( وقضى بحد للأمور ومنتهى ... )
( فأفادها النظر السديد عموما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( واو وهى ركن التجلد بل هوى ... )
( لما ثوى في التراب من بعد التوى ... )
( فحوى الضريح الرحب نجما ما غوى ... )
( أجرى من الدمع السجوم سجوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( لام لأجلك فاض دمعي جدولا ... )
( فاخضر آس أساك إذ يبس الكلا ... )
( يا خير من كلأ المكارم والعلا ... )
( وحمى الحمى ورمى فأعمى الروما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( ياء يحييه ويسقيه الحيا ... )
( رب العباد مجازيا وموفيا ... )
( ومشرفا ومسلما ومصليا ... )
( يا مسلمين ورثتم التسليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
ومن ذلك قول الفقيه الكاتب أبي العباس أحمد بن محمد بن العباس المغربي حسبما نقلته من المجلد الخامس والعشرين من كتاب منتهى السول في مدح الرسول للحسن بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن عذرة المغربي الأنصاري رحمه الله تعالى ورضي عنه ونفعنا بقصده وهو أيضا مرتبة على حروف المعجم ما عدا الأبتداء وبيوت الانتهاء غير أن ترتيب حروف المعجم في آخر الأشطار ولم يلتزم صاحبها الابتداء كما فعل مالك بن المرحل رحمه الله تعالى
( الله زاد المصطفى تعظيما ... )
( وقضى له التفضيل والتقديما ... )
( وأناله شرفا لديه جسيما ... )
( فهو المتمم فخره تتميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من خص بالأنباء ... )
( وأبوه ما بين الثرى والماء ... )
( ثم استمر النور في الآباء ... )
( فتوارثوه كريمة وكريما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( صلوا على بدر بدا من يثرب ... )
( فأضاء بالأنوار أقصى المغرب ... )
( وجلا عن الدنيا دياجي الغيهب ... )
( فبدا لنا نهج الرشاد قويما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من بالشرائع قد أتى ... )
( وأباد أحزاب الطغاة وشتتا ... )
( وأبان أسباب النجاة ووقتا ... )
( للأمة التحليل والتحريما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من بالغيوب يحدث ... )
( وبروعه الروح المقدس ينفث ... )
( محبوبنا وشفيعنا إذ نبعث ... )
( في يوم لا يدري الحميم حميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على صبح الهدى المتبلج ... )
( صلوا على بحر الندى المتموج ... )
( صلوا على روض الجمال المبهج ... )
( كيما تنالوا الفوز والتنعيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على غيث الأنام السافح ... )
( صلوا على المسك الذكي النافح ... )
( أزرت روائحه بكل روائح ... )
( فالأرض طبقها شذاه نسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( صلوا على من عهده لا يفسخ ... )
( صلوا على من شرعه لا ينسخ ... )
( صلوا على من حزبه لا يمسخ ... )
( نبأ يفهم فضله تفهيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من فخره لا ينفد ... )
( صلوا على من فضله لا يجحد ... )
( أنى وكتب الرسل طرا تشهد ... )
( تنبي اليهود بفضله والروما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من قد حمى عنا الأذى ... )
( ومن الغواية والضلالة أنقذا ... )
( صلوا على من ذكره نعم الغذا ... )
( وبمدحه نروي القلوب الهيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا بإخلاص على خير البشر ... )
( من قبل نشأته المباركة اشتهر ... )
( كم كاهن عنه أبان وكم خبر ... )
( ولكم دليل في علاه أقيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من جل مولده وعز ... )
( ضاءت قصور الشام لما أن برز ... )
( وتدانت الشهب الثواقب كالخرز ... )
( أو كالآلي نظمت تنظيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( صلوا على من يوم مولده سطا ... )
( بجميع آلهة الضلالة والخطا ... )
( وهوى له عرش اللعين وأسقطا ... )
( والفرس هدم صرحهم تهديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من ليس فظا غالظا ... )
( لأخيه في الإرضاع كان محاظظا ... )
( فاعجب لذلك كيف كان ملاحظا ... )
( للعدل فينا مرضعا وفطيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من شأوه لا يدرك ... )
( صلوا على من شأوه لا يشرك ... )
( موسى وعيسى والخليل تبركوا ... )
( بلقائه وعنوا له تسليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من خلفه صلى الرسل ... )
( شرف على تمكين عزته يدل ... )
( فإذن فقل هو سيد لهم ودل ... )
( لا تخش توبيخا ولا تحشيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من قد سرى نحو السما ... )
( ليلا وعاد وما برحنا نوما ... )
( بالروح والجسم المطهر قد سما ... )
( قله وراغم من أبى ترغيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( صلوا على من قد رأى الرحمانا ... )
( بالقلب أو العين منه عيانا ... )
( من قاب أو أدنى مكان كانا )
( فخذ الفوائد واحذر التجسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من بالمحبة خصصا ... )
( والقلب منه شق حتى خلصا ... )
( من حظ إبليس اللعين ومحصا ... )
( وأعيد ما إن يشتكي تثليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من بالسيادة قد حضي ... )
( وانشق إكراما له البدر المضي ... )
( ولكم دليل كالصباح الأبيض ... )
( فاسمع وكن بالمعجزات عليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من كلمته ذراع ... )
( وبفضله كفت المئين الصاع ... )
( والجذع حن له وما الأجذاع ... )
( بأرق منا أنفسا وفهوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من مدحه لا يفرغ ... )
( ماذا عسى مداحه أن يبلغوا ... )
( فإلهنا يثني عليه ويبلغ ... )
( فاقرأ تجده محكما تحكيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( صلوا على من كان يبصر بالقفا ... )
( وعليه سلمت الجنادل والصفا ... )
( والذئب قال صدقت أنت المصطفى ... )
( وشكا إليه بازل قد ضيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من قد شفى بالريق ... )
( عين الضرير ولدغة الصديق ... )
( وأعاد طعم الماء مثل رحيق ... )
( إذ مج فيه العنبر المختوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من مجده قد أسسا ... )
( والماء بين بنانه قد بجسا ... )
( وأتت إليه سرحة حتى اكتسى ... )
( بفروعها إذ خيمت تخييما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من بالملائك جيشا ... )
( وغدت تظلله الغمام إذا مشى ... )
( حرست سماء الله لما أن نشا ... )
( ليكون سر حبيبه مكتوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من قد حباه إلهه ... )
( بالكوثر المروي لنا أمواهه ... )
( في يوم حشر الخلق يظهر جاهه ... )
( إذ يقدم الرسل الكرام زعيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( صلوا على من خص بالحوض الروى ... )
( وكذاك خصص بالمقام وباللوا ... )
( نوحا وآدم والكليم قد احتوى ... )
( وابن البتول حوى وإبراهيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلى عليه الله ما قطع الفلا ... )
( صلى الله عليه ما اجتمع الملا ... )
( صلى عليه الله ما انتجع الكلا ... )
( أبدا وما رعت السوام هشيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلى عليه الله ما هطل الحيا ... )
( صلى عليه الله ماالتمع الضيا ... )
( فلقد شفى الدنيا من الداء العيا ... )
( ولقد حمى عنا لظى وجحيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( لله سيدنا النبي الأكمل ... )
( لله برق جبينه المتهلل ... )
( لله جود يمينه المتهطل ... )
( أحيا وأغنى بالنوال عديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( لله منه ذاته وحقيقته ... )
( لله منه خلقه وخليقته ... )
( لله منه شرعه وطريقته ... )
( فلقد جلت بشموسها التغييما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( يا أمة الهادي النبي المصطفى ... )
( بالله لو كنا نعامل بالوفا ... )
( متنا عليه حسرة وتلهفا ... )
( حتى نؤدي حقه المحتوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ما كان أولانا بطول نحيبنا ... )
( ما كان أوجبنا بفرط وجيبنا ... )
( أفنستطيع الصبر عن محبوبنا ... )
( ما الصبر عن لقياه إلا لوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( لم لا نفيض على الدوام دموعنا ... )
( لم لا نقض من الغرام ضلوعنا ... )
( لم لا نخلي أهلنا وربوعنا ... )
( حتى نعاين من ذراه رسوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( أولم يكن يحنو علينا مشفقا ... )
( أولم يكن متعطفا مترفقا ... )
( أولم يعالجنا بأنواع الرقى ... )
( حتى اغتدى منا العليل سليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( من مثله ما إن يضر وينفع ... )
( من مثله يدرا العذاب ويدفع ... )
( من مثله لذوي الكبائر يشفع ... )
( من مثله بالمؤمنين رحيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( يا ويح نفسي كم أرى ذا صبوة ... )
( ومسامعي عن واعظي في نبوة ... )
( فعسى الرسول يقيلني من كبوة ... )
( فلكم رجاه عاثر فاقيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( يا رب بالهادي الرفيع المحتد ... )
( أغفر لعبدك أحمد بن محمد ... )
( فلقد توسل إذ رجاك بسيد ... )
( ما رد معتلق به محروما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ناشدتكم يا سامعي هذا الثنا ... )
( قولوا متى أسمعتموه تدينا ... )
( اغفر لقائله المقصر ما جنى ... )
( بمديحه خير الورى المعصوما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
قلت وإني لأسأل الله تعالى بلسان لم أعص به وهو لسان هذا المادح إذ قال يا رب بالهادي فإني أحمد بن محمد بلغه الله أمله من غفرانه بمنه وكرمه آمين
رجع ومن ذلك قول الفقيه الكاتب الأديب أي العباس أحمد بن القاسم

الإشبيلي الشهير بابن القصير وطريقه هذه مخالفة للطريق المتقدمة من بعض الوجوه رحم الله تعالى الجميع
( الله أكرم أحمدا تكريما ... )
( فغدا رسولا للعباد كريما ... )
( فاشكر غفورا للذنوب رحيما ... )
( أرضى النبي بقوله تعليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( لله منه هدى نبي مرتضى ... )
( بالبعث منه لنا قضى لطف القضا ... )
( ملأت فضائله المهارق والفضا ... )
( ودجا الوجود فعند مبعثه أضا ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( عجبت لنا منه ملائكة السما ... )
( أن كان بالإسراء ليلا قد سما ... )
( ورقي البراق به وجبريل لما ... )
( قد سره سرا وجهرا سلما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( أعظم به من مرسل قد بشرا ... )
( بوجوده البشر السعيد ويسرا ... )
( لليسر فهو أجل مبعوث يرى ... )
( بهداه أمته زهت بين الورى ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( من جاء بالقرآن معجزة له ... )
( أعيا الورى من بعده أو قبله ... )
( الله كرمه وفضل فضله ... )

( وأجل منه فرعه وأصله ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( من سبحت صم الحصى في كفه ... )
( والبدر شقق نصفه عن نصفه ... )
( ليرى به إعجاز من لم يصفه ... )
( حزنا بمعجز ذكره أو وصفه ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( يكفيه أن يتلى أسمه ويكرر ... )
( مع إسم خالقه إذا ما يذكر ... )
( هذا الذي بمقاله لا يفجر ... )
( أبدا و لا لخلافه يتصور ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( العبد أسرف يا نبي الله ... )
( في الذنب ساه عن تقاه لاهي ... )
( فاشفع له من مذنب أواه ... )
( يرجو كريما منك جم الجاه ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( أنأى الزمان وصوله أو سوله ... )
( فاستصحب الأبيات منه رسوله ... )
( فانل بفضلك للمراد حصوله ... )
( حسبي ثنا وازنت منه فصوله ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ابن القصير أطال فيك نظامه ... )
( ليرى لذاك مسلما إسلامه ... )
( وترى مطاوع أمره وكلامه )

( لا زال يقريك الإله سلامه ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
وما أحسن قول جمال الدين بن جلال الدين الجوزي رحمه الله تعالى
( فضل النبيين الرسول محمد ... شرفا يزيد وزادهم تعظيما )
( در يتيم في الفخار وإنما ... خير الآلي ما يكون يتيما )
( ساد النبيين الكرام وكلهم ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( والله قد صلى عليه كرامة ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
مسدسات في مدح الرسول
ومن ذلك هذا التسديس البديع الذي هو من نظم الإمام العارف بالله تعالى علاء الدين محمد ين عفيف الدين الايجي الحسني الصفوي الزينبي رحمه الله تعالى مما رتبه علىحروف المعجم والتزم الحرف أول الأشطار الأربعة وآخرها
( الله أحمد أحمدا إذ يبرأ ... أوضى وضيء نوره يتلألأ )
( أنواره كل العوالم تملأ ... أكوانه لولاه لم تك تنشأ )
( إن كنتم انقدتم له تسليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( بدر بدا من نوره يتطلب بحر بحور الجود منه تركب )
( بر وبرهان جلا يتقلب ... بالمصطفى ممن صفا أتقرب )
( بادر بما يجدي لكم تنعيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( تالله مثل محمد لا يثبت ... تم الكمال المنتهى ونبوة )
( تاج العلا بالمصطفى يتثبت ... تاهت عقول للذي هو ينعت )
( تحف الصلاة به عليه أديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( ثق بالذي يوما يقوم ويبعث ... ثبة البرية بالنبي تغوث )
( ثبت الشفاعة للورى يتحدث ... ثرة الطوائف للذي يتشبث )
( ثبت لزام الباب فيه مقيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( جاء النبي عوالما يتبلج ... جاه له من جاءه يتبهج )
( جاه ينجي من لظى تتوهج ... جاءت له الأشجار أرضا تفرج )
( جاور نبي الله نلت نعيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( حقا هو الحق المبين الأوضح ... حب حباه حبه يترنح )
( حسناته حثياته تسترجح ... حتى القلوب بحبه تترجح )
( حوت العلوم لذاته تكريما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( خير البرايا دينه هو ناسخ ... خير له خير الخيور رواسخ )
( خر الذي عن دينه هو بازخ ... خال خلي عن نقائص باذخ )
( خذ باتباع فعاله ترسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( دل الأنام على ألإله محمد ... دامت سعادة من بأحمد يسعد )
( دار له مأوى المحامد تحمد ... دان الوجود به ومن هو أحمد )
( داوم على باب له تخييما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ذكر الحبيب أحق ما يتأخذ ... ذخرا ليوم بالنواصي يؤخذ )
( ذاك الشفيع لمن به يتعوذ ... ذاك الذي بجنابه يستنقذ )
( ذلوا له ولبابه تغنيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( رب النبي محمد هو يذكر ... رتب الحبيب كتابه متذكر )
( رائي محيا أحمد هو ينظر ... روح القلوب ولاؤه هو ينصر )
( روح بذكراه المريح نديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( زين البرايا بالوجود معزز ... زان العوالم حسنه يتفوز )
( زن فضله عن كلهم يتميز ... زد ذكره عن زلة يتحرز )
( زلفى أنله بالمنى تتميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( سبق الأنام بفضله هو أنفس ... ساد الجميع بسؤدد يترأس )
( سبحان من أسرى به يتأنس ... سر الحبيب بسره يتقدس )
( سمع الكلام من الإله كليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( شمس الهدى بدر الدجى يتبشش ... شرف الحبيب من الوجوه يفتش )
( شكرا لمولانا عليه وأبهش ... شوقي إليه وافر أتعطش )
( شغل للبك بالحبيب أديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صفة الكلام لذاته هو أخلص ... صفة الكتاب كماله يتلخص )
( صفة القلوب بحبه تتخلص ... صفه صبا صب وأنى يخلص )
( صل بالصلاة جنابه تكليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ضفت الفيوض من الحبيب تفيض ... ضعفي إليه آملا يتعوض )
( ضري وضيري كله يتقوض ... ضل الذي في بابه لا ينهض )
( ضمن الحبيب لذاكريه زعيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( طوبى لمن بحبيبه يتنشط ... طابت به أحواله والمنشط )
( طال اشتياقي طيبه أتبسط ... طال الإله علي طولا يبسط )
( طوبى بمدحته يطيب نسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ظل الهدى بهداه قد يتحفظ ... ظلمات شرك قد جلت تتدلظ )
( ظلي لظل وداده يتحفظ ... ظهري ظهيري حبه أتحفظ )
( ظني به يغدو العقاب عديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( علت المعالي بالنبي وترفع ... عز علاه للذي هو يتبع )
( عمت عطاياه لكل ينفع ... عرش العظيم قد ارتقى يترفع )
( عرج الإله به إليه عليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( غوث الورى ذا المصطفى هو سابغ ... غيث الندى هو في البرايا سائغ )
( غمر الندى أقصى النهاية بالغ ... غزر الحيا شمس وبدر بازغ )
( غنما نما بالمؤمنين رحيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( فخر وذخر بالمفاخر يشرف ... فرد وحيد في العوالم أشرف )
( فتح الوجود وكل كون مردف ... فاز الفقير بلطفه يتلطف )
( فاح النسيم من الحبيب جسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( قسم الإله بعمره فيفوق ... قسمت وجوه الحسن منه فيسبق )
( قمر وشمس نوره متألق ... قمن بذكراه الدعاء معلق )
( قطب لدائرة الوجود كريما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( كتب الإله ثناءه ما يدرك ... كتب اسمه قرب اسمه يتبرك )
( كل الكمال له به يستدرك ... كنه الكمالات التي لا تدرك )
( كيف كفى در الثناء يتيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( لمعات نور محمد هي تخجل ... للشمس والبدر المنير فتخمل )
( لذات ذكر محمد هي أكمل ... لذوي الحوائج لائذ متكفل )
( لذ خذ بجد منك تلف حكيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( من مثله في العالمين معظم ... من مثله في العالمين مكرم )
( من للإله لدى اللقاء يكلم ... منحا حباه منه قد يتعلم )
( من الإله لديه صار عميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( نور له في آدم يتبين ... نقلا إلى آبائه يتعين )
( نأي العوالم إذ أتى متعين ... نار المجوس تخمدت تتهون )
( نعماه جمت إذ تعم كريما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( وجه به كل الوجوه إليه هو ... وجه الوجاه بكله يتوجهوا )
( ووجاهه وجه المرام فوجهوا ... وجه إليك نبينا فتوجهوا )
( وجه إلينا نظرة تكريما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( هو مصطفى عند الإله الأوجه ... هاد لنا وبوجهه من أوجه )
( ها إنه وجهي لهذا أوجه ... هيه هنيئا وجهه بالأوجه )
( هام الفؤاد بحبه تتييما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( لا مثل للمختار أعلى من علا ... لاجيه ناج قد نجا كل البلى )
( لاذ الصفي به يتوب فأقبلا ... لاقى النبي محمد أن يقبلا )
( لازم محبا للحبيب نديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( يا أكرم الخلق الذي هو ملجئي ... يأتي محمد العفيفي الذي )
( يده يمد إليك مرتجيا وفي ... يقن بصفوته الصفي ويكتفي )
( يمنا لذكرك يبتدي تختيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
وله أيضا رضي الله تعالى عنه قصيدة أخرى على طريقة هذه وقد نظمها بعدها نفع الله تعالى بنيته وبلغه غاية قصده وأمنيته وهي هذه
( أحسن بطلعة أحمد هي أضوأ ... أعلن بلمعته العوالم تملأ )
( أزين به لما أتى يتلألأ ... أبين بآيات له فتنبأ )
( الله قدمه بها تقديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( بدأ الإله بنوره فيعقب ... بدء الذي بالمصطفى يتقلب )
( فيه لذي الحاجات إذ يتطلب ... بدء بذكراه به يستوهب )
( بل هو إلى الأرب انتفع تعميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( تلت العلامات التي هي تثبت ... تب العدا تبا وعنه تتبت )
( تمت له الآيات فيك تبكت ... توراة موسى ناطقا هي تنعت )
( توقيع حاجات صفوا تسليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ثبت الكمال له ومنه يورث ... ثبت الورى لو لم تكن لا تحدث )
( ثبت بذكرى المصطفى يتحنث ... ثبت الذي بجنابه يتشبث )
( ثبت بذكر قد تراه قديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( جاء العوالم نوره يتبلج ... جاد العوالم بحره يتموج )
( جاز السموات العلا يتعرج ... جاب الجميع بسامه يتفرج )
( جار له جارى له تنعيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( حار العقول لمدحه إذ يمدح ... حيا الحياء بريه يستروح )
( حي له فضل به يسترجح ... حي له حامى حمى فتروح )
( حي الحمى الحامي تصير سليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( خلق له كل به يتشمخ ... خلق له بالنقص لا يتلطخ )
( خلق له أحسن به هو أبذخ ... خلق يحق له الثناء الأرسخ )
( خلق إلهي بذاك تميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( دار الحبيب أحق ما يتعمد ... دارت بها كل السعادة تسعد )
( دانت أهاليها بما هو يرشد ... دار بحسنى طيبة لا تبعد )
( دارك سكونا بالسكون مقيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ذكر الحبيب محمد هو ينقذ ... ذكر لما ينسي رسولا ينفذ )
( ذكر الإله ثناؤه ويلذذ ... ذكراه تنفع سامعا يتلذذ )
( ذيل النبي خذ اعتصم تعظيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( رب الورى سبحانه هو أكبر ... رب النبي محمد فيكبر )
( رب الرؤوف حبيبه فيدبر ... ربي اصطفاه من الورى فأكبر )
( رب ارتجاء للمنى تدويما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( زان العوالم إذ أتاها يبرز ... زاد الإله عروجه فيبرز )
( زادت معاليه عروجا ينشز ... زاد لأخرى حبه يتحرز )
( زعم الشفاعة ذاكريه زعيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ساد الجميع إذا أتى هو أنفس ... سار السموات العلا يستأنس )
( سأل الإله وزاد ما يتنافس ... سامي ذراه للمحب تؤنس )
( سارع إلى ذاك الذرا تخييما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( شرف لأمته به يتفايش ... شرق لآشرق شرقه يتفرش )
( شرقا وغربا فيه عقل يدهش ... شوقا إليه قد إليه أجهش )
( شكرا على النعمى تزيد نعيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صفة له ذات له هو أخلص ... صفة عن الشيء الذي يتنقص )
( صفة له حارت عقول تفحص ... صفة شريعته النقائص تخلص )
( صفة له وبربه لتديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ضاع المديح لأحمد يتروض ... ضاع الذي عن ذكره هو يعرض )
( ضاف حباه كفه ليفضفض ... ضاف بذكراه المنى يتعرض )
( ضاعف له الآمال صله مديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( طال العوالم إذ أتى هو يقسط ... طابت مدائحه فطاب المغبط )
( طالت به النعمى وطاب المنشط ... طام له بحر الألى يتنشط )
( طالب مطالب كلها تتميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( ظهر النبي ورب أحمد يلحظ ... ظهر لأمته ظهير ملحظ )
( ظهروا على الأمم أفتخار ملحظ ... ظل له ظلوا به يتحفظوا )
( ظلت الظلال إذا ذكرت نديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( عد المحاسن للنبي يستتبع ... عد له آياته تتنوع )
( عداه مولاه إليه فيطلع ... عد لذكراه غداة يشفع )
( عد باب من بالمؤمنين رحيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( غزرت له الآيات هن نوابغ ... غزر الحيا عز الورى هو سائغ )
( غمر الردا بحرالندى يترفغ ... غمر البلاد بذكره يستفرغ )
( غمر بذكراه الفؤاد وسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( فاض الجمال وفاض منه يوسف ... فاز المحب بذكره لا يوسف )
( فاضت عليه فيوضه يتزلف ... فاش له الآيات لا يتلكف )
( فاد له كل بهم تقديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( قمر بدا من أفقه هو فائق ... قمر يجاب بذكره ويعلق )
( فمقام كل الأنبياء وسائق ... فمقام جود عم كلا يرفق )
( قم بابه مستنجحا ومقيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( كلا به فتح الوجود ويدرك ... كل الكمالات احتوى لا يشرك )
( كل اللسان عن البيان ويمسك ... كلىء الذي بجنابه يتمسك )
( كل مرتجاك إليه ثق تكريما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( لمحمد هو مصطفى ومؤمل ... لمحمدبن محمد ما يأمل )
( لمحت عليه بروقه يتحمل ... لمعان نور وداده يستكمل )
( لم لا أصيب من الحبيب شميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( من مثل ذاك المصطفى يتعظم ... من كل وجه للكمال ليعظم )
( من علينا من إله أعظم ... منه العروج إليه وهو يعظم )
( من كان للرب العظيم كليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( نور الإله حبيبه يتمكن ... نادى الإله حبيبه يتمكن )
( نال نوالا شرحه لا يمكن ... ناد له طوبى لمن يتمكن )
( نادى الحبيب بذكره تكليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( والله مثل محمد لا يشبه ... والله مولاه العوالم كيف هو )
( وجه الوجود بذاته وبه له ... وجه علا وبوجهه فتوجهوا )
( وجدوا وجاد من النجاة مقيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( هو أكمل من كل وجه أوجه ... هو ذا الحبيب القلب منه أوجه )
( فأولى طيبه وأوجه ... هول من الأرض المكثر أوجه )
( هانا بنار الشوق صرت سقيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( لا ريب لا مثل له والله لا ... لاحت له الآيات عرشا قد علا )
( لاقى ارتقاء ربه فتوصلا ... لاج به نال المنى إلى الألا )
( لازم لباب جنابه تقسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( يا أكرما كل إليه يلتجي ... يأتي محمدك العفيفي الذي )
( يقنا توسل بالصفي ويحتذي ... يده إليك يمد فقرا ترتجي )
( يمن افتتاح باسمه تختيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
قلت وإنماأثبت هاتين القصيدتين في جملة ما سردته وإن كان فيهما من التكلف ما لايخفى لأوجه أحدها أن صاحبهما من الصالحين يسلم له ويتبرك بكلامه ومن اعترض على مثله يخشى عليه من تسديد السهام لملامه الثاني أنهما مدح للنبي وعليه من الله أزكى صلاته وأتم سلامه الثالث أن المراد جمع ما وقفت عليه في البحر والروي والمعنى

لأن بعضا من العلماء ذكر لي أنه لم يطلع في ذلك إلا على قصيدة ابن الجنان فأحببت أن أتعرض لتعريفه بهذا العدد وإعلامه على أن القصد الأعظم ما هو إلا التلذذ بذكر أمداح المصطفى خصوصا المقتبس فيها قوله تعالى ( صلوا عليه وسلموا تسليما )
وقد كنت نويت أن أؤلف في ذلك بالخصوص كتابا أسميه روضة التعليم في ذكر الصلاة والتسليم على من خصه الله تعالى بالإسراء والمعاينة والتكليم والله تعالى المسؤول في التيسير فلنزد عليه يسير
ومن ذلك هذا التسديس الذي وجدته في كتاب درر الدرر للشيخ الإمام أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر العطار الجزائري من جزائر بني مزغنة وهي المشهورة الآن بالجزائر
( أنوار أحمد حسنها يتلألأ ... المصطفى بحلى الكمال يحلأ )
( الشمس تخجل وهو منها أضوأ ... النور منه مقسم ومجزأ )
( قد زان ذاك النور إبراهيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على المسك الفتيق الأطيب ... صلوا على الورد المعين الأعذب )
( صلوا على نور ثوى في يثرب ... صلوا عليه بمشرق وبمغرب )
( ما زال في الرسل الكرام كريما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على زهر الكمال النابت ... صلوا على طود البهاء الثابت )
( صلوا على من فاق نعت الناعت ... خير الورى من ناطق أو صامت )
( وأعزهم نفسا وأطهر خيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( صلوا على طيب يفوح ويمكث ... صلوا على من عهده لا ينكث )
( صلوا على من بالهدى يتحدث ... عنه المعارف والحقائق تورث )
( أضحى يعلمنا الهدى تعليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من نوره يتبلج ... صلوا على من عرفه يتأرج )
( للحضرة العلياء ليلا يعرج ... صلوا على من حاز مجدا يبهج )
( وبها على العرش المجيد مقيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على البدر المنير اللائح ... صلوا على صبح الرشاد الواضح )
( صلوا على المسك الذكي الفائح ... صلوا على الهادي النبي الناصح )
( الرشد فهم والهدى تفهيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من شرعه لا ينسخ ... صلوا على من عهده لا يفسخ )
( صلوا على من بالثناء يضمخ ... علياؤه عليا الكمال تؤرخ )
( نال المفاخر والكمال قديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على الهادي لأعذب مورد ... صلوا على خير الأنام الأوحد )
( صلوا على بدر التمام الأسعد ... بمحمد فزنا ومن كمحمد )
( الله عظم قدره تعظيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من بالنبوة ينفذ ... صلوا عليه فللسعادة يجبذ )
( صلوا على من حبه لا ينبذ ... أبصارنا طرا بأحمد لوذ )
( في موقف ينسي الحميم حميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على البدر المنير الزاهر ... صلوا على الروض البهي الناضر )
( صلوا على بحر العلوم الزاخر ... صلوا على المسك الفتيق العاطر )
( وتنعموا بصلاتكم تنعيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

صلوا على نور يلوح ويبرز ... صلوا على مسك يفوح ويحرز )
( بمحمد حلل الكمال تطرز ... ولمجده درر السيادة تفرز )
( قد نظمت لكماله تنظيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من بالبهاء يخطط ... صلوا على ورد بمسك يخلط )
( للمصطفى بسط الكرامة تبسط ... وله يواقيت السناء تقسط )
( وبنوره أضحى الزمان وسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من بالمهابة يلحظ ... صلوا على من بالنبوة يلحظ )
( صلوا على من بالهداية يلفظ ... لعصاته نار الجحيم تغيظ )
( ورضاه هب لنا وطاب نسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من قدره لا يدرك ... صلوا على من باسمه يتبرك )
( صلوا على من حبه لا يترك ... صلوا على من للهدى يتحرك )
( وبه تحلى ظاعنا ومقيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على البدر المنير الأكمل ... صلوا على الروض البهحي الأجمل )
( صلوا على الهادي النبي الأحفل ... المصطفى الأرقى لأنزه محفل )
( فيه تقدم وحده تقديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على زهر أنيق باسم ... صلوا على عرف ذكي ناسم )
( صلوا عليه فهو بدر مواسم ... من جوده نلنا بخير مقاسم )
( أنواره قد تممت تتميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( صلوا على من بالنبوة زينا ... صلوا على من بالكمال تمكنا )
( صلوا على هاد أبان وبينا ... بمحمد فزنا بإدراك المنى )
( للخلق أرسل رحمة ورحيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من بالكمال يخصص ... صلوا على من نوره لا ينقص )
( صلوا عليه على الدوام وأخلصوا ... ظل ضفا بالأمن لا يتقلص )
( شمل الورى طرا وطاب عميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على صبح تبلج بالرضى ... وقضى على ليل الضلالة فانقضى )
( صلوا على من بالنجاة تعرضا ... صبح تذهب نوره وتفضضا )
( وعلا وخيم ضوءه تخييما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على البدر المنير الساطع ... صلوا على الروض الأنيق اليانع )
( صلوا على الصبح المنير اللامع ... صلوا على المسك الفتيق الذائع )
( ووقاه في وهج الهجير مغيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على النور الأعم السابغ ... صلوا على البدر الأتم البازغ )
( صلوا على المسك الذكي البالغ ... صلوا على الورد المعين السائغ )
( للواردين به غدا تتميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من بالتقرب يوصف ... صلوا على من بالمحبة يعرف )
( صلوا على من بالعلا يتشرف ... صلوا عليه به الكمال يزخرف )
( المجد فخم ذكره تفخيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على مسك يطيب لناشق ... صلوا على الروض الأنيق الرائق )
( إشراقه بمغارب ومشارق ... صلوا على البدر الأتم الفائق )
( باد تنسم حسنه تنسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )

( صلوا على الدر النفيس الأنفس ... صلوا عليه فهو روض الأنفس )
( صلوا عليه فهو زين المجلس ... ومنى الجليس ونزهة المتأنس )
( راق النفوس شذا وطاب شميما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على المختار أفضل من مشى ... صلوا على النور الذي قد أدهشا )
( بمحمد عرف القرنفل قد فشا ... ورد لظمآن إليه تعطشا )
( يبري الضنى أبدا ويروي الهيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على الهادي النبي الأنزه ... بدر التمام وروضة المتنزه )
( في فضله كل الشهادة تنتهي ... أبدا بلثم ثراه فخر الأوجه )
( في حبه أضحى الغرام غريما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على نور بطيبة قد ثوى ... فعلا وفاض على البسيطة واحتوى )
( صلوا عليه فليس ينطق عن هوى ... صلوا عليه فهو ينجي من هوى )
( في موقف يذر السليم سليما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على نور تلألأ واعتلى ... صلوا على صبح مبين يجتلى )
( صلوا على مسك يخالط مندلا ... صلوا على در تزان به الحلى )
( وبه المعالي خيمت تخييما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
( صلوا على من نال مجدا عاليا ... وسما وحاز مفاخرا ومعاليا )
( صلوا على نور تبدى حاليا ... وبمدحه الرحمن زين حاليا )
( وإذا سما المخدوم زان خديما ... صلوا عليه وسلموا تسليما )
وقد توارد في بعض هذا التسديس مع بعض بيوت القصيدة السابقة التي أولها

( يا أمة الهادي المبارك أحمد ... )
حسبما يعرفه المتأمل والذي في ظني أن صاحب يا أمة الهادي متأخر عن ابن العطار فهو الذي أخذ منه والله سبحانه أعلم
وتوارد أيضا في عدة أبيات مع تخميس الكاتب أبي العباس ابن جمال الدين المتقدم ذكره وأوله
( الله زاد محمدا تعظيما ... )
وهما على منوال واحد غير أن ذلك تخميس وهذا تسديس وابن جمال الدين أقدم من ابن العطار تاريخا فيحتمل أن يكون ألم بكلام ابن جمال الدين أو ذاك من توارد الخاطر
ورأيت في هذا الكتاب تسديسا آخر لم يرتبه على حروف المعجم وجعل روي الشطرين الأخيرين حرف اللام فأحببت ذكره هنا زيادة في التبرك بمدح المصطفى عليه أجل الصلاة والسلام وهو
( نور النبي المصطفى المختار ... أربت محاسنه على الأنوار )
( مرآه يخجل بهجة الأقمار ... نور ينجي من عذاب النار )
( قد زان ذاك النور إسماعيلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )
( صلوا على البدر المنير المشرق ... صلوا عليه بمغرب وبمشرق )
( صلوا على غصن الكمال المروق ... بالمصطفى المختار برق الأبرق )
( يهدي غراما للنفوس دخيلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )
( صلوا على من قد تناهى فخره ... صلوا على من قد تعاظم قدره )
( صلوا على من قد تأرج نشره ... صلوا على من قد تناسق دره )
( عقد السناء لمجده إكليلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )

( صلوا على خير الأنام المرسل ... صلوا على البدر المعين السلسل )
( صلوا على أسنى سنا المتوسل ... صلوا على نورالهدى المسترسل )
( ظل علينا لا يزال ظليلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )
( صلوا على النور الأتم الأكبر ... صلوا على من فاق عرف العنبر )
( صلوا عليه فهو أصدق مخبر ... كم زان ذكر المصطفى من منبر )
( وأراح من داء الضلال عليلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )
( صلوا على النور الأتم الأنور ... صلوا على من فاق كل مبشر )
( صلوا عليه هديتم من معشر ... صلوا على بدر يرى في المحشر )
( حاز الجمال فلا يزال جميلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )
( صلوا على النور البهي المغرب ... صلوا عليه بمشرق وبمغرب )
( صلوا على الورد الشهي المشرب ... بالفكر يشرب ويح من لم يشرب )
( منه وينقع بالورود غليلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )
( صلوا على من فخره لا ينكر ... صلوا على من في النجاة يفكر )
( صلوا على من بالنبوة يذكر ... صلوا على من بالهداية يشكر )
( شكرا على مر الزمان حفيلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )
( صلوا على من بالسيادة قد سما ... صلوا على من في الكمال تقسما )
( صلوا على صبح بدا متبسما ... صلوا على طيب سرى وتنسما )
( وغدا وراح معطرا وبليلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )
( صلوا على مسك يخالط عنبرا ... صلوا عليه سرى وفاح وما انبرى )
( صلوا عليه حوى الكمال الأكبرا ... لبس الجمال مطرزا ومحبرا )
( وبذاك قد خص الجليل جليلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )

( صلوا على من بالنبوة توجا ... صلوا على صبح بدا وتبلجا )
( صلوا عليه لقد أضاء وأبهجا ... ومحا برونق نوره ظلم الدجى )
( نور يعود الطرف منه كليلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )
( صلوا على نور تبلج لائحا ... صلوا على نور تبرج واضحا )
( صلوا على مسك تأرج فائحا ... وبطيبه ملأ الوجود روائحا )
( وبحبه يستوجب التبجيلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )
( صلوا على من نوره ملأ الفضا ... صلوا عليه لقد أضاء وما انقضى )
( صلوا على من خص حقا بالرضى ... لنجاتنا خير الأنام تعرضا )
( وهدى إلى نيل الرشاد سبيلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )
( صلوا على بدر يدوم كماله ... باق على مر الزمان جماله )
( صلوا على من قد تعاظم حاله ... ودنا إلى ورد الرضى ترحاله )
( وإلى الورود به أجد رحيلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )
( صلوا بأجمعكم على شمس الهدى ... صلوا على بدر يزين المشهدا )
( صلوا عليه فمن رآه تشهدا ... صلوا عليه به الرشاد تمهدا )
( أرضى النزيل وبين التنزيلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )
( صلوا على من قد تأثل مجده ... فسما به غور الحجاز ونجده )
( ما زهره لولاه أو ما ورده ... بالمصطفى المختار يعذب ورده )
( في تربه ما أعذب التقبيلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )
( صلوا على محبوبنا مطلوبنا ... صلوا عليه فهو روض قلوبنا )
( صلوا عليه فهو عطر جيوبنا ... صلوا على مطلوبنا محبوبنا )
( لا نرتضي عن حبه تبديلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )

( صلوا على خير الأنام الأطهر ... صلوا على النور الأتم الأزهر )
( صلوا على الصبح المنير الأشهر ... صلوا عليه باتصال الأشهر )
( الله فضلنا به تفضيلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )
( صلوا على من قد تناهى في العلا ... صلوا على من كان أكمل أجملا )
( صلوا على در تزان به الحلى ... المجد ألبسه الكمال مكملا )
( والله كمل مجده تكميلا ... صلوا عليه بكرة وأصيلا )
وأظن أني رأيت بعض هذه القصيدة في كتاب العروسي المغربي وهو متأخر
قصائد ومقطعات في مدح الرسول
ومن قصائد هذا الكتاب قصيدة صرح فيها بابن المغربي وهي
( أهدت لنا طيب الروائح يثرب ... فهبوبها عند التنسيم يطرب )
( رقت فرق من الصبابة والأسى ... قلب بنيران البعاد يعذب )
( شوقا إلى أسنى نبي حبه ... يحلو على مر الزمان ويعذب )
( المصطفى أعلى البرية منصبا ... قد جل في العلياء ذاك المنصب )
( فزنا به بين الأنام بديمة ... أبدا علينا بالأماني تسكب )
( حاز السيادة والكمال محمد ... فإليه أشتات المحامد تنسب )
( محبوبنا ونبينا وشفيعنا ... يدني إلى ورد الرضى ويقرب )
( بضيائه الملتاح أشرق مشرق ... وبنوره الوضاح أغرب مغرب )
( وبه وردنا الأمن عذبا صافيا ... وبه ترقى في المعالي يشجب )

( صبح الهدى أنواره بنبينا ... صبحا تروق الناظرين وتعجب )
( إن طابت الأنفاس من زهر الربى ... رياه أذكى في النفوس وأطيب )
( صيرت أمداح النبي المصطفى ... لي مذهبا يا حبذاك المذهب )
( فعلي من أمداح أحمد خلعة ... موشية ولها طراز مذهب )
( وبمدحه شمس الرضى طلعت على ... أفقي تضيء ونورها لا يغرب )
( أترى يبشرني البشير بقربه ... وأبث أشواق الفؤاد وأندب )
( ويقال لي بشراك قد نلت المنى ... يا مغربي إلى متى تتغرب )
( هذا مقر الوحي هذا المصطفى ... هذا الذي أنواره لا تحجب )
( رد ورد طيبة واشف من ألم النوى ... قلبا على جمر الأسى يتقلب )
( كم ذا التواني عن زيارة مورد ... عذب المقام به ولذ المشرب )
( منا السلام على النبي محمد ... ما أسفرت شمس وأشرق كوكب )
وقد سمي هذا الكتاب بنظم الدرر في مدح سيد البشر والورد العذب المعين في مولد سيد الخلق أجمعين وليس هو بابن العطار المشرقي الذي كان معاصرا لابن حجة الحموي فإن ذلك متأخر عن هذا وهذا مغربي وذاك مشرقي فلم يتفقا لا في زمان ولا في مكان سوى اشتراكهما في الشهرة بابن العطار
ووجدت على ظهر أول ورقة من بعد تسميته السابقة ما صورته مما أنشأه الشيخ الفقيه القاضي العدل الأديب البارع أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد ابن أبي بكر بن يوسف العطار رواية العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن أحمد ابن الأمين الأقشهري قرات هذا الكتاب وقصائده على حروف المعجم وقصيدتين غيرها على ناظمها القاضي المذكور قراءة ضبط وتصحيح ورواية مقابلة

بأصله بموضع الحكم في مدينة الجزائر من أقصى إفريقية حرست في دول متفرقة وآخرها يوم الثلاثاء لليلة بقيت من ذي القعدة أواخر عام سبعة وسبعمائة ونص ما كتب على نص قراءتي عليه صحيح ذلك وكتبه محمد بن عبد الله ابن محمد بن محمد بن العطار والحمد لله رب العاليمن انتهى
ورأيت أثر ما تقدم بخط الأقشهري ما صورته سمع من لفظي جميع نظم الدرر في نسب سيد البشر لجامعه القاضي المذكور أعلاه القاضي شمس الدين محمد ابن المرحوم عبدالمنعم الشيبي وولده أبو محمد عبد الدائم وابن أخيه أبو محمد عبدالباقي بن تاج الدين بن حفص بن أبي بكر البوري وغيرهم نحو سماعي قراءة مني على مؤلفه ابي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن أبي بكر العطار سنة سبع وسبعمائة قاله راسمه الأقشهري انتهى
ومن قصائد هذا الكتاب قوله
( أبدا تشوقك أو تروقك يثرب ... فإلى متى يقصيك عنها المغرب )
( هي جنة في النفس يعذب ذكرها ... والقرب منها والتداني أعذب )
( المسك معترف بأن نسيمها ... أسمى وأسرى في النفوس وأطيب )
( والعنبر الوردي دان لطيبها ... منه التعطر والتأرج يطلب )
( جيش الصبابة شن غارات الأسى ... من بعدها فالصبر منها ينهب )
( والشوق يثنينا إليها كلما ... وقف الحمام على الأراكة يخطب )
( حتى النسيم إذا سرى من ربعها ... يثني من الروض الغصون ويطرب )
( حيا فأحيا المستهام بطيبه ... فنفوسنا بهبوبه تتطيب )
( يا حبذا في ربع طيبة وقفة ... بين الركائب والمدامع تسكب )

( حتى يرق للوعتي وصبابتي ... ودموع عيني كل من يتغرب )
( شوقا لمن زان الوجود وحبه ... يدني إلى رب الرضى ويقرب )
( ساد الأنام المصطفى بكماله ... فإليه أجناس السيادة تنسب )
( بالنور زان حلى علا آياته ... وبحسن ذاك النور أعرب معرب )
( الشمس يغرب نورها وضياؤها ... أبدا ونور المصطفى لا يغرب )
( الله أرسله إلينا رحمة ... فبجاهه عنا الرضى لا يحجب )
( بمحمد فزنا بإدراك المنى ... فالوقت طاب لنا وطاب المشرب )
( خير الورى محبوبنا ونبينا ... حزنا به الجاه الذي لا يسلب )
( روض النفوس محمد ونعيمها ... وبه يفضض حليها ويذهب )
( شرف تقادم قبل آدم عهده ... للنور أطناب عليه تطنب )
( منا عليه مدى الزمان تحية ... يثني عليها المندلي ويطنب )
ومنها قوله رحمه الله تعالى
( طلعت وقارنا البهاء بدور ... أبدا على قطب السعود تدور )
( من نور أحمد يستمد ضياؤها ... وبهاؤها يا حبذاك النور )
( ويزيد ذاك النور حسنا فائقا ... يوم القيامة والأنام حضور )
( محبوبنا أسمى البرية منصبا ... يوم النشور لواؤه منشور )
( فزنا بخيرالعالمين محمد ... وجرى بوفق مرادنا المقدور )
( لاحت لنا أنواره فزماننا ... نور وأنس دائم وسرور )
( بالمصطفى المختار قابلنا الرضى ... بين الأنام فسعينا مشكور )
( الله فضله على كل الورى ... فهو الحبيب وفضله مشهور )
( القرب خصصه وعظم قدره ... فسما ببهجة نوره ناحور )
( خير النبيين الكرام نبينا ... بالنور في العرش اسمه مسطور )

( يا صاحبي نداء صب مغرم ... قلبي بحب المصطفى معمور )
( عوجا علي بوقفة وبعطفة ... إني على ألم الفراق صبور )
( إن لم أزر بالجسم قبر المصطفى ... فالقلب من بعدالمزار يزور )
( نيران قلبي بالبعاد توقدت ... ومدامعي خدي بها ممطور )
( فمن الفراق الحتم نيران لها ... لهب ومن فيض الدموع بحور )
( فمتى أفوز بوقفة في طيبة ... والقلب مني فارح مسرور )
( ويقال لي إنزل بأكرم منزل ... وابشر فأنت على النوى منصور )
( إن جاد دهري بالوصول لطيبة ... بعد المطال فذنبه مغفور )
( هي جنة من حلها نال المنى ... وسما وساد وصافحته الحور )
( حتى النسيم إذا سرى من نحوها ... يصبو إليه المسك والكافور )
ومنها قوله رحمه الله تعالى
( أما النسيم فقد حياك عاطره ... وبارق المنحنى أحياك ماطره )
( خاطر بروحك في نيل الوصال فكم ... من نازح نال طيب الوصل خاطره )
( زهر الربى باسم تندى كمائمه ... رق النسيم بها إذ راق ناظره )
( ما حل روض المنى الغض الجنى دنف ... فاستضحكت فيه من عجب أزاهره )
( والنهر أبرز للبدر الأتم حلى ... والبدر طرز ماء النهر زاهره )
( والغصن تلعب أنفاس الرياح به ... والطل قد نثرت منه جواهره )
( والليل قد رقمت بالشهب حلته ... والبرق يبسم في الظلماء ساهره )
( والنور محض جنى فوق الندى درر ... وعقدها زين الأغصان دائره )
( وملبس الروض قد زانته خضرته ... والليل بالفجر قد شابت غدائره )
( والصبح سل على جيش الظلام ظبى ... وعندما سلها ولت عساكره )

( للزهر سر وعرف الروض فاضحه ... والمسك إن فض لا تخفى سرائره )
( هل زار طيبة ذاك العرف حين سرى ... فتربها أبدا مسك يخامره )
( طابت بطيب رسول الله فهي به ... سمت وراقت بمن فاقت مفاخره )
( به معد تسامى للعلا وبه ... حاز المكارم واعتزت عشائره )
( أسنى النبيين قدره نوره أبدا ... يزيد حسنا على الأقمار باهره )
( وأفضل الخلق من عرب ومن عجم ... أربت على الرمل أضعافا مآثره )
( إن كان للرسل عقد وهو آخرهم ... نظما فقد زان عقد الرسل آخره )
( روض من الحلم غض راق منظره ... بحر من العلم عذب فاض زاخره )
( إن جاد صاح بلقياه الزمان فمل ... إلى مقام حبيب أنت زائره )
( وصف له حال صب مغرم دنف ... رام الدنو فأقصته جرائره )
( واذكر هناك بعيد الدار غربه ... غرب فما غائب من أنت ذاكره )
( أهدى السلام بلا حد ولا أمد ... إلى محل رسول الله عامره )
ومنه قوله رحمه الله تعالى
( أمنزلنا جادت ثراك السحائب ... وإلا فجادته الدموع السواكب )
( ووشاك وسمي الغمام بدره ... وحلى محلا حل فيه الحبائب )
( وحبا نسيم الريح بالجزع آنسا ... فما عاب ذاك الأنس بالجزع عائب )
( فيا عهدنا بالخيف هل أنت عائد ... ويا أنسنا بالجزع هل أنت آيب )
( وهل راجع عصر الشباب الذي انقضى ... وقد شيبت سود الشعورالشوائب )
( وهيهات أن يقضى لنا برجوعه ... كما كان غصنا مورقا وهو ذاهب )
( وقد سلب الدهر المفرق أنسنا ... وأودى به والدهر للأنس سالب )
( فما وهب الإيناس إلا مغالطا ... وأي بخيل للنفائس واهب )
( أطالب أيام العقيق بعودة ... وقد عز مطلوب له أنا طالب )
( فيا صاحبي كن مسعدي في صبابتي ... وإلا فما أنت الصديق المصاحب )

( إذا ما بدا برق الحجاز فأدمعي ... تفيض إلى الوراد منها المشارب )
( أعاتب أيام البعاد وقلما ... يبرد حر الشوق بالعتب عاتب )
( وأبخل بالصبر الجميل وإنه ... لينهبه من وارد البين ناهب )
( ولما بدت أعلام طيبة قصرت ... من الشوق ما قد طولته السباسب )
( وقفنا وسلمنا وفاضت دموعنا ... وحنت إلى ذاك الجناب الركائب )
( نزلنا وقبلنا من الشوق تربها ... وطابت بذاك الترب منا الترائب )
( فللعين من تلك المعاهد نزهة ... وللقلب في تلك الرسوم مآرب )
( حوت سيد الرسل الذي جل قدره ... له في مقام القرب تقضى المطالب )
( به غالب حاز المفاخر سالفا ... ولا شرف إلا الذي حاز غالب )
( بهادي الورى طرا مناصبه سمت ... وراقت بخير الرسل تلك المناصب )
( محمد الهادي بإشراق نوره ... تمزق من ليل الضلال غياهب )
( ترقى إلى السبع الطباق وما بدا ... له في ترقيه من الحجب حاجب )
( وخاطبه في حضرة القدس ربه ... وأدناه في حال الخطاب المخاطب )
( نبي بدت أنواره وتلألأت ... فمنها تضيء النيرات الثواقب )
( لقد أشرقت شمس النهار بنوره ... وبدر الدجى لما بدا والكواكب )
( أعلل قلبي بالوصول لقبره ... وإن غبت ما قلبي وحقك غائب )
( وإني أناديه وإن كنت نازحا ... نداء غريب غربته المغارب )
( إذا كنت لي يا سيد الرسل شافعا ... فما أنا من نيل السعادة خائب )
( بمدحك يا من جل قدرا وحظوة ... وجاها وتمكينا تنال المواهب )
( فيا معشر الأحباب إن نبينا ... إلى فوزنا داع وساع وخاطب )
( إلا فاذكروه كل حين وسلموا ... عليه بذاك الذكر تسم المراتب )
( وقوموا على أقدامكم عند ذكره ... فذلك في شرع المحبة واجب )

ومنها قوله رحمه الله تعالى
( شمس الهدى وضحت بأشرف مرسل ... ودحت دجى ليل الضلال المسبل )
( من وجه عبد الله كان ظهورها ... للخلق طرا في ربيع الأول )
( خلعت على الآفاق أشرف ملبس ... وبدت فأي دجنة لم تنجل )
( فالنيران المشرقان كلاهما ... للمصطفى اعترفا بعجز مجمل )
( فالشمس لما أن بدت أنواره ... أومت إليه بالسلام الأحفل )
( والبدر قابله بحسن كامل ... فانشق للبدر الأتم الأكمل )
( ولليلة الإسراء أجمل منظر ... بجمال إسراء الحبيب الأجمل )
( فضلت على الأيام من شرف لما ... حازته من شرف النبي الأفضل )
( وبدا بها نور النبي المصطفى ... وبدت لن نار الكليم المصطلي )
( إذ جاءه الروح الأمين مسلما ... ومبشرا بورود أعذب منهل )
( فسرى إلى أسنى محل وارتقى ... والجفن منه بنومه لم يكحل )
( رفعت له حجب الجلال بأسرها ... فرأى جلالا لم يكن بممثل )
( حتى انتهى الروح الأمين لحده ... وبحيث يذهل عقل من لم يذهل )
( ناداه لما أن ترقى وحده ... لك يا محمد ذا التقرب ليس لي )
( ارقا إلى الأفق المبين مشاهدا ... واترك حظوظك بالحضيض الأسفل )
( واسعد بزورة من تعاظم ملكه ... واصعد إلى عرش الحبيب الأول )
( فسما فشاهد حضرة القدس التي ... سبحاتها تغشى حجى المتأمل )
( وبدا الكمال له ونودي مقبلا ... أهلا وسهلا بالحبيب المقبل )
( أنت المراد لسرنا ولوحينا ... أقبل إلينا يا محمد تقبل )
( والبس بحضرة قدسنا خلع الرضى ... منا وجر الذيل منها وارفل )
( ولك الوسيلة يا محمد عندنا ... وبها نجيب وسيلة المتوسل )
( فاحكم بما يوحى إليك من الهدى ... وانزل بأنوار الكتاب المنزل )

( فيه شفاء للصدور فبرؤها ... بمفصل منه وغير مفصل )
( يا نفس هل تشفيك زورة طيبة ... فرسومها برء لكل مقبل )
( ولى زمانك في التصابي والمنى ... فدعي التصابي والأماني وارحلي )
( يا قلب روعات الجوى هل تنقضي ... عني ولوعات الجوى هل تنجلي )
( وأزور قبر الهاشمي محمد ... قبل الرحيل وقبل عذل العذل )
( إني وإن بخل الزمان بقربه ... فبلوعتي وبدمعتي لم أبخل )
( أسقي الثرى تسكابها فمعينها ... يهمي ونار صبابتي ما تأتلي )
( لهفي على بعد المزار متى أرى ... يقضي الزمان بقرب ذاك المنزل )
( ومتى أبشر بالمنى ويقال لي ... هذا مقر الوحي دونك فانزل )
( وتهب تلقائي نواسم طيبة ... إني أجود بها إليك وحق لي )
( فلقد بليت بلوعة وبدمعة ... وهبوبك الأزكى شفاء المبتلي )
( خيلت قربك برء داء صبابتي ... ضن البعاد به فطال تخيلي )
( شوقا إلى خير الأنام بأسرهم ... سؤلي وأسنى مقصدي ومؤملي )
( فيه أنا متوسل في مقصدي ... أسنى التوسل بالرسول المرسل )
( وبجاهه عند الأنام مآربي ... ووسائلي تقضى وإن لم أسأل )
( وبه الأماني قد حللن بساحتي ... وحوادث الحدثان صرن بمعزل )
( بشراك نفسي فالأماني أعجلت ... نحوي تبشرني بخير معجل )
( بمديحه أضحى الزمان مسالمي ... تندى أسرة وجهه المتهلل )
( فبه إلهي قد رجوتك راغبا ... دون الأنام فباب جودك موئلي )
( وإليك ربي رغبتي وتوسلي ... وعليك في كل الأمور توكلي )
وثبت في آخر هذا الكتاب ما صورته قال محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن يوسف بن العطار نفعه الله تعالى بالعلم كان الفراغ من إكمال هذا الفصل وإتمامه حسب نثره ونظامه ضحوة يوم الجمعة الثاني من

شعبان المكرم سنة ست وتسعين وستمائة ما عدا اربع قصائد اشتمل عليها فإنها تقدمت على إنشائه أودعتها فيه والله سبحانه المستعان وذلك بمدينة الجزائر جزائر بني مزغنة من أقصى إفريقية من أرض متيجة صانها الله تعالى انتهى
وثبت في آخره بخط بعض الأكابر ما نصه تأليف الفقيه العالم الأديب البارع أبي عبدالله محمد بن العطار الجزائري انتهى
وهو كتاب نفيس جمع فيه بين حسن النظم والنثر فالله تعالى يجازى صاحبه أفضل الجزاء بمنه وكرمه
ولا بأس أن نورد هنا من كلام أهل الأندلس بعض الأمداح النبوية زيادة على ما ذكر هنا فنقول قال العارف بالله تعالى ابن العريف في كتاب مطالع الأنوار ومنابع الأسرار
( وحقك يا محمد إن قلبي ... يحبك قربة نحو الإله )
( جرت أمواه حبك في فؤادي ... فهام القلب في طيب المياه )
( فصرت أرى الأمور بعين حق ... وكنت أرى الأمور بعين ساهي )
( إذ شغف الفؤاد به ودادا ... فهل ينهاه عن ذكراه ناهي )
( يهيم بذكره ويحن شوقا ... حنين المستهام إلى الملاهي )
( يخامره ارتياح منه حتى ... يقول أولو الجهالة ذاك لاهي )
( وما هو حق فضل قد رآه ... فصار يجد في طلب الملاهي )
( فسوف ينال في الدنيا سرورا ... وفي الدار الأخيرة كل جاه )
( ويعطى ما تمنى من أمان ... كما قد حب محبوب الإله )
وقال أيضا رحمه الله تعالى
( يا عاذلي في طلابي ... دعني من العذل دعني )
( سأعمل العيس شوقا ... بالعزم دون التأني )

( إلى ضريح رسول ... مصدق حسن ظني )
( أشدو على كل فج ... حين الحمام يغني )
( يا أطهر الخلق إني ... بذلتي عبد قن )
( فأعتق اليوم رقي ... وانظر بعطفك مني )
( فأنت أنت ملاذي ... إياك إياك أعني4 )
( إن غبت عن عين جسمي ... ما غبت عن عين ذهني )
( لولاك كنا أناسا ... أشر من كل جن )
( فإذا بعثت رسولا ... فخير فضل ومن )
( لله خالص شكري ... عساه يصفح عني )
( فإنني عبد سوء ... قلبت ظهر المجن )
وقال في خاتمة ذلك الكتاب
( صلى الإله على النبي الهادي ... ما لاذت الأرواح بالأجساد )
( صلى عليه الله ما اسود الدجى ... فكسا محيا الأفق برد حداد )
( صلى عليه الله ما انبلج السنا ... فابيض وجه الأرض بعد سواد )
( صلى عليه الله ما همع الحيا ... فسقى البلاد برائح أوغادي )
( صلى عليه الله ما هفت الصبا ... وشدا على فنن الأراكة شادي )
( صلى عليه الله ما ألف الكرى ... جفن فخامره لذيذ رقاد )
( صلى على المختار أحمد ربه ... ما استمسكت نار بطي زناد )
( صلى على خير الأنام محمد ... من خصه بالنور والإرشاد )
( صلى الإله على رسول حاشر ... حشر الأنام لديه في الميعاد )
( صلى الإله على رسول عاقب ... في الدهر وهوبفضله كالهادي )

( صلى الإله على رسول خاتم ... ختم النبوة بالكتاب الهادي )
( صلى الإله على المقفى ما اقتفى ... بشر نبوته بغير عناد )
( صلى على ماحي الضلال إلهه ... ما غردت طير على الأعواد )
( صلى الإله على رسول فاتح ... فتح الظلام بنوره الوقاد )
( صلى الإله على نبي راحم ... بالملة الغراء بعد فساد )
( صلى الإله على نبي طالع ... رحم الإله به من الإبعاد )
( صلى الإله على نبي طالع ... بملاحم قصمت فؤاد العادي )
( صلى عليه الله فهو نبيه ... ناداه بالإرشاد خير مناد )
( صلى عليه الله فهو رسوله أعطاه راية عزمة ورشاد )
( صلى عليه الله فهو خليله ... أسدى إليه منه كل سداد )
( صلى عليه الله فهو صفيه ... صفى سريرته من الأحقاد )
( صلى عليه الله فهو وليه ... والاه في الإصدار والإيراد )
( صلى عليه الله فهو المصطفى ... من كل حضار العباد وبادي )
( صلى عليه الله فهو المجتبى ... يجبى إليه الخيردون نفاد )
( صلى عليه الله فهو المنتقى ... نور الزمان وواحد الآحاد )
( صلى عليه من براه مطهرا ... واختاره طودا من الأطواد )
( صلى عليه من براه بفضله ... وأعاده حيا لغير معاد )
( صلى عليه من أراه جلاله ... وأناله من ذاك كل مراد )
( صلى عليه من أحل فؤاده ... في ظل عرش ثابت الأوتاد )
( صلى عليه من غذاه بنعمة ... فتضاعفت كتضاعف الأعداد )
( صلى عليه من كساه عوارفا ... واختصه منه بخير أياد )
وقال الشيخ أبو عبد الله ابن عمران مادحا لرسول الله

مرتبا على حروف المعجم باصطلاح أهل المغرب كما تقدم
( ألف أيا خير البرية هذي ... مدحي وما أنا في مقالي هاذي )
( باء بها أظهرت صدق محبتي ... وبذلك الجاه الكريم لياذي )
( تاء تخذت وسيلة ما حكته ... وجعلته يوم المعاد عياذي )
( ثاء ثنائي ليس يحصر فضلك ال ... زاهي ولا يحويه باستحواذ )
( جيم جلالك جل طور فخاره ... عن شبه مثل أو لحاق محاذي )
( حاء حبيت بمعجزات ذكرها ... يولي ذوي الإيمان كل لذاذ )
( خاء خصصت بها بفضل عناية ... منها لجأت إلى أجل ملاذ )
( دال دحضت بحقه مستقريا ... إبطال زور مشعوذ ملاذ )
( ذال ذراع الشاة أفصح مخبرا ... عما يحاذر ضره بنفاذ )
( راء رميت عصائبا قد ألبوا ... فعموا ولما ينصروا بلواذ )
( زاي زعيم بالوجاهة أنت إذ ... كل بجاهك عاذ كل عياذ )
( طاء طلابهم لديك شفاعة ... فيها بذذت الجمع أي بذاذ )
( ظاء ظماؤهم بحوضك سوغوا ... ريا كأن به مذاقة ماذي )
( كاف كفلت بما تلته والضحى ... لجماعة الجارين باستنقاذ )
( لام لدعوتك المجابة أسبلت ... ثروات هتان الحيا بهماذ )
( ميم معين يديك إذ غلب الظما ... أروى الورى من توأم وفذاذ )
( نون نجارك أصله متخير ... من بطن ذات علا وأطهر حاذي )
( صاد صعدت ذرا لموقف زلفة ... ترك السعود مقطع الأفلاذ )
( ضاد ضويت إلى جلال كافل ... لك بالرضى در الجلالة غاذ )
( عين علا ذكر افتخارك وارتقى ... عن غمز مغتاب وزور الباذي )
( غين غمام قد علاك مظللا ... يمشي بمشيك دائما ويحاذي )

( فاء فصاحتك البليغة أعجزت ... للقوم من قربى ومن شذاذ )
( قاف قواعد صرح كسرى زلزت ... لولادة أوهت قوى ابن قباذ )
( سين سبقت بكل فضل يغتدي ... جفن المعالي منه ليس بقاذ )
( شين شأوت مفاخرا كل الورى ... وتركتهم غرقى بلجة آذي )
( هاء هتفت على تنائي شقتي ... بعلاك هذي ما نحلتك هذي )
( واو ولو أني استطعت لسابقت ... قلمي خطا قدمي بالإغذاذ )
( لا لاأكيف قدر شوق باعث ... لعزائمي مستنهض شحاذ )
( ياء يمينا لو قدرت إذن لما ... أخرت سعي مبادر حذحاذ )
( دامت عليك صلاة ربك ما همت ... ديم بوبل هاطل ورذاذ )
رجع إلى الكاتب ابي عبد الله ابن الجنان الأندلسي
قال تقبل الله تعالى منه يمدح النبي
( يا من تقدس عن أن ... يحيط وصف بذاته )
( ومن تعالى جلالا ... عن مشبه في صفاته )
( ومن قبول ثنائي ... إليه أسنى هباته )
( صلى على من تبدى ... نور الهدى من سماته )
( ومن علا الفخر لما ... نمى إلى معلواته )
( محمد خير هاد ... بحلمه وأناته )
( محمد خير داع ... بالصدق من كلماته )
( محمد خير مبد ... لنا سنا معجزاته )
( أكرم به من نبي ... همت سما مكرماته )
( أعزز به من رسول ... سمت علا درجاته )
( وخصه الله منه ... بالفضل من تكرماته )

( لما حباه بأوفى ... صلاته في صلاته )
وقال
( يا رب بلغ سلامي ... لأحمد ذي الشفاعه )
( لخاتم الرسل أعني ... إمام تلك الجماعه )
( لأبهر الخلق مجدا ... يحكي الصباح نصاعه )
( لمن صفات علاه ... تعجز أهل البراعه )
( لسيد لسناه ... يزهى السنا واليراعه )
( لمرشد بهداه ... قد فاز عبد أطاعه )
( شمس النبوة معط ... شمس السماء شعاعه )
( وناظم الحسن نظما ... قد ضم منه شعاعه )
( وسر سرك يا من ... أرى العيون اطلاعه )
( ومن حبا بذكاء ... خلاله وطباعه )
( ومد في كل فضل ... لصفوة الرسل باعه )
( فزده يا رب فخرا ... وزد محبيه طاعه )
وقال أيضا غيره
( لقد رفع الإله عن البرايا ... ببعث محمد محن الصروف )
( أتى والناس في الآفاق نهب ... لسمر الخط أو بيض السيوف )
( فأنقذهم ولولاه لكانوا ... لقى بين الضلالة والحتوف )
( نبي لا يغل عليه إلا ... سخيف العقل ذو رأي مؤوف )
( كأغمار اليهود أو النصارى ... أو الفلكي أو كالفيلسوف )
( فبعض للتجاهل والتعامي ... وبعض للتحير والوقوف )
( زعانف لا يهلك لها رواء ... فإن الجهل مائحة الظروف )

( إذا جارى بمختل ضعيف ... فإن صحاحنا فوق الألوف )
( فبرهان النبوة مستفيض ... ندل به على رغم الأنوف )
( شفوف الرسل متضح ولكن ... لأحمد الشفوف على الشفوف )
( حروف الخط أصل للمعاني ... وللألف التقدم للحروف )
وما أحسن قول القائل رحمه الله تعالى
( لولا النبي محمد ... هلك الورى في سوء حاله )
( أعلى الورى قدرا واكرمهم ... وأظهرهم دلاله )
( ختم الإله به النبوة ... والطهارة والرساله )
( واختصه دون البرية ... بالمكانة والجلاله )
( بدر الرسالة والصحابة ... حول ذاك البدر هاله )
( قذف الحصى في أعين ال ... فاعتنقوا الجداله )
( وتدرعوا ثوب الكآ ... بة بعد إظهار الجزاله )
( فأضخ إلى أنبائه ... تعلم بأن المنتهى له )
( وإذا ابتغيت وسيلة ... ومدحته ومدحت آله )
( فاقطع بأنك آمن ... يوم القيامة لا محاله )
وقال أبو القاسم سعدبن محمد رحمه الله تعالى
( أطلق لسانك بالصلاة على ال ... نبي الأبطحي الهاشمي محمد )
( واجعل شعارك ذاك تنج به غدا ... إن النجاة بذكر يوم للغد )
ولأبي اليمن ابن عساكر رحمه الله تعالى

( يا رب صل على النبي وآله ... صلواتنا ما دامت الأيام )
( واخصص ختوم سلامنا بجنابه ... كالمسك يعبق فض عنه ختام )
( واحرس شريعته وأوضح سبلها ... تبدو بها للسالك الأعلام )
( وأدم كرامته وأعل مناره ... وأنله ألى ما لديك يرام )
( وارفع له الدرجات في رتب العلا ... فهو الذي للمرشدين إمام )
( وأقمه بين يديك زلفى موقف ... للحمد ما لسواه فيه مقام )
( وأنل شفاعته وأورد حوضه ... من لو أتاه منه أوام )
( يشتاقه ويعوقه علق به ... لزمانه وزمانة وسقام )
( فبه إليه غلة ما تشتفي ... إلا بلقياه وعز مرام )
( وله عليه في الأصائل والضحى ... تهدى إليه تحية وسلام )
( وبه إلى تقبيل موطىء نعله ... وجد له بين الضلوع أوام )
وله أيضا رحمه الله تعالى
( ألا إن الصلاة على الرسول ... شفاء للقلوب من الغليل )
( فصل عليه إن الله صلى ... عليه ولا تكونن بالبخيل )
( وصل عليه قد صلت عليه ... ملائكة السماء بجبرئيل )
( إلا إن الصلاة عليه نور ... لدى الظلمات في اليوم المهول )
( وتثقيل لميزان خفيف ... وتخفيف من الوزر الثقيل )
( إذا صليت صلى الله عشرا ... بواحدة عليك على الرسول )
( وتخظى بالشفاعة يوم تضحى ... وما لك من مقيل أو منيل )
( فأكثر أو أقل فأنت تجزى ... بذلك من كثير أو قليل )
( فصل عليه تجز جزاء ضعف ... وتجز مضاعف الأجر الجزيل )
( وأولى الناس أكثرهم صلاة ... عليه به وأحرى بالقبول )

( وأنجاهم من الأهوال عبد ... بها لهج بدل قال وقيل )
( فكن لهجا بذكراه حفيا ... بلقياه ومنصبه الجليل )
( وصل صلاة مشتاق إليه ... وداو بذكره سقم العليل )
( وصل مدى الزمان على رسول ... كريم مصطفى بر وصول )
( وصل على حبيب فاق فضلا ... مدى شأو الكليم مع الخليل )
( صلى الله أفضل من يصلي ... عليه في الصباح مع الأصيل )
( وآتاه الوسيلة مستجيبا ... وبلغه نهاية كل سول )
( وأزلفه وشفعه ليأوي ... إليه الناس في ظل ظليل )
( وأطد شرعه وحمى حماه ... وأيده بواضحة الدليل )
( وشرفه ولم يبرح شريفا ... فيجمع جملة المجد الأثيل )
( وزاد محبه شرفا وفخرا ... بتفضيل وتنويل جزيل )
( وزاد علاه منه بطول عمر ... قصي من مواهبه طويل )
( وأوردنا عليه الحوض وفدا ... لنروى بالروى من سلسبيل ) وله رحمه الله تعالى
( أدم الصلاة على النبي المصطفى ... تخلص بذاك من الجحيم ونارها )
( وتول إقبال عليها كلما ... هتف المؤذن مشعرا بشعارها )
( فالفخر أجمعه له فتلقه ... من نوبة الأسحار فوق منارها )
فهذه عدة قصائد في مدحه أرجو من الله سبحانه أن تكون مكفرة لما ارتكبته على وجه الفخر والشهرة من الهزل واللغو فإن ذلك والله قول لا فعل له وإنما هو على نهج أهل الأدب كالحافظ شيخ الإسلام ابن حجر

وغير واحد ممن ألف في الأدب وجمعه
ولا بأس أن نعززها بمقطوعات تكون للتكفير زيادة وحق لمن توسل بسيد الوجود أن لا تضيع وسائله وكيف وهو صاحب المقام المحمود والشفاعة والسيادة فمنها قول ابن الجنان المذكور آنفا رحمه الله تعالى
( إلى أحمد المختار نهدي تحية ... تفاوح روض الحزن بلله المزن )
( إذا نافحت مغناه زاد تأرجا ... وإن لثمت يمناه قابله اليمن )
( أسير أشواقي رسولا بعرفها ... لتسعدها منه العوارف والمن )
( وأرجو لديه الفضل فهو منيله ... وما خاب لي فيه الرجاء ولا الظن )
( عليه اعتمادي حين لا لي حيلة ... إليه استنادي حين ينبو بي الركن )
( به وثقت نفسي الضعيفة بعدما ... أضر بها من ضعف قوتها الوهن )
( إليه صلاتي قد بعثت مشفعا ... سلاما به الإحسان ينساق والحسن )
وقوله رحمه الله تعالى
( أيذهب يوم لم أكفر ذنوبه ... بذكر شفيع في الذنوب مشفع )
( ولم أقض في حق الصلاة فريضة ... على ذي مقام في الحساب مرفع )
( أرجي لديه النفع في صدق حبه ... ومن يرتج المختار لا شك ينفع )
( وأهدي إلى مثواه مني تحية ... إذا قصدت باب الرضى لم تدفع )
وقوله رحمه الله تعالى
( يا أرحم الخلق يوم الحشر والندم ... ارحم عبيدك يا ذا الطول والنعم )
( إني توسلت بالمختار ملجأنا ... الطاهر المجتبى من خيرة الأمم )
( إليك من سيئاتي إنها عظمت ... يا واحدا لم يزل فردا ولم يتم )
( عليه منه صلاة كلما طلعت ... شمس وما خط في الأوراق بالقلم )

( فهو الشفيع الذي أرجو النجاة به ... من الجحيم إذ الكفار كالحمم )
وقوله أيضا رحمه الله تعالى
( بحبيب القلوب معتمد الخل ... ق أبي القاسم النبي الشفيع )
( قد تشفعت من ذنوبي إلى ذي ال ... الواحد العلي السميع )
( فاشفع اشفع يا خاتم الرسل يوم ال ... والمشهد العظيم الفظيع )
( لظلوم لنفسه قد تناهى ... في الخطايا وكل فعل شنيع )
( فإذا ما تذكر الذنب فاضت ... مقلتاه واغرورقت بالدموع )
( لا تخيب رجاءه إنه من ... ربه خائف كثير الخشوع )
( وعليك الصلاة بدءا وعودا ... ما أضاءت ذكاء عند الطلوع )
وقوله أيضا عفا الله تعالى عنه
( يا رب إن شفيعي من ذنوبي في ... يوم القيامة خير الخلق والنسم )
( محمد خاتم الرسل المبلغ لل ... دين الحنيفي والإسلام للأمم )
( عليه مني صلاة كلما سجع ال ... فوق غصون البان والسلم )
( وبعد ذلك أعداد الجبال ورم ... الأرض والطير والحيتان والنعم )
( كذاك أيضا سلامي طيب عطر ... عليه ما قام عبد في دجى الظلم )
( لله وهو كئيب خائف وجل ... من الذنوب حزين القلب ذو ألم )
وقول الشيخ الإمام أبي زيد الفازازي رحمه الله تعالى
( كملت بنعت محمد خير الورى ... غرر القصائد كلها وحجولها )
( واختص دون الأنبياء بدعوة ... وسع العباد عمومها وشمولها )
( فاضت على الثقلين منه أشعة ... طلعت وما عقب الطلوع أفولها )
( فالإنس تعلم أنه مقصودها ... والجن توقن أنه مأمولها )

( كم آية بالصدق كان ظهورها ... كم آبة بالسبق كان نزولها )
( وكفاك هذا الوحي فهو شهادة ... لمحمد لزم العباد قبولها )
( جمع الإله المكرمات لأمة ... هذا النبي الهاشمي رسولها )
وقوله رحمه الله تعالى
( أي نور كشف الله به ... سدف الباطل عنا أجمعين )
( ختم الله به أنواره ... عندما أكمل سن الأربعين )
( وأتانا بدليل بين ... عجزت عنه دواعي المدعين )
( فهو للناس جميعا مرشد ... وهو بالله تعالى مستعين )
( تركت دعوته وهو الرضى ... سائر الخلق إليها مهطعين )
( فأعد أنباءه فهو منى ... أنفس القائل والمستعين )
( والذي يهدى إلى شرعته ... فهو مجاج من العذب المعين )
( والذي يرغب عن سنته ... فهو من شيعة إبليس اللعين )
وقوله وهو كما قبله لزومي
( أصخ فلخير العالمين مناقب ... تدل على التمكين والشرف الأسرى )
( أتى والورى أسرى فكان غياثهم ... بنور سماء ينقلوه عن الإسرا )
( وعفى رسوم الكافرين وأهلها ... فلا قيصر من بعد ذاك ولا كسرى )
( تقدم كل العالمين إلى مدى ... تظل به الأوهام ظالعة حسرى )
( وخص بتشريف على الناس كلهم ... ومن لم يقل هذا تقوله قسرا )
( ترقى إلى السبع الطباق ترقيا ... حقيقا ولم يعبر سفينا ولا جسرا )
( وبالجسم أسرى الله وهو دلالة ... يمحلها من لا ييسر لليسرى )
( فسبحان من أسرى إليه بعبده ... وبورك في الساري وبورك في المسرى )
( وكم عجب أوحى إلى عبده به ... فدونك تجميلا و لاتطلب الفسرا )

وقوله رحمه الله تعالى
( هاك عن هذا النبي المصطفى ... خبرا يقبله من سمعه )
( سبحت صم الحصى في كفه ... ثم في كف الهداة الأربعه )
( وإذا أبدى نبي عبرة ... فهو لا ينكر فيمن تبعه )
( أي نطق قد روى إعجازه ... عن سماع كل من كان معه )
( حجج الرسل التي قد سلفت ... أصبحت في أحمد مجتمعه )
( فاعتقد صحتها واعمل بها ... فدعاوى ضدها منقطعه )
( ممكنات العقل لا يجحدها ... غير أهل الطبع والمبتدعه )
وقوله رحمه الله تعالى
( إذا أملت من مولاك قربا ... فجدد ذكر خير الأنبياء )
( وصل عليه أول كل قول ... وآخره بصبح والمساء )
( فإن محمدا أعلى البرايا ... محلا في السيادة والعلاء )
( لواء الحمد في يمنى يديه ... وكل الناس من دون اللواء )
( فحدث عن دلائله ففيها ... شفاء للنهى من كل داء )
( ولست بناقل للعشر منها ... وهل تفنى الزواخر بالدلاء )
( فقل للسامعين قفوا فهذا ... محال ليس يحصر بانتهاء )
( براهين البسيطة ليس تحصى ... فدونكم براهين السماء )
وقوله رحمه الله تعالى
( أما يمين محمد ... ويساره فهما سماء )
( كلتاهما إن صوح ال ... لنا طعم وماء )
( وإذا أضر بنا السقا ... م وغيره فهما شفاء )

( فاعجب لكف في الورى ... فيها عن المزن اكتفاء )
( فاقطع بأن محمدا ... في الخلق ليس له كفاء )
( فإذا أصخت لآية ... فالنور فيها والضياء )
( هذا الصباح الهاشم ... بدا فليس به خفاء )
( فالأرض قدح فتحت بمب ... وفتحت السماء )
( سبق القضاء بسبقه ... والله يفعل ما يشاء )
وقوله رحمه الله تعالى
( بركات رسل الله غير خفية ... ومحمد خير البرية أبرك )
( هذا النبي الهاشمي هو الذي ... هدي الأنام به وبان المسلك )
( كم آية لمحمد كم حجة ... عز الولي بها وذل المشرك )
( دعواته مسموعة مرفوعة ... والحس ليس يصح فيه تشكك )
( لا شيء أعجب من دليل واضح ... يحيا به بعض وبعض يهلك )
( أمسك بحبل محمد خير الورى ... تظفر بقصدك أيها المستمسك )
( وإذا عجبت لغاية في رفعة ... فمحل أحمد غاية لا تدرك )
وقوله رحمه الله تعالى
( قبح الإله الملحدين ... فإنهم جحدوا الضروره )
( والمعجزات تواترت ... عن أحمد في كل صوره )
( والله أعلى كعبه ... في خلقه وأم نوره )
( كثر الطعام مع الشرا ... ب بكفه عند الضروره )
( وتكنفته عناية ... من ربه أعلت أموره )
( نادى البرية فالقلو ... ب إلى إجابته مصوره )

( وحمى الشريعة بالدلي ... فدع معاندها وزوره )
( قل للمشكك حين يب ... دي في تشككه قصوره )
( بيني وبينكم الكتا ... ب فدونكم فأتوا بسوره )
وقال رحمه الله تعالى
( إذا بهرت للهاشمي دلالة ... فكم حجج في طيها ودلائل )
( فكم مرة آتى الغنى كف سائل ... وكم مرة أعطى المنى فكر سائل )
( له تحت أستار الغيوب شهادة ... معدلة لم تبق قولا لقائل )
( يحدث عما كان أو هو كائن ... فقس آخرا من صدقه بالأوائل )
( إذا الصدق لم يعوزك في غدواته ... فلا شك في تصديقه بالأصائل )
( وحسبك في الأنباء بالغيب أنه ... ستسمعها بالنقل من قول قائل )
وقوله رحمه الله تعالى
( يا ذا المعنى بهذا الذكر تسمعه ... في المدح تأثره في سيد الناس )
( هذا النبي ومن آيات أثرته ... في الطيب والطول لا تجري بمقياس )
( قد انقضت معجزات الغيب وافية ... صحيحة باستفاضات وإحساس )
( وهاك نوعا من الإعجاز منتزها ... عن نقد منتقد أو صفح قرطاس )
( لا نعدم النقل عن آثار سيدنا ... فإنما نحن فيها بين أعراس )
( تنقل الأنف في النور ينشقه ... من ياسمين إلى ورد إلى آس )
( إن القلوب إذا أعتلت خواطرها ... فذكر أحمد فيها المبرىء الآسي )
وقوله رحمه الله تعالى
( تأدب إذا ذكر المصطفى ... بصمت اللسان وغض البصر )
( فإن التأدب عند السماع ... يفهم في النطق أو في النظر )

( وردد أحاديثها إنها ... دليل على صدق خير البشر )
( وصل عليه مدى ذكره ... فذلك أفضل ما يدخر )
( ولا تسترب في براهينه ... فتسلك مسلك قوم أخر )
( فكم آية ظهرت للنبي ... وكم أثر عنده قد ظهر )
( ومن شك في نور برهانه ... على أن برهانه قد بهر )
( فكبر على عقله أربعا ... وقل فوق طورك هذا الخبر )
وقوله رحمه الله تعالى
( اعمل بآثار النب ... ي فإنها النور المبين )
( واقبل نصيحتها ففي ... ها العز والشرف المكين )
( واشدد يمينك بالشري ... إنها السبب المتين )
( خير البرية أحمد ... والحق يصحبه اليقين )
( ذو قوة عند الإل ... ه مقرب منه مكين )
( زان النبيون الورى ... ومحمد لهم مزين )
( هاد إلى طرق النجا ... ة مؤيد فيها أمين )
( والهج بمدح الهاشم ... ي فإنه الحصن الحصين )
( ولئن فعلت فلن تفو ... تك بعد ذا دنيا ودين )
وهذه تسديس جعلته للكتاب مسك الختام
( وللناس أعمال فخير وضده ... وما يحسن الأعمال غير الخواتم )
وإلا فالأمداح النبوية بحر لا ساحل له وفيها النثر والنظام زاده الله شرفا وحباه أفضل الصلاة وأزكى السلام
وهذا القصيدة من نظم الفقيه الأجل أبي الحجاج يوسف بن موسى المنتشاقري الأندلسي نفعه الله تعالى بنيته وبلغه غاية أمنيته وترتيبها على

حروف المعجم باصطلاح أهل المغرب فيما عدا الروي فإنه على حرف الميم وكذا آخر الشطر الذي قبله فإنه ميم أيضا وهذا نصه بحروفه ما عدا حرف الواو فإني لم أجده وكملته على منواله
( حل في طيبة رسول كريم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( صفوة الخلق خاتم الأنبياء ... مرشد الناس للطريق السواء )
( والعماد الملاذ في اللأواء ... وشفيع العصاة يوم الجزاء )
( يوم يبدو لديه جاه عظيم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( أذهب الغي نوره والغياهب ... فاضاءت مشارق ومغارب )
( وغدا الحق غالبا للأكاذب ... وبدت منه للأنام عجائب )
( صدق أقواله بها معلوم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( لبراهين صدقه معجزات ... حيثما حل حلت البركات )
( وسمت أربع به وجهات ... فبه قد تعرفت عرفات )
( وبه تاه زمزم والحطيم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( لم يزل هاديا صدوق الحديث ... ووفيا بالعهد غيرنكوث )
( ومجيبا لدعوة المستغيث ... وكريما نداه فوق الغيوث )
( ويداه بالجود جود سجوم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( بهج الحق أوضح الابتهاج ... سيد نوره أضاء الدياجي )
( خصه الله ليلة المعراج ... باصطفاء ورفعة ونتاج )
( وبتكليمه له التكريم ... فعليه الصلاة والتسليم )

( مصطفى مجتبى كريم صفوح ... للنبيين جاهه ممنوح )
( فلإكرامه أجير الذبيح ... ونجا آدم وخلص نوح )
( وكذاك الخليل إبراهيم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( كل دين بدينه منسوخ ... فسوى ما قضى به مفسوخ )
( لهداه بكل قلب رسوخ ... فالورى مادح له ومصيخ )
( كلهم في هوى النبي يهيم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( بعثه كان رحمة للعباد ... دلهم بالهدى طريق الرشاد )
( ونفى كل باطل وعناد ... ودعا للإله دعوة هادي )
( فإذا الحق واضح مستقيم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( أمه بالشكاة ظبي أخيذ ... مستجيرا بجاهه يستعيذ )
( وبه كانت الوحوش تلوذ ... وله خاطب الذراع الحنيذ )
( لا تذقني فإنني مسموم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( أشبع الجيش والطعام يسير ... ودعا نخلة فجاءت تسير ... وهمى من يديه عذب نمير ... وله البدر شق وهو منير )
( معجزات تحار فيها الفهوم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( حجب النور في السموات جازا ... فاحتوى الفضل والعلاء وحازا )
( فبه في غد ننال المفازا ... وكفى أمة الرسول اعتزازا )
( أن تمنى يكون منها كليم ... فعليه الصلاة والتسليم )

( إنما الحكم منه عدل وقسط ... لم يجر في القضاء والحكم قط )
( حبه في بلوغ قصدي شرط ... وبأمداحه ذنوبي تحط )
( ويزول العنا وتجلى الهموم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( قد حمى ديننا برعي ولحظ ... ونفى روعنا بأمن وحفظ )
( وحبانا بما لدى الرب يحظي ... هاديا راحما لنا غير فظ )
( مثل ما نصه الكتاب الكريم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( نور برهانه جلا كل شرك ... وهداه أجار من كل هلك )
( أخير العالمين من غير شك ... فلكم رامه العداة بشك )
( وهو في كل حالة معصوم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( ما لخير الأنام منهم عديل ... إنه مجتبى نبي رسول )
( ما عسى مادح الشفيع يقول ... وبأمداحه أتى التنزيل )
( وثناه خلاله مرسوم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( نحن لولا اتباعه لشقينا ... نور برهانه أرانا يقينا )
( وغدا ما نخاف منه يقينا ... وكؤوسا بحوضه قد سقينا )
( من رحيق مزاجه مختوم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( أحمد عند ربه ذو اختصاص ... جاهه كامل بغير انتقاص )
( عدة للمسيء يوم القصاص ... وشفيع لكل جاه وعاصي )
( يوم يجفو الحميم فيه الحميم ... فعليه الصلاة والتسليم )

( بيديه حوائج الكل تقضى ... ويجازي الذي أجاز وأمضى )
( وينادي الحبيب أنت المرضى ... سوف نعطيك ما تحب وترضى )
( فتحكم يمضى لك التحكيم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( فاق بالمولد السعيد ربيع ... إن فيه بدا الجلال الرفيع )
( من هو الذخر والعماد المنيع ... فملاذ للمذنبين شفيع )
( ورؤوف بالمؤمنين رحيم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( أفصح الناس في حديث وأبلغ ... بين الوحي للأنام وبلغ )
( طيب الحل قد أباح وسوغ ... ولكم نعمة من الله سوغ )
( فلإحسانه علينا عميم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( كان بالحق والهدى معروفا ... أجود الناس بالندى موصوفا )
( شرف الله قدره تشريفا ... هاديا مرشدا رسولا شريفا )
( مجده في العلاء مجد صميم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( وجهه بالبها أضاء وأشرق ... مجده في صميمه الأصل أعرق )
( مس في كفه قضيبا فأورق ... باصبع قد أشار للبدر فانشق )
( ثم قد عاد وهو بدر سليم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( جاءه الوحي أنت خير الناس ... بلغ الأمر لا تخف من باس )
( وخذ العفو للأنام وواس ... واحمهم من مكايد الوسواس )

( فعليك البلاغ والتعليم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( كان في الله أثبت الناس جاشا ... ليس من غيره يخاف ويخشى )
( فبكف من الحصى فل جيشا ... وعيون العداة بالتراب أعشى )
( فنجا المصطفى وخاب الظلوم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( قد سما قدره بغير تناهي ... وعلا جاهه على كل جاه )
( آمر بالتقى عن الشر ناهي ... من يطعه ينل ثواب الإله )
( وله عنده النعيم المقيم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( عمدة الخلق للمفاخر حاوي ... بحماه يلوذ كل وياوي )
( مبلغ المعتفي الذي هو ناوي ... كيف يحصي ثناء أحمد راوي )
( وعليه أثنى الكتاب الحكيم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( حسنه كالصباح بل هو أجلى ... وندى كفه من الشهد أحلى )
( واعتلا قدره من السبع أعلى ... مدحه في الكتاب ما زال يتلى )
( فله الفخر والثناء العظيم ... فعليه الصلاة والتسليم )
( خصه الله من رسول نبي ... في جميع الورى بقدر علي )
( وحباه منه بنور بهي ... فهدى الخلق للصراط السوي )
( وصراط الهدى سوي قويم ... فعليه الصلاة والتسليم )
خاتمة الكتاب
قال مؤلف هذا الكتاب العبد الفقير أحمد بن محمد المقري المالكي وفقه الله تعالى إلى حسن المتاب وحباه الدخول في زمرة من رفع عنهم بشفاعة المصطفى

الإصر والعتاب هذا آخر ما سمح به الخاضر الكليل من هذا المقصد الجليل الذي يكون إلى ما وراءه من الطرف الأدبية خير دليل ووضعته والقلب حليف شجن وغربة والفكر أليف حزن وكربة وأنا أسأل الله تعالى الذي لا يرجى سواه أن يجعل بناءه ثابتا بحسن النية حيث البناء الذي فيه حظ النفس واه وأن يكون ما جلبته فيه من الهزل بالجد المذكور فيه مكفرا وأن ينفع به من وجه إليه وجهته فإني قد جمعت فيه ما يندرجمعه في غيره وكل الصيد في جوف الفرا
( يا من عليه اتكالي ... ومن إليه متابي )
( جد لي بعفوك عني ... إذا أخذت كتابي )
واعلم أن هذا الكتاب معين لصاحب الشعر ولمن يعاني الإنشاء والنثر من البيان السحر وفيه من حكايات الأولياء والعلماء ما نظمت في لبة السطور منه السلوك وفيه من الوعظ والاعتبار ما لم ينكره المنصف عند الاختبار وكفاه أنه لم ير مثله في فنه فيما علمت ولا أقوله تزكية له ويعلم الله تعالى أني تبرأت من هذا العارض ومنه سلمت ولو لم يحز من الشرف إلا ختمه بهذه الأمداح النبوية الشريفة ذات الظلال الوريفة لكان كافيا شافيا وها أنا أجعل آخره تنبيها للبيب قول ابن حبيب
( يا خير مبعوث له طلعة ... نور الهدى منها أقر العيون )
( جئت إلى ناديك أرجو القرى ... من غيث كفيك المغيث الهتون )
( كن لي شفيعا فارتكاب الهوى ... أوقعني بين الشجا والشجون )
( صلى عليك الله سبحانه ... ما هزت الريح قدود الغصون )
وقول النواجي
( لقد أفرطت في حسن ابتداء ... ورمت تخلصي يوم الزحام )
( فبالمختار أرجو عفو ربي ... ليرشدني إلى حسن الختام )

وكان الفراغ منه عشية يوم الأحد المسفر صباحها عن السابع والعشرين لرمضان سنة ثمان وثلاثين وألف بالقاهرة المحروسة والحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وألحقت فيه كثيرا في السنة بعدها فيكون جميعه آخر الحجة تتمة سنة تسع وثلاثين وألف وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وص

حبه وسلم دائما أبدا إلى يوم الدين آمين

قلت المدون {تم بحمد الله} فسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته} أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالدي ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خلقت الخلق الي يوم الحساب آمين وفرج كربي ورد اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعني علي أن انفقها في سبيلك يا ربي اللهم فرج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. ورد إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّف بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ...

*اللهم واشفني شفاءا لا يغادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم      ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عقد لساني واغنني بك عمن سواك يارب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مجلد11.و12. من كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب المؤلف : ابن العديم

  11. مجلد11. من كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب المؤلف : ابن العديم ابن عبد العزى بن رباح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشي العدوي،...