بحث هذه المدونة الإلكترونية

Translate كيك520000.

السبت، 11 يونيو 2022

مجلد7. و8. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني

 مجلد7. و8. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني

7.   مجلد7. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني


وانقباضه عن زيد الخلق وعمره واستقباله الوجهة التي من ولى وجهه شطرها فقد آثر أثيرا ومن ابتاعها بمتاع الدنيا فقد نال فضلا كبيرا وخيرا كثيرا وسألنا منكم أن تبيحوا له ذلك الغرض الذي رماه بعزمه وقصر عليه أقصى همه فما أخلق مقامكم أن يفوز منه طالب الدنيا بسهمه ويحصل منه طالب الآخرة على حظه الباقي وقسمه ويتوسل الزاهد بزهده والعالم بعلمه ويعول البرئ على فضله ويثق المذنب بحلمه فوصل الجواب الكريم بمجرد الأمان وهو أرب من آراب وفائدة من جراب ووجه من وجوه إعراب فرأينا أن المطل بعد جفاء والإعادة ليس يثقلها خفاء ولمجدكم بما ضمنا عنه وفاء وبادرنا الآن إلى العزم عليه في ارتحاله وأن يكون الانتقال عن رضى منه من صفة حاله وأن يقتضي له ثمرة المقصد ويبلغ طية الإسعاف في الطريق الأقصد إذ كان الأمان لمثله ممن تعلق بجناب الله مثلكم حاصلا والدين المتين بين نفسه وبين المخافة فاصلا وطالب كيمياء السعادة بإعانتكم واصلا ولما مدت اليد في تسويغ حالة هديكم عليها أبدا يحرض وعلمكم يصرح بمزيتها فلا يعرض فكملوا أبقاكم الله ما لم تسعنا فيه مشاحة الكتاب وألحقوا بالأصل حديث هذه الإباحة فهو أصح حديث في الباب ووفوا غرضنا من مجدكم وخلوا بينه وبين مراده من ترك الأسباب وقصد غافر الذنب وقابل التوب بإخلاص المتاب والتشمير ليوم العرض وموقف الحساب وأظهروا عليه عناية الجناب الذي تعلق به أعلق الله به يدكم من جناب ومعاذ الله أن تعود شفاعتنا من لدنكم غير مكملة الاراب
وقد بعثنا من ينوب عنا في مشافهتكم بها أحمد المناب ويقتضي خلاصها بالرغبة لا بالغلاب وهما فلان وفلان ولولا الأعذار لكان في هذا الغرض إعمال الركاب يسبق أعلام الكتاب وأنتم تولون هذا القصد من مكارمكم ما يوفر الثناء الجميل ويربي على التأميل ويكتب على الود الصريح العقد وثيقة التسجيل وهو سبحانه يبقيكم لتأييد المجد الأثيل وإنالة الرفد الجزيل والسلام

الكريم يخص مقامكم الأعلى ومثابتكم الفضلى ورحمة الله تعالى وبركاته في الحادي والعشرين لجمادى الآخرة من عام سبعة وخمسين وسبعمائة انتهى كلام ابن الخطيب في الإحاطة
وذكر في الريحانة أنه كتب في هذا الغرض ما نصه
وإلى هذا فإننا وقفنا على كتابكم الكريم في شأن الشيخ الصالح الفقيه الفاضل أبي عبد الله المقري وفقنا الله وإياه لما يزلف لديه وهدانا لما يقرب إليه وما بلغكم يتقاعده بمالقة وما أشرتم به في أمره فاستوفينا جميع ما قررتم واستوعبنا ما أجملتم في ذلك وفسرتم واعلموا يا محل والدنا أمتعنا الله ببقائكم الذي في ضمنه اتصال السعادة وتعرف النعم المعادة أننا لما انصرف عن بابنا هو ومن رافقه عن انشراح صدور وتكييف جذل بما تفضلتم به وسرور تعرفنا أنه تقاعد بمالقة عن صحبه وأظهر الاشتغال بما يخلصه عنه ربه وصرف الوجه إلى التخلي مشفقا من ذنبه واحتج بأن قصده ليس له سبب ولا تعين له في الدنيا أرب وأنه عرض عليكم أن تسمحوا له فيما ذهب إليه وتقروه عليه فيعجل البدار ويمهد تحت إيالتكم القرار فلما بلغنا هذا الخبر لم يخلق الله عندنا به مبالاة تعتبر ولا أعددناه فيما يذكر فكيف فيما ينكر وقطعنا أن الأمر فيه هين وأن مثل هذا الغرض لا تلتفت إليه عين فإن بابكم غني من طبقات أولي الكمال ملي بتسويغ الآمال موفور الرجال معمور بالفقهاء العارفين بأحكام الحرام والحلال والصلحاء أولي المقامات والأحوال والأدباء فرسان الروية والارتجال ولم ينقص بفقدان الحصى أعداد الرمال ولا يستكثر بالقطرة جيش العارض المنثال مع ما علم من إعانتكم على مثل هذه الأعمال واستمساككم بإسعاف غرض من صرف وجهه إلى ذي الجلال ولو علمنا أن شيئا يهجس في الخاطر من أمر مقامه لقابلناه بعلاج سقامه
ثم لم ينشب أن تلاحق بحضرتنا بارزا في طور التقلل والتخفيف خالطا

نفسه باللفيف قد صار نكرة بعد العلمية والتعريف وسكن بعض مواضع المدرسة منقبضا عن الناس لا يظهر إلا لصلاة يشهد جماعتها ودعوة للعباد يخاف إضاعتها ثم تلاحق إرسالكم الجلة الذي تحق لمثلهم التجلة فحضروا لدينا وأدوا المخاطبة الكريمة كما ذكر إلينا وتكلمنا معهم في القضية وتنخلنا في الوجوه المرضية فلم نجد وجها أخلص من هذا الغرض ولا علاجا يتكفل ببرء المرض من إن كلفناهم الإقامة التي يتبرك بيمن جوارها ويعمل على إيثارها بخلاف ما نخاطب مقامكم بهذا الكتاب الذي مضمنه شفاعة يضمن حباؤكم احتسابها ويرعى انتماءها إلى الخلوص وانتسابها ويعيدها وقد أعملت الحظوة أثوابها ونقصدكم ومثلكم من يقصد في المهمة فأنتم المثل الذائع في عموم الحلم وعلو الهمة في أن تصدروا له مكتوبا مكمل الفصول مقرر الأصول يذهب الوجل ويرفع الخجل ويسوغ من مآربه لديكم الأمل ويخلص النية ويرتب العمل حتى يظهر ما لنا عند أبوتكم من تكميل المقاصد جريا على ما بذلتم من جميل العوائد وإذا تحصل ذلك كان بفضل الله إيابه وأناخت بعقوة وعدكم الوفي ركابه ويحصل لمقامكم عزه ومجده وثوابه وأنتم ممن يرعى أمور المجد حق الرعاية ويجري في معاملة الله تعالى على ما أسس من فضل البداية وتحقق الظنون فيما لديه من المدافعة عن حوزة الإسلام والحماية هذا ما عندنا أعجلنا به الإعلام وأعملنا فيه الأقلام بعد ان أجهدنا الاختيار وتنخلنا الكلام وجوابكم بالخير كفيل ونظركم لنا وللمسلمين جميل والله تعالى يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام انتهى
قلت هذه آفة مخالطة الملوك فإن مولاي الجد المذكور كان نزل عن القضاء وغيره فلما أراد التخلي إلى ربه لم يتركه السلطان أبو عنان كما رأيت

شيوخ المقري الجد
وقد ذكر لسان الدين رحمه الله تعالى في الإحاطة شيوخ مولانا الجد فلنذكرهم من جزء الجد الذي سماه نظم اللآلي في سلوك الأمالي ومنه اختصر لسان الدين ما في الإحاطة في ترجمة مشيخته فنقول قال مولاي الجد رحمه الله تعالى
1 2 - فممن أخذت عنه واستفدت منه علماها يعني تلمسان الشامخان وعالماها الراسخان أبو زيد عبد الرحمن وأبو موسى عيسى ابنا محمد بن عبد الله ابن الإمام وكانا قد رحلا في شبابهما من بلدهما برشك إلى تونس فأخذا بها عن ابن جماعة وابن العطار واليفرني وتلك الحلبة وأدركا المرجاني وطبقته من إعجاز المائة السابعة ثم وردا في أول المائة الثامنة تلمسان على أمير المسلمين أبي يعقوب وهو محاصر لها وفقيه حضرته يومئذ أبو الحسن علي بن يخلف التنسي وكان قد خرج إليه برسالة من صاحب تلمسان المحصورة فلم يعد وارتفع شأنه عند أبي يعقوب حتى إنه شهد جنازته ولم يشهد جنازة أحد قبله وقام على قبره وقال نعم الصاحب فقدنا اليوم حدثني الحاج الشيخ بعباد تلمسان أبو عبد الله محمد بن محمد بن مرزوق العجيسي أن أبا يعقوب طلع إلى جنازة التنسي في الخيل حوالي روضة الشيخ ابي مدين فقال كيف تتركون الخيل تصل إلى ضريح الشيخ هلا عرضتم هنالك وأشار إلى حيث المعراض الآن خشبة ففعلنا فلما قتل أبو يعقوب وخرج المحصوران أنكرا ذلك فأخبرتهما فأما أبو زيان وكان السلطان يومئذ فنزل وطأطأ رأسه ودخل

وأما أبو حمو وكان أميرا فوثب وخلفها ولما رجع الملك إلى هذين الرجلين اختصا ابني الإمام وكان أبو حمو أشد اعتناء بهما ثم بعده ابنه أبو تاشفين ثم زادت حظوتهما عند أمير المسلمين أبي الحسن إلى أن توفي أبو زيد في العشر الأوسط من رمضان عام أحد وأربعين وسبعمائة بعد وقعة طريف بأشهر فزادت مرتبة أبي موسى عند السلطان إلى أن كان من أمر السلطان بإفريقية ما كان في أول عام تسعة وأربعين وكان أبو موسى قد صدر عنه قبل الوقعة فتوجه صحبة ابنه أمير المسلمين أبي عنان إلى فاس ثم رده إلى تلمسان وقد استولى عليها عثمان بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن بن زيان فكان عنده إلى أن مات الفقيه عقب الطاعون العام
قال لي خطيب الحضرة الفاسية أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن مالك بن عبد الله الرندي لما أزمع الفقيه ومن أطلق معه على القفول إلى تلمسان بت على تشييعهم فرأيتني كأنني نظمت هذا البيت في المنام
( وعند وداع القوم ودعت سلوتي ... وقلت لها بيني فأنت المودع )
فانتهبت وهو في في فحاولت قريحتي بالزيادة عليه فلم يتيسر لي مثله
ولما استحكم ملك أبي تاشفين واستوثق رحل الفقيهان إلى المشرق في حدود العشرين وسبعمائة فلقيا علاء الدين القونوي وكان بحيث إني لما رحلت فلقيت أبا علي حسين بن حسين ببجاية قال لي إن قدرت أن لا يفوتك شيء من كلام القونوي حتى تكتب جميعه فافعل فإنه لا نظير له ولقيا أيضا جلال الدين القزويني صاحب البيان وسمعا صحيح البخاري على الحجار وقد سمعته أنا عليهما وناظرا تقي الدين بن تيمية وظهرا عليه وكان ذلك من أسباب محنته وكانت له مقالات فيما يذكر وكان شديد الإنكار على الإمام فخر الدين حدثني

شيخي العلامة أبو عبد الله الآبلي أن عبد الله بن إبراهيم الزموري أخبره أنه سمع ابن تيمة ينشد لنفسه
( محصل في أصول الدين حاصله ... من بعد تحصيله علم بلا دين )
( أصل الضلالة والإفك المبين فما ... فيه فأكثره وحي الشياطين )
قال وكان في يده قضيب فقال والله لو رأيته لضربته بهذا القضيب هكذا ثم رفعه ووضعه
وبحسبك مما طار لهذين الرجلين من الصيت بالمشرق أني لما حللت بيت المقدس وعرف به مكاني من الطلب وذلك أني قصدت قاضيه شمس الدين بن سالم ليضع لي يده على رسم أستوجب به هنالك حقا فلما أطللت عليه عرفه بي بعض من معه فقال إلي حتى جلست ثم سألني بعض الطلبة بحضرته فقال لي إنكم معشر المالكية تبيحون للشامي يمر بالمدينة أن يتعدى ميقاتها إلى الجحفة وقد قال رسول الله بعد ان عين المواقيت لأهل الآفاق هن لهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن وهذا قد مر علي ذي الحليفة وليس من أهله فيكون له فقلت له إن النبي قال من غير أهلهن أي من غير أهل المواقيت وهذا سلب كلي وإنه غير صادق على هذا الفرد ضرورة صدق نقيضه وهو الإيجاب الجزئي عليه لأنه من بعض أهل المواقيت قطعا فلما لم يتناوله النص رجعنا إلى القياس ولا شك أنه لا يلزم أحدا أن يحرم قبل ميقاته وهو يمر به لكن من ليس من أهل الجحفة لا يمر بميقاته إذا مر بالمدينة فوجب عليه الإحرام من ميقاتها بخلاف أهل الجحفة فإنها بين أيديهم وهم يمرون عليها فوقعت من نفوس أهل البلد بسبب ذلك فلما عرفت أتاني آت من أهل المغرب فقال لي تعلم أن مكانك في

نفوس أهل هذا البلد مكين وقدرك عندهم رفيع وأنا أعلم انقباضك عن ابني الإمام فإن سئلت فانتسب لهما فقد سمعت منهما وأخذت عنهما ولا تظهر العدول عنهما إلى غيرهما فتضع من قدرك فإنما أنت عند هؤلاء الناس خليفتهما ووارث علمهما وأن لا أحد فوقهما
( وليس لما تبني يد الله هادم ... )
وشهدت مجلسا بين يدي السلطان أبي تاشفين عبد الرحمن بن أبي حمو ذكر فيه أبو زيد ابن الإمام أن ابن القاسم مقلد مقيد النظر بأصول مالك ونازعه أبو موسى عمران بن موسى المشدالي وادعى أنه مطلق الاجتهاد واحتج له بمخالفته لبعض ما يرويه ويبلغه عنه لما ليس من قوله واتى من ذلك بنظائر كثيرة قال فلو تقيد بمذهبه لم يخالفه لغيره فاستظهر أبو زيد بنص لشرف الدين التلمساني مثل فيه الاجتهاد المخصوص باجتهاد ابن القاسم بالنظر إلى مذهب مالك والمزني إلى الشافعي فقال عمران هذا مثال والمثال لا تلزم صحته فصاح به أبو موسى ابن الإمام وقال لأبي عبد الله ابن أبي عمرو تكلم فقال لا أعرف ما قال هذا الفقيه الذي أذكره من كلام أهل العلم أنه لا يلزم من فساد المثال فساد الممثل فقال أبو موسى للسلطان هذا كلام أصولي محقق فقلت لهما وأنا يومئذ حديث السن ما أنصفتما الرجل فإن المثل كما تؤخذ على جهة التحقيق كذلك تؤخذ على طريق التقريب ومن ثم جاء ما قاله هذا الشيخ أعني ابن أبي عمرو وكيف لا وهذا سيبويه يقول وهذا مثال ولا يتكلم به فإذا صح أن المثال قد يكون تقريبا فلا يلزم صحة المثال ولا فساد الممثل لفساده فهذان القولان من أصل واحد

وشهدت مجلسا آخر عند هذا السلطان قرئ فيه على أبي زيد ابن الإمام حديث لقنوا موتاكم لا إله إلا الله في صحيح مسلم فقال له الأستاذ أبو إسحاق ابن حكم السلوي هذا الملقن محتضر حقيقة ميت مجازا فما وجه ترك محتضريكم إلى موتاكم والأصل الحقيقة فأجابه أبو زيد بجواب لم يقنعه وكنت قد قرأت على الأستاذ بعض التنقيح فقلت زعم القرافي أن المشتق إنما يكون حقيقة في الحال مجازا في الاستقبال مختلفا فيه في الماضي إذا كان محكوما به أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو في حقيقة مطلقا إجماعا وعلى هذا التقرير لا مجاز فلا سؤال لا يقال إنه احتج على ذلك بما فيه نظر لأنا نقول أنه نقل الإجماع وهو أحد الأربعة التي لا يطالب مدعيها بالدليل كما ذكر أيضا بل نقول إنه أساء حيث احتج في موضع الوفاق كما أساء اللخمي وغيره في الاحتجاج على وجوب الطهارة ونحوها بل هذا أشنع لكونه مما علم من الدين بالضرورة ثم إنا لو سلمنا نفي الإجماع فلنا أن نقول إن ذلك إشارة إلى ظهور العلامات التي يعقبها الموت عادة لأن تلقينه قبل ذلك إن لم يدهش فقد يوحش فهو تنبيه على وقت التلقين أي لقنوا من تحكمون بأنه ميت أو نقول إنما عدل عن الاحتضار لما فيه من الإبهام ألا ترى اختلافهم فيه هل أخذ من حضور الملائكة أو حضور الأجل أو حضور الجلاس ولا شك أن هذه حالة خفية يحتاج في نصبها دليلا على الحكم إلى وصف ظاهر يضبطها وهو ما ذكرناه أو من حضور الموت وهو أيضا مما لا يعرف بنفسه بل بالعلامات فما وجب اعتبارها وجب كون تلك التسمية إشارة إليها والله تعالى أعلم
كان أبو زيد يقول فيما جاء من الأحاديث من معنى قول ابن أبي زيد وإذا سلم الإمام فلا يثبت بعد سلامه ولينصرف إن ذلك بعد أن ينتظر بقدر ما يسلم من خلفه لئلا يمر بين يدي أحد وقد ارتفع عنه حكمه فيكون كالداخل مع المسبوق جمعا بين الأدلة قلت وهذا من ملح الفقيه

اعترض عند أبي زيد قول ابن الحاجب ولبن الآدمي والمباح طاهر بأنه إنما يقال في الآدمي لبان فأجاب بالمنع واحتج بقول النبي اللبن للفحل وأجيب بأن قول ذلك لتشريكه المباح معه في الحكم لأن اللبان خاص به وليس موضع تغليب لأن اللبان ليس بعاقل ولا حجة على تغليب ما يختص بالعاقل
تكلم أبو زيد يوما في مجلس تدريسه في الجلوس على الحرير فاحتج إبراهيم السلوي للمنع بقول أنس فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فمنع أبو زيد أن يكون إنما أراد باللباس الافتراش فحسب لاحتمال أن يكون إنما أراد التغطية معه أو وحدها وذكر حديثا فيه تغطية الحصير فقلت كلا الأمرين يسمى لباسا قال الله عز و جل ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) البقرة 187 وفيه بحث
كان أبو زيد يصحف قول الخونجي في الجمل والمقارنات التي يمكن اجتماعه معها فيقول والمفارقات ولعله في هذا كما قال أبو عمرو ابن العلاء لللأصمعي لما قرأ عليه
( وغررتني وزعمت أنك لابن بالصيف تامر ... )
فقال
( وغررتني وزعمت أنك لا تني بالضيف تامر ... )
فقال أنت في تصحيفك أشعر من الحطيئة أو كما حكي عمن صلى بالخليفية في رمضان ولم يكن يومئذ يحفظ القرآن فكان ينظر في المصحف فصحف آيات صنعة الله أصيب بها من أساء إنما المشركون نحس وعدها

أباه تقية الله خير لكم هذا أن دعوا للرحمن ولدا لكل امرئ منهم يومئذ شأن يعنيه
سمعت أبا زيد يقول إن أبا العباس الغماري التونسي أول من أدخل معالم الإمام فخر الدين للمغرب وبسبب ما قفل به من الفوائد رحل أبو القاسم ابن زيتون
وسمعته يقول إن ابن الحاجب ألف كتابه الفقهي من ستين ديوانا وحفظت من وجادة أنه ذكر عند أبي عبد الله ابن قطرال المراكشي أن ابن الحاجب اختصر الجواهر فقال ذكر هذا لأبي عمرو حين فرغ منه فقال بل ابن شاس اختصر كتابي قال ابن قطرال وهو أعلم بصناعة التأليف من ابن شاس والإنصاف أنه لا يخرج عنه وعن ابن بشير إلا في الشيء اليسير فهما أصلاه ومعتمداه ولا شك أن له زيادات وتصرفات تنبئ عن رسوخ قدمه وبعد مداه
وكان أبو زيد من العلماء الذين يخشون الله حدثني أمير المؤمنين المتوكل أبو عنان أن والده أمير المسلمين أبا الحسن ندب الناس إلى الإعانة بأموالهم على الجهاد فقال له أبو زيد لا يصح لك هذا حتى تكنس بيت المال وتصلي ركعتين كما فعل علي ابن أبي طالب وسأله أبو الفضل ابن أبي مدين الكاتب ذات يوم عن حاله وهو قاعد ينتظر خروج السلطان فقال له أما الآن فأنا مشرك فقال أعيذك من ذلك فقال لم أرد الشرك في التوحيد لكن في التعظيم والمراقبة وإلا فأي شيء جلوسي ههنا
والشيء بالشيء يذكر قمت ذات يوم على باب السلطان بمراكش فيمن

ينتظر خروجه فقام إلى جانبي شيخ من الطلبة وأنشدني لأبي بكر ابن الخطاب رحمه الله تعالى
( أبصرت أبواب الملوك تغص بالراجين ... إدراك العلا والجاه )
( مترقبين لها فمهما فتحت ... خروا لأذقان لهم وجباه )
( فأنفت من ذاك الزحام وأشفقت ... نفسي على إنضاء جسمي الواهي )
( ورأيت باب الله ليس عليه من ... متزاحم فقصدت باب الله )
( وجعلته من دونهم لي عدة ... وأنفت من غيي وطول سفاهي )
يقول جامع هذا المؤلف رأيت بخط عالم الدنيا ابن مرزوق على هذا المحل من كلام مولاي الجد مقابل قوله ورأيت باب الله ما صورته قلت ذلك لسعته أو لقلة أهله
( إن الكرام كثير في البلاد وإن ... قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا ) ( قل لا يستوي الخبيث والطيب ) الآية المائدة 100 انتهى
رجع إلى كلام مولاي الجد قال رحمه الله تعالى ورضي عنه وحدثني شيخ من أهل تلمسان أنه كان عند أبي زيد مرة فذكر القيامة وأهوالها فبكى فقلت لا بأس علينا وأنتم أمامنا فصاح صيحة واسود وجهه وكاد يتفجر دما فلما سري عنه رفع يديه وطرفه إلى السماء وقال اللهم لا تفضحنا مع هذا الرجل وأخباره كثيرة
وأما شقيقه أبو موسى فسمعت عليه كتاب مسلم واستفدت منه كثيرا

فمما سألته عنه قول ابن الحاجب في الاستلحاق وإذا استلحق مجهول النسب إلى قوله أو الشرع بشهرة نسبه كيف يصح هذا القسم مع فرضه مجهول النسب فقال يمكن أن يكون مجهول النسب في حال الاستلحاق ثم يشتهر بعد ذلك فيبطل الاستلحاق فكأنه يقول ألحقه ابتداء ودواما ما لم يكذبه أحد هذه هي إحدى الحالتين إلا أن هذا إنما يتصور في الدوام فقط ومما سألته عنه أن الموثقين يكتبون الصحة والجواز والطوع على ما يوهم القطع وكثيرا ما ينكشف الأمر بخلافه ولو كتبوا مثلا ظاهر الصحة والجواز والطوع لبرئوا من ذلك فقال لي لما كان مبنى الشهادة وأصلها العلم لم يجمل ذكر الظن ولا ما في معناه احتمال فإذا أمكن العلم بمضمونها لم يجز أن يحمل على غيره فإذا تعذر كما ها هنا بني باطن أمرها على غاية ما يسعه فيه الإمكان عادة وأجري ظاهره على ما ينافي أصلها صيانة لرونقها ورعاية لما كان ينبغي أن تكون عليه لولا الضرورة قلت ولذلك عقد ابن فتوح وغيره عقود الجوائح على ما يوهم العلم بالتقدير مع ان ذلك إنما يدرك بما غايته الظن في الحزر والتخمين وكانا معا يذهبان إلى الإختيار وترك التقليد
3 - وممن أخذت عنه أيضا حافظها ومدرسها ومفتيها أبو موسى عمران ابن موسى بن يوسف المشدالي صهر شيخ المدرسين أبي علي ناصر الدين على ابنته وكان قد فر من حصار بجاية فنزل الجزائر فبعث فيه أبو تاشفين وأنزله من التقريب والإحسان بالمحل المكين فدرس بتلمسان الحديث والفقه والأصلين والنحو والمنطق والجدل والفرائض وكان كثيرا الاتساع في الفقه والجدل مديد الباع فيما سواهم مما ذكر سألته عن قول ابن الحاجب في

السهو فإن أخال الإعراض فمبطل عمده فقال معناه أخال غيره أنه معرض فحذف المفعول لجوازه وأقام المصدر مقام المفعولين كما يقوم مقامه ما في معناه من أن وأن قال الله العظيم ( الم أحسب الناس أن يتركوا ) العنكبوت 1 - 2 قلت وأقوى من هذا أن يكون المصدر هو المفعول الثاني وحذف الثالث اختصارا لدلالة المعنى عليه أي فإن أخال الإعراض كائنا قالوا خلت ذلك وقد أعربت الآية بالوجهين وهذا عندي أقرب ومن هذا الباب ما يكتب به القضاة من قولهم أعلم باستقلاله فلان أي أعلم فلان من يقف عليه بأن الرسم مستقل فحذفوا الأول وصاغوا ما بعده المصدر
سئل عمران وأنا عنده عما صبغ من الثياب بالدم فكانت حمرته منه فقال يغسل فإن لم يخرج شيء من ذلك في الماء فهو طاهر لأن المتعلق به على هذا التقدير ليس إلا لون النجاسة وإذا عسر قلعه بالماء فهو عفو وإلا وجب غسله إلى أن لا يخرج منه شيء قلت في البخاري قال معمر رأيت الزهري يصلي فيما صبغ بالبول من ثياب اليمن وتفسيره على ما ذكره عمران وكان قد صاهر لقاضي الجماعة أبي عبد الله بن هربة على ابنته فلم تزل عنده إلى أن توفي عنها
4 - ومنهم مشكاة الأنوار الذي يكاد زيته يضيء ولو لم تمسسه نار الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن حكم السلوي رحمه الله تعالى ورد تلمسان بعد العشرين ثم لم يزل بها إلى أن قتل يوم دخلت على بني عبد الواد وذلك في الثامن والعشرين من شهر رمضان عام سبعة وثلاثين وسبعمائة
قال لي الشيخ ابن مرزوق ابتدأ أمر بني عبد الواد بقتلهم لأبي الحسن السعيد وكان أسمر لأم ولد تسمى العنبر وختم بقتل أبي الحسن ابن عثمان إياهم وهو بصفته المذكورة حذوك النعل بالنعل فسبحان من دقت حكمته في كل شيء

ولما وقف الرفيقان أبو عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الفهري ومحمد بن عبد الرحمن بن الحكيم الرندي في رحلتهما على قبر السعيد بعباد تلمسان تناول ابن الحكيم فحمة ثم كتب بها على جدار هناك
( انظر ففي إليك اليوم معتبر ... إن كنت ممن بعين الفكر قد لحظا )
( بالأمس أدعى سعيدا والورى خولي ... واليوم يدعى سعيدا من بي اتعظا )
قال ابن حكم كان أول اتصالي بالأستاذ أبي عبد الله ابن آجروم أني دخلت عليه وقد حفظت بعض كتاب المفصل فوجدت الطلبة يعربون بين يديه هذا البيت
( عهدي به الحي الجميع وفيهم ... قبل التفرق ميسر وندام )
وقد عمي عليهم خبر عهدي فقلت له قد سدت الحال وهي الجملة بعده مسده فقال لي بعض الطلبة وهل يكون هذا في الجملة كما كان في قولك ضربي زيدا قائما فقلت له نعم قال رسول الله أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد
ذكر أبو زيد ابن الإمام يوما في مجلسه أنه سئل بالمشرق عن هاتين الشرطيتين ( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ) الأنفال 23 فإنهما تستلزمان بحكم الإنتاج لو علم الله فيهم خيرا لتولوا وهو محال ثم أراد أن يرى ما عند الحاضرين فقال ابن حكم قال الخونجي والإهمال بإطلاق لفظ لو وإن في المتصلة فهاتان القضيتان على هذا مهملتان والمهملة في قوة الجزئية ولا قياس عن جزئيتين فلما اجتمعت ببجاية بأبي علي حسين بن حسين وأخبرته بهذا وبما أجاب به الزمخشري وغيره مما يرجع إلى انتفاء تكرر الوسط قال لي الجوابان به في المعنى سواء لأن القياس على

الجزئيتين إنما امتنع لانتفاء أمر تكرر الوسط فأخبرت بذلك شيخنا الآبلي فقال إنما يقوم القياس على الوسط ثم يشترط فيه بعد ذلك أن لا يكون من جزئيتين ولا سالبتين إلى سائر ما يشترط فقلت ما المانع من كون هذه الشروط تفصيلا لمجمل ما ينبني عليه من الوسط وغيره وإلا فلا مانع غير ما قاله ابن حسين قال الآبلي وقد أجبت بجواب السلوى ثم رجعت إلى ما قاله الناس لوجوب كون مهملات القرآن كلية لأن الشرطية لا تنتج جزئية فقلت هذا فيما يساق منها للحجة مثل ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) الأنبياء 22 أما في مثل هذا فلا
ولما ورد تلمسان الشيخ الأديب أبو الحسن ابن فرحون نزيل طيبة على تربتها السلام سأل ابن حكم عن معنى هذين البيتين
( رأيت قمر السماء فأذكرتني ... ليالي وصلها بالرقمتين )
( كلانا ناظر قمرا ولكن ... رأيت بعينها ورأت بعيني )
ففكر ثم قال لعل هذا الرجل كان ينظر إليها وهي تنظر إلى قمر السماء فهي تنظر إلى القمر حقيقة وهو لإفراط الاستحسان يرى أنها الحقيقة فقد رأى بعينها لأنها ناظرة الحقيقة وأيضا فهو ينظر إلى قمر مجازا وهو لإفراط الاستحسان لها يرى أن قمر السماء هو المجاز فقد رأت بعينه لأنها ناظرة المجاز
قلت ومن ههنا تعلم وجه الفاء في قوله فأذكرتني لأنه لما صارت رؤيتها رؤيته وصار القمر حقيقة إياها كان قوله رأت قمر السماء فأذكرتني بمثابة قولك أذكرتني فتأمله فإن بعض من لا يفهم كلام الأستاذ حق الفهم ينشده وأذكرتني فالفاء في البيت الأول مبنية على معنى البيت الثاني لأنها

مبنية عليه وهذا النحو يسمى الإيذان في علم البيان
ولما اجتمعنا بأبي الوليد ابن هانىء مقدمه علينا من غرناطة سأل ابن حكم عن تكرار من في قوله تعالى ( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ) الرعد 10 دون ما بعدها فقال لولا تكررها أولا لتوهم التضاد بتوهم اتحاد الزمان فارتفع بتكرار الموضوع أما الآخر فقد تكرر الزمان فارتفع توهم التضاد فلم يحتج إلى زائد على ذلك فقلت فهلا اكتفى بسواء عن تكرار الموضوع لأن التسوية لا تقع إلا بين أمرين وإنما الجواب عندي أنها تكررت أولا على الأصل لأنهما صنفان يستدعيها كل واحد منهما أن تقع عليه ثم اختصرت ثانيا لفهم المراد من التفصيل بالأول مع أمن اللبس وقد أجاب الزمخشري بغير هذين فانظره
سألني ابن حكم المذكور عن نسب المجيب في هذا البيت
( ومهفهف الأعطاف قلت له انتسب ... فأجاب ما قتل المحب حرام )
ففكرت ثم قلت أراه تميميا لإلغائه ما النافية فاستحسنه مني لصغر سني يومئذ
تذاكرت يوما مع ابن حكم في تكملة البدر بن محمد بن مالك لشرح التسهيل لأبيه ففضلت عليه كلام أبيه ونازعني الأستاذ فقلت
( عهود من الآبا توارثها الأبنا ... )
فمارأيت بأسرع من أن قال
( بنوا مجدها لكن بنوهم لها أبنى ... )
فبهت من العجب

وتوفي الشيخ ابن مالك سنة اثنتين وسبعين وستمائة وفيها ولد شيخنا عبد المهيمن الحضرمي فقيل مات فيها إمام نحو وولد فيها إمام نحو
سألت ابن حكم عن قول فخر الدين في أول المحصل وعندي أن شيئا منها غير مكتسب بمعنى لا شيء ولا واحد هل له أصل في العربية أو هو كما قيل من بقايا عجمته فقال لي بل له أصل وقد حكى ابن مالك مثله عن العرب فلم يتفق أن استوقفه عليه ثم لم أزل أستكشف عنه كل من أظن أن لديه شيئا منه فلم أجد من عنده أثارة منه حتى مر بي في باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر الداخل عليها كان من شرح التسهيل قوله فإن تقدم على الاستفهام أحد المفعولين نحو علمت زيدا أبو من هو اختير نصبه لأن الفعل مسلط عليه فلا مانع ويجوز رفعه لأنه والذي بعد الاستفهام شيء واحد في المعنى فكأه في حيز الاستفهام والاستفهام مشتمل عليه وهو نظير قوله إن أحد إلا يقول ذلك وأحد هذا لا يقع إلا بعد نفي ولكن لما كان هنا والضمير المرفوع بالقول شيئا واحدا في المعنى تنزل منزلة واقع بعد نفي فعلمت أنه نحا إلى هذا لأن شيئا ههنا والضمير المرفوع بمكتسب المنفي في المعنى شيء واحد فكان شيئا كأنه وقع بعد غير أي بعد النفي
سأل ابن فرحون ابن حكم هل تجد في التنزيل ست فاءات مرتبة ترتيبها في هذا البيت
( رأى فحب فرام الوصل فامتنعت ... فسام صبرا فأعيا نيله فقضى )
ففكر ثم قال نعم ( فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون إلى آخره ) القلم 19 فمنعت له البناء في فتنادوا فقال لابن فرحون فهل عندك غيره فقال نعم ( فقال لهم رسول الله ) إلى آخر السورة فمنع له

بناء الآخرة لقراءة الواو فقلت امنع ولا تسند فيقال لك إن المعاني قد تختلف باختلاف الحروف وإن كان السند لا يسمع الكلام عليه وأكثر ما وجدت الفاء تنتهي في كلامهم إلى هذا العدد سواء بهذا الشرط وبدونه كقوله نوح عليه السلام ( فعلى الله توكلت ) الآية يونس 71 وكقول امرئ القيس
( غشيت ديار الحي بالبكرات )
البيتين لا يقال فالجب سابع لأنا نقول إنه عطف على عاقل المجرد منها ولعل حكمة الستة أنها أول الأعداد التامة كما قيل في حكمة خلق السموات والأرض فيها وشأن اللسان عجيب
وقوله في هذا البيت فحب لغة قليلة جرى عليها محبوب كثيرا حتى استغنى به عن محب فلا تكاد تجده إلا في قول عنترة
( ولقد نزلت فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم )
ونظيره محسوس من حس والأكثر أحس ولا تكاد تجد محسا وهذا التوجيه أحسن من قول القرافي في شرح التنقيح إنهم أجروا محسوسات مجرى معلومات لأن الحس أحد طرق العلم
سمعت ابن حكم يقول بعث بعض أدباء فاس إلى صاحب له
( ابعث إلي بشيء ... مدار فاس عليه )
( وليس عندك شيء ... مما أشير إليه )
فبعث إليه ببطة من مري يشير بذلك إلى الرياء

وحدثت أن قاضيها أبا محمد عبد الله بن أحمد بن الملجوم حضر وليمة وكان كثير البلغم فوضع بين يديه صهره أبو العباس ابن الأشقر غضارا من اللون المطبوخ بالمري لمناسبته لمزاجه فخاف أن يكون قد عرض له بالرياء
وكان ابن الأشقر يذكر بالوقوع في الناس فناوله القاضي غضار المقروض فاستحسن الحاضرون فطنته
5 - ومنهم عالم الصلحاء وصالح العلماء وجليس التنزيل وحليف البكاء والعويل أبو محمد عبد الله بن عبد الواحد بن إبراهيم بن الناصر المجاصي خطيب جامع القصر الجديد وجامع خطتي التحديث والتجويد ويسميه أهل مكة البكاء ولما قدم أبو الحسن علي بن موسى البحيري سأل عنه فقيل له لو علم بك أتاك فقال أنا آتي من سمعت سيدي أبا زيد الهزميري يقول له لأول ما رآه ولم يكن يعرفه قبل ذلك مرحبا بالفتى الخاشع أسمعنا من قراءتك الحسنة
دخلت عليه بالفقيه أبي عبد الله السطي في أيام عيد فقدم لنا طعاما فقلت لو أكلت معنا فرجونا بذلك ما يرفع من حديث من أكل مع مغفور له غفر له فتبسم وقال لي دخلت على سيدي أبي عبدالله الفاسي بالإسكندرية فقدم طعاما فسألته عن هذا الحديث فقال وقع في نفسي منه شيء فرأيت النبي في المنام فسألته عنه فقال لي لم أقله وأرجو أن يكون كذلك
وصافحته بمصافحته الشيخ أبا عبد الله زيان بمصافحته أبا سعيد عثمان بن عطية الصعيدي بمصافحته أبا العباس أحمد الملثم بمصافحته المعمر بمصافحته رسول الله

وسمعته يحدث عن شيخه أبي محمد الدلاصي أنه كان للملك العادل مملوك اسمه محمد فكان يخصه لدينه وعقله بالنداء باسمه وإنما كان ينعق بمماليكه يا ساقي يا طباخ يا مزين فنادى به ذات يوم يا فراش فظن ذلك لموجدة عليه فلما لم ير أثر ذلك وتصورت له به خلوة سأله عن مخالفته لعادته معه فقال لا عليك كنت حينئذ جنبا فكرهت ذكر رسول الله في تلك الحالة
ومما نقلته من خط المجاصي ثم قرأته عليه فحدثني به قال حدثني القاضي أبو زكريا يحيى بن محمد بن يحيى بن أبي بكر ابن عصفور قال حدثني جدي يحيى المذكور أخبرنا محمد بن عبد الرحمن التجيبي المقرىء بتلمسان حدثنا الحافظ أبو محمد يعني والله أعلم عبد الحق الإشبيلي أخبرنا أبو غالب أحمد ابن الحسن المستعمل أخبرنا أبو الفتوح عبد الغافر بن الحسين بن أبي الحسن ابن خلف الألمعي أخبرنا أبو نصر أحمد بن إسحاق النيسابوري أملى علينا أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني أخبرنا محمد بن علي بن الحسين العلوي أخبرنا عبد الله بن إسحاق اللغوي وأنا سألته أخبرنا إبراهيم بن الهيثم البلدي أخبرنا عبد الله بن نافع بن عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله قال لي جبريل ألا أعلمك الكلمات التي قالهن موسى حين انفلق له البحر قلت بلى قال قل اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وبك المستغاث وأنت المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله قال ابن مسعود فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله ثم تسلسل الحديث على ذلك كل أحد من رجاله يقول ما تركتهن منذ سمعتهن من فلان لشيخه وقد سمعت المجاصي

يكررها كثيرا وما تركتهن منذ سمعتهن منه
وانشدني المجاصي قال أنشدني نجم الدين الواسطي أنشدني شرف الدين الدمياطي أنشدني تاج الدين الأرموي مؤلف الحاصل قال أنشدني الإمام فخر الدين لنفسه
( نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال )
( وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال )
( ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا )
( وكم من رجال قد رأينا ودولة ... فبادوا جميعا مسرعين وزالوا )
( وكم من جبال قد علت شرفاتها ... رجال فماتوا والجبال جبال )
وتوفي المجاصي في العشر الأخر من شهر ربيع الأول عام أحد وأربعين وسبعمائة
6 - ومنهم الشيخ الشريف القاضي الرحلة المعمر أبو علي حسن بن يوسف ابن يحيى الحسيني السبتي
أدرك أبا الحسين ابن أبي الربيع وأبا القاسم العزفي واختص بابن عبيدة وابن الشاط ثم رحل إلى المشرق فلقي ابن دقيق العيد وحلبته ثم قفل فاستوطن تلمسان إلى أن مات بها سنة أربع وخمسين أوثلاث وخمسين وسبعمائة قرأ علينا حديث الرحمة وهو أول حديث سمعته منه حدثنا الحسن بن علي بن عيسى ابن الحسن اللخمي وهو أول حديث سمعته منه أخبرنا علي بن المظفر بن القاسم الدمشقي وهو أول حديث سمعته منه أخبرنا أبو الفرج محمد بن عبد الرحمن بن أبي العز الواسطي وهو أول حديث سمعته منه أخبرنا أبو العز

عبد المغيث بن زهير وهو أول حديث سمعته منه أخبرنا زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي وهو أول حديث سمعته منه ( ح ) قال الحسن بن علي وحدثنا أيضا عاليا الحسن بن محمد البكري وهو أول حديث سمعته منه أخبرنا أبو الفتوح محمد بن محمد بن محمد بن الجنيد الصوفي وهو أول حديث سمعته منه أخبرنا زاهر بن طاهر وهو أول حديث سمعته منه أخبرنا أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي الفضائل عبد الوهاب بن صالح عرف بابن المغرم إمام جامع همذان بها وهو أول حديث سمعته منه أخبرنا أبو منصور عبد الكريم بن محمد بن حامد المعروف بابن الخيام وهو أول حديث سمعته منه أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك وهو أول حديث سمعته منه حفظا أخبرنا أبو الطاهر محمد بن محمد بن مخمش الزيادي وهو أول حديث سمعته منه أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن هلال البزار وهو أول حديث سمعته منه أخبرنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم وهو أول حديث سمعته منه أخبرنا سفيان بن عيينة وهو أول حديث سمعته منه عن عمرو ابن دينار عن أبي قابوس مولى لعبد الله بن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء
( ح ) وحدثني الشريف أيضا كذلك بطريقة عن السلفي بأحاديثه المشهورة فيه وهذا الحديث أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح
قال لي الشريف قال لي القاضي أبو العباس الرندي لما قدم أبو العباس ابن الغماز من بلنسية نزل بجاية فجلس بها في الشهود مع عبد الحق بن ربيع

حذف

فجاء عبد الحق يوما وعليه برنس أبيض وقد حسنت شارته وكملت هيأته فلما نظر إليه ابن الغماز أنشده
( لبس البرنس الفقيه فباهى ... ورأى أنه المليح فتاها )
( لو زليخا رأته حين تبدى ... لتمنته أن يكون فتاها )
وبه أن ابن الغماز جلس لارتقاب الهلال بجامع الزيتونة فنزل الشهود من المئذنة وأخبروا أنهم لم يهلوه وجاء حفيد له صغير فأخبره أنه أهله فردهم معه فأراهم إياه فقال ما أشبه الليلة بالبارحة وقع لنا مثل هذا مع أبي الربيع ابن سالم فأنشدنا فيه
( توارى هلال الأفق عن أعين الورى ... وأرخى حجاب الغيم دون محياه )
( فلما تصدى لارتقاب شقيقه ... تبدى له دون الأنام فحياه )
سمعت الشريف يقول أول زجل عمل في الدنيا
( بالله يا طير مدلل ... مر بي وسط القفار )
( إياك تجدد لعاده ... ترمي حجيرة في داري )
7 - ومنهم قاضي جماعتها وكاتب خلافتها وخطيب جامعها أبو عبد الله محمد بن منصور بن علي بن هدية القرشي من ولد عقبة بن نافع الفهري نزلها سلفه قديما وخلفه بها إلى الآن توفي في أواسط سنة خمس وثلاثين وسبعمائة وشهد جنازته سلطانها يومئذ أبو تاشفين وولى ابنه أبا علي منصورا مكانه يومئذ ولما ثقل لسانه دعا ابنه هذا فقال له اكتب هذين البيتين فإني نظمتهما على هذه الحالة فكتب
( إلهي مضت للعمر سبعون حجة ... جنيت بها لما جنيت الدواهيا )

( وعبدك قد أمسى عليل ذنوبه ... فجد لي برحمى منك نعم الدواهيا )
ولما ورد الأديب أبو عبد الله محمد بن محمد المكودي من المغرب رفع إليه قصيدة أولها
( سرت والدجى لم يبق إلا يسيرها ... نسيم صبا يحيي القلوب مسيرها )
وفيها الأبيات العجاب التي سارت سير الأمثال وهي قوله
( وفي الكلة الحمراء حمراء لو بدت ... لثكلى لولى ثكلها وثبورها )
( فما يستوي مثوى لها من سوى القنا ... خيام ومن بيض الصفاح ستورها )
( وما بسوى صدق الغرام أرومها ... ولا بسوى زور الخيال أزورها )
فأحسن إليه وكلم السلطان حتى أرسل جرايته عليه وقد شهدت المكودي وهذه القصيدة تقرأ عليه
8 - ومنهم القاضي أبو عبد الله محمد بن احمد بن علي بن أبي عمرو التميمي
أدرك ابن زيتون وأخذ عن أبي الطاهر ابن سرور وحلبته وعنه أخذت شرح المعالم له وولي القضاء بتلمسان مرات فلم تستفزه الدنيا ولا باع الفقر بالغنى
9 - ومنهم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد النور
قاضي الجماعة بعد ابن أبي عمرو وكانت له رحلة إلى المشرق لقي بها

جلال الدين القزويني وحلبته وتوفي بتونس في الوباء العام في حدود الخمسين وسبعمائة
10 - ومنهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسين البروني
قدم عليها من الأندلس فأقام إلى أن مات سمعته يقول البقر العدوية كالإبل المهملة في الصحراء لا يجوز أن تباع بالنظر إليها لكن بعد أن تمسك ويستولى عليها 11 - ومنهم أبو عمران موسى المصمودي الشهير بالبخاري
سمعت البروني يقول كان الشيخ أبو عمران يدرس صحيح البخاري ورفيق له يدرس صحيح مسلم فكانا يعرفان بالبخاري ومسلم فشهدا عنه قاض فطلب المشهود عليه الإعذار فيهما فقال له أبو عمران أتمكنه من الإعذار في الصحيحين فضحك القاضي وأصلح بين الخصمين
سألته عما ضربه ابن هدية عليه من إباحة الاستياك في رمضان بقشر الجوز فقال لي نعم ويبلع ريقه تأول رحمه الله تعالى أن الخصال المذكورة في السواك إنما تجتمع في الجوز فكان يحمل كل ما روى فيه عليه وهذا غلط فاحش لأن العرب لا تكاد تعرفه ونظر إلى ما في البخاري من قوله بعد أن ذكر جواز السواك للصائم ولا بأس أن يبتلع ريقه يعني الصائم في الجملة فحمله على المستاك بالجوز وكان رحمه الله تعالى قليل الإصابة في الفتيا كثير المصيبات عليها
12 - ومنهم نادرة الأعصار أبو عبد الله محمد بن يحيى بن علي بن النجار

قال لي العلامة الآبلي ما قرأ أحد علي حتى قلت له لم أبق عندي ما أقول لك غير ابن النجار
سمعت ابن النجار يقول مر عمل الموقتين على تساوي فضلتي ما بين المغرب والعشاء والفجر والشمس فيؤذنون بالعشاء لذهاب ثماني عشرة درجة وبالفجر لبقائها والجاري على مذهب مالك أن الشفق الحمرة وأن تكون فضلة ما بين العشاءين أقصر لأن الحمرة ثانية الغوارب والطوالع فتزيد فضلة الفجر بمقدار ما بين ابتداء طلوع الحمرة والشمس فعرضت كلامه هذا على المزوار أبي زيد عبد الرحمن بن سليمان اللجائي فصوبه
وذكرت يوما حكاية ابن رشد الاتفاق في الخمر إذا تخللت بنفسها أنها تطهر واعترضته بما في الإكمال عن ابن وضاح أنها لا تطهر فقال لي لا معتبر بقول ابن وضاح هذا لأنه يلزم عليه تحريم الخل لأن العنب لا يصير خلا حتى يكون خمرا وفيه بحث
وذكرت يوما قول ابن الحاجب فيما يحرم من النساء بالقرابة وهي أصول وفصول وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل وإن علا فقال إن تركب لفظ التسمية العرفية من الطرفين حلت وإلا حرمت فتأملته فوجدته كما قال لأن أقسام هذا الضابط أربعة التركب من الطرفين كابن العم وابنة العم مقابله كالأب والبنت التركب من قبل الرجل كابنة الأخ والعم مقابله كابن الأخت والخالة
وأنشدت يوما عنده على زيادة اللام
( باعد أم العمر من أسيرها ... )

فقال لي وما يدريك أنه أراد العمر الذي أراده المعري بقوله
( وعمر هند كأن الله صوره ... عمرو بن هند يعني الناس تعنيتا )
وأضاف اللام إليه كما قالوا أم الحليس قلت ولا يندفع هذا بثبوت كون المعنية أم عمرو لأن ذلك لا يمنع إرادة المعنى الأخر فتكون أم عمرو وأم العمر
قال ابن النجار بعثت بهذه الأبيات من نظمي إلى القاضي أبي عبد الله ابن هدية فأخرج لغزها
( إن حروف اسم من كلفت به ... خفت على كل ناطق بفم )
( سائغة سهلة مخارجها ... من أجل هذا تزداد في الكلم )
( صحفه ثم اقلبن مصحفه ... فعل ذكي مهذب فهم )
( واطلبه في الشعر جد مطلبه ... تجده كالصبح لاح في الظلم )
( فإن تأملت بت منه على ... علم وإلا فأنت عنه عمي )
واللغز سلمان وموضعه تأملت بت وتوفي رحمه الله تعالى بتونس أيام الوباء العام
13 - ومنهم الأستاذ المقرىء الراوية الرحلة أبو الحسن علي بن أبي بكر ابن سبع بن مزاحم المكناسي
ورد علينا من المشرق فأقام معنا أعواما ثم رحل إلى فاس فتوفي بها في الوباء العام جمعت عليه السبع وقرأت عليه البخاري والشاطبيتين وغير

ذلك فأما البخاري فحدثني به قراءة منه على أحمد بن الشحنة الحجار سنة ثلاثين وسبعمائة وكان الحجار قد سمعه على ابن الزبيدي سنة ثلاثين وستمائة وهذا ما لا يعرف له نظير في الإسلام وقد قال عبد الغني الحافظ لا نعرف في الإسلام من وازاه غير عبد الله بن محمد البغوي في قدم السماع فإنه توفي سنة سبع عشرة وثلاثمائة قال ابن خلاد سمعناه يقول أخبرنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني سنة خمس وعشرين ومائتين وسمعه ابن الزبيدي على أبي الوقت بسنده قال لي ابن مزاحم هذا طريق كله سماع واما الشاطبيتان فحدثني بهما قراءة عليه لجميعهما عن بدر الدين ابن جماعة بقراءتهما عليه عن أبي الفضل هبة الله بن الأزرق بقراءتهما عليه عن المؤلف كذلك وحدثني بتسهيل الفوائد عن ابن جماعة عن المؤلف ابن مالك وغير ذلك
14 - وممن ورد عليها لا يريد الإقامة بها شيخي وبركتي وقدوتي أبو عبد الله محمد بن حسين القرشي الزبيدي التونسي
حدثني بالصحيحين قراءة لبعضهما ومناولة لجميعهما عن أبي اليمن ابن عساكر لقيه بمكة سنة إحدى وثمانين وستمائة بسنده المشهور وحدثني أيضا أن أبا منصور العجمي حدثه بمحضر الشيخين والده حسين وعمه حسن وأثنى عليه دينا وفضلا أنه أدخل ببعض بلاد المشرق على المعمر أدخله عليه بعض ولد ولده فألفاه ملفوفا في قطن وسمع له دويا كدوي النحل فقيل له ألقيت رسول الله ورأيته قال نعم قلت ليس في هذا ما يستراب منه إلا الشيخ المعمر فإنا لا نعرف حاله فإن صح فحديثنا عنه

ثلاثي وقد تركت سنة خمس وأربعين بمصر رجلا يسمى بعثمان معه تسعون حديثا يزعم أنه سمعها من المعمر وقد أخذت عنه وكتبت منه فهذا ثنائي وأمر المعمر غريب والنفس أميل إلي نفيه
15 - ومنهم إمام الحديث والعربية وكاتب الخلافة العثمانية والعلوية أبو محمد عبد المهيمن بن محمد الحضرمي السبتي
جمع فأوعى واستوهب أكثر المشاهير وما سعى فهو المقيم الظاعن الضارب القاطن سألني عن الفرق بين علم الجنس واسم الجنس فقلت له زعم الخسر وشاهي أنه ليس بالديار المصرية من يعرفه غيره وأنا أقول ليس في الدنيا عالم إلا وهو يعلمه غيره لأنه حكم لفظي أوجب تقديره المحافظة على ضبط القوانين كعدل عمر ونحوه فاستحسن ذلك
وكان ينكر إضافة الحول إلى الله عز و جل فلا يجيز أن يقال بحول الله وقوته قال لأنه لم يرد إطلاقه والمعنى يقتضي امتناعه لأن الحول كالحيلة أو قريب منها
وتوفي بتونس أيام الوباء العام
16 - ومنهم الفقيه المحقق الفرضي المدقق أبو عبد الله محمد بن سليمان بن

علي السطي قرأت عليه كتاب الحوفي علما وعملا قال لي في قول ابن الحاجب والثمن والثلث والسدس من أربعة وعشرين هذا لا يصح إذ لا يجتمع والثمن في فريضة وقد سبقه إلى هذا الوهم صاحب المقدمات وسألت ابن النجار فقال لي إنما أراد المقام لأنه يجتمع مع الثلثين والإنصاف أنه لا يحسن التعبير بما لا تصح إرادة نفسه عن غيره فكان الوجه أن يقول والثلثان أو ومقام الثلث ونحو ذلك لأن الثلث إنما يدخل هنا تقديرا لا تحقيقا كما في الجواهر وانظر باب المدبر من كتاب الحوفي فإن فيه موافقة السبعة لعدد لا توافقه فهو من باب الفرض وعليه ينبغي أن يحمل كلام ابن الحاجب
17 - 19 - ومنهم الأستاذ أبو عبد الله الرندي والقاضي أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الرزاق الجزولي والقاضي أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي يحيى في كثير من الخلق فلنضرب عن هذا
20 - ومن شيوخي الصلحاء الذين لقيت بها خطيبها الشيخ أبو عثمان سعيد بن إبراهيم بن علي الخياط أدرك أبا إسحاق الطيار وقد صافحته وأنا صغير لأنه توفي سنة تسع وعشرين بمصافحته أباه بمصافحته الشيخ أبا تميم بمصافحته أبا مدين بمصافحته أبا الحسن ابن حرزهم بمصافحته ابن العربي بمصافحته الغزالي بمصافحته أبا المعالي بمصافحته أبا طالب المكي بمصافحته أبا محمد الجريري بمصافحته الجنيد بمصافحته سريا بمصافحته معروفا بمصافحته داود الطائي بمصافحته حبيبا العجمي بمصافحته الحسن البصري بمصافحته علي بن أبي طالب بمصافحته رسول الله

21 - ومنهم خطيبها المصقع أبو عبد الله محمد بن علي بن الجمال أدرك محمد بن رشيد البغدادي صاحب الزهر والوتريات على حروف المعجم المذهبة وغيرها حدثني عنه أنه تاب بين يديه لأول مجلس جلسه بتلمسان سبعون رجلا
22 23 - ومنهم الشقيقان الحاجان الفاضلان أبو عبد الله محمد وابو العباس أحمد ابنا ولي الله أبي عبد الله محمد بن محمد بن أبي بكر ابن مرزوق العجيسي
كساني محمد خرقة التصوف بيده كما كساه إياها الشيخ بلال بن عبد الله الحبشي خادم الشيخ أبي مدين كما كساه أبو مدين قال محمد بن مرزوق وكان مولد بلال سنة تسع وخمسين وخمسمائة أبا مدين نحوا من خمسة عشر عاما إلى أن توفي في عام تسعين وخمسمائة عاش بعده أكثر من مائة سنة ولبس أبو مدين من يد ابن حرزهم ولبس ابن حرزهم من يد ابن العربي واتصل اللباس اتصال المصافحة
24 - ومنهم أبو زيد عبد الرحمن بن يعقوب بن الصنهاجي المكتب حديثا عن قاضيها أبي زيد عبد الرحمن بن علي الدكالي أنه اختصم عنده رجلان في شاة ادعى أحدهما أنه أودعها الآخر وادعى الآخر أنها ضاعت منه فأوجب اليمين على المودع عنده انها ضاعت من غير تضييع فقال كيف أضيع وقد شغلتني حراستها عن الصلاة حتى خرج وقتها فحكم عليه بالغرم فقيل له في

ذلك فقال تأولت قول عمر ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع
25 - ومنهم أبو عبد الله محمد بن محمد الغزموني مكتبي الأول ووسيلتي إلى الله عز و جل قرأ على الشيخين أبي عبد الله القصري وأبي حريث وحج حجات وكان عقد بقلبه أنه كلما ملك مائة دينار عيونا سافر إلى الحج وكان بصيرا بتعبير الرؤيا فمن عجائب شأنه فيه أنه كان في سجن أبي يعقوب يوسف بن يعقوب بن عبد الحق فيمن كان فيه من أهل تلمسان أيام محاصرته لها فرأى أبو جمعة ابن علي التلالسي الجرائحي منهم كأنه قائم على سانية دائرة وجميع قواديسها يصب في نقير في وسطها فجاء ليشرب فلما اغترف الماء إذا فيه فرث ودم فأرسله ثم اغترف فإذا هو كذلك ثلاثا أو أكثر فعدل عنه فرأى خصمه ماء وشرب منها ثم استيقظ وهو النهار فأخبره فقال إن صدقت رؤياك فنحن عما قليل خارجون من هذا المكان قال كيف قال السانية الزمان والنقير السلطان وأنت جرائحي تدخل يدك في جوفه فينالها الفرث والدم وهذا ما لا تحتاج معه فلم يكن إلا ضحوة الغد وإذا النداء عليه فأخرج فوجد السلطان مطعونا بخنجر فأدخل يده فنالها الفرث والدم فخاط جراحته ثم خرج فرأى خصة ماء فغسل يديه وشرب ثم لم يلبث السلطان أن توفي وسرحوا
وتعداد أهل هذه الصفة يكثر فلنصفح عنهم ولنختم فصل من لقيته

بتلمسان بذكر رجلين هما بقيد الحياة أحدهما عالم الدنيا والآخر نادرتها
26 - أما العالم فشيخنا ومعلمنا العلامة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أحمد العبدري الآبلي التلمساني سمع جده لأمه أبا الحسين ابن غلبون المرسي القاضي بتلمسان وأخذ عن فقهائها أبي الحسين التنسي وابني الإمام ورحل في آخر لالمائة السابعة فدخل مصر والشام والحجاز والعراق ثم قفل إلى المغرب فأقام بتلمسان مدة ثم فر أيام أبي حمو موسى بن عثمان إلى المغرب
حدثني أنه لقي أبا العباس أحمد بن إبراهيم الخياط شقيق شيخنا أبي عثمان المتقدم ذكره فشكا له ما يتوقعه من شر أبي حمو فقال له عليك بالجبل فلم يدر ما قال حتى تعرض له رجل من غمارة فعرض عليه الهروب به قال فخفت أن يكون أبو حمو قد دسه علي فتنكرت له فقال لي إنما أسير بك على الجبل فتذكرت قول أبي إسحاق فواطأته وكان خلاصي على يده قال ولقد وجدت العطش في بعض مسيري به حتى غلظ لساني واضطربت ركبتاي فقال لي إن جلست قتلتك لئلا أفتضح بك فكنت أقوي نفسي فمر على بالي في تلك الحالة استسقاء عمر بالعباس وتوسله به فوالله ما قلت شيئا حتى رفع لي غدير ماء فأريته إياه فشربنا ونهضنا
ولما دخل المغرب ادرك أبا العباس ابن البناء فأخذ عنه وشافه كثيرا من علمائه قال لي قلت لأبي الحسن الصغير ما قولك في المهدي فقال عالم سلطان فقلت له قد أبنت عن مرادي ثم سكن جبال الموحدين ثم رجع إلى فاس فلما افتتحت تلمسان لقيته بها فأخذت عنه فقال لي الآبلي

كنت يوما مع القاسم بن محمد الصنهاجي فوردت عليه طومارة من قبل القاضي أبي الحجاج الطرطوشي فيها
( خيرات ما تحويه مبذولة ... ومطلبي تصحيف مقلوبها )
فقال لي ما مطلبه فقلت نارنج
دخل على الآبلي وأنا عنده بتلمسان الشيخ أبو عبد الله الدباغ المالقي المتطبب فأخبرنا أن أديبا استجدى وزيرا بهذا الشطر
( ثم حبيب قلما ينصف ... )
فأخذته فكتبته ثم قلبته وصحفته فإذا هو قصبتا ملف شحمي
ومر الدباغ علينا يوما بفاس فدعاه الشيخ فلباه فقال حدثنا بحديث اللظافة فقال نعم حدثني أبو زكريا ابن السراج الكاتب بسجلماسة أن أبا إسحاق التلمساني وصهره مالك بن المرحل وكان ابن السراج قد لقيهما اصطحبا في مسير فآواهما الليل إلى مجشر فسألا عن طالبه فدلا فاستضافاه فأضافهما فبسط قطيفة بيضاء ثم عطف عليهما بخبز ولبن وقال لهما استعملا من هذه اللظافة حتى يحضر عشاؤكما وانصرف فتحاور في اسم اللظافة لأي شيء هو منهما حتى ناما فلم يرع أبا إسحاق إلا مالك يوقظه ويقول قد وجدت اللظاظة قال كيف قال أبعدت في طلبها حتى وقعت بما لم يمر قط على مسمع هذا البدوي فضلا عن أن يراه ثم رجعت القهقرى حتى وقعت على قول النابغة
( بمخضب رخص كأن بنانه ... عنم يكاد من اللطافة يعقد )
فسنح لبالي انه وجد اللطافة وعليها مكتوب بالخط الرقيق اللين فجعل

إحدى النقطتين للطاء فصارت اللطافة اللظافة واللين واللبن وإن كان قد صحف عنم بغنم وظن أن يعقد جبن فقد قوي عنده الوهم فقال أبو إسحاق ما خرجت عن صوبه فلما جاء سألاه فأخبر أنها اللبن واستشهد بالبيت كما قال مالك
ولا تعجب من مالك فقد ورد فاسا شيخنا أبو عبد الله محمد بن يحيى الباهلي عرف بابن المسفر رسولا عن صاحب بجاية فزاره الطلبة فكان فيما حدثهم أنهم كانوا على زمان ناصر الدين يستشكلون كلاما وقع في تفسير سورة الفاتحة من كتاب فخر الدين ويستشكله الشيخ معهم وهذا نصه ثبت في بعض العلوم العقلية أن المركب مثل البسيط في الجنس والبسيط مثل المركب في الفصل وأن الجنس أقوى من الفصل فرجعوا به إلى الشيخ الآبلي فتأمله ثم قال هذا كلام مصحف وأصله أن المركب قبل البسيط في الحس والبسيط قبل المركب في العقل وأن الحس أقوى من العقل فأخبروا ابن المسفر فلج فقال لهم الشيخ التمسوا النسخ فوجدوه في بعضها كما قال الشيخ والله يؤتي فضله من يشاء
قال لي الأبلي لما نزلت تازي بت مع أبي الحسن ابن بري وأبي عبد الله الترجالي فاحتجت إلى النوم وكرهت قطعهما عن الكلام فاستكشفتهما عن معنى هذا البيت للمعري
( أقول لعبد الله لما سقاؤنا ... ونحن بوادي عبد شمس وهاشم )
فجعلا يفكران فيه فنمت حتى أصبحا ولم يجداه فسألاني عنه فقلت معناه أقول لعبد الله لما وهى سقاؤنا ونحن بوادي عبد شمس شم لنا برقا

قلت وفي جواز مثل هذا نظر
سمعت الآبلي يقول دخل قطب الدين الشيرازي والدبيران على أفضل الدين الخونجي ببلده وقد تزيا بزي القونوية فسأله أحدهما عن مسألة فأجابه فتعايا عن الفهم وقرب التقرير فتعايا فقال الخونجي متمثلا
( علي نحت المعاني من معادنها ... وما علي لكم أن تفهم البقر )
فقال له ضم التاء يا مولانا فعرفهما فحملهما إلى بيته
قلت سمعت الشيخ شمس الدين الأصبهاني بخانقاه قوصون بمصر يقول إن شيخه القطب توفي عام أحد عشر وسبعمائة وله سبع وسبعون سنة وهذا يضعف هذه الحكاية عندي
سمعت الآبلي يقول إن الخونجي ولي قضاء مصر بعد عز الدين بن عبد السلام فقدم شاهدا كان عز الدين أخره فعذله في ذلك فقال إن مولان لم يذكر السبب الذي رفع يده من أجله وهو الآن غير متمكن من ذكره
سمعت الشيخ الآبلي يحدث عن قطب الدين القسطلاني أنه ظهر في المائة السابعة من المفاسد العظام ثلاث مذهب ابن سبعين وتملك الططر للعراق واستعمال الحشيشة
سمعت الآبلي يقول قال أبو المطرف ابن عميرة
( فضل الجمال على الكمال بوجهه ... فالحق لا يخفى على من وسطه )
( وبطرفه سقم وسحر قد أتى ... مستظهرا بهما على ما استنبطه )
( عجبا له برهانه بشروطه ... معه فما مقصوده بالسفسطه )
قال فأجابه أبو القاسم ابن الشاط فقال
( علم التباين في النفوس وأنها ... منها مغلطة وغير مغلطة )
( فئة رأت وجه الدليل وفرقة ... وأصغت إلى الشبهات فهي مورطة )
( فأراد جمعهما معا في ملكه ... هذي بمنتجة وذي بمغلطة )

يعني قولهم في التام هو ما تحمل فيه البرهان الفصل
وأخبار الآبلي وأسمعتي منه تحتمل كتابا فلنقف على هذا القدر منها
27 - وأما النادرة فأبو عبد الله محمد بن أحمد بن شاطر الجمحي المراكشي صحب أبا زيد الهزميري كثيرا وأبا عبد الله ابن تجلات وأبا العباس ابن البناء وأضرابه من المراكشيين ومن جاورهم ورزق بصحبة الصالحين حلاوة القبول فلا تكاد تجد من يستثقله وربما سئل عن نفسه فيقول ولي مفسود
قلت له يوما كيف أنت فقال محبوس في الروح وقال الليل والنهار حرسيان أحدهما أسود والآخر أبيض وقد أخذا بمجامع الخلق يجرانهم إلى يوم القيامة وإن مردنا إلى الله تعالى
وسمعته يقول المؤذنون يدعون أولياء الله إلى بيته لعبادته فلا يصدهم عن دعائهم ظلمة ولا شتاء ولا طين ويصرفونهم عن الاشتغال بما لم يبين لهم فيخرجونهم ويغلقون الأبواب دونهم
ووجدته ذات يوم في المسجد ذاكرا فقلت له كيف أنت فقال ( فهم في روضة يحبرون ) الروم 15 فهممت بالانصراف فقال أين تذهب من روضة من رياض الجنة يقام بها على رأسك بهذا التاج وأشار إلى المنار مملوءا الله أكبر
مر ابن شاطر يوما على أبي العباس أحمد بن شعيب الكاتب وهو جالس

في جامع الجزيرة طهره الله تعالى وقد ذهبت به الكفرة فصاح به فلما رفع رأسه إليه قال له انظر إلى مركب عزرائيل هذا وأشار إلى نعش هنالك قد رفع شراعه ونودي عليه الطلوع يا غزي
وأكل يوما مع أبي القاسم عبد الله بن رضوان الكاتب جلجلانا فقال له أبو القاسم إن في هذا الجلجلان لضربا من طعم اللوز فقال ابن شاطر وهل الجلجلان إلا لوزة دقة
وسئل عن العلة في نضارة الحداثة فقال قرب عهدها بالله فقيل له فمم تغير الشيوخ فقال من بعد العهد من الله وطول الصحبة مع الشياطين فقيل له فبخر أفواههم فقال من كثرة ما تفل الشياطين فيها
وكان يسمى الصغير فأر المصطكي قال لي ابن شاطر لقيت عمي ميمونا المعروف بدبير لقرب موته وقد اصفر وجهه وتغيرت حالته فقلت له ما بالك وكان قد خدم الصالحين ورزق بذلك القبول فقال انسدت الزربطانة فطلع يعني العذرة يشير إلى الاحتقان للطبيعة
أنشدني ابن شاطر قال أنشدني أبو العباس ابن البناء لنفسه ( قصدت إلى الوجازة في كلامي ... )
الأبيات
وأخبار ابن شاطر عندي تحتمل كراسة فلنقنع منها بهذا القدر
فصل ولما دخلت تلمسان على بني عدب الواد تهيأ لي السفر منها فرحلت

إلى بجاية فلقيت بها أعلاما درجوا فأمست بعدهم خلاء بلقعا
28 - فمنهم الفقيه أبو عبد الله محمد بن يحيى الباهلي عرف بابن المسفر باحثته واستفدت منه وسألني عن اسم كتاب الجوهري فقلت له من الناس من يقول الصحاح بالكسر ومنهم من يفتح فقال إنما هو بالفتح بمعنى الصحيح كما ذكره في باب صح قلت ويحتمل أن يكون مصدر صح كحنان
وكتب إلى بعض أصحابه بجواب رسالة صدره بهذين البيتين
( وصلت صحيفتكم فهزت معطفي ... فكأنما أهدت كؤوس القرقف )
( وكأنها نيل الأمان لخائف ... أو وصل محبوب لصب مدنف )
29 - ومنهم قاضيها أبو عبد الله محمد ابن الشيخ أبي يوسف يعقوب الزواوي فقيه ابن فقيه كان يقول من عرف ابن الحاجب اقرأ به المدونة قال وأنا أقرأ به المدونة
30 - ومنهم أبو علي حسين بن حسين إمام المعقولات بعد ناصر الدين
31 - ومنهم خطيبها أبو العباس أحمد بن عمران وكان قد ورد تلمسان وأورد بها على قول ابن الحاجب في حد العلم صفة توجب تمييزا لا يحتمل النقيض الخاصة إلا أن يزاد في الحد لمن قامت به لأنها إنما توجب فيه تميزا لا تمييزا وهذا حسن
32 - 33 - ومنهم الشيخان أبو عزيز وأبو موسى ابن فرحان وغيرهم من أهل عصرهم

34 - ثم رحلت إلى تونس فلقيت بها قاضي الجماعة وفقيهها أبا عبد الله ابن عبد السلام فحضرت تدريسه وأكثرت مباحثته ولما نزلت بظاهر فسمطينة تلقاني رجل من الطلبة فسألني عن هذه الآية ( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) المائدة 67 فإن ظاهرها أن الجزاء هو الشرط أي وإن لم تبلغ فما بلغت وذلك غير مفيد فقلت بل هو مفيد أي وإن لم تبلغ في المستقبل لم ينفعك تبليغك في الماضي لارتباط أول الرسالة بآخرها كالصلاة ونحوها بدليل قصة يونس فعبر بانتفاء ماهية التبليغ عن انتفاء المقصود منه إذ كان إنما يطلب ولا يعتبر بدونه كقوله عليه الصلاة و السلام لا صلاة إلا بطهور ثم اجتمعت بابن عبد السلام بجامع بوقير من تونس فسألته عن ذلك فلم يزد على أن قال هذا مثل قوله عليه الصلاة و السلام فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله وقد علمتم ما قال الشيخ تقي الدين فيه قلت كلام تقي الدين لا يعطي الجواب عن الآية فتأمله
35 - 41 - وقالضي المناكح أبا محمد الأجمي وهو حافظ فقهائها في وقته والفقيه أبا عبد الله ابن هارون شارح ابن الحاجب في الفقه والأصول والخطيب أبا عبد الله ابن عبد الستار وحضرت تدريسه بمدرسة المعرض والعلامة أبا عبد الله ابن الجياب الكاتب والفقيه أبا عبد الله ابن سلمة والشيخ الصالح أبا الحسن المنتصر وارث طريقة الشيخ أبي محمد المرجاني آخر المذكورين بإفريقية ورأيت ابن الشيخ المرجاني فحدثني أبو موسى ابن الإمام أنه أشبه به من الغراب بالغراب وسيدي أبا عبد الله الزبيدي المتقدم ذكره وأوقفني على خطإ في كتاب الصحاح وذلك أنه زعم أن السالم جلدة ما بين العين والأنف قال وفيه يقول ابن عمر في ابنه السالم

( يديرونني عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين الأنف والعين سالم )
قال وهذا أراد عبد الملك حيث كتب إلى الحجاج أنت مني كسالم وهذا خطا فاحش وكان يلزمه أن يسميها بالعمارة أيضا لقوله عليه السلام عمارة جلدة ما بين عيني وأنفي وإنما يراد بمثل هذا القرب والتحمد
ولقيت بتونس غير واحد من العلماء والصلحاء يطول ذكرهم ثم قفلت إلى المغرب يسايرني رجل من أهل قسنطينة يعرف بمنصور الحلبي فما لقيت رجلا أكثر أخبارا ولا أظرف نوادر منه فمما حفظته من حديثه أن رجلا من الأدباء مر برجل من الغرباء وقد قام بين ستة أطفال جعل ثلاثة عن يمينه وثلاثة عن شماله وأخذ ينشد
( ما كنت أحسب أن أبقى كذا أبدا ... أعيش والدهر في أطرافه حتف )
( ساس بستة أطفال توسطهم ... شخصي كأحرف ساس وسطها ألف )
قال فتقدمت إليه وقلت فأين تعريقة السين فقال طالب ورب الكعبة ثم قال الآخر من جهة يمينه قم فقام يجر رجله كأنه مبطول فقال هذا تمام تعريقة السين
41 - 53 ثم رحلت من تلمسان إلى المغرب فلقيت بفاس الشيخ الفقيه الحاج أبا إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحيم اليزناسي والشيخ الفقيه أبا محمد عبد المؤمن الجاناتي والشيخ الفقيه الصالح أبا زرهون عبد العزيز بن محمد القيرواني والفقيه أبا الضياء مصباح بن عبد الله اليالصوني وكان حافظ وقته والفقيه أبا عبد الله ابن عبد الكريم وشيخ الشيوخ أبا زيد عبد الرحمن بن عفان الجزولي والأستاذ أبا العباس المكناسي وكنت لقيت الأستاذ أبا العباس ابن

حزب الله والأستاذ أبا عبد الله ابن القصار بتلمسان ولقيت غير هؤلاء ممن يكثر عددهم وكنت قد لقيت بتازي الفقيه أبا عبد الله ابن عطية والأستاذ أبا عبد الله المجاصي والشيخ أبا الحسين الجيار وغيرهم
53 - 67 - ثم بلغت بالرحلة إلى أغمات ثم وصلت إلى سبتة فاستوعبت بلاد المغرب ولقيت بكل بلد من لا بد من لقائه من علمائه وصلحائه ثم قفلت إلى تلمسان فأقمت بها ما شاء الله تعالى ثم أعملت الرحلة إلى الحجاز فلقيت بمصر الأستاذ أثير الدين أبا حيان الغرناطي فرويت عنه واستفدت منه وشمس الدين الأصبهاني الآخر وشمس الدين بن عدلان وقرأ علي بعض شروحه لكتب المزني وناولني إياه وشمس الدين بن اللبان آخر المذكورين بها والشيخ الصالح أبا محمد المنوفي فقيه المالكية بها وتاج الدين التبريزي الأصم وغيرهم ممن يطول ذكرهم
ثم حججت فلقيت بمكة إمام الوقت أبا عبد الله ابن عبد الرحمن التوزري المعروف بخليل وسألته يوم النحر حين وقف بالمشعر الحرام عن بطن محسر لأحرك فيه على الجمل فقال لي تمالأ الناس على ترك هذه السنة حتى نسي بتركها محلها والأقرب أنه هذا وأشار إلى ما يلي الجابية التي على يسار المار من المشعر إلى منى من الطريق من أول ما يحاذيها إلى أن يأخذ صاعدا إلى منى وما رأيت أعلم بالمناسك منه والإمام أبا العباس ابن رضي الدين الشافعي وغير واحد من الزائرين والمجاورين وأهل البلد
وبالمدينة أعجوبة الدنيا أبا محمد عبد الوهاب الجبرتي وغيره

ثم أخذت على الشام فلقيت بدمشق شمس الدين بن قيم الجوزية صاحب الفقيه ابن تيمية وصدر الدين الغماري المالكي وأبا القاسم ابن محمد اليماني الشافعي وغيرهم وببيت المقدس الأستاذ أبا عبد الله ابن مثبت والقاضي شمس الدين بن سالم والفقيه المذكر أبا عبد الله ابن عثمان وغيرهم
ثم رجعت إلى المغرب فدخلت سجلماسة ودرعة ثم قطعت إلى الأندلس فدخلت الجبل وأصطبونة ومربلة ومالقة وبلش والحامة وانتهت بي الرحلة إلى غرناطة وفي علم الله تعالى ما لا علم وهو المسؤول أن يحملنا على الصراط الأقوم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم انتهى كلام جدي رحمه الله تعالى في الجزء الذي ألفه في مشيخته وقد لخصه لسان الدين في الإحاطة
ترجمة المقري بقلم ابن خلدون
ولنذكر هنا زيادات لا بأس بها فنقول ولما ألم ولي الدين ابن خلدون بذكر مولاي الجد في تاريخه الكبير عند تعريفه بنفسه وصفه بأنه كبير علماء المغرب ونص محل الحاجة من تاريخه لما رحلت من تونس منتصف شعبان من سنة أربع وثمانين أقمنا في البحر نحوا من أربعين ليلة ثم وافينا مرسى الإسكندرية يوم الفطر ولعشر ليال من جلوس الملك الظاهر على التخت واقتعاد كرسي الملك دون أهله بني قلاوون وكنا على ترقب ذلك لما كان يؤثر بقاصية البلاد

من سموه لذلك وتمهيده له وأقمت بإسكندرية شهرا لتهيئة أسباب الحج ولم يقدر عامئذ فانتقلت إلى القاهرة أول ذي القعدة فرأيت حضرة الدنيا وبستان العالم ومحشر الأمم ومدرج الذر من البشر وإيوان الإسلام وكرسي الملك تلوح القصور والأواوين في أوجه وتزهو الخوانق والمدارس بآفاقه وتضيء البدور والكواكب من علمائه وقد مثل بشاطئ بحر النيل نهر الجنة ومدفع مياه السماء يسقيهم النهل والعلل سيحه ويجبي إليهم الثمرات والخيرات ثبجه ومررت في سكك المدينة تغص بزحام المارة وأسواقها تزخر بالنعم وما زلنا نحدث عن هذا البلد وبعد مداه في العمران واتساع الأحوال ولقد اختلفت عبارات من لقيناه من شيوخنا وأصحابنا حاجهم وتاجرهم بالحديث عنه سألت صاحبنا قاضي الجماعة بفاس وكبير العلماء بالمغرب أبا عبد الله المقري فقلت له كيف هي القاهرة فقال من لم يرها لم يعرف عز الإسلام وسألت شيخنا أبا العباس ابن إدريس كبير العلماء ببجاية مثل ذلك فقال كأنما انطلق أهله من الحساب يشير إلى كثرة أممه وأمنهم العواقب وحضرت صاحبنا قاضي العسكر بفاس الفقيه الكاتب أبا القاسم البرجي بمجلس السلطان أبي عنان منصرفه من السفارة عنه إلى ملوك مصر وتأدية رسالته النبوية إلى الضريح الكريم سنة خمس وخمسين وسأله عن القاهرة فقال أقول في العبارة عنها على سبيل الاختصار إن الذي يتخيله الإنسان فإن ما يراه دون الصورة التي تخيلها لاتساع الخيال على كل محسوس إلا القاهرة فإنها أوسع من كل ما يتخيل

فيها فأعجب السلطان والحاضرون بذلك انتهى كلام ابن خلدون ولا يخلو عن فائدة زائدة
فوائد عن المقري الجد
ولا بأس أن نورد من فوائد مولاي الجد ما حضرني الآن فمن ذلك ما حكاه ابن عبد الرزاق عن ابن قطران قال سمع يهودي بالحديث المأثور نعم الإدام الخل فأنكر ذلك حتى كاد يصرح بالقدح فبلغ ذلك بعض العلماء فأشار على الملك أن يقطع عن اليهود الخل وأسبابه سنة قال فما تمت حتى ظهر فيهم الجذام
ومنها أنه قال أنشدني الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد قال أنشدني الشيخ التقي ابن دقيق العيد لنفسه في معنى لطيف حجازي
( إذا كنت في نجد وطيب نعيمه ... تذكرت أهلي باللوى فمحسر )
( وإن كنت فيهم زدت شوقا ولوعة ... إلى ساكني نجد وعيل تصبري )
( فقد طال ما بين الفريقين موقفي ... فمن لي بنجد بين أهلي ومعشري )
ومنها ما حكاه عن عبد الله بن عبد الحق عن ابن قطرال قال كنت بالمدينة على ساكنها الصلاة والسلام إذ أقبل رافضي بفحمة في يده فكتب بها على جدار هناك
( من كان يعلم أن الله خالقه ... فلا يحب أبا بكر ولا عمرا )

وانصرف فألقى علي من الفطنة وحسن البديهة ما لم أعهد مثله من نفسي قبل فجعلت مكان يحب يسب ورجعت إلى مجلسي فجاء فوجده كما أصلحته فجعل يلتفت يمينا وشمالا كأنه يطلب من صنع ذلك ولم يتهمني فلما أعياه الأمر انصرف
ومنها أنه قال حدثت أن الزاهد أبا عمرة ابن غالب المرسي نزيل تلمسان وقد لقيت غير واحد من أصحابه سأله بعض أن يشهد عقد ابنته فتعذر عليه فلم يزل به حتى أجاب بعد جهد فحضر العقد وطعم الوليمة ثم لما حضرت ليلة الزفاف استحضره في ركوبها إلى دار زوجها على عادة أهل تلمسان فأجابه مسرعا فقيل له أين هذا التيسري من ذاك التعسير فقال من أكل طعام الناس مشى في خدمتهم أو كما قال
ومنها أنه قال حدثت أن الفقيه أبا عبد الله ابن العواد العدل بتونس التقى يوما مع القاضي أبي علي ابن قداح وكان ابن العواد شيخا فقال له أبو علي كبرت أبا عبد الله فصرت تمشي كل شبر بدينار يوري بكثرة الفائدة في مشيه إلى الشهادة فقال له كنت إذ كنت في سنك أخرج رزقي من الحجر يعرض لابن قداح بأنه جيار وكذلك كان هو وأبوه رحمهم الله تعالى جميعا وهذا من مزاج الأشراف كما جرى بين معاوية والأحنف انظر صدر أدب الكتاب
ومنها أنه قال قال لي الحاج أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الواحد الرباطي كنا عند الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد ففقد أحدنا نعليه فقال الشيخ كنا عند العلم التبريزي فدخل عليه رجل يدعى بشيرا فكلمه ثم خرج فلم يجد نعليه فرجع إلى العلم وأنشده
( دخلت إليك يا أملي بشيرا ... فلما أن خرجت خرجت بشرا )
( أعد يائي التي سقطت من اسمي ... فيائي في الحساب تعد عشرا )

وقال رحمه الله تعالى لما سعى أولاد الشيخ أبي شعيب بالقاضي أبي الحجاج الطرطوشي إلى السلطان وأمر بإشخاصه وكثر إرجاف المتشيعين فيهم من بعده وخرج الأمر على خلاف ما أملوا منه قال في ذلك
( حمدت الله في قوم أثاروا ... شرورا فاستحالت لي سرورا )
( وقالوا النار قد شبت فلما ... دنوت لها وجدت النار نورا )
ومنها أنه حكى أن الشيخ أبا القاسم ابن محمد اليمني مدرس دمشق ومفتيها حكى له بدمشق أنه قال له شيخ صالح برباط الخليل عليه السلام نزل بي مغربي فمرض حتى طال علي أمره فدعوت الله أن يفرج عني وعنه بموت أو صحة فرأيت النبي في المنام فقال أطعمه الكسكسون قال يقوله هكذا بالنون فصنعته له فكأنما جعلت له فيه الشفاء وكان أبو القاسم يقول فيه كذلك ويخالف الناس في حذف النون من هذا الاسم ويقول لا أعدل عن لفظ رسول الله ثم قال قلت ووجه هذا من الطب أن هذا الطعام مما يعتاده المغاربة ويشتهونه على كثرة استعمالهم له فربما نبه منه شهوة أو رده إلى عادة
وقال الجد رحمه الله تعالى رأيت بجامع الفسطاط من مصر فقيرا عليه قميص إلى جانبه دفاسة قائمة وبين يديه قلنسوة فذكر لي هنالك أنهما محشوتان بالبرادة وأن زنة الدفاسة أربعمائة رطل مصرية وهي ثلاثمائة وخمسون مغربية وزنة القلنسوة مائتا رطل مصرية وهي مائة وخمسة وسبعون مغربية فعمدت إلى الدفاسة فأخذتها من طوقها أنا ورجل آخر فأملناها بالجهد ثم أقمناها ولم نصل بها إلى الأرض وعدت إلى القلنسوة فأخذتها من إصبع كان

في رأسها فلم أطق حملها فتركتها وكان يوم جمعة فلما قضيت الصلاة مررنا في جملة من أصحابنا بالفقير فوجدناه لابسا تلك الدفاسة في عنقه واضعا تلك القلنسوة على رأسه فقام إلينا وإلى غيرنا ومشى بهما كما يمشي أحدنا بثيابه فجعلنا نتعجب ويشهد بعضنا بعضا على ما رأى من ذلك ولم يكن بالعظيم الخلقة
وقال رحمه الله تعالى كان الأستاذ ابن حكم قد بعث إلي بمحرر لأبعث به إلى من يعرضه للبيع ثم بلغه أن أحمالا من المتاع التونسي قد وصلت إلى البلد فكتب إلي الحمد لله الذي أمر عند كل مسجد بأخذ الزينة وصلواته الطيبة وبركاته الصيبة على من ختم به شريعته وأكمل دينه وعلى آله وأصحابه الذين اتبعوه والذين يتبعونه وبعد فما تعلق به الإعلام أن تعوضوا المحرر بإحرام لا يخفى على مثلكم جنسه ومجانسه ومن كلام العرب كل ثوب ولابسه وإن أربى على ثمن الأول ثمن الثاني فلست عن الزيادة والحمد لله بالواني
ومن فوائده أنه قال كتب في صدر رسالة إلى صاحبنا الشيخ الناسك أبي علي منصور ابن شيخ عصره وفريد دهره ناصر الدين المشدالي الشيخ الخاشع صاحبنا أبو الحسن علي بن موسى البحيري يذكره شوقه إلىلقائه لما كان يبلغه عنه حتى قدر باجتماعهما بوهران أيام قضاء البحيري بها
( أوحشتني ولو اطلعت على الذي ... لك في فؤادي لم تكن لي موحشا )
( يا محرقا بالنار قلب محبه ... أنسيت أنك مستكن في الحشا )
وقال رحمه الله تعالى أنشدني محمد البلفيقي قال أنشدني ابن رشيد قال أنشدني أبو حفص ابن الخيمي المصري لنفسه

( لو رأى وجه جبيبي عاذلي ... لتفاصلنا على وجه جميل )
وقال رحمه الله تعالى قال لي محمد بن داود بن المكتب قال لي بلال الحبشي خادم الشيخ أبي مدين كان الشيخ كثيرا ما ينشد هذا البيت
( الله قل وذر الوجود وما حوى ... إن كنت مرتادا بصدق مراد )
وقال رحمه الله تعالى دخلت على عبد الرحمن بن عفان الجزولي وهو يجود بنفسه وكنت قد رأيته قبل ذلك معافى فسألته عن السبب فأخبرني أنه خرج إلى لقاء السلطان فسقط عن دابته فتداعت أركانه فقلت ما حملك أن تتكلف مثل هذا في ارتفاع سنك فقال حب الرياسة آخر ما يخرج من قلوب الصديقين
وقال رحمه الله تعالى قال لي محمد بن مرزوق قال لي بعض أصحاب أبي إسحاق الطيار دفين عباد تلمسان إن أبا إسحاق أقام خمسا وعشرين سنة لا ينام إلا قاعدا فسألت ابن مرزوق لم لقب بالطيار فحدثني عن بعض أصحابه أنه نشر ذات يوم ثوبه في الشمس على بعض السطوح ثم قعد هنالك فمر به رجل فقال له طر فقال أعن أمرك قال نعم فطار حتى وقع على الأرض وما به من باس فقال الجد رحمه الله تعالى بعد هذا ما نصه فقلت إذا ما صار الحق للعبد سمعا وبصرا فسمع به وأبصر أصاخ إلى الأحوال واجتلى المعاني فيرى من غير مبصر ويسمع من غير ناطق كما قال الشيخ أبو عبد الله الشوذي الحلوي دفين تلمسان

( إذا نطق الوجود أصاخ قوم ... بآذان إلى نطق الوجود )
( وذاك النطق ليس به انعجام ... ولكن دق عن فهم البليد )
( فكن فطنا تنادى من قريب ... ولا تك من ينادى من بعيد )
وقال رحمه الله تعالى حدثت بمصر أن الشيخ سيدي عمر بن الفارض ولع بجمل فكان يستأجره من صاحبه ليتأنس به فقيل له لو اشتريته فقال المحبوب لا يملك فسألت في أي حال كان هذا منه فقيل لي في ابتداء أمره فقلت وجد اعتبار ( أفلا ينظرون إلى الإبل ) الغاشية 17 فوقفت به رؤية المعنى فيه عليه فأحبه مدلا وطلب مجلا
وقال رضي الله عنه حفظت من خط أبي زيد والد صاحبنا أبي الحسن قيل للغزالي ما تقول في الحلاج فقال وما عسى أن أقول فيمن شرب بكأس الصفاء على بساط الوفاء فسكر وعربد فاستوجب من الله الحد فكان حده شهادته ثم قال بعد هذا قلت عربد الحلاج في الحضرة لما نسي بسكره أوامره فانتصر الظاهر لنفسه لصحة تعلق اسمه وسدل الباطن على عذره حجاب الغيرة من إفشاء سره
( على سمة الأسماء تجري أمورهم ... وحكمة وصف الذات للحكم أجرت )
وقال رحمه الله تعالى سمعت شيخنا ببيت المقدس يقول تجلى الله على المسجد الأقصى بالجمال وعلىالمسجد الحرام بالجلال وعلى مسجد الرسول بالكمال قلت فذلك يوقف النواظر وذاك يملأ الخواطر وهذا يفتح البصائر
وقال رحمه الله تعالى أخبرني أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عنان فارس

نصره الله أن جده أمير المسلمين أبا سعيد سأل كاتبه عبد المهيمن الحضرمي عن تهادي أهل الحب التفاح دون الخوخ وكلاهما حسن المنظر طيب المخبر شديد شبه بأخيه سديد تشبيه الوجنات به لمتوخيه فقال ما عند مولانا فقال أرى ذلك لاشتمال التفاح على الحب الذي يذكر بالحب والهوى والخوخ على النوى الذي يذكر اسمه صفرة الجوى
وقال رحمه الله تعالى قال لي أبو حيان بالقاهرة قال لي عمر بن الخيمي تجاذبت أنا ونجم الدين بن إسرائيل هذا البيت
( يا بارقا بأعالي الرقمتين بدا ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب )
فتحاكمنا إلى ابن الفارض فأشار بأن ننظم قصيدة نضمنها البيت فنظم ونظمت
( يا مطلبا ليس لي في غيره أرب ... إليك آلى التقضي وانتهى الطلب )
فقضى به لي
وقال رحمه الله تعالى حدثت أن أبا زيد الهزميري بعث إلى أبي عمران التسولي وكان كثير الصلاة أنه لم يبق بينك وبين الله حجاب إلا الركيعات فرجع إليه ما معناه إن الاتصال كان منها فلا كان يوم الانفصال عنها يعني من رزق من باب فليلزمه
وقال رحمه الله تعالى كنت بجامع تلمسان وإلى جانبي رجل ينتمي إلى طريقة العرفان فجعل سائل يشكو الجوع والألم فتصدق ذلك الرجل عليه بدرهم وقال إياك أن تشكو الرحمن إلى من لا يرحم فقلت أمره أن

يسأل عزيزا بمولاه ونهاه أن يشكو ذليلا إلى سواه
وكان الفارابي كثيرا ما يقول يا رب إليك المشتكى حتى إنه يوجد أثناء كلامه في غير موضعه فيعجب منه من لا علم عنده بمنزعه
وقال رحمه الله تعالى حدثت أن الفخر مر ببعض شيوخ الصوفية فقيل للشيخ هذا يقيم على الصانع ألف دليل فلو قمت إليه فقال وعزته لو عرفه ما استدل عليه فبلغ ذلك الإمام فقال نحن نعلم من وراء الحجاب وهم ينظرون من غير حجاب
وقال رحمه الله تعالى حدثت أن رجلا كان يجلس إلى أبي الحسن الحرالي وكان يشرب الخمر فسكر ذات يوم فسقط على زجاجة فشج وجهه فاختفى إلى أن برئ ثم عاد إلى مجالسة الشيخ فلما رآه أنشد
( أجريح كاسات أرقت نجيعها ... طلب الترات يعز منه خلاص )
( لا تسفكن دم الزجاجة بعدها ... إن الجروح كما علمت قصاص )
ففهمها الشاب فتاب
وقال رحمه الله تعالى كثيرا ما كنت أسمع أبا محمد المجاصي ينشد هذا البيت
( هم الرجال وعيب أن يقال لمن ... لم يتصف بمعاني وصفهم رجل )
ثم يبكي وكان أهل البلد يسمونه البكاء وبعضهم الخاشع
ووجدت بخط مولاي الجد على ظهر كتابه القواعد ما نصه الحمد لله تعالى جده قرأت صدر كتاب زهرة البساتين للقاسم بن الطيلسان ثم سمعت ثلاثة أحاديث من أوله بل حديثا وأثرا وإنشادا من في الشيخ الخطيب الصالح أبي عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن عياش الأنصاري ثم تناولت منه جميع الكتاب المذكور وأجازنيه بحق سماعه لبعضه وتناوله لجميعه من جده

محمد المذكور بحق أخذه له عن مؤلفه صهره القاسم المذكور وذلك بالمسجد الجامع من مالقة المحروسة قال ذلك وكتبه محمد بن محمد بن أحمد المقري في متم عشرين لشهر ربيع الآخر من عام سبعة وخمسين وسبعمائة
وبخطه رحمه الله تعالى حيث ذكر ما نصه الحمد لله مخالفة القواعد الشرعية للعوائد العرفية كإنكار الحشر وفتنة القبر ونحوهما من الأمر بالمعروف للركون إلى المشهور المألوف أو كالتقليد مع الدليل الذي ذمه الشرع في محكم التنزيل
وبخطه أيضا الحمد لله قد تتابع صفات العام حتى يصير كأنه أشير به إلى شخص بعينه فيختص ومن ثم قيل في قول الله عز و جل ( ولا تطع كل حلاف مهين ) القلم 10 إنه الأخنس بن شريق وفي قوله تعالى ( ويل لكل همزة لمزة ) الهمزة 1 إنه أميه ابن خلف وفي قوله تعالى ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) المدثر 11 إنه الوليد بن المغيرة انتهى
ووجدت بخطه أيضا رحمه الله تعالى ما نصه الحمد لله قال لي المتوكل على الله أبو عنان أمير المؤمنين فارس بن علي كان جدنا أبو يوسف يعقوب ابن عبد الحق يقول الولايات ست ثلاث وقفتها على اختياري الحجابة والقصبة والشرطة وثلاث موكولة إليكم القضاء والإمامة والحسبة ثم قال رحمه الله تعالى وهذا تدبير حسن
ومن فوائده حدثني العدل أبو عبد الله محمد بن أبي زرع عن القاضي أبي عبدالله ابن أبي الصبر أنه أمر الوالي بفاس أن يبني فندق الشماعين وكان قد خرب فتوقف حتى يأذن السلطان فقال له أسلفني ما أبنيه به فإن أجاز ذلك السلطان وإلا رددته عليك ففعل فلما طولب ذكر ما قال له القاضي

فغضب السلطان وبعث فيه فجعل المبعوثون يأتونه واحدا بعد واحد وهو متمهل في وضوئه وإصلاح بزته ومركوبه ثم جعل يمشي الهوينا فلقيه ابنه فقال له أسرع فقد أكثر السلطان من التوجيه إليك وهو واجد عليك فقال له مسكين أبو يحيى خاف وثبت على حاله فلما كان في الطريق لقي بعض العلماء فتعرض إليه فقال قل بخفي لطفك بلطيف صنعك بجميل سترك دخلت في كنفك تشفعت بنبيك فحفظه ثم طلبه فلم يجده فجعل يقول ذلك فلما رآه السلطان سكن ما به ثم سأله عن ذلك برفق فقال له القاضي كرهت الخراب بقرب القرويين وبالشماعين الذي هو عين فاس فسألت الوالي ذلك على أني أغرم إن لم تجز وقلت له المرجو من السلطان أن يجعله حبسا فقال قد فعلت ثم بعث إلى الشهود وحبسه على الجامع وشكر للقاضي صنيعه وصرفه مغبوطا
وهذا السلطان هو أبو يعقوب يوسف بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني وتوفي محاصرا لتلمسان في ذي القعدة من عام ستة وسبعمائة وكان ابتداء حصاره إياها سنة ثمان وتسعين وستمائة وكان جملة الحصار فيما حدثت ألف شهر انتهى
ومن فوائد مولاي الجد رحمه الله تعالى ما حكاه تلميذه أبو إسحاق الشاطبي في كتاب الإنشادات والإفادات ونصه إفادة حضرت يوما مجلسا في المسجد الجامع بغرناطة مقدم الأستاذ القاضي أبي عبد الله المقري في أواخر ربيع الأول عام سبعة وخمسين وسبعمائة وقد جمع ذلك المجلس القاضي أبا عبد الله والقاضي أبا القاسم الشريف شيخنا والأستاذ أبا سعيد ابن لب والأستاذ أبا عبد الله البلنسي وذا الوزارتين أبا عبد الله ابن الخطيب وجماعة من الطلبة

فكان من جملة ما جرى أن قال القاضي أبو عبد الله المقري سئلت في مسألة في الأصول لم أجد لأحد فيها نصا وهي تخصيص العام المؤكد بمنفصل فأجبت بالجواز محتجا بقول الله عز و جل ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) الأعراف 33 فهذا عام مؤكد وقد قال رسول الله لم يحل الله من الفواحش إلا مسألة الناسي انتهى
ومن الكتاب المذكور ما نصه إفادة حدثني الشيخ الفقيه القاضي الجليل الشهير الخطير أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد المقري رحمه الله تعالى وأملاه علينا عن العالم الكبير أبي حيان ابن يوسف بن حيان أنه قال ورد كتاب من الأستاذ أبي عبد الله ابن مثبت الغرناطي إلى صاحب له يسمى حمزة وفيه سئل الشيخ قال أبو حيان يعني وجدت على ظهر نسخة من المفصل بخط عتيق سئل ابن الأخضر بمحضر ابن الأبرش علام انتصب قوله
( مقالة أن قد قلت سوف أناله ... ) فقال
( ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى ... )
فقال سألتك عن إعراب كلمة فأجبتني بشطر بيت فقال ابن الأبرش قد أجابك لو كنت تفهم قال أبو حيان فوقعت عليه للحين إن هذا الشطر من قول النابغة
( أتاني أبيت اللعن أنك لمتني ... وتلك التي تصطك منها المسامع )
( مقالة أن قد قلت سوف أناله ... وذلك من تلقاء مثلك رائع )
يروى مقالة بالرفع على أنه بدل من أنك لمتني الفاعل وبالفتح على ذلك إلا أنه بناه لما أضافه إلى مبني

ومنه إفادة حدثني الشيخ الفقيه القاضي أبو عبد الله المقري رحمه الله تعالى قال سئل أبو العباس ابن البناء رحمه الله تعالى وكان رجلا صالحا في قوله تعالى ( قالوا إن هذان لساحران ) طه 63 لم لم تعمل إن في هذان فقال لما لم يؤثر القول في المقول لم يؤثر العامل في المعمول فقال له يا سيدي هذا لا ينهض جوابا فإنه لا يلزم من بطلان قولهم بطلان عمل إن فقال له إن هذا الجواب نوارة لا تحتمل أن تحك بين الأكف انتهى
ومنه إفادة قال لنا الشيخ الأستاذ القاضي أبو عبد الله المقري رحمه الله تعالى إن أهل المنطق وغيره يزعمون أن الأسماء المعدولة لا تكاد توجد في كلام العرب وهي موجودة في القرآن وذلك قوله ( ولا فارض ولا بكر ولا عوان بين ذلك ) البقرة 68 فإن زعم زاعم أن ذلك على حذف المبتدأ ودخلت لا على الجملة وتقديره لا هي فارض ولا هي بكر قيل له إن كان يسوغ لك ذلك في هذا الموضع فلا يسوغ في قوله تعالى ( لا شرقية ولا غربية ) النور 35 فصح أن الاسم المعدول موجود فصيح في كلام العرب
ومنه إفادة حدثنا الأستاذ أبو عبد الله المقري قال سئل عن قوله تعالى ( وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ) الأنبياء 33 لم عاد ضمير من يعقل إلى ما لا يعقل فقال بعضهم لما اشرك مع من يعقل في السباحة وهي العوم عومل لذلك معاملته قال وهذا لا ينهض جوابا فإن السباحة لما لا يعقل كالحوت وإنما لمن يعقل العوم لا السباحة وأيضا فإلحاقه بما العوم له لازم كالحوت أولى من إلحاقه بما هو غير لازم له قال وأجاب الأستاذ أبو محمد عبد المهيمن الحضرمي السبتي بأن الشيء المعظم عند العرب تعامله معاملة العاقل وإن لم يكن عاقلا لعظمه عندهم وأجبت أنا بأنه لما عوملت في غير هذا الموضع معاملة من يعقل في نحو قوله تعالى ( والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) يوسف 4 لصدور أفعال العقلاء عنها أجرى عليها هنا ذلك الحكم للأنس به في موضعه

ومنه إفادة لقمني الشيخ الفقيه القاضي أبو عبد الله المقري رحمه الله تعالى لقمة بيده المباركة وقال لقمني الشيخ أبو عبد الله المسفر قال لقمني أبو زكريا المحياوي قال لقمني أبو محمد صالح قال لقمني الشيخ أبو مدين قال لقمني أبو الحسن ابن حرزهم قال لقمني ابن العربي قال لقمني الغزالي قال لقمني أبو المعالي قال لقمني أبو طالب المكي قال لقمني أبو محمد الجريري قال لقمني الجنيد قال لقمني قال لقمني معروف الكرخي قال لقمني داود الطائي قال لقمني العجمي قال لقمني الحسن البصري قال لقمني علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال لقمني رسول الله قلت وبهذا السند صافحته أيضا رضي الله تعالى عنه انتهى
وللمحدثين في هذا السند كلام مشهور وانتصر بعضهم للسادة الصوفية رضي الله تعالى عنهم
ومنه إنشادة أنشدني الشريشي الفقيه أبو عبد الله قال أنشدني القاضي المقري قال أنشدني الرباطي قال أنشدني ابن دقيق العيد لنفسه من صدر رسالة كتب بها لبعض إخوانه بالحجاز
( يهيم قلبي طربا عندما ... أستلمح البرق الحجازيا )
( ويستميل الوجد قلبي وقد ... أصبح لي ثوب الحجي زيا )
( يا هل أقضي من منى حاجتي ... فأنحر البدن المهاريا )
( وأوتوي من زمزم فهي لي ... ألذ من ريق المها ريا )

ومنه إفادة حدثنا الأستاذ القاضي أبو عبد الله المقري رحمه الله تعالى قال رأيت لبعض من ألف على كتاب الكشاف للزمخشري فائدة لم أرها لغيره في قوله تعالى ( والراسخون في العلم ) إذ الناس يختلفون في هذا الموضع اختلافا كثيرا فقال قوم الراسخون في العلم يعلمون تأوليه والوقوف عند قوله ( والراسخون في العلم ) وقال قوم إن الراسخين لا يعلمون تأويله وإنما يوقف عند قوله ( وما يعلم تأويله إلا الله ) فقال هذا القائل إن الآية من باب الجمع والتفريق والتقسيم من أنواع البيان وذلك لأن قوله تعالى ( هو الذي نزل عليك الكتاب ) هو جمع وقوله ( منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ) تفريق وقوله تعالى ( فأما الذين في قلوبهم زيغ ) إلى قوله تعالى ( وابتغاء تأويه ) أحد طرفي التقسيم وقوله تعالى ( والراسخون في العلم ) الطرف الثاني وتقديره وأما الراسخون في العلم فيقولون آمنا به وجاء قوله تعالى ( وما يعلم تأويله إلا الله ) آل عمران 7 اعتراضا بين طرفي التقسيم قال وهذا مثل قوله تعالى ( وأنا منا المسلمون - الآية ) الجن 14 فقوله ( وأنا ) جمع وقوله ( منا مسلمون ومنا القاسطون ) تفريق وقوله ( فمن أسلم ) ( وأما القاسطون ) تقسيم وهو من بديع التفسير قلت ومثله أيضا قوله تعالى ( يوم يأت لا تكلم نفس إلا بأذنه - الآيات ) هود 105 انتهى
ومنه إنشادة أنشدنا الشيخ الفقيه القاضي أبو عبد الله المقري في القول بالموجب لبعض العلماء في وديعة
( إن قال قد ضاعت فصدق أنها ... ضاعت ولكن منك يعني لو تعي )
( أو قال قد وقعت فصدق أنها ... وقعت ولكن منه أحسن موقع )
ومنه إنشادة أيضا من القول بالموجب لبعض الحنابلة

( يحجون بالمال الذي يجمعونه ... حراما إلى البيت العتيق المحرم )
( ويزعم كل أن تحط ذنوبهم ... تحط ولكن فوقهم في جهنم )
ومنه إفادة كتب لي بخطه شيخنا الفقيه القاضي الجليل أبو عبد الله المقري رحمه الله تعالى على ظهر التسهيل لابن مالك الذي كتبه بخطي بعدما كتب لي بخطه روايته فيه عن أبي الحسن ابن مزاحم عن بدر الدين ابن جماعة عن المؤلف فكتب بعد ذلك ما نصه قال محمد بن محمد المقري بدر الدين ابن جماعة المذكور يدعى بقاضي القضاة على ما جرت به عوائد أهل المشرق في تسمية وأنا أكره هذا الإسم محتجا بقول النبي صلى الله عليه و سلم إن أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى الملوك لا ملك إلا الله انتهى ما انتقيته من كتاب الإنشادات والإفادات للشاطبي فيما يتعلق بجدي رحمه الله تعالى
ومن فوائد مولاي الجد رحمه الله مما لم يذكر فيما سبق أنه حكي أن ابن أمجوط الموله دخل في حلقة أبي عبد الله ابن رشيد بجامع القرويين وبين رجليه قصبة كأنها فرس وبيده اخرى كأنها رمح فانتهره رجل فضربه برمحه على رأسه وقال له اسكت يا ميت فأبهت الناس لكلامه فقال له الشيخ يا فقير أنت في حال ونحن في مقال وشأن أرباب الأحوال التسليم لأصحاب المقال فنظر إليه الموله وانصرف ثم لم ينشب المنتهر أن توفي بعد ذلك بأيام قلائل
أخبار للمقري عن ابن شاطر
ومنها قلت لابن شاطر يوما كيف حالك فقال محبوس في الروح

وصدق لأن الدنيا سجن المؤمن ولا مخلص له من حبسه إلا بمفارقة نفسه
وقال سألت ابن شاطر عن معنى قول ابن الفارض
( فلم أله باللاهوت عن حكم مظهري ... ولم أنس بالناسوت موضع حكمتي )
فقال يقول ما أنا بالحلاج ولا ببلعام ثم قال مولاي الجد بعد هذا الكلام ما صورته قلت وهذا هو الإنسان على الكمال والتمام ولقد سمعته يقول في الحلاج نصف إنسان يشير إلى البيت
وقال أيضا رحمه الله تعالى سمع ابن شاطر إنسانا يقول الجنة رخيصة فقال كيف تكون رخيصة والله عز و جل يقول ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) التوبة 111 انتهى ثم قال مولاي الجد بأثر هذا الكلام قلت ما الأنفس والأموال في جنب ما فيها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لا سيما وفوق هذه الحسنى زيادة الإكرام بالنظر والرضى
وقال أيضا قيل لابن شاطر صف لنا الدنيا فقال ( كسراب بقيعة ) النور 39 الآيتين فبلغ ذلك أبا زيد ابن الإمام فأنكر عائبا لاستحسان سامعه تاليا ( يحرفون الكلم عن مواضعه ) المائدة 13 ولقد أصيب المتعسف بأدهى منها وأمر فإنه أفحم يوما ببعض أهل النظر فتلا عليه ( فبهت الذي كفر ) البقرة 58 على أن له أن يقول لم أخرج الآية عن مرادها فالبهت من انقطاع المعاند والكفر من جحد الجاحد ولنا أن نقول التحريف المذموم هو التحويل للإبطال وليس هذا في قصد الممثل الأول بالمثال انتهى
وهذا كله على مذهب جمهور المالكية في منع الاقتباس وللكلام على ذلك موضع غير هذا فليراجع في كتب البيان وغيرها

وقال رحمه الله تعالى حدثت أن المتوكل على الله أبا عنان رحمه الله تعالى أعطى ابن شاطر ألف دينار ليحج بها فمر بها إلى تلمسان يدفع منها شيئا فشيئا للمتفرجين بغدير الوريط شرقي عباد تلمسان إلى أن نفدت فلما ورد السلطان أبو عنان تلمسان لقيه بسوق العطارين من منشر الجلد فقال له ياسيدي أبا عبد الله حج مبرور فقال له إذا جهلت أصل المال فانظر مصارفه ويأبى الله إلا أن ينفق الخبيث في مثله فضحك السلطان وانصرف انتهى
وكان لابن شاطر هذا عجائب ولم يكن مخلا بشيء من الحقوق الشرعية وكان معتقدا عند اهل وقته وكان السلطان أبو عنان على فقهه يعظمه ويصله ويسلم له وبات عنده ليلة بقصره وكان يدخل القصر ولا تحتجب منه الجواري فاحتاج إلى البول فبال في قبة القصر عظيمة فانتهرته إحدى الجواري وقالت له أتبول في قبة مولانا فقال لها إن قبة مولانا الخضراء أعظم من هذه وأنا أفعل تحتها ما هو أفظع من البول وما انتهرني قط فذكرت ذلك الجارية للسلطان فضحك وعلم أنه يريد السماء وكان يكتب القرآن والعمدة ولا يغلق حرفا مجوفا فإذا غلب على ذلك أصلحه حتى حكي أنه سافر لإصلاح حرف مجوف أغلقه سهوا من نسخة كان باعها ولم يتذكر ذلك حتى سافر مشتريها فما رجع حتى جدده
وحكى الشيخ أبو القاسم ابن داود الفخار السلوي أن الشيخ أبا عبد الله الشريف التلمساني صاحب المفتاح في أصول الفقه وشارح الجمل الخونجية المتوفي عام اثنين وسبعين وسبعمائة دفين المدرسة اليعقوبية من تلمسان المحروسة افتتح شرح العمدة بما نصه اللهم احمد نفسك عمن أمرته أن يتخذك وكيلا حمدا عائدا منك إليك متحديا بك دائما بدوام ملكك لا منقطعا ولا مفصولا

قال فقال لي أبو عبد الله ابن شاطر ما هو انفصال عالم الملك فقلت له بالضرورية الوقتية فقال لي ما أجهلك وأجهل سيدك أبا عبد الله وأجهل ابن سودكين الذي اخذ من كتابه هذا الحمد إذ قال لا منقطعا ولا مفصولا بعد قوله بدوام ملكك وهو بالضرورية الوقتية وهي منقطعة فهلا قال دائما بدوام قيوميتك وعظيم قدرك ومجدك الأعلى وسبحات وجهك الأكرم لا منقطعا ولا مفصولا فبلغ لذلك أبا عبد الله الشريف فبدله انتهى
واخبار ابن شاطر كثيرة وقد مر ذكره في كلام مولاي الجد رحمه الله تعالى وسيأتي ما ذكره لسان الدين به في الإحاطة
تتمة الفوائد عن المقري
ومن فوائد مولاي الجد رحمه الله تعالى ما قاله إثر قول الرازي في التفسير الحس أقوى من العقل ونصه هذا على ما حكاه في المحصل من أن المعقولات فرع المحسوسات قال ولذلك من فقد حسا فقد فقد علما كالأكمه والعنين ومذهب جمهور الفلاسفة أن اليقينيات هي المعقولات لا المحسوسات انظر المحصل انتهى
ومن فوائده رحمه الله تعالى أنه قال أنشدت يوما الآبلي قول ابن الرومي
( أفنى وأعمى ذا الطبيب بطبه ... وبكحله الأحياء والبصراء )
( فإذا مررت رأيت من عميانه ... أمما على أمواته قراء )
فاستعادني حتى عجبت منه مع ما أعرف من عدم ميله إلى الشعر وانفعاله له وظننت أنه أعجب بما تضمنه البيت الأول من غريب اللف والنشر المكرر الذي لا أعرف له ثانيا فيه فقال أظننت أني أستحسنت الشعر فقلت مثلك

يستحسن مثل هذا الشعر فقال إنما تعرفت منه كون العميان كانوا في ذلك الزمان يقرؤون على المقابر فإنني كنت أرى ذلك حديث العهد فاستفدت التاريخ
وقال مولاي الجد رحمه الله تعالى حدثني الآبلي أن أبا عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن أبي العيش الخزرجي الخطيب بتلمسان كان يقول في خطبته من يطع الله ورسوله فقد رشد بالكسر وكان الطلبة ينكرون عليه ذلك فلما ورد عليهم الراوية الرحلة أبو عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الفهري سمعه يقول ذلك فأنكر عليه في جملتهم وبلغ الخطيب ذلك فلم يرجع فلما قفل ابن رشيد من وجهته تلك دخل على الأستاذ أبي الحسن ابن أبي الربيع بسبتة فهنأه بالقدوم وقال له فيما قال رشدت يا ابن رشيد ورشدت لغتان صحيحتان حكاهما يعقوب في الإصلاح ثم قال مولاي الجد قلت هذه كرامة للرجلين أو للثلاثة
وقال رحمه الله تعالى قال طالب لشيخنا الآبلي يوما مفهوم اللقب صحيح فقال له الشيخ قل زيد موجود فقال زيد موجود فقال له الشيخ أما أنا فلا أقول شيئا فعرف الطالب ما وقع فيه فخجل
وهذا الآبلي تقدم في كلام مولاي الجد رحمه الله تعالى أنه عالم الدنيا وهو تلمساني كما تقدم قال تلميذه أبو القاسم السلوي الفخار دخل علي شيخنا الآبلي يوما وأنا أعجن طين الفخارة فقال لي ما علامة قبول هذه المادة أكمل صورة ترد عليها فقلت أن تدفع عن نفسها ما هو من غير جنسها من حجر أو زبل أو غيره فأدركه وجد عظيم حتى إنه صاح وقام وقعد وبقي هنية مطرقا برأسه مفكرا ثم قال هكذا هي النفوس البشرية

قال وقال لي يوما وقد وجد الصبيان يصوتون بقصب رقاق على الذباب فإذا خرج قتلوه الغلط الداخل عليه من أي أنواع المغلطات هو فقلت له من إيهام العكس لما كان كل ذباب مصوتا ظن أن كل مصوت ذباب فاستحسن ذلك
قلت وحدثني مولاي العم الإمام شيخ الإسلام سيدي سعيد بن أحمد المقري رحمه الله تعالى عن شيخه ابن جلال مفتي حضرتي فاس وتلمسان أنه كان يحكي أن الغلط جاءه من عدم كلية الكبرى في الشكل الأول لأنه ركبه هكذا هذا مصوت وكل مصوت ذباب وقد علمت أنها هنا إنما تصدق جزئية لا كلية وإذا كانت جزئية بطل الإنتاج لأن ذلك من الضروب العقيمة انتهى
ومن فوائد مولاي الجد رحمه الله تعالى أنه قال سمعت شيخنا الآبلي يقول ما في الأمة المحمدية أشعر من ابن الفارض
وقال أيضا رحمه الله تعالى سمعت شيخنا الآبلي يقول إنما أفسد العلم كثرة التواليف وإنما أذهبه بنيان المدارس وكان ينتصف له من المؤلفين والبانين وإنه لكما قال غير أن في شرح ذلك طولا وذلك أن التأليف نسخ الرحلة التي هي أصل جمع العلم فكان الرجل ينفق فيها المال الكثير وقد لا يحصل له من العلم إلا النزر اليسير لأن عنايته على قدر مشقته في طلبه ثم صار يشتري أكبر ديوان بأبخس ثمن فلا يقع منه أكثر من موقع ما عوض عنه فلم يزل الأمر كذلك حتى نسي الأول بالآخر وأفضى الأمر إلى ما يسخر منه الساخر وأما البناء فلأنه يجذب الطلبة إلى ما يرتب فيه من الجرايات فيقبل بها على من

يعينه أهل الرياسة للأجراء والإقراء منهم أو ممن يرضى لنفسه الدخول في حكمهم ويصرفونها عن أهل العلم حقيقة الذين لا يدعون إلى ذلك وإن دعوا لم يجيبوا وإن أجابوا لم يوفوا لهم بما يطلبون من غيرهم ثم قال مولاي الجد رحمه الله تعالى ولقد استباح الناس النقل من المختصرات الغريبة أربابها ونسبوا ظواهر ما فيها إلى أمهاتها وقد نبه عبد الحق في تعقيب التهذيب على ما يمنع من ذلك لو كان من يسمع وذيلت كتابه بمثل عدد مسائله أجمع ثم تركوا الرواية فكثر التصحيف وانقطعت سلسلة الإتصال فصارت الفتاوي تنقل من كتب من لا يدري ما زيد فيها مما نقص منها لعدم تصحيحها وقلة الكشف عنها ولقد كان أهل المائة السادسة وصدر السابعة لا يسوغون الفتوى من تبصرة الشيخ أبي الحسن اللخمي لكونه لم يصحح على مؤلفه ولم يؤخذ عنه وأكثر ما يعتمد اليوم ما كان من هذا النمط ثم انضاف إلى ذلك عدم الاعتبار بالناقلين فصار يؤخذ من كتب المسخوطين كما يؤخذ من كتب المرضيين بل لا تكاد تجد من يفرق بين الفريقين ولم يكن هذا فيمن قبلنا فلقد تركوا كتب البراذعي على نبلها ولم يستعمل منها على كره من كثير منهم غير التهذيب الذي هو المدونة اليوم لشهرة مسائله وموافقته في أكثر ما خالف فيه المدونة لأبي محمد ثم كل أهل هذه المائة عن حال من قبلهم من حفظ المختصرات وشق الشروح والأصول والكبار فاقتصروا على حفظ ما قل لفظه ونزر حظه وأفنوا أعمارهم في فهم رموزه وحل لغوزه ولم يصلوا إلى رد ما فيه إلى أصوله بالتصحيح فضلا عن معرفة الضعيف من ذلك والصحيح بل هو حل مقفل وفهم أمر مجمل ومطالعة تقييدات

زعموا أنها تستنهض النفوس فبينا نحن نستكبر العدول عن كتب الأئمة إلى كتب الشيوخ أتيحت لنا تقييدات للجهلة بل مسودات المسوخ فإنا لله وإنا إليه راجعون فهذه جملة تهديك إلى أصل العلم وتريك ما غفل الناس عنه انتهى
ولنصلها بخاتمة تشير إلى حال العلماء أيضا اعلم أن شر العلماء علماء السلاطين وللعلماء معهم أحوال فكان الصدر الأول يفرون منهم وهم يطلبونهم فإذا حضر واحد منهم أفرغوا عليه الدنيا إفراغا ليقتنصوا بذلك غيره ثم جاء أهل العصر الثاني فطمحت أنفسهم إلى دنيا من حصل لهم ومنعهم قرب العهد بالخير عن إتيانهم فكانوا لا يأتونهم فإن دعوهم أجابوهم إلا القليل فانتقصوا مما كان لغيرهم بقدر ما نقصوا من منابذتهم ثم كان فيمن بعدهم من يأتيهم بلا دعوة وأكثرهم إن دعى اجاب فانتقصوا بقدر ذلك أيضا ثم تطارح جمهور من بعدهم عليهم فاستغنوا بهم عن دعاء غيرهم لا على جهة الفضل أو محبة المدحة منهم فلم يبقوا عليهم من ذلك إلا النزر اليسير وصرفوهم في أنواع السخر والخدم إلا القليل وهم ينتظرون صرفهم والتصريح بالاستغناء عنهم وعدم الحاجة إليهم ولا تستعظم هذا فلعله سبب إعادة الحال جذعة عجب الله من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل وهذا كله ليظهر لك سر قول النبي لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه خلفهم قيل اليهود والنصارى قال فمن وقد قص علينا القرآن والأخبار من أمرهم ما شاهدنا أكثره او أكثر منه فينا سمعت العلامة الآبلي يقول لولا انقطاع الوحي لنزل فينا أكثر مما نزل فيهم لأنا أتينا أكثر مما اتوا يشير

إلى افتراق هذه الأمة على أكثر مما افترقت عليه بنو إسرائيل واشتهار بأسهم بينهم إلى يوم القيامة حتى ضعفوا بذلك عن عدوهم وتعدد ملوكهم لاتساع أقطارهم واختلاف أنسابهم وعوائدهم حتى غلبوا بذلك على الخلافة فنزعت من أيديهم وساروا في الملك بسير من قبلهم مع غلبة الهوى واندراس معالم التقوى لكنا آخر الأمم أطلعنا الله من غيرنا على أقل مما ستر منا وهو المرجو أن يتم نعمته علينا ولا يرفع ستره الجميل عنا فمن أشد ذلك إتلافا لغرضنا تحريف الكلم عن مواضعه الصحيحة أن ذلك لم يكن بتبديل اللفظ إذ لا يمكن ذلك في المشهورات من كتب العلماء المستعملة فكيف في الكتب الإلهية وإنما كان ذلك بالتأويل كما قال ابن عباس وغيره وأنت تبصر ما اشتملت عليه كتب التفسير من الخلاف وما حملت الآي والأخبار من التأويلات الضعاف قيل لمالك لم اختلف الناس في تفسير القرآن فقال قالوا بآرائهم فاختلفوا أين هذه من قول الصديق أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله عز و جل برأيي كيف وبعض ذلك قد انحرف عن سبيل العدل إلى بعض الميل وأقرب ما يحمل عليه جمهور اختلافهم أن يكون بعضهم قد علم بقصد إلى تحقيق نزول الآية من سبب أو حكم أو غيرهما وآخرون لم يعلموا ذلك على التعيين فلما طال بحثهم وظنوا عجزهم ارادوا تصوير الآية بما يسكن النفوس إلى فهمها في الجملة ليخرجوا عن حد الإبهام المطلق فذكروا ما ذكروه على جهة التمثيل لا على سبيل القطع بالتعيين بل منه ما لا يعلم أنه أريد لا عموما ولا خصوصا لكنه يجوز أن يكون المراد فإن لم يكن إياه فهو قريب من معناه ومنه أنه مراد لكن بحسب الشركة والخصوصية مع جواز أن يكون هو المراد بحسب الخصوصية ثم اختلط الأمران والحق أن تفسير القرأن من أصعب الأمور فالإقدام عليه جراءة وقد قال الحسن

لابن سيرين تعبر الرؤيا كأنك من آل يعقوب فقال له تفسر القرآن كأنك شهدت التنزيل وقد صح أن رسول الله لم يكن يفسر من القرآن إلا آيات معدودة وكذلك أصحابه والتابعون بعدهم وتكلم أهل النقل في صحة التفسير المنسوب لابن عباس إليه إلى غير ذلك ولا رخصة في تعيين الأسباب والناسخ والمنسوخ إلا بنقل صحيح أو برهان صريح وإنما الرخصة في تفهيم ما تفهمه العرب بطباعها من لغة وإعراب وبلاغة لبيان إعجاز ونحوها انتهى
ترجمة المقري من نيل الابتهاج
ولنرجع إلى بقية أنباء مولاي الجد رحمه الله فنقول قال صاحب نيل الابتهاج بتطريز الديباج ما صورته محمد بن محمد بن احمد القرشي التلمساني الشهير بالمقري بفتح الميم وتشديد القاف المفتوحة كذا ضبطه الشيخ عبد الرحمن الثعالبي في كتابه العلوم الفاخرة وضبطه ابن الأحمر في فهرسته وسيدي أحمد زروق بفتح الميم وسكون القاف الإمام العلامة النظار المحقق القدوة الحجة الجليل الرحلة أحد فحول أكابر علماء المذهب المتأخرين الأثبات قاضي الجماعة بفاس ذكره ابن فرحون في الأصل يعني الديباج وأثنى عليه انتهى
وقال الخطيب ابن مرزوق كان صاحبنا المقري معلوم القدر مشهور الذكر بالخير تبعه بعد موته من حسن الثناء وصالح الدعاء ما يرجى له النفع به يوم اللقاء وعوارفه معلومة عند الفقهاء ومشهورة بين الدهماء انتهى

وقال أبو العباس الونشريسي في بعض فوائده ومقره بفتح الميم بعدها قاف مفتوحة مشددة قرية من قرى بلاد الزاب من أعمال إفريقية سكنها سلفه ثم تحولوا إلى تلمسان وبها ولد الفقيه المذكور وبها نشأ وقرأ وأقرأ إلى أن خرج منها صحبة الركاب المتوكلي العناني أمير المؤمنين فارس عام تسعة وأربعين وسبعمائة إلى مدينة فاس المحروسة فولاه القضاء فنهض بأعبائه علما وعملا وحمدت سيرته ولم تأخذه في الله لومة لائم إلى أن توفي بها إثر قدومه من بلاد الأندلس في غرض الرسالة لأبي عنان عام تسعة وخمسين وسبعمائة ثم نقل إلى مسقط رأسه تلمسان
وقال في موضع آخر إنه توفي رحمه الله تعالى يوم الأربعاء التاسع والعشرين من جمادى الأولى عام تسعة وخمسين وسبعمائة بمدينة فاس المحروسة ثم نقل إلى تلمسان محل ولادته ومقر أسلافه ودفن بها في البستان الملاصق لقبلي داره الكائنة بباب الصرف من البلد المذكور وهو الآن على ملك بعض ورثة الشيخ أبي يحيى الشريف انتهى
ومن أخبار مولاي الجد رحمه الله تعالى أنه قال شهدت الوقفة سنة أربع وأربعين وسبعمائة وكانت جمعة الخطيب في سابع ذي الحجة في الناس بالمسجد الحرام وقال إن جمعة هذه خاتمة مائة جمعة وقف بها من الجمعة التي وقف فيها رسول الله في حجة الوداع آخر عشر من الهجرة وشاع ذلك في الناس وذاع وكان علم ذلك مما تواتر عندهم والله أعلم وهم يزعمون أن الجمعة تدور على خمس سنين وهذا مناف لذلك ولكن كثير منهم ينكر اطراد هذا ويقول إنها قد تكون على خلاف ذلك فلا أدري

ومنها أنه قال شهدت شمس الدين بن قيم الجوزية قيم الحنابلة بدمشق وقد سأله رجل عن قوله عليه الصلاة و السلام من مات له ثلاثة من الولد كانوا له حجابا من النار كيف إن أتى بعد ذلك بكبيرة فقال موت الولد حجاب والكبيرة خرق لذلك الحجاب وإنما يكون الحجاب حجابا ما لم يخرق فإذا خرق فقد زال عن أن يكون حجابا ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة و السلام الصوم جنة ما لم يخرقها ثم قال وهذا الرجل أكبر أصحاب تقي الدين ابن تيمية
ومن أخبار مولاي الجد الدالة على صرامته ما حكاه ابن الأزرق عنه أنه كان يحضر مجلس السلطان أبي عنان لبث العلم وكان نقيب الشرفاء بفاس إذا دخل مجلس السلطان يقوم له السلطان وجميع من في المجلس إجلالا له إلا الشيخ المقري فإنه كان لا يقوم في جملتهم فأحس النقيب من ذلك وشكاه إلى السلطان فقال له السلطان هذا رجل وارد علينا على حاله إلى أن ينصرف فدخل النقيب في بعض الأيام على عادته فقام له السلطان على العادة وأهل المجلس فنظر إلى المقري وقال له أيها الفقيه ما لك لا تقوم كما يفعل السلطان نصره الله وأهل مجلسه إكراما لجدي ولشرفي ومن أنت حتى لا تقوم لي فنظر إليه المقري وقال له أما شرفي فمحقق بالعلم الذي أنا أبثه ولا يرتاب فيه أحد وأما شرفك فمظنون ومن لنا بصحته منذ أزيد من سبعمائة سنة ولو علمنا شرفك قطعا لأقمنا هذا من هنا وأشار إلى السلطان أبي عنان وأجلسناك مجلسه فسكت انتهى

قال ابن الأزرق وعلى اعتذاره ذلك بأن الشرف الآن مظنون فمن معنى ذلك أيضا ما يحكى عنه أنه كان يقرأ بين يدي السلطان أبي عنان المذكور صحيح مسلم بحضرة أكابر فقهاء فاس وخاصتهم فلما وصل إلى أحاديث الأئمة من قريش قال الناس إن قال الشيخ الأئمة من قريش وأفصح بذلك استوغر قلب السلطان وإن ورى وقع في محظور فجعلوا يتوقعون له ذلك فلما وصل إلى الأحاديث قال بحضرة السلطان والجمهور أن الأئمة من قريش ثلاثا ويقول بعد كل كلمة وغيرهم متغلب ثم نظر إلى السلطان وقال له لا عليك فإن القرشي اليوم مظنون أنت أهل للخلافة إذ بعض الشروط قد توفرت فيك والحمد لله فلما انصرف إلى منزله بعث له السلطان بألف دينار انتهى
قال أبو عبد الله ابن الأزرق قلت ويلزم أيضا من اعتذاره أن قيام السلطان لذي الشرف المحقق بالعلم أولى بالمحافظة على تعظيم حرمات الله وقد روي عن بعض الأمراء أنه تكبر على ذلك واستخف بمنزلة من عظم به غيره فسلبه الله ملكه وملك بنيه من بعده انتهى
ومن أجوبة مولاي الجد رحمه الله تعالى قوله سألني السلطان عمن لزمته يمين على نفي العلم فحلف جهلا على البت هل يعيد أم لا فأجبته بإعادتها وقد كان من حضر من الفقهاء أفتوا بأن لا تعاد لأنه أتى بأكثر مما أمر به على وجه يتضمنه فقلت له اليمين على وجه الشك غموس قال ابن يونس والغموس الحلف على تعمد الكذب أو علىغير يقين ولا شك أن الغموس محرمة منهي عنها والنهي يدل على الفساد ومعناه في العقود عدم ترتب أثره فلا أثر لهذه اليمين ويجب أن تعاد وقد يكون من هذا اختلافهم فيمن إذنها

السكوت فتكلمت هل يجتزأ بذلك والإجزاء هنا أقرب لأنه الأصل والصمات رخصة لغلبة الحياء فإن قلت البت أصل ونفي العلم إنما يعتبر عند تعذره قلت ليس رخصة كالصمات
ومنها أنه قال سألني بعض الفقراء عن السبب في سوء بخت المسلمين في ملوكهم إذ لم يل امرهم من يسلك بهم الجادة ويحملهم على الواضحة بل من يغتر في مصلحة دنياه غافلا عن عاقبة أخراه فلا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة ولا يراعي عهدا ولا حرمة فأجبته بأن ذاك لأن الملك ليس في شريعتنا وذلك أنه كان فيمن كان قبلنا شرعا قال الله تعالى ممتنا على بني إسرائيل ( وجعلكم ملوكا ) المائدة 20 ولم يكن ذلك في هذه الأمة بل جعل لهم خلافة قال الله تعالى ( وعد الله الذين آمنوا منكم والذين عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض - الآية ) النور 55 وقال تعالى ( وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ) البقرة 247 وقال سليمان ( رب اغفر لي وهب لي ملكا ) ص 35 فجعلهم الله تعالى ملوكا ولم يجعل في شرعنا إلا الخلفاء فكان أبو بكر خليفة رسول الله وإن لم يستخلفه نصا لكن فهم الناس ذلك فهما وأجمعوا على تسميته بذلك ثم استخلف أبو بكر عمر فخرج بها عن سبيل الملك الذي يرثه الولد عن الوالد إلى سبيل الخلافة الذي هو النظر والإختيار ونص في ذلك على عهده ثم اتفق أهل الشورى على عثمان فإخراج عمر لها عن بنيه إلى الشورى دليل على أنها ليست ملكا ثم تعين علي بعد ذلك إذ لم يبق مثله فبايعه من آثر الحق على الهوى واصطفى الآخرة على الدنيا ثم الحسن كذلك ثم كان معاوية أول من حول الخلافة ملكا والخشونة

لينا ثم إن ربك من بعدها لغفور رحيم فجعلها ميراثا فلما خرج بها عن وضعها لم يستقيم ملك فيها ألا ترى أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان خليفة لا ملكا لأن سليمان رحمه الله تعالى رغب عن بني أمية إيثارا لحق المسلمين ولئلا يتقلدها حيا وميتا وكان يعلم اجتماع الناس عليه فلم يسلك طريق الاستقامة بالناس قط إلا خليفة وأما الملوك فعلى ما ذكرت إلا من قل وغالب أفعاله غير مرضية انتهى
وفوائد مولاي الجد وتحفه وطرفه ولطائفه ودقائقه يستدعي استقصاؤها مجلدات فلنكتف بما قدمناه
( وفي الإشارة ما يغني عن الكلم ... )
مؤلفات المقري الجد
وأما تآليفه فكثيرة منها كتاب القواعد اشتمل على ألف قاعدة ومائتي قاعدة قال العلامة الونشريسي في حقه إنه كتاب غزي العلم كثير الفوائد لم يسبق إلى مثله بيد أنه يفتقر إلى عالم فتاح انتهى
وقد أشار فيه إلى مأخذ الأربعة وهو قليل بهذه الديار المشرقية ولم أر منه بمصر إلا نسخة عند بعض الأصحاب وذكر أنها من أوقاف رواق المغاربة بالأزهر المعمور وأما قول لسان الدين في الإحاطة عند تعرضه لذكر تآليف مولاي الجد ما صورته ألف كتابا يشتمل على أزيد من مائة مسألة فقهية ضمنها كل أصل من الرأي والمباحثة فهو غير القواعد بلا مرية

ومنها كتاب الطرف والتحف غاية في الحسن والظرف قاله الونشريسي وقد وقفت على بعضه فرأيت العجب العجاب
ومنها اختصار المحصل ولم يكمله وشرحه لجمل الخونجي كذلك ومنها كتاب عمل من طب لمن حب وهو بديع في بابه مشتمل على أنواع الأول فيه أحاديث حكمية كأحاديث الشهاب وسراج المهتدين لابن العربي والنوع الثاني منه الكليات الفقهية على جملة أبواب الفقيه في غاية الإفادة والثالث في قواعد وأصول والرابع في اصطلاحات وألفاظ قال الونشريسي وقد أطلعني الفقيه أبو محمد عبد الله بن عبد الخالق على نسخة من هذا الكتاب فتلطفت في استنساخها فلم يسمح به انتهى
قلت وقد رأيت هذا الكتاب بحضرة فاس عند بعض أولاد ملوك تلمسان وهو فوق ما يوصف وفيه يقول مولاي الجد رحمه الله تعالى
( هذا كتاب بديع في محاسنه ... ضمنته كل شيء خلته حسنا )
( فكل ما فيه إن مر اللبيب به ... ولم يشم عبيرا شام منه سنا )
( فخذه واشدد به كف الضنين وذذ ... حتى تحصله عن جفنك الوسنا )
وهذه الأبيات كافية في وصف هذا الكتاب إذ صاحب البيت أدرى بالذي فيه
تقول من كتاب المحاضرات للمقري الجد
ومنها كتاب المحاضرات وفيه من الفوائد والحكايات والإشارات كثير وقد ملكت منه بالمغرب نسختين فلنذكر منه بعض الفوائد فنقول قال رحمه الله تعالى قيل لصوفي لم تقول الله الله ولا تقول لا إله إلا الله فقال

نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب وهذا إن لم يكن في هذه الكلمة لأنها أفضل ما قالته الأنبياء فهو في كثير من التنزيه الذي يطلقه المتكلمون وغيرهم حتى قال الشاشي عنهم إنهم يتمندلون بأسماء الله عز و جل ما عرفه من كيفه ولا وحده من مثله ولا عبده من شبهه المشبه أعشى والمعطل أعمى المشبه متلوث بفرث التجسيم والمعطل نجس بدم الجحود ونصيب المحق لبن خالص وهو التنزيه انزل من علو التشبيه ولا تعل قلل أباطيل التعطيل فالوادي المقدس بين الجبلين
أبو المعالي من اطمأن إلى موجود انتهى إليه فكره فهو مشبه ومن سكن إلى النفي المحض فهو معطل ومن قطع بموجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحد
( جل رب الأعراض والأجسام ... عن صفات الأعراض والأجسام )
( جل ربي عن كل ما اكتنفته ... لحظات الأفكار والأوهام )
( برىء الله من هشام وممن ... قال في الله مثل قول هشام )
الدقاق المريد صاحب وله لأن المراد بلا شبه وقيل مثله الأعلى ( ليس كمثله شيء )
الجنيد أشرف كلمة في التوحيد قول الصديق الحمد لله الذي لم يجعل للخلق سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته
القشيري يعني أن العارف عاجز عن معرفته والمعرفة موجودة فيه غيره ما عرف الله سوى الله لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك
( كل ما ترتقي إليه بوهم ... من جلال وقدرة وسناء )
( فالذي أبدع البرية أعلى ... منه سبحان مبدع الأشياء )

سأل المريسي الشافعي عن التوحيد بحضرة الرشيد فقال أن لا تتوهمه ولا تتهمه فأبهت بشر
الشبلي من توهم أنه واصل فليس له حاصل ومن رأى أنه قريب فهو بعيد ومن تواجد فهو فاقد ومن أجاب عن التوحيد بالعبارة فهو غافل ومن سكت عنه فهو جاهل ما أرادت همة سالك أن تقف عندما كشف لها إلا نادته هواتف الحقيقة الذي تطلب أمامك وما تبرجت ظواهر المكونات إلا نادتك حقائقها إنما نحن فتنة فلا تكفر
( ما ينتهي نظري منهم إلى رتب ... في الحسن إلا ولاحت فوقها رتب )
الجريري ليس لعلم التوحيد إلا لسان التوحيد
الحسن العجز عن درك الإدراك إدراك
( تبارك الله وارت غيبه حجب ... فليس يعرف إلا الله ما الله )
دعا نبي إلى الله عز و جل بحقيقة التوحيد فلم يستجب له إلا الواحد بعد الواحد فعجب من ذلك فأوحى الله عز و جل إليه تريد أن تستجيب لك العقول قال نعم قال احجبني عنها قال كيف أحجبك وأنا أدعو إليك قال تكلم في الأسباب وفي أسباب الأسباب فدعا الخلق من هذا الطريق فاستجاب له الجم الغفير
ومنه سمع أعرابي اختلاف المتكلمين بمسجد البصرة في الإنسان وانتزاع كل واحد منهم الحجة على رأيه فخرج وهو يقول

( إن كنت أدرى فعلي بدنه ... من كثرة التخليط في من أنه )
ومن عجز عن أقرب الأشياء نسبة منه فكيف يقدر على أبعد الأمور حقيقة عنه من عرف نفسه عرف ربه
ومنه دع ما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره
لما احتضر الوليد ابن أبان قال لبنيه هل تعلمون أحدا هو أعلم بالكلام مني قالوا لا قال فإني أوصيكم بما عليه أهل الحديث فإني رأيت الحق معهم وعن أبي المعالي نحوه
ومنه هجر أحمد المحاسبي لما صنف في علم الكلام فقال إنما قصدت إلى نصر السنة فقال ألست تذكر البدعة وشبهة البدعة قلت من تحقق كلام فخر الدين الرازي وجده في تقرير الشبه أشد منه في الانفصال عنها وفي هذا ما لا يخفى
ومنه من آمن بالنظر إلى ظاهر الثعبان كفر بالاستماع إلى خوار العجل ومن شاهد مجاوزة القدرة الإلهية وسع القوة البشرية لم يكترث بوعيد الدنيا ولم يؤثر الهوى على الهدى والتقوى
ومنه علي بن الحسين من عرف الله بالأخبار دون شواهد الاستبصار والاعتبار اعتمد على ما تلحقه التهم
ومنه قيل لطبيب بم عرفت ربك قال بالإهليلج يجفف الحلق ويلين البطن وقيل لأديب بم عرفت ربك قال بنحلة في أحد طرفيها عسل وفي الآخر لسع والعسل مقلوب اللسع وسأل الدهرية الشافعي عن دليل الصانع فقال ورقة الفرصاد تأكلها دودة القز فيخرج منها الإبريسم والنحل فيكون منها العسل والظباء فينعقد في نوافجها المسك والشاء فيكون منها البعر فآمنوا كلهم وكانوا سبعة عشر

قيل لأعرابي بم عرفت ربك فقال البعرة تدل على البعير والروث يدل على الحمير وآثار الأقدام تدل على المسير فسماء ذات أبراج وبحار ذات أمواج أما يدل ذلك على العليم القدير
( قد يستدل بظاهر عن باطن ... حيث الدخان يكون موقد نار )
قيل لأعرابي بم عرفت الله قال بنقض عزائم الصدور وسوق الاختيار إلى حبائل المقدور
ومنه الدقاق لو كان إبليس بالحق عارفا ما كان لنفسه بالإضلال والإغواء واصفا
ومنه التوحيد محو آثار البشرية وتجديد صفات الألوهية الحق واحد في ذاته لا ينقسم واحد في صفاته لا يماثل واحد في أفعاله لا يشارك لو كان موجودا عن عدم ما كان موصوفا بالقدم الحياة شرط القدرة دلت على ذلك الفطرة لو لم يكن حيا لاستحال أن يوجد شيئا لو لم يكن باقيا لكان للألوهية منافيا لو كان جسما ما استحق الإلهية اسما لو كان الباري جوهرا لكان للحيز مفتقرا العرض لا يبقى والقديم لا يتغير ولا يفنى لو لم يكن بصفة القدرة موصوفا لكان بسمة العجز معروفا لو لم يكن عالما قادرا لاستحال كونه خالقا فاطرا دلت الفطرة والعبرة أن الحوادث لا تحصل إلا من ذى قدرة لو لم يكن بالإرادة قاصدا ما كان العقل بذلك شاهدا من تنوع إيجاده دل ذلك على أن الفعل مراده لو لم يكن بالسمع والبصر موصوفا لكان لضديهما مألوفا لو جاز سامع سمع له لجاز صانع لا صنع له لو كان سمعه بأذن لافتقرت إلى ركن من صدرت عنه الشرائع والأحكام كان موصوفا بالكلام ليس في الصفات

السبع ما لايتعلق إلا الحياة ولا ما يؤثر إلا القدرة وإلارادة كما جاز أن يأمر بما لا يريد جاز أن يريد ما لايحب لا يسأل عما يفعل الواحد كاف وما زاد عليه متكاف ليس مع الله تعالى موجودات لأن الموجودات كلها كالظل من نور القدرة له رتبة التبعية لا رتبة المعية
( إن من أشرك بالله ... جهول بالمعاني )
( أحول العقل لهذا ... ظن للواحد ثاني )
قال جعفر بن محمد لو كان على شيء لكان محمولا ولو كان في شيء لكان محصورا ولو كان من شيء لكان محدثا
قيل لثمامة بن الأشرس متى كان الله فقال ومتى لم يكن فقيل فلم كفر الكافر فقال الجواب عليه
قال خادم أبي عثمان قال لي مولاي يا محمد لو قيل لك أين معبودك ما كنت تجيب قال أقول بحيث لم يزل قال فإن قيل لك فأين كان في الأزل فقال أقول بحيث هو الآن فنزع قميصه وأعطانيه
قيل لصوفي أين هو فقال محقك الله أيطلب من العين أين
ومنه سمعت شيخنا يقول نقصنا صفة كمال له فينا يعني إذا وجب له كل الكمال وجب لنا كل النقص وهذا على أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان وفيه كلام
ومنه بلغ أحمد أن أبا ثور قال في الحديث خلق الله آدم على صورته إن الضمير لآدم فهجره فأتاه أبو ثور فقال احمد أي صورة كانت لآدم يخلقه عليها كيف تصنع بقوله خلق الله آدم على صورة الرحمن فاعتذر إليه وتاب بين يديه
ومنه أتى يهودي المسجد فقال أيكم وصي محمد فأشاروا إلى الصديق فقال إني سائلك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي

نبي قال سل قال فأخبرني عما ليس لله وعما ليس عند الله وعما لا يعلمه الله فقال هذه مسائل الزنادقة وهم بقتله فقال ابن عباس ما أنصفتموه إما أن تجيبوه وإما أن تصرفوه إلى من يجيبه فإني سمعت رسول الله يقول لعلي اللهم اهد قلبه وثبت لسانه فقال أبو بكر قم معه إلى علي فقال له أما ما لا يعلمه الله فقولكم في عزيز إنه ابن الله والله عز و جل لا يعلم له ولدا قال في التنزيل ( ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله - الآية ) يونس 18 وأما ما ليس عند الله فالظلم وأما ما ليس له فالشريك فأسلم اليهودي فقبل أبو بكر رأس علي وقال له يا مفرج الكربات ووردت مثل هذه المسائل عن الصحابة فالله تعالى أعلم
وقال العتابي لأبي قرة النصراني عند المأمون ما تقول في المسيح قال من الله قال البعض من الكل على سبيل التجزيء والوالد من الوالد على طريق التناسل والخل من الخمر على وجه الاستحالة والخلق من الخالق على جهة الصنعة فهل من معنى خامس قال لا ولكن لو قلت بواحد منها ما كنت تقول قال الباري لا يتجزأ ولو جاز عليه ولد جاز له ثان وثالث وهلم جرا ولو استحال فسد والرابع مذهبنا وهو الحق
ومنه أول ما تكلم به عيسى في المهد أن قال ( إني عبد الله ) مريم 30 وهو حجة على الغالين فيه يقال لهم إن صدق فقد كذبتم وإلا فمن عبدتم ولمن ادعيتم
قال القاضي ابن الطيب للقسيس لما وجهه عضد الدولة إلى ملك الروم لم اتحد اللاهوت بالناسوت فقال أراد أن ينجي الناس من الهلاك قال

فهل درى أنه يقتل ويصلب أولا لم يدر لم يجز أن يكون إلها ولا ابنا وإن درى فالحكمة تمنع من التعرض لمثل ما قلتم إنه جرى
سأل القاضي هذا البطرك عن أهله وولده فأنكر ذلك النصارى فقال تبرئون هذا مما تثبتونه لربكم سوأة لهذا الرأي فانكسروا
ابن العربي سمعت الفقراء ببغداد يقولون إن عيسى عليه السلام كان إذا خلق من الطين كهيئة الطير طار شيئا ثم سقط ميتا لأنه كان يخلق ولا يرزق ولو رزق لم يبق أحد إلا قال هو الله إلا من أوتي هداه
سأل ابن شاهين الجنيد عن معنى مع فقال مع الأنبياء بالنظر والكلاءة ( إنني معكما ) طه46 ومع العامة بالعلم والإحاطة ( إلا وهو معهم ) المجادلة 7 فقال مثلك يصلح دليلا على الله
ومنه سأل قدري عليا رضي الله عنه عن القدر فأعرض عنه فألح عليه فقال أخلقك كيف شئت كيف شاء فأمسك فقال أترونه يقول كيف شئت والله أقتله فقال كيف شاء قال أيحييك كيف تشاء أو كيف يشاء قال كيف يشاء قال فيدخلك حيث تشاء أو حيث يشاء قال حيث يشاء قال اذهب فليس لك من الأمر شيء
أبو سليمان أدخلهم الجنة قبل أن يطيعوه وأدخلهم النار قبل أن يعصوه جل حكم الأزل ان يضاف إلى العلل سبق قضاؤه فعله ( إني جاعل في الأرض خليفة ) البقرة 30 وأوقفت مشيئته أمره ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ) يونس 99
قال الشاذلي أهبط آدم إلى الأرض قبل أن يخلقه لأنه قال ( في الأرض ) ولم يقل في السماء ولا في الجنة
الأوزاعي قضى بما نهى وحال دون ما أمر واضطر إلى ما حرم
( ألقاه في اليم مكتوفا وقال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء )

قال الأوزاعي لغيلان مشيئتك مع مشيئة الله عز و جل أو دونها فلم يجب فقال هشام بن عبد الملك فلو اختار واحدة فقال إن قال معها فقد زعم أنه شريك وإن قال وحدها فقد تفرد بالربوبية قال لله درك أبا عمرو
من بيان عظمته ( رفيع الدرجات ) غافر 15 من آثار قدرته ( بديع السموات ) الرعد 2 توقيع أمره ( يأمر بالعدل والإحسان ) واقع زجره ( وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ) النحل 90 تنفيذ حكمه ( فعال لما يريد ) البروج 16 دستور ملكه ( لا يسأل عما يفعل ) الأنبياء 23
إياس بن معاوية ما خاصمت أحدا بعقلي كله إلا القدرية قلت لقدري ما الظلم فقال أخذ ما ليس لك قلت فإن الله له كل شيء
الواسطي ادعى فرعون الربوبية على الكشف وادعت المعتزلة الربوبية على الستر تقول ما شئت فعلت
ومنه من أقصته السوابق لم تدنه الوسائل إذا كان القدر حقا فالحرص باطل إذا كان الله عز و جل عدلا في قضائه فمصيبات الخلق بما كسبت أيديهم
( ما عذر معتزلي موسر منعت ... كفاه معتزليا معسرا صفدا )
( أيزعم القدر المحتوم ثبطه ... إن قال ذاك فقد حل الذي عقدا )
ومنه دخل محمد بن واسع على بلال بن فروة فقال ما تقول في القدر قال تفكر في جيرانك أهل القبور فإن فيهم شغلا عن القدر
( وكل من أغرق في نعته ... أصبح منسوبا إلى العي )
المقادير تبطل التقدير وتنقض التدبير
قال معتزلي لسني لو أراد ثبوت أحد على الكفر لم يقل ( ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) الأحزاب 43 فقال السني لو لم يكن الإيمان من

فعله لم يقل ( ليخرجكم من الظلمات إلى النور )
قال نقفور طاغية النصاري لأبي الحسن الشلباني أنت تقول إن الخير والشر من الله وذلك لأن النصارى كلهم على مذهب القدرية في الاستطاعة قال نعم قال كيف يعذب عليه هل كان حقا عليه أن يخلق فقال لم يضطره إلى ما خلق مضطر
قيل نزلت ( وما أضلنا إلا المجرمون ) الشعراء 99 في القدرية لأنهم أضافوا الحول والقوة في الشر إلى البشر فأشركوهم في الخلق أما ترى قوله تعالى ( إن المجرمين في ضلال وسعر ) القمر 47 إلى قوله تعالى ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) القمر 49
( كنت دهرا أقول بالاستطاعة ... وأرى الجبر ضلة وشناعة )
( ففقدت استطاعتي في هوى ظبي ... فسمعا لمن أحب وطاعة )
غيره
( ما لا يكون فلا يكون بحيلة ... أبدا وما هو كائن سيكون )
غيره
( تريد النفس أن تعطي مناها ... ويأبى الله إلا ما يشاء )
شفاء الصدور في التسليم للمقدور
( إذا لم يكن إلا الأسنة مركب ... فلا رأي للمضطر إلا ارتكابها )
غيره

( أي يومي من الموت أفر ... يوم لا يقدر أم يوم قدر )
إذا كان الداء من السماء بطل الدواء
قال الحائط للوتد لم تشقني قال سل من يدقني
( الناس يلحون الطبيب وإنما ... غلط الطبيب إصابة المقدور )
قيل لحكيم أخرج الهم من قلبك فقال ليس بإذني دخل
( نفسي تنازعني فقلت لها قري ... موت يريحك أو صعود المنبر )
( ما قد قضي سيكون فاصطبري له ... ولك الأمان من الذي لم يقدر )
( ولتعلمي أن المقدر كائن ... لا بد منه صبرت أو لم تصبري )
ومنه الهارب من المقدور كالمتقلب في كف الطالب من كان السلطان يطلبه ضاق عليه مذهبه ( وما أنتم بمعجزين ) الأنعام 134 يونس53 هود23 أسلى آية في التنزيل ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم - إلى قوله تعالى بما أتاكم ) الحديد 22
ومنه أخل رجل بخدمة صاحب الإسكندرية فتغيب ثم ظفر به عرفاؤه فقادوه فانساب منهم ورمى بنفسه في بئر وتحت الإسكندرية أسراب يسير فيها القائم من أول البلد إلى آخره فلم يزل يمشي حتى وجد بئرا صاعدة فتعلق بها فإذا هي في دار السلطان فأخذه فأدبه فانظر كيف فر من قودة السلطان مكرها وأتاه برجله طائعا
( ذهب القضاء بحيلة العقلاء ... )
ومنه قال يزيد بن المهلب لموسى بن نصير أنت أدهى الناس وأعلمهم

فكيف طرحت نفسك في يد سليمان فقال إن الهدهد يهتدي للماء في الأرض الفيفاء وينصب له الصبي الفخ بالدودة او الحبة فيقع فيه
( ولوجرت الأمور على قياس ... لوقي شرها الفطن اللبيب )
الواسطي اختيار ما جرى لك في الأزل خير من معارضة الوقت
ابن معاذ عجبت من ثلاثة رجل يريد تناول رزقه بتدبيره ورجل شغله غده وعالم مفتون يعيب على زاهد مغبوط
ومنه شكي لبعض الأنبياء امرأة كانت تؤذي أهل زمانها فأوحى الله إليه أن فر من قدامها حتى تنقضي أيامها
ومنه ابن المعتز كرم الله عز و جل لا ينقض حكمته ولذلك لا تقع الإجابة في كل دعوة ( ولو اتبع الحق أهواءهم ) المؤمنون 71
( أريد فلا أعطى وأعطى ولم أرد ... وقصر علمي أن أنال المغيبا )
ومنه كان ابن مجاهد ينشد لبعضهم
( أيها المغتدي ليطلب علما ... كل علم عبد لعلم الكلام )
( تطلب الفقه كي تصحح حكما ... ثم أغفلت منزل الأحكام )
ومنه قال الأحدب البغدادي للقاضي الباقلاني هل لله عز و جل أن يكلف الخلق ما لا يطيقونه فقال إن أردتم بالتكليف القول المجرد فقد وجد ( قل كونوا حجارة ) الإسراء 50 ( أنبئوني بأسماء هؤلاء ) البقرة 31 ( ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ) القلم 42 وإن أردتم به ما يصح فعله وتركه فالكلام متناقض وهذا هو الذي نعرفه لأن التكليف اقتضاء فعل ما فيه مشقة وما لا يطاق لا يفعل البتة فقال سئلت عن كلام مفهوم فطرحته في الاحتمالات فقال إني بينت الوجوه المحتملة فإن كان معك شيء فهاته

فقال عضد الدولة قد صدق وما جمعتكم إلا للفائدة لا للمهاترة ثم قال لقاضيه بشر بن الحسن المعتزلي تكلم فقال ما لا يطاق على ضربين أحدهما ما لا يطاق للإشتغال بضده وهذا سبيل الكافر لا يطيق الإيمان للإشتغال بالكفر وأما العاجز فما ورد في الشريعة تكليفه ولو ورد لكان جائزا وقد أثنى الله عز و جل على من سأله أن لا يكلفه ما لا يطيقه فقال ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) البقرة 268 لأن الله له أن يفعل في ملكه ما يريد
ومنه خرج عمر بن عبد العزيز في سفر ليلا فقال له رجل انظر إلى القمر ما أحسنه فنظر فقال قد علمت أنك أردت نزوله بالدبران ونحن لا نتطير بذلك ولا نعتقده
( إذا عقد القضاء عليك أمرا ... فليس يحله إلا القضاء )
( يدبر بالنجوم وليس يدري ... ورب النجم يفعل ما يشاء )
وقال آخر
( ليس للنجم إلى ضر ... ولا نفع سبيل )
( إنما النجم على الأوقات ... والسمت دليل )
غيره
( من كان يخشى زحلا ... أو كان يرجو المشتري )
( فإنني منه وإن ... كان أخي الأدنى بري )
لما وجه عضد الدولة القاضي ابن الطيب إلى ملك الروم قال له الوزير

أخذت الطالع لخروجك فسأله القاضي عن ذلك ففسره له فقال السعد والنحس بيد الله ليس للكواكب فيه تأثير وإنما وضعت كتب النجوم ليتمعش بها العامة ولا حقيقة لها فاستحضر الوزير ابن الصوفي ودعاه إلى مناظرة القاضي فقال لا أقوم على المناظرة وإنما أقول إذا كان من النجوم كذا كان كذا وأما التعليل فمن علم المنطق والذي يتولى المناظرة عليه أبو سليمان المنطقي فأحضر وأمر فقال هذا القاضي يقول إذا ركب عشرة أنفس في ذلك المركب الذي في دجلة فالله تعالى قادر على أن يزيد فيهم آخر في ذلك الوقت فإن قلت له لا يقدر قطعتم لساني فأي معنى لمناظرتي فقال القاضي للوزير ليس كلامنا في القدرة لكن في تأثير الكواكب فانتقل هذا إلى ما ترى لعجزه وأنا إن قلت إن الله تعالى قادر على ذلك فلا أقول إنه يخرق العادة الآن ولا يجوز عندنا ذلك فهو فرار من الزحف فقال المنطقي المناظرة دربة وأنا لا أعرف مناظرة هؤلاء القوم وهم لا يعرفون مواضعاتنا فقال الوزير قد قبلنا اعتذارك والحق أبلج
رأس الدين صحة اليقين من سابق القدر عثر
( وإذا خشيت من الأمور مقدرا ... وفررت منه فنحوه تتوجه )
قيل لما وقع الوباء بالكوفة فر ابن أبي ليلى على حمار فسمع منشدا ينشده
( لن يسبق الله على حمار ... ولا على ذي منسر طيار )
( أو يأتي الحتف على مقدار ... قد يصبح الله أمام الساري ) فقال إذا كان الله أمام الساري فلا مهرب ورجع

ومنه شكا بعض الصالحين إلى الخليفة ضرر الأتراك فقال أنتم تعتقدون أن هذا من قضاء الله وقدره فكيف أرده فقال إن صاحب القضاء قال ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) البقرة 251 فردهم عنهم
القدر والطلب كالعدلين على ظهر الدابة كل واحد منهما معين لصاحبه فالقدر بالطلب والطلب بالقدر
قيل لعارف إن كنت متوكلا فألق بنفسك من هذا الحائط فلن يصيبك إلا ما كتب الله لك فقال إنما خلق الله الخلق ليجربهم لا ليجربوه
الجوهري كف الله النار عن يد موسى لئلا تقول النار طبعي واحترق لسانه لئلا يقوم الكليم مكاني وقال غيره لو لم يقل لنار إبراهيم سلاما لهلك من برد النار
قيل للجنيد أنطلب الرزق قال إن علمتم أين هو فاطلبوه قيل فنسأل الله قال إن خشيتم أن ينساكم فذكروه قيل فنلزم البيوت قال التجربة منك شك قيل فما الحيلة قال ترك الحيلة يقول ليكن تصرفك بإذنه لا بشهوتك فقد قيل ترك الطلب يضعف الهمة ويذل النفس ويورث سوء الظن
الطرطوشي القدر والطلب كأعمى ومقعد في قرية يحمل الأعمى المقعد ويدل المقعد الأعمى
قال رجل لبشر إني أريد السفر إلى الشام وليس عندي زاد فقال اخرج لما قصدت إليه فإنه إن لم يعطك ما ليس لك لم يمنعك ما لك
الناس في هذا الباب ثلاثة فرقة عاملت الله عز و جل على مقتضى شمول قدرته للشر والخير وأعرضوا عن الأسباب فأدركوا التوكل وفاتهم الأدب وهم بعض الصوفية وقد قيل اجعل أدبك دقيقا وعلمك ملحا وهذا

إبليس لم تنفعه كثرة علمه لما دفعته قلة أدبه وفرقة عاملته على ذلك مع الجريان على عوائد مملكته والتصرف بإذنه على مقتضى حكمته وهم الأنبياء وخواص العلماء فأصابوا الأدب وما أخطأوا التوكل والفرقة الثالثة وهم الجمهور أقبلوا على الأسباب ونسوا المسبب ففاتهم الأمران فهلكوا
ومنه جل الواحد المعروف قبل الحدود والحروف
( لقد ظهرت فما تخفى على أحد ... إلا على أكمه لا يعرف القمرا )
( كما بطنت بما أبديت من حجب ... وكيف يبصر من بالعزة استترا )
سئل النصيبي عن الرؤية بمجلس عضد الدولة فأنكرها محتجا بأن كل شيء يرى بالعين فهو في مقابلتها فقال له القاضي ابن الطيب لا يرى بالعين قال له الملك فبماذا يرى قال بالإدراك الذي يحدثه الله في العين وهو البصر ولو أدرك المرئي بالعين لوجب أن يدرك بكل عين قائمة وهذا الأجهر عينه قائمة ولا يرى بها شيئا
ومنه ابن العربي للصوفية في إطلاق لفظ العشق على الحق تجاوز عظيم واعتداء كبير ولولا إطلاقه للمحبة ما أطلقناها فكيف أن نتعداها
الدقاق العشق مجاوزة الحد في الحب ولما كان الحق لا يوصف بالحد لم يوصف بالمحدود إذ لو جمع محاب الخلق كلهم لشخص واحد لم يبلغ ما يستحقه قدر الحق من الحب
خمسة أبهمت فلم تعين لعظم أمرها الاسم الأعظم وساعة الجمعة وليلة القدر والصلاة الوسطى والكبائر لأن اجتنابها يكفر غيرها يعني على أحد الأقوال في المسألة

ومنه قيل في التسعة والتسعين اسما إنها تابعة لاسم الله وهو تمام المائة فهي عدد درج الجنة لما في الصحيح من أن درجها مائة بين كل درجتين مسيرة مائة عام ولذلك قيل من أحصاها دخل الجنة وهذه الأسماء مفضلة على غيرها مما لا يحصى ألا ترى قوله عليه السلام في الصحيح بأسمائه الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم
ذكر القرآن في أربعة وخمسين موضعا منه فلم يشر في شيء منها إلى خلقه وذكر الإنسان في ثمانية عشر موضعا ثلث ذلك العدد فصرح في جميعها بخلقه قال ابن عطية وهذا يدل على أنه غير مخلوق
أبو علي ابن أبي اللحم بت ليلة جمعة بمصر في أيام أبي حريش وكان يقول بخلق القرآن وأبي خلف المعافري وكان يقول القرآن كلام الله ليس بمخلوق أفكر عن أيهما آخذ فلما نمت أتاني آت فقال لي قم فقمت قال قل فقلت ما أقول فقال
( لا والذي رفع السماء ... بلا عماد للنظر )
( فتزينت بالساطعات ... اللامعات وبالقمر )
( والمالىء السبع الطباق ... بكل مختلف الصور )
( ما قال خلق في القران ... بخلقه إلا كفر )
( لكن كلام منزل ... من عند خلاق البشر )
ثم قال اكتبها فأخذت كتابا من كتبي وكتبتها فيه فلما أصبحت وجدت ذلك بخطي على كتاب من كتبي فجلست في البيت إلى الزوال ثم خرجت فسألني إنسان عما رأيت البارحة فقلت ما أخبرت أحدا فقال قد شاعت رؤياك في الناس
الخواص انتهيت إلى رجل مصروع فجعلت أؤذن في أذنه فناداني الشيطان من جوفه دعني أقتله فإنه يقول بخلق القرآن

عمرو بن دينار أدركت سبعة من الصحابة يقولون من قال القرآن مخلوق فهو كافر قلت قال مالك يستتاب
ومنه كان عضد الدولة يحب العلم والعلماء فكان مجلسه يحتوي على عدد منهم أكثرهم الفقهاء والمتكلمون وكان يعقد لهم مجالس للمناظرة فقال لقاضيه بشر بن الحسن إن مجلسنا خال عن عاقل من أهل الإثبات ينصر مذهبه فقال إنما هم عامة يرون الخير وضده ويعتقدونهما جميعا وإنما أراد ذم القوم ثم أقبل يمدح المعتزلة فقال عضد الدولة محال أن يخلو مذهب طبق الأرض من ناصر فانظر قال بلغني أن بالبصرة شيخا يعرف بأبي الحسن الباهلي وفي رواية بأبي بكر ابن مجاهد وشابا بابن الباقلاني فكتب إليهما فلما وصل الكتاب قال الشيخ قوم كفرة لأن الديلم كانوا روافض لا يحل لنا أن نطأ بساطهم فقال الشاب كذا قال ابن كلاب والمحاسبي ومن في عصرهم إن المأمون فاسق لا يحضر مجلسه حتى ساق أحمد بن حنبل إلى طرسوس وجرى عليه ما عرف ولو ناظروه لكفوه عن هذا الأمر وتبين له ما هم عليه بالحجة وأنت أيضا أيها الشيخ تسلك سبيلهم حتى يجري على الفقهاء ما جرى على أحمد ويقولون بخلق القرآن ونفي الرؤية وها أنا خارج إن لم تخرج قال الشيخ إن شرح الله صدرك لهذا فاخرج فرد الله به الكرة
حفظ من كلام النبي المنتقى والمرسل أمثال المنزل ثم انتقي من ذلك صحة وفصاحة ما يبلغ حجم المصحف أو يربى عليه فهل وجدت فيه ما يشبهه او ينزع إليه أشهد أنه من عند الله تنزيل من لدنه
أول إعجاز القرآن الجهل بنوعه من جنس الكلام فإنه لا يدخل في مضمار الشعر ولا ينخرط في سلك الخطب ولا المواعظ والمقامات والكتب ولا في شيء مما يؤلف التخاطب به وتعرف فيه طبقات أهل مذهبه فإن

لم يتبين ما رسمت لك فاعرض كلامك في كل صنف من هذه الأصناف تجد لنفسك مع فحوله حالة القصور أوالمماثلة أو الزيادة ولا تجد لكلامك نسبة إلى القرآن بل لا تدري ما تقول إن طلب منك البيان إلا أن تسلب العقل كمسيلمة وأمثاله ممن ابتلى بالهذيان وقد تفطن للدلالة كافر غلبت عليه الجهالة انظر السيرة
الزمخشري ما أعجب شأن الضلال لم يرضوا للنبوة ببشر وقد رضوا للإلهية بحجر
سأل القاضي أبا بكر ملك الروم حين وجهه عضد الدولة إليه عن انشقاق القمر كيف لم يره جميع الناس فقال لأنهم لم يكونوا على أهبة ووعد قال فما النسبة التي بينكم وبين القمر حتى لم يره غيركم من الروم وغيرهم قال النسبة التي بينكم وبين المائدة حتى رأيتموها دون اليهود والمجوس فدعا القسيس فأقر للقاضي فقال له القاضي أتقول إن الكسوف يراه جميع أهل الأرض أم أهل الإقليم الذي في محاذاته قال لا يراه إلا من في محاذاته قال فما تنكر من لا يرى انشقاق القمر إلا في تلك الناحية ممن تأهب لذلك قال هذا صحيح إلا أن الشأن في مثله أن لا ينقل آحادا لكن تواترا بحيث يصل العلم الضروري به إلينا وإلى غيرنا وانتفاء ذلك يدل على افتعال الخبر فقال الملك للقاضي الجواب فقال يلزمه في نزول المائدة ما ألزمنا في انشقاق القمر فبهت الذي كفر
قال ملك الروم للقاضي ابن الطيب في هذه الرسالة ما تقول في المسيح قال روح الله وكلمته وعبده قال تقولون المسيح عبد قال بذلك ندين قال ولا تقولون إنه ابن الله قال ما اتخذ الله من ولد قال العبد يخلق ويحيي ويبرىء قال ما فعل المسيح ذلك قط قال هذا مشهور في الخلق

قال لا قال ما قال أحد من أهل المعرفة إن الأنبياء يفعلون المعجزات لكن الله تعالى يفعلها على أيديهم تصديقا لهم قال إن ذلك في كتابكم قال في كتابنا أن ذلك كله بإذن الله تعالى ولو جاز أن يكون ذلك فعل المسيح لجاز أن يقال إن موسى قلب العصا وأخرج يده بيضاء وفلق البحر قل إن الأنبياء من لدن آدم كانوا يتضرعون للمسيح حتى يفعل ما يطلبون قال أفي لسان اليهود عظم لا يقولون معه إن المسيح كان يتضرع لموسى وكذلك أمة كل نبي لا فرق بين الموضين في الدعوى
الجوزي في قوله عليه السلام يوشك ان ينزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم وإنما كان الإمام منا لئلا يتدنس بغبار الشبهة وجه لا نبي بعدي
كان بالبصرة يهودي يقرر المتكلمين على نبوة موسى فإذا اقروا جحد نبوة محمد وقال نحن على ما اتفقنا عليه إلى أن نتفق على غيره فسأل أبا الهذيل عن ذلك فقال إن كان موسى هذا الذي أخبر بمحمد وأقر بشرفه وأمر باتباعه فأنا أقر بنبوته وإن كان غيره فأنا لا أعرفه فتحير اليهودي ثم سأله عن التوراة فقال إن كانت التي نزلت على موسى المذكور فهي حق وإلا فهي عندي باطل
ومنه قيل للحسن الملائكة أفضل أم الأنبياء فقال أين أنت من هذه الآية ( ولا أقول إني ملك ) هود 31
ومنه وعن عمر وعلي رضي الله عنهما أن الخضر لقيهما وعلمهما هذا الدعاء وذكر فيه خيرا كثيرا لمن قاله إثر كل صلاة يا من لا يشغله سمع عن سمع ويا من لا تغلطه المسائل ومن لا يتبرم على إلحاح الملحين أذقني برد عفوك وحلاوة مغفرتك
ومنه سمع إياس يهوديا يقول ما أحمق المسلمين يزعمون أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون فقال أوكل ما تأكله تحدثه قال لا لأن الله تعالى يجعل أكثره غذاء قال فما تنكر أن يجعل

جميع ما يأكل أهل الجنة غذاء
الرزية كل الرزية تضييع أمر المرأة الرندية وذلك أنه وردت على تلمسان في العشرة الخامسة من المائة الثامنة امرأة من رندة لا تأكل ولا تشرب ولا تبول ولا تتغوط وتحيض فلما اشتهر هذا من أمرها أنكره الفقيه أبو موسى ابن الإمام وتلا ( كانا يأكلان الطعام ) المائدة 75 فأخذ الناس يبث ون ثقات نسائهم ودهاتهن إليها فكشفن عنها بكل وجه يمكنهن فلم يقفن على غير ما ذكر وسئلت هل تشتهين الطعام فقالت هل تشتهون التبن بين يدي الدواب وسئلت هل يأتيها شيء فأخبرت أنها صامت ذات يوم فأدركها الجوع والعطش فنامت فأتاها آت في النوم بطعام وشراب فأكلت وشربت فلما أفاقت وجدت نفسها قد استغنت فهي على تلك الحال تؤتى في المنام بالطعام والشراب إلى الآن ولقد جعلها السلطان في موضع بقصره وحفظها بالعدول ومن يكشف عما عسى تجيء أمها به إذا أتت إليها أربعين يوما فلم بوقف لها على أمر بيد أني أردت أن يزاد في عدد العدول ويجمع إليهم الأطباء ومن يخوض في المعقولات من علماء الملل المسلمين وغيرهم ويوكل من نساء الفرق من يبالغ في كشف من يدخل إليها ولا يترك أحد يخلو بها وبالجملة يبالغ في ذلك ويستدام رعيها عليه سنة لاحتمال أن يغلب عليها طبع فتستغني في فصل دون فصل ثم يكتب هذا في العقود ويشاع أمره في العالم وذلك لأنه يهدم حكم الطبيعة الذي هو أضر الأحكام على الشريعة ويبين كيفية غذاء أهل الجنة وأن الحيض ليس من فضلات الغذاء ويبطل التأثير والتوليد ويوجب أن الاقترانات بالعادات لا باللزوم وعند الأسباب لا بها إلى غير ذلك إلا أني لما أشرت بهذا انقسم من أشرت عليه بتبليغه إلى من لم يفهم ما قلت ومن لم يرفع به رأسا لإيثار الدنيا على الدين فإنا لله وإنا إليه راجعون
وقد ذكر أن امرأة أخرى كانت معها على تلك الحالة وحدثني غير واحد

من الثقات ممن أدرك عائشة الجزيرية أنها كانت كذلك وأن عائشة بنت أبي يحيى اختبرتها أربعين يوما أيضا وكم من آية أضيعت وحجة نسيت هذا مما لم يعرف مثله قبل المائة الثامنة وكذلك الوباء العام القريب فروطه يوشك أن يطول أمره فينسي ذكره ويكذب المحدث به إذا انقضى عصره وكم فيه أيضا من أدلة على أصول الملة
ومنه قال شيخ صالحي الفقهاء في عصرنا بفاس أو زرهون عبد العزيز ابن محمد القيرواني رحمه الله تعالى مات فقير عندنا بالمئذنة فوجدوا عنده ربطة من دراهم فوضعوها عند المؤذن فلما نزل ليلحده سقطت من جيبه في القبر ولم يشعر حتى واراه فكشف عنه فإذا الدراهم قد لصقت ببدنه درهما إلى درهم كالنجوم فحاول قلع واحد منها فقامت معه قطعة من لحمه وتبعها من ذلك المحل ريح منتنة قال الشيخ فاطلعت على ذلك وشاهدته ثم ردوا الترب عليه وانصرفوا
قال عبد الله بن إدريس لغيلان الممرور متى تقوم الساعة قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل غير أنه من مات فقد قامت قيامته قال فالمصلوب يعذب عذاب القبر قال إن حقت عليه الكلمة وما تدري لعل جسده في عذاب لا تدركه أبصارنا ولا أسماعنا فإن لله لطفا لا يدرك وانظر الحديث فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم ما أسمع من عذاب القبر
ومنه المازري مسألة التكفير بالمال مشكلة وقد اضطرب فيها قول مالك وهو إمام الفقهاء والقاضي أبي بكر وهو إمام المتكلمين
الغزالي لا يقطع بتكفير الفلاسفة إلا في ثلاث مسائل قدم العالم ونفي العلم بالجزيئات وإنكار المعاد البدني وتوابعه القطعية

أصل الفلاسفة اعتقاد المحسوسات معقولات والمعتزلة اعتقاد المشهورات قطعيات ومن ثم قيل لهم مخنثة الفلاسفة
لا يكفي التقليد في عقائد التوحيد لا فرق بين إنسان ينقاد وبهيمة تقاد
ومنه كان أبو هاشم من أفسق الناس فجلس ذات يوم يعيب الإرجاء وكان في المجلس مرجىء فأنشد
( يعيب القول بالإرجاء حتى ... يرى بعض الرجاء من الجرائر )
( وأعظم من ذوي الإرجاء ذنبا ... وعيدي يصر على الكبائر )
كان مالك ينشد كثيرا
( وخير أمور الدين ما كان سنة ... وشر الأمور المحدثات البدائع )
ابن عقيل يشبه أن يكون واضع الإرجاء زنديقا فإن صلاح العالم في إثبات الوعيد واعتقاد الجزاء فلما لم يمكن هذا المائن جحد الصانع لمخالفة العقل أسقط فائدة الإثبات وهي الخشية والمراقبة وهدم سياسة الشريعة فهم شر طائفة على الإسلام
سئل مالك عن أشر الطوائف فقال الروافض
بينا ابن المعلم شيخ الرافضة في بعض مجالس المناظرة مع أصحابه أقبل ابن الطيب فقال جاءكم الشيطان فسمعه على بعد فلما جلس إليهم تلا عليهم ( ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ) مريم 83
مالك أهل السنة من لا لقب له لا خارجي ولا قدري ولا رافضي
البديع
( يقولون لي ما تحب الوصي ... فقلت الثرى بفم الكاذب )

( أحب النبي وآل النبي ... وأختص آل أبي طالب )
( وأعطي الصحابة حق الولاء ... وأجري على السنن الواجب )
( فإن كان نصبا ولاء الجميع ... فإني كما زعموا ناصبي )
( وإن كان رفضا ولاء الجميع ... فلا برح الرفض من جانبي )
( أحب النبي وأصحابه ... فما المرء إلا مع الصاحب )
( أيرجو الشفاعة من سبهم ... بل المثل السوء للضارب )
( يوقى المكاره قلب الجبان ... وفي الشبهات يد الحاطب )
أخذ البيت الخامس من قول الشافعي
( إن كان رفضا حب آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي )
ومنه أبو حنيفة لقيت عطاء فقال لي ممن أنت فقلت من أهل الكوفة فقال من أهل القرية الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا قلت نعم قال فممن أنت منهم قلت ممن يؤمن بالقدر ولا يسب السلف ولا يكفر بالذنب قال عرفت فالزم
ومنه الإرادة تطلق على المحبة وعلى قصد أحد الجائزين بالتخصيص وكل واحد من المعنيين يوجد بدون الآخر أما الأول فكقوله ( تريد النفس أن تعطى مناها ... )
وهو ظاهر وأما الثاني فكقصد المتوعد بالإهلاك إلى أمر عبده الذي أمره بأمر لينظر امتثاله ولدقة الفرق بينهما ضل المعتزلة في أمرهما فقالوا إن الله عز و جل لا يريد المعاصي لأنه لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر قال عمار بن ياسر يوم صفين

( صدق الله وهو للصدق أهل ... وتعالى ربي وكان جليلا )
( رب عجل شهادة لي بقتل ... في الذي قد أحب قتلا جميلا )
ومنه العبدري قتل الحسين دعا إلى حرب وأخذ بثأره كذاب ثقيف ونوه باسمه أعداء ملة جده بنو عبيد ليقتص من قضية بمثلها فيقرأ الفهم سورة تلك الصور ويتهجى اللبيب حروف تلك الحروب فيعلم أن الكل آلات مستعملات حسبما اقتضاه العلم القديم
ومنه أبو العباس الأبياني ثلاث لو كتبت على ظفر لوسعهن وفيهم خير الدنيا والآخرة اتبع لا تبتدع اتضع لا ترتفع اتزع لا تتسع
ومنه كانت سكينة بني إسرائيل في التابوت فغلبوا عليها وسكينة هذه الأمة في القلوب فغلبوا بها استحفظوا كتابهم فحرفوا من أحكامه ووصفه وحفظ كتابنا فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
ومنه في الصحيح كان أبو ذر يقسم قسما أن ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ) الحج 19 نزلت في الذين برزوا يوم بدر حمزة وعلي وعبيدة وعتبة وشيبة والوليد قلت ففي الآية شهادة من الله تعالى لعلي بالجنة والشهادة أما الجنة فبنصها وأما الشهادة فلأنه وصاحبيه استشهدوا وخصمهم قتلوا فهي رادة على الخوارج قطعا
ومنه جاز أبو بكر ابن نافع بالكرخ أيام الديلم وقوة الرفض فقالت له امرأة سيدي أبا بكر فقال لبيك يا عائشة فقالت له متى كان اسمي عائشة فقال أيقتلونني وتخلصين
وفي آخر هذا الكتاب ما صورته فهذه جملة تراجم وفيها مقنع لمن أراد المحاضرة أو تنميق مجالس المناظرة وكان الفراغ من جمعها في آخر

يوم من شعبان المكرم من عام سبعة وخمسين وسبعمائة انتهى ما تعلق به الغرض من بعض كلام مولاي الجد رحمه الله تعالى في كتابه المحاضرات
ولنرجع إلى سرد بقية تواليفه رحمه الله تعالى فنقول ومنها شرح لغة قصائد المغربي الخطيب ومقالة في الطلعة المملكة وشرح التسهيل والنظائر وكتاب المحرك لدعاوي الشر من أبي عنان وإقامة المريد ورحلة المتبتل وحاشية بديعة جدا على مختصر ابن الحاجب الفقهي فيها أبحاث وتدقيقات لا توجد في غيرها وقد وقفت عليها بالمغرب ومن أشهر كتبه في التصوف كتاب الحقائق والرقائق وهو من الحسن بمكان لا يلحق وقد شرحه الشيخ الصالح شيخ شيوخ شيوخنا سيدي أحمد زروق رضي الله عنه ونفعنا به
نقول من كتاب الحقائق والرقائق للمقري
وقد سنح لي أن أسرد هنا شيئا من هذا الكتاب الفذ في بابه فنقول
قال فيه مولاي الجد رحمه الله تعالى هذا كتاب شفعت فيه الحقائق بالرقائق ومزجت المعنى الفائق باللفظ الرائق فهو زبدة التذكير وخلاصة المعرفة وصفوة العلم ونقاوة العمل فاحتفظ بما يوحيه إليك فهو الدليل وعلى الله قصد السبيل
حقيقة عمل قوم على السوابق وقوم على اللواحق والصوفي من لا ماضي له ولا مستقبل فإن كان زجاجيا فبخ بخ
رقيقة من لم يجد ألم البعد لم يجد لذة القرب فإن اللذة هي التخلص من الألم

حقيقة لما انطبعت الصور في مرآة الخيال قال العقل أنا الملك المكوكب فقالت الرياضة الزمني وتعرف قدرك فإذا العقل عقال
رقيقة من ضحك في نوم الغفلة بكي عند الانتباه فإن الأضغاث أضداد
حقيقة أثر الزهد عقل دن سقراط على سراج غوطة أبي نصر فقيل فأين اعتبار ( أفلا ينظرون ) فقال ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) الذاريات 21
رقيقة طالب الدنيا يخاف الفوت وصاحبها يترقب الزوال ولو بالموت فإذا حمي الوطيس وحج الرئيس أنشأ الزاهد بينهما ينشد
( عزيز النفس لا ولد يموت ... ولا أنس يحاذره يفوت )
حقيقة العابد طالب رياسة وحرمة والزاهد صاحب نفاسة وهمة والمعنى للعارف يعادي في الله تعالى ويوالي ويرضى الله ولا يبالي
رقيقة من سابق سبق ومن رافق ارتفق ومن لاحق التحق والعجز والكسل مقدمتا الخيبة و
( على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... )
حقيقة العمل دواء القلب وإذا كان الدواء لا يصلح إلا إذا كان على حمية البدن فكذلك العمل لا ينجح إلا بعد صوم النفس فارق نفسك وتعال
رقيقة مثل دواعي الخير والشر في الإنسان كمثل الخلط الفاعل والقوة الدافعة في العليل تغلب القوة فيسكن الخلط فيجد الراحة وعن قليل يتحرك فيجد الألم
حقيقة العمل على السلامة مسالمة وعلى الغنيمة وعلى الأمر قرض فيضاعف له أضعافا كثيرة
رقيقة تطهر من أدناس هواك وتزين بلباس تقواك وقم لمسجد انقطاعك

على قدم شكواك وأحرم بتوجيه قلبك إلى قبلة نجواك تجد الحق عندك وليس بسواك
حقيقة وجد العارف فجاد بنفسه فوجد الله عنده وتواجد المريد فحاكى ومن لم يبك تباكى
رقيقة زك نفسك لقلبك تزك عند ربك بعها منه رخيصة فهي على ثمنها لديه حريصة ( إن الله اشترى ) التوبة 111
حقيقة الزوال وقت المناجاة فطهر قلبك قبله من الحاجات وإياك والحظ فذهاب نقطته أسرع من اللحظ
رقيقة الزاد لك وهو مكتوب والزائد عليك وهو مسلوب فأجمل في طلب المضمون ولا تلزم نفسك صفقة المغبون
حقيقة أمر بالتوكل لتقصر الطرف عليه وإذن في التسبب لتنصرف منه إليه فذاك مخبر بحقيقة التفرد وهذا مظهر لحكمة التعبد
رقيقة الملك أبو الدينا وهو مع ذلك محبوس فيها تبهم عليه الأبواب ويستدعي الحراس والحجاب فإذا خرج حدقت إليه الألحاظ وأحدقت بجهاته الحفاظ أي حظ حظ من فقد نعمة ( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ) الملك 15
حقيقة قال صاحب الزهر الأنيق علامات الحبة أربع الإفلاس والاستئناس والأنفاس والوسواس قلت الإفلاس التجرد إلا عنه كالخليل والاستئناس التوحش إلا منه كالكليم والأنفاس والوسواس صلة الاسم وعائده
رقيقة ذكر مذكر بمالقة فقام الخطيب الشيخ الولي أبو عبد الله الساحلي بهذا البيت
( ليت شعري أفي زمام رضاكم ... كتب اسمي أم في زمام الهوان )

وكنت يوما مع السلطان والجند يعرضون عليه وكان يسقط ويثبت وأنا أتفكر في البيت حتى خفت أن أفتضح فقلت واهماه من هذا الإبهام ثم كدت أخلد بقبح العمل إلى الأرض فينشلني حسن الظن بالله عز و جل فإنهض
( إن المقادير إذا ساعدت ... ألحقت العاجز بالحازم )
حقيقة إذا قابل إبرة القلب مغناطيس الحسن صبا فانجذب فإذا اتصل عشق فانقطع فإذا انجذ فني فبقي حاشا الصوفي أن يموت
رقيقة افتخر الغراب بإقامة قرآن الفجر فقيل حتى تغسل بول الشيطان من أذنك فطرب الديك فرحا بالفوز وندب العصفور ترحا على الفوت
حقيقة الخلوة بيت الاعتبار وفي بيته يؤتى الحكم وباب هذا البيت العلم ( وائتوا البيوت من أبوابها ) البقرة 189
رقيقة واقع فقير هناه ثم دخل خلوته فبدت له نفسه بوجه مومسة فقال ما أنت قالت أم الحياة فقال ما أجمل أن تبدل هاؤك همزة فقالت إذن لم تصنع ما شئت فانتبه لقرع العتاب فتاب
حقيقة القلب إيوان الملك ويسعني وعز الملك يأنف عن ذل المزاحمة أنا أغني الشركاء عن الشرك
رقيقة لما وضع البسطامي أوزار حوبه فك طابع الصحيفة عن قلبه فلم يجد بها غير الطفرى فصاح بنفسه لك البشرى انزل طيفور عما تريد ليس في الدار أبو يزيد
حقيقة قال شيخنا أبو هادي يوما لأصحابه بماذا يرتقي العبد عن مقامه إلى

مقام أعلى منه قالوا بفضل الله ورحمته فقال إنما سألتكم عن السبب الخاص بهذا الأمر قالوا ما عند الشيخ قال يخلق الله له همة فيرتقي بها إلى رتبة أسمى من رتبته
ومن هذا الكتاب
حقيقة التفت إلى مواهب الملوك تجدهم إنما يوسعون فيما قد يسترجعون فأما العلماء وكل من يعطي بحق فإنما يعطون بقصد ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ) طه 131 واصبر نفسك فعن قريب تنصرف عنهم
رقيقة قلت لقلبي كيف تجدك فقال أما من أمارتك ففي عناء الجهاد وأما من لوامتك فعلى جمر الصبر قلت فمتى الراحة قال إذا اطمأنت النفس فاضمحل الوهم وغاب الحس
حقيقة قطع السوي طهارة المنيب ولا يقبل الله صلاة بغير طهور وكتابه النحيب والمكاتب عبد ما بقي عليه وبابه الدخول على الحبيب
نظر رجل إلى امرأة عفيفة فقالت يا هذا غض بصرك عما ليس لك تنفتح بصيرتك فترى ما هو لك
رقيقا لما حنكت الطينة بتمر الجنة وغذيت بلبانها قطرت على محبتها انظروا إلى حب الأنصار التمر فلم تطق الفطام عنها ( وتأبى الطباع على الناقل ... )
فذاك ما تجد من الحنين إلى التلاق والأنين على الفراق والشغف بمدح العابر وذم الغابر وفي ذلك

( كم أردنا ذاك الزمان بمدح ... فشغلنا بذم هذا الزمان )
وإن لم تعرف عصرا خاليا ولا خلا نائيا لم يمر عليك مما تشتهيه أطيب مما أنت فيه
( كم منزل في الأرض يألفه الفتى ... وحنينه أبدا لأول منزل )
ومنه
حقيقة قيل عرض الكليم بطلب القوت في رحلة الهجرة ( إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) القصص 24 فحمل على كاهل ( إن أبي يدعوك ) القصص 25 وصرح في سفر التأديب ( لو شئت لاتخذت عليه أجرا ) الكهف 77 فحمل على كاهل ( هذا فرق بيني وبينك ) الكهف 78 قلت لما تمحض الطلب له اكتفى فلما تعلق حق الغير به وفى ولذلك قضى أبا المرأتين الأجلين
رقيقة كان خرق السفينة إراءة لكرامة ( فاقذفيه في اليم ) طه 39 في مرآة ( وكان وراءهم ملك ) الكهف 79
( وربما صحت الأجسام بالعلل ... )
وقتل الغلام إشارة إلى اشتمال قتله ( فقضى عليه ) القصص 15 على رحمة ( فنجيناك من الغم ) طه 40 برمز ( فخشينا أن يرهقهما ) الكهف 80 والمحن الصم حبائل المنح وإقامة الجدار إثارة لفتوة ( فسقى لهما ) ليخفض له جناح ( إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) القصص 24 فيستظل من حر ( لو شئت لاتخذت عليه ) الكهف 77 في نية ( هذا فراق بيني وبينك ) الكهف 78

حقيقة قيل لمحمد بن حسن الزبيدي التونسي وأنا عنده بها كيف لم يصبر الكليم وقد ناط الصبر بالمشيئة ( ستجدني إن شاء الله صابرا ) الكهف 69 وقد جاء في الصحيح في قصة سليمان عليه السلام لو قال إن شاء الله لكان كما قال والمقام الموسوي أجل ( واصطنعتك لنفسي ) طه 41 وطلابه أفضل ما جميع أعمال البر والجهاد في طلب العلم إلا كبصقة في بحر فقال كان موسى على علم من علم الله وهو علم المعاملة لا يعلمه الخضر وكان الخضر على علم من علم الله لا يعلمه موسى فلم يظن أن ما لم يحط به خبرا يأباه حكم الظاهر وإلا كيف يلتزم الصبر عليه وقد أمر بصرف الإنكار إليه ( ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ) طه 92 بل لم يعتد مثله من ملاقاة المشاق فيما كان عليه الخضر من اختراق الآفاق وركوب الطباق فما علقه بقوله فقد صدقه بفعله وما لم يستطع عليه صبرا فلم يدخل في التزامه اعتقادا ولا ذكرا
رقيقة قال لي عبد الرحمن بن يعقوب المكتب كان عندنا بالساحل سائح هجيراه إلهي بسطت لي أملي وأحصيت علي عملي وغيبت عني أجلي ولا أدري إلى أي الدارين يذهب بي لقد أوقفتني موقف المحزونين ما أبقيتني
حقيقة تنازع القلب والنفس الخلق فقسمها بينهما قاضي العقل فمن باع منهما حظه فلا شفعة لصاحبه عليه
ومنه
حقيقة الحجب ثلاثة فحجاب الغيرة منع وحجاب الحيرة دفع وحجاب الغفلة قطع ( أولئك كالأنعام بل هم أضل ) الأعراف 179
رقيقة اللحم أيام التشريق مكروه وكل لذة عند أرباب الدنيا كاللحم عندك أيام الأضحى فلا ترينك الغفلة عن سرك زيادة النعمة عندك
حقيقة الفقر إلى الله الاستغناء به عما سواه وهوية الرضى بالله أن لا يخطر بالبال إلاه

ومنه
حقيقة التلون مجون تارة طربا وطورا شجون والتمكن معرفة وأين الحال من الصفة
رقيقة قال لي محمد بن عبد الواحد الرباطي قال لي محمد بن عبد السيد الطرابلسي دخلت على أبي الحسن الحرالي فقلت له كيف أصبحت فأنشد
( أصبحت ألطف من مر النسيم سرى ... على الرياض يكاد الوهم يؤلمني )
( من كل معنى لطيف أحتسي قدحا ... وكل ناطقة في الكون تطربني )
حقيقة قال الطالب الوقت سيف وقال الواصل بل مقت فتلا العارف ( قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ) الأنعام 91
رقيقة لصاحب الوقت يومان
( يوم بأرواح يباع ويشترى ... وأخوه ليس يسام فيه بدرهم )
وفصل الفضل بينهما
( وما تفضل الأيام أخرى بذاتها ... ولكن أيام الملاح ملاح )
ومنه
حقيقة قال لي الشيخ أبو عبد الله محمد بن مرزوق العجيسي بعباد تلمسان قال لي أبو عبد الله ابن حيون إنه وجد على ظهر كتاب بخط عتيق قال أبو يزيد البسطامي يظهر في آخر الزمان رجل يسمى شعيبا لا تدرك له نهاية قالا وهو أبو مدين قلت وقف بظاهره مع الشريعة وذهب بباطنه مع الحقيقة فما انقطع لصحة البداية ولا رجع لعدم الغاية

رقيقة قمت ببعض الأسحار على قدم الاستغفار وقد استشعرت الصبابة واستدثرت الكآبة فأملى الجنان على اللسان بما نفث في روعه روح الإحسان
( منكسر القلب بالجنايا ... يدعوك يا مانح العطايا )
( أقعده الذنب عن رفيق ... حثوا لرضوانك المطايا )
ومنه إثر حقيقة في شأن الحلاج ما نصه ثم قلت
( ولرب داع للجمال أطعته ... وأبى الجلال علي أن أتقدما )
( فأطعت بالعصيان أمرهما معا ... وجنحت للتسليم كيما أسلما )
ومنه
حقيقة قلت للسر ما لك تحس من خلف الموانع فقال خرق شعاعي سور العوائق ثم انعكس إلي بصور الحقائق فأصبحت كما قيل
( كأن مرآة عين الدهر في يده ... يرى بها غائب الأشيا فلم يغب )
رقيقة الليل رداء الرهبة تهاب الجبان فيه الأبطال وتتقي الحواس دونه الخيال ( إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا ) المزمل 6
حقيقة النهار معاش النفس فهو استعداد ( إن لك في النهار سبحا طويلا ) المزمل 7 والليل رياش الأنس فهو معاد ( واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ) المزمل 8 فهذا جمع وذلك فرق والحال أسرع ذهابا من البرق
ومنه
حقيقة إن أكبرت النفس حالها فذكرها أصلها ومآلها فإنها تصغر عند ذلك وتستقيم بك على أرض المسالك احثوا التراب في وجوه المداحين ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ) طه 55

رقيقة إنما يتعاظم من يجد الحقارة من نفسه ويتوهم المهانة عند أبناء جنسه فلذلك تراه مغمزا للعيون مهمزا للظنون من أسر سريرة حسنة كساه الله رداءها
رقيقة رأيت الملوك لا يشمتون ولا يدعى لهم إلا بما يتعلق بأغراض الدنيا وأكثر ذلك مما تحيل عقوده العوائد فعلمت أن الدنيا ضد الآخرة
حقيقة من لم يفر خور وذلك الجبن من خاف أدلج ورجا من لم يكر تمن وتلك الزمانة ( يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ) النساء 72
رقيقة سمعت أبا محمد المجاصي يقول رويت بالسند الصحيح أن عابدا رابط ببعض الثغور مدة فكان كلما طلع الفجر يسمع من ينشد دون أن يرى شيئا
( لولا رجال لهم سرد يصومونا ... وآخرون لهم ورد يقومونا )
( لزلزلت أرضكم من تحتكم غضبا ... فإنكم فوم سوء لا تبالونا )
حقيقة ما حمد الله حق حمده إلا من عرفه حق معرفته وذلك مما لا ينبغي لغيره لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك
رقيقة قلت
( أشيم البرق من بين الثنايا ... وأشتم العبير من الثناء )
( فأبدو تارة وأغيب أخرى ... مثار الشوق مثني الحياء )
حقيقة تحقق الحامد بكمال الذات فغاب عن حسه في بحار العظمة وتعلق الشاكر بجمال الفعل فوقف مع نفسه بسوق النعمة فهذا تاجر ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) إبراهيم 7 وذاك ذاكر ( وما بكم من ) النحل 53
ومنه
حقيقة الصبر مطية المريد والرضى سجية المراد فهذا يقوم للأمر وذاك يسعى للأجر

رقيقة الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف والصبر بغير حساب والرضى بالرضى وذلك سدرة المنتهى
حقيقة النفس الأمارة آبدة لا تملك إلا بلطائف الحيل والمطمئنة ذلول لا تنفلت إلا ممن غفل ( وأخاف أن يأكله الذئب ) يوسف 13
رقيقة الدنيا معشوق الطالب عاشق الهارب هذا يستخدمها وذاك يخدمها يبني الخادم المسجد ليقال ويعمره المخدوم لينال فعلى الخادم السعي من غير جدوى
( وليس لرحل حطه الله حامل ... )
وللمخدوم الجدوى بغير سعي
( وليس لما تبني يد الله هادم ... إن السعادة أصلها التخصيص )
حقيقة الجمال رياش والحسن صورة والملاحة روح فذلك ستره عليك وهذا سره فيك ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ) الحجر 29
رقيقة أعطي يوسف شطر الحسن يعني حسن آدم لأنه إن لم يكن في الإمكان أبدع مما كان فقد خلقه الحق بيده في أحسن تقويم ثم نفخ فيه من روحه لتتم علة الأمر بسجود التحية والتكريم فكان كما قال من أنزل عليه الفرقان خلق الله آدم على صورة الرحمن فآدم إذا كمال الحسن وإلا فهو المراد لأن الشطر يقتضي الحصر والنصف ينزع عن الوصف وأعطي محمد كمال الجمال فما أبصره أحد إلا هابه وتمام الملاحة فما عرفه شخص إلا أحبه مع أنباء نوره في الآباء بأن أبوه المعنى لسيد نجباء الأبناء كما قال العارف عمر
( وإني وإن كنت ابن آدم صورة ... فلي فيه معنى شاهد بأبوتي )

حقيقة لا يثنينك الخوف عن قرع الباب فتيأس فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ولا يدنينك الرجاء من الفترة فتأمن فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون فإن لم تستطع بعد الحرص أن تعدل فلا تمل كل الميل مع النفس ( إن النفس لأمارة بالسوء ) يوسف 53
رقيقة ارفع قصتك في رقعة الإقبال على كف الرجاء خافضا من طرف الحياء وصوت الإدلال عاكفا في زاوية الإنكماش من وراء ستر الخوف يخرج عليك حاجب القدر من باب الكرم بتوقيع ( فاستجبنا له ) الأنبياء 848890
ومنه
حقيقة صدق مجاهدة الفاروق أيقظ الوسنان وطرد الشيطان وأرضى الرحمن ففاز بسلامة ما سلكت فجا إلا سلك الشيطان فجا غير فجك وحقق مشاهدة الصديق أسمع من ناجى فحاز غنيمة لو كشف الغطاء ما ازداد يقينا
رقيقة ذهب أبو بكر في السابقين ولحق عمر بأهل اليقين فما أدرك الصديق أداء التصلية حتى استدرك الفاروق قضاء التقفية
( ولو كنت في أهل اليمين منعما ... بكيت على ما فات من زمن الصبا )
حقيقة النص سلاح والنظر مطية والإتباع جنة والورع نجاة والخلاف فتنة والبدع مهالك وخير الأمور أوساطها
ومنه
حقيقة تخير المساعد واختبر المصاعد وليكن همك في سفرك منك معرفتك كيف ترجع إليك فلن يحقق صفة الربوبية من لم يتحقق نعت العبودية

رقيقة حدثت أن سيدي أبا الحسن الشاذلي لما أزمع على التحول من طيبة على من بها الصلاة والسلام أوقف فعله على إذن رسول الله له فرآه في منامه فقال توحشنا يا علي فأخذ يعتل فأذن له وقال إذا جئت مصر فاقرأ عز الدين بن عبد السلام مني السلام قال فلما التقينا بلغته المالكة سرا فلم تظهر نفسه لذلك فلما قام المزمزم قال
( صدق المحدث والحديث كما جرى ... وحديث أهل الحب ما لا يفترى )
فاستغفر الشيخ ثم كذب نفسه ثم حط للتسليم رأسه
حقيقة الوهم شيطان القلب يأتيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وسائر الجهات لمراقبة ( قل هو القادر ) الأنعام 65 فمن ثم كان أشد تقلبا من المرجل على النار فإذا ذكر الله سكن ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) الرعد 28
رقيقة فرق القلب من ذكر الله خوف ( وجلت قلوبهم ) الحج 35 ثم سكن لذكره رجاء ( وتطمئن قلوبهم ) الرعد 28 فعاد داء تقشعر منه دواء ( ثم تلين ) فنعق بلائمه
( دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ... )
ثم هتف بمنادمه
( وداوني بالتي كانت هي الداء ... )
حقيقة العبودية صفة نفسك لأنها حال أحد العبيد والعبودة صفة قلبك لأنها ملكة واحد العباد والعبادة قصد وجهك لأنها نعت الفردوس من العباد

ومنه
حقيقة إنما تزيد في الدنيا بقدر ما تنقص من الآخرة فإن تشييد الجدار على قدر انتقاص الجبل
رقيقة من جر لنفسه جار على قلبه فلا تجوز شهادته عند ربه لأن العدل من ترك العدول والميل
حقيقة لا تقدمن إلا بدليل وإذن واحذر ما لا ينفع ما استطعت فقد تم انظر فلا حرج إن جهلت ما لم تكلف علمه وأخاف عليك سوء عاقبة الهجوم
رقيقة إذا اهتز العرش بالسحر لدعاء أهل ( تتجافى جنوبهم ) السجدة 16 انبعث من نسيمه ما أغشاهم طيبه الراحة ( أمنة منه ) الأنفال 11 وأهب المستغفر من نومه لإدراك فضل ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) المائدة 119 والمجادلة 22 والبينة 8
حقيقة دع الغريب وما يريب واركب الجادة ولا تسلك بنيات الطريق ( فتفرق بكم عن سبيله ) الأنعام 153
ومنه
حقيقة سفر المريد تجارة وسفر العارف عمارة فهذا يرحل للإقامة عند الحقيقة وذاك يطلب الاستقامة على الطريقة
رقيقة إياك أيها المصلي لنا أن تلتفت إلى غيرنا وأقبل علينا بصدق نيتك وناجنا بخلوص سريرتك فقد قمنا بينك وبين قبلتك وناجيناك بلسان تلاوتك فإن غبت عنا فلست منا
حقيقة الشطح كناية والكرامة عناية والاعتراض جناية فإياك ولم فإن عرفت فاتبع وإن جهلت فسلم

رقيقة الليل معاد الأنس ( إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا ) المزمل 6 والنهار معاش النفس ( إن لك في النهار سبحا طويلا ) فهذا نشاط رغبة يتسع في مناكبه المجال وتعتور على مراكبه الأحوال وذلك حجاب رهبة تهوي إليه الأوجال وتجتمع فيه هموم الرجال ألا ترى كيف تهاب الجبان دونه الأبطال وتتقي الحواس خلفه الخيال كما قال
( نهاري نهار الناس حتى إذا دجا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع )
( أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع )
حقيقة حجب الطالب أربعة فحجاب الغيرة قاذع قيل لبعضهم أتحب أن تراه فقال لا قيل ولم قال أجل ذلك عن نظر مثلي وحجاب التيه قامع نزل فقير على ابن عجوز فبينما هي تصلح له الطعام غشي على الفتى فسألها الفقير فقالت له إنه يهوى ابنة عم له بتلك الخيمة فخطرت فاشتم غبار ذيلها فذهب الفقير ليخطبها عليه فقالت إذا لم يطق غبار ذيلي فكيف بيستطيع أن يشاهدني وحجاب الحيرة دافع ومن ثم حلا لأرباب الغيبة قال بعضهم يا دليل الحائرين زدني تحيرا ومر على أصحاب الرغبة والرهبة كما قال
قد تحيرت فيك خذ بيدي ... يا دليلا لمن تحير فيكا )
وحجاب الغفلة قاطع كان بعضهم يقول إن عذبتني بشيء فلا تعذبني بذل الحجاب ونظر آخر إلى امرأة فوقع عليه سهم فعوره وعليه مكتوب نظرت بعين العورة فرميناك بسهم الأدب ولو نظرت بعين الشهوة لرميناك بسهم القطيعة
رقيقة حدثت أن ابن الفارض دخل على الشيخ عز الدين وقد ذهب به التفكر فيما له عند الله عز و جل فكاشفه بأن أنشده من قصيدة له

( لك البشارة فاخلع ما عليك فقد ... ذكرت ثم على ما فيك من عوج )
فبدرته البشاشة وأظن أن قد خلع قماشه
حقيقة وقفت ذات يوم بالجبانة واستفهمت اسمي هل عرف منها مكانه فأملى بعد هنيئة من نظمه ما وقفت منه على حقيقة مبلغ علمه
( كل ميت رأته عيني فإني ... ذلك الميت إن نظرت بقلبي )
( وجميع القبور قبري لولا ... جهل نفسي بما لها عند ربي )
رقيقة أهم ما على السالك مراعاة قلبه أن يتلف في تقلبه فذلك فساد حاله وذهاب رأس ماله تزوج فقير فلبس ثياب العرس فطلب قلبه فلم يجده فصاح خلقاني فأعطوه فأخذها وخرج
حقيقة حجب المطلوب ثلاثة فحجاب التيه جمال كما قال العارف عمر
( ته دلالا فأنت أهل لذاكا ... وتحكم فالحسن قد أعطاكا )
وحجاب العزة جلال
( همت بإتياننا حتى إذا نظرت ... إلى المرآة نهاها وجهها الحسن )
وحجاب الكبرياء كمال أنشدت لرابعة
( أحبك حبين حب الهوى ... وحبا لأنك أهل لذاكا )
( فأما الذي هو حب الهوى ... فشغلي بذكرك عمن سواكا )
( وأما الذي أنت أهل له ... فأن ترفع الحجب حتى أراكا )
( وما الحمد في ذا ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا )

وهذا معنى ما في الصحيح وما بين أهل الجنة وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن
ومنه
حقيقة الآثار منصة التجلي فمن لم يزر مهلب ( ويتفكرون ) زار عمير ( يمرون ) وبطل رصد الحجاج
رقيقة من تفكر تذكر ومن تذكر تبصر فإن أكمل وقف وإن قصر انصرف ( إنا هديناه السبيل ) الإنسان 3
حقيقة الوحدة فهم والتوحيد علم والإتحاد حكم والاثنينية وهم ( ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... )
ومنه
حقيقة أهم ما على السالك مراعاة قلبه أن يتلف في تقلبه فإن ذلك فساد حاله وذهاب رأس ماله رؤي فقير ينادي في السوق ارحموا صوفيا ذهب رأس ماله فقيل له وهل للصوفي رأس مال فقال نعم كان لي قلب ففقدته
ومنه
حقيقة تنازع القلب والنفس الخلق فترافعا إلى العقل فقسمه بينهما فانفردت النفس بالهوى والقلب بالتقوى فصرفت طرقهما إلى الجهتين وقطعت الشفعة فيهما بين الفئتين
ومنه عند ختم الكتاب ما نصه
حقيقة لا يودع السر إلا عند أهله ولا يذيعه إلا من ضاق ذرعا بحمله

فإن عدا مودعه الرمز فقد زل وإن تعدى مذيعه الغمز فقد ضل
رقيقة الحسن خلق والجمال خلق وحسن الأدب في الظاهر عنوان حسن الأدب في الباطن وحيث هو الجمال هو الجميل
حقيقة تحقق العلماء بالتوحيد فاستشعروا ( والله خلقكم وما تعملون ) الصافات 96 لكنهم اعتبروا خلق السبب والابتلاء به فتصرفوا بدلالة الإذن في مذهبه فاستقاموا على طريقة الأدب ولم يفتهم فصل التوكل ولم تتسع معارف الزهاد لما عرفوا المسبب بكيفية الإنصراف إلى السبب منه لدقة الفرق بينه وبين الانصراف عنه فوقفوا مع التوكل للعذر ولم يستعملوا أدب الجريان مع ابتلاء الأمر وعكف الغافلون على ظاهر السبب ففاتهم التوكل والأدب ( أولئك كالأنعام بل هم أضل ) الأعراف 179
رقيقة أفيت لعبد الحق الإشبيلي بيتا هو عندي أفضل من قصيدة وهو
( قد يساق المراد وهو بعيد ... ويريد المريد وهو قريب )
ومن أراد معرفة قدر هذا البيت فليتل ( الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ) الشورى 13
حقيقة أشرف أسمائك ما أضافك إليه وأكرم صفاتك ما دل فيك عليه
( لا تدعني إلا بيا عبدها ... فإنه أشرف أسمائي )
( ولا تصفني بالهوى عندها ... فعندها تحقيق أنبائي )
رقيقة
( أعزز بمن سوداء قلبي مغرب ... لخياله وسواد عيني مشرق )
( إن غاب عن سري فعنه لم يغب ... أو عن عياني فهو فيه محقق )

( والعين تعجز أن ترى إنسانها ... والقلب بالروح اللطيف مصدق )
صن عينك عن قلبك لربك وقلبك عن نفسك لحبك ونفسك عن طبعك لوليك وطبعك عن هواك لعدوك وهواك عمن سواك وقد كنت من نسل الجنة وكان بينك وبين البلاء أوقى جنة لطف الله تعالى بي وبكم في مجاري أحكامه ويسرنا أجمعين للعمل بموجبات إكرامه وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا إلى يوم لقائه انتهى ما تعلق به الغرض من كتاب الحقائق والرقائق لمولاي الجد الإمام سقى الله عهده صوب الغمام وما ذكرته من كلامه غيض من فيض وقل من كثر ويكفي من الحلي ما قل وستر العنق
ولنذكر بعض نظمه رحمه الله تعالى وقد تقدم بعضه أثناء ما سبق من كلامه رضي الله عنه فراجعه إن شئت
من شعر المقري الجد
ومن بديع نظمه رحمه الله تعالى ما في الإحاطة ونصه نقلت من ذلك قوله هذه لمحة العارض لتكملة ألفية ابن الفارض سلب الدهر من فرائدها مائة وسبعة وسبعين فاستعنت على ردها بحول الله المعين
من فصل الإقبال
( رفضت السوى وهو الطهارة عندما ... تلفعت في مرط الهوى وهو زينتي )
( وجئت الحمى وهو المصلى ميمما ... بوجهة قلبي وجهها وهو قبلتي )
( وقمت وما استفتحت إلا بذكرها ... وأحرمت إحراما لغير تحلة )
( فديني إن لاحت ركوع وإن دنت ... سجود وإن لاهت قيام بحسرة )

( على أننا في القرب والبعد واحد ... تؤلفنا بالوصل عين التشتت )
( وكم من هجير خضت ظمآن طاويا ... إليها وديجور طويت برحلة )
( وفيها لقيت الموت أحمر والعدا ... بزرقة أسنان الرماح وحدة )
( وبيني وبين العذل فيها منازل ... تنسيك أيام الفجار ومؤتة )
( ولما اقتسمنا خطتينا فحامل ... فجار بلا أجر وحامل برة )
( خلا مسمعي من ذكرها فاستعدته ... فعاد ختام الأمر أصل القضية )
( وكم لي على حكم الهوى من تجلد ... دليل على أن الهوى من سجيتي )
( يقول سميري والأسى سالم الأسى ... ولا توضع الأوزار إلا لمحنة )
( لو أن مجوسا بت موقد نارها ... لما ظل إلا منهلا ذا شريعة )
( ولو كنت بحرا لم يكن فيه نضحة ... لعين إذا نار الغرام استحرت )
( فلا ردم من نقب المعاول آمن ... ولا هدم إلا منك شيد بقوة )
( فمم تقول الأسطقسات منك أو ... علام مزاج ركبت أو طبيعة )
( فإن قام لم يثبت له منك قاعد ... وإلا فأنت الدهر صاحب قعدة )
( فما أنت يا هذا الهوى ماء أو هوا ... أم النار أم دساس عرق الأمومة )
( وإني على صبري كما أنا واصف ... وحالي أقوى القائمين بحجة )
( أقل الضنى أن عج من جسمي الضنى ... وما شاكه معشار بعض شكيتي )
( وأيسر شوقي أنني ما ذكرتها ... ولم أنسها إلا احترقت بلوعة )
( وأخفى الجوى قرع الصواعق منك في ... جواي وأخفي الوجد صبر المودة )
( وأسهل ما ألقى من العذل أنني ... أحب أقلي ذكرها وفضيحتي )
( وأوج حظوظي اليوم منها حضيضها ... بالأمس وسل حر الجفون الغزيرة )

( وأوجز أمري أن دهري كله ... كما شاءت الحسناء يوم الهزيمة )
( أروح وما يلقى التأسف راحتي ... وأغدو وما يعدو التفجع خطتي )
( وكالبيض بيض الدهر والسمر سوده ... مساءتها في طي طيب المسرة )
( وشأن الهوى ماقد عرفت ولا تسل ... وحسبك أن لم يخبر الحب رؤيتي )
( سقام بلا برء ضلال بلا هدى ... أوام بلا ري دم لا بقيمة )
( ولا عتب فالأيام ليس لها رضى ... وإن ترض منها الصبر فهو تعنتي )
( ألا أيها اللوام عني قوضوا ... ركاب ملامي فهو أول محنتي )
( ولا تعذلوني في البكاء ولا البكى ... وخلوا سبيلي ما استطعتم ولوعتي )
( فما سلسلت بالدمع عيني إن جنت ... ولكن رأت ذاك الجمال فجنت )
( تجلى وأرجاء الرجاء حوالك ... ورشدي غاو والعمايات عمت )
( فلم يستبن حتى كأني كاسف ... وراجعت إبصاري له وبصيرتي )
ومن فصل الاتصال
( وكم موقف لي في الهوى خضت دونه ... عباب الردى بين الظبي والأسنة )
( فجاوزت في حدي مجاهدتي له ... مشاهدتي لما سمت بي همتي )
( وحل جمالي في الجلال فلا أرى ... سوى صورة التنزيه في كل صورة )
( وغبت عن الأغيار في تيه حيرتي ... فلم أنتبه حتى امتحى اسمي وكنيتي )
( وكاتبت ناسوتي بأمارة الهوى ... وعدت إلى اللاهوت بالمطمئنة )
( وعلم يقيني صار عينا حقيقة ... ولم يبق دوني حاجب غير هيبتي )
( وبدلت بالتلوين تمكين عزة ... ومن كل أحوالي مقامات رفعة )
( وقد غبت بعد الفرق والجمع موقفي ... مع المحو والإثبات عند تثبتي )

( وكم جلت في سم الخياط وضاق بي ... لبسطي وقبضي بسط وجه البسيطة )
( وما اخترت إلا دن سقراط زاهدا ... وفي ملكوت النفس أكبر عبرة )
( وفقري مع الصبر اصطفيت على الغنى ... مع الشكر إذ لم يحظ فيه مثوبتي )
( وأكتم حبي ما كنى عنه أهله ... وأكني إذا هم صرحوا بالخبية )
( وإني في جنسي ومنه لواحد ... كنوع ففصل النوع عله حصتي )
( تسببت في دعوى التوكل ذاهبا ... إلى أن أجدى حيلتي ترك حيلتي )
( وآخر حرف صار مني أولا ... مريدا وحرف في مقام العبودة )
( تعرفت يوم الوقف منزل قومها ... فبت بجمع سد خرق التشتت )
( فأصبحت أقضي النفس منها منى الهوى ... وأقضي على قلبي برعي الرعية )
( فبايعتها بالنفس دارا سكنتها ... وبالقلب منه منزلا فيه حلت )
( فخلص الاستحقاق نفسي من الهوى ... وأوجب الاسترقاق تسليم شفعة )
( فيا نفس لا ترجع تقطع بيننا ... ويا قلب لا تجزع ظفرت بوحدة )
ومن فصل الإدلال
( تبدت لعيني من جمالك لمحة ... أبادت فؤادي من سناها بلفحة )
( ومرت بسمعي من حديثك ملحة ... تبدت لها فيك القران وقرت )
( ملامي بن عذري استبن وجدي استعن ... سماعي أعن حالي أبن قائلي اصمت )
( فمن شاهدي سخط ومن قائلي رضى ... وتلوين أحوالي وتمكين رتبتي )
( مرامي إشارات مراعي تفكر ... مراقي نهايات مراسي تثبت )
( وفي موقفي والدار أقوت رسومها ... تقرب أشواقي تبعد حسرتي )
( معاني أمارات مغاني تذكر ... مباني بدايات مثاني تلفت )
( وبث غرام والحبيب بحضرة ... ورد سلام والرقيب بغفلة )

( ومطلع بدر في قضيب على نقا ... فويق محل عاطل دون دجية )
( وممكن سحر بابلي له بما ... حوت أضلعي فعل القنا السمهرية )
( ومنبت مسك من شقيق ابن منذر ... على سوسن غض بجنة وجنة )
( ووصف اللآلي في اليواقيت كلما ... تعل بصرف الراح في كل سحرة )
( سل السلسبيل العذب عن طعم ريقه ... ونكهته يخبرك عن علم خبرة )
( ورمان كافور علته طوابع ... من الند لم تحمل به بنت مزنة )
( ولطف هواء بين حقف وبانة ... ورقة ماء في قوارير فضة )
( لقد عز عنك الصبر حتى كأنه ... سراقة لحظ منك للمتلفت )
( وأنت وإن لم تبق مني صبابة ... منى النفس لم تقصد سواك بوجهة )
( وكل فصيح منك يسري لمسمعي ... وكل مليح منك يبدو لمقلتي )
( تهون علي النفس فيك وإنها ... لتكرم أن تغشى سواك بنظرة )
( فإن تنظريني بالرضى تشف علتي ... وإن تظفريني باللقا تطف غلتي )
( وإن تذكريني والحياة بقيدها ... عدلت لأمني منيتي بمنيتي )
( وإن تذكريني بعدما أسكن الثرى ... تجلت دجاه عند ذاك وولت )
( صليني وإلا جددي الوعد تدركي ... صبابة نفس أيقنت بتفلت )
( فما أم بو هالك بتنوفة ... أقيم لها خلف الخلاب فدرت )
( فلما رأته لاينازع خلفها ... إذا هي لم ترسل عليه وضنت )
( بكت كلما راحت عليه وإنها ... إذا ذكرته آخر الليل حنت )
( بأكثر مني لوعة غير أنني ... رأيت وقار الصبر أحسن حلية )
( فرحت كما أغدو إذا ما ذكرتها ... أطامن أحشائي على ما أجنت )

( أهون ما ألقاه إلا من القلى ... هوى ونوى نيل الرضى منك بغيتي )
( أخوض الصلا أطفي العلا والعلو لا ... أصل السلا أرعى الخلا بين عبرتي )
( ألا قاتل الله الحمامة غدوة ... لقد أصلت الأحشاء نيران لوعة )
( وقاتل مغناها وموقف شجوها ... على الغصن ماذا هيجت حين غنت )
( فغنت غناء أعجميا فهيجت ... غرامي من ذكرى عهود تولت )
( فأرسلت الأجفان سحبا واوقدت ... جواي الذي كانت ضلوعي أكنت )
( نظرت بصحراء البريقين نظرة ... وصلت بها قلبي فصل وصلت )
( فيا لهما قلبا شجيا ونظرة ... حجازية لو جن طرف لجنت )
( وواعجبا للقلب كيف اعترافه ... وكيف بدت أسراره خلف ستره )
( وللعين لما سوئلت كيف أخبرت ... وللنفس لما وطنت كيف ذلت )
( وكنا سلكنا في صعود من الهوى ... يسامي بأعلام العلا كل رتبة )
( إلى مستوى ما فوقه فيه مستوى ... فلما توافينا ثبت وزلت )
( وكنا عقدنا عقدة الوصل بيننا ... على نحر قربان لدى قبر شيبة )
( مؤكدة بالنذر أيام عهده ... فلما تواثقنا شددت وحلت )
ومن فصل الاحتفال
( أزور اعتمارا أرضها بتنسك ... وأقصد حجا بيتها بتحلة )
( وفي نشأتي الأخرى ظهرت بما علت ... له نشأتي الأولى على كل فطرة )
( ولولا خفاء الرمز من لا ولن ولم ... تجدها لشملي مسلكا بتشتت )
( ولو لم يجدد عهدنا عقد خلة ... قضيت ولم يقض المنى صدق توبة )

( بعثت إلى قلبي بشيرا بما رأت ... على قدم عيناي منه فكفت )
( فلم يعد أن شام البشارة شام ما ... جفا الشام من نور الصفات الكريمة )
( فيا لك من نور لو أن التفاتة ... تعارض منه بالنفوس النفيسة )
( تحدث أنفاس الصبا أن طيبها ... بما حملته من حراقة حرقة )
( وتنبيء آصال الربيع عن الربى ... وأشجاره أن قد تجلت فجلت )
( وتخبر أصوات البلابل أنها ... تغنت بترجيعي على كل أيكة )
( فهذا جمالي منك في بعد حسرتي ... فكيف به إن قربتني بخلة )
( تبدى وما زال الحجاب ولا دنا ... وغاب ولم يفقده شاهد حضرتي )
( له كل غير في تجليه مظهر ... ولا غير إلا ما محت كف غيرة )
( تجلى دليل واحتجاب تنزه ... وإثبات عرفان ومحو تثبت )
( فما شئت من شيء وآليت أنه ... هو الشيء لم تحمد فجار أليتي )
( وفي كل خلق منه كل عجيبة ... وفي كل خلق منه كل لطيفة )
( وفي كل خاف منه مكمن حكمة ... وفي كل باد منه مظهر جلوة )
( أراد بقلب القلب واللغز كامنا ... وفي الزجر والفال الصحيح الأدلة )
( وفي طي أوفاق الحساب وسر ما ... يتم من الأعداد فابدأ بستة )
( وفي نفثات السحر في العقد التي ... تطوع لها كل الطباع الأبية )
( يصور شكلا مثل شكل ويعتلي ... عليه بأوهام النفوس الخبيثة )
( وفي خضرة الكمون تزجى شرابه ... مواعيد عرقوب على إثر صفرة )
( وفي شجر قد خوفت قطع أصلها ... فبان بها حمل لأقرب مدة )
( وفي النخل في تلقيحه واعتبر بما ... أتى فيه عن خير البرية واسكت )

( وفي الطابع السبتي والأحرف التي ... يبين منها النظم كل خفية )
( وفي صنعة الطلسم والكيمياء والكنوز ... وتغوير المياه المعينة )
( وفي حرز أقسام المؤدب محرز ... وحزب أصيل الشاذلي وبكرة )
( وفي سيمياء الخاتمي ومذهب ابن ... سبعين إذ يعزي إلى شر بدعة )
( وفي الملل الأولى وفي النحل الألى ... بها أوهموا لما تساموا بسنة )
( وفي كل ما في الكون من عجب وما ... حوى الكون إلا ناطقا بعجيبة )
( فلا سر إلا وهو فيه سريرة ... ولا جهر إلا وهو فيه كحيلة )
( سل الذكرى عن إنصاف أصناف ما انبنى ... عليه الكلام من حروف سليمة )
( وعن وضعها في بعضها وبلوغ ما ... أتت فيه أمضى عدها وتثبت )
( فلا بد من رمز الكنوز لذي الحجي ... ولا ظلم إلا ظلم صاحب حكمة )
( ولولا سلام ساق للأمن خيفتي ... لعاجل مس البرد خوفي لميتتي )
( ولو لم تداركني ولكن بعطفها ... درجت رجائي أن نعتني خيبتي )
( ولو لم تؤانسني عنا قبل لم ولم ... قضى العتب مني بغية بعد وحشي )
( ونعم أقامت أمر ملكي بشكرها ... كما هونت بالصبر كل بلية )
ومن فصل الاعتقال
( سر بفؤادي إذ سرت فيه نظرتي ... وسارت ولم تثن العنان بعطفة )
( وذلك لما أطلع الشمس في الدجى ... محيا ابنة الحيين في خير ليلة )
( يمانية لو أنجدت حين أنجدت ... لما أبصرت عيناك حيا كميت )

( لأصحمة في نصحها قدم بنى ... لكل نجاشي بها حصن ذمة )
( ألمت فحظت رحلها ثم لم يكن ... سوى وقفة التوديع حتى استقلت )
( فلو سمحت لي بالتفات وحل من ... مهاوي الهوى والهون جد تفلتي )
( ولكنها همت بنا فتذكرت ... قضاء قضاة الحسن قدما فصدت )
( أجلت خيالا إنني لا أجله ... ولم أنتسب منه لغير تعلة )
( على أنني كلي وبعضي حقيقة ... وباطل أوصافي وحق حقيقتي )
( وجنسي وفصلي والعوارض كلها ... ونوعي وشخصي والهواء وصورتي )
( وجسمي ونفسي والحشا وغرامه ... وعقلي وروحانيتي القدسية )
( وفي كل لفظ عنه ميل لمسمعي ... وفي كل معنى منه معنى للوعتي )
( ودهري به عيد ليوم عروبة ... وأمري أمري والورى تحت قبضتي )
( ووقتي شهود في فناء شهدته ... ولا وقت لي إلا مشاهد غيبة )
( أراه معي حسا ووهما وإنه ... مناط الثريا من مدارك رؤيتي )
( وأسمعه من غير نطق كأنه ... يلقن سمعي ما توسوس مهجتي )
( ملأت بأنوار المحبة باطني ... كأنك نور في سرار سريرتي )
( وجليت بالإجلال أرجاء ظاهري ... كأنك في أفقي كواكب زينة )
( فأنت الذي أخفيه عند تستري ... وأنت الذي أبديه في حين شهرتي )
( فته أحتمل واقطع أصل واعل أستفل ... ومر أمتثل واملل أمل وارم أثبت )
( فقلبي إن عاتبته فيك لم أجد ... لعتبي فيه الدهر موقع نكتة )
( ونفسي تنبو عن سواك نفاسة ... فلا تنتمي إلا إليك بمنة )
( تعلقت الآمال منك بفوق ما ... أرى دونه ما لا ينال بحيلة )
( وحامت حواليها وما وافقت حمى ... سحائب يأس أمطرت ماء عبرتي )
( فلو فاتني منك الرضى ولحقتني ... بعفو بكيت الدهر فوت فضيلة )

( ولو كنت في أهل اليمن منعما ... بكيت على ما كان من أسبقية )
( وكم من مقام قمت عنك مسائلا ... أرى كل حي كل حي وميت )
( أتيت بفاراب أبا نصرها فلم ... أجد عنده علما يبرد غلتي )
( ولم يدر ما قولي ابن سيناء سائلا ... فقل كيف أرجو عنده برء علتي )
( فهل في ابن رشد بعد هذين مرتجى ... وفي ابن طفيل لاحتثاث مطيتي )
( لقد ضاع لولا أن تداركني حمى ... من الله سعي بينهم طول مدتي )
( فقيض لي نهجا إلى الحق سالكا ... وأيقظني من نوم جهلي وغفلتي )
( فحصنت أنظار الجنيد جنيدها ... بترك فلي من رغبة ريح رهبة )
( وكسرت عن رجل ابن أدهم أدهما ... وأنقذته من أسر حب الأسرة )
( وعدت على حلاج سكري بصلبه ... وألقيت بلعام التفاتي بهوة )
( فقولي مشكور ورأيي ناجح ... وفعلي محمود بكل محلة )
( رضيت بعرفاني فأعليت للعلا ... وأجلسني بعد الرضى فيه جلتي )
( فعشت ولا ضيرا أخاف ولا قلى ... وصرت حبيبا في ديار أحبتي )
( فها أناذا أمسي وأصبح بينهم ... مبلغ نفسي منهم ماتمنت )
ومن نظمه أيضا ما حكى عنه في الإحاطة إذ قال وأنشدني قوله في حال قبض وقيدتها عنه
( إليك بسطت الكف أستنزل الفضلا ... ومنك قبضت الطرف أستشعر الذلا )
( وها أناذا قد قمت يقدمني الرجا ... ويحجم في الخوف الذي خامر العقلا )
( أقدم رجلا إن يضىء برق مطمع ... وتظلم أرجائي فلا أنقل الرجلا )
( ولي عثرات لست آمل إن هوت ... بنفسي أن لا أستقيل وأن أصلى )
( فإن تدركني رحمة أنتعش بها ... وإن تكن الأخرى فأولى بي الأولى )

ومن نظمه رحمه الله تعالى
( وجد تسعره الضلوع ... وما تبرده المدامع )
( هم تحركه الصبابة ... والمهابة لا تطاوع )
( أمل إذا وصل الرجا ... أسبابه فالموت قاطع )
( بالله يا هذا الهوى ... ما أنت بالعشاق صانع )
وقال رحمه الله تعالى كما في الإحاطة ومما كتبت به لمن بلغني عنه بعض الشيء
( نحن إن تسأل بناس معشر ... أهل ماء فجرته الهمم )
( عرب من بيضهم أرزاقهم ... ومن السمر الطوال الخيم )
( عرضت أحسابهم أرواحهم ... دون نيل العرض وهي الكرم )
( أورثونا المجد حتى إننا ... نرتضي الموت ولا نزدحم )
( ما لنا في الناس من ذنب سوى ... أننا نلوي إذا ما اقتحموا )
وقال مما قلته مذيلا به قول القاضي أبي بكر ابن العربي
( أما والمسجد الأقصى ... وما يتلى به نصا )
( لقد رقصت بنات الشوق ... بين جوانحي رقصا )
قولي
( فأقلع بي إليه هوى ... جناحا عزمه قصا )
( أقل القلب واستعدى ... على الجثمان فاستعصى )
( فقمت أجول بينهما ... فلا أدنى ولا أقصى )

قال رحمه الله تعالى ومما قلته في التورية بشأن راوي المدونة
( لا تعجبن لظبي قد دها أسدا ... فقد دها أسدا من قبل سحنون )
ومن نظم مولاي الجد مما لم يذكره في الإحاطة قوله حسبما ألفي بخطه على ظهر نسخة من تأليفه القواعد
( ناديت والقلب بالأشواق محترق ... والنفس من حيرة الإبعاد في دهش )
( يا معطشي من وصال كنت آمله ... هل فيك لي فرج إن صحت واعطشي )
ومن نظمه ما أسنده الونشريسي إليه
( خالف هواك وكن لعقلك طائعا ... تجد الحقيقة عند طرف الناظر )
ومنه مما نسبه له المذكور ورأيت من ينسبهما لغيره
( لما رأيناك بعد الشيب يا رجل ... لا تستقيم وأمر النفس تمتثل )
( زدنا يقينا بما كنا نصدقه ... بعد المشيب يشب الحرص والأمل )
وفي الإحاطة في ترجمة شعره ما صورته قال ومما قلته من الشعر وبه نختم الكلام
( أنبت عودا لنعماء بدأت بها ... فضلا وألبستها بعد اللحا الورقا )
( فظل مستشعرا مستدثرا أرجا ... ريان ذا بهجة يستوقف الحدقا )
( فلا تشنه بمكروه الجنى فلكم ... عودته من جميل من لدن خلقا )
( وانف القذى عنه واثر الدهر منبته ... وغذه برجاء واسقه غدقا )
( واحفظه من حادثات الدهر أجمعها ... ما جاء منها على ضوء وما طرقا )

انتهى ما قصدته من ترجمة مولاي الجد على ما اقتضاه الوقت ولو أرسلت عنان القلم في شأنه لضاق هذا الديوان عن ذلك ويرحم الله شيخ شيوخ شيوخنا عالم المغرب سيدي أبا العباس الونشريسي ثم التلمساني نزيل فاس صاحب المعيار وغيره قال في تأليفه الذي عرف فيه بمولاي الجد لما سأله بعضهم في ذلك وذكر حضره ما نصه ولقد استوفى شيخ شيوخنا المحقق النظار أبو عبد الله ابن مرزوق الحفيد ترجمة المقري في كتاب سماه النور البدري في التعريف بالفقيه المقري وقد تقدمت الإشارة إلى أن اسم هذا التأليف مبني على أن المقري بفتح الميم وسكون القاف وقد علمت ما في ذلك مما مضى
قلت وقد ملكت بفاس مجلدا ضخما بخط مؤلفه وهو أحد علماء مدينة فاس ألفه برسم مولاي الجد وسماه بالزهر الباسم وأطال فيه في مدح مولاي الجد والثناء عليه والتنويه بقدره وذكر محاسنه ولم يحضرني الآن لكوني تركته مع جملة كتبي بالمغرب وقد تعلق بحفظي ما قاله في أوله من جملة أبيات
( إذا ذكرت مفاخر أهل فاس ... ذكرنا من أتى من تلمسان )
( وقلنا هل رأيتم في قضاة ... شبيها للفقيه العدل ثاني )
إلى أن قال
( ونفس العلم إن شانت لشخص ... فما للمقري في العلم شاني )
تلامذة المقري الجد
وقد أخذ عنه رحمه الله تعالى جماعة أعلام مشهورون منهم لسان الدين ابن الخطيب ذو الوزارتين والوزير أبو عبد الله ابن زمرك والأستاذ العلامة أبو عبد الله القيجاطي الآية في علم القراءات والشيخ الفقيه القاضي الرحال

الحاج أبو عبد الله محمد بن سعيد بن عثمان بن سعيد الصنهاجي الزموري الدار المعروف بنقشابو والولي ابن خلدون صاحب التاريخ وفي بعض المواضع يعبر عنه بصاحبنا وفي بعضها بشيخنا والنظار أبو إسحاق الشاطبي والعلامة أبو محمد عبد الله بن جزي والحافظ ابن علاق وغيرهم ممن يطول تعداده ولا كالشيخ الولي الشهير الكبير العارف بالله سيدي محمد بن عباد الرندي شارح حكم ابن عطاء الله فإنه ممن يفتخر مولاي الجد رحمه الله تعالى بكون مثله تلميذا له ولا بأس أن نورد ترجمته تبركا به في هذا الكتاب ولو لم تقتضه المناسبة التي راعيناها في هذا التأليف فكيف وقد اقتضته فنقول
ترجمة تلميذه ابن عباد الرندي
قال في حقه صاحبه الشيخ أبو زكريا السراج ما صورته شيخنا الفقيه الخطيب البليغ الخاشع الخاشي الإمام العالم المنصف السالك العارف المحققق الرباني ذو العلوم الباهرة والمحاسن المتظاهرة سليل الخطباء ونتيجة العلماء أبو عبد الله محمد ابن الشيخ الفقيه الواعظ الخطيب البليغ العلم الحظي الوجيه الحسيب الأصيل أبي إسحاق إبراهيم بن أبي بكر بن عباد كان حسن السمت طويل الصمت كثير الوقار والحياء جميل اللقاء حسن الخلق والخلق على الهمة متواضعا معظما عند الخاصة والعامة نشأ ببلده رندة على أكمل طهارة وعفاف وصيانة وحفظ القرآن ابن سبع سنين ثم تشاغل بعد بطلب العلوم النحوية والأدبية والأصولية والفروعية حتى رأس فيها وحصل معانيها ثم أخذ في طريق الصوفية والمباحثة على الأسرار الإلهية حتى أشير إليه وتكلم في علوم الأحوال والمقامات والعلل والآفات وألف فيه تواليف عجيبة وتصانيف

بديعة غريبة وله أجوبة كثيرة في مسائل العلوم نحو مجلدين ودرس كتبا وحفظها أو جلها كشهاب القضاعي والرسالة ومختصري ابن الحاجب وتسهيل ابن مالك ومقامات الحريري وفصيح ثعلب وغيرها وقوت القلوب أخذ ببلده رندة عن أبيه القرآن وغيره وعن خاله الشيخ الفقيه القاضي عبد الله الفريسي العربية وغيرها وعن الشيخ الفقيه الخطيب أبي الحسن علي بن أبي الحسن الرندي حرف نافع وعرض عليه الرسالة وبتلمسان وفاس عن السيد الشريف الإمام العالم العلامة المحقق أبي عبد الله التلمساني الحسني جمل الخونجي تفهما وغيره وعن الشيخ الفقيه القاضي العالم أبي عبد المقري كثيرا من المختصر الفرعي لابن الحاجب وفصيح ثعلب وبعض صحيح مسلم كلها تفقها وعن الشيخ الفقيه العالم أبي محمد عبد النور العمراني الموطأ والعربية وعن الإمام العالم أبي عبد الله الآبلي الإرشاد لأبي المعالي وجميع كتاب ابن الحاجب الأصلي وعقيدة ابن الحاجب تفقها وعن الشيخ الفقيه الحافظ أبي الحسن الصرصري بعض التهذيب تفقها وعن الشيخ الأستاذ المقرىء الصالح أحمد بن عبد الرحمن المجاصي شهر بالمكناسي كثيرا من جمل الزجاج وتسهيل ابن مالك وعن الشيخ الفقيه الصالح أبي مهدي عيسى المصمودي جميع كتاب ابن الحاجب له أيضا تفقها وتفقه على الفقيه العالم أبي محمد الوانغيلي في كتاب ابن الحاجب وأخذ عنه حرف نافع وعن الشيخ الفقيه الصالح المدرس بالحلفاويين أبي محمد عبد الله الفشتالي كثيرا من التهذيب وعن قاضي الجماعة وخطيب الحضرة أبي عبد الله محمد بن أحمد القشتالي كثيرا من التهذيب تفقها وكذا عن غيرهم ولقي بسلا الشيخ الحاج الصالح السني الزاهد الورع أحمد بن عمر بن محمد بن عاشر وأقام معه ومع أصحابه سنين عديدة قال قصدتهم لوجدان السلامة معهم ثم رحل لطنجة فلقي بها الشيخ الصوفي أبا مروان عبد الملك قال لازمته كثيرا

وقرأت عليه وسمعت منه وأنشدني من شعره وشعر غيره وترددت بيني وبينه مسائل في إقامته بسلا وانتفعت به عظيما في التصوف وغيره وأجازني إجازة عامة مولده برندة عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة وتوفي بعد العصر يوم الجمعة ثالث رجب عام اثنين وتسعين وسبعمائة وحضر جنازته الأمير فمن بعده وهمت العامة بكسر نعشه تبركا به ولم أر جنازة أحفل ولا أكثر خلقا منها ورثاه الناس بقصائد كثيرة انتهى كلام السراج
وقال غيره في حقه محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن مالك بن إبراهيم بن محمد بن مالك بن إبراهيم بن يحيى بن عباد النفزي نسبا الرندي بلدا الشهير بابن عباد الفقيه الصوفي الزاهد الولي العارف بالله تعالى
وقال في حقه الشيخ ابن الخطيب القسمطيني في كتابه أنس الفقير وعز الحقير وهو الخطيب الشهير الصالح الكبير وكان والده من الخطباء الفصحاء النجباء ولأبي عبد الله هذا عقل وسكون وزهد بالصلاح مقرون وكان يحضر معنا مجلس شيخنا الفقيه أبي عمران موسى العبدوسي رحمه الله تعالى وهو من أكابر أصحاب ابن عاشر ومن خيار تلامذته وأخذ عنه وله كلام عجيب في التصوف وصنف فيه كما هو الآن يقرأ على الناس مع كتب التذكير وله في ذلك قلم انفرد به وسلم له فيه بسببه ومن تصانيفه شرح كتاب الحكم لابن عطاء الله في سفر رأيته وعلى ظهر نسخة منه مكتوب
( لا يبلغ المرء في أوطانه شرفا ... حتى يكيل تراب الأرض بالقدم )
ومن كلامه فيه الاستئناس بالناس ومن علامات الإفلاس فتح باب الأنس بالله تعالى الاستيحاش من الناس ومن كلامه فيه من لازم الكون وبقي معه وقصر همته عليه ولم تنفتح له طريق الغيوب الملكوتية ولا خلص بسره إلى

فضاء مشاهدة الوحدانية فهو مسجون بمحيطاته ومحصور في هيكل ذاته إلى غير ذلك من كلامه وكان يحضر السماع ليلة المولد عند السلطان وهو لا يريد ذلك وما رأيته قط في غير مجلس جالسا مع أحد وإنما حظ من يراه الوقوف معه خاصة وكنت إذا طلبته بالدعاء احمر وجهه واستحيا كثيرا ثم يدعو لي وأكثر تمتعه من الدنيا بالطيب والبخور الكثير ويتولى أمر خدمته بنفسه ولم يتزوج ولم يملك أمة ولباسه في داره مرقعة فإذا خرج سترها بثوب أخضر أو أبيض وله تلامذة كلهم أخيار مباركون وبلغني عن بعضهم أنه تصدق حين تاب على يده بعشرة آلاف دينار ذهبا وهو الآن إمام جامع القرويين بفاس وخطيبه وأكثر قراءته في صلاة الجمعة ( إذاجاء نصر الله ) وأكثر خطبته وعظ ومثله من يعظ الناس لأنه اتعظ في نفسه وقد أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه الصلاة و السلام يا عيسى عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني ذكره الغزالي وعهدي به أنه على صفة البدلاء الصادقين النبلاء كثر الله مثله في الإسلام انتهى
قلت وقد زرت قبره مرارا بفاس ودعوت الله تعالى عنده وهوعند أهل فاس بمثابة الشافعي عند أهل مصر ومن منن الله سبحانه علي أني سكنت محله لما توليت الخطابة والإمامة بجامع القرويين من فاس المحروسة مضافين إلى الفتوى والدار المعلومة للخطيب بالجامع المذكور إلى الآن تعرف بدار الشيخ ابن عباد وأقمت على ذلك خمس سنين وأشهرا ثم قوضت الرحال للمشرق وها أنا إلى الآن فيها والله ييسر الخير حيث كان
وقال الشيخ سيدي أحمد زروق في شأن الشيخ ابن عباد إنه ولد برندة وبها نشأ في عفاف وصون ثم رحل لفاس وتلمسان فقرأ بهما الفقه والأصول والعربية ثم عاد فصحب بمدينة سلا أفضل أهل زمانه علما وعملا سيدي أحمد

ابن عاشر نفعنا الله به فأظهر الله تعالى عليه من بركاته ما لا يخفى على متأمل ثم نقل بعد وفاة الشيخ فجعل خطيبا بجامع القرويين من مدينة فاس وبقي بها خمس عشرة سنة خطيبا فتوفاه الله تعالى بها بعد صلاة العصر من يوم الجمعة رابع رجب سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة ودفن بكدية البراطل من داخل باب الفتوح وكان رضي الله عنه ذا صمت وسمت وتجمل وزهد معظما عند الكافة معولا في حل المشكلات على فتح الفتاح العليم
( ومن علمه أن ليس يدعى بعالم ... ومن فقره أن لا يرى يشتكي الفقرا )
( ومن حاله أن غاب شاهد حاله ... فلا يدعى وصلا ولا يشتكي هجرا )
كذا رأيت بخط من أثق به في تعريفه مختصرا مع زيادة ما تحققت وكتبه شاهدة بكماله علما وعملا فهي كافية في تعريفه وكان الذي طلبه في وضع الشرح على الحكم سيدي أبو زكريا السراج الذي أكثر رسائله له وسيدي أبو الربيع سليمان بن عمر انتهى
وقال في موضع آخر سيدنا العارف المحقق الخطيب البليغ نسيج وحده ومقدم من أتى من بعده أبو عبد الله قرأ بفاس وتلمسان العربية والأصول والفقه ككتاب الإرشاد ومختصر ابن الحاجب الفقهي والأصلي وتسهيل ابن مالك وتوفي بفاس وقبره بها مشهور ومزيته معروفة شرقا وغربا وقد كتب مسائل معروفة أكثرها لسيدي يحيى السراج وله كتب الشرح مع سيدي سليمان بن عمر الذي قال في حقه إنه ولي بلا شك بطلبهما لذلك ورأيت كتابا في الإمامة سماه تحقيق العلامة في أحكام الإمامة فذكرته لشيخنا القوري رحمه الله تعالى وكان معتنيا بكتبه معولا عليها في حاله فقال أظنه لوالده سيدي إبراهيم وقد كان خطيبا بالقصبة إذ كانت عامرة وله خطب عظيمة الفصاحة حسنة الموقع انتهى
وقال الشيخ أبو يحيى ابن السكاك أما شيخي وبركتي أبو عبد الله ابن عباد

رضي الله عنه فإنه شرح الحكم وعقد درر منثورها في نظم بديع وجمعت من إنشائه مسائل مدارها على الإرشاد إلى البراءة من الحول والقوة فيها نبذ كأنفاس الأكابر مع حسن التصرف في طريق الشاذلي وجودة تنزيله على الصور الجزئية وبسط التعبير مع إنهاء البيان إلى أقصى غاياته والتفنن في تقريب الغامض إلى الأذهان بالأمثلة الوضعية فقرب بها حقائق الشاذلية تقريبا لم يسبق إليه كما قرب الإمام ابن رشد مذهب مالك تقريبا لم يسبق إليه وكان مع ذلك آية في التحقق بالعبودية والبراءة من الحول والقوة وعدم المبالاة بالمدح والذم بل له مقاصد نفيسة في الإعراض عن الخلق وعدم المبالاة بهم وأعظم أخلاقه التي لا يصبر عنها ويضطرب لها غاية الاضطراب أن يحضر حيث ينسى الحق لا سيما إن كان نسيان الحق بالنسبة إليه فهو الذي يقلقه ويضيق صدره على اتساعه ووفور انشراحه عن ذلك ولقد ذكر بعض من كان من أخص الناس به ومنقطعا إليه أحوال رجال الرسالة القشيرية والحلية وما منحوا من المواهب قال فلما مات الشيخ واستبصرت ما أشاهده منه من أفعال تدل على القطع بصديقتيه لاح لي أن تلك الصفات التي يذكر مشخصة فيه نشاهدها عيانا ولو لم أر الشيخ لقلت إنني لم أر كمالا وعلى الجملة فهو واحد عصره بالمغرب ذكر لي عن قطب المعقول بالمغرب والمشرق الآبلي أنه كان يشير إليه في حال قراءته عليه أعني الشيخ ابن عباد ويقول إن هناك علما جما لا يوجد عند مشاهير أهل ذلك الوقت إلا أنه كان لا يتكلم رضي الله عنه وشهد له المقطوع بولايتهم بالتقدم وأقروا له بالشيخوخة وتبركوا به كسيدي سليمان اليازغي وسيدي محمد المصمودي وسيدي سليمان بن يوسف ابن عمر الأنفاسي وأمثالهم وكان شيخه الحجة الورع أحمد بن عاشر يشيد بذكره ويقدمه على سائر أصحابه ويأمرهم بالأخذ عنه والانتفاع به

والتسليم له ويقول ابن عباد أمة وحده ولا شك أنه كذلك كان أعني غريبا فإن العارف غريب الهمة بعيد القصد لا يجد مساعدا على قصده وكان الغالب عليه الحياء من الله تعالى والتنزل بين يدي عظمته وتنزيله نفسه منزلة أقل الحشرات لا يرى لنفسه مزية على مخلوق لما غلب عليه من هيبة الجلال وعظمة المالك وشهود المنة نظارا إلى جميع عباد الله تعالى بعين الرحمة والشفقة والنصيحة العامة مع توفية المراتب حقها والوقوف مع الحدود الشرعية واعتبارهم من حيث مراد الله تعالى بهم هذا دأبه مع الطائع والعاصي ما لم يظهر له من أحد مخايل حب التعظيم والمدح والتجبر على المساكين ورؤية الحق إذ هي دعوى لا تليق بالعبد ومن كانت هذه صفته فقد وصل حد الخذلان بل هي علامة تقارب القطع على أنه شقي مسلم إلى غضب الله تعالى ومقته أعاذنا الله تعالى منه وكان من حال هذا السيد تألف قلوب الأولاد الصغار فهم يحبونه محبة تفوق محبتهم لآبائهم وأمهاتهم فينتظرون خروجه للصلاة وهم عدد كثير يأتون من كل أوب ومن المكاتب البعيدة فإذا رأوه ازدحموا على تقبيل يده وكذا كان ملوك زمانه يزدحمون عليه ويتذللون بين يديه فلا يحفل بذلك وذكر لي بعض تلامذته أن أقواله تشبه أفعاله لما منحه الله تعالى من فنون الاستقامة مع ما في كلامه من النور والحلاوة التي استفزت ألباب المشارقة بحيث صار لهم بحث عريض على تواليفه انتهى كلام ابن السكاك
وله من التواليف الرسائل الكبرى والصغرى وشرح الحكم ونظمها في ثمانمائة بيت من الرجز
وحدث الشيخ أبو مسعود الهراس قال كنت أقرأ في صحن جامع القرويين

والمؤذنون يؤذنون بالليل فإذا أبو عبد الله ابن عباد قد خرج من باب داره وجاء يطير في الصحن كأنه جالس متربع حتى دخل في البلاط الذي حول الصومعة ثم مشيت فوجدته يصلي حول المحراب وسأله السراج عن أبي حامد الغزالي فقال هو فوق الفقهاء وأقل من الصوفية ومما نقل من خطه رحمه الله تعالى ولا يدرى هل هي له أم لا
( الحزم قبل العزم فاحزم واعزم ... وإذا استبان لك الصواب فصمم )
( واستعمل الرفق الذي هو مكسب ... ذكر القلوب وجد وأجمل واحلم )
( واحرس وسر واشجع وصل وامنن وصل ... واعدل وأنصف وارع واحفظ وارحم )
( وإذا عدت فعد بما تقوى على ... إنجازه وإذا اصطنعت فتمم )
وذكر الشيخ الفقيه الخطيب القاضي الحاج الرحيل أبو سعيد ابن أبي سعيد السلوي أنه رأى في حائط جامع القرويين أبياتا مكتوبة بفحم بخط الشيخ أبي عبد الله ابن عباد وهي
( أيتها النفس إليه اذهبي ... فحبه المشهور من مذهبي )
( مفضض الثغر له نقطة ... من عنبر في خده المذهب )
( أيأسني التوبة من حبه ... طلوعه شمسا من المغرب )
قال الشيخ أبو سعيد فاستشكلت هذه الأبيات لما اشتملت عليه من التغزل وذكر الخال والخد والثغر ومقام الشيخ ابن عباد يجل عن الاشتغال بمثل هذا فلقيت يوما أبا القاسم الصيرفي فذاكرته بالقصة ووجه الإشكال فيها فقال لي مقامك عندي أعلى من أن تستشكل مثل هذا هذه أوصاف ولي الله القائم بأمر الله المهدي فشكرته على ذلك انتهى

قلت رأيت بخط الونشريسي إثر هذه الحكاية ما نصه قلت في صحة هذه الحكاية عن الشيخ نظر لما احتوت عليه من تعبير الحسن وقدر الشيخ وورعه أعلى من هذا فهذان إشكالان والله أعلم
وحكى أن الشيخ ابن عباد رحمه الله تعالى لما احتضر جعل رأسه في حجر أبي القاسم هذا وأخذ في قراءة آية الكرسي إلى قوله ( الحي القيوم ) ثم يقول يا ألله يا حي يا قيوم فيلقنه من حضر ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) فيمتنع الشيخ من قراءتها ويقول يا الله يا حي يا قيوم فلما قربت وفاته سمع منه هذا البيت وكان آخر ما تكلم به
( ما عودوني أحبابي مقاطعة ... بل عودوني إذا قاطعتهم وصلوا )
ولما توفي الشيخ ابن عباد رضي الله عنه في التاريخ المتقدم حضر جنازته السلطان أمير المسلمين أبو العباس أحمد بن السلطان أبي سالم وأهل البلدتين يعني فاسا الجديد التي هي مسكن السلطان وخواص أتباعه وفاسا العتيق التي هي محل الأعلام والخاص والعام من الناس في ذلك القطر إذ هي إذ ذاك حضرة الخلافة وقبة الإسلام في المغرب وتقدم بعده للإمامة والخطبة بجامع القرويين نائبه أيام مرضه الشيخ الصالح الورع أبو زيد عبد الرحمن الزرهوني حسبما قاله الجاديري رحمه الله تعالى
وحكى الونشريسي رحمه الله تعالى أن الشيخ ابن عباد كلم ابن دريدة الوالي في مظلمة فلم يقبل فلما كان يوم الجمعة ونزل السلطان أبو العباس للصلاة بجامع القرويين وراء الشيخ ابن عباد قال الشيخ في خطبته من الأمور المستحسنة أن لا يبقى الوالي سنة انتهى
وللشيخ ابن عباد خطب مدونة بالمغرب مشهورة بأيدي الناس ويقرؤون

منها ما يتعلق بالمولد النبوي الشريف بين يدي السلطان تبركا بها وكذا يقرؤونها في المجتمعات في المواسم كأول رجب وشعبان ونصفهما والسابع والعشرين منهما كرمضان وقد حضرت بمراكش المحروسة سنة عشر وألف قراءة كراسة الشيخ في المولد النبوي على صاحبه الصلاة والسلام بين يدي مولانا السلطان المرحوم أحمد المنصور بالله الشريف الحسني رحمه الله تعالى وقد احتفل لذلك المولد بأمور يستغرب وقوعها جازاه الله تعالى عن نيته خيرا وقد أشرت إلى ذلك في كتابي الموسوم بروضة الآس العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته من أعلام الحضرتين مراكش وفاس وسردت جملة من القصائد والموشحات في وصف ذلك التصنيع ورحمة الله وراء الجميع
رجع إلى مشايخ لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى فنقول
4 - ومنهم الشيخ الفقيه القاضي بمكناسة الزيتون أبو محمد عبد الحق بن سعيد بن محمد ذكره في نفاضة الجراب وقال إنه لقيه بمكناسة الزيتون سنة إحدى وستين وسبعمائة وكان من أهل المعرفة والحصافة قائما على كتاب أبي عمرو ابن الحاجب في مذهب مالك وكان ممتازا به فيما دون تلمسان قرأه على الشيخين علمي الأفق المغربي أبي موسى وأبي زيد ابني الإمام عالمي تلمسان والمغرب جميعا قال لسان الدين في النفاضة وتصدر المذكور لإقرائه الآن فما شئت من اضطلاع ومعرفة واطلاع وقيد جزءا نبيلا على فتوى الإمام القاضي أبي بكر ابن العربي المسماة بالحاكمة وسماه

بالخادمة على الرسالة الحاكمة أجاد فيه وأحسن وقرأت عليه بعضه وأذن في تحمله انتهى
5 - ومن أشياخ لسان الدين الذين لقيهم بمكناسة الزيتون الفقيه الفاضل الخير يونس بن عطية الونشريسي له عناية بفروع الفقه وولي القضاء بقصر كتامة
6 - ومنهم الفقيه الفاضل الخير أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي عفيف المتصدر لقراءة كتاب الشفاء النبوي لديه جملة حسنة من أصول الفقه أشف بها على كثير من نظرائه قراءة منه إياها على أبي عبد الله محمد بن أبي الفضل الصباغ وشاركه في قراءتها على الإمام أبي عبد الله الآبلي
7 - ومنهم الفقيه المدرك الأستاذ في فن العربية أبو علي عمر بن عثمان الونشريسي قال لسان الدين حضرت مذاكرته في مسألة أعوزت عليه وطال عنها سؤاله وهي قول الشاعر
( الناس أكيس من أن يمدحوا رجلا ... ما لم يروا عنده آثار إحسان )
وصورة السؤال كيف صح وقوع أفعل بين شيئين لا اشتراك بينهما في الوصف إذ أوقع الشاعر أكيس بين الناس وبين أن يمدحوا وهو مؤول بالمصدر وهو المدح ولا يوصف بذلك انتهى
قلت الإشكال مشهور والجواب عنه بضرب من المجاز ظاهر وقد

أشار إليه أبو حيان في الارتشاف وجماعة آخرون في قول بعض المؤلفين كصاحب التخليص أكثر من أن تحصى ولولا السآمة لذكرت ما قيل في ذلك وخلاصة ما قالوه أن في الكلام تقديرا والله أعلم
8 - وممن لقيه لسان الدين بمكناسة الزيتون الفقيه العدل الأخباري الأديب المشارك أبو جعفر أحمد بن محمد بن إبراهيم الأوسي الخباز من أهل الظرف والانطباع والفضيلة وهو كاتب عاقد للشروط ناظم ناثر مشارك في فنون من العلم مؤلف وقد ذكرنا في غير هذا المحل ما دار بينه وبين لسان الدين من المحاورة والمراجعة فليراجع قال لسان الدين رحمه الله تعالى ناولني المذكور تأليفه الحسن الذي سماه المنهل المورود في شرح المقصد المحمود شرح فيه وثائق الجزيري فأربى بيانا وإفادة وإجادة وأذن لي في حمله عنه وهو في ثلاث مجلدات وأنشدني كثيرا من شعره
9 - ومنهم القاضي بها أبو عبد الله ابن أبي رمانة قال لسان الدين لقيته بمكناسة وكان من أهل الحياء والحشمة وذوي السذاجة والعفة ثم ذكر ما داعبه به حين تأخر عن لقائه وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع
10 - وممن لقيه لسان الدين بمكناسة الفقيه العدل أبو علي الحسن بن عثمان ابن عطية الونشريسي قال وكان فقيها عدلا من أهل الحساب والقيام على الفرائض والعناية بفروع الفقه ومن ذوي السذاجة والفضل ويقرض الشعر وله أرجوزة في الفرائض مبسوطة العبارة مستوفية المعنى انتهى
وقال ابن الأحمر في حقه هو شيخنا الفقيه المفتي المدرس القاضي الفرضي الأديب الحاج أبو علي ابن الفقيه الصالح أبي سعيد عثمان التجاني المنعوت

بالونشريسي أجازني عامة أخذ عن الفقيه المفتي الأديب الخطيب المعمر القاضي المحدث الراوية خاتمة المحدثين بالمغرب أبي البركات ابن الحاج البلفيقي انتهى
ومولده في حدود أربع وعشرين وسبعمائة
وذكر صاحب المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي إفريقية والأندلس والمغرب جملة من فتاويه وقال في وثائقه وقد أجرى ذكره ما صورته إن بلدينا الشيخ القاضي العلامة أبا علي الحسن وقعت له قضية مع عدول مكناسة وذلك أن السلطان أبا عنان فارسا كان أمر بالاقتصار على عشرة من الشهود بمدينة مكناسة وكتب اسم الشيخ أبي علي هذا في العشرة فشق ذلك على بعض شيوخ العدول المؤخرين لحداثة سن أبي علي فلما علم تشغيبهم صنع رجزا ورفعه إلى مقام المتوكل على الله أبي عنان نصه
( نبدأ أولا بحمد الله ... ونستعينه على الدواهي )
( ثم نوالي بالصلاة والسلام ... على نبي دونه كل الأنام )
( وبعد ذا نسأل رب العالمين ... أن يهب النصر أمير المؤمنين )
( خليفة الله أبا عنان ... لا زال في خير وفي أمان )
( ملكه الله من البلاد ... من سوس الأقصى إلى بغداد )
( ويسر الحجاز والجهادا ... وجعل الكل له مهادا )
( يا أيها الخليفة المظفر ... دونك أمري إنه مفسر )
( عبدكم نجل عطية الحسن ... قد قيل لا يشهد إلا إن أسن )
( وهو في أمركم المعهود ... من جملة العشرة الشهود )
( نص عليه أمركم تعيينا ... وسنه قارب أربعينا )

( مع الذي ينتسب العبد إليه ... من طلب العلم وبحثه عليه )
( على الفرائض له أرجوزة ... أبرز في نظامها إبريزة )
( ومجلس له على الرسالة ... فكيف يرجو حاسد زواله )
( حاشا أمير المؤمنين ذاكا ... وعدله قد بلغ السماكا )
( وعلمه قد طبق الآفاقا ... وحلمه قد جاوز العراقا )
( وجوده مشتهر في كل حي ... قصر عن إدراكه حاتم طي )
وحكى بعض الحفاظ أنه لما بلغت الأبيات السلطان أمر بإقراره على ذلك وقد وقفت على رجزه المذكور وله شرح عليه لم أره والظاهر أنه ممن تدبج معه لسان الدين رحم الله الجميع وهو معدود في جملة من لقيه
11 - ومن مشايخ لسان الدين رحمه الله ذو الكرامات الكثيرة والمقامات الكبيرة سيدي الحاج أبو العباس أحمد بن عاشر الصالح المشهور كان لسان الدين رحمه الله تعالى حريصا على لقائه بسلا أيام كان بها وقد لقيه ولم يتمل منه لشدة نفوره من الناس خصوصا أصحاب الرياسة ولذا قال لسان الدين لما ذكر أنه لقيه في نفاضة الجراب ما صورته يسر الله لقاءه على تعذره انتهى
وسنترجم الولي المذكور في نظم لسان الدين حيث وصفه بقوله ( بولي الله فابدأ وابتدر ... )
وقبره الآن بسلا محط رجاء الطالبين وكعبة قصد الراغبين تلوح عليه أنوار العناية وتستمد منه أنواء الهداية وهو على ساحل البحر المحيط بخارج مدينة سلا المحروسة وقد زرته ولله الحمد عند توجهي إلى حضرة مراكش

سنة ألف وتسع والناس يشدون الرحال إليه من أقطار المغرب نفعنا الله تعالى به وأعاد علينا من بركاته بجاه نبينا محمد
رجع إلى مشايخ لسان الدين الوزير ابن الخطيب رحمه الله تعالى
12 - ومنهم الأستاذ المحقق العلامة الكبير النحوي الشهير أبو عبد الله محمد بن علي الفخار البيري رحمه الله تعالى
كان شيخ النجاه بالأندلس غير مدافع وأخذ عنه خلق كثيرون كالشاطبي أبي إسحاق صاحب شرح الألفية والوزير ابن زمرك وغيرهما وقد حكى عنه مسائل غريبة تلميذه الشاطبي وقال لسان الدين في الإحاطة في ترجمة مشيخته ما صورته ولازمت قراءة العربية والفقه والتفسير والمعتمد عليه العربية على الشيخ الأستاذ الخطيب أبي عبد الله ابن الفخار البيري الإمام المجمع على إمامته في فن العربية المفتوح عليه من الله تعالى فيها حفظا واطلاعا واضطلاعا ونقلا وتوجيها بما لا مطمع فيه لسواه انتهى
ولنورد بعض فوائد ابن الفخار فنقول
ومن فوائد ابن الفخار المذكور التي حكاها عنه الشاطبي قوله حدثني أن بعض الشيوخ كان إذا أتى بإجازة يشهد فيها سأل الطالب المجاز عن لفظ إجازة ما وزنه وما تصريفه ثم قال الشاطبي ولما حدثنا بذلك سألناه عنها فأملى علينا ما نصه وزان إجازة في الأصل إفعاله وأصلها إجوازة فأعلت بنقل حركة الواو إلى الجيم حملا على الفعل الماضي استثقالا فتحركت الواو في الأصل وانفتح ما قبلها في اللفظ فانقلبت ألفا فصارت إجازة بألفين فحذفت الألف الثانية عند سيبويه لأنها زائدة والزائد أولى بالحذف من الأصلي وحذفت

الأولى عند الأخفش لأنها لا تدل على معنى وهو المد وقول سيبويه أولى لأنه قد ثبت عوض التاء من المحذوف في نحو زنادقة والتاء زائدة وتعويض الزائد من الزائد أولى من تعويض الزائد من الأصلي للتناسب ووزنها في اللفظ عند سيبويه إفعلة وعند الأخفش إفالة لأن العين عنده محذوفة انتهى
وقال الشاطبي رحمه الله تعالى لما توفي شيخنا الأستاذ الكبير العلم الخطير أبو عبد الله ابن الفخار سألت الله عز و جل أن يرينيه في المنام فيوصيني بوصية أنتفع بها في الحالة التي أنا عليها من طلب العلم فلما نمت في تلك الليلة رأيت كأني أدخل عليه في داره التي كان يسكن بها فقلت له يا سيدي أوصني فقال لي لا تعترض على أحد ثم سألني بعد ذلك في مسألة من مسائل العربية كالمؤنس لي فأجبته عنها ولا أذكرها الآن انتهى
وقال الشاطبي أيضا ما صورته حدثنا الأستاذ الكبير الشهير أبو عبد الله محمد بن الفخار شيخنا رحمه الله تعالى قال حدثني بسبتة بعض المذاكرين أن ابن خميس لما ورد عليها بقصد الإقراء بها اجتمع إليه عيون طلبتها فألقوا عليه مسائل من غوامض الاشتغال فحاد عن الجواب عنها بأن قال لهم أنتم عندي كرجل واحد يعني أن ما ألقوه عليه من المسائل إنما تلقوها من رجل واحد وهو ابن أبي الربيع فكأنه إنما يخاطب رجلا واحدا إزدراء بهم فاستقبله أصغر القوم سنا وعلما بأن قال له إن كنت بالمكان الذي تزعم فأجبني عن هذه المسائل من باب معرفة علامات الإعراب التي أذكرها لك فإن أجبت بالصواب لم تحظ بذلك في نفوسنا لصغرها بالنظر إلى تعاطيك من الإدراك والتحصيل وإن أخطأت فيها لم يسعك هذا البلد وهي عشر الأولى أنتم يا زيدون تغزون والثانية أنتن يا هندات تغزون والثالثة أنتم يا زيدون ويا هندات تغزون والرابعة أنتن يا هندات تخشين والخامسة

أنت يا هند تخشين والسادسة أنت ياهند ترمين والسابعة أنتن يا هندات ترمين والثامنة أنتن يا هندات تمحون أو تمحين كيف تقول والتاسعة أنت يا هند تمحين أو تمحون كيف تقول والعاشرة أنتما تمحوان أو تمحيان كيف تقول وهل هذه الأفعال كلها مبنية أو معربة أو بعضها مبني وبعضها معرب وهل هي كلها على وزن واحد أو على أوزان مختلفة علينا السؤال وعليك التمييز لنعلم الجواب فبهت الشيخ وشغل المحل بأن قال إنما يسأل عن هذا صغار الوالدان قال له الفتى فأنت دونهم إن لم تجب فانزعج الشيخ وقال هذا سوء أدب ونهض منصرفا ولم يصبح إلا بمالقة متوجها إلى غرناطة حرسها الله تعالى ولم يزل بها مع الوزير ابن الحكيم إلى أن مات رحمة الله تعالى عليه انتهى
ثم قال الشاطبي والجواب عن هذه المسائل ما يذكر أما الجواب عن تغزون الأولى فإنه معرب ووزنه أصلا تفعلون ولفظا تفعون وعن الثانية فمبني للحاق نون الإناث ووزنه تفعلين وعن الثالثة على التغليب فعلى رده للأول يلحق بالأول وللثاني كالثاني وأما تخشين من الرابعة فمبني للنون ووزنه تفعلن وعن الخامسة فمعرب ووزنه أصلا تفعلين ولفظا تفعين وأما ترمين من السادسة فمعرب ووزنه أصلا تفعين ولفظا تفعين ومن السابعة مبني للنون ووزنه تفعلن وأما تمحون وتمحين الثامنة فهما لغتان وهما مبنيان للنون والتاسعة لا يقال إلا تمحين خاصة لتتفق اللغتان ووزنها تفعين كتخشين وأما تمحيان من العاشرة فعلى لغة الياء لا إشكال وعلى الواو فيظهر من كلام النحويين أنه لا يجوز إلا بالواو انتهى
وقد أورد هذه الحكاية عالم الدنيا سيدي أبو عبد الله محمد بن مرزوق رحمه الله تعالى في شرحه الواسع العجيب المسمى بتمهيد المسالك إلى شرح ألفية ابن مالك ونص محل الحاجة منه وقد حكى أن بعض طلبة سبتة أورد

على أبي عبد الله ابن خميس عشر مسائل من هذا النوع وهي أنتم يا زيدون تغزون وأنتن يا هندات تغزون وأنتم يا زيدون ويا هندات تغزون وأنتن يا هندات تخشين وأنت يا هند تخشين وأنت يا هند ترمين وأنتن يا هندات ترمين وأنتن يا هندات تمحون أو تمحين كيف تقول وأنت يا هند تمحون أو تمحين كيف تقول وأنتما تمحوان أو تمحيان على لغة من قال محوت كيف تقول وهل هذه الأمثلة كلها مبنية أو معربة أو مختلفة وهل وزنها واحد أو مختلف قالوا ولم يجب بشيء قلت ولعله استسهل أمرها فأما المثال الأول فمعرب ووزنه تفعلون كتنظرون إذ أصله تغزوون فاستثقلت ضمة الواو التي هي لام فحذفت ثم حذفت الواو أيضا لالتقائها ساكنة مع واو الضمير وكانت أولى بالحذف لأن واو الضمير فاعل ولغير ذلك مما تقدم بعضه وأما الثاني فمبني ووزنه تفعلن كتخرجن وأما الثالث فكالأول إعرابا ووزنا لأن فيع تغليب المذكر على المؤنث وأما الرابع فمبني ووزنه تفعلن مثل تفرحن لأنه لما احتيج إلى تسكين آخر الفعل لإسناده إلى نون جماعة النسوة ردت الياء إلى أصلها لأنها إنما قلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها والآن ذهبت حركتها لاستحقاقها السكون وأما الخامس فمعرب ووزنه تفعلين كتفرحين وأصله تخشيين فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت لالتقائها ساكنة مع ياء الضمير وترك فتحة الشين دالة على الألف وأما السادس فمعرب ووزنه تفعلين كتضربين وأصله ترميين حذفت كسرة الياء لاستثقالها ثم حذفت الياء لاجتماعها ساكنة مع ياء الضمير وأما السابع فمبني ووزنه تفعلن كتضربن وأما الثامن والتاسع فمضارع محى ورد بالأوزان الثلاثة فمن قال يمحو قال في المضارع من جماعة النسوة تمحون مثله من غزا بناء ووزنا ومن قال يمحي قال فيه تمحين كترمين بناء

ووزنا ومن قال يمحى قال فيه تمحين كتخشين بناء ووزنا ويقال في المضارع للواحدة على اللغة الأولى تمحين كتدعين إعرابا ووزنا وتصريفا وقد تقدم في كلام المصنف وعلى الثانية كما يقال لها من رمى إعرابا ووزنا وتصريفا وعلى الثالثة كما يقال لها من تخشى أيضا وقد تقدما وليس ما وقع في السؤال كما نقل من خط بعض الشارحين أنه يقال فيها تمحون كتفرحن بشيء وأمر التثنية ظاهر انتهى بحروفه
وما قاله رحمه الله تعالى في الاعتذار عن ابن خميس هو اللائق بمقامه فإن مكان ابن خميس من العلوم غير منكر وقد مدحه ابن خطاب بقوله
( رقت حواشي طبعك ابن خميس ... فهفا قريضك لي وهاج رسيسي )
( ولمثله يصبو الحليم ويمتري ... ماء الشؤون به وسير العيس )
( لك في البلاغة والبلاغة بعض ما ... تحويه من أثر محل رئيس )
( نظم ونثر لا تبارى فيهما ... عززت ذاك وذا بعلم الطوسي )
يعني أبا حامد الغزالي
ترجمة ابن خميس
وقال لسان الدين ابن الخطيب في عائد الصلة في حق أبي عبد الله محمد ابن خميس التلمساني المذكور ما صورته كان رحمه الله تعالى نسيج وحده زهدا وانقباضا وبأوا وهمة حسن الشيبة جميل الهيئة سليم الصدر قليل التصنع بعيدا عن الرياء عاملا على السياحة والعزلة عارفا بالمعارف القديمة

مضطلعا بتفاريق النحل قائما على العربية والأصلين طبقة الوقت في الشعر وفحل الأوان في المطول أقدر الناس على اجتلاب الغريب ثم ذكر من أحواله جملة إلى أن قال وبلغ الوزير أبا عبد الله ابن الحكيم أنه يروم السفر فشق ذلك عليه وكلفه تحريك الحديث بحضرته وجرى ذلك فقال الشيخ أنا كالدم بطبعي أتحرك في كل ربيع انتهى
وقال ابن خاتمة في مزية المرية على غيرها من البلاد الأندلسية إنه نظم في الوزير ابن الحكيم القصائد التي حليت بها لبات الآفاق وتنفست عنها صدور الرفاق وكان من فحول الشعراء وأعلام البلغاء يصرف العويص ويرتكب مستعصبات القوافي ويطير في القريض مطار ذي القوادم الباسقة الخوافي حافظا لأشعار العرب وأخبارها وله مشاركة في العقليات واستشراف على الطلب وقعد لإقراء العربية بحضرة غرناطة ومال بأخرة إلى التصوف والتجوال والتحلي بحسن السمت وعدم الاسترسال بعد طي بساط ما فرط له في بلده من الأحوال وكان صنع اليدين حدثني بعض ما لقيت من الشيوخ أنه صنع قدحا من الشمع على أبدع ما يكون في شكله ولطافة جوهره وإتقان صنعته وكتب بدائرة شفته
( وما كنت إلا زهرة في حديقة ... تبسم عني ضاحكات الكمائم )
( فقلبت من طور لطور فها أنا ... أقبل أفواه الملوك الأعاظم )
وأهداه خدمة للوزير أبي عبد الله ابن الحكيم
وأنشدنا شيخنا القاضي أبو البركات ابن الحاج وحكى لنا قال أنشدني أبو عبد الله ابن خميس وحكى لي قال لما وقفت على الجزء الذي ألفه ابن سبعين وسماه الفقيرية كتبت على ظهره
( الفقر عندي لفظ دق معناه ... من رامه ذوي الغايات عناه )
( كم من غبي بعيد عن تصوره ... أراد كشف معماه فعماه )

وأنشدنا شيخنا الأستاذ أبو عثمان ابن ليون غير مرة قال سمعت أبا عبد الله ابن خميس ينشد وكان يحسب أنهما له ويقال إنهما لابن الرومي
( رب قوم في منازلهم ... عرر صاروا بها غررا )
( ستر الإحسان ما بهم ... سترى لو زال ما سترا )
ثم قال ابن خاتمة وقد جمع شعره ودونه صاحبنا القاضي أبو عبد الله محمد ابن إبراهيم الحضرمي في جزء سماه الدر النفيس في شعر ابن خميس وعرف به صدره وقدم ابن خميس المرية سنة ست وسبعمائة فنزل بها في كنف القائد أبي الحسن ابن كماشة من خدام الوزير ابن الحكيم فوسع له في الإيثار والمبرة وبسط له وجه الكرامة طلق الأسرة وبها قال في مدح الوزير المذكور قصيدته التي أولها
( العشي تعيبا والنوابغ ... عن شكر أنعمك السوابغ )
ووجه بها إليه من المرية وهي طويلة ومنها
( ودسائع ابن كماشة ... مع كل بازغة وبازغ )
( تأتي بما تهوى النغانغ ... من شهيات اللغالغ )
ومنها
( ما ذاق طعم بلاغة ... من ليس للحوشي ماضغ )
ويقال أن الوزير اقترح عليه أن ينظم قصيدة هائية فابتدأ منها مطلعها وهو قوله

( لمن المنازل لا يجيب صداها ... محيت معالمها وصم صداها )
وذلك آخر شهر رمضان من سنة ثمان وسبعمائة ثم لم يزد على ذلك إلى أن توفي رحمه الله تعالى فكان آخر ما صدر عنه من الشعر وقد أشار معناه إلى منعاه وآذن أولاه بحضور أخراه وكانت وفاته بحضرة غرناطة قتيلا ضحوة يوم الفطر مستهل شوال سنة ثمان وسبعمائة وهو ابن نيف وستين سنة وذلك يوم مقتل مخدومه الوزير ابن الحكيم أصابه قاتله بحقده على مخدومه وكان آخر ماسمع منه ( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) غافر 28 واستفاض من حال القاتل أنه هلك قبل أن يكمل سنة من حين قتله من فالج شديد أصابه فكان يصيح ويستغيث ابن خميس يطالبني ابن خميس يضربني ابن خميس يقتلني وما زال الأمر يشتد به حتى قضى نحبه على تلك الحال نعوذ بالله من الورطات ومواقعات العثرات انتهى ملخصا
وحكى غيره أن بعضهم كتب بعد قوله لمن المنازل لا يجيب صداها ما نصه لابن الحكيم ومن بديع نظم ابن خميس قوله
( تراجع من دنياك ما أنت تارك ... وتسألها العتبى وها هي فارك )
( تؤمل بعد الترك رجع ودادها ... وشر وداد ما تود الترائك )
( حلا لك منها ما حلا لك في الصبا ... فأنت على حلوائه متهالك )
( تظاهر بالسلوان عنها تجملا ... فقلبك محزون وثغرك ضاحك )
( تنزهت عنها نخوة لا زهادة ... وشعر عذاري أسود اللون حالك )
وهي طويلة طنانة وفي آخرها يقول
( فلا تدعون غيري لدفع ملمة ... إذا ما دهى من حادث الدهر داهك )

( فما إن لذاك الصوت غيري سامع ... وما إن لبيت المجد بعدي سامك )
( يغص ويشجي نهشل ومجاشع ... بما أورثتني حمير والسكاسك )
( تفارقني الروح التي لست غيرها ... وطيب ثنائي لاصق بي صائك )
( وماذا عسى ترجو لذاتي وأرتجي ... وقد شمطت مني اللحى والأفانك )
( يعود لنا شرخ الشباب الذي مضى ... إذا عاد للدنيا عقيل ومالك )
ومما اشتهر من نظمه قوله
( أرق عيني بارق من أثال ... كأنه في جنح ليلي ذبال )
( أثار شوقا في ضمير الحشا ... وعبرتي في صحن خدي أسأل )
( حكى فؤادي فلقا واشتعال ... وجفن عيني أرقا وانهمال )
( جوانح تلفح نيرانها ... وأدمع تنهل مثل العزال )
( قولوا وشاة الحب ما شئتم ... ما لذة الحب سوى أن يقال )
( عذرا للوامي ولا عذر لي ... فزلة العالم ما إن تقال )
( قم نطرد الهم بمشمولة ... تقصر الليل إذا الليل طال )
( وعاطها صفراء ذمية ... تمنعها الذمة من أن تنال )
( كالمسك ريحا واللمى مطعما ... والتبر لونا والهوى في اعتدال )
( عتقها في الدن خمارها ... والبكر لا تعرف غير الحجال )
( لا تثقب المصباح لا واسقني ... على سنا البرق وضوء الهلال )

( فالعيش نوم والردى يقظة ... والمرء ما بينهما كالخيال )
( خذها على تنغيم مسطارها ... بين خوابيها وبين الدوال )
( في روضة باكر وسميها ... أخمل دارين وأنسى أوال )
( كأن فأر المسك مفتوقة ... فيها إذا هبت صبا أو شمال )
( من كف ساجي الطرف ألحاظه ... مفوقات أبدا للنضال )
( من عاذري والكل في عاذر ... من حسن الوجه قبيح الفعال )
( من خلبي الوعد كذابه ... ليان لا يعرف غير المطال )
( كأنه الدهر وأي امرىء ... يبقى على الدهر إذا الدهر حال )
( أما تراني آخذا ناقضا ... عليه ما سوغني من محال )
( ولم أكن قط له عائبا ... كمثل ما عابته قبلي رجال )
( يأبى ثراء المال علمي وهل ... يجتمع الضدان علم ومال )
( وتأنف الأرض مقامي بها ... حتى تهاداني ظهور الرحال )
( لولا بنو زيان ما لذ لي العيش ... ولا هانت علي الليال )
( هم خوفوا الدهر وهم خففوا ... على بني الدنيا خطاه الثقال )
( لقيت من عامرهم سيدا ... غمر رداء الحمد جم النوال )
( وكعبة للجود منصوبة ... يسعى إليها الناس من كل بال )
( حذها أبا زيان من شاعر ... مستملح النزعة عذب المقال )
( يلتقط الألفاظ لقط النوى ... وينظم الآلاء نظم اللآل )
( مجاريا مهيار في قوله ... ماكنت لولا طمعي في الخيال )
وقصيدة مهيار مطلعها

( ما كنت لولا طمعي في الخيال ... انشد ليلى بين طول الليال )
ومن نظم ابن خميس قوله
( نظرت إليك بمثل عيني جؤذر ... وتبسمت عن مثل سمطي جوهر )
( عن ناصع كالدر أو كالبرق أو ... كالطلع أو كالأقحوان مؤشر )
( تجري عليه من لماها نطفة ... بل خمرة لكنها لم تعصر )
( لو لم يكن خمرا سلافا ريقها ... تزري وتلعب بالنهى لم تخطر )
( وكذاك ساجي جفنها لو لم يكن ... فيه مهند لحظها لم يحذر )
( لو عجت طرفك في حديقة خدها ... وأمنت سطوة صدغها المتنمر )
( لرتعت من ذاك الحمى في جنة ... وكرعت من ذاك اللمى في كوثر )
( طرقتك وهنا والنجوم كأنها ... حصباء در في بساط أخضر )
( والركب بين مصعد ومصوب ... والنوم بين مسكن ومنفر )
( بيضا إذا اعتكرت ذوائب شعرها ... سفرت فأزرت بالصباح المسفر )
( سرحت غلائلها فقلت سبيكة ... من فضة أو دمية من مرمر )
( منحتك ما منعتك يقظانا فلم ... تخلف مواعدها ولم تتغير )
( وكأنما خافت بغاة وشاتها ... فأتتك من أردافها في عسكر )
( ويجزع ذاك المنحنى أدمانة ... تعطو فتسطو بالهزبر القسور )
( وتحية جاءتك في طي الصبا ... أذكى وأعطر من شميم العنبر )
( جرت على واديك فضل ردائها ... فعرفت فيها عرف ذاك الإذخر )
( هاجت بلابل نازح عن إلفه ... متشوق ذاكي الحشا متسعر )
( وإذا نسيت ليالي العهد التي ... سلفت لنا فتذكريها تذكري )

( رحنا تغنينا ونرشف ثغرها ... والشمس تنظر مثل عين الأخزر )
( والروض بين مفضض ومعسجد ... والجو بين ممسك ومعصفر )
وكان السلطان أمير المؤمنين أبو عنان المريني رحمه الله تعالى كثير العناية بنظم ابن خميس وروايته قال رحمه الله تعالى أنشدنا القاضي خطيب حضرتنا العلية أبو عبد الله محمد بن عبد الرزاق بقصر المصارة يمنه الله قال أنشدنا بلفظه شيخ الأدباء وفحل الشعراء أبو عبد الله ابن خميس لنفسه
( أنبت ولكن بعد طول عتاب ... وفرط لجاج ضاع فيه شبابي )
( وما زلت والعلياء تعني غريمها ... أعلل نفسي دائما بمتاب )
( وهيهات من بعد الشباب وشرخه ... يلذ طعامي أو يسوغ شرابي )
( خدعت بهذا العيش قبل بلائه ... كما يخدع الصادي بلمع سراب )
( تقول هو الشهد المشور جهالة ... وما هو إلا السم شيب بصاب )
( وما صحب الدنيا كبكر وتغلب ... ولا ككليب ريء فخل ضراب )
( إذا كعت الأبطال عنها تقدموا ... أعاريب غرا في متون عراب )
( وإن ناب خطب أو تفاقم معضل ... تلقاه منهم كل أصيد ناب )
( تراءت لجساس مخيلة فرصة ... تأتت له في جيئة وذهاب )
( فجاء بها شوهاء تنذر قومها ... بتشييد أرجام وهدم قباب )
( وكان رغاء السقب في قوم صالح ... حديثا فأنساه رغاء سراب )
( فما تسمع الآذان في عرصاتهم ... سوى نوح ثكلى أو نعيب غراب )
( وسل عروة الرحال عن صدق بأسه ... وعن بيته في جعفر بن كلاب )
( وكانت على الأملاك منه وفادة ... إذا آب منها آب خير مآب )

( يجير على الحيين قيس وخندف ... بفضل يسار أو بفضل خطاب )
( زعامة مرجو النوال مؤمل ... وعزمة مسموع الدعاء مجاب )
( فمر يزجيها حواسر ظلعا ... بما حملوها من منى ورغاب )
( إلى فدك والموت أغرب غاية ... وهذا المنى يأتي بكل عجاب )
( تبرض صفو العيش حتى استشفه ... فداف له البراض قشب حباب )
( فأصبح في تلك المعاطف نهزه ... لنهب ضباع أو لنهس ذئاب )
( وما سهمه عند النضال بأهزع ... ولا سيفه عند الصراع بنابي )
( ولكنها الدنيا تكر على الفتى ... وإن كان منها في أعز نصاب )
( وعادتها أن لا توسط عندها ... فإما سماء أو تخوم تراب )
( فلا ترج من دنياك ودا وإن يكن ... فما هو إلا مثل ظل سحاب )
( وما الحزم كل الحزم إلا اجتنابها ... فأشقى الورى من تصطفي وتحابي )
( أبيت لها ما دام شخصي أن ترى ... تمر ببابي أو تطور جنابي )
( فكم عطلت من أربع وملاعب ... وكم فرقت من أسرة وصحاب )
( وكم عفرت من حاسر ومدجج ... وكم أثكلت من معصر وكعاب )
( إليكم بني الدنيا نصيحة مشفق ... عليكم بصير بالأمور نقاب )
( طويل مراس الدهر جذل مماحك ... عريض مجال الهم حلس ركاب )
( تأتت له الأهوال أدهم سابقا ... وغصت به الأيام أشهب كابي )
( ولا تحسبوا أني على الدهر عاتب ... فأعظم ما بي منه أيسر ما بي )
( وما أسفي إلا شباب خلعته ... وشيب أبى إلا نصول خضاب )

( وعمر مضى لم أحل منه بطائل ... سوى ما خلا من لوعة وتصابي )
( ليالي شيطاني على الغي قادر ... وأعذب ما عندي أليم عذاب )
( عكسنا قضايانا على حكم عادنا ... وما عكسها عند النهى بصواب )
( على المصطفى المختار أزكى تحية ... فتلك التي أعتد يوم حساب )
( فتلك عتادي أو ثناء أصوغه ... كدر سحاب أو كدر سخاب )
ومن مشهور نظم ابن خميس قوله
( عجبا لها أيذوق طعم وصالها ... من ليس يأمل أن يمر ببالها )
( وأنا الفقير إلى تعلة ساعة ... منها وتمنعني زكاة جمالها )
( كم ذاد عن عيني الكرى متألق ... يبدو ويخفي في خفي مطالها )
( يسمو لها بدر الدجى متضائلا ... كتضاؤل الحسناء في أسمالها )
( وابن السبيل يجيء يقبس نارها ... ليلا فتمنحه عقيلة مالها )
( يعتادني في النوم طيف خيالها ... فتصيبني ألحاظها بنبالها )
( كم ليلة جادت به فكأنما ... زفت علي ذكاء وقت زوالها )
( أسرى فعطلها وعطل شهبها ... بأبي شذا المعطار من معطالها )
( وسواد طرته كجنح ظلامها ... وبياض غرته كضوء هلالها )
( دعني أشم بالوهم أدنى لمعة ... من ثغرها وأشم مسكة خالها )
( ما راد طرفي في حديقة خدها ... إلا لقنته بحسن دلالها )
( أنسيب شعري رق مثل نسيمها ... فشمول راحك مثل ريح شمالها )
( وانقل أحاديث الهوى واشرح غريب ... لغاتها واذكر ثقات رجالها )

( وإذا مررت برامة فتوق من ... أطلائها وتمش في أطلالها )
( وانصب لمغزلها حبالة قانص ... ودع الكرى شركا لصيد غزالها )
( وأسل جداولها بفيض دموعها ... وانضح جوانحها بفضل سجالها )
( أنا من بقية معشر عركتهم ... هذي النوى عرك الرحى بثفالها )
( أكرم بها فئة أريق نجيعها ... بغيا فراق العين حسن مآلها )
( حلت مدامة وصلها وحلت لهم ... فإن انتشوا فبحلوها وحلالها )
( بلغت بهرمس غاية ما نالها ... أحد وناء لها لبعد منالها )
( وعدت على سقراط سورة كأسها ... فهريق ما في الدن من جريالها )
( وسرت إلى فاراب منها نفحة ... قديسة جاءت بنخبة آلها )
( ليصوغ من ألحانه في حانها ... ما سوغ القسيس من أرمالها )
( وتغلغلت في سهرورد فأسهرت ... عينا يؤرقها طروق خيالها )
( فخبا شهاب الدين لما أشرقت ... وخوى فلم يثبت لنور جلالها )
( ما جن مثل جنونه أحد ولا ... سمحت يد بيضا بمثل نوالها )
( وبدت على الشوذي منها نشوة ... ما لاح منها غير لمعة آلها )
( بطلت حقيقته وحالت حاله ... فيمايعبر عن حقيقة حالها )
( هذي صبابتهم ترق صبابة ... فيروق شاربها صفاء زلالها )
وهي طويلة
قال السلطان أبو عنان رحمه الله تعالى أخبرني شيخنا الإمام العالم العلامة

وحيد زمانه أبوعبد الله محمد بن إبراهيم الآبلي رحمه الله تعالى قال لما توجه الشيخ الصالح الشهير أبو إسحاق التنسي من تلمسان إلى بلاد المشرق اجتمع هنالك بقاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد فكان من قوله له كيف حال الشيخ العالم أبي عبد الله ابن خميس وجعل يحليه بأحسن الأوصاف ويطنب في ذكر فضله فبقي الشيخ أبو إسحاق متعجبا وقال من يكون هذا الذي حليتموه بهذا الحلي ولا أعرفه ببلده فقال له هو القائل
( عجبا لها أيذوق طعم وصالها ... )
قال فقلت له إن هذا الرجل ليس عندنا بهذه الحالة التي وصفتم إنما هو عندنا شاعر فقط فقال له إنكم لم تنصفوه وإنه لحقيق بما وصفناه به
قال السلطان وأخبرنا شيخنا الآبلي المذكور أن قاضي القضاة ابن دقيق العيد كان قد جعل القصيدة المذكورة بخزانة كانت له تعلو موضع جلوسه للمطالعة وكان يخرجها من تلك الخزانة ويكثر تأملها والنظر فيها ولقد تعرفت أنه لما وصلت هذه القصيدة إلى قاضي القضاة تقي الدين المذكور لم يقرأها حتى قام إجلالا لها انتهى
وكان ابن خميس رحمه الله تعالى بعد مفارقة بلده تلمسان سقى الله أرجاءها أنواء نيسان كثيرا ما يتشوق لمشاهدها ويتأوه من تذكره لمعاهدها وينشد القصائد الطنانة في ذلك سالكا من الحنين إليها المسالك فمن ذلك قوله
( تلمسان لو أن الزمان بها يسخو ... منى النفس لا دار السلام ولا الكرخ )
( وداري بها الأولى التي حيل دونها ... مثار الأسى لو أمكن الحنق اللبخ )

( وعهدي بها والعمر في عنفوانه ... وماء شبابي لا أجين ولا مطخ )
( قرارة تهيام ومغنى صبابة ... ومعهد أنس لا يلذ به لطخ )
( إذ الدهر مثني العنان منهنه ... ولا ردع يثني من عناني ولا ردخ )
( ليالي لا أصغي إلى عذل عاذل ... كأن وقوع العذل في أذني صمخ )
( معاهد أنس عطلت فكأنها ... ظواهر ألفاظ تعمدها النسخ )
( وأربع ألاف عفا بعض آيها ... كما كان يعرو بعض ألواحنا اللطخ )
( فمن يك سكرانا من الوجد مرة ... فإني منه طول دهري لملتخ )
( ومن يقتدح زندا لموقد جذوة ... فزند اشتياقي لا عفار ولا مرخ )
( أأنسى وقوفي لاهيا في عراصها ... ولا شاغل إلا التودع والسبخ )
( وإلا اختيالي ماشيا في سماطها ... رخيا كما يمشي بطرته الرخ )
( وإلا فعدوي مثلما ينفر الطلا ... وليدا وحجلي مثلما ينهض الفرخ )
( كأني فيها أردشير بن بابك ... ولا ملك لي إلا الشبيبة والشرخ )
( وإخوان صدق من لداتي كأنهم ... جآذر رمل لا عجاف ولا بزخ )
( وعاة لما يلقى إليهم من الهدى ... وعن كل فحشاء ومنكرة صلخ )
( هم القوم كل القوم سيان في العلا ... شبابهم الفرعان والشيخة السلخ )
( مضوا ومضى ذاك الزمان وأنسه )
( ومر الصبا والمال والأهل والبذخ )

( كأن لم يكن يوما لأقلامهم بها ... صرير ولم يسمع لأكعبهم جبخ )
( ولم يكن في أرواحها من ثنائهم ... شميم ولا في القضب من لينهم ملخ )
( ولا في محيا الشمس من هديهم سنا ... ولا في جبين البدر من طيبهم ضمخ )
( سعيتم بني عمور في شت شملنا ... فما تجركم ربح ولا عيشنا ربخ )
( دعيتم إلى ما يرتجى من صلاحكم ... فردكم عنه التعجرف والجمخ )
( تعاليتم عجبا فطم عليكم ... عباب له في رأس عليائكم جلخ )
( وأوغلتم في العجب حتى هلكتم ... جماح غواة ما ينهنههم قفخ )
( كفاكم بها سجنا طويلا وإن يكن ... هلاك لكم فيها فهي لكم فخ )
( فكم فئة منا ظفرتم بنيلها ... بأبشارها من حجن أظفاركم برخ )
( كأنكم من خلفها وأمامها ... أسود غياض وهي ما بينكم أرخ )
( فللسوق منها القيد إن هي أغربت ... وللهام إن لم تعط ما رعت النقخ )
( كأن تحتها من شدة القلق القطا ... ومن فوقها من شدة الحذر الفتخ )
( وأقرب ما تهذي به الهلك والتوى ... وأيسر ما تشكو به الذل والفنخ )
( فماذا عسى نرجوه من لم شعثها ... وقد حز منها الفرع واقتلع الشلخ )

( وما يطمع الراجون من حفظ آيها ... وقد عصفت فيها رياحهم النبخ )
( زعانف أنكاد لثام عناكل ... متى قبضوا كفا على إثره طخوا )
( ولما استقلوا من مهاوي ضلالهم وأوموا إلى أعلام رشدهم زخوا )
( دعاهم أبو يعقوب للشرف الذي ... يذل له رضوى ويعنو له دمخ )
( فلم يستجيبوه فذاقوا وبالهم ... وما لامرىء عن أمر خالقه نخ )
( وما زلت أدعو للخروج عليهم ... وقد يسمع الصم الدعاء إذا أصخوا )
( وأبذل في استئصالهم جهد طاقتي ... وما لظنابيب ابن سابحة قفح )
( تركت لمينا سبتة كل نجعة ... كما تركت للعز أهضامها شمخ )
( وآليت أن لا أرتوي غير مائها ... ولو حل لي في غيره المن والمذخ )
( وأن لا أحط الدهر إلا بعقرها ... ولو بوأتني دار إمرتها بلخ )
( فكم نقعت من غلة تلكم الأضا ... وكم أبرأت من علة تلكم اللبخ )
( وحسبي منها عدلها واعتدالها ... وأبحرها العظمى وأريافها النفخ )
( وأملاكها الصيد المقاولة الألى ... لعزهم تعنو الطراخمة البلخ )
( كواكب هدي في سماء رياسة ... تضيء فما يدجو ضلال ولا يطخو )
( ثواقب أنوار ترى كل غامض ... إذا الناس في طخياء غيهم التخوا )

وروضات آداب إذا ما تأرجت ... تضاءل في أفياء أفنانها الرمخ )
( مجامر ند في حدائق نرجس ... تنم ولا لفح يصيب ولا دخ )
( وأبحر علم لا حياض رواية ... فيكبر منها النضح أو يعظم النضخ )
( بنو العزفيين الألى من صدورهم ... وأيديهم تملأ القراطيس والطرخ )
( إذا ما فتى منهم تصدى لغاية ... تأخر من ينحو وأقصر من ينخو )
( رياسة أخيار وملك أفاضل ... كرام لهم في كل صالحة رضخ )
( إذا ما بدا منا جفاء تعطفوا ... علينا وإن حلت بنا شدة رخوا )
( نزورهم حذا نحافا فننثني ... وأجمالنا دلح وأبداننا دلخ )
( يربوننا بالعلم والحلم والنهى ... فما خرجنا بز ولا حدنا برخ )
( وما الزهد في أملاك لخم ولا التقى ... ببدع وللدنيا لزوق بمن يرخو )
( وإلا ففي رب الخورنق غنية ... فما يومه سر ولا صيته رضخ )
( تطلع يوما والسدير أمامه ... وقد نال منه العجب ما شاء والجفخ )
( وعن له من شيعة الحق قائم ... بحجة صدق لا عبام ولا وشخ )
( فأصبح يجتاب المسوح زهادة ... وقد كان يؤذي بطن أخمصه النخ )
( وفي واحد الدنيا أبي حاتم لنا ... دواء ولكن ما لأدوائنا نتخ )

( تخلى عن الدنيا تخلي عارف ... يرى أنها في ثوب نخوته لتخ )
( وأعرض عنها مستهينا لقدرها ... فلم يثنه عنها اجتذاب ولا مضخ )
( فكان له من قلبها الحب والهوى ... وكان لها من كفه الطرح والطخ )
( وما معرض عنها وهي في طلابه ... كمن في يديه من معاناتها نبخ )
( ولا مدرك ما شاء من شهواتها ... كمن حظه منها التمجع والنجخ )
( ولكننا نعمى مرارا عن الهدى ... ونصلج حتى ما لآذاننا صمخ )
( ومالامرىء عما قضى الله مزحل ... ولا لقضاء الله نقض ولا فسخ )
( أبا طالب لم تبق شيمة سؤدد ... يساد بها إلا وأنت لها سنخ )
( لسوغت أبناء الزمان أياديا ... لدرتها في كل سامعة شخ )
( وأجريتها فيهم عوائد سؤدد ... فما لهم كسب سواها ولا نخ )
( غذتهم غواديها فهي في عروقهم ... دماء وفي أعماق أعظمهم مخ )
( وعمتهم حزنا وسهلا فأصبحوا ... ومرعاهم وزخ ومرعيهم ولخ )
( بني العزفيين ابلغوا ما أردتم ... فما دون ما تبغون وحل ولا زلخ )
( ولا تقعدوا عمن أراد سجالكم ... فما غربكم جف ولا غرفكم وضخ )
( وخلو وراء كل طالب غاية ... وتيهوا على من رام شأوكم وانخوا )

( ولا تذروا الجوزاء تعلوا عليكم ... ففي رأسها من وطء أسلافكم شدخ )
( لأفواه أعدائي وأعين حسدي ... إذا جليت خائيتي الغض والفضخ )
( دعوها تهادي في ملاءة حسنها ... ففي نفسها من مدح أملاكها مدخ )
( يمانية زارت يمانين فانثنت ... وقد جد فيها الزهو واستحكم الزمخ )
وقد بسط في الإحاطة ترجمة ابن خميس المذكور ومما أنشد له قوله
( سل الريح إن لم تسعد السفن أنواء ... فعند صباها من تلمسان أنباء )
( وفي خفقان البرق منها إشارة ... إليك بما تنمي إليها وإيماء )
( تمر الليالي ليلة بعد ليلة ... وللأذن إصغاء وللعين إكلاء )
( وإني لأصبو للصبا كلما سرت ... وللنجم مهما كان للنجم إصباء )
( وأهدي إليها كل يوم تحية ... وفي رد إهداء التحية إهداء )
( وأستجلب النوم الغرار ومضجعي ... قتاد كما شاءت نواها وسلاء )
( لعل خيالا من لدنها يمر بي ... ففي مره بي من جوى الشوق إبراء )
( وكيف خلوص الطيف منها ودونها ... عيون لها في كل طالعة راء )
( وإني لمشتاق إليها ومنبىء ... ببعض اشتياقي لو تمكن إنباء )
( وكم قائل تفنى غراما بحبها ... وقد أخلقت منها ملاء وأملاء )
( لعشرة أعوام عليها تجرمت ... إذا ما مضى قيظ بها جاء إهراء )

( يطنب فيها عائثون وخرب ... ويرحل عنها قاطنون وأحياء )
( كأن رماح الناهبين لملكها ... قداح وأموال المنازل أبداء )
( فلا تبغين فيها مناخا لراكب ... فقد قلصت منها ظلال وأفياء )
( ومن عجب أن طال سقمي ونزعها ... وقسم إضناء علينا وإطناء )
( وكم أرجفوا غيظا بها ثم أرجأوا ... فيكذب إرجاف ويصدق إرجاء )
( يرددها عيابها الدهر مثلما ... يردد حرف الفاء في النطق فأفاء )
( فيا منزلا نال الردى منه ما اشتهى ... ترى هل لعمر الأنس بعدك إنساء )
( وهل للظى الحرب التي فيك تلتظي ... إذا ما انقضت أيام بؤسك إطفاء )
( وهل لي زمان أرتجي فيه عودة ... إليك ووجه البشر أزهر وضاء )
ومنها
( أحن لها ما أطلت النيب حولها ... وما عاقها من مورد الماء أظماء )
( فما فاتها مني نزاع على النوى ... ولا فاتني منها على القرب إجشاء )
( كذلك جدي في صحابي وأسرتي ... ومن لي به في أهل ودي إن فاؤوا )
( ولولا جوار ابن الحكيم محمد ... لما فات نفسي من بني الدهر إقماء )
( حماني فلم تنتب محلي نوائب ... بسوء ولم ترزأ فؤادي أرزاء )
( وأكفأ بيتي في كفالة جاهة ... فصاروا عبيدا لي وهم لي أكفاء )
( يؤمون قصدي طاعة ومحبة ... فما عفته عافوا وما شئته شاؤوا )

( دعاني إلى المجد الذي كنت آملا ... فلم يك لي عن دعوة المجد إبطاء )
( وبوأني من هضبة العز تلعة ... يناجي السها منها صعود وطأطاء )
( يشيعني منها إذا سرت حافظ ... ويكلؤني منها إذا نمت كلاء )
( ولا مثل نومي في كفالة غيره ... وللذئب إلمام وللصل إيماء )
( بغيضه ليث أو بمرقب خالب ... تبز كسا فيه وتقطع أكساء )
( إذا كان لي من نائب الملك كافل ... ففي حيثما هومت كن وإدفاء )
( وإخوان صدق من صنائع جاهه ... يبادرني منهم قيام وإيلاء )
( سراع لما يرجى من الخير عندهم ... ومن كل ما يخشى من الشر أبراء )
( إليك أبا عبد الإله صنعتها ... لزومية فيها لوجدي إفشاء )
( مبرأة مما يعيب لزومها ... إذا عاب إكفاء سواها وإيطاء )
( أذعت بها السر الذي كان قبلها ... عليه لأحناء الجوانح إضناء )
( وإن لم يكن كل الذي كنت آملا ... وأعوز إكلاء فما عاز إكماء )
( ومن يتكلف مفحما شكر منة ... فما لي إلى ذاك التكلف إلجاء )
( إذا منشد لم يكن عنك ومنشىء ... فلا كان إنشاد ولا كان إنشاء )
رجع إلى ترجمة ابن الفخار وفوائده
قال الشاطبي حدثنا الأستاذ الكبير أبو عبد الله ابن الفخار قال جلس بعض الطلبة إلى بعض الشيوخ المقرئين قأتى المقرىء بمسألة الزوائد الأربع في أول الفعل المضارع وقال يجمعها قولك نأيت فقال له ذلك الطالب لو جمعتها بقولك أنيت لكان أملح ليكون كل حرف تضعيف ما قبله فالهمزة لواحد وهو المتكلم والنون لاثنين وهما الواحد ومعه غيره والواحد

المعظم نفسه والياء لأربعة للواحد الغائب وللغائبين وللغائبين وللغائبات والتاء لثمانية للمخاطب وللمخاطبين وللمخاطبين والمخاطبة والمخاطبتين والمخاطبات وللغائبة وللغائبتين فاستحسن الشيخ ذلك منه
وحكى الشاطبي أيضا أن شيخه ابن الفخار أورد عليهم سؤالا وهو كيف يجمع بين مسألة رجل أوقع الصلاة بثوب حرير اختيارا وبين قوله
( جرى المدميان بالخبر اليقين ... )
فلم ينقدح لنا شيء فقال الجواب أن الأول ممنوع عند الفقهاء شرعا ورد اللام في دم في التثنية ممنوع عند النحاة قياسا وكلاهما في حكم المعدوم حسا وإذا كان كذلك كان الأول بمنزلة من صلى بادي العورة اختيارا فتلزمه الإعادة وكان الثاني بمنزلة ما باشر فيه عين دم علم التثنية فتلزمه الفتحة وإن كان أصلها السكون قال وهذه المسألة تشبه مسألة ابن جني في الخصائص قال ألقيت يوما على بعض من كان يعتادني مسألة فقلت له كيف تجمع بين قوله
( لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب )
وبين قوله اختصم زيد وعمرو فلم ينقدح فيها شيء وعاد مستفهما فقال له اجتماعهما أن الواو اقتصر به على بعض ما وضع له من الصلاحية الملازمة مطلقا والطريق اقتصر به على بعض ما كان يصلح له
قال الشاطبي وحدثني أيضا قال كان لقاضي القضاة علما وجزالة أبي جعفر ولد يقرأ علي بمالقة وكان ابنا نبيها فهما ونبلا فسأل مني يوما مسألة

يذكرها لأقرانه وكان معجبا بالغرائب فجرى على لساني أن قلت له بين على زيد فعل أمر وفاعل والأصل ابأين على زيد ثم سهل بالنقل والحذف على قياس التسهيل فصار بين كما ترى فأعجب بالمسألة حتى ناظر فيها ليلة أباه وكان انحى نحاة أهل عصره فأعجب مما يرى من ابنه من النبل والتحصيل فبلغت المسألة الشيخ الأستاذ أبا بكر ابن الفخار رحمه الله تعالى فاعتنى بها وحاول في استخراج وجه من وجوه الاعتراض على عادة المصلحين من طلبة العلم فوجد في مختصر العين أن الكلمة من ذوات الواو ولم يذكر صاحب المختصر غير ذلك ولم يكن رحمه الله تعالى رأى قول أبي الحسن اللحياني في نوادره إنه مما يتعاقب على لامه الواو والياء فيقال بأي يبأى بأوا وبأيا كما يقال شأى يشأى شأوا وشأيا فلم يقدم شيئا على أن اجتمع بالقاضي المذكور فقال له ألم تسمع ما قال فلان بين على زيد وإنما هو بون على زيد لأنه من ذوات الواو ونص على ذلك صاحب المختصر وحمله على أن يرسل إلي ويردني عن ذلك الذي قلته في المسألة واجتمعت أنا معه وحدثني بما جرى له مع الأستاذ ابن الفخار فذكرت له ما حكاه أبو الحسن اللحياني في نوادره وما قاله ابن جني في سر الصناعة فسر بذلك وأرسل بعد إلى الأستاذ ابن الفخار وذكر له نص اللحياني وقول ابن جني وجمع القاضي بيننا وعقد في قلوبنا مودة فكان الأستاذ ابن الفخار يومئذ يقصدني في منزلي وفي المواسم ويستشيرني في أموره على سبيل التأنيس رحمة الله عليه فأواه على فقد الناس أمثاله
وقال الشاطبي أيضا أنشدني الفقيه الأستاذ الكبير أبو عبد الله ابن الفخار رحمه الله تعالى وقال ألقي في سري بيت لم أسمعه قط في السادس عشر من شهر رجب عام ستة وخمسين وسبعمائة

( لتكن راجيا كما أنت ترجو ... ولأربى من الذي أنت راجي )
قال الشاطبي وقرر لنا الأستاذ ابن الفخار المذكور يوما توجيه قول أبي الحسن الأخفش في كسرة الذال من نحو يومئذ إنها إعرابية لا بنائية إذ لم يذكر أحد وجه هذا المذهب قبل قال ابن جني إن الفارسي اعتذر له بما يكاد يكون عذرا فلما تم التوجيه قلت له وانا حينئذ صغير السن هب أن الأمر على ما قاله الأخفش من أن الكسرة إعرابية فما يصنع ببناء الزمان المضاف إلى إذ في أحد الوجهين والإضافة إلى المفرد المعرب تقتضي الإعراب دون البناء فتعجب من صدور هذا السؤال مني لصغر سني وأجاب عنه بأنه قد يذهب السبب ويبقى حكمه كما قاله ابن جني في اسم الإشارة في ترجمة سيبويه هذا علم ما الكلم من العربية على أن يكون سيبويه وضعه غير مشير به وتركه مبنيا وأزال سبب البناء ونظر ذلك بباب التسوية على ما هو مقرر في موضعه قال ونظير ذلك ما قرر من إضافة حيث إلى المفرد مع بقاء البناء فيما ذكره الزمخشري وذلك قوله
( أما ترى حيث سهيل طالعا ... )
وقوله أنشدنا ابن الأعرابي لبعض المحدثين
( ونحن سعينا بالبلايا لمعقل ... وقد كان منكم حيث لي العمائم )
وقد كان حقها أن تعرب لزوال سبب البناء وهو الإضافة إلى جملة وحصول سبب الإعراب وهو الإضافة إلى المفرد ولكنه لم يعتبر النادر وأبقى الحكم الشائع
وقال الشاطبي أيضا كان شيخنا ابن الفخار يأمرنا بالوقف على قوله تعالى في سورة البقرة ( قالوا الآن ) ونبتدىء ( جئت بالحق ) وكان يفسر لنا معنى ذلك قولهم الآن أي فهمنا وحصل البيان ثم قيل جئت بالحق يعني في كل

مرة وعلى كل حال وكان رحمه الله تعالى يرى هذا الوجه أولى من تفسير ابن عصفور له من أنه على حذف الصفة أي بالحق البين وكان يحافظ عليه
وقال الشاطبي أنشدني صاحبنا الفقيه الأجل الأديب البارع أبو محمد ابن حذلم لنفسه أبياتا أنشدنيها يوم عيد على قبر سيدنا الإمام الأستاذ الكبير الشهير أبي عبد الله بن الفخار يرثيه بها
( أيا جدثا قد أحرز الشرف المحضا ... بأن صار مثوى السيد العالم الأرضى )
( عجبت لما أحرزته من معارف ... وشتى معال لم تزل تعمر الأرضا )
( طويت عليه وهو عين زمانه ... فيا جفن عين الدهر كم تؤثر الغمضا )
( فحياك من صوب الحيا كل ديمة ... تديم له في الجنة الرفع والخفضا )
( فها نحن في عيد الأسى حول قبره ... وقوفا لنقضي من عيادته الفرضا )
( كمثل الذي كنا وقوفا ببابه ... بعيد الأماني زائرين له أيضا )
( ومنا سلام لا يزال يخصه ... يذكره من بعض أشواقنا البعضا )
ترجمة ابن حذلم
قلت وابن حذلم المذكور له باع مديد في العلم والأدب وهو أبو محمد عبد الله بن عبد الله بن حذلم ومن نظمه قوله
( أبت المعارف أن تنال براحة ... إلا براحة ساعد الجد )
( فإذا ظفرت بها فلست بمدرك ... أربا بغير مساعد الجد )
وقوله رحمه الله

( كم من صديق حال في وده ... ولم أزل أزويه عن محضه )
( حضوره عين على وده ... وغيبه عين على بغضه )
( ولم أكن أجهل هذا ولا ... عجزت أن أجري على قرضه )
( لكن من قد سرني بعضه ... أحب أن أصفح عن بعضه )
وقوله رحمه الله يوم عيد وهو مما ألهج به أنا كثيرا
( يقولون لي خل عنك الأسى ... ولذ بالسرور فذا يوم عيد )
( فقلت لهم والأسى غالب ... ووجدي يحيى وشوقي يزيد )
( توعدني مالكي بالفراق ... فكيف أسر وعيدي وعيد )
وقوله رحمه الله
( حبيب زارني في الليل سرا ... فأحيا نفس مشتاق إليه )
( وعللني بنشر المسك منه ... وحياني بصفحة وجنتيه )
( وعانقني عناق الود صفحا ... وفارقني فيا لهفي عليه )
رجع وتوفي الأستاذ سيبويه زمانه أبو عبد الله محمد بن علي بن الفخار أستاذ الجماعة بغرناطة ليلة الإثنين ثاني عشر رجب عام أربعة وخمسين وسبعمائة رحمه الله تعالى
رجع إلى مشايخ لسان الدين رحمه الله تعالى
13 - ومنهم الأستاذ ابن العواد قال في الإحاطة قرأت كتاب الله عز و جل على المكتب نسيج وحده في تحمل المنزل حق حمله تقوى وصلاحا وخصوصية وإتقانا ونغمة وعناية وحفظا وتبحرا في هذا الفن

واضطلاعا بغرائبه واستيعابا لسقطات الأعلام الأستاذ الصالح أبي عبد الله ابن عبد الولي العواد تكتيبا ثم حفظا ثم تجويدا على مقرإ أبي عمرو ثم نقلني إلى أستاذ الجماعة ومطية الفنون ومفيد الطلبة الشيخ الخطيب المتفنن أبي الحسن على القيجاطي فقرأت عليه القرآن والعربية وهو أول من انتفعت به انتهى
14 - ومن أشياخه رحمه الله الشيخ العلامة أبو عبد الله ابن بيبش وله رحمه الله تعالى نظم جيد فمنه قوله ملغزا في مسطرة الكتابة
( ومقصورة خلف الحجاب وسرها ... مضاع فما يلقاك من دونها ستر )
( لها جثة بيضاء أسبل فوقها ... ذوائب زانتها وليس لها شعر )
( إذا ألبست مثل الصباح وبرقعت ... رأيت سواد الليل لم يمحه الفجر )
( عقيلة صون لا يفرق شملها ... سوى من أهمته الخطابة والشعر )
وقوله في ترتيب حروف الصحاح
( أساجعة بالواديين تبوئي ... ثمارا جنتها حاليات خواضب )
( دعي ذكر روض زاره سقي شربه ... صباح ضحى طير ظماء عواصب )
( غرام فؤادي قاذف كل ليلة ... متى ما نأى وهنا هداه يراقب )
وله جواب عن البيتين المشهورين
( يا ساكنا قلبي المعنى ... وليس فيه سواك ثاني )
( لأي معنى كسرت قلبي ... وما التقى فيه ساكنان )
فقال
( نحلتني طائعا فؤادا ... فصار إذ حزته مكاني )
( لا غرو إذ كان لي مضافا ... أني على الكسر فيه باني )

وقد ذكرت ذلك في غير هذا الموضع مع زيادة بلفظ لسان الدين فليراجع في الباب الخامس من هذا الكتاب
15 - ومن أشياخ لسان الدين رحمه الله تعالى قاضي الجماعة الصدر المتفنن أبو عبد الله ابن بكر قال في الإحاطة وقرأت على قاضي الجماعة أبي عبد الله ابن بكر رحمه الله تعالى انتهى
وقاضي الجماعة عند المغاربة هو بمعنى قاضي القضاة عند المشارقة فليعلم ذلك وابن بكر المذكور هو محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن بكر بن سعيد الأشعري المالقي من ذرية أبي موسى الأشعري كان من صدور العلماء وأعلام الفضلاء سذاجة ونزاهة ومعرفة وتفننا فسيح الدرس أصيل النظر واضح المذهب مؤثرا للإنصاف عارفا بالأحكام والقراءة مبرزا في الحديث تاريخا وإسنادا وتعديلا وجرحا حافظا للأنساب والأسماء والكنى قائما على العربية مشاركا في الأصول والفروع واللغة والعروض والفرائض والحساب مخفوض الجناح حسن الخلق عطوفا على الطلبة محبا في العلم والعلماء مطرحا للتصنع عديم المبالاة بالملبس بادي الظاهر عزيز النفس نافذ الحكم تقدم ببلده مالقة ناظرا في أمور العقد والحل ومصالح الكافة ثم ولي القضاء بها فأعز الخطة وترك الشوائب وأنفذ الحق ملازما للقراءة والإقراء محافظا

للأوقات حريصا على الإفادة ثم ولي القضاء بغرناطة المحروسة سنة 737 فقام بالوظائف وصدع بالحق وبهرج الشهود فزيف منهم ما ينيف على سبعين واستهدف بذلك إلى معاداة ومناضلة خاض ثبجها وصادم تيارها غير مبال بالمغبة ولا حافل بالتبعة فناله لذلك من المشقة والكيد العظيم ما ناله مثله حتى كان لا يمشي إلى الصلاة ليلا ولا يطمئن على حاله وجرت له في ذلك حكايات إلى أن عزم عليه الأمير أن يرد للعدالة بعض من أخره فلم يجد في قناته مغمزا ولا في عوده معجما وتصدر لبث العلم بالحضرة يقرىء فنونا جمة فنفع وخرج وأقرأ القرآن ودرس الفقه والأصول والعربية والفرائض والحساب وعقد مجالس الحديث شرحا وسماعا على انشراح صدر وحفظ تجمل وخفض جناح قال القاضي ابن الحسن إنه كان صاحب عزم ومضاء وحكم صادع وقضاء أحرق قلوب الحسدة وأعز الخطة بإزالة الشوائب وذهب وفضض الحق بمعارفه ونفذ في المشكلات وثبت في المعضلات واحتج وبكت وتفقه ونكت وحدثنا صاحبنا أبو جعفر الشقوري قال كنت جالسا بمجلس حكمه فرفعت إليه امرأة رقعة مضمنها أنها محبة في مطلقها وتبتغي الشفاعة لها في ردها فتناول الرقعة ووقع على ظهرها بلا مهلة الحمد لله من وقف على ما بالقلوب فليصخ لسماعه إصاخة مغيث وليشفع للمرأة عند زوجها تأسيا بشفاعة الرسول لبريرة في مغيث والله يسلم لنا العقل والدين ويسلك بنا سبيل المهتدين والسلام من كاتبه

قال الشقوري قال لي بعض الأصحاب هلا كان هو الشفيع لها فقلت الصحيح أن الحاكم لا ينبغي أن يباشر ذلك بنفسه على المنصوص
قرأ ابن بكر المذكور على الأستاذ ابن أبي السداد الباهي القرآن جمعا وإفرادا والعربية والحديث ولازمه وتأدب به وعلى الشيخ الصالح أبي عبد الله ابن عياش كثيرا من كتب الحديث وسمع عليه جميع صحيح مسلم إلا دولة واحدة وأخذ عن الأستاذ أبي جعفر ابن الزبير والخطيب ابن رشيد والولي الصالح أبي الحسين ابن فضيلة والأستاذ أبي عبد الله ابن الكماد وأجازه العدل الراوية أبو فارس عبد العزيز بن الهواري وأبو إسحاق التلمساني ومن أهل إفريقية المعمر أبو محمد ابن هارون ومحمد بن سيد الناس ومن أهل مصر الشرف الدمياطي وجماعة من أهل الشام والحجاز فقد رحمه الله تعالى في المصاف يوم المناجزة بطريف زعموا أنه وقع عن بغلة ركبها وأشار عليه بعض المنهزمين بالركوب فلم يقدر وقال له انصرف هذا يوم الفرح إشارة لقوله تعالى ( فرحين بما آتاهم الله من فضله ) آل عمران 170 وذلك ضحى يوم الإثنين 7 جمادى الأولى سنة 741 رحمه الله تعالى
16 - ومن أشياخ لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى الشيخ أبو إسحاق ابن أبي يحيى الشهير الذكر في المغرب وقد عرف به في الإحاطة في اسم إبراهيم من ترجمة الغرباء بما نصه إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي بكر التسولي من أهل تازى يكنى أبا سالم ويعرف بابن أبي يحيى

حاله من الكتاب المؤتمن كان هذا الرجل قيما على التهذيب ورسالة ابن أبي زيد حسن الإقراء لهما وله عليهما تقييدان نبيلان قيدهما أيام قراءته إياهما على أبي الحسن الصغير حضرت مجالسه بمدرسة عدوة الأندلس من فاس ولم أر في متصدري بلده أحسن تدريسا منه كان فصيح اللسان سهل الألفاظ موفيا حقوقها وذلك لمشاركته الحضر فيما بأيديهم من الأدوات وكان مجلسه وقفا على التهذيب والرسالة وكان مع ذلك سمحا فاضلا حسن اللقاء على خلق بائنة على أخلاق أهل مصره امتحن بصحبة السلطان فصار يستعمله في الرسائل فمر في ذلك حظ كبير من عمره ضائعا لا في راحة دنيا ولا في نصب آخرة ثم قال وهذه سنة الله قيمن خدم الملوك ملتفتا إلى ما يعطونه لا إلى ما يأخذون من عمره وراحته أن يبوء بالصفقة الخاسرة لطف الله بمن ابتلى بذلك وخلصنا خلاصا جميلا
ومن كتاب عائد الصلة الشيخ الفقيه الحافظ القاضي من صدور المغرب مشاركة في العلم وتبحرا في الفقه كان وجيها عند الملوك صحبهم وحضر مجالسهم واستعمل في السفارة فلقيناه بغرناطة وأخذنا بها عنه تام السراوة حسن العهد مليح المجالس أنيق المحاضرة كريم الطبع صحيح المذهب
تصانيفه قيد على المدونة بمجلس شيخه أبي الحسن كتابا مفيدا وضم أجوبته على المسائل في سفر وشرح كتابه الرسالة شرحا عظيم الإفادة
مشيخته لازم أبا الحسن الصغير وهو كان قارئ كتب الفقه عليه وجل انتفاعه في التفقه به وروى عن أبي زكريا ابن يس قرأ عليه كتاب

الموطأ إلا كتاب المكاتب وكتاب المدبر فإنه سمعه بقراءة الغير وعن أبي عبد الله ابن رشيد قرأ عليه الموطأ وشفاء عياض وعن أبي الحسن ابن عبد الجليل السدراتي قرأ عليه الأحكام الصغرى لعبد الحق وأبي الحسن ابن سليمان قرأ عليه رسالة ابن أبي زيد وعن غيرهم
وفاته فلج بأخرة فالتزم منزله بفاس يزوره السلطان ومن دونه وتوفي بعد عام ثمانية وأربعين وسبعمائة انتهى
وقال ابن الخطيب القسمطيني إن ابن أبي يحيى المذكور توفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة انتهى
17 - ومن أشياخ لسان الدين الطنجالي الهاشمي وهو محمد بن أحمد قال في عائد الصلة كان على سنن سلفه كثرة حياء وسمة صلاح وشدة انقباض وإفراط وقار وحشمة بذ الكهولة على حداثة سنه في باب الورع والدين والإغراق في الصلاح والخير وتقدم خطيبا ثم قاضيا ببلده فأظهر من النزاهة والعدالة ما يناسب منصبه ففزع الناس إليه في كائنة الوباء العظيم بأموالهم وقلدوه عهود صدقاتهم فاستقر في يده من المال الصامت والحلى والذخيرة والعدة ما تضيق بيوت أموال الملك عنه وصرف ذلك مصارفه ووضعه وفق عهوده فلم يتلبس منه بنفير ولا قطمير وكان مدركا أصيل الرأي قائما على الفرائض والحساب ثم تخرج وطلب الإعفاء فأسعف به على حال ضنانة وفي ذلك يقول قريبه صاحبنا الفقيه القاضي أبو الحسن ابن الحسن يخاطبه

( لك الله يا بدر السماحة والبشر ... رفعت بأعلى رتبة راية الفخر )
( ولا سيما لما وليت أمورها ... فرويتها من عذب نائلك الغمر )
( ودارت قضاياها عليك بأسرها ... على حين لا بر يعين على بر )
( فقمت بها خير القيام مصمما ... على الحق تصميم المهندة البتر )
( فسر بك الإسلام يا ابن حمامة ... وأمست بك الأيام باسمة الثغر )
( تعيد عليك الحمد ألسن حالها ... وتتلو لما يرضيك من سور الشكر )
( لذاك أمير المسلمين بعدله ... أقامك تقضي الزمان على جبر )
( فأحييت رسم العلم بعد مماته ... وغادرت وجه الحكم أسنى من البدر )
( ولكنك استعفيت عنه تورعا ... وتلك سبيل الصالحين كما تدري )
( فكم من ولي فر عنه لعلمه ... به كأبي الحجاج جدك من ذخر )
( فزاد اتصالا عزة باجتنابه ... له وسما قدرا على قنة النسر )
( جريت على نهج السلامة في الذي ... تبعت له فأبشر بأمنك في الحشر )
( وأرضاك مولاي الإمام بفضله ... وأعفاك إعفاء الكرامة والبر )
( فأنت على الحالين أفضل من قضى ... وأشرف من يعفي إلى أخر الدهر )
( لما حزت من شتى المعالي التي بها ... تحليت عن أسلافك السادة الغر )
( صدور مقامات المعارف كلها ... بحور النوال الجم في اليسر والعسر )
( هم النفر الأعلون من آل هاشم ... وناهيك من مجد أثيل ومن فخر )
وهي طويلة انتهى
18 - ومن أشياخ لسان الدين رحمه الله تعالى الشيخ الإمام الخطيب الرئيس سيدي أبو عبد الله ابن مرزوق ولنلخص ترجمته من الإحاطة وغيرها

فنقول هو محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيسي التلمساني يكنى أبا عبد الله ويلقب من الألقاب المشرقية بشمس الدين
قال أبو الحسن علي بن لسان الدين ابن الخطيب في حقه سيدي وسند أبي فخر المغرب وبركة الدول وعلم الأعلام ومستخدم السيوف والأقلام ومولى أهل المغرب على الإطلاق أبقاه الله تعالى وأمتع بحياته وأعانني على ما يجب في حقه قال تربيته وولده علي ابن المؤلف انتهى يعني ابن الخطيب
وقال لسان الدين هذا الرجل من طرف دهره ظرفا وخصوصية ولطافة مليح التوسل حسن اللقاء مبذول البشر كثير التودد نظيف البزة لطيف التأني البيت طلق الوجه خلوب اللسان طيب الحديث مقدر الألفاظ بالأبواب درب على صحبة الملوك والأشراف متقاض لإيثار السلاطين والأمراء يسحرهم بخلابة لفظه ويفتلهم في الذروة والغارب بتنزله ويهتدي إلى أغراضهم الكمينة بحذقه ويصطنع غاشيتهم بتلطفه ممزوج الدعابة بالوقار والفكاهة بالنسك والحشمة بالبسط عظيم لأهل وده والتعصب لإخوانه آلف مألوف كثير الأتباع والعلق مسخر الرقاع في سبيل الوساطة مجدي الجاه غاص المنزل بالطلبة منقاد للدعوة بارع الخط أنيقه عذب التلاوة متسع الرواية مشارك في فنون من أصول وفروع وتفسير يكتب ويشعر ويقيد ويؤلف فلا يعدو السداد في ذلك منبر غير جزوع ولا هياب رحل إلى المشرق في كنف حشمة جناب والده رحمه الله تعالى فحج وجاور ولقي الجلة ثم فارقه وقد عرف بالمشرق حقه وصرف وجهه إلى المغرب فاشتمل عليه السلطان أبو الحسن أميره اشتمالا خلطه بنفسه وجعله مفضي سره وإمام جمعه وخطيب منبره وأمين رسالته فقدم في غرضها على الأندلس أواخر عام ثمانية وأربعين

وسبعمائة ولما حالت بالأمير المذكور الحال استقر بالأندلس مفلتا من النكبة في وسط عام اثنين وخمسين وسبعمائة فاجتذبه سلطانها رحمه الله وأجراه على تلك الوتيرة فقلده الخطبة بمسجده في السادس لصفر عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة وأقعده للإقراء بالمدرسة من حضرته وفي أخريات عام أربعة وخمسين صرف عنه جفن بره في أسلوب طماح ودالة وسبيل هوى وقحة فاغتنم الفترة وانتهز الفرصة وأنفذ في الرحيل العزمة وانصرف عزيز الرحلة مغبوط المنقلب فاستقر بباب ملك المغرب أمير المؤمنين أبي عنان فارس في محل تجلة وبساط قرب مشترك الجاه مجدي التوسط ناجع الشفاعة والله يتولاه ويزيده من فضله
مشيخته من كتابه المسمى عجالة المستوفز المستجاز في ذكر من استجازني من المشايخ دون من أجاز من أئمة المغرب والشام والحجاز فممن لقيه بالمدينة المشرفة على ساكنها الصلاة والسلام الإمام العالم العلامة عز الدين أبو محمد الحسن ابن علي ابن إسماعيل الواسطي صاحب خطتي الإمامة بالمسجد الكريم النبوي وأفرد جزءا في مناقبه والشيخ الإمام الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خلف بن عيسى الخزرجي السعدي العبادي تحمل عن عفيف الدين أبي محمد عبد السلام بن مزروع وأبي اليمن وغيره والشيخ الإمام خادم الوقت بالمسجد الكريم ونائب الإمامة والخطابة به ومنشد الأمداح النبوية هنالك والشيخ الصالح الثقة المعمر محيي الدين أبو زكريا يحيى بن محمد المغراوي التونسي سمع ابن حامل والتوزري والشيخ نور الدين أبو الحسن علي ابن محمد الحجار الفراش بحرم رسول الله والوقاد به وكان مقصودا من كل قطر والشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد الصنعاني نائب القضاء بالمدينة والشيخ الإمام

قاضي القضاة بالمدينة شرف الدين بن محرز الإخميمي بن الأسيوطي والشيخ الصالح عز الدين خالد بن عبد الله الطواشي والشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله المعيشي سمع ابن مزروع البصري وغيره والشيخ بهاء الدين موسى بن سلامة الشافعي المصري الخطيب بالمسجد الكريم بها والشيخ الخطيب أبو طلحة الزبير ابن أبي صعصعة الأسواني والشيخ عفيف الدين المطري والشيخ الأديب أبو البركات أيمن بن محمد بن محمد إلى أربعة عشر ابن أيمن التونسي المجاور والشيخ أبو محمد عبد الله بن محمد بن فرحون اليعمري التونسي المجاور أبو فارس عبد العزيز بن عبد الواحد بن أبي ركبون التونسي بها على أبيه القرآن العظيم قال وكانت قراءتي عليه بالمدينة عند قبره عليه الصلاة و السلام
وبمكة شرفها الله تعالى الشيخ المعمر الثقة شرف الدين أبو عبد الله عيسى ابن عبد الله الحجبي المكي المتوفى وقد قارب المائة والشيخ زين الدين أحمد ابن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الطبري المكي والشيخ الصالح شرف الدين خضر بن عبد الرحمن العجمي وشيخ شيوخ رباط الأعجام حيدر بن عبد الله المقرىء والشيخ مقرىء الحرم برهان الدين إبراهيم ابن مسعود بن إبراهيم الأيلي المصري والشيخ مصلح الدين الحسن بن عبد الله العجمي والإمام الصالح أبو الصفاء خليل بن عبد الله القسطلاني التوزري والشيخ الإمام الصالح أبو محمد عبد الله بن أسعد الشافعي الحجة انتهت إليه الرياسة العلمية والخطط الشرعية بالحرم والشيخ فخر الدين عثمان بن أبي بكر النويري المالكي والشيخ الإمام المدرس بالحرم شهاب الدين أحمد بن الحرازي اليمني والشيخ قاضي القضاة نجم الدين محمد بن جمال الدين بن عبد الله بن المحب الطبري والشيخ جلال الدين أبو عبد الله محمدبن أحمد بن براجين القشيري التلمساني وقرأ بها على أبيه وألبسه بها الخرقة والشيخ الملك شرف الدين عيسى بن محمد بن أبي بكر بن أيوب والشيخة فاطمة بنت محمد ابن محمد بن أبي بكر بن أيوب والشيخة فاطمة بنت محمد بن محمد بن أبي بكر بن

محمد بن إبراهيم الطبري المكية والشيخ أبو الربيع سليمان بن يحيى بن سلمان المراكشي السفاح والشيخ قاضي القضاة وخطيب الخطباء عز الدين أبو عمر عبد العزيز بن محمد بن جماعة الكناني قاضي القضاة بالديار المصرية
وبمصر الشيخ علاء الدين القونوي والتقي السعدي وقاضي القضاة القزويني وهو شهير الذكر رفيع القدر وقاضي القضاة البرهان الحنفي والشرف أقضى القضاة الإخميمي والشيخ المحدث المسند البدر محمد بن محمد الفارقي والقطب الحافظ محمد ابن منير والشهاب أحمد الجوهري الحلبي والمعمر الشرف يحيى المقدسي بن المصري والشيخ محسن القرشي والشهاب الحنبلي وفتح الدين محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمدبن يحيى بن سيد الناس اليعمري والشيخ المسند شمس الدين أبو بكر بن سيد الناس أخوه والإمام أبو حيان والحافظ النسابة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن طي ابن حاتم بن خيش الزبيري المصري يبلغ شيوخه نحوا من ألفي شيخ والشيخ الشمس بن عدلان والشهاب البوشي المالكي والشيخ المتصوف تاج الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن ثعلب المصري مدرس المالكية والشمس ابن كتشغري الخطابي الصيرفي والعماد ابن النجم الدمياطي والتاج الأشعري والتقي الثعلبي والفتح بن عبد القوي والشمس الورجمي والتقي الأشموني والعلامة التقي السبكي والمعروف ابن بنت الشاذلي وأبو الحسن التميمي والبرهان الخيمي والشمس الأسواني والبرهان الحكري والشمس بن جابر الوادي آشي وأبو محمد عبد الكريم الطوسي وأبو فارس الزروالي التونسي وصالح بن عبد العظيم بن يونس وأبو عبد الله ابن القماح والتاج التبريزي والشيخ محمود الأصبهاني والشرف المغيلي والبرهان السفاقسي
ومن النساء الشيخة المسندة ست الفقهاء فاطمة بنت محمد الفيومي البكري
وببلبيس أسد الدين يوسف بن داود الأيوبي من أبناء الملوك
ومن الشاميين بالقدس علاء الدين أبو الحسن علي بن أيوب وخطيب

القدس النور ابن الصائغ المقدسي ومحمد بن علي بن مثبت الأندلسي والبرهان الجعبري إمام الخليل
ومن أهل دمشق البرهان بن الفركاح والشمس بن مسلم قاضي الحنابلة
وبالإسكندرية أحمد المرادي بن العشاب وأبو القاسم ابن علي بن البراء والناصر بن المنير
وبطرابلس الخطيب أبو محمد جابر بن عبد الغفار
وبتونس الزبيدي والقاضي ابن عبد الرفيع والقاضي ابن عبد السلام وابن راشد وأبو موسى هارون والمحدث أبو عبد الله التلمساني والحافظ أبو زكريا يحيى بن عصفور التلمساني نزيل تونس وأبو محمد بن سعد الله بن أبي القاسم بن البراء
وببلاد الجريد الشيخ الخطيب أبو عبد الملك ابن حيون
وبالزاب ابن أبي والشيخ أبو محمد ابن راشد
وببجاية الإمام النظار المجتهد أبو علي ناصر الدين المشدالي والحافظ فقيه زمانه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن يللبخت الزواوي والشيخ الفقيه أبو عبد الله الخطيب المسفر
وبتلمسان الشيخان الإمامان ابنا الإمام وقاضي القضاة بها أبو عبد الله ابن هدية والخطيب أبو محمد المجاصي والشريف أبو علي حسن بن يوسف بن يحيى الحسني والشيخ أبو عثمان سعيد بن إبراهيم بن علي المعروف بابن إسحاق الخياط وغيرهم
محنته اقتضى الخوض الواقع بين يدي تأميل الأمير أبي الحسن رحمه الله

تعالى عودة الأمر إليه وقد ألقاه اليم إلى الساحل بمدينة الجزائر أن قبض عليه بتلمسان أمراؤها المتوثبون عليها في هذه الفترة من بني زيان إرضاء لقبيلهم المتهم بمداخلته وقد رحل عنهم دسيسا من أميرهم عثمان بن يحيى فصرف مأخوذا عليه طريقه منتهبا رحله منتهكة حرمته وأسكن قرارة مطبق عميق القعر مقفل المسلك حريز القفل ثاني اثنين انتهى ملخصا
ورأيت بخط ابن مرزوق على قوله وقد رحل عنهم دسيسا إلى آخره ما نصه لم أرحل عنهم إلا بإذنهم واقتراحهم علي في الإصلاح بينهم لكنهم غدروا تقية على أنفسهم قاله ابن مرزوق انتهى وكتب تحته ولد ابن الخطيب ما صورته نعم ما ترى
( وعند الله تجتمع الخصوم ... )
انتهى
رجع إلى كلام لسان الدين في حقه قال بعد الكلام السابق ما ملخصه ولأيام قتل ثانية ذبحا بمقربة من شفا تلك الركية وانقطع أثره وأيقن الناس بفوات الأمر فيه ولزمان من محنته ظهرت عليه بركة سلفه في خبر ينظر بطرفه إلى الكرامة فنجا ولا تسل كيف وخلصه الله خلاصا جميلا وقدم على الأندلس والله ينفعه بنيته انتهى
وكتب ابن مرزوق على هذا المحل ما نصه لم يكن المقتول حين قتل معي ولا قتل ذبحا قاله ابن مرزوق انتهى وكتب بعض علماء مصر تحته ما نصه هذه دعوى والمؤرخ أعرف انتهى فكتب آخر بعد هذا ما نصه أتخبرني عني انتهى
رجع ثم قال لسان الدين في ترجمة شعره ما صورته ركب مع السلطان

بخارج الحمراء أيام ضربت اللوز قبابها البيض وزينت الفحص العريض والروض الأريض فارتجل في ذلك
( انظر إلى النوار في أغصانه ... يحكي النجوم إذا تبدت في الحلك )
( حيا أمير المسلمين وقال قد ... عميت بصيرة من بغيرك مثلك )
( يا يوسفا حزت الجمال بأسره ... فمحاسن الأيام تومي هيت لك )
( أنت الذي صعدت به أوصافه ... فيقال فيه ذا مليك أو ملك )
إلى أن قال ومن الشعر المنسوب إلى محاسنه ما أنشد عنه وبين يديه ليلة الميلاد المعظم من عام ثلاثة وستين وسبعمائة
( قل لنسيم السحر ... لله بلغ خبري )
( إن أنت يوما بالحمى ... جررت فضل المئزر )
( ثم حثثت الخطو من ... فوق الكثيب الأعفر )
( مستقريا في عشبه ... مخفي وطء المطر )
( تروي عن الضحاك في الروض ... حديث الزهر )
( مخلق الأذيال بالعبير ... أو بالعنبر )
( وصف لجيران الحمى ... وجدي بهم وسهري )
( وحقهم ما غيرت ... ودي صروف الغير )
( لله عهد فيه قضيت ... حميد الأثر )
( أيامه هي التي ... أحسبها من عمري )
( ويا لليل فيه ما ... عيب بغير القصر )
( العمر فينان ووجه ... الدهر طلق الغرر )
( والشمل بالأحباب منظوم ... كنظم الدرر )

( صفو من العيش بلا ... شائبة من كدر )
( ما بين أهل تقطف الأنس ... جني الثمر )
( وبين آمال تبيح ... القرب صافي الغدر )
( يا شجرات الحي حياك ... الحيا من شجر )
( إذا أجال الشوق في ... تلك المغاني فكري )
( خرجت من خدي حديث ... الدمع فوق الطرر )
( وقلت يا خد آرو من ... دمعي صحاح الجوهري )
( عهدي بحادي الركب كالورقاء ... عند السحر )
( والعيس تجتاب الفلا ... واليعملات تنبري )
( تخبط بالأخفاف مظلوم ... البرى وهو بري )
( قد عطفت عن ميد ... والتفتت عن حور )
( قسي سير ما سوى العزم ... لها من وتر )
( حتى إذا الأعلام حلت ... لحفي البشر )
( واستبشر النازح بالقرب ... ونيل الوطر )
( وعين الميقات للسفر ... نجاح السفر )
( فالناس بين محرم ... بالحج أو معتمر )
( لبيك لبيك إليه ... الخلق باري الصور )
( ولاحت الكعبة بيت ... الله ذات الأثر )
( مقام إبراهيم والمأمن ... عند الذعر )
( واغتنم القوم طواف ... القادم المبتدر )
( وأعقبوا ركعتي السعي ... استلام الحجر )
( وعرفوا في عرفات ... كل عرف أذفر )

( ثم أفاض الناس سعيا ... في غد للمشعر )
( فوقفوا وكبروا ... قبل الصباح المسفر )
( وفي منى نالوا المنى ... وأيقنوا بالظفر )
( وبعد رمي الجمرات ... كان حلق الشعر )
( أكرم بذاك السفر والله ... وذاك السفر )
( يا فوزه من موقف ... يا ربحه من متجر )
( حتى إذا كان الوداع ... وطواف الصدر )
( فأي صبر لم يخن ... أو جلد لم يغدر )
( وأي وجد لم يطر ... وسلوة لم تهجر )
( ما أفجع البين لقلب ... الواله المستعبر )
( ثم ثنوا نحو رسول ... الله سير الضمر )
( فعاينوا في طيبة ... لألاء نور نير )
( رأوا رسول الله واستشفوا ... بلثم الجدر )
( نالوا به ما أملوا ... وعرجوا في الأثر )
( على الضجيعين أبي ... بكر الرضى وعمر )
( زيارة الهادي الشفيع ... جنة في المحشر )
( فأحسن الله عزاء ... قاصد لم يزر )
( ربع ترى مستنزل الآي ... به والسور )
( وملتقى جبريل بالهادي ... الزكي العنصر )
( وروضة الجنة بين ... روضة ومنبر )
( منتخب الله ومختار ... الورى من مضر )
( والمنتقى والكون من ... ملابس الخلق عري )
( إذ لم يكن في أفق ... من زحل ومشتري )

( ذو المعجزات الغر أمثال ... النجوم الزهر )
( يشهد بالصدق له ... منها انشقاق القمر )
( والضب والظبي إلى ... نطق الحصى والشجر )
( من أطعم الألف بصاع ... في صحيح الخبر )
( والجيش رواه بماء ... الراحة المنهمر )
( يا نكتة الكون التي ... فاتت منال الفكر )
( يا حجة الله على ... الرائح والمبتكر )
( يا أكرم الرسل على الله ... وخير البشر )
( يا من له التقدم الحق ... على التأخر )
( يا من لدى مولده ... المقدس المطهر )
( إيوان كسرى ارتج إذ ... ضاءت قصور قيصر )
( وموقد النار طفي ... كأنه لم يسعر )
( يا عمدتي يا ملجئي ... يا مفزعي يا وزري )
( يا من له اللواء والحوض ... وورد الكوثر )
( يا منقذ الغرقى وهم ... رهن العذاب الأكبر )
( إن لم تحقق أملي ... بؤت بسعي المخسر )
( صلى عليك الله يا ... ثمال كل معسر )
( صلى عليك الله يا ... نور الدجى المعتكر )
( يا ويح نفسي كم أرى ... في غفلة من عمري )
( واحسرتي من قلة الزاد ... وبعد السفر )
( يحجني والله بالبرهان ... وعظ المنبر )
( يا حسنها من خطب ... لو حركت من نظري )
( يا حسنها من شجر ... لو أورقت من ثمر )

( أؤمل الأوبة والأمر ... بكف القدر )
( أسوف العزم به ... من شهر لشهر )
( من صفر لرجب ... من رجب لصفر )
( ضيعت في الكبرة ما ... أعددته في صغري )
( وليس ما مر من ... الأيام بالمنتظر )
( وقلما أن حمدت ... سلامة في غرر )
( ولي غريم لا يني ... في طلب المنكسر )
( يا نفس جدي قد بدا ... الصبح ألا فاعتبري )
( واتعظي بمن مضى ... وارتدعي وازدجري )
( ما بعد شيب الفود من ... مرتقب فشمري )
( أنت وإن طال المدى ... في قلعة وسفر )
( وليس من عذر يقيم ... حجة المعتذر )
( يا ليت شعري والمنى ... تسرق طيب العمر )
( هل أرتجي من عودة ... أو رجعة أو صدر )
( فأبرد الغلة من ... ذاك الزلال الخصر )
( مقتديا بمن مضى ... من سلف ومعشر )
( نالوا جوار الله وهو ... الفخر للمفتخر )
( أرجو بإبراهيم مولانا ... بلوغ الوطر )
( فوعده لا يمتري ... في الصدق منه ممتري )
( وهو الإمام المرتضى ... والخير ابن الخير )
( أكرم من نال العلا ... بالمرهفات البتر )
( ممهد الملك وسيف ... الحق والليث الجري )
( خليفة الله الذي ... فاق بحسن السير )
( وكان منه الخبر في ... العلياء وفق الخبر )

( فصدق التصديق من ... مرآه للتصور )
( ومستعين الله في ... ورد له وصدر )
( فاق الملوك الصيد بالمجد ... الرفيع الخطر )
( فأصبحت ألقابهم ... منسية لم تذكر )
( وحاز منه أوحد ... وصف العديد الأكثر )
( برأيه المأمون أو ... عسكره المظفر )
( بسيفه السفاح أو ... بعزمه المقتدر )
( بالعلم المنصور أو ... بالذابل المنتصر )
( يا ابن الإمام الطاهر البر ... الزكي السير )
( مدحك قد علم نظم ... الشعر من لم يشعر )
( جهد المقل اليوم من ... مثلي كوسع المكثر )
( فإن يقصر ظاهري ... فلم يقصر مضمري )
قلت قول لسان الدين في حق هذه القصيدة إنها من الشعر المنسوب إلى محاسنه فيه تعريض خفي بأن هذه القصيدة يحتمل أن تكون قيلت على لسانه حسبما جرت بذلك عادة الأكابر والرؤساء أن ينسب إليهم ما ليس من كلامهم في نفس الأمر وليس الواقع عندي كذلك لأن باع ابن مرزوق في النظم والنثر مديد فأنى يقصر عن هذا القصيد ومن يصدر منه على البديهة قوله
( انظر إلى النوار في أغصانه ... )
الأبيات السابقة في اللوز لا يستغرب منه مثل هذا ولذ كتب ابن لسان الدين على قول والده من الشعر المنسوب إلى محاسنه ما صورته حضرت إنشاءها وإنشادها ليلة الميلاد الشريف في التاريخ المذكور واستحسنها شعراء العدوتين وهي مما لا ينكر على مدارك سيدي أبي عبد الله ورسوخه في علم

النظم والنثر قاله علي بن الخطيب انتهى
وكتب بعضهم على قوله في هذه القصيدة
( أيامه هي التي ... أعدها من عمري )
ما نصه ولت والله انتهى فكتب ابن مرزوق بعده ما نصه لكنها بدلت بخير منها والحمد لله وحسنت الخاتمة ببركة رسول الله تسليما انتهى
وكتب ابن لسان الدين على قوله
( وقلما أن حمدت ... سلامة في غرر )
ما نصه كذلك كان وليت والدي رحمه الله تعالى كذلك انتهى
وكتب على قوله برأيه المأمون إلخ ما نصه لو كان له رأي مأمون ما نزل على قلعة الملك لسكنى القصبة بدخيلة طلب الراحة فضربت عنقه وكانت الراحة منه انتهى
وكتب بعض أثر هذا ما صورته القدر لا يغالب الحذر ينفع ما لم يأتك القدر فإذا أتى قدر لم ينفع حذر انتهى
وكتب ابن لسان الدين قوله فلم يقصر مضمري ما صورته صدق والله انتهى
ثم قال لسان الدين باب السلطان الكبير العالم أبي عنان فبلوت من مشاركته وحميد سعيه ما يليق بمثله ولما نكبه لم أقصر عن ممكن حيلة في أمره فلما هلك السلطان أبو عنان وصار الأمر لأخيه المتلاحق من الأندلس أبي سالم بعد

الولد المسمى بالسعيد كان ممن دانت له الطاعة وأناخ راحلة الملك وحلب ضرع الدولة وخطب عروس الموهبة فأنشب ظفره في متات معقود من لدن الأب مشدود من لدن القرابة فاستحكم عن قرب واستغلظ عن كثب فاستولى على أمره وخلطه بنفسه ولم يستأثر عنه ببثه ولا انفرد بما سوى بضع أهله بحيث لا يقطع في شيء إلا به و عن رأيه ولا يمحو ويثبت إلا واقفا عند حده فغشيت بابه الوفود وصرفت إليه الوجوه ووقفت عليه الآمال وخدمته الأشراف وجلبت إلى سدته بضائع العقول والأموال وهادته الملوك فلا تحدو الحداة إلا إليه ولا تحط الرحال إلا لديه إن حضر أجرى الرسم وأنفذ الأمر والنهي لحظا أو سرارا أو مكاتبة وإن غاب ترددت الرقاع واختلفت الرسل ثم انفرد أخيرا ببيت الخلوة ومنتبذ المناجاة من دونه معصب الوزراء وغايات الحجاب فإذا انصرف تبعته الدنيا وسارت بين يديه الوزراء ووقفت ببابه الأمراء وقد وسع الكل لحظه وشملهم بحسب الرتب والأحوال رعيه ووسم أفذاذهم تسويده وعقدت ببنان عليتهم بنانه لكن رضى الناس الغاية التي لا تدرك والحسد بين بني آدم قديم وقبيل الملك مباين لمثله فطويت الجوانح على سل وحنيت الضلوع على بث وأغضيت الجفون على قذى إلى أن كان من نكبته الثالثة ما هو معروف جعلها الله له طهورا ولما جرت الحادثة على الدولة بالأندلس وكان لحاق جميعنا بالمغرب جنيت ثمرة ما أسلفته من وده فوفي الكيل وأشرك في الجاه وأدر الرزق ورفع

المجلس بعد التسبب في الخلاص والسعي في الجبر جبره الله تعالى وكان له أحوج ما يكون إلى ذلك ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) الشعراء 89 انتهى
وكتب ابن لسان الدين على هذا المحل ما صورته هذا لسان أبي عليه في الغيبة والحضور انتهى
ومما خاطبه به لسان الدين مهنئا من طريق القدوم على الأبواب المرينيبة مفلتا من البلية بشفاعته ما نصه سيدي الذي إليه انقطاعي وانحياشي وملاذي وملجئي الذي يسر خلاصي وسني انتياشي ومنعمي الذي جبر جناحي وأنبت رياشي ومولى هذا الصنف العلمي ولا أحاشي كتبه صنيع نعمتكم الخالصة الحرة ومسترق فضلكم الذي تألقت منه في ليل الخطوب الغرة ابن الخطيب لطف الله به من كذا وقد شد إلى إبلاغ النفس عذرها في مباشرة تقبيل اليد التي لها اليد العظمى والسجية الرحمى فلكم طوقت من نعمى وجبال النعم قد أثقلت الظهر واستغرقت السر والجهر فبأي لسان أو بأي بنان ولا أثر بعد عيان تقابل نعمة تداركت الرمق وقد أشفى وأبقت الذماء والشروع في استئصالها لا يخفى فيا لك من فرد هزم ألفا ووعد نصر لم يعرف خلفا ونية خلصت تبتغي إلى الله زلفى لقد صدع بها مولاي غريبة في الزمن بالغا حسن صنيعها صنعاء اليمن مترفعة عن الثمن وإن لم يقم بها مثله وإلا فمن فليهن سيدي ما ذاع لمجده بها من فخر وما قدم يوم تزل الأقدام من ذخر وما جلب للمقام المولوي الإبراهيمي من طيب ذكر واستفاضة حمد وشكر

لقد ارتهن دعاء الحافي والناعل والدال على الخير شريك الفاعل والذي أحيا النفس جدير برد عدتها وإنجاز عدتها وأنا قد قويت بجاهكم وإن كنت ضعيفا واستشعرت سعدا جديدا وقدرا منيفا وأيقنت أن الله عز و جل كان بي لطيفا إذ هيأ لي من رحمة ذلك المقام المولوي على يدكم نصرا عزيزا وبوأني من جاهه حرزا حريزا وقد استأسدت الأعداء وأعضل الداء وأعمل الاعتداء وعز الفداء فانفرج الضيق وتيسرت للخير الطريق وساغ الريق ونجا الغريق غريبة لا تمثل إلا في الحلم ولطيفة فيها اعتبار لأولي العلم اللهم جاز سيدي في نفسه وولده وحاله وبلده ومعاده بعد طول عمره وانفساح أمده وكن له نصيرا أحوج ما يكون إلى نصر واجعل له سعة من كل حصر واقصر عليه جاه كل قصر كما جعلت ذاته فوق كل ذات وعصره فوق كل عصر وليعلم سيدي أن من أراد بي منافسة وحسدا وزأر علي أسدا لما استقل على الكرسي جسدا من غير ذنب تبين ولا حد تعين أصابه من خلاصي المقيم المقعد ووعد النفس بأمل أخلف منه الموعد لما استنقذني الله برحمته من بين ظفره ونابه وغطاني بستر جنابه وكثرني في العيون على قلة وأعزني بعز نصره على حال ذلة لم يدع حيلة إلا نصبها أمامي ليحبط ذلك المقام الكريم ذمامي ويكدر جمامي ويستدرك حمامي وزعم أن بيده على البعد زمامي ويأبى ذلك رأي يفرق بين الحق وضده وعدل لا يخرج الشيء عن حده فنبهت سيدي خوفا أن تتجه حيلة أو تفسد وسيلة وأنا قادم بالأهل والولد ليعمل في رب الصنيعة على شاكلة الحمد الذي هو له أهل فما بابتدائه جهل ولا يختلف في عظم ما أسداه غر ولا كهل ولا ينبه مثله على تتميم وإجزال فضل عميم ومؤانسة غريب وصلة

نصر عزيز وفتح قريب بحول الله تعالى
وقال لسان الدين بعد ما سبق نقله عنه في حق ابن مرزوق ولما انقضى أمر سلطانه رحمه الله تعالى متجنى عليه بسببه محمولا عليه من أجله تقبض عليه وأجمع الملأ على قتله وشد اعتقاله وطلب بالمال العريض وانتهبت أمواله واعتقلت رباعه وجنبت مراكبه واصطفيت أمهات أولاده وتمادى به الإعتقال والشدة إلى أن عادته عوائد الله في الخلاص من الشدة والانتياش من الورطة ظاهرة عليه بركة سلفه قائمة له حجة الكرامة في أمره
حكى أمير المسلمين سلطاننا أعزه الله قال عرض لي والدي رحمه الله تعالى في النوم فقال يا ولدي اشفع في الفقيه ابن مرزوق فقبلت يده واقتضيت حظه وحكيت داعيته وعينت للوجهة في ذلك قاضي الحضرة فكان في ذلك ابتداء الفرج
وحدثني الثقة من خدام السلطان أبي عنان عنه مخبرا عن نفسه لما نفس عنه من نكبته وأجاره من سخطته قال رأيت رسول الله فأمرني بذلك وكفى بها جاها وحرمة قلت فترك سبيله وأتيح له ركوب البحر إلى البلاد المشرقية بأهله وولده فسار في كنف الستر وتحت جناح الوقاية في وسط رجب من عام أربعة وستين وسبعمائة من ساحل باديس صحب الله وجهته وختم عصمته انتهى ما لخصته من كلام لسان الدين بلفظه

ورأيت على هامش هذا المحل من الإحاطة بخط المذكور ما صورته أقول وأنا ابن مرزوق المسمى فيه إني قد وصلت إلى تونس المحروسة في شهر رمضان من سنة خمس وستين فلقيت بها من المبرة والكرامة والوجاهة فوق ما يعهده أمثالي ووليت خطابة جامع ملكها وتدريس أم المدارس فيها وهي المعروفة بمدرسة الشماعين كل ذلك تحت رعاية وعناية وملازمة لمجلس ملكها إلى أن توفي سنة إحدى وسبعين ثم مع ولده وابن أخيه إلى أن رحلت في البحر في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين فحللت بالديار المصرية ولقيت من ملكها الذي لم أر في الملوك مثله حلما وفضلا وحياء وجودا وتلطفا ورحما السلطان المالك الملك الأشرف ناصر الدين والدنيا شعبان بن حسين فأحسن لي وأجري علي وعلى أولادي ما قام به الحال دروسا ومدارس وأهلني للمثول بين يديه والحال على ذلك حتى الآن وذلك من فضل الله ومعهود إحسانه والمرجو من الله حسن العاقبة وكتب في رمضان سنة خمس وسبعين انتهى
وكتب بعده أبو الحسن علي بن لسان الدين رحمهما الله تعالى ما صورته صدق وهو فوق ذلك كله فقدره معروف ولطالما كان ملك المغرب يفتخر به فصار يفتخر بتقليد الدروس
( والدهر لا يبقي على حالة ... )
انتهى
قال في الإحاطة ولما شرح كتاب الشفاء للقاضي عياض رحمه الله تعالى واستبحر فيه وأكثر النقل وبذل الجهد طلب أهل العدوتين نظم

مقطوعات تتضمن الثناء على الكتاب المذكور وإطراء مؤلفه فانثال عليه من ذلك الطم والرم بما تعددت منه الأوراق واختلفت في الإجادة وغيرها الأرزاق إيثارا لغرضه ومبادرة من كل الجهات لإسعاف أربه وطلب مني أن ألم في ذلك بشيء فكتبت له في ذلك
( شفاء عياض للصدور شفاء ... فليس بفضل قد حواه خفاء )
( هدية بر لم يكن لمديلها ... سوى الأجر والذكر الجميل كفاء )
( وفى لنبي الله حق وفائه ... وأكرم أوصاف الكرام وفاء )
( وجاء به بحرا يقول بفضله ... على البحر طعم طيب وصفاء )
( وحق رسول الله بعد وفاته ... رعاه وإغفال الحقوق جفاء )
( هو الذخر يغني في الحياة عتاده ... ويترك منه للبنين رفاء )
( هوالأثر المحمود ليس يناله ... دثور ولا يخشى عليه عفاء )
( حرصت على الإطناب في نشر فضله ... وتمجيده لو ساعدتني فاء )
واستزاد من هذا الغرض الذي لم يقنع فيه بالقليل فبعثت إليه من محل انتقالي من مدينة سلا حرسها الله تعالى
( أأزاهير رياض ... أم شفاء لعياض )
( جدل الباطل للحق ... بأسياف مواض )
( وجلا الأنوار برهانا ... بحق وافتراض )

( وشفى من يشتكي الغلة ... في زرق الحياض )
( أي بنيان مقال ... آمن خوف انقضاض )
( أي عهد ليس يرمي ... بانتكاث وانتقاض )
( ومعان في سطور ... كأسود في غياض )
( وشفاء لصدور ... من ضنى الجهل مراض )
( حرر القصد فما شين ... بنقض واعتراض )
( يا أبا الفضل أدر أن الله ... عن سعيك راض )
( فاز عبد أقرض الله ... برجحان القراض )
( وجبت غر المزايا ... من طوال أو عراض )
( لك يا أصدق راو ... لك يا أعدل قاض )
( لرسول الله وفيت ... بجد وانتهاض )
( خير خلق الله في حال ... وفي آت وماض )
( سدد الله ابن مرزوق ... إلى تلك المراضي )
( زبدة العرفان معنى ... كل نسك وارتياض )
( فتولى بسط ما أجملت ... من غير انقباض )
( ساهرا لم يدر في استخلاصه ... طعم اغتماض )
( إن يكن دينا على الأيام ... يا قدحان التقاضي )
( دام في علو ومن عاداه ... يهوي في انخفاض )
( ما وشي الصبح الدياجي ... بسواد في بياض )
ثم نظمت له أيضا في الغرض المذكور والإكثار من هذا النمط في هذا الموضع ليس على سبيل التبجح بإجادته وغرابته ولكن على سبيل الإشادة

بالشرح المشار إليه فهو بالغ غاية الاستبحار
( حييت يا مختط سبت بن نوح ... بكل مزن يغتدي أو يروح )
( وحمل الريحان ريح الصبا ... أمانة فيك إلى كل روح )
( دار أبي الفضل عياض الذي ... أضحت برياه رياضا تفوح )
( يا ناقل الآثار يعنى بها ... وواصلا في العلم جري الجموح )
( طرفك في الفضل بعيد المدى ... طرفك للمجد شديد الطموح )
( كفاك إعجازا كتاب الشفا ... والصبح لا ينكر عند الوضوح )
( لله ما أجزلت فينا به ... من منحة تقصر عنها المنوح )
( روض من العلم همى فوقه ... من صيب الفكر الغمام السفوح )
( فمن بيان الحق زهر ند ... ومن لسان الصدق طير صدوح )
( تأرج العرف وطاب الجنى ... وكيف لا يثمر أو لا يفوح )
( وحلة من طيب خير الورى ... في الجيب والأعطاف منها نضوح )
( ومعلم للدين شيدته ... فهذه الأعلام منها تلوح )
( فقل لهامان كذا أو فلا ... يا من أضل الرشد تبني الصروح )
( في أحسن التقويم أنشأته ... خلقا جديدا بين جسم وروح )
( فعمره المكتوب لا ينقضي ... إذا تقضى عمر سام ونوح )
( كأنه في الحفل ريح الصبا ... وكل عطف فهو غصن مروح )
( ما عذر مشغوف بخير الورى ... إن هاج منه الذكر أن لا يبوح )
( عجبت من أكباد أهل الهوى ... وقد سطا البعد وطال النزوح )
( إن ذكر المحبوب سالت دما ... ما هن أكباد ولكن جروح )

( يا سيد الأوضاع يا من له ... بسيد الأرسال فضل الرجوح )
( يا من له الفضل على غيره ... والشمس تخفى عند إشراق يوح )
( يا خير مشروح وفى واكتفى ... من ابن مرزوق بخير الشروح )
( فتح من الله حباه به ... ومن جناب الله تأتي الفتوح )
ثم قال وعلى الجملة والتفصيل فهذا الرجل نسيج وحده شهرة وجلالة وخصالا وأبوة صالحة تولاه الله وكان له وانصرف بجملته إلى بلاد المشرق عام أربعة وستين وسبعمائة تولاه الله تعالى وأسعد منقلبه ومولده بتلمسان عام أحد عشر وسبعمائة انتهى كلام لسان الدين
تراجم أخرى لابن مرزوق
ولنزد في هذه الترجمة على ما ذكره فنقول قال ابن خلدون صاحبنا الخطيب أبو عبد الله ابن مرزوق من أهل تلمسان كان سلفه نزلاء الشيخ أبي مدين بالعباد ومتوارثين تربته من لدن جدهم خادمه في حياته وكان جده الخامس أو السادس أبو بكر ابن مرزوق معروفا بالولاية فيهم ونشأ محمد هذا بتلمسان ومولده فيما أخبرني عام عشرة وسبعمائة انتهى
وهو مخالف لما ذكره لسان الدين فيما مر عنه
ثم قال ابن خلدون وارتحل مع والده إلى الشرق سنة ثلاث عشرة وسمع ببجاية على الشيخ ناصر الدين ولما جاور أبوه بالحرمين رجع إلى القاهرة فأقام وبرع في الطلب والرواية وكان يجيد الخطين ورجع سنة ثلاث وثلاثين إلى

المغرب ولقي السلطان أبا الحسن محاصرا لتلمسان وقد شيد بالعباد مسجدا عظيماوكان عمه محمد بن مرزوق خطيبا به على عادتهم في العباد وتوفي فولاه السلطان خطابة ذلك المسجد مكان عمه وسمعه يخطب على المنبر ويشيد بذكره ويثني عليه فحلي بعينيه فقربه وهو مع ذلك يلازم ابني الإمام ويأخذ نفسه بلقاء الأفاضل والأكابر والأخذ عنهم وحضر مع السلطان وقعة طريف ثم استعمله في الرسالة إلى الأندلس ثم إلى ملك قشتالة في تقرير الصلح ولده المأسور يوم طريف ورجع بعد وقعة القيروان مع زعماء النصارى إلى المغرب ووفد على السلطان أبي عنان بفاس مع أمه حظيه أبي الحسن ثم رجع إلى تلمسان وأقام بالعباد وعلى تلمسان يومئذ أبو سعيد عثمان بن عبد الرحمن وأخوه أبو ثابت والسلطان أبو الحسن بالجزائر وقد حشد هنالك فأرسل أبو سعيد ابن مرزوق المذكور إليه سرا في الصلح فلما اطلع أخوه أبو ثابت على الخبر أنكره على أخيه فبعثوا من حبس ابن مرزوق ثم أجازوه البحر إلى الأندلس فنزل على أبي الحجاج سلطانها بغرناطة فقربه واستعمله على الخطبة بجامع الحمراء فلم يزل خطيبه إلى أن استدعاه أبو عنان سنة أربع وخمسين بعد مهلك أبيه واستيلائه على تلمسان وأعمالها فقدم عليه ورعى له وسائله ونظمه في أكابر أهل مجلسه ثم بعثه لتونس على ملكها سنة ثمان وخمسين ليخطب له ابنة السلطان أبي يحيى فردت الخطبة واختفت بتونس ووشي إلى السلطان أبي عنان أنه كان مطلعا على مكانها فسخطه لذلك وأمر بسجنه فسجن مدة ثم أطلقه قبل موته
ولما استولى أبو سالم على السلطنة آثره وجعل زمام الأمور بيده فوطىء الناس عقبه وغشي أشراف الدولة بابه وصرفوا إليه الوجوه فلما وثب عمر بن عبد الله بالسلطان أخر عام اثنين وستين حبس ابن مرزوق ثم أطلقه

بعد أن رام كثير من أهل الدولة قتله فمنعه منهم ثم لحق بتونس سنة أربع وستين ونزل على السلطان أبي إسحاق وصاحب دولته أبي محمد ابن تافراكين فأكرموه وولوه الخطابة بجامع الموحدين وأقام بها إلى أن هلك السلطان أبو يحيى سنة سبعين وولي ابنه خالد ثم لما قتل السلطان أبو العباس خالدا واستولى على السلطنة وكان بينه وبين ابن مرزوق شيء لميله مع ابن عمه محمد صاحب بجاية عزله عن الخطبة فوجم لها فأجمع الرحلة إلى المشرق وسرحه السلطان فركب السفينة ونزل بالإسكندرية ثم ارتحل إلى القاهرة ولقي أهل العلم وأمراء الدولة ونفقت بضائعه عندهم وأوصلوه إلى السلطان الأشرف فولاه الوظائف العلمية فلم يزل بها موفر الرتبة معروف الفضيلة مرشحا لقضاء المالكية ملازما للتدريس إلى أن هلك سنة إحدى وثمانين انتهى ملخصا
وقال الحافظ ابن حجر إنه لما وصل تونس أكرم إكراما عظيما وفوضت إليه الخطابة بجامع السلطان وتدريس أكبر المدارس ثم قدم القاهرة فأكرمه الأشرف شعبان ودرس بالشيخونية والصرغتمشية والنجمية وكان حسن الشكل جليل القدر مات في ربيع الأول سنة إحدى وثمانين انتهى
وقال ابن الخطيب القسمطيني هو شيخنا الفقيه الجليل الخطيب توفي بالقاهرة ودفن بين ابن القاسم وأشهب وله طريق واضح في الحديث ولقي أعلاما وسمعنا منه البخاري وغيره في مجالس ولمجلسه لباقة وجمال وله شرح جليل على العمدة في الحديث انتهى
وكتب بخطه بلدينا أبو عبد الله ابن العباس التلمساني ما نصه نقلت من خط بعض السادات كتبه للإمام زعيم العلماء الحفيد ابن مرزوق أنه وجد بخط جده

الخطيب ابن مرزوق لما ثقفه عمر بن عبد الله على يد الشيخ أبي يعقوب كتب ما نصه الحمد لله على كل حال خرج الطبري في منسكه وأبو حفص الملاي في سيرته عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم قالا وقف رسول الله على الثنية التي بأعلى مكة وليس بها يومئذ مقبور فقال يبعث الله من ههنا سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب يشفع كل واحد منهم في سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب وجوههم كالقمر ليلة البدر فقال أبو بكر من هم يا رسول الله قال هم الغرباء من أمتي الذين يدفنون ههنا ففي هذا الموضع دفن والدي رحمه الله تعالى وبعد سماعه لهذا الحديث بسبعة أيام دفن فيه أفتراه لا يشفع فيمن أقال عثرة ولده أفما يشترى هذا بأموال الأرض أفلا يرعى لي ثمانية وأربعين منبرا في الإسلام شرقا وغربا وأندلسا أفلا يرعى لي أنه ليس اليوم يوجد من يسند أحاديث الصحاح سماعا من باب إسكندرية إلى البرين والأندلس غيري ونحو من مائتين وخمسين شيخا والله ما أعلمه لكن حرمني الله تعالى نبذت الاشتغال به وآثرت اتباع الهوى والدنيا فهويت اللهم غفرانك أفلا يرعى لي مجاورة نحو اثني عشر عاما وختم القرآن في داخل الكعبة والإحياء في محراب النبي والإقراء بمكة ولا أعلم من له هذه الوسيلة غيري أفلا يرعى لي الصلاة بمكة وغربتي بينكم ومحنتي في بلدي على محبتكم وخدمتكم من ذا الذي خدمكم من الناس يخرج على هذا الوجه أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله من ذنوبي وذنوبي أعظم وربي أعلم وربي أرحم والسلام انتهى

ففي هذا دليل على عظم قدره ومكانته في الدين والدنيا
قلت ولقد رأيت مصحفه بتلمسان عند أحفاده وعليه خطه الرائق الذي أعرفه وهو يقول قرأت في هذا المصحف تجاه الكعبة المشرفة اثني عشر ألف ختمة انتهى
ومع هذا فقد نسي في المصحف المذكور لفظة إليك من قوله تعالى ( ينقلب إليك البصر ) حتى كتبه بخطه فوق السطر حفيده العلامة سيدي أبو عبد الله محمد ابن مرزوق رحم الله الجميع
قال الخطيب المذكور رحمه الله تعالى في بعض تعاليقه ما صورته ومن أشياخ والدي سيدي محمد المرشدي لقيه في ارتحالنا إلى الشرق وحين حملني إليه وأنا ابن تسع عشرة سنة نزلنا عنده ووافقنا صلاة الجمعة ومن عادته أن لا يتخذ للمسجد إماما وحضر يومئذ من أعلام الفقهاء من لا يمكن اجتماع مثلهم في غير ذلك المشهد قال فقرب وقت الصلاة فتشوف من حضر من الفقهاء والخطباء إلى التقديم فإذا الشيخ قد خرج فنظر يمينا وشمالا وأنا خلف والدي فوقع بصره علي فقال لي يا محمد تعال قال فقمت معه حتى دخلت معه في موضع خلوة فباحثني في الفروض والشروط والسنن قال فتوضأت وأخلصت النية فأعجبه وضوئي ودخل معي إلى المسجد وقادني إلى المنبر وقال لي يا محمد ارق المنبر فقلت له يا سيدي والله لا أدري ما أقول فقال لي ارق وناولني السيف الذي يتوكأ عليه الخطيب عندهم وأنا جالس مفكر فيما أقول إذا فرغ المؤذنون فلما فرغوا ناداني بصوته وقال لي يا محمد قم وقل بسم الله قال فقمت وانطلق لساني بما لا أدري ما هو إلا أني كنت أنظر إلى الناس ينظرون إلي ويخشعون من موعظتي فأكملت الخطبة فلما نزلت قال لي أحسنت يا محمد

قراك عندنا أن نوليك الخطابة وأن لا تخطب بخطبة غيرك ما وليت وحييت ثم سافرنا فحججنا وأراد والدي الجوار وأمرني بالرجوع لأونس عمي وقرابتي بتلمسان وأمرني بالوقوف على سيدي المرشيدي هنالك فوقفت عليه وسألني عن والدي فقلت له يقبل أيديكم ويسلم عليكم فقال لي تقدم يا محمد واستند إلى هذه النخلة فإن شعيبا يعني أبا مدين عبد الله عندها ثلاث سنين ثم دخل خلوته زمانا ثم خرج فأمرني بالجلوس بين يديه ثم قال لي يا محمد أبوك من أحبابنا وإخواننا إلا أنك يا محمد إلا أنك يا محمد فكانت هذه إشارة إلى ما امتحنت به من مخالطتي أهل الدنيا والتخليط ثم قال لي يا محمد أنت متشوش من جهة أبيك تتوهم أنه مريض ومن بلدك أما أبوك فبخير وعافية وهو الآن عن يمين منبر رسول الله وعن يمينه خليل المالكي وعن يساره أحمد قاضي مكة وأما بلدك فسم الله فخط دائرة في الأرض ثم قام فقبض إحدى يديه على الأخرى وجعلهما خلف ظهره يطوف بتلك الدائرة ويقول تلمسان تلمسان حتى طاف بتلك الدائرة مرات ثم قال لي يا محمد قد قضى الله الحاجة فيها فقلت له كيف يا سيدي ففال ستر الله إن شاء الله على من فيها من الذراري والحريم ويملكها هذا الذي حصرها يعني السلطان أبا الحسن فهو خير لهم ثم جلس وجلست بين يديه فقال لي يا خطيب فقلت يا سيدي عبدك ومملوكك فقال لي كن خطيبا أنت الخطيب وأخبرني بأمور وقال لي لا بد أن تخطب بالجامع الغربي وهو الجامع الأعظم بالإسكندرية ثم أعطاني شيئا من كعيكات صغار وزودني بها وأمرني بالرحيل

وأما خبر تلمسان فدخلها المريني كما ذكر وستر الله من فيها من الذراري والحريم وكان هذاالمرشدي يتصرف في الولاية كتصرف سيدي أبي العباس السبتي نفعنا الله بهما
وللخطيب ابن مرزوق المذكور تآليف منها شرحه الجليل على العمدة في خمسة أسفار جمع فيه بين ابن دقيق العيد والفاكهاني مع زوائد وشرحه النفيس على الشفاء ولم يكمل وشرحه على الأحكام الصغرى لعبد الحق وشرحه على ابن الحاجب الفرعي سماه إزالة الحاجب لفروع ابن الحاجب وله غيرها وديوان خطب بالغرب مشهور كقصديته التي قالها في تكبته بتلمسان وأولها
( رفعت أموري لباري النسم ... وموجدنا بعد سبق العدم )
ومن نظمه عند وداعه أهل تونس
( أودعكم وأثني ثم أثني ... على ملك تطاول بالجميل )
( وأسأل رغبة منكم لربي ... بتيسير المقاصد والسبيل )
( سلام الله يشملنا جميعا ... فقد عزم الغريب على الرحيل )
ومن نظم أبي المكارم منديل بن آجروم يسلي المذكور عندما سجن بعد قتل السلطان أبي سالم رحمهم الله أجمعين
( يا شمس علم أفلت بعدما ... أضاءت المشرق والمغربا )
( حجبت قسرا عن عيون الورى ... والشمس لا ينكر أن تحجبا )
وهو بيت علم وولاية وصلاح لعمه وجده وأبيه وجد أبيه ولولديه محمد وأحمد وحفيده عالم الدنيا البحر أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مرزوق وولد حفيده المعروف بالكفيف وحفيد حفيده المعروف بالخطيب وهو آخر المذكورين منهم فيما نعلم

ابن مرزوق الكفيف
قلت كان مرادي أن أعرف بجميعهم ولكني خشيت الطول فلنلم بذكر الحفيد عالم الدنيا وابنه العلامة المشهور بالكفيف لأنه أعني الكفيف والد أم جدي أحمد لأني أحمد بن محمد بن أحمد فوالدة الجد أحمد بنت الكفيف المذكور وهو أعني الكفيف محمد بن محمد بن أحمد بن الخطيب الرئيس أبي عبد الله بن مرزوق المتقدم الذكر وكان الكفيف إماما عالما علامة ووصفه ابن داود البلوي بأنه الشيخ الإمام علم الأعلام فخر خطباء الإسلام سلالة الأولياء وخلف الأتقياء الأرضياء المسند الراوية المحدث العلامة المتفنن القدوة الحافل الكامل وأخذ العلم عن جماعة منهم عالم الدنيا أبوه قرأ عليه الصحيحين والموطأ وغير ما كتاب من تآليفه وغيرها وتفقه عليه وأجازه عموما وعن عالمي تلمسان أبوي الفضل ابن الإمام والعقباني وغيرهما واللجائي والثعالبي وللنظار أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم المشدالي وقاضي الجماعة ابن عقاب وحافظ الإسلام ابن حجر العسقلاني وكل هؤلاء أجازوه وقرأ عليهم مشافهة إلا ابن حجر فمكاتبة ومولده غرة ذي القعدة عام أربعة وعشرين وثمانمائة نصف ليلة الثلاثاء ومن شيوخه العلامة ابن العباس التلمساني وغيره
وقال السخاوي قدم الكفيف مكة سنة إحدى وستين وثمانمائة وسمعت سنة إحدى وسبعين وثمانمائة أنه في الأحياء انتهى
وأخذ عنه جماعة أئمة كالسنوسي صاحب العقائد الشهيرة وغيرها والونشريسي صاحب المعيار والعلامة أبي عبد الله ابن العباس وحلاه بشيخنا

ومفيدنا علم الأعلام وحجة الإسلام آخر حفاظ المغرب وقال قرأت عليه الصحيحين وبعض مختصري ابن الحاجب الفرعي والأصلي وحضرت عليه جملة من التهذيب وبعض الخونجي وغيرها وأخذ عنه بالإجازة عالم فاس ابن غازي حسبما ذكره في كتابه المسمى بالتعلل برسوم الإسناد بعد انتقال الساكن والناد
وقال بعض الحفاظ إن وفاته عام أحد وتسعمائة بتلمسان وزرت قبره مرارا رحمه الله تعالى ونقل عنه المازوني في نوازله المسماة بالدرة المكنونة في نوازل مازونة
ابن مرزوق الحفيد
وأما والده عالم الدنيا أبو عبد الله محمد بن مرزوق الشهير بالحفيد فهو البحر الإمام المشهور الحجة الحافظ العلامة المحقق الكبير النظار المطلع المنصف التقي الصالح الناصح الزاهد العابد الورع البركة الخاشع الخاشي النبيه القدوة المجتهد الأبرع الفقيه الأصولي المفسر المحدث الحافظ المسند الراوية الأستاذ المقرىء المجود النحوي اللغوي البياني العروضي الصوفي الأواب الولي الصالح العارف بالله الآخذ من كل فن بأوفر نصيب الراعي في كل علم مرعاه الخصيب حجة الله على خلقه المفتي الشهير الرحلة الحاج فارس الكراسي والمنابر سليل الأكابر سيد العلماء الأخيار وإمام الأئمة وآخر الشيوخ ذوي الرسوخ بدر التمام الجامع بين المعقول والمنقول والحقيقة والشريعة بأجل محصول وآخر النظار الفحول شيخ المشايخ صاحب التحقيقات البديعة والإختراعات الأنيقة والأبحاث الغريبة والفوائد الغزيرة المتفق على علمه وصلاحه

وهديه الذكي الفهامة القدوة الذي لا يسمح الزمان بمثله أبدا أوحد الأفراد في جميع الفنون الشرعية ذو المناقب العديدة والأحوال السديدة شيخ الإسلام وإمام المسلمين ومفتي الأنام الذي له القدم الراسخ في كل مقام ضيق والرحب الواسع في حل كل مشكل مقفل صاحب الكرامات والاستقامات السني السني الحريص على تحصيل السنة ومجانبة البدعة السيف المسلول على أهل البدع والأهواء الزائغة الذي أفاض الله تعالى على خلقه به بركته ورفع بين البرية محله ودرجته ووسع على خليقته به نحلته معدن العلم وشعلة الفهم وكيمياء السعادة وكنز الإفادة ابن الشيخ الفقيه العالم أبي العباس أحمد ابن الإمام العلامة الرئيس الكبير الخطيب الحافظ الرحلة الفقيه المحدث الشهير شمس الدين محمد ابن الشيخ العالم الصالح الولي المجاور أبي العباس أحمد ابن الفقيه الولي الصالح الخاشع محمد ابن الولي الكبير ذي الكرامات والأحوال الصالحة محمد بن أبي بكر ابن مرزوق العجيسي التلمساني كان رحمه الله تعالى آية الله في تحقيق العلوم والاطلاع المفرط على النقول والقيام التام على الفنون بأسرها أما الفقه فهو فيه مالك ولأزمة فروعه حائز ومالك فلو رآه الإمام قال له تقدم فلك العهد والولاية فتكلم فمنك يسمع فقهي وفروعي ومثلك من راعى ما ينبغي فروعي أو ابن القاسم لقر به عينا وقال له طالما دفعت عن المذهب عينا وشينا او المازري لعلم أنه بمناظرته حري أو الحافظ ابن رشد لقال هلم يا حافظ الرشد أو اللخمي لأبصر منه محاسن التبصرة أو القرطبي لنال منه التذكرة أو القرافي لاستفاد منه قواعده المقررة أو ابن الحاجب لاستند إلى بابه في كشف الإشكالات المحررة إلى ما انضم إلى ذلك من معرفة التفسير ودرره والاضطلاع بحقائق التأويل وغرره فلو

رآه مجاهد لعلم أنه في التحقيق خير جاهد أو مقاتل لقال مثلك طبق من الفهوم الكلي وأصاب المقاتل أو الزمخشري لعلم أنه كشاف الخفيات على الحقيقة وقال لكتابه تنح لهذا الحبر عن سلوك الطريقة أو ابن عطية لركب في الرحلة إلى الاستفادة منه المطية أو أبو حيان لغرق في نهره ولم تسل له نقطة من بحره إلى الإحاطة بالحديث وفنونه والاطلاع على أسانيده ومتونه ومعرفة منكره ومعروفه ونظم أنواعه ورصف صنوفه إذ إليه الرحلة انتهت في رواياته ودراياته وعليه المعول في حل مشكلاته وفتح مقفلاته وأما الأصول فالعضد ينقطع عند مناظرته ساعده والسيف يكل عند بحثه حده حتى يترك ما عنده ويساعده والبرهان لا يهتدي معه لحجة والمقترح لا يركب في بحره لجة وأما النحو فلو رآه محمود لتلجلج في قراءة المفصل واستقل ما عنده من القدر المحصل أو الرماني لاشتاق إلى مفاكهته وارتاح واستجدى من ثمار فوائده وامتاح أو الزجاج لعلم أن زجاجه لا يقوم بجواهره وأنه لا يجري معه في هذا العلم إلا في ظواهره بل لو رآه الخليل لقال هذا هو المقصد الجليل وأثنى عليه بكل جميل وقال لفرسان النحو ما لكم إلى لحوق عربيته من سبيل وأما البيان فالمصباح لا يظهر له نور عند هذا الصبح وصاحب المفتاح لا يهتدي معه إلى الفتح والقزويني يلقي علومه لإيضاح المعاني والسعد يرقى بمفهومه في مطالع المثاني وكم له من مناقب تنحط عن منالها الثواقب ومواهب تجلو بأنوارها الغياهب وأما زهده

وصلاحه فقد سارت به الركبان واتفق عليه الثقلان فمن وصفه بالبحر فقل له دون علمه البحر أو البدر فما يصل خلقه البدر أو الدر فأنى يشبه منطقه الدر وبالجملة فالوصف يتقاصر عن صفاته وفضلاء عصره لا يرتقون إلى صفاته فهو شيخ العلماء في أوانه وإمام الأئمة في عصره وزمانه شهد بنشر علومه العاكف والبادي وارتوى من بحار تحقيقاته الظمآن والصادي
( حلف الزمان ليأتين بمثله ... حنثت يمينك يا زمان فكفر )
هكذا وصفه بعض العلماء وهو فوق ذلك كله
وقال في حقه بلدينا الشيخ أبو الفرج ابن أبي يحيى الشريف التلمساني رحمه الله تعالى هو شيخنا الإمام العالم العلم جامع أشتات العلوم الشرعية والعقلية حفظا وفهما وتحقيقا راسخ القدم رافع لواء الإمامة بين الأمم ناصر الدين بيده ولسانه وبنانه وبالقلم محيي السنة بالفعال والمقال والشيم قطب الوقت في الحال والمقام والنهج الواضح والسبيل الأمم مستمر على الإرشاد والهداية والتبليغ والإفادة والرواية والدراية والعناية ملازم الكتاب والسنة على نهج الأئمة المحفوظين من البدع في زمن لا عاصم فيه من أمر الله إلا من رحم ذو همة علية ورتبة سنية وأخلاق مرضية وفضل وكرم إمام الأئمة وعلم الأمة الناطق بالحكم ومنير الظلم سليل الصالحين وخلاصة مجد التقى والدين نتيجة مقدمات المهتدين حجة الله على العلم والعالم جامع بين الشريعة والحقيقة على أصح طريقة متمسك بالكتاب لا يفارق فريقه الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد اتصلت به فأويت منه إلى ربوة ذات قرار ومعين وقصرت توجهي عليه ومثلت بين يديه فأنزلني أعلى الله قدره منزلة ولده رعاية للذمم وحفظا على الود الموروث من القدم فأفادني من بحار علمه ما تقصر عنه العبارة

ويكل دونه القلم فقرأت عليه جملة من تفسير القرآن ومن الحديث صحيح البخاري بقراءتي وقراءة غيري مرارا وصحيح مسلم كذلك وسنن الترمذي وأبي داود بقراءتي والموطأ سماعا وتفقها والعمدة ومن علم الحديث أرجوزته الحديقة وبعض الكبرى وهي الروضة تفقها ومن العربية نصف المقرب تفقها وجميع سيبويه كذلك وألفية ابن مالك وأوائل شرح الإيضاح لابن أبي الربيع وبعض المغني لابن هشام وفي الفقيه التهذيب كله تفقها وابن الحاجب الفرعي وبعض مختصر الشيخ خليل والتلقين وثلثي الجلاب وجملة من المتيطية والبيان لابن رشد وبعض الرسالة وكل ذلك قراءة تفقه وتفقهت عليه من كتب الشافعية في تنبيه الشيرازي ووجيز الغزالي من أوله إلى كتاب الإقرار ومن كتب الحنفية مختصر القدوري تفقها ومن كتب الحنابلة مختصر الخرقي تفقها ومن أصول الفقه المحصول ومختصر ابن الحاجب والتنقيح وكتاب المفتاح لجدي وقواعد عز الدين وكتاب المصالح والمفاسد له وقواعد القرافي وجملة من النظائر والأشباه للعلائي وإرشاد العميدي ومن أصول الدين المحصل والإرشاد تفقها وفي القراءات قصيدة الشاطبي تفقها وابن بري وفي البيان التلخيص والإيضاح والمصباح وكلها تفقها وفي التفقه الإحياء للغزالي سوى الربع الأخير منه وألبسني خرقة التصوف كما ألبسه أبوه وعمه وهما ألبسهما أبوهما جده انتهى ملخصا
وكتب المذكور تحت هذا ما نصه صدق السيد بن السيد أبو الفرج المذكور فيما ذكر من القراءة والسماع والتفقه وبر وقد أجزته في ذلك كله فهو

حقيق بها مع الإنصاف وصدق النظر جعلني الله وإياه ممن علم وعمل لآخرته واعتبر قاله محمد بن مرزوق انتهى
وقال تلميذه الولي أبو زيد سيدي عبد الرحمن الثعالبي قدم علينا بتونس شيخنا أبو عبد الله ابن مرزوق فأقام بها فأخذت عنه كثيرا وسمعت عليه جميع الموطإ بقراءة صاحبنا أبي حفص عمر ابن شيخنا محمد القلشاني وختمت عليه أربعينيات النووي قرأتها عليه في منزله قراءة تفهم فكان كلما قرأت عليه حديثا يعلوه خشوع وخضوع ثم يأخذ في البكاء فلم أزل أقرأ وهو يبكي إلى أن ختمت الكتاب وكان من أولياء الله الذين إذا رؤوا ذكر الله وأجمع الناس على فضله من المغرب إلى الديار المصرية واشتهر ذكره في البلاد فكان بذكره تطرز المجالس وجعل الله تعالى حبه في قلوب العامة والخاصة فلا يذكر في مجلس إلا والنفوس مشوقة إلى ما يحكى عنه وكان في التواضع والإنصاف والإعتراف بالحق في الغاية وفوق النهاية لا أعلم له نظيرا في ذلك في وقته ثم ذكر كثيرا جدا من الكتب مما سمعه عليه وأطال في ذلك
وقال في موضع آخر هو سيدي الشيخ الإمام الحبر الهمام حجة أهل الفضل في وقتنا وخاتمتهم ورحلة النقاد وخلاصتهم ورئيس المحققين وقادتهم السيد الكبير الإبريز والعلم الذي نصبه التمييز بن البيت الكبير الأثير ومعدن الفضل الكثير سيدي أبو عبد الله محمد بن الإمام الجليل الأوحد الأصيل جمال الفضلاء سليل الأولياء أبي العباس أحمد ابن العالم الكبير العلم الشهير تاج المحدثين وقدوة المحققين أبي عبد الله محمد بن مرزوق

وقال أيضا في موضع آخر هو شيخي الإمام العلم الصدر الكبير المحدث الثقة المحقق بقية المحدثين وإمام الحفظة الأقدمين والمحدثين سيد وقته وإمام عصره وورع زمانه وفاضل أقرانه أعجوبة أوانه وفاروق زمانه ذو الأخلاق المرضية والأحوال الصالحة السنية والأعمال الفاضلة الزكية أبو عبد الله
وقال في حقه المازوني في أول نوازله شيخنا الإمام الحافظ بقية النظار والمجتهدين ذو التواليف العجيبة والفوائد الغريبة مستوفي المطالب والحقوق أبو عبد الله بن مرزوق
وقال تلميذه الحافظ العلامة أبو عبد الله التنسي عند ذكره إن إمامنا مالكا سئل عن أربعين مسألة فقال في ست وثلاثين لا أدري وجنة العالم لا أدري ما نصه ولم نر فيمن أدركنا من شيوخنا من تمرن على هذه الخصلة الشريفة ويكثر استعمالها غير شيخنا الإمام العلامة رئيس علماء المغرب على الإطلاق أبي عبد الله محمد بن مرزوق
وقال الشيخ أبو الحسن القلصادي في رحلته أدركت كثيرا من العلماء والعباد والزهاد والصلحاء أولاهم في الذكر والتقديم الشيخ الفقيه الإمام العلامة الكبير الشهير شيخنا وبركتنا أبو عبد الله ابن مرزوق حل كنف العلم والعلا وجل قدره في الجلة الفضلا قطع الليالي ساهرا وقطف من العلم أزاهرا فأثمر وأورق وغرب وشرق حتى توغل في فنون العلم واستغرق إلى أن طلع للأبصار هلالا لأن الغرب مطلعه وسما في النفوس موضعه وموقعه فلا ترى أحسن من لقائه ولا أسهل من إلقائه لقي الشيوخ الأكابر وبقي حمده متعرفا من بطون الكتب وألسنة الأقلام وأفواه المحابر

وكان رضي الله عنه من رجال الدنيا والآخرة وكانت أوقاته كلها معمورة بالطاعات ليلا ونهارا من صلاة وقراءة قرآن وتدريس علم وفتيا وتصنيف وكانت له أوراد معلومة وأوقات مشهورة وكانت له بالعلم عناية تكشف بها العماية ودراية تعضدها الرواية ونباهة تكسب النزاهة قرأت عليه رضي الله عنه بعض كتابه في الفرائض وأواخر إيضاح الفارسي وشيئا من شرح التسهيل وعرضت عليه إعراب القرآن وصحيح البخاري والشاطبيتين وأكثر ابن الحاجب الفرعي والتلقين وتسهيل ابن مالك والألفية والكافية وابن الصلاح في علم الحديث ومنهاج الغزالي وبعض الرسالة وغيرها ثم توفي يوم الخميس بمصر رابع عشر شعبان عام اثنين وأربعين وثمانمائة وصلي عليه بالجامع الأعظم بعد صلاة الجمعة وحضر جنازته السلطان فمن دونه ولم أر مثلها قبل وأسف الناس لفقده وآخر بيت سمع منه قبل موته
( إن كان سفك دمي أقصى مرادكم ... فما غلت نظرة منكم بسفك دمي )
انتهى ملخصا
وفي فهرست ابن غازي في ترجمة شيخه أبي محمد الورياجلي ما صورته وممن لقي من شيوخ تلمسان المحروسة الإمام العلم العلامة الصدر الأجل الأوحد المحقق النظار الحجة العالم الرباني أبو عبد الله محمد بن مرزوق وقد حدثني بكثير من مناقبه وصفة إقرائه وقوة اجتهاده وتواضعه لطلبة العلم وشدته على أهل البدع وما اتفق له مع بعضهم إلى غيرها من شيمه الكريمة ومحاسنه العظيمة انتهى
وقال بعضهم في حقه إنه كان يسير سيرة سلفه في العلم والتخلق والحلم والشفقة وحب المساكين آية الله في الفهم والذكاء والصدق والعدالة والنزاهة

واتباع السنة في الأقوال والأفعال ومحبة أهلها في جميع الأحوال مبغضا لأهل البدع ومحبا سد الذرائع وله كرامات انتهى
أخذ العلم عن جماعة أجلاء فمنهم العلامة السيد عبد الله الشريف التلمساني وعالم المغرب القاضي سيدي سعيد العقباني التلمساني والولي العابد الصالح أبو إسحاق سيدي إبراهيم المصمودي وأفرد ترجمته بتأليف وعن عمه وأبيه ويروي عن جده بالإجازة وابن عرفة وأبي العباس القصار التونسي وبفاس عن النحوي أبي حيان وأبي زيد المكودي وجماعة غيرهما وبمصر عن السراج البلقيني والزين الحافظ العراقي والشمس الغماري والسراج ابن الملقن وصاحب القاموس والمحب ابن هشام ابن صاحب المغنى والنور النويري والولي ابن خلدون والقاضي التنسي وغيرهم
وأخذ عنه جماعة كالثعالبي والقاضي عمر القلشاني وابن العباس والعلامة نصر الزواوي والولي سيدي الحسن أبركان وابنه وأبي البركات الغماري وأبي الفضل المشدالي وقاضي غرناطة أبي العباس ابن أبي يحيى الشريف وإبراهيم بن فائد وأبي العباس الندرومي وابنه الكفيف وسيدي علي بن ثابت والشهاب بن كحيل التجاني والعلامة أحمد بن يونس القسمطيني والعلامة يحيى بن يدير وأبي الحسن القلصادي والشيخ عيسى بن سلامة البسكري وغيرهم كالحافظ التنسي التلمساني
قلت وسندي إليه عن عمي الإمام سيدي سعيد المقري عن الشيخ أبي عبد الله التنسي عن والده الحافظ أبي عبد الله محمد التنسي المذكور عن ابن مرزوق المذكور بكل مروياته وتآليفه
وقال السخاوي في حقه هو أبو عبد الله يعرف بحفيد ابن مرزوق وقد

يختص بابن مرزوق وقد تلا لنافع على عثمان الزروالي وانتفع في الفقه بأبي عبد الله ابن عرفة وأجازه أبو القاسم محمد بن الخشاب ومحمد بن علي الحفار الأنصاري ومحمد القيجاطي وحج قديما سنة تسعين وسبعمائة رفيقا لابن عرفة وسمع من ابن البهاء الدماميني والنور العقيلي بمكة وفيها قرأ البخاري على ابن صديق ولازم المحب ابن هشام في العربية وكذا حج سنة تسع عشرة وثمانمائة ولقيه الزيني رضوان بمكة وكذا لقيه ابن حجر انتهى
وأما تواليفه فكثيرة منها شروحه الثلاثة على البردة وسمي الأكبر إظهار صدق المودة في شرح البردة واستوفى فيه غاية الاستيفاء وضمنه سبعة فنون في كل بيت والأوسط والأصغر المسمى بالاستيعاب لما فيها من البيان والإعراب ومنها الغاية القراطيسية في شرح الشقراطيسية والمفاتيح المرزوقية في استخراج رموز الخزرجية ورجز في علوم الحديث سماه الروضة ومختصره في رجز سماه الحديقة ورجز في الميقات سماه المقنع الشافي مشتمل على ألف وسبعمائة بيت ونهاية الأمل في شرح الجمل أي جمل الخونجي واغتنام الفرصة في محادثة عالم قفصة وهو أجوبة عن مسائل في فنون العلم وردت عليه من علامة قفصة أبي يحيى ابن عقيبة فأجابه عنها والمعراج إلى استمطار فوائد الأستاذ ابن سراج في كراسة ونصف أجاب به أبا القاسم ابن سراج الغرناطي عن مسائل نحوية ومنطقية وأنوار اليقين في شرح حديث أولياء الله المتقين وهو حديث أول حلية أبي نعيم في شأن البدلاء وغيرهم والدليل المومي في ترجيح طهارة الكاغد الرومي والنصح الخالص في الرد على مدعي رتبة الكامل الناقص في سبعة كراريس رد به على عصرية الإمام أبي

الفضل قاسم العقباني في فتواه في مسألة الفقراء الصوفية لما صوب العقباني صنيعهم وخالفه هو ومختصر الحاوي في الفتاوي لابن عبد النور والروض البهيج في مسائل الخليج وأنوار الدراري في مكررات البخاري وأرجوزة نظم تلخيص ابن البناء ورجز تلخيص المفتاح نظمه في حال صغره ورجز حرز الأماني ورجز جمل الخونجي ورجز اختصار ألفية ابن مالك وتأليفه في مناقب شيخه المصمودي وتفسير سورة الإخلاص على طريقة الحكماء وهذه كلها تامة
وأما ما لم يكمل من تآليفه فالمتجر الربيح والسعي والرجيح والمرحب الفسيح في شرح الجامع الصحيح وروضة الأريب في شرح التهذيب والمنزع النبيل في شرح مختصر خليل شرح منه كتاب الطهارة في مجلدين ومن الأقضية إلى آخره في سفرين وإيضاح السالك على ألفية ابن مالك إلى اسم الإشارة أو الموصول مجلد كبير في قدر شرح المرادي وشرح شواهد شراح الألفية إلى باب كان مجلد وله خطب عجيبة
وأما أجوبته وفتاويه على المسائل المنوعة فقد سارت بها الركبان شرقا وغربا بدوا وحضرا وقد نقل المازوني والونشريسي منها جملة وافرة
ومن تآليفه أيضا عقيدته المسماة عقيدة أهل التوحيد المخرجة من ظلمة التقليد والآيات الواضحات في وجه دلالة المعجزات والدليل الواضح المعلوم في طهارة كاغد الروم وإسماع الصم في إثبات الشرف من قبل الأم وذكر السخاوي أن من تواليفه شرح ابن الحاجب الفرعي وشرح التسهيل انتهى
ومولده كما ذكره في شرحه على البردة ليلة الاثنين رابع عشري ربيع الأول عام ستة وستين وسبعمائة قال حدثتني أمي عائشة بنت الفقيه الصالح

القاضي أحمد بن الحسن المديوني وكانت من الصالحات ألفت مجموعا في أدعية أختارتها وكانت لها قوة في تعبير الرؤيا اكتسبتها من كثرة مطالعتها لكتب الفن أنه أصابني مرض شديد أشرفت منه على الموت ومن شأنها وأبيها أنهما لا يعيش لهما ولد إلا نادرا وكانوا أسموني أبا الفضل أول الأمر فدخل عليها أبوها أحمد المذكور فلما رأى مرضي وما بلغ بي غضب وقال ألم أقل لكم لا تسموه أبا الفضل ما الذي رأيتم له من الفضل حتى تسموه أبا الفضل سموه محمدا لا أسمع أحدا يناديه بغيره إلا فعلت به وفعلت يتوعد بالأدب قالت فسميناك محمدا ففرج الله عنك انتهى
ومن فوائده ما حكى في بعض فتاويه قال حضرت مجلس شيخنا العلامة نخبة الزمان ابن عرفة رحمه الله تعالى أول مجلس حضرته فقرأ ( ومن يعش عن ذكر الرحمن ) الزخرف 36 فجرى بيننا مذاكرات رائقة وأبحاث حسنة فائقة منها أنه قال قرئ يعشو بالرفع ونقيض بالجزم ووجهها أبو حيان بكلام ما فهمته وذكر أن في النسخة خللا وذكر بعض ذلك الكلام فاهتديت إلى تمامه فقلت يا سيدي معنى ما ذكره أن جزم نقيض بمن الموصولة لشبهها بالشرطية لما تضمنت من معنى الشرط وإذا كانوا يعاملون الموصول الذي لايشبه لفظه لفظ الشرط بذلك فما يشبه لفظ الشرط أولى بتلك المعاملة فوافق رحمه الله تعالى وفرح كما أن الإنصاف كان طبعه وعند ذلك أنكر علي جماعة من أهل المجلس وطالبوني بإثبات معاملة الموصول معاملة الشرط فقلت نصهم على دخول الفاء في خبر الموصول في نحو الذي يأتيني فله درهم من ذلك فنازعوني في ذلك وكنت حديث عهد بحفظ التسهيل فقلت قال ابن مالك فيما يشبه المسألة وقد يجزم متسبب عن صلة الذي تشبيها بجواب الشرط وأنشدت من شواهد المسألة قول الشاعر

( كذاك الذي يبغي على الناس ظالما ... تصبه على رغم عواقب ما صنع )
فجاء الشاهد موافقا للحال انتهى بنقل تلميذه المازوني
وقد ذكر الشيخ ابن غازي الحكاية في فهرسته في ترجمة شيخه الأستاذ الصغير وفيها بعض مخالفة لما تقدم فلنسقه قال حدثني أنه بلغه عن ابن عرفة أنه كان يدرس من صلاة الغداة إلى الزوال يقرىء فنونا ويبتدىء بالتفسير وأن الإمام ابن مرزوق أول ما دخل عليه وجده يفسر هذه الآية ( ومن يعش عن ذكر الرحمن ) فكان أول ما فاتحه أن قال له هل يصح كون من هنا موصولة فقال ابن عرفة كيف وقد جزمت فقال له تشبيها لها بالشرط فقال ابن عرفة إنما يقدم على هذا بنص من إمام أو شاهد من كلام العرب فقال أما النص فقول التسهيل كذا وأما الشاهد فقول الشاعر
( فلا تحفرن بئرا تريد أخا بها ... فإنك فيها أنت من دونه تقع )
( كذاك الذي يبغي علىالناس ظالما ... تصبه على رغم عواقب ما صنع )
فقال ابن عرفة فأنت إذا ابن مرزوق قال نعم فرحب به انتهى وهو خلاف ما تقدم والأول أصوب لنقل غير واحد أن جزم الموصولات إنما يكون في الجواب لا في الشرط والله تعالى أعلم
وفي بعض المجاميع أن ابن عرفة اشتغل بضيافته لما انقضى المجلس
ومن فوائده أنه كان يصرف لفظ أبي هريرة بناء على أن جزء العلم غير علم وخالفه أهل فاس في ذلك لما بلغهم ومال الأستاذ الصغير والحافظ القوري إلى منع الصرف لوجوه ليس هذا موضعها ومنها قول ابن مالك

( ولاضطرار كبنات الأوبر ... )
فإنه مؤذن بان جزء العلم علم وقد ألف في المسألة ابن العباس التلمساني تأليفا سماه الاعتراف في ذكر ما لفظ أبي هريرة من الإنصراف انتهى
ومن نظمه رحمه الله تعالى
( بلد الجدار ما أمر نواها ... كلف الفؤاد بحبها وهواها )
( يا عاذلي كن عاذري في حبها ... يكفيك منها ماؤها وهواها )
يعني ببلد الجدار تلمسان ولذلك قال في رجز في علم الحديث ما صورته
( ومن بها أهل ذكاء وفطن ... في رابع من الأقاليم قطن )
( يكفيك أن الداودي بها دفن ... مع ضجيعه ابن غزلون الفطن )
قلت وحدثني عمي الإمام سيدي سعيد المقري رحمه الله تعالى أن العلامة ابن مرزوق لما قدم تونس في بعض الرسائل السلطانية طلب منه أهل تونس أن يقرأ لهم في التفسير بحضرة السلطان فأجابهم إلى ذلك وعينوا له محل البدء فطالع فيه فلما حضروا قرأ القارىء غير ذلك وهو قوله تعالى ( فمثله كمثل الكلب ) الآية الأعراف 176 وأرادوا بذلك إفحام الشيخ والتعريض به فوجم هنيهة ثم تفجر بينابيع العلم إلى أن أجرى ذكر ما في الكلب من الخصال المحمودة وساقها أحسن مساق وأنشد عليها الشواهد وجلب الحكايات حتى عد من ذلك جملة ثم قال في آخرها فهذا ما حضر من محمود أفعال الكلب وخصاله غير أن فيه واحدة ذميمة وهي إنكاره الضيف ثم افترق المجلس وأخبرني أنه أطال في ذلك المجلس من الصبح إلى قرب الظهر وقد طال عهدي بالحكاية وإنما نقلتها بمعناها من حفظي وهي من الغرائب ولولا الإطالة لذكرت ما وقع له مع بعض علماء برصه في الحجاز حسبما ذكره في مناقب شيخه المصمودي رحم الله الجميع

رجع إلى ذكر مشايخ لسان الدين فنقول
19 - ومن مشايخ لسان الدين الرئيس أبو الحسن علي بن الجياب وهو كما في الإحاطة علي بن محمد بن سليمان بن علي بن سليمان بن حسن الأنصاري الغرناطي أبو الحسن قال وهو شيخنا ورئيسنا العلامة البليغ ومن مشايخه أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي وخلق قال وقد دونت شعره فمن معشراته قوله في حرف الجيم
( جريئا على الزلات غير مفكر ... جبانا على الطاعات غير معرج )
( جمعت لما يفنى اغترارا بجمعه ... وضيعت ما يبقى سجية أهوج )
( جنونا بدار لا يدوم سرورها ... فدعها سدى ليست بعشك فادرجي )
( جيادك في شأو الضلال سوابق ... تفوت مدى سن الوجيه وأعوج )
( جهلت سبيل الرشد فاقصد دليله ... تجد دار سعد بابها غير مرتج )
( جناب رسول ساد أولاد آدم ... وقرب في السبع الطباق بمعرج )
( جمال أنار الأرض شرقا ومغربا ... فكل سنا من نوره المتبلج )
( جلا صدأ المرتاب أن سبح الحصى ... لديه بنطق ليس بالمتلجلج )
( جعلت امتداحي والصلاة عليه لي ... وسائل تحظيني بما أنا مرتج )
وقال من الأغراض الصوفية السلطانية
( هات اسقني صرفا بغير مزاج ... راحي التي هي راحتي وعلاجي )

( إن صب منها في الزجاجة قطرة ... شف الزجاج عن السنا الوهاج )
( وإذا الخليع أصاب منها شربة ... حاجاه بالسر المصون محاجي )
( وإذا المريد إصاب منها جرعة ... ناجاه بالحق المبين مناجي )
( تاهت به في مهمه لا يهتدي ... فيه لتأويب ولا إدلاج )
( يرتاح من طرب بها فكأنما ... غنته بالأرمال والأهزاج )
( هبت عليه نسمة قدسية ... في فيء باب دائم الإرتاج )
( فإذا انثنى يوما وفيه بقية ... سارت به قصدا على المنهاج )
( وإذا تمكن منه سكر معربد ... فليصبرن لمصرع الحلاج )
( قصرت عبارة فيه عن وجدانه ... فغدا يفيض بمنطق لجلاج )
( أعشاه نور للحقيقة باهر ... فتراه يخبط في الظلام الداجي )
( رام الصعود بها لمركز أصله ... فرمت به في بحرها المواج )
( فلئن أمد برحمة وسعادة ... فليخلصن من بعد طول هياج )
( وليرجعن بنعمة موفورة ... ما شيب عذب شرابها بأجاج )
( ولئن تخطاه القبول لما جنى ... فليرجعن نكسا على الأدراج )
( ما أنت إلا درة مكنونة ... قد أودعت في نطفة أمشاج )
( فاجهد على تخليصها من طبعها ... تعرج بها في أرفع المعراج )
( واشدد يديك معا على حبل التقى ... فإن اعتصمت به فأنت الناجي )
( ولدى العزيز ابسط بساط تذلل ... وإلى الغني امدد يد المحتاج )
( هذا الطريق له مقدمتان صادقتان ... أنتجتا أصح نتاج )
( فاجمع إلى ترك الهوى حمل الأذى ... واقنع من الإسهاب بالإدماج )
( حرفان قد جمعا الذي قد سطروا ... من بسط أقوال وطول حجاج )
( والمشرب الأصفى الذي من ذاقه ... فقد اهتدى منه بنور سراج )
( أن لا ترى إلا الحقيقة وحدها ... والكل مضطر إليها لاجي )

( هذي بدائع حكمة أنشأتها ... بإشارة المولى أبي الحجاج )
( وسع الأنام بفضله وبعدله ... وبحلمه وبجوده الثجاج )
( من آل نصر نخبة الملك الرضى ... أمن المروع هم وغيث الراجي )
( من آل قيلة ناصري خير الورى ... والخلق بين تخاذل ولجاج )
( ماذا أقول وكل قول قاصر ... في وصف بحر زاخر الأمواج )
( منه لباغي العرف در فاخر ... ولمن يعادي الدين هول فاجي )
( دامت سعودك في مزيد والمنى ... تأتيك أفواجا على أفواج )
وقال من المطولات
( لمن المطايا في السراب سوابحا ... تفلى الفلاة غواديا وروائحا )
( عوج كأمثال القسي ضوامر ... يرمين في الآفاق مرمى نازحا )
وقال يمدح ويصف مصنعا سلطانيا
( زارت تجر بنخوة أذيالها ... هيفاء تخلط بالنفار دلالها )
( فالشمس من حسد لها مصفرة ... إذ قصرت عن أن تكون مثالها )
( وافتك تمزج لينها بقساوة ... قد أدرجت طي العتاب نوالها )
( كم رمت كتم مزادها لكنه ... صحت دلائل لم تطق إعلالها )
( تركت على الأرجاء عند مسيرها ... أرجا كأن المسك فت خلالها )
( ما واصلتك محبة وتفضلا ... لو كان ذاك لواصلت إفضالها )
( لكن توقعت السلو فجددت ... لك لوعة لا تتقي ترحالها )
( فوحبها قسما يحق بروره ... لتجشمنك في الهوى أهوالها )

حسنت نظم الشعر في أوصافها ... إذ قبحت لك في الهوى أفعالها )
( يا حسن ليلة وصلها ما ضرها ... لو أتبعت من بعدها أمثالها )
( لما سكرت بريقها وجفونها ... أهملت كأسك لم ترد إعمالها )
( هذا الربيع أتاك ينشر حسنه ... فافسح لنفسك في مداه مجالها )
( واخلع عذارك في البطالة جامحا ... واقرن بأسحار الهنا آصالها )
( في جنة تجلو محاسنها كما ... تجلو العروس لدى الزفاف جمالها )
( شكرت أيادي للحيا شكر الورى ... شرف الملوك همامها مفضالها )
( وصميمها أصلا وفرعا خيرها ... ذاتا وخلقا سمحها بذالها )
( الطاهر الأعلى الأمين المرتضى ... بحرالمكارم غيثها سلسالها )
( حاز المعالي كابرا عن كابر ... وجرى لغايات الكرام فنالها )
( إن تلقه في يوم بذل هباته ... تلق الغمائم أرسلت هطالها )
( أو تلقه في يوم جرب عداته ... تلق الضراغم فارقت أشبالها )
( ملك إذا ما صال يوما صولة ... خلت البسيطة زلزلت زلزالها )
( فبسيبه وبسيفه نلت المنى ... واستعجلت أعداؤه آجاها )
( الواهب الآلاف قبل سؤالها ... فكفى العفاة سؤالها ومطالها )
( القاتل الآلاف قبل قراعها ... فكفى العداة قراعها ونزالها )
( إن قلت بحر كفه قصرت إذ ... شبهت بالملح الأجاج نوالها )
( ملأ البسيطة عدله وأمانه ... فالوحش لا تعدو على من غالها )
( وسقى البرية فيض كفيه فقد ... عم البلاد سهولها وجبالها )
( جمع العلوم عناية بعيونها ... آدابها وحسابها وجدالها )
( منقولها معقولها وأصولها ... وفروعها تفصيلها إجمالا )
( فإذا عفاتك عاينوك تهللوا ... لما رأوا من كفك استهلالها )

( وإذا عداتك أبصروك تيقنوا ... أن المنية سلطت رئبالها )
( بددت شملهم ببيض صوارم ... رويت من علق الكماة نصالها )
( وأبحت أرضهم فأصبح أهلها ... خورا تغادر نهبة أموالها )
( فتحت إمارتك السعيدة للورى ... أبواب بشرى واصلت إقبالها )
( وبنت مصانع رائقات ذكرت ... دار النعيم جنانها وظلالها )
( وأجلها قدرا وأرفعها مدى ... هذا الذي سامى النجوم وطالها )
( هو جنة فيها الأمير مخلد ... بلغت إمارته بها آمالها )
( ولأرض أندلس مفاخر أنتم ... أربابها أضفيتم سربالها )
( فحميتم أرجاءها وكفيتم ... أعداءها وهديتم ضلالها )
( فبآل نصر فاخرت لا غيرهم ... لم تعتمد من قبلهم أقيالها )
( بمحمد ومحمد ومحمد ... قصرت على الخصم الألد نضالها )
( فهم الألى ركبوا لكل عظيمة ... جردا كسين من النجيع جلالها )
( وهم الألى فتحوا لكل ملمة ... بابا أزاح بفتحه إشكالها )
( متقلدون من السيوف عضابها ... متأبطون من الرماح طوالها )
( الراكبون من الجياد عرابها ... والضاربون من العدا أبطالها )
( أولي عهد المسلمين ونخبة الأملاك ... صفوة محضها وزلالها )
( إن العباد مع البلاد مقرة ... بفضائل لك مهدت أحوالها )
( فتفك عانيها وتحمي سربها ... وتفيد حلما دائما جهالها )
وقال يرثي ولده أبا القاسم رحمهما الله تعالى
( هو البين حتما لا لعل ولا عسى ... فما بال نفسي لم تفض عنده أسى )
( وما لفؤادي لم يذب منه حسرة ... فتبا لهذا القلب سرعان ما قسا )

( وما لجفوني لا تفيض موردا ... من الدمع يهمي تارة ومورسا )
( وما للساني مفصحا بخطابه ... وما كان لو أوفى بعهد لينبسا )
( أمن بعد ما أودعت روحي في الثرى ... ووسدت مني فلذة القلب مرمسا )
( وبعد فراق ابني أبي القاسم الذي ... كساني ثوب الثكل لا كان ملبسا )
( أؤمل في الدنيا حياة وأرتضي ... مقيلا لذى أبنائها ومعرسا )
( فآها وللمفجوع فيها استراحة ... ولا بد للمصدور أن يتنفسا )
( على عمر أفنيت فيه بضاعتي ... فأسلمني للقبر حيران مفلسا )
( ظللت به في غفلة وجهالة ... إلى أن رمى سهم الفراق فقرطسا )
( إلى الله أشكو برح حزني فإنه ... تلبس منه القلب ما قد تلبسا )
( وهدة خطب نازلتني عشية ... فما أغنت الشكوى ولا نفع الأسا )
( فقد صذعت شملي وأصمت مقاتلي ... وقد هدمت ركني الوثيق المؤسسا )
( ثبت لها صبرا لشدة وقعها ... فما زلزلت صبري الجميل وقد رسا )
( وأطمع أن يلقى برحمته الرضى ... وأجزع أن يشقي بذنب فينكسا )
( أبا القاسم اسمع شكو والدك الذي ... حسا من كؤوس البين أفظع ما حسا )
( وقفت فؤادي مذ رحلت علىالأسى ... فأشهد لا ينفك وقفا محبسا )
( وقطعت آمالي من الناس كلهم ... فلست أبالي أحسن المرء أم أسا )
( تواريت يا بدري وشمسي ناظري ... فصار وجودي مذ تواريت حندسا )
( وخلفت لي عبئا من الثكل فادحا ... فما أتعب الثكلان نفسا وأتعسا )
( أحقا ثوى ذاك الشباب فلا أرى ... له بعد هذا اليوم حولي مجلسا )
( فيا غصنا نضرا ثوى عندما استوى ... وأوحشني أضعاف ما كان أنسا )
( ويا نعمة لما تبلغتها انقضت ... فأنعم أحوالي بها صار أبؤسا )

( لودعته والدمع تهمي سحابه ... كما أسلم السلك الفريد المخمسا )
( وقبلت في ذاك الجبين مودعا ... لأكرم من نفسي علي وأنفسا )
( وحققت من وجدي به قرب رحلتي ... وماذا عسى أن ينظر الدهر من عسا )
( فيا رحمة للشيب يبكي شبيبة ... قياس لعمري عكسه كان أقيسا )
( فلو أن هذا الموت يقبل فدية ... حبوناه أموالا كراما وأنفسا )
( ولكنه حكم من الله واجب ... يسلم فيه من بخير الورى ائتسى )
( تغمدك الرحمن بالعفو والرضى ... وكرم مثواك الجديد وقدسا )
( وألف منا الشمل في جنة العلا ... فنشرب تسنيما ونلبس سندسا )
وكتب إلى القاضي الشريف وهو بوادي آش
( أهزلا وقد جدت بك اللمة الشمطا ... وأمنا وقد ساورت يا حية رقطا )
( أغرك طول العمر في غير طائل ... وسرك أن الموت في سيره أبطا )
( رويدا فإن الموت أسرع وافد ... على عمرك الفاني ركائبه حطا )
( فإذا ذاك لا تسطيع إدراك ما مضى ... بحال ولا قبضا تطيق ولا بسطا )
( تأهب فقد وافى مشيبك منذرا ... وها هو في فوديك أحرفه خطا )
( فوافقت منه كاتب السر واشيا ... له القلم الأعلى يخط به وخطا )
( معمى كتاب فكه احذر فهذه ... سفينة هذا العمر قاربت الشطا )
( وإن طالما خاضت به اللجج التي ... خبطت بها في كل مهلكة خبطا )
( وما زلت في أمواجها متقلبا ... فآونة رفعا وآونة حطا )
( فقد أوشكت تلقيك في قعر حفرة ... تشد عليك الجانبين بها ضغطا )
( ولست على علم بما أنت بعدها ... ملاق أرضوانا من الله أم سخطا )

( وأعجب شيء منك دعواك في النهى ... وهذا الهوى المردي على العقل قد غطى )
( قسطت عن الحق المبين جهالة ... وقد خالفتك النفس فادعت القسطا )
( وطاوعت شيطانا تجيب إذا دعا ... وتقبل إن أغوى وتأخذ إن أعطى )
( تناءى عن الأخرى وقد قربت مدى ... تدانى من الدنيا وقد أزمعت شحطا )
( وتمنحها حبا وفرط صبابة ... وما منحت إلا القتادة والخرطا )
( فها أنت تهوي وصلها وهي فارك ... وتأمل قربا من حماها وقد شطا )
( صراط هدى نكبت عنه عماية ... ودار ردى أوعيت في سحتها سرطا )
( فما لك إلا السيد الشافع الذي ... له فضل جاه كل ما يرتجي يعطي )
( دليل إلى الرحمن فانهج سبيله ... فمن حاد عن نهج الدليل فقد أخطا )
( محبته شرط القبول فمن خلت ... صحيفته منها فقد فقد الشرطا )
( وما قبلت منه لدى الله قربة ... وما زكت الأعمال بل حبطت حبطا )
( به الحق وضاح به الإفك زاهق ... به الفوز مرجو به الذنب قد حطا )
( هو الملجأ الأحمى هو الموئل الذي ... به في غد يستشفع المذنب الخطا )
( لقد مازجت روحي محبته التي ... بقلبي خطت قبل أن أعرف الخطا )
( إليك ابن خير الخلق بنت بديهة ... تقبل تبجيلا أناملك السبطا )
( وحيدة هذا العصر وافت وحيدة ... لتبسط من شتى بدائعها بسطا )
( وتتلو آيات التشيع إنها ... لموثقة عهدا ومحكمة ربطا )
( لك الشرف المأثور يا ابن محمد ... وحسبك أن تنمى إلى سبطه سبطا )
( إلى شرفي دين وعلم تظاهرا ... تبارك من اعطى وبورك في المعطى )
( ورهطك أهل البيت بيت محمد ... فأعظم به بيتا وأكرم به رهطا )
( بعثت به عقدا من الدر فاخرا ... وذكر رسول الله درته الوسطى )
( وأهديت منها للسيادة غادة ... نظمت من الدر الثمين بها سمطا )

( وحاشيتها من كل ما شأنها فإن ... تجعد حوشي تجد لفظها سبطا )
( وفي الطيبين الطاهرين نظمتها ... فساعدها من أجل ذلك حرف الطا )
( عليك سلام الله ما ذر شارق ... وما رددت ورقاء في غصن لغطا )
وقال
( لله عصر الشباب عصرا ... فتح للخير كل باب )
( حفظت ما شئت فيه حفظا ... كنت أراه بلا ذهاب )
( حتى إذا ما المشيب وافى ... ند ولكن بلا إياب )
( لا تعتنوا بعدها بحفظ ... وقيدوا العلم بالكتاب )
وقال
( يا أيها الممسك البخيل ... إلهك المنفق الكفيل )
( أنفق وثق بالإله تربح ... فإن إحسانه جزيل )
( وقدم الأقربين واذكر ... ما روي ابدأ بمن تعول )
وقال
( وقائله لم عراك المشيب ... وما إن بعهد الصبا من قدم )
( فقلت لها لم أشب كبرة ... ولكنه الهم نصف الهرم )
وقال
( أيعتادني سقم وأنت طبيب ... وتبعد آمالي وأنت قريب )
( يقيني أن الله جل جلاله ... يقيني فراجي الله ليس يخيب )
وقال
( هي النفس إن أنت سامحتها ... رمت بك أقصى مهاوي الخديعه )

( وإن أنت جشمتها خطة ... تنافي رضاها تجدها مطيعه )
( فإن شئت فوزا فناقض هواها ... وإن وصلتك اجزها بالقطيعة )
( ولا تعبأن بميعادها ... فميعادها كسراب بقيعة )
وقال
( من أنت يا مولى الورى مقصوده ... طوبى له قد ساعدته سعوده )
( فليشهدنك له فؤاد صادق ... وشهوده قامت عليه شهوده )
( وليفنين عن نفسه ورسومه ... طرا وفي ذاك الفناء وجوده )
( وليحفظنه بارق يرقى به ... في أشرف المعراج ثم يعيده )
( حتى يظل وليس يدري دهشة ... تقريبه المقصود أن تبعيده )
( لكنه ألقى السلاح مسلما ... فمراده ما أنت منه تريده )
( فلقد تساوى عنده إكرامه ... وهوانه ومفيده ومبيده )
وقال ملغزا في حجل
( حاجيت كل فطن لبيب ... ما اسم لأنثى من بني يعقوب )
( ذات كرامات فزرها قربة ... فزورها أحق بالتقريب )
( تشركها في الاسم انثى لم تزل ... حافظة لسرها المحجوب )
( وقد جرى في خاتم الوحي الرضى ... لها حديث ليس بالمكذوب )
( وهو إذا ما الفاء منه صحفت ... صبغ الحياء لا الحيا المسكوب )
( فهاكها واضحة أسرارها ... فأمرها أقرب من قريب )
وقال أيضا في آب

( حاجيتكم ما اسم علم ... ذو نسبة إلى العجم )
( يخبر بالرجعة وهو ... راجع كما زعم )
( وصف الحبيب هو بالتصحيف ... أو بدء قسم )
( دونكه أوضح من ... نار على رأس علم )
وقال في كانون
( وما اسم لسميين ... ولم يجمعهما جنس )
( فهذا كلما يأتي ... فبالآخر لي أنس )
( وهذا ما له شخص ... وهذا ما له حس )
( وهذا ما له سوم ... وذا قيمته فلس )
( وهذا أصله الأرض ... وهذا أصله الشمس )
( وهذا واحد من سبعة ... تحيا بها النفس )
( فمن محموله الجن ... ومن موضوعه الإنس )
( فقد بان الذي ألغزت ... ما في أمره لبس )
وقال في سلم
( ما اسم مركب مفيد الوضع ... مستعمل في الوصل لا في القطع )
( ينصب لكن أكثر استعمال من ... يعنى به في الخفض أو في الرفع )
( هو إذا حققته مغيرا ... تراه شملا لم يزل ذا صدع )
( فالاسم إن طلبته تجده في ... خامسة من الطوال السبع )
( وهو إذا صحفته يعرب عن ... مكسر في غير باب الجمع )

( له أخ أفضل منه لم تزل ... آثاره محمودة في الشرع )
( هما جميعا من بني النجار والأفضل ... أصل في حنين الجذع )
( فهاكه قد سطعت أنواره ... لا سيما لكل زاكي الطبع )
وقال في مائدة
( حاجيت كل فطن نظار ... ما اسم لأنثى من بني النجار )
( وفي كتاب الله جاء ذكرها ... فقلما يغفل عنها القاري )
( في خبر المهدي فاطلبها تجد ... إن كنت من مطالعي الأخبار )
( ما هي إلا العيد عيد رحمة ... ونعمة ساطعة الأنوار )
( يشركها في الاسم وصف حسن ... من وصف قضب الروضة المعطار )
( فهاكه كالشمس في وقت الضحى ... قد شف عنها حجب الأستار )
ثم قال لسان الدين وأما نثره فمطولات عرفت بما تخللها من الأحوال متونها وقلت لمكان البديهة والاستعجال عيونها وقد اقتنصت جزءا منها سميت تافه من جم ونقطة من يم وولد بغرناطة في جمادى الأولى عام ثلاثة وسبعين وستمائة وتوفي ليلة الأربعاء الثالث والعشرين من شوال عام تسعة وأربعين وسبعمائة وأنشدت من نظمي في رثائه خامس يوم دفنه على قبره هذه القصيدة
( ما لليراع خواضع الأعناق ... طرق النعي فهن في إطراق )
( وكأنما صبغ الشحوب وجوهها ... والسقم من جزع ومن إشفاق )
( ما للصحائف صوحت روضاتها ... أسفا وكن نضيرة الأوراق )
( ما للبيان كؤوسه مهجورة ... غفل المدير لها ونام الساقي )

( ما لي عدمت تجلدي وتصبري ... والصبر في الأزمات من أخلاقي )
( خطب أصاب بني البلاغة والحجي ... شب الزفير به عن الأطواق )
( أما وقد أودى أبو الحسن الرضى ... فالفضل قد أودى على الإطلاق )
( كنز المعارف لا تبيد نقوده ... يوما ولا تفنى على الإنفاق )
( من للبدائع أصبحت سمر السرى ... ما بين شام للورى وعراق )
( من لليراع يجيل من خطيها ... سم العدا ومفاتح الأرزاق )
( قضب ذوابل مثمرات بالمنى ... وأراقم ينفثن بالترياق )
( من للرقاع الحمر يجمع حسنها ... خجل الخدود وصبغة الأحداق )
( تغتال أحشاء العدو كأنها ... صفحات دامية الغرار رقاق )
( وتهز اعطاف الولي كأنها ... راح مشعشعة براحة ساقي )
( من للفنون يجيل في ميدانها ... خيل البيان كريمة الأعراق )
( من للحقائق أبهمت أبوابها ... للناس يفتحها على استغلاق )
( من للمساعي الغر تقصد جاهه ... حرما فينصرها على الإخفاق )
( كم شد من عقد وثيق حكمه ... في الله أو أفتى بحل وثاق )
( رحب الذراع بكل خطب فادح ... أعيت رياضته على الحذاق )
( صعب المقادة في الهوادة والهوى ... سهل على العافين والطراق )
( ركب الطريق إلى الجنان وحورها ... يلقينه بتصافح وعناق )
( فاعجب لأنس في مظنه وحشة ... ومقام وصل في مقام فراق )
( أمطيبا بمحامد العمل الرضى ... ومكفنا بمكارم الأخلاق )
( ما كنت أحسب قبل نعشك أن أرى ... رضوى تسير به على الأعناق )
( ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى ... أن اللحود خزائن الأعلاق )
( يا كوكب الهدي الذي من بعده ... ركد الظلام بهذه الآفاق )
( يا واحدا مهما جرى في حلبة ... جلى بغرة سابق السباق )

( يا ثاويا بطن الضريح وذكره ... أبدا رفيق ركائب ورفاق )
( يا غوث من وصل الصريخ فلم يجد ... في الأرض من وزر ولا من واق )
( ما كنت إلا ديمة منشورة ... من غير إرعاد ولا إبراق )
( ما كنت إلا روضة ممطورة ... ما شئت من ثمر ومن أوراق )
( يا مزمعا عنا العشي ركابه ... هلا ثويت ولو بقدر فواق )
( رفقا أبانا جل ما حملتنا ... لا تنس فينا عادة الإشفاق )
( واسمح ولو بمزار لقيا في الكرى ... تبقي بها منا على الأرماق )
( وإذا اللقاء تصرمت أسبابه ... كان الخيال تعلة المشتاق )
( عجبا لنفس ودعتك وأيقنت ... أن ليس بعد نواك يوم تلاقي )
( ما عذرها إن لم تقاسمك الردى ... في فضل كأس قد شربت دهاق )
( إن قصرت أجفاننا عن أن ترى ... تبكي النجيع عليك باستحقاق )
( واستوقفت دهشا فإن قلوبنا ... نهضت بكل وظيفة الآماق )
( ثق بالوفاء على المدى من فتية ... بك تقتدى في العهد والميثاق )
( سجعت بما طوقتها من منة ... حتى زرت بحمائم الأطواق )
( تبكي فراقك خلوة عمرتها ... بالذكر في طفل وفي إشراق )
( أما الثناء على علاك فذائع ... قد صح بالإجماع والإصفاق )
( والله قد قرن الثناء بأرضه ... بثنائه من فوق سبع طباق )
( جادت ضريحك ديمة هطالة ... تبكي عليه بواكف رقراق )
( وتغمدتك من الإله سعادة ... تسمو بروحك للمحل الراقي )
( صبرا بني الجياب إن فقيدكم ... سيسر مقدمه بما هو لاق )
( وإذا الأسى لفح القلوب أواره ... فالصبر والتسليم أي رواق )
وأنشد في هذا الغرض الفقيه أبو عبد الله ابن جزي

( ألم تر أن المجد أقوت معالمه ... فأطنابه قد قوضت ودعائمه )
( هوى من سماء المعلوات هلالها ... وخانت جواد المكرمات قوائمه )
( وثلت من الفخر المشيد عروشه ... وفلت من العز المنيع صوارمه )
( وعطل من حلي البلاغة قسها ... وعري من جود الأنامل حاتمه )
( أجل إنه الخطب الذي جل وقعه ... وثلم غرب الدين والعلم هاجمه )
( وإلا فما للنوم طار مطاره ... وما للزيم الحزن قصت قوادمه )
( وما لصباح الأنس أظلم نوره ... وما لمحيا الدهر قطب باسمه )
( وما لدموع العين فضت كأنها ... فواقع زهر والجفون كمائمه )
( قضى الله في قطب الرياسة أن قضى ... فشتت ذاك الشمل من هو ناظمه )
( ومن قارع الأيام سبعين حجة ... ستنبو غراراه ويندق قائمه )
( وفي مثلها أعيا النطاسي طبه ... وضل طريق الحزم في الرأي حازمه )
( تساوى جواد في رداه وباخل ... فلا الجود واقيه ولا البخل عاصمه )
( وما نفعت رب الجياد كرامه ... ولا منعت منه الغني كرائمه )
( وكل تلاق فالفراق أمامه ... وكل طلوع فالغروب ملازمه )
( وكيف مجال العقل في غير منفذ ... إذا كان باني مصنع هو هادمه )
( ليبك عليا مستجير بعدله ... يصاخ لشكواه ويمنع ظالمه )
( ليبك عليا مائح بحر علمه ... يروى بأنواع المعارف هائمه )
( ليبك عليا مظهر فضل نصحه ... يحلا عن ورد المآثم حائمه )
( ليبك عليا معتف جود كفه ... يواسيه في أمواله ويقاسمه )
( ليبك عليا ليله وهو قائم ... يكابده أو يومه وهو صائمه )
( ليبك عليا فضل كل بلاغة ... يخلده في صفحة الطرس راقمه )
( وشخص ضئيل الجسم يرهب نفثه ... ليوث الشرى في خيسها وضراغمه )

( تكفل بالرزق المقدر للورى ... إذا الله أعطى فهو في الناس قاسمه )
( يسدده سهما وينضوه صارما ... ويشرعه رمحا فكل يلائمه )
( إذا سال من شقيه سائل حبره ... بما شاء منه سائل فهو عالمه )
( ليبك عليه اليوم من كان باكيا ... فتلك مغانيه خلت ومعالمه )
( تقلد منه الملك عضب بلاغة ... يقد السلوقي المضاعف صارمه )
( وقلده مثنى الوزارة فاكتفى ... بها ألمعي حازم الرأي عازمه )
( ففي يده وهو الزعيم بحقها ... براعته والمشرفي وخاتمه )
( سخي على العافين سهل قياده ... أبي على العادين صعب شكائمه )
( إذا ضلت الآراء في ليل حادث ... رآها برأي يصدع الخطب ناجمه )
( وقام بأمر الدين والملك حاميا ... فذل معاديه وضل مراغمه )
( وقد كان نيط العلم والحلم والتقى ... به وهو ما نيطت عليه تمائمه )
( ودوخ أعناق الليالي بهمة ... يبيت ونجم الأفق فيها يزاحمه )
( وزاد على بعد المنال تواضعا ... أبى الله إلا أن تتم مكارمه )
( سقيت الغوادي أي علم وحكمة ... ودين متين ذلك القبر كاتمه )
( وما زال يستسقى بدعوتك الحيا ... وها هو يستسقى لقبرك ساجمه )
( بكت فقدك الكتاب إذ كان شملهم ... يؤلفه من دوح فضلك ناعمه )
( وطوقتهم بالبر ثم سقيتهم ... نداك فكنت الروض ناحت حمائمه )
( ويبكيك مني ذاهب الصبر موجع ... توقد في جنبيه للحزن جاحمه )
( فتى نال منه الدهر إلا وفاءه ... فما وهنت في حفظ عهد عزائمه )
( عليل الذي زرت عليه جيوبه ... قريح الذي شدت عليه حزائمه )
( فقد كنت ألقى الخطب منه بجنة ... تعارض دوني بأسه وتصادمه )
( سأصبر مضطرا وإن عظم الأسى ... أحارب حزني مرة وأسالمه )
( وأهديك إذ عز اللقاء تحية ... وطيب ثناء كالعبير نواسمه )

وأنشد الفقيه القاضي أبو جعفر ابن جزي قصيدة أولها
( أبثكما والصبر للعهد ناكث ... حديثا أملته علي الحوادث )
وأنشد القاضي أبو بكر ابن علي القرشي قصيدة أولها
( هي الآمال غايتها نفاد ... وفي الغايات تمتاز الجياد )
وأنشد الفقيه الكاتب القاضي أبو القاسم ابن الحكم قصيدة أولها
( لينع الحجي والحلم من كان ناعيا ... ويرع العلا والعلم من كان راعيا )
قصائد مطولات يخرج استقصاؤها عن الغرض فكان هذا التأبين غريبا لم يتقدم به عهد بالحضرة لكونها دار ملك والتجلة في مثل هذا مقصورة على أولي الأمر انتهى ما لخصته من ترجمته في الإحاطة
ولنرد فنقول ومن ألغازه في الدرهم
( ما يغيض إلى الكرام خصوصا ... وحبيب إلى الأنام عموما )
( فاعجبوا منه كيف يحمي ويحمى ... ويكف الغدا ويغني العديما )
( إن تغير شطريه فالأول اسم ... يألف الضرع والغمام السجوما )
( ويكون الثاني كبير أناس ... حطمته حياته تحطيما )
( فإذا ما قلبت أول شطر ... رد منطوق لغزه مفهوما )
( وإذا ما قلبت ثاني شطر ... كان كفا وليس كفا رقيما )
( قلبه بعد حذفك الفاء منه ... وهو شيء يحلل التحريما )
( أو صغير مستحسن لم يؤدب ... إن تعلمه يقبل التعليما )
( فلتبين ما قلته ولتعين ... وبه فلتقم مقاما كريما )
وقال في المسك

( ما طاهر طيب ولكن ... ما أصله من ذوي الطهارة )
( من الظباء الحسان لكن ... إذا تأملته ففاره )
( نص حديث الرسول فيه ... شهادة تقتضي بشارة )
( تصحيفه بعد حذف حرف ... منزلك الآهل العمارة )
يعني مبني
وقال في فلك
( ما اسم لشيء مرتقي ... في مغرب ومشرق )
( إذا حذفت فاءه ... كان لك الذي بقي )
وقال أيضا في الفنار
( ما اسم إذا حذفت منه ... فاءه المنوعة )
( فإنه ابنة الزنا ... مضافة لأربعة )
يعني ابنة الزناد وهي النار
وقال في النوم
( ما اسم مسماه به ... يسقط حكم التكليف )
( وإن دخلت البيت ... بالتصحيف حق التعنيف )
( وإن أردت شبهه ... فقلبه بالتصحيف )
( بينه فهو في كتاب ... الله بادي التعريف )
وقال في غزال
( حاجيتكم ما اسم شيء ... يروق في الوصف حسنا )
( له محاسن شتى ... منها فرادى ومثنى )

( 0000000 ... له بل الشعر أثنى )
( مهما تنله بحذف ... أتاك حرفا لمعنى )
( إن زال أول حرف ... زال الذي منه يعنى )
( أو زال ثانيه منه ... فالقتل أدهى وأفنى )
( أو زال ثالثه فهو ... لغو صب معنى )
( أو زال رابعه ... فالجهاد فيه تسنى )
( فأوضح القصد يا من ... قد فاق عقلا وذهنا )
وقال في النمل
( ما حيوان اسمه ... قد جاء في الذكر الحكيم )
( وهو إذا قلبته ... لمن به أنت عليم )
( وإن تصحف اسمه ... فبعض أوصاف اللئيم )
وقال في دواة
( وما أنثى بها رعي الرعايا ... وإمضاء المنايا والقضايا )
( وتقصدها بنوها من رضاع ... إذا انبعثوا لإبرام القضايا )
( لها اسم إن أزلت النقط منه ... فعذ بالله من شر البلايا )
( وإن أبدلت آخره بهمز ... فقد أبرأت نازلة الشكايا )
( وإن بدلت أوله بنون ... أتيت ببعض أرزاق المطايا )
( فأوضح ما رمزناه بفكر ... سديد القصد مبد للخفايا )
وقال في سفينة
( ما ذات نفع وغناء عظيم ... لها حديث في الزمان القديم )

( أوحى بها الله إلى عبده ... فحبذا فعل الرسول الكريم )
( وعابها فيما مضى صالح ... حسبك ما نص الكتاب الحكيم )
( وفي كتاب الله تردادها ... فاقرأ تجده في قضايا الكليم )
( إن أنت صحفت اسمها تلقه ... محل أنس أو بلاء مقيم )
( أو هو فعل لك فيما مضى ... لكن إذا أبرأت داء السقيم )
( فهاكه قد لاح برهانه ... مبينا لكل فكر سليم )
وقال أيضا في المسك
( كتبتم كثيرا ولم تكتبوا ... كهذا الذي سبله واضحة )
( فما اسم جرى ذكره في الكتاب ... فإن شئته فاقرإ الفاتحة )
( ففيها مصحف مقلوبه ... يعبر عن حالة صالحه )
( وليست بغادية فاعلموا ... ولكنها أبدا رائحه )
ويعني بقوله في الفاتحة قوله أول الأبيات كتبتم فافهم
وقال في صقر
( حاجيتكم ما اسم لبعض السباع ... تصحيفه ما لك فيه انتفاع )
( وعكسه إن شئت عكسا له ... يوجد لكن عند دور السماع )
( وإن تصحف بعد قلب له ... فمذهب يعزي لأهل النزاع )
( فبين الإلغاز وارفع لنا ... بنور فكر منك عنه القناع )
وقال في الحوت
( ما حيوان في اسمه ... إن اعتبرته فنون )

( أحرفه ثلاثة ... والكل منها هو نون )
( إن أنت صحفت اسمه ... فما جناه المذنبون )
( أو أبيض أو أسود ... أو صفة النفس الخؤون )
( قلب اسمه مصحفا ... عليه دارت السنون )
( كانت به فيما مضى ... عبرة قوم يعقلون )
( أودع فيه زمنا ... سر من السر المصون )
( فهاكه كالنار في الزند ... له فيها كمون )
وقال في لبن
( أفديك ما اسم إذا ما ... صحفته فهو سبع )
( وإن تصحف بعكس ... ففيه للقبط شرع )
( والاسم يعرب عما ... لديه ري وشبع )
( في النحل يلفى ولكن ... لا يتقي فيه لسع )
( فليس للنحل أصل ... ولا لها فيه فرع )
( فهاكه قد تبدى ... لحجبه عنه رفع )
وقال في القلم
( وماموم به عرف الإمام ... كما باهت بصحبته الكرام )
( له إذ يرتوي طيشان صاد ... ويسكن حين يعروه الأوام )
( ويذري حين يستسقي دموعا ... يرقن كما يروق الإبتسام )
وله رحمه الله تعالى كثير من هذا ولم أر أحدا أحكم الإلغاز مثلما أحكمه ابن الجياب المذكور ولولا الإطالة لذكرت منها ما يستدل به على

صحة الدعوى وفيما ذكرنا كفاية
ومن نظم الرئيس ابن الجياب المذكور في رثاء عمر بن علي بن عتيق القرشي الهاشمي الغرناطي قوله
( قضي الأمر فيا نفس اصبري ... صبر تسليم لحكم القدر )
( وعزاء يا فؤادي إنه ... حكم ملك قاهر مقتدر )
( حكمه أحكمها تدبيره ... نحن منها في سبيل السفر )
( أجل مقدر ليس بمستقدم ... يوما ولا مستأخر )
( أحسن الله عزاء كل ذي ... خشية لربه في عمر )
( في إمامنا التقي الخاشع ... الطاهر الذات الزكي النير )
( قرشي هاشمي منتقى ... من صميم الشرف المطهر )
( يشهد الليل عليه أنه ... دائم الذكر طويل السهر )
( في صلاة بعثت وفودها ... زمرا للمصطفى من مضر )
( قائما وراكعا وساجدا ... لطلوع فجره المنفجر )
( جمع الرحمن شملنا غدا ... بحبيب الله خير البشر )
( وتلقته وفود رحمة الله ... تأتي بالرضى والبشر )
قلت هذا النظم وإن برد ما فيه من الزحاف فله من الوعظ وذكر الله ورسوله خير لحاف
قال لسان الدين ولما نظم القاضي أبو بكر ابن شبرين ببيت الكتابة ومألف الجملة هذين البيتين
( ألا يا محب المصطفى زد صبابة ... وضمخ لسان الذكر منك بطيبه )
( ولا تعبأن بالمبطلين فإنما ... علامة حب الله حب حبيبه )
وأخذ الأصحاب في تذييل ذلك قال الشيخ الرئيس أبو الحسن ابن الجياب

رحمه الله تعالى ورضي عنه
( فمن يعمر الأوقات طرا بذكره ... فليس نصيب في الهدى كنصيبه )
( ومن كان عنه معرضا طول ذكره ... فكيف يرجيه شفيع ذنوبه )
وقال أبو القاسم ابن أبي العافية
( أليس الذي جلى دجى الجهل هديه ... بنور أقمنا بعده نهتدي به )
( ومن لم يكن من ذاته شكر منعم ... فمشهده في الناس مثل مغيبه )
وقال أبو بكر ابن أرقم
( نبي هدانا من ضلال وحيرة ... إلى مرتقى سامي المحل خصيبه )
( فهل ينكر الملهوف فضل مجيره ... ويغمط شاكي الداء شكر طبيبه )
فانتهى القول إلى الخطيب أبي محمد ابن أبي المجد فقال
( ومن قال مغرورا حجابك ذكره ... فذلك مغمور طريد عيوبه )
( وذكر رسول الله فرض مؤكد ... وكل محق قائل بوجوبه )
وقال يوما الشيخ أبو الحسن ابن الجياب تجربة للخاطر على العادة
( جاهد النفس جاهدا فإذا ما ... فنيت منك فهو عين الوجود )
( وليكن حكمها المسدد فيها ... حكم سعد في قتله لليهود )
فأجابه أبو محمد ابن أبي المجد بقوله
( أيها العارف المعبر ذوقا ... عن معان عزيزة في الوجود )
( إن حال الفناء عن كل غير ... كمقام المراد غير المريد )
( كيف لي بالجهاد غير معان ... وعدوي مظاهر بجنود )

( ولو أني حكمت فيمن ذكرتم ... حكم سعد لكنت جد سعيد )
( فأراها حبابة بي فتونا ... وأراني في حبها كيزيد )
( سوف أسلو بنصحكم عن هواها ... ولو أبدت فعل المحب الودود )
( ليس شيء سوى إلهك يبقى ... واعتبر صدق ذا بقول لبيد )
ترجمة ابن أبي المجد
وابن أبي المجد المذكور هو عبد الله بن عبد البر بن علي بن سليمان بن محمد بن محمد بن أشعب الرعيني من أرجدونة من كورة رية يكنى أبا محمد ويعرف بابن أبي المجد كان من أعلام الكورة سلفا وصلاحا ونية في الصالحين كثير الإيثار بما تيسر مليح التخلق حسن السمت طيب النفس حسن الظن له حظ من الأدب والفقه والقراءات والفرائض وخوض في التصوف قطع عمره خطيبا وقاضيا ببلده ووزيرا قرأ على الأستاذ أبي جعفر ابن الزبير وابن فضيلة المعافري وابن رشيد وأجازه طائفة كبيرة توفي ليلة النصف من شعبان عام تسعة وثلاثين وسبعمائة رحمه الله تعالى
رجع إلى ابن الجياب
ومن نظم ابن الجياب ما كتب على باب المدرسة العلمية بغرناطة
( يا طالب العلم هذا بابه فتحا ... فادخل تشاهد سناه لاح شمس ضحى )
( واشكر مجيرك من حل ومرتحل ... إذ قرب الله من مرماك ما نزحا )
( وشرفت حضرة الإسلام مدرسة ... بها سبيل الهدى والعلم قد وضحا )

( أعمال يوسف مولانا ونيته ... قد طرزت صحفا ميزانها رجحا )
ومنه قوله
( أبى الله إلا أن تكون اليد العليا ... لأندلس من غير شرط ولا ثنيا )
( وإن هي عضتها بنوب نوائب ... فصيرت الشهد المشور بها شريا )
( فما عدمت أهل البلاغة والحجى ... يقيمون فيها الرسم للدين والدنيا )
( إذا خطبوا قاموا بكل بليغة ... تجلي القلوب الغلف والأعين العميا )
( وإن شعروا جاءوا بكل غريبة ... تخال النجوم النيرات لها حليا )
( فأسأل في الدنيا من الله ستره ... علينا وفي الأخرى إذا حانت اللقيا )
وقال أبو الحسن ابن الجياب
( أرى الدهر في أطواره متقلبا ... فلا تأمنن الدهر يوما فتخدعا )
( فما هو إلا مثلما قال قائل ... مكر مفر مقبل مدبر معا )
وحكي أنه أهدى له الفقيه ابن قطبة رمانا ثم دخل عليه عائدا فلما رآه قال له يا فقيه نعم بالهدنة زمانك أراد نعمت الهدية رمانك وكان هذا قبل موته من مرضه بيسير وهو مما يدل على ثبوت ذهنه حتى قرب الموت سامحه لله تعالى
ومن نثر ابن الجياب رحمه الله تعالى ما كتبه عن سلطانه إلى بعض سلاطين وقته وهو السلطان أبو سعيد المريني صاحب فاس ونصه المقام لدى الملك المنصور الأعلام والفضل الثابت الأحكام والمجد الذي أشرقت به وجوه الأيام والفخر الذي تتدارس أخباره بين الركن والمقام والعز الذي تعلو به كلمة الإسلام مقام محل الأب الواجب الإكبار والإعظام السلطان الكذا أبقاه

الله في ملك منيع الذمار وسعد باهر الأنوار ومجد رفيع المقدار وسلطان عزيز الأنصار كريم المآثر والآثار كفيل بالإعلاء لدين الله والإظهار معظم مقامه وموقره ومجل سلطانه ومكبره المثني على فضله الذي أربى على ظاهره مضمره الشاكر لمجده الذي كرم أثره المعتد بأبوته العلية في كل ما يقدمه ويؤخره ويورده ويصدره الداعي إلى الله تعالى بطول بقائه في سعد سام مظهره حام عسكره فلان سلام كريم طيب عميم يخص مقامكم الأعلى ورحمة الله وبركاته
أما بعد حمد الله الذي أولاكم ملكا منصورا وفخرا مشهورا وأحيا بدولتكم العلية لمكارم الأخلاق ذكرا منشورا والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسول الله الذي اختاره بشيرا ونذيرا وشرح بهدايته صدورا وجعل الملأ الأعلى له ظهيرا والرضى عن آله وصحبه الذين ظاهروه في حياته وخلفوه في أمته بعد وفاته فنالوا في الحالين فضلا مسطورا وأجرا موفورا والدعاء لمقامكم الأعلى أسماه الله تعالى بنصر لا يزال به الإسلام محبوا محبورا وسعد يملأ أرجاء البسيطة نورا فكتبته كتب الله لكم عوائد السعادة وحباكم من آلائه بالحسنى والزيادة من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى وليس بفضل الله سبحانه ثم ببركته مقامكم أيد الله تعالى سلطانه إلا الخير الأكمل واليسر الأشمل والحمد لله كثيرا كما هو أهله فلا فضل إلا فضله
وأما الذي عند معظم أمركم من الإعظام لمقامكم والإكبار والثناء المردد المجدد على توالي الأعصار والشكر الذي تتلى سوره آناء الليل والنهار والعلم بما لكم من المكارم التي سار ذكرها في الأقطار أشهر من المثل السيار والاعتداد بسلطانكم العلي في الإعلان والإسرار والاستناد لى جنابكم الكريم في الأقوال والأفعال والأخبار فذلك لا يزال بحمد الله تعالى محفوظا ملحوظا بعين الاستبصار والله ولي العون على ذلك بفضله وطوله
وإلى هذا أيد الله تعالى سلطانكم ومهد أوطانكم فقد تقدمت مطالعة

مقامكم أسماه الله أن ملك قشتالة دس من يتحدث في عقد صلح يعود بالهدنة على البلاد ويرتفع به عنها مكابدته من جهة الأعاد وقدرنا أولا أن ذلك ليس على ظاهر الحال فيه وأنه يبدي به غير ما يخفيه ولكن جرينا معه في المضمار قصدا للتشوف على الأخبار فلما دار الحديث في هذا الحكم منه أنه قد جنح للسلم وكان خديمنا نقروز بحكم الاتفاق قد ورد إشبيلية لبعض أشغاله فاستحضره وأخذ معه في أمر الصلح وشرح أحواله وأعاده إلى معظمكم ليستفهم ما عنده ويعلم مذهبه وقصده فأعيد إليه بأنه إن أراد المصالحة على صلح والده مع هذه الدار النصرية من غير زيادة على شروط تلك القضية ولا يعرض لاسترجاع معقل من المعاقل التي أخلصت من يد النصرانية وان يكون عقده على الجزيرة الخضراء ورندة وغيرهما من البلاد الأندلسية فلا بد من مطالعة محل والدنا السلطان أمير المسلمين أبي سعيد أيده الله واستطلاع ما يراه وحينئذ نعمل بحسب نظره الجميل ومقتضاه وأكد على نقروز في أنه إن انقاد لهذا الأمر فليعقد معه هدنة لأمد من الدهر بقدر ما يتسع لتعريفكم بهذه الحال وإعلامكم ويستطلع فيها نظر مقامكم فما هو إلا أن عاد يوم تاريخ هذا بكتاب ملك قشتالة وقد أجاب إلى الصلح وانقاد إليه على حسب ما شرط عليه وأعطى مهادنة مدة شهر فبرير ليعرف فيها مقامكم ويعلم ما لديه ووافق ذلك وصول الشيخ الفقيه الأجل أبي عبدالله ابن حبشية أعزه الله من بابكم الكريم أسماه الله فأخذ معه في هذا القصد واستفهم عما لديه من مقامكم في ذلك من الإمضاء أو الرد فذكر أنكم قد أذنتم لمعظمكم في عقد السلم على مايراه من الأحكام إذ ظهر فيها المصلحة لأهل الإسلام فلما عرف مذهبكم الصالح وقصدكم الناجح رأى أن يوجه إلى ملك النصارى من يخلص معه حال الصلح علىما يعود إن شاء الله

تعالى على المسلمين بالنجح وقدم تعريفكم بما دار من الحديث بين يدي جوابه الوافد على مقامكم صحبة الفقيه أبي عبدالله أعزه الله تعالى ولا يخفى على مقامكم حاجة هذه البلاد في الوقت إلى هدنة يستدرك بها رمقها مما لقيته من جهد الحرب وما حل بها في هذه السنين من القحط والجدب فالصلاح بحمد الله في هذه الحال بادي الظهور وإلى الله عاقبة الأمور
هذا ما تزيد لدى معظم مقامكم وما يتزيد بعد فليس إلا المبادرة إلى مطالعتكم وإعلامكم وما كان إمساك الفقيه أبي عبد الله ابن حبشية في هذه الأيام إلا لانتظار خبر الصلح حتى يأتيكم به مستوفى الشرح وها هو قد أخذ في الرجوع إلى بابكم الأسمى والقدوم إلى حضرتكم العظمى والله يصل سعودكم ويحرس وجودكم ويبلغكم أملكم ومقصودكم والسلام
ومن إنشاء ابن الجياب رحمه الله تعالى في العزاء بالسلطان أبي الحسن المريني ما صورته بعد الصدر
أما بعد حمد الله الواحد القهار الحي القيوم حياة لا تتقيد بالأعصار القادر الذي كل شيء في قبضة قدرته محصور بحكم الاضطرار الغني في ملكوته فلا يلحقه لاحق الافتقار المريد الذي بإرادته تصريف الأقدار وتقدير الآجال والأعمار العالم الذي لا تعزب عن علمه حفايا الأسرار وخبايا الأفكار مالك الملك وأهله ومدبر الأمور بحكمته وعدله تذكرة لأولي الألباب وعبرة لأولي الأبصار خالق الموت والحياة لينقلنا من دار الفناء إلى دار القرار والصلاة والسلام على سيدناومولانا محمد رسوله المصطفى المختار الذي نهتدي بهديه الكريم في الإيراد والإصدار والإحلاء والإمرار في الشدة والرخاء والسراء والضراء بسيره الكريمة الآثار ونتعزى بالمصيبة به عما دهم من المصائب الكبار ونتقدم منه إلى ربنا شفيعا ماحيا للأوزار وآخذا بالحجز عن النار

ونعلم أننا باتباع سبيله نسعد سعادة الأبرار وبإقامة ملته وحماية شرعته ننال مرضاة الملك الغفار والرضى عن آله وصحبه وأوليائه وحزبه الذين ظاهروه في حياته على إقامة الحق الساطع الأنوار وخلفوه في أمته قائمين بالعدل حامين للذمار والدعاء لمحل أبينا والدكم قدس الله روحه وبرد ضريحه بالرحمة التي تتعهد روضته التي هي أذكى من الروض المعطار والرضوان الذي يتبوأ به مبوأ صدق في الملوك المجاهدين الأخيار ولمقامكم الأعلى بسعادة المقدار وتمهيد السلطان وبلوغ الأوطار فإنا كتبناه كتب الله لكم عوائد النصر وربط على قلبكم بالصبر من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى عندما تحقق لدينا النبأ الذي فت في الأعضاد وشب نار الأكباد والحادث الذي هد أعظم الأطواد وزلزل الأرض الراسية الأوتاد والواقع الذي لولا وجودكم لمحا رسم الأجواد وعطل رسوم الجهاد وكسا الآفاق ثوب الحداد والخطب الذي ضاقت له الأرض بما رحبت وأمرت الدنيا بما عذبت من وفاة محل أبينا أكبر ملوك المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين والدكم ألحفه الله تعالى برود رضاه وجعل جنته نزله ومثواه ونفعه بما أسلف من الأعمال الكريمة وما خلده من الآثار العظيمة فإنا لله وإنا إليه راجعون تسليما لما قضاه ورضى بما أنفذه وأمضاه وعند الله نحتسب منه والدا شفيقا حانيا رفيقا لم يزل يولي الجميل قوله وفعله ويصل لنا من أسباب عنايته ما اقتضاه فضله وما هو أحق به وأهله
وكنا طول حياته لم نجد أثرا لفقد الوالد لما أولانا من جميل العوائد وكرم المقاصد جزاه الله أحسن جزائه وأعاننا على توفية حقه وأدائه ولمثل هذه المصيبة ولا مثل لها تظلم الأرجاء ويضيق الفضاء وتبكيه مسومة الجياد ومعالم الجهاد والسيوف في الأغماد وشتى العباد والبلاد فلا تسألوا كيف هو عندنا موقع هذا الخطب العظيم والحادث المقعد المقيم والرزية التي لا رزية مثلها والحادثة التي أصيبت بها الملة وأهلها فوجدنا لفقده

يتضاعف مع الآناء ويتجدد تذكار ما أسلف من أعمال الملوك الفضلاء ولكنه أمر حتم وقضاء من الله جزم وسبيل يسلك عليها الأول والآخر والآتي والغابر وليس إلا التسليم لما حكم به الحكيم العليم
ولما انتهى إلينا هذا النبأ الذي ملأ القلب حسرة والعين عبرة وتوارت شتى الأنباء وغلب اليأس فيها على الرجاء وجدنا له ما يوجد لفقد الأب الذي ابتدأ بالإحسان والإجمال وأولى عوارف القبول والإقبال ولكنه ما أطفأ نار ذلك الوجد وجبر كسر ذلك الفقد إلا ما من الله به علينا وعلى المسلمين من تقلدكم ذلك الملك الذي بكم سمعت معالمه وقامت مراسمه وعليكم انعقد الإجماع وبولايتكم استبشرت الأصقاع وكيف لا تستبشر بولاية الملك الصالح الخاشع الأواب صاحب الحرب والمحراب عدة الإسلام وعلم الأعلام من ثبت فضائله أوضح من محيا النهار وسارت مكارمه في الآفاق أشهر من المثل السيار
وقد كان محل أبينا والدكم رضي الله عنه لما علم من فضائلكم الكريمة الآثار وما قمتم به من حقه الذي وفيتموه توفية الصلحاء الأبرار ألقى إليكم مقاليد سلطانه وآثر إليكم أثر قبوله ورضوانه حتى انفصل عن الدنيا وقد ألبسكم من أثواب رضاه ما تنالون به قرة العين وعز الدارين والظفر بكلتا الحسنيين فتلك المملكة بحمد الله تعالى قد قام بها حامي ذمارها وابن خيارها ومطلع أنوارها الملك الرضي العدل الطاهر قوام الدياجي وصوام الهواجر حسنة هذا الزمان ونخبة ذلك البيت المؤسس على التقوى والرضوان فالحمد لله على أن جبر بكم صدع الإيمان وانتضى منكم سيفا مسلولا على عبدة الصلبان وأقر بكم ملك آبائكم الملوك الأعاظم وتدارك بولايتكم أمر هذا الرزء المتفاقم فإن فقدنا أعظم مفقود فقد ظفرنا بأكرم مقصود وما مات من أبقى منكم سلالة طاهرة تحيي سنن المعالي والمكارم وتعمل على شاكلة أسلافها الأكارم فتلك المملكة قد أصبحت بحمد الله ونور سعدكم في أرجائها طالع وسيف

بأسكم في أعدائها قاطع وعزمكم الأمضى لأمرها جامع مانع قد أوت منكم إلى الملجأ الأحمى واستمسكت بإيالتكم العظمى وعرفت أنكم ستبدون فيها من آثار دينكم المتين وفضلكم المبين ومعاليكم القاطعة البراهين ما يملؤها عدلا وإحسانا وتبلغ به آمالها مثنى ووحدانا فهنيئا لنا ولها أن صارت في ملككم وأن تشرفت بملككم وألقت مقاليدها إلى من يحمي حماها ويدفع عداها وليهن ذلك المقام الأعلى ما أولاه من العز المكين وما قلده من الملك الذي هو نظام الدنيا والدين وأن أعطاه راية الجهاد فتلقاها باليمين لينصر بها ملة الرسول الصادق الأمين فله الفخر بذلك على جميع السلاطين
وأما هذه البلاد الأندلسية حماها الله فهي وإن فقدت من السلطان الأعلى أبي سعيد أكرم ظهير ووقع مصابه منها بمحل كبير فقد لجأت منكم إلى من يحميها ويكف بأس أعاديها ويبتغي مرضاة خالقها فيها فملككم بحمد الله تعالى مقتبل الشباب جديد الأثواب عريق الأنساب أصيل الأحساب ومجدكم جار على أعراقه جري الجياد العراب
وإنا لما ورد علينا هذا النبأ معقبا بهذه البشرى ووفد علينا ذلك الخبر مردفا بهذه المسرة الكبرى علمنا أن الله سبحانه قد رأب ذلك الصدع بهذا الصنع الجميل وتلافى ذلك الخطب بهذا الخير الجزيل فأخذنا من مساهمتكم في الأمور النصيب الوافر ورأينا أن آمالنا منكم قد جلت عن محياها السافر وعينا للوفادة على بابكم لينوب عنا في العزاء والهناء عين الأعيان الفضلاء ووجه القواد والكرماء
ولنقتصر على هذا المقدار من كلام الرئيس ابن الجياب رحمه الله تعالى ويظهر لي أن نظمه أعلى طبقة من نثره وعلى كل حال فهو لا يتكلف نظما ولا نثرا رحمه الله تعالى ورضي عنه وعامله بمحض فضله
20 - ومن أشياخ لسان الدين رحمه الله تعالى الفقيه الكاتب البارع العلامة

النحوي اللغوي صاحب العلامة بالمغرب الشهير الرئيس أبو محمد عبد المهيمن الحضرمي قال في الإحاطة فيه ما ملخصه عبد المهيمن بن محمد بن عبد المهيمن بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن محمد الحضرمي أبو محمد شيخنا الرئيس صاحب القلم الأعلى بالمغرب
من الإكليل تاج المفرق وفخر المغرب على المشرق أطلع منه نورا أضاءت له الآفاق وأثر منه بذخيرة حملت أحاديثها الرفاق ما شئت من مجد سامي المصاعد والمراقب عزيز عن لحاق النجم الثاقب وسلف زينت سماؤه بنجوم المناقب نشأ بسبتة بلده بين علم يقيده وفخر يشيده وطهارة يلتحف مطارفها ورياسة يتفيأ وارفها وأبوه رحمه الله تعالى قطب مدارها ومقام حجها واعتمارها فسلك الوعوث من المعارف والسهول وبذ على حداثة سنه الكهول فلما تحلى من الفوائد العلمية بما تحلى واشتهر اشتهار الصباح إذا تجلى تنافست فيه همم الملوك الأخاير واستأثرت به الدول على عادتها في الاستئثار بالذخاير فاستقلت بالسياسة ذراعه وأخدم الذوابل والسيوف يراعه وكان عين الملك التي بها يبصر ولسانه الذي يسهب به أو يختصر وقد تقدمت له إلى هذه البلاد الوفادة وجلت به عليها الإفادة وكتب عن بعض ملوكها وانتظم في عقودها الرفيعة وسلوكها وله في الآداب الراية الخافقة والعقود المتناسقة ومشيخته حافلة تزيد عن الإحصاء وشعره منحط عن محله من العلم والشهرة وإن كان داخلا تحت طور الإجادة فمن ذلك قوله
( تراءى سحيرا والنسيم عليل ... وللنجم طرف بالصباح كليل )
( وللفجر نهر خاضه الليل فاعتلت ... شوى أدهم الظلماء منه حجول )
( بريق بأعلى الرقمتين كأنه ... طلائع شهب في السماء تجول )

( فمزق ساجي الليل منه شراره ... وخرق ستر الغيم منه نصول )
( تبسم ثغر الروض عند ابتسامه ... وفاضت عيون للغمام همول )
( ومالت غصون البان نشوى كأنها ... يدار عليها من صباه شمول )
( وغنت على تلك الغصون حمائم ... لهن حفيف فوقها وهديل )
( إذا سجعت في لحنها ثم قرقرت ... يطيح خفيف دونها وثقيل )
( سقى الله ربعا لا تزال تشوقني ... إليه رسوم دونها وطلول )
( وجاد رباه كلما ذر شارق ... من الودق هتان أجش هطول )
( وما لي أستسقي الغمام ومدمعي ... سفوح على تلك العراص همول )
( وعاذلة باتت تلوم على السرى ... وتكثر من تعذالها وتطيل )
( تقول إلى كم ذا فراق وغربة ... ونأي على ما خيلت ورحيل )
( ذريني أسعى للتي تكسب العلا ... سناء وتبقي الذكر وهو جميل )
( فإما تريني من ممارسة الهوى ... نحيلا فحد المشرفي نحيل )
( وفوق أنابيب اليراعة صعدة ... تزين وفي قد القناة ذبول )
( ولولا السرى لم يجتل البدر كاملا ... ولا بات منه للسعود نزيل )
( ولولا اغتراب المرء في طلب العلا ... لما كان نحو المجد منه وصول )
( ولولا نوال ابن الحكيم محمد ... لأصبح ربع المجد وهو محيل )
( وزير سما فوق السماك جلالة ... وليس له إلا النجوم قبيل )
( من القوم أما في الندى فإنهم ... هضاب وأما في الندى فسيول )
( حووا أشرف العلياء إرثا ومكسبا ... وطابت فروع منهم وأصول )
( وما جونة هطالة ذات هيدب ... مرتها شمال حرجف وقبول )
( لها زجل من رعدها ولوامع ... من البرق عنها للعيون كلول )
( كما هدرت وسط القلاص وأرسلت ... شقاشقها عند الهياج فحول )
( بأجود من كف الوزير محمد ... إذا ما توالت للسنين محول )

ولا روضة بالحسن طيبة الشذا ... ينم عليها إذخر وجليل )
( وقد أذكيت للزهر فيها مجامر ... تعطر منها للنسيم ذيول )
( وفي مقل النوار للطل عبرة ... ترددها أجفانها وتجيل )
( بأطيب من أخلاقه الغر كلما ... تفاقم خطب للزمان يهول )
( حويت أبا عبد الإله مناقبا ... تفوت يدي من رامها وتطول )
( فغرناطة مصر وأنت خصيبها ... ونائل يمناك الكريمة نيل )
( فداك رجال حاولوا درك العلا ... ببخل وهل نال العلاء بخيل )
( تخيرك المولى وزيرا وناصحا ... فكان له مما أراد حصول )
( وألقى مقاليد الأمور مفوضا ... إليك فلم يعدم يمينك سول )
( وقام بحفظ الملك منك مؤيد ... نهوض بما أعيا سواك كفيل )
( وساس الرعايا منك أشوس باسل ... مبيد العدا للمعتفين منيل )
( وأبلج وقاد الجبين كأنما ... على وجنتيه للنضار مسيل )
( تهيم بها العلياء حتى كأنها ... بثينته في الحب وهو جميل )
( له عزمات لو أعير مضاءها ... حسام لما نالت ظباه فلول )
( سرى ذكره في الخافقين فأصبحت ... إليه قلوب العالمين تميل )
( وأعدى قريضي جوده وثناؤه ... فأصبح في أقصى البلاد يجول )
( إليك أيا فخر الوزارة أرقلت ... برحلي هوجاء النجاء ذلول )
( فليت إلى لقياك ناصية الفلا ... بأيدي ركاب سيرهن ذميل )
( تسددني سهما لكل ثنية ... ضوامر أشباه القسي نحول )
( وقد لفظتني الأرض حتى رمت إلى ... ذراك برحلي هوجل وهجول )
( فقيدت أفراسي به وركائبي ... ولذ مقام لي به وحلول )
( وقد كنت ذا نفس عزوف وهمة ... عليها لأحداث الزمان ذحول )
( وتهوى العلا حظي وتغري بضده ... لذاك اعترته رقة ونحول )

( وتأبي لي الأيام إلا إدالة ... فصونك لي إن الزمان مديل )
( فكل خضوع في جنابك عزة ... وكل اعتراز قد عداك خمول )
وقال
( أبت همتي أن يراني امرؤ ... علىالدهر يوما له ذا خضوع )
( وما ذاك إلا لأني اتقيت ... بعز القناعة ذل الخشوع )
مولده بسبتة عام ستة وسبعين وستمائة وتوفي بتونس ثاني عشر شوال عام تسعة وأربعين وسبعمائة في الطاعون وكانت جنازته مشهورة رحمه الله تعالى انتهى
وحكى أن السلطان أبا الحسن المريني سب الشيخ عبد المهيمن الحضرمي بمجلس كتابه فأخذ عبد المهيمن القلم وكسره وقال هذا هو الجامع بيني وبينك ثم إن السلطان أبا الحسن ندم وأفضل عليه وخجل مما صدر منه وأحسن إليه
وكان عبد المهيمن ينطق بالكلام معربا ويرتفع نسبه إلى العلاء بن الحضرمي صاحب رسول الله وأصل سلفه من اليمن وكان جدهم الأعلى عبدون لحقه الضيم ببلده فارتحل إلى المغرب فنزل سبتة
ولعبد المهيمن الحضرمي شيوخ أجلاء كابن أبي الربيع النحوي وابن الشاط وابن مسعود وغيرهم وكان سعد وسؤدد حسن الخط رأيت خطه بإجازته لأبي عبد الله بن مرزوق وغيره وكان الهمة سريا أعطى المنصب حقه وكان لا يحتمل الضيم واحتقار العلم وكان سريع الجواب حكي أن القاضي المليلي وأبا محمد عبد المهيمن الحضرمي المذكور صاحب العلامة للسلطان أبي الحسن حضرا مجلس السلطان فجرى ذكر الفقيه ابن عبد الرزاق فقال المليلي جمع من الفنون كذا حتى وضع يده على أبي محمد عبد المهيمن وقال

مخاطبا للسلطان ويكتب لك أحسن من ذا فوضع عبد المهيمن يده على المليلي وقال نعم يا مولاي ويقضي لك أحسن من ذا
وقال ابن الخطيب القسمطيني الشهير بابن قنفذ في وفياته ما نصه وفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة توفي الشيخ الراوية المحدث الكاتب أبو محمد عبد المهيمن ابن محمد بن عبد المهيمن بن محمد بن علي بن محمد الحضرمي السبتي ومن أشياخه الأستاذ ابن أبي الربيع وابن الغماز وابن صالح الكناني وغيرهم من الأعلام انتهى
وقال غيره إن والد عبد المهيمن توفي غرة صفر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة رحمه الله تعالى
وحكي أن الشيخ أبامحمد عبد المهيمن ذكر يوما بني العزفي فأثنى عليهم فقال له أحد الحسنيين وكان بينهم شيء إنهم كانوا لا يحبون أهل البيت فكيف حبك أنت لهم يعني لأهل البيت فقال أحبهم حب التشرع لا حب التشيع انتهى
قيل يعني بالعزفيين أهل الدولة الثانية وأما أهل الأولى فكانوا من المختصين بمحبة الآل وهم أحدثوا بالمغرب تعظم ليلة الميلاد النبوي على صاحبه الصلاة والسلام
ومن أغرب ما وقع للرئيس عبد المهيمن الحضرمي من التشبيه قوله
( لقد راقني مرأى سجلماسة الذي ... يقر له في حسنه كل منصف )
( كأن رؤوس النخل في عرصاتها ... فواتح سورات بآخر مصحف )
وهذا من التشبيه العقيم لم يسبق إليه فيما أظن وكان سبب قوله ذلك أن السلطان أمير المسلمين أبا الحسن المريني لما تحرك لقتال أخيه السلطان أبي علي عمر بسجلماسة فظفر به استمطر أنواء أفكار الكتاب وغيرهم في تشبيه النخل فقال عبد المهيمن ما مر فلم يترك مقالا لقائل
وقد أنشد الحافظ ابن مرزوق الحفيد قال أنشدني شيخنا ولي الدين الرئيس

أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي لشيخه الرئيس أبي محمد عبد المهيمن الحضرمي السبتي رحمه الله تعالى قوله
( يجفى الفقير ويغشى الناس قاطبة ... باب الغني كذا حكم المقادير )
( وإنما الناس أمثال الفراش فهم ... يلفون حيث مصابيح الدنانير )
قلت ورأيت هذين البيتين في كتاب روح الشحر وروح الشعر للعالم الكاتب ابن الجلاب منسوبين لأبي المتوكل الهيثم بن أحمد السكوني الإشبيلي قال أنشدني أبو الحجاج الحافظ قال أنشدني الهيثم فذكر البيتين وكان تاريخ وفاته قبل أن يخلق عبد المهيمن فتعين أن البيتين ليسا من نظمه وإنما تمثل بهما ونسبتهما له وهم لا محالة والله أعلم
وأما ما اشتهر على الألسنة بالمغرب من أن أبا حيان مدح عبد المهيمن بقوله
( ليس في الغرب عالم ... مثل عبد المهيمن )
( نحن في العلم أسوة ... أنا منه وهو مني )
فقد نسبه ابن غازي إلى ابن حيان كما اشتهر لكن تاريخ مرور أبي حيان بالمغرب كان قبل ظهور عبد المهيمن بلا خفاء وهو عندي محمول على أحد أمرين أن المراد عبد المهيمن جد عبد المهيمن المذكور أو أن أبا حيان كتب بالبيتين من مصر بعدما ظهر عبد المهيمن وصارت له الرياسة بالمغرب إذ أبو حيان عاش إلى ذلك الزمان بلا ريب ولذا لما ذكر لسان الدين ابن الخطيب في كتابه الكتيبة الكامنة في أنباء أهل المائة الثامنة الشيخ أبا حيان قال وهذا الرجل طالت حياته حتى أجاز ولدي
ولعبد المهيمن المذكور أخبار غير ما قدمناه منع منها الاختصار وقد ألف الخطيب ابن مرزوق باسم ولد فهرسته المشهورة وحلاه في صدرها أحسن

حلية وهو أهل لذلك وقد ذكره مولاي الجد في شيوخه كما تقدم وقال فيه إنه إمام الحديث والعربية وكاتب الدولة العثمانية والعلوية فليراجع ذلك فيما سبق في ترجمة الجد
وأبو سعيد ابن عبد المهيمن كان عالي الهمة كآبائه ولما بويع السلطان أبو عنان طلب منه أن يكون مرتسما في جملة كتاب بابه فامتنع وقال لا أكون تحت حكم غيري وعنى بذلك أن أباه كان رئيس الكتاب فكيف يكون هو مرؤوسا بغيره فلم ترض همته رحمه الله تعالى إلا برتبة أبيه أو الترك وارتحل أبو سعيد محمد المذكور وكان فقيها عالما من فاس لسبتة إلى أن توفي بها سنة 787 وكان قليل الكلام جميل الرواء حسن الهيئة والبزة والشكل روى عن والده وعن الحجار وكتب له سنة 724 وروى عن الفقيه أبي الحسن ابن سليمان والرحالة ابن جابر الوادي آشي وابن رشيد وغيرهم
وابن أبي سعيد هذا اسمه عبد المهيمن كجده وكان صاحب القلم الأعلى روى عن أبيه وجده وغيرهما رحم الله الجميع
21 - ومن أشياخ لسان الدين رحمه الله تعالى الإمام العلامة قاضي الجماعة أبو البركات ابن الحاج البلفيقي نادرة الزمان وشاعر ذلك الأوان وهو محمد ابن محمد بن إبراهيم بن محمد ابن الشيخ الولي أبي إسحاق ابن الحاج البلفيقي وكان أبو البركات أحد رجال الكمال علما ومجدا وسؤددا موروثا ومكتسبا وقد عرف به في الإحاطة بترجمة مد فيها النفس وكتب ابنه على أول الترجمة ما صورته
رحمك الله تعالى يا فقيه الأندلس وحسيبها وصدرها وشيخها وبرد ضريحك فلله ما أفدت من نادرة واكتسبت من فائدة انتهى

وحكى في الإحاطة أنه لما استسقى وحصلت الإجابة أنشده لسان الدين
( ظمئت إلى السقيا الأباطح والربى ... حتى دعونا العام عاما مجدبا )
( والغيث مسدول الحجاب وإنما ... علم الغمام قدومكم فتأدبا )
ثم ذكر في الإحاطة تأليف أبي البركات وشعره إلى أن قال حاكيا عن أبي البركات ما صورته ومما نظمته وقد أكثروا من التعجب لملازمتي البناء وحفر الآبار
( في احتفار الأساس والآبار ... وانتقال التراب والجيار )
( وقعودي ما بين رمل وآجر ... وجص والطوب والأحجار )
( وامتهاني بردي بالطين والماء ... ورأسي ولحيتي بالغبار )
( نشوة لم تمر قط على قلب ... خليع وما لها من خمار )
( من غريب البناء أن بنيه ... متعبون يهوون طول النهار )
( يبتغون الوصال من صانعيه ... والبدار إليه كل البدار )
( فإذا حل في ذراهم تراهم ... يشتهون منه بعيد المزار )
( من عذيري من لائم في بنائي ... وهو لي الترجمان عن أخباري )
( ليس يدري معناه من ليس يدري ... أن ما عنده على مقدار )
( أقتدي بالذي يقول بناها ... ذلك الخالق الحكيم الباري )
( وبمن يرفع القواعد من بيت ... عتيق للحج والزوار )
( وبمن كان ذا جدار وقد كان ... أبوه من صالحي الأبرار )
( وبما قد أقامه الخضر المخصوص ... علما بباطن الأسرار )

( كان تحت الجدار كنز وما أدراك ... ما كان تحت كنز الجدار )
( وبمن قد مضى من آبائي الغر ... الألى شيدوا رفيع المنار )
( فالذي قد بنوه نبني له مثلا ... ونجري له على مضمار )
( قد بنينا من المساجد دهرا ... ثم نبني لجارها خير جار )
( مثلما قد بنيت للمجد أمثال ... مبانيهم بكل اعتبار )
( فالمباني لسان حالي ولي فيها ... لعمري ذكر من الأذكار )
( روح أعمالنا المقاصد لكن ... حيث تخفى تخفى مع الأعذار )
( فعسى من قضى ببنيان هذي الدار ... يقضي لنا بعقبى الدار )
ثم قال في الإحاطة بعد كلام ومن نظمه في الإنحاء على نفسه واستبعاد وجود المطالب في جنسه قال مما نظمته يوم عرفة عام خمسين وسبعمائة وأنا منزو في غار ببعض جبال المرية
( زعموا أن في الجبال رجالا ... صالحين قالوا من الأبدال )
( وادعوا أن كل من ساح فيها ... فسيلقاهم على كل حال )
( فاخترقنا تلك الجبال مرارا ... بنعال طورا ودون نعال )
( ما رأينا بها خلاف الأفاعي ... وشبا عقرب كمثل النبال )
( وسباع يجرون بالليل عدوا ... لا تسلني عنهم بتلك الليالي )
( ولو أنا كنا لدى العدوة الأخرى ... رأينا نواجذ الرئبال )
( وإذا أظلم الدجى جاء إبليس ... إلينا يزور طيف خيال )
( هو كان الأنيس فيها ولولاه ... أصيبت عقولنا بالخيال )
( خل عنك المحال يا من تعنى ... ليس يلقى الرجال غير الرجال )
وجمع شعره وسماه العذب والأجاج من كلام أبي البركات ابن الحاج

وسمى أبو القاسم الشريف ما استخرجه منه باللؤلؤ والمرجان من بحر أبي البركات ابن الحاج يستخرجان
ومن نظم الشيخ أبي البركات ابن الحاج قوله رحمه الله تعالى
( ألا ليت شعري لما أنا أرتجي ... من الله في يوم الجزاء بلاغ )
( وكيف لمثلي أن ينال وسيلة ... لها عن سبيل الصالحين مراغ )
( وكم رمت دهري فتح باب عبادة ... يكون بها في الفائزين مساغ )
( فكدت ولم أفعل وكيف وليس لي ... المعينان فيها صحة وفراغ )
( لأصبحت من قوم دعاهم إلى الرضى ... منادى الهدى فاستنكروه فراغوا )
( أباغ ترى أخراه من يزدهيه من ... زخارف دنياه الدنية باغ )
( ويضرب صفحا عن حقيقة ما طوت ... فيلهيه زور قد أتته مصاغ )
( إذا ما بدا للرشد نهج بيانه ... يراع به عن وحشة فيراغ )
( فيا رب برد العفو هب لي إذا غلت ... من الحر في يوم الحساب دماغ )
( فمن حرق للنفس فيه لواعج ... ومن خجل للوجد فيه صباغ )
( وعظتك نفسي لو أنبت وفي الذي ... وعظت به لو ترعوين بلاغ )
وأنشد القاضي أبو البركات في هذا الروي قول شيخه الأستاذ أبي علي ابن سليمان القرطبي
( ألا هل إلى ما أرتضيه بلاغ ... وكيف يرى يوما إليه فراغ )
( وقد قطعت دوني قواطع جمة ... أراع لها مهما جرت وأراغ )
( وما لي إلا عفو رب وفضله ... ففيه إلى ما أرتجيه بلاغ )
وكان القاضي أبو البركات من بيت كبير علما وصلاحا وزهدا وجده الإمام الولي العارف سيدي أبو إسحاق ابن الحاج أشهر من نار على علم وقبره مشهور بمراكش وقد زرته بها وله كرامات مشهورة

وحكى في مزية المرية من كراماته جملة قال حفيده الشيخ أبو البركات دخلت على الشيخ الصالح العابد المجتهد الحاج أبي عبد الله محمد بن علي البكري المعروف بابن الحاج في منزله بالمرية عائدا قال أظنه في مرضه الذي مات فيه فقال حين سألته عن حاله ادع لي فقلت له يا سيدي بل أنت تدعو لي فقال لي شرح الله صدرك ونور قلبك بنور معرفته فمن عرف الله لم يذكر غيره فقد حكى سيدي أبو جعفر ابن مكنون عن جدك قال كنت مع سيدي أبي إسحاق ابن الحاج بمراكش فقال لي هل ترى في المنام شيئا فقلت نعم أرى كأني في المرية أمشي من الدار إلى المسجد ومن كذا إلى كذا فأعرض عني وقال ألا ترى إلا الله قال ثم مر به في أثناء كلامه ابنه محمد فقال لي رأيت هذا والله ما أدري أن لي ابنا حتى يمر بي ولا أذكره إذا غاب عني ولا أرى إلا الله انتهى
ومن تآليف أبي البركات رحمه الله تعالى كتاب ذكر فيه أخبار سلفه رضي الله عنهم وذكر جملة من كرامات جدي سيدي أبي إسحاق المذكور نفعنا الله به
ومن شعر جده المذكور قوله
( ألا كرم الله البلاد بخطبة ... هم حسنات الدهر لا نابهم خطب )
( رعايتهم فرض على كل مسلم ... وحبهم حقا قد أوجبه الرب )
( إذا ما سألت الله شيئا فسل بهم ... فتعظيمهم قرب وغيبتهم حرب )
وقوله
( شكا فشكا قلبي خبالا مبرحا ... على غير علم كان مني بشكواه )
( وما التقت الأسرار إلا بجامع ... من النعت سلطان الحقيقة سواه )

( فيا فرحة المجهود إن بات سره ... وسر الذي يهواه مأواه مأواه )
( ومن أجله قد كان بالبعد راضيا ... فكيف ترى معناه والقلب مثواه )
( بدا فبدت أعلام ضدين في الهوى ... هما عجب لولا الدليل وفحواه )
( برؤيته فارقت موتي لبعده ... ومت بها من أجل علمي ببلواه )
( فها أنا حي ميت بلقائه ... ولم ينج من لم يسعد الفهم نجواه )
( إذا لم تكن أنت الحبيب بعينه ... رضى وعتابا ضل من قال يهواه )
( وأكذب ما يلفى الفتى وهو صادق ... إذا لم يحقق بالأفاعيل دعواه )
وقوله رضي الله تعالى عنه
( الحب في الله نور يستضاء به ... والهجر في ذاته نور على نور )
( جنب أخا حدث في الدين ذا غير ... إن المغير في نكس وتغيير )
( حاشا الديانة أن تبنى على خبل ... سبحان خالقنا من قول مثبور )
( إن الحقائق لا تبدو لمبتدع ... كذا المعارف لا تهدى لمغرور )
( تالله لو أبصرت عيناه أو ظفرت ... يمناه ما ظل في ظن وتقدير )
( حقق ترى عجبا إن كنت ذا أدب ... ولا يغرنك الجهال بالزور )
( إن الطريقة في التنزيل واضحة ... وما تواتر من وحي ومشهور )
( فافهم هديت هدى الرحمن واهد به ... هدى يفيدك يوم النفخ في الصور )
وقوله صدر رسالة وجه بها إلى ابنه محمد أيام قراءته بإشبيلية )
( إذا شئت أن تحظى بوصلي وقربتي ... فجنب قرين السوء واصرم حباله )
( وسابق إلى الخيرات واسلك سبيلها ... وحصل علوم الدين واعرف رجاله )
وكان رحمه الله تعالى كثيرا ما يتمثل ببيتي مهيار الديلمي وهما
( ومن عجب أني أحن إليهم ... وأسأل شوقا عنهم وهم معي )

( وتبكيهم عيني وهم في سوادها ... ويشكو النوى قلبي وهم بين أضلعي )
وحدث القاضي أبو البركات حفيده عن ابن خميس التلمساني المتقدم الذكر قال سمعت بعض الأشياخ يقول كان الشيخ أبو إسحاق البلفيقي الكبير يقول اجتمع لنا في الله أربعون ألف صاحب
وحكى الشيخ أبو البركات المذكور عن الشيخ الصالح الحاج الصوفي أبي الأصبغ ابن عزرة قال هذه صلاة على النبي أخذتها عن رابك الشيخ الصالح الحاج ابي عبد الله محمد بن علي بن الحاج مشافهة وقال لي إنها صلاة أبي إسحاق ابن الحاج جدك وهي اللهم صل على محمد وعلى آل محمد صلاة دائمة مستمرة تدوم بدوامك وتبقى ببقائك وتخلد بخلودك ولا غاية لها دون مرضاتك ولا جزاء لقائلها ومصليها غير جنتك والنظر إلى وجهك الكريم
ونقل أبو البركات المذكور عن جده أنه كان يستفتح مجلسه بالمرية بهذا الدعاء اللهم اجعلنا في عياذ منك منيع وحصن حصين وولاية جميلة حتى تبلغنا آجالنا مستورين محفوظين مبشرين برضوانك يوم لقائك قال وفي وسط الدعاء وآخره واكفنا عدونا إبليس وأعداءنا من الجن والإنس بعافيتنا وسلامتنا
وكان الشيخ رضي الله عنه يواصل أربعين يوما ومن مآثره أنه بنى ثمانية عشر جبا في مواضع متفرقة ونحو عشرين مسجدا وبنى أكثر سور حصن بلفيق كل ذلك من ماله
وقال رضي الله عنه في بعض رسائله الصوفي عبارة عن رجل عدل تقي صالح زاهد غير منتسب لسبب من الأسباب ولا مخل بأدب من الآداب قد عرف شأنه وزمانه وملكت مكارم الأخلاق عنانه لا ينتصر لنفسه ولا يتفكر في غده وأمسه العلم خليله والقرآن دليله والحق حفيظه ووكيله

نظره إلى الخلق بالرحمة ونظره إلى نفسه بالحذر والتهمة انتهى
وأحوال هذا الشيخ عجيبة وكراماته شهيرة وإنما ذكرنا هذا النزر اليسير تبركا بذكره رضي الله عنه في هذا الكتاب وتطفلا على رب الأرباب أن ينفعنا بأمثاله ويحقق لنا النجاة والمتاب إنه على ذلك قدير
رجع إلى أخبار أبي البركات ولما وقع بينه وبين ابن صفوان ما يقع بين المتعاصرين رد عليه ابن صفوان فانتصر لأبي البركات بعض طلبته بتأليف سماه شواظ من نار ونحاس يرسل على من لم يعرف قدره وقدر غيره من الناس وهو قدر رسالة الشيخ أو أطول وألفي على ظهره بخط الشيخ أبي البركات ما صورته
( قد شبع الكلب كما ينبغي ... من حجر صلد ومن مقرع )
( فإن يعد من بعد ذا للذي ... قد كان منه فهو ممن نعي )
ومن بديع نظم الشيخ أبي البركات رحمه الله تعالى قوله
( يلومونني بعد العذار على الهوى ... ومثلي في وجدي له لا يفند )
( يقولون أمسك عنه قد ذهب الصبا ... وكيف أرى الإمساك والخيط أسود )
وقوله في المجبنات
( ومصفرة الخدين مطوية الحشا ... على الجبن والمصفر يؤذن بالخوف )
( لها بهجة كالشمس عند طلوعها ... ولكنها في الحين تغرب في الجوف )
وفي هذين البيتين تورية متعددة
وحدث القاضي أبو البركات أنه لما أراد الانصراف عن سبتة قال له السيد الشريف أبو العباس رحمه الله متى عزمت على الرحيل فأنشد أبو البركات

( أما الرحيل فدون بعد غد ... فمتى تقول الدار تجمعنا )
فأنشد الشريف رحمه الله تعالى
( لا مرحبا بغد ولا أهلا به ... إن كان تفريق الأحبة في غد )
وحكي أن السيد أبا العباس الشريف المذكور ساير القاضي أبا البركات في بعض أسفاره زمن الشباب ببر الأندلس أعاده الله تعالى فلما انتهيا إلى قرية ترليانة وأدركهما النصب واشتد عليهما حر الهجير نزلا وأكلا من باكر التين الذي هناك وشربا من ذلك الماء العذب واستلقى أبو البركات على ظهره تحت شجرة مستظلا بظلها ثم التفت إلى السيد أبي العباس وقال
( ماذا تقول فدتك النفس في حالي ... يفنى زماني في حل وترحال )
وأرتج عليه فقال لأبي العباس أجز فقال بديها
( كذا النفوس اللواتي العز يصحبها ... لا ترتضي بمقام دون آمال )
( دعها تسر في الفيافي والقفار إلى ... أن تبلغ السؤل أو موتا بتجوال )
( الموت أهون من عيش لدى زمن ... يعلي اللئيم ويدني الأشرف العالي )
ولما أوقع الشيخ أبو البركات على زوجه الحرة العربية أم العباس عائشة بنت الوزير المرحوم أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الكتاني ثم المغيلي طلقة كتب نسختها بما نصه بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى آل محمد يقول عبد الله الراجي رحمته محمد المدعو بأبي البركات ابن الحاج خار الله له ولطف به إن الله جلت قدرته لما أنشأ خلقه على طبائع مختلفة وغرائز شتى ففيهم السخي والبخيل والشجاع والجبان والغبي والفطن والكيس والعاجز والمسامح والمناقش والمتكبر والمتواضع إلى غير ذلك من الصفات المعروفة من الخلق كانت العشرة لا تستمر بينهم إلا بأحد أمرين إما بالاشتراك في الصفات أو في

بعضها وإما بصبر أحدهما على صاحبه إذا عدم الاشتراك ولما علم الشارع أن بني آدم على هذا الوضع شرع لهم الطلاق ليستريح إليه من عيل صبره على صاحبه وتوسعة عليهم وإحسانا منه إليهم فلأجل العمل على هذا طلق كاتب هذا عبد الله محمد المذكور زوجه الحرة العربية المصونة عائشة ابنة الشيخ الوزير الحسيب النزيه الأصيل الصالح الفاضل الطاهر المقدس المرحوم أبي عبد الله محمد المغيلي طلقة واحدة ملكت بها أمر نفسها دونه عارفا قدره قصد بذلك إراحتها من عشرته طالبا من الله أن يغني كلا من سعته مشهدا بذلك على نفسه في صحته وجواز أمره يوم الثلاثاء أول يوم من شهر ربيع الثاني عام أحد وخمسين وسبعمائة انتهى
ومن نوادره رحمه الله تعالى أنه لما استناب بعض قضاة المرية الفقيه أبا جعفر المعروف بالقرعة في القضاء بخارج المرية من عمله فاتفق أن جاء بعض الجنانين بفحص المرية يشتكي من جائحة أو أذاية أصابت جنانه ففسدت غلته لذلك فأخذ ذلك الجنان قرعة وأشار إليها متشكيا وقال هذه القرعة تشهد بما أصاب جناني فقال الشيخ أبو البركات عند ذلك غريبتان في عام واحد القرعة تقضي والقرعة تشهد
وكان له رحمه الله تعالى من هذا النمط كثير
وقال رحمه الله تعالى نظمت صبيحة يوم السبت السابع والعشرين لرجب عام خمسة وأربعين وسبعمائة وقد رأيت في النوم كأني أريد إتيان امرأة لا تحل لي فيأتي رقيب فيحول بيني وبين ذلك المرة بعد المرة قولي
( ألا كرم الله الرقيب فإنه ... كفاني أمورا لا يحل ارتكابها )
( وبالغ في سد الذريعة فاغتدى ... يلاحظني نوما ليغلق بابها )
وقال رحمه الله أنشدني شيخي أبو عبد الله ابن رشيد عند قراءتي عليه

شرحه لقوافي أبي الحسن حازم وقد باحثته يوما مناقشة في بعض ألفاظه من الشرح المذكور
( تسامح ولا تستوف حقك كله ... وأغض فلم تستوف قط كريم )
ومن نظم الشيخ أبي البركات قوله
( ألا خل دمع العين يهمي بمقلتي ... لفرقة عين الدمع وقف على الدم )
( فللماء فيه رنة شجنية ... كرنة مسلوب الفؤاد متيم )
( وللطير فيه نغمة موصلية ... تذكرني عهد الصبا المتقدم )
( وللحسن أقمار به يوسفية ... ترد إلى دين الهوى كل مسلم )
وله رحمه الله تعالى
( ما كل من شد على رأسه ... عمامة يحظى بسمت الوقار )
( ما قيمة المرء بأثوابه ... السر في السكان لا في الديار )
وله سامحه الله تعالى
( إذا ما كتمت السر عمن أوده ... توهم أن الود غير حقيقي )
( ولم أخف عنه السر من ضنة به ... ولكنني أخشى صديق صديقي )
وله وقد جلس في حلقة بعض المشايخ واستدبر بعض الفضلاء ولم يره بسبتة
( إن كنت أبصرتك لا أبصرت ... بصيرتي في الحق برهانها )
( لا غرو أني لم أشاهدكم ... فالعين لا تبصر إنسانها )
ومما يعجبه رحمه الله من قوله قال في الإحاطة ويحق أن يعجبه
( تطالبني بما ليس لي به ... يدان فأعطيها الأمان فتقبل )

( عجبت لخصم لج في طلباته ... يصالح عنها بالمحال فيفصل )
ومما أورد له في الإحاطة وذكر أنه لو رحل راحل إلى خراسان لما أتى إلا بهما
( رعى الله إخوان الخيانة إنهم ... كفونا مؤونات البقاء على العهد )
( فلو قد وفوا كنا أسارى حقوقهم ... نراوح ما بين النسيئة والنقد )
وقد تمثل أبو البركات في مخاطبة له للسان الدين بقول القائل
( أيتها إليه اذهبي ... فحبه المشهور من مذهبي )
( أيأسني التوبة من حبه ... طلوعه شمسا من المغرب )
وحكى غير واحد منهم ابن داود البلوي أن القاضي أبا البركات لما عزم على الرحلة إلى المشرق كتب إليه ابن خاتمة بما صورته
( أشمس الغرب حقا ما سمعنا ... بأنك قد سئمت من الإقامة )
( وأنك قد عزمت على طلوع ... إلى شرق سموت به علامه )
( لقد زلزلت منا كل قلب ... بحق الله لا تقم القيامة )
قال الحاكي فحلف أبو البركات أن لا يرحل من إقليم فيه من يقول مثل هذا انتهى يشير بقوله لقد زلزلت إلخ إلى طلوع الشمس من مغربها
قلت ولما عزمت على هذا الرحلة كتب إلي بعض أصحابنا المغاربة بالأبيات المذكورة متمثلا ولم أرجع عن العزم والله غالب على أمره
قال الوزير لسان الدين رحمه الله تعالى وما أحسن قول شيخنا أبي البركات معتذرا عن زرقة عينيه
( حزنت عليك العين يا مغني الهوى ... فالدمع منها بعد بعدك ما رقا )

( ولذاك ما ظهرت بلون أزرق ... أوما ترى ثوب المآثم أزرقا ) قال رحمه الله تعالى وهو من الغريب
وقال بعض الشيوخ كنت أقرأ على الشيخ أبي البركات التفسير فنسيت ذات ليلة السفر الذي كنت أقرأ فيه بمنزلي فاتفق أن أحضر الجامع الصحيح للبخاري فقال الشيخ بعد أن أردت القراءة عليه من أوله افتح في أثناء الأوراق ولا تعين وما خرج لك من ترجمة لجهة اليمين فاقرأها ففعلت فإذا غزوة أحد فقرأت الحديث الأول من الباب وهو عن عقبة بن عامر قال إن رسول الله صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال إني بين أيديكم فرط وأنا شهيد عليكم وإن موعدكم الحوض وإني لأنظر إليه من مقامي هذا وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها قال فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله فقال الشيخ قوله صلى على قتلى أحد لفظ الصلاة يطلق لغة على الدعاء وشرعا على الأفعال المخصوصة المعلومة وإذا دار اللفظ بين الشرعي واللغوي فحمله على الشرعي أولى حتى يدل الدليل على خلافه فقوله صلى على قتلى أحد يحتمل الصلاة الشرعية ويكون ذلك منسوخا إذ قد تقرر أنه لا يصلى على شهيد المعترك ولا على من قد صلي عليه ولمن يعارضه أن يقول إن قتلى أحد متفرقون في أماكن فلا تتأتى الصلاة الشرعية عليهم إذ الصلاة الشرعية إنما تتأتى لو كانوا مجتمعين والجواب أنهم وإن كانوا متفرقين تجمعهم جهة واحدة وليس بعد ما بينهم بحيث لا تتأتى معه الصلاة عليهم هذا وإن احتمل حمله على الصلاة اللغوية وقوله كالمودع للأحياء والأموات أما وداعه للأحياء فلا إشكال فيه وأما الأموات فمعنى وداعه لهم وداع الدعاء لهم لأنه إذا مات فقد حيل بينه وبين

الدعاء لهم فلاجرم يودعهم بالدعاء لهم قبل أن يحال بينه وبين ذلك وقوله إني بين أيديكم أي أتقدم قبلكم وقوله بين أيديكم فرط أي متقدم وبين إذا أضيفت إلى الأيدي تستعمل فيما قبل زمانك وفيما بعده والمعنى هنا في قوله بين أيديكم أي أتقدم قبلكم وقوله وأنا شهيد عليكم فيه وجهان أحدهما أن يخلق الله في قلبه علما ضروريا يميز به بين البر والفاجر فيشهد بما خلق الله في قلبه من ذلك إذ لا تكون الشهادة إلا على أمر مشاهد ومعلوم أنه لم يشاهد مافعل بعده من أمته فيخلق الله له علما بذلك الوجه الثاني أن يخبره الله تعالى بذلك كما في حديث الحوض ليذادن عنه أقوام كما يذاد البعير الضال فأقول ألا هلم ألا هلم فيقال إنهم قد غيروا بعدك فأقول فسحقا فسحقا فسحقا فشهد بما أخبره الله تعالى به وهو نظير ما روي في تفسير قوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) البقرة 143 من ان قوم نوح يقولون كيف تشهدون علينا وزمانكم متأخر عن زماننا فيقولون لأن الله تعالى قص علينا اخباركم في كتابه فقال ( إنا أرسلنا نوحا إلى قومه - إلى آخره ) نوح 1 وقوله الله عليه وسلم وإن موعدكم الحوض وإني لأنظر إليه من مقامي هذا نظره صلى الله عليه و سلم الحوض فيه وجهان أحدهما أن يكون نظره إليه بقلبه إذ كان قد أطلعه الله عليه ليلة الإسراء فصار مرتسما في قلبه فيكون نظره إليه بعين قلبه كما يرتسم في قلب أحدنا شكل بيته وما فيه من المتاع والثياب وغير ذلك الثاني أن يكون الله تعالى قد كشف له عنه فيكون نظره إليه بعينه مشاهدة وقوله وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا إن قيل كيف قال ذلك وقد ارتد عن الإسلام من ارتد من العرب بعده فالجواب أنه إنما خاطب بذلك من لم يشرك من أصحابه ومن بعدهم من التابعين وغيرهم من أمته ولم يراع رعاع العرب

وجهالهم إذ لا اعتبار بهم لاحتقارهم وقوله عليه الصلاة و السلام ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها قد وقع ما خشي منه عليه الصلاة و السلام من المنافسة في الدنيا فكان كما ذكر انتهى
وحدث الشيخ أبو البركات قال كنت ببجاية بمجلس الإمام ناصر الدين المشدالي أيام قراءتي عليه وقد أفاض طلبة مجلسه بين يديه هل الملائكة أفضل أم الأنبياء فقلت الدليل لأن الملائكة أفضل أن الله أمرهم بالسجود لآدم قال فجعل الطلبة ينظر بعضهم إلى بعض حتى قال لي بعضهم استند يا سيدنا كأنه يقول إلى حائط ليزول هوس رأسك وكانت عبارتهم في ذلك وكل منهم يقول نحو ذلك إزراء وقال لي الإمام ناصر الدين أبصر فإنهم يقولون لك الحق وكانت لغته أن يقول أبصر قال فقلت أتقولون إن أمر الله للملائكة بالسجود لآدم أمر ابتلاء واختبار قالوا نعم قلت أفيختبر العبد بتقبيل يد سيده ليرى تواضعه قالوا لا فإن ذلك من شأن العبد دون أن يؤمر بل السيد يختبر تواضعه بأن يؤمر بالسجود للعبد قلت فكذا الملائكة لو أمرت بالسجود لأفضل منها لكان بمنزلة أمر العبد بالسجود لسيده قال فكأنما ألقمتهم حجرا
قال الشيخ أبو البركات وهذه كحكاية أبي بكر ابن الطيب مع بعض رؤساء المعتزلة وذلك أنه اجتمع معه في مجلس الخليفة فناظره في مسألة رؤية الباري فقال له رئيسهم ما الدليل أيها القاضي على جواز رؤية الله تعالى قال قوله تعالى ( لا تدركه الأبصار ) فنظر بعض المعتزلة إلى بعض وقالوا جن القاضي وذلك أن هذه الآية هي معظم ما احتجوا به على مذهبهم وهو ساكت ثم قال لهم أتقولون إن من لسان العرب الحائط لا يبصر قالوا لا قال أتقولون إن من لسان العرب لا يأكل قالوا لا قال فلا يصح إذا نفي الصفة إلا عما من شأنه صحة إثباتها له قالوا نعم قال فكذلك قوله تعالى ( لا تدركه الأبصار ) لولا جواز إدراك الأبصار له لم يصح نفيه عنه

فأذعنوا لما قال واستحسنوه
وقال الشيخ أبو البركات كنت ببجاية وقدم علينا رجل من فاس برسم الحج يعرف بابن الحداد فركب الناس في الأخذ عنه والرواية لما يحمله كل صعب وذلول مع أنه لم تكن منزلته هناك في العلم فعجبت لذلك حتى قلت لبعض الطلبة لقد أخذتموه بكلتا اليدين ولم أركم مع من هو أعلى قدرا منه كذلك فقالوا لي لأنه قدم علينا ونحن لا نعرفه وهو في زي حسن بخادم يخدمه يظن من يراه أن أباه من أعيان أهل بلده فسألناه أحي أبوه أم لا قال بل حي قلنا أهو من أهل العلم قال لا هو دلال في سوق الخدم فلذلك آثرناه على من هو فوقه في العلم قال فقلت لهم حق له أن ترتفع منزلته ويعلو صيته لتخلقه وفضله
وفوائد أبي البركات كثيرة
ومن تواليفه المؤتمن على أنباء أبناء الزمن كتاب مفيد جدا وهو رضي الله عنه من ذرية العباس بن مرداس السلمي صاحب رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
وقال الشيخ أبو البركات ذكر لي أن الفقيه الكاتب أبا الحسن ابن الجياب يحدث عني ولا أذكر الآن أني قلت ذلك ولكنني لما سمعته علمت أنه مما من شأني أن أقوله وهو أني قلت مثل العالم مثل رجل يصب ماء في قفة واضب على صب الماء بقيت القفة ملأى وإن ترك صب الماء بقيت القفة لا شيء فيها من فكذلك العالم إن واظب على طلب العلم بقي العلم لم ينقص منه شيء وإن ترك الطلب ذهب علمه انتهى
ونقلت ممن رأى كلام ابن الصباغ في ترجمة أبي البركات ما نصه لما ورد مدينة فاس في غرض الهناء والعزاء على أمير المسلمين أبي بكر السعيد ابن أمير المؤمنين أبي عنان وأبصر الدار غاصة بأرباب الدولة الفاسية ولم يعدم منها عدا شخصه والولد على أريكة أبيه أنشد

( لما تبدلت المجالس أوجها ... غير الذين عهدت من جلسائها )
( ورأيتها محفوفة بسوى الألى ... كانوا حماة صدورها وبنائها )
( أنشدت بيتا سائرا متقدما ... والعين قد شرقت بجاري مائها )
( أما القباب فإنها كقبابهم ... وأرى نساء الحي غير نسائها )
وأظن أنه تمثل بالأبيات في سره وإلا فيبعد أن يقولها في ذلك الحفل لما في ذلك من التعرض للهلك والله سبحانه أعلم
وحكى بعضهم انه كان جالسا في دهليز بيته مع بعض الأصحاب فدخلت زوجته من الحمام وهي بغير سراويل لقرب الحمام من البيت فانكشف ساقها فدخل خلفها مسرعا وغاب ساعة ثم خرج وأنشد
( كشفت على ساق لها فرأيته ... متلألئا كالجوهر البراق )
( لا تعجبوا إن قام منه قيامتي ... إن القيامة يوم كشف الساق )
وله في خديم اسمه يحيى احتجم محجمة واحدة
( أراني يحيى صنعة في قفائه ... مهذبة لما تبادر للباب )
( أرى الخمس فيها لا تفارق ساعة ... فصور بالموسى بها شكل محراب )
وتوفي الشيخ القاضي أبو البركات المذكور بشوال سنة 771 رحمه الله تعالى
22 - ومن أشياخ لسان الدين رحمه الله تعالى الشيخ الحكيم العلامة التعاليمي الشاعر البليغ أعجوبة زمانه في الإطلاع على علوم الأوائل أبو زكريا يحيى بن هذيل وقد قال في الإحاطة في حقه ما ملخصه يحيى

ابن احمد بن هذيل التجيبي أبو زكريا شيخنا جرى ذكره في التاج المحلى بما نصه درة بين الناس مغفلة وخزانة على كل فائدة مقفلة وهدية من الدهر الضنين لبنيه محتفلة أبدع من رتب التعاليم وعلمها وركض في الألواح قلمها وأتقن من صور الهيئة ومثلها وأسس قواعد البراهين وأثلها وأعرف من زاول شكاية ودفع عن جسم نكاية إلى غير ذلك من المشاركة في العلوم والوصول من المجهول إلى المعلوم والمحاضرة المستفزة للحلوم والدعابة التي ما خالع العذار فيها بالملوم فما شئت من نفس عذبة الشيم وأخلاق كالزهر من بعد الديم ومحاضرة تتحف المجالس والمحاضر ومذاكرة يروق النواظر زهرها الناضر وله أدب ذهب في الإجادة كل مذهب وارتدى من البلاغة بكل رداء مذهب والأدب نقطة من حوضه وزهرة من زهرات روضه وسيمر له في هذا الديوان ما يبهر العقول ويحاسن بروائه ورائق بهائه الفرند المصقول فمن ذلك ما خرجته من ديوانه المسمى بالسليمانيات والعزفيات قوله
( ألا استودع الرحمن بدرا مكملا ... بفاس من الدرب الطويل مطالعه )
( ففي فلك الأزرار يطلع سعده ... وفي أفق الأكباد تلفى مواقعه )
( يصير مرآه منجم مقلتي ... فتصدق في قطع الرجاء قواطعه )
( تجسم من ماء الملاحة خده ... وماء الحيا فيه ترجرج مائعه )
( تلون كالحرباء في خلجاته ... فيحمر قانيه ويبيض ناصعه )
( إذا اهتز غنى حليه فوق نحره ... كغصن النقا غنت عليه سواجعه )
( يؤكد حتف الصب عامل قدره ... وتعطف من واو العذار توابعه )

( أعد الورى سيفا كسيف لحاظه ... فهذا هو الماضي وذاك مضارعه )
وقال
( وصالك هذا أم تحية بارق ... وهجرك أم ليل السليم لتائق )
( أناديك والأشواق تركض جمرها ... بصفحة خدي من دموع سوابق )
( أبارق ثغر من عذيب رضابه ... قضت مهجتي بين العذيب وبارق )
ومنها
( فلا تتعبن ريح الصبا في رسالة ... ولا تخجل الطيف الذي كان طارقي )
( متى طعمت عيني الكرى بعد بعدكم ... فإني في دعوى الهوى غير صادق )
وقال
( بدا بدر تم فوقه الليل عسعسا ... وجنة أنس في صباح تنفسا )
( حوى النجم قرطا والدراري مقلدا ... وأسبل من مسك الذوائب حندسا )
( كأن سنا الإصباح رام يزورنا ... وخاف العيون الرامقات فغلسا )
( أتى يحمل التوراة ظبيا مزنرا ... لطيف التثني أشنب الثغر ألعسا )
( وقابل أحبار اليهود بوجهه ... فبارك ربي عليه وقدسا )
( فصير دمعي أعينا شرب سبطه ... وعمري تيها والجوانح مقدسا )
ومنها
( رويت ولوعي عن ضلوعي مسلسلا ... فأصبحت في علم الغرام مدرسا )
( نفى النوم عني كي أكون مسهدا ... فأصبحت في صيد الخيال مهندسا )

( غزال من الفردوس تسقيه أدمعي ... ويأوي إلى قلبي مقيلا ومكنسا )
( طغى ورد خديه بجنات صدغه ... فأضعفه بالآس نبتا وما أسا )
وهذا البيت محال على معنى فلاحي قال أهل الفلاحة إن الآس إذا اغترس بين شجر الورد أضعفه بالخاصية
وقال رحمه الله تعالى ورضي عنه
( نام طفل النبت في حجر النعامى ... لاهتزاز الطل في مهد الحزامى )
( وسما الوسمي أغصان النقا ... فهوت تلثم أفواه الندامى )
( كحل الفجر لهم جفن الدجى ... وغدا في وجنة الصبح لثاما )
( تحسب البدر محيا ثمل ... قد سقته راحة الصبح مداما )
( حوله الزهر كؤوس قد غدت ... مسكة الليل عليهن ختاما )
( يا عليل الريح رفقا علني ... أشف بالسقم الذي حزت سقاما )
( أبلغن شوقي عريبا باللوى ... همت في أرض بها حلوا غراما )
( فرشوا فيها من الدر حصى ... ضربوا فيها من المسك خياما )
( كنت أشفي غلة من صدكم ... لو أذنتم لجفوني أن تناما )
( واستفدت الروح من ريح الصبا ... لو أتت تحمل من سلمي سلاما )
وقال منها أيضا
( نشأت للصب منها زفرة ... تسكب الدمع على الربع سجاما )
( طرب البرق مع القلب بها ... وبها الأنات طارحن الحماما )

( طلل لا تشتفي الأذن به ... وهو للعينين قد ألقى كلاما )
( ترك الساكن لي من وصله ... ضمة الجدران لثما والتزاما )
( نزعات من سليمان بها ... فهم القلب معانيها فهاما )
( شادن يرعى حشاشات الحشا ... حسب حظي منه أن أرعى الذماما )
وقال
( أأرجو أمانا منك واللحظ غادر ... ويثبت عقلي فيك والطرف ساحر )
ومنها
( أعد سليمان أليم عذابه ... لطائر قلبي فهو للبين صائر )
( أشاهد منه الحسن في كل نظرة ... وناظر أفكاري بمغناه ناظر )
( دعت للهوى أنصار سحر جفونه ... فقلبي له عن طيب نفس مهاجر )
( إذا شق عن بدر الدجى أفق زره ... فإني بتمويه العواذل كافر )
( وفي حرم السلوان طابت خواطري ... وقلبي لما في وجنتيه مجاور )
( وقد ينزع القلب المبلى لسلوة ... كما اهتز من قطر الغمامة طائر )
( يقابل أغراضي بضد مرادها ... ولم يدر أن الضد للضد قاهر )
( ونار اشتياقي صعدت مزن أدمعي ... فمضمر سري فوق خدي ظاهر )
( وقد كنت باكي العين والبين غائب ... فقل لي كيف الدمع والبين حاضر )

( وليس النوى بالطبع مرا وإنما ... لكثرة ما شقت عليه المرائر )
وقال
( يا بارقا قاد الخيال فأومضا ... اقصد بطيفك مدنفا قد غمضا )
( ذاك الذي قد كنت تعهد نائما ... بالسهد من بعد الأحبة عوضا )
( لا تحسبني معرضا عن طيفه ... لكن منامي عن جفوني أعرضا )
ومنها
( عجب الوشاة لمهجتي أن لم تذب ... يوم النوى وتشككت فيما مضى )
( خفيت لهم من سر صبري آية ... ما فهمت إلا سليمان الرضى )
( لله درك ناهجا سبل الهوى ... فلمثله أمر الهوى قد فوضا )
( أمنت نملا فوق خدك سارحا ... وسللت سيفا من جفونك منتضى )
وقال في المدح
( حريص على جر الذوائب والقنا ... إذا كعت الأبطال والجو عابس )
( ويعتنق الأبطال لولا سقوطها ... لقلت لتوديع أتته الفوارس )
( إذا اختطفتهم كفه فسروجهم ... مجال وهم في راحتيه فرائس )
وقال يمدح السلطان أبا الوليد ابن نصر عند قدومه من فتح أشكر
( بحيث البنود الحمر والأسد الورد ... كتائب سكان السماء لها جند )
( وتحت لواء النصر ملك هو الورى ... تضيق به الدنيا إذا راح أو يغدو )

( تأمنت الأرواح في ظل بنده ... كأن جناح الروح من فوقه بند )
( فلو رام إدراك النجوم لنالها ... ولو هم لانقادت له السند والهند )
ومنها
( بعيني بحر النقع تحت أسنة ... تنمنمه وهنا كما نمنم البرد )
( سماء عجاج والأسنة شهبها ... ووقع القنا رعد إذا برق الهند )
( وظنوا بأن الرعد والصعق في السما ... محاق به من أيده الصعق والرعد )
( عجائب أشكال سما هرمس بها ... مهندسة تأتي الجبال فتنهد )
( ألا إنها الدنيا تريك عجائبا ... وما في القوى منها فلا بد أن يبدو )
وقال وهو معتقل
( تباعد عني منزل وحبيب ... وهاج اشتياقي والمزار قريب )
( وإني على قرب الحبيب مع النوى ... يكاد إذا اشتد الأنين يجيب )
( لقد بعدت عني ديار قريبة ... عجبت لجار الجنب وهو غريب )
( أعاشر أقواما تقر نفوسهم ... فللهم فيها عند ذاك ضروب )
( إذا شعروا من جارهم بتأوه ... أجابته منهم زفرة ونحيب )
( فلا ذاك يشكو هم هذا تأسفا ... لكل امرىء مما دهاه نصيب )
( كأني في غاب الليوث مسالم ... يروعني منه الغداة وثوب )
( تحكم فيها الدهر والعقل حاضر ... بكل قياس والأديب أديب )
( ولو مال بالجهال ميلته بنا ... لجاء بعذر إن ذا لعجيب )
( رفيق بمن لا ينثني عن جريمة ... بطوش بمن ما أوبقته ذنوب )
( ويطعمنا منه بوارق خلب ... نقول عساه يرعوي فيؤوب )

( إذا ما تشبثنا بأذيال برده ... دهتنا إذا جر الخطوب خطوب )
( أدار علينا صولجانا ولم يكن ... سوى أنه بالحادثات لعوب )
ومنها
( أيا دهر إني قد سئمت تهدفي ... أجرني فإن السهم منك مصيب )
( إذا خفق البرق الطروق أجابه ... فؤادي ودمع المقلتين سكوب )
( وإن طلع الكف الخضيب بسحرة ... فدمعي بحناء الدماء خضيب )
( تذكرني الأسحار دارا ألفتها ... فيشتد حزبي والحمام طروب )
( إذا علقت نفسي بليت وربما ... تكاد تفيض أو تكاد تذوب )
( دعوتك ربي والدعاء ضراعة ... وأنت تناجي بالدعا فتجيب )
( لئن كان عقبى الصبر فوزا وغبطة ... فإني على الصبر الجميل دروب )
قال وبعثت إليه هدية من البادية فقال يصف منها ديكا
( أيا صديقا جعلته سندا ... فراح فيما أحبه وغدا )
( طلبت منكم سريدكا خنثا ... وجئتم لي مكانه لبدا )
( صير مني مؤرخا ولكم ... ظللت في علمه من البلدا )
( قلت له آدم اتعرفه ... قال حفيدي بعصرنا ولدا )
( نوح وطوفانه رأيتهما ... قال علونا بفيضه أحدا )
( فقلت هل لي بجرهم خبر ... فقال قومي وجيرتي السعدا )
( فقلت فحطان هل مررت به ... قال نفثنا ببرده العقدا )
( فقلت صف لي سبا وساكنها ... فعند هذا تنفس الصعدا )

( فقال كم لي بدجنهم سحرا ... من صرخة لي وللنؤوم هدا )
( فقلت هاروت هل سمعت به ... فقال ريشي لسهمه نفدا )
( فقلت كسرى وآل شرعته ... فقال كنا بجيشه وفدا )
( ولوا وصاروا وها أنا لبد ... فهل رأيتم من فوقهم أحدا )
( ديك إذا ما انثنى لفكرته ... رأى وجودا طرائقا قددا ) ... ( يرفل في طيلسانه ولها ... قد صير الدهر لونه كمدا )
( إذا دجا الليل غاب هيكله ... كأن حبرا عليه قد جمدا )
( كأنما جلنار لحيته ... برجان جازا من الهواء مدى )
( كأن حصنا علا بهامته ... أعده للقتال فيه عدا )
( يرنو بياقوتتي لواحظه ... كأنما اللحظ منه قد رمدا )
( كأن متجالتي ذوائبه ... قوس سماء من أصله بعدا )
( وعوسج مدد من مخالبه ... طغى بها في نقاره وعدا )
( فذاك ديك جلت محاسنه ... له صراخ بين الديوك بدا )
( يطلبني بالذي فعلت به ... فكم فللنا بلبتيه مدى )
( وجهته محنة لآكله ... والله ما كان ذاك منك سدى )
ولم نزل بعد نستعدي عليه بإقراره بقتله ونطلبه بالقود عند تصرفه بالعمل فيوجه الدية لنا في ذلك رسائل
وقال في غرض أبي نواس
( طرقنا ديور القوم وهنا وتغليسا ... وقد شرفوا الناسوت إذ عبدوا عيسى )
( وقد رفعوا الإنجيل فوق رؤوسهم ... وقد قدسوا الروح المقدس تقديسا )
( فما استيقظوا إلا لصكة بابهم ... فأدهش رهبانا وروع قسيسا )

( وقام بها البطريق يسعى ملبيا ... وقد لين الناقوس رفعا وتأنيسا )
( فقلنا له أمنا فإنه عصابة ... أتينا لتثليث وإن شئت تسديسا )
( وما قصدنا إلا الكؤوس وإنما ... لحنا له في القول خبثا وتدليسا )
( ففتحت الأبواب بالرحب منهم ... وعرس طلاب المدامة تعريسا )
( فلما رأى رقي أمامي ومزهري ... دعاني أتأنيسا لحنت وتلبيسا )
( وقام إلى دن يفض ختامه ... فكبس أجرام الغياهب تكبيسا )
( وطاف بها رطب البنان مزنر ... فأبصرت عبدا صير الحر مرؤوسا )
( سلافا حواها القار لبسا فخلتها ... مثالا من الياقوت في الحبر مغموسا )
ومنها
( إلى أن سطا بالقوم سلطان نومهم ... ورأس فتيل الشمع نكس تنكيسا )
( وثبت إليه بالعناق فقال لي ... بحق الهوى هب لي من الضم تنفيسا )
( كتبت بدمع العين صفحة خده ... فطلس حبر الشعر كتبي تطليسا )
( فبئس الذي احتلنا وكدنا عليهم ... وبئس الذي قد أضمروا قبل ذا بيسا )
( فبتنا يرانا الله شر عصابة ... نطيع بعصيان الشريعة إبليسا )
وقال بديهة في غزالة من النحاس ترمي الماء على بركة
( عنت لنا من وحش وجرة ظبية ... جاءت لورد الماء ملء عنانها )
( وأظنها إذا حددت آذانها ... ريعت بنا فتوقفت بمكانها )
( حيت بقرني رأسها إذ لم تجد ... يوم اللقاء تحية ببنانها )
( حنت على الندمان من إفلاسهم ... فرمت قضيب لجينها لحنانها )
( لله در غزالة أبدت لنا ... در الحباب تصوغه بلسانها )

قال لسان الدين وفلج المذكور فلزم منزلي لمكان فضله ووجوب حقه وقد كانت زوجه توفيت وصحبه عليها وجد فلما ثقل وقربت وفاته استدعاني وكاد لسانه لا يبين فأوصاني وقال
( إذا مت فادفني حذاء حليلتي ... يخالط عظمي في التراب عظامها )
( ولا تدفنني في البقيع فإنني ... أريد إلى يوم الحساب التزامها )
( ورتب ضريحي كيفما شاءه الهوى ... تكون أمامي أو أكون أمامها )
( لعل إله العرش يجبر صدعتي ... فيعلي مقامي عنده ومقامها )
ومات رحمه الله تعالى في الخامس والعشرين لذي قعدة عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة ودفن بحذاء زوجه كما عهد رحمه الله تعالى انتهى
ومن نظم ابن هذيل
( وظبي زارني والليل طفل ... إلى أن لاح لي منه اكتهال )
( وألغى الشك من وصل فقلنا ... بليل الشك يرتقب الهلال )
23 - ومن أشياخ لسان الدين الشيخ أبو بكر ابن ذي الوزارتين وهو أعني أبا بكر الوزير الكاتب الأديب الفاضل المشارك المتفنن المتبحر في الفنون أبو بكر محمد ابن الشيخ الشهير ذي الوزارتين أبي عبد الله بن الحكيم الرندي ومن نظمه قوله
( تصبر إذا ما أدركتك ملمة ... فصنع إله العالمين عجيب )
( وما يلحق الإنسان عار بنكبة ... ينكب فيها صاحب وحبيب )

( ففي من مضى للمرء ذي العقل أسوة ... وعيش كرام الناس ليس يطيب )
( ويوشك أن تهمي سحائب نعمة ... فيخصب ربع للسرور جديب )
( إلهك يا هذا قريب لمن دعا ... وكل الذي عند القريب قريب )
قال ابن خاتمة وأنشدني الوزير أبو بكر مقدمه على المرية غازيا مع الجيش المنصور قال أنشدني أبي
( ولما رأيت الشيب حل بمفرقي ... نذيرا بترحال الشباب المفارق )
( رجعت إلى نفسي فقلت لها انظري ... إلى ما أرى هذا ابتداء الحقائق )
ترجمة أبي عبد الله ابن الحكيم
وبيتهم بيت كبير وأخذ عن غير واحد وعن والده وهو ذو الوزارتين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى اللخمي الرندي الكاتب البليغ الأديب الشهير الذكر بالأندلس وأصل سلفه من إشبيلية من أعيانها ثم انتقلوا إلى رندة في دولة بني عباد ويحيى جد والده هو المعروف بالحكيم لطبه وقدم ذو الوزارتين على حضرة غرناطة أيام السلطان أبي عبد الله محمد بن محمد بن نصر إثر قفوله من الحج في رحلته التي رافق فيها العلامة أبا عبد الله ابن رشيد الفهري فألحقه السلطان بكتابه وأقام يكتب له في ديوان الإنشاء إلى أن توفي هذا السلطان وتقلد الملك بعده ولي عهده أبو عبد الله المخلوع فقلده الوزارة والكتابة وأشرك معه في الوزارة أبا سلطان عبد العزيز بن سلطان الداني فلما توفي أبو سلطان أفرده السلطان بالوزارة ولقبه ذا الوزارتين

وصار صاحب أمره إلى أن توفي بحضرة غرناطة قتيلا نفعه الله تعالى غدوة يوم الفطر مستهل شوال سنة ثمان وسبعمائة وذلك لتاريخ خلع سلطانه وخلافة أخيه أمير المسلمين أبي الجيوش مكانه ومولده برندة سنة ستين وستمائة
وكان رحمه الله تعالى علما في الفضيلة والسراوة ومكارم الأخلاق كريم النفس واسع الإيثار متين الحرمة عالي الهمة كاتبا بليغا أديبا شاعرا حسن الخط يكتب خطوطا على أنواع كلها جميلة الانطباع خطيبا فصيح القلم زاكي الشيم مؤثرا لأهل العلم والأدب برا بأهل الفضل والحسب نفقت بمدته للفضائل أسواق وأشرقت بإمداده للأفاضل آفاق ورحل للمشرق كما سبق فكانت إجازته البحر من المرية فقضى فريضة الحج وأخذ عمن لقي هنالك من الشيوخ فمشيخته متوافرة وكان رفيقه كما مر الخطيب أبا عبد الله ابن رشد الفهري فتعاونا على هذا الغرض وقضيا منه كل نفل ومفترض واشتركا فيمن أخذا عنه من الأعلام في كل مقام وكانت له عناية بالرواية وولوع بالأدب وصبابة باقتناء الكتب جمع من أمهاتها العتيقة وأصولها الرائقة الأنيقة ما لم يجمعه في تلك الأعصر أحد سواه ولا ظفرت به يداه أخذ عنه الخطيب الصالح أبو إسحاق ابن أبي العاصي وتدبج معه رفيقه أبو عبد الله ابن رشيد وغير واحد وكان ممدحا وممن مدحه الرئيس أبو محمد عبد المهيمن الحضرمي والرئيس أبو الحسن ابن الجياب وناهيك بهما
ومن بديع مدح ابن الجياب له قصيدة رائية رائقة يهنيه فيها بعيد الفطر منها في أولها
( يا قادما عمت الدنيا بشائره ... أهلا بمقدمك الميمون طائره )
( ومرحبا بك من عيد تحف به ... من السعادة أجناد تظافره )

( قدمت فالخلق في نعمى وفي جذل ... أبدى بك البشر باديه وحاضره )
( والأرض قد لبست أثواب سندسها ... والروض قد بسمت منه أزاهره )
( حاكت يد الغيث في ساحاته حللا ... لما سقاها دراكا منه باكره )
( فلاح فيها من الأنوار باهرها ... وفاح فيها من النوار عاطره )
( وقام فيها خطيب الطير مرتجلا ... والزهر قد رصعت منه منابره )
( موشي ثوب طواه الدهر آونة ... فها هو اليوم للأبصار ناشره )
( فالغصن من نشوة يثني معاطفه ... والطير من طرب تشدو مزاهره )
( وللكمام انشقاق عن أزاهرها ... كما بدت لك من خل ضمائره )
( لله يومك ما أزكى فضائله ... قامت لدين الهدى فيه شعائره )
( فكم سريرة فضل فيك قد خبئت ... وكم جمال بدا للناس ظاهره )
( فافخر بحق على الأيام قاطبة ... فما لفضلك من ند يظاهره )
( فأنت في عصرنا كابن الحكيم إذا ... قيست بفخر أولي العليا مفاخره )
( يلتاح منه بأفق الملك نور هدى ... تضاءل الشمس مهما لاح زاهره )
( مجد صميم على عرش السماك سما ... طالت مبانيه واستعلت مظاهره )
( وزارة الدين والعلم التي رفعت ... أعلامه والندى الفياض زاخره )
( وليس هذا ببدع من مكارمه ... ساوت أوائله فيه أواخره )
( يلقى الأمور بصدر منه منشرح ... بحر وآراؤه العظمى جواهره )
( راعى أمور الرعايا معملا نظرا ... كمثل علياه معدولا نظائره )
( والملك سير في تدبيره حكما ... تنال ما عجزت عنه عساكره )
( سياسة الحلم لا بطش يكدرها ... فهو المهيب وما تخشى بوادره )
( لا يصدر الملك إلا عن إشارته ... فالرشد لا تتعداه مصايره )
( تجري الأمور على أقصى إرادته ... كأنما دهره فيه يشاوره )
( وكم مقام له في كل مكرمة ... أنست موارده فيها مصادره )

( ففضلها طبق الآفاق أجمعها ... كأنه مثل قد سار سائره )
( فليس يجحده إلا أخو حسد ... يرى الصباح فيعشى منه ناظره )
( لا ملك أكبر من ملك يدبره ... لا ملك أسعد من ملك يوازره )
( يا عز أمر به اشتدت مضاربه ... يا حسن ملك به ازدانت محاضره )
( تثني البلاد وأهلوها بما عرفوا ... ويشهد الدهر آتيه وغابره )
( بشرى لآمله الموصول مأمله ... تعسا لحاسده المقطوع دابره )
( فالعلم قد أشرقت نورا مطالعه ... والجود قد أسبلت سحا مواطره )
( والناس في بشر والملك في ظفر ... عال على كل عالي القدر قاهره )
( والأرض قد ملئت أمنا جوانبها ... بيمن من خلصت فيها سرائره )
( وإلى أياديه من مثنى وموحدة ... تساجل البحر إن فاضت زواخره )
( فكل يوم تلقانا عوارفه ... كساه أمواله الطولى دفاتره )
( فمن يؤدي لما أولاه من نعم ... شكرا ولو أن سحبانا يظاهره )
( يا أيها العيد بادر لثم راحته ... فلثمها خير مأمول تبادره )
( وافخر بأن قد لقيت ابن الحكيم على ... عصر يباريك أو دهر تفاخره )
( ولى الصيام وقد عظمت حرمته ... فأجره لك وافيه ووافره )
( وأقبل العيد فاستقبل به جذلا ... واهنأ به قادما عمت بشائره )
ومن نثر ذي الوزارتين آخر إجازة ما صورته وها أنا أجري معه على حسن معتقده وأكله في هذا الغرض إلى ما رآه بمقتضى تودده وأجيز له ولولديه أقر الله بهما عينه وجمع بينهما وبينه رواية جميع ما نقلته وحملته وحسن اطلاعه يفصل من ذلك ما أجملته فقد أطلقت لهم الإذن في جميعه وأبحت لهم الحمل عني ولهم الإختيار في تنويعه والله سبحانه يخلص أعمالنا لذاته ويجعلها في ابتغاء مرضاته قال هذا محمد بن عبد الرحمن بن الحكيم حامدا لله عز و جل ومصليا

ومن شعر ذي الوزارتين ابن الحكيم قوله
( ما أحسن العقل وآثاره ... لو لازم الإنسان إيثاره )
( يصون بالعقل الفتى نفسه ... كما يصون الحر أسراره )
( لا سيما إن كان في غربة ... يحتاج أن يعرف مقداره )
وقوله رحمه الله
( إني لأعسر أحيانا فيلحقني ... يسر من الله إن العسر قد زالا )
( يقول خير الورى في سنة ثبتت ... أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا )
وهو من أحسن ما قال رحمه الله
ومن شعر ذي الوزارتين المذكور قوله
( فقدت حياتي بالعراق ومن غدا ... بحال نوى عمن يحب فقد فقد )
( ومن أجل بعدي عن ديار ألفتها ... جحيم فؤادي قد تلظى وقد وقد )
وقد سبقه إلى هذا القائل
( أواري أواري بالدموع تجلدا ... وكم رمت إطفاء اللهيب وقد وقد )
( فلا تعذلوا من غاب عنه حبيبه ... فمن فقد المحبوب مثلي فقد فقد )
كذا رواه ابن خاتمة ورواه غيره هكذا
( أواري أواري والدموع تبينه ... )
وهو الصواب قال ابن خاتمة وأنشدني رئيس الكتاب الصدر البليغ

الفاضل أبو القاسم عبد الله بن يوسف بن رضوان النجاري قال أنشدني رئيس الكتاب الجليل أبو محمد عبد المهيمن بن محمد الحضرمي قال أنشدني رئيس الكتاب ذو الوزارتين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن الحكيم رحمه الله
( صح الكتاب وعنه ... واختم على مكتنه )
( واحذر عليه من مخالسة ... الرقيب بجفنه )
( واجعل لسانك سجنه ... كيلا ترى في سجنه )
قال ابن خاتمة وفي سند هذه القطعة نوع غريب من التسلسل
وحكى أن ذا الوزارتين المذكور لما اجتمع مع الجليل الفقيه الكاتب ابن أبي مدين أنشده ابن أبي مدين
( عشقتكم بالسمع قبل لقاكم ... وسمع الفتى يهوى لعمري كطرفه )
( وحببني ذكر الجليس إليكم ... فلما التقينا كنتم فوق وصفه )
فأنشد ذو الوزارتين ابن الحكيم
( ما زلت أسمع من علياك كل سنا ... أبهى من الشمس أو أجلى من القمر )
( حتى رأى بصري فوق الذي سمعت ... أذني فوفق بين السمع والبصر )
ويعجبني في قريب من هذا المعنى قول الحاج الكاتب أبي إسحاق الحسناوي رحمه الله
( سحر البيان بناني صار يعقده ... والنفث في عقده من منطقي الحسن )
( لا أنشد المرء يلقاني ويبصرني ... أنا المعيدي فاسمع بي ولا ترني )
رجع وقال لسان الدين في عائد الصلة في حق ذي الوزارتين ابن الحكيم

ما صورته كان رحمه الله فريد دهره سماحة وبشاشة ولوذعية وانطباعا رقيق الحاشية نافذ العزمة مهتزا للمديح طلقا للأمل كهفا للغريب برمكي المائدة مهلبي الحلوى ريان من الأدب مضطلعا بالرواية مستكثرا من الفائدة يقوم على المسائل الفقهية ويتقدم الناس في باب التحسين والتقبيح ورفع راية الحديث والتحديث نفق بضاعة الطلب وأحيا معالم الأدب وأكرم العلم والعلماء ولم تشغله السياسة عن النظر ولا عاقه تدبير الملك عن المطالعة والسماع وأفرط في اقتناء الكتب ختى ضاقت قصوره عن خزائنها وأثرت أنديته من ذخائرها قام له الدهر على رجل وأخدمه صدور البيوتات وأعلام الرياسات وخوطب من البلاد النازحة وأمل في الآفاق النائية انتهى المقصود منه
ومن أحسن ما رثي به الوزير ابن الحكيم رحمه الله قول بعضهم
( قتلوك ظلما واعتدوا ... في فعلهم حد الوجوب )
( ورموك أشلاء وذا ... أمر قضته لك الغيوب )
( إن لم يكن لك سيدي ... قبر فقبرك في القلوب )
وقال لسان الدين في الإحاطة في حق رحلة ذي الوزارين ابن الحكيم ما صورته رحل إلى الحجاز الشريف من بلده على فتاء سنة أول عام ثلاثة وثمانين وستمائة فحج وزار وتجول في بلاد المشرق منتجعا عوالي الرواية في مظانها ومنقرا عنها عند مسني شيوخها وقيد الأناشيد الغربية والأبيات المرقصة واقام بمكة شرفها الله من شهر رمضان إلى انقضاء الموسم فأخذ بها

عن جماعة وانصرف إلى المدينة المشرفة ثم قفل مع الركب الشامي إلى دمشق ثم كر إلى المغرب لا يمر بمجلس علم أو تعلم إلا روى أو روى واحتل رندة حرسها الله أواخر عام خمسة وثمانين وستمائة وفأقام بها عينا في قرابته وعلما في أهله معظما لديهم إلى أن أوقع السلطان بالوزراء من بني حبيب الوقيعة البرمكية وورد رندة في أثر ذلك فتعرض إليه وهنأه بقصيدة طويلة من أوليات شعره أولها
( هل إلى رد عشيات الوصال ... سبب أم ذاك من ضرب المجال )
فلما أنشدها إياه أعجب به وبحسن خطه ونصاعة ظرفه فأثنى عليه واستدعاه إلى الوفادة على حضرته فوفد آخر عام ستة وثمانين فأثبته في خواص دولته وأحظاه لديه إلى أن رقاه إلى كتابة الإنشاء ببابه واستمرت حاله معظم القدر مخصوصا بالمزية إلى أن توفي السلطان ثاني الملوك من بني نصر وتقلد الملك بعده ولي عهد أبو عبد الله فزاد في إحظائه وتقريبه وجمع له بين الكتابة والوزارة ولقبه بذي الوزارتين وأعطاه العلامة وقلده الأمر فبعد الصيت وطاب الذكر إلى أن كان من أمره ما كان انتهى ملخصا
وقال في الإحاطة بعد كلام طويل في ترجمته قال شيخنا الوزير أبو بكر ابن الحكيم ولده وجدت بخطه رحمه الله تعالى رسالة خاطب بها أخاه الأكبر أبا إسحاق إبراهيم افتتحها بقصيدة أولها
( ذكر اللوى شوقا إلى أقماره ... فقضى أسى أو كاد من تذكاره )
( وعلا زفير حريق نار ضلوعه ... فرمى على وجناته بشراره )

وقد ذكرناها في غير هذا المحل
وقال ممايكتب على قوس
( أنا عدة للدين في يد من غدا ... لله منتصرا على أعدائه )
( أحكي الهلال وأسهمي في رجمها ... لمن اعتدى تحكي رجوم سمائه )
( قد جاء في القرآن أني عدة ... إذ نص خير الخلق محكم آية )
( وإذا العدو أصابه سهمي فقد ... سبق القضاء بهلكه وفنائه )
قال لسان الدين ومن توقيعه ما نقلته من خط ولده يعني أبا بكر في كتابه المسمى بالموارد المستعذبة وكان بوادي آش الفقيه الطرائفي فكتب إلى خاصة والدي أبي جعفر ابن داود قصيدة على روي السين يتشكى فيها من مشرف بلدهم إذ ذاك أبي القاسم ابن حسان منها
( فيا صفي أبي العباس كيف ترى ... وأنت أكيس من فيها من أكياس )
( ولوه إن كان ممن ترتضون به ... فقد دنا الفتح للأشراف في فاس )
ومنها يستطرد ذكر ذي الوزارتين
( للشرق فضل فمنه أشرقت شهب ... من نورهم أقبسونا كل مقباس )
فوقع عليها رحمه الله تعالى
( إن أفرطت بابن حسان غوائله ... فالأمر يكسوه ثوب الذكر والباس )
( وإن تزل به في جورة قدم ... كان الجزاء له ضربا على الراس )

( فقد أقامني المولى بنعمته ... لبث أحكامه بالعدل في الناس )
ثم أطال في أمره إلى أن قال في ترجمة قتله ما صورته واستولت يد الغوغاء على منازله شغلهم بها مدبر الفتنة خيفة من أن يعاجلوه قبل تمام أمره فصاع بها مال لا يكتب وعروض لا يعلم لها قيمة من الكتب والذخيرة والفرش والآنية والسلاح والمتاع والخرثي وأخفرت ذمته وتعدى به عدوه القتل إلى المثلة وقانا الله مصارع السوء فطيف بشلوه وانتهب فضاع ولم يقبر وجرت فيه شناعة كبيرة رحمه الله تعالى انتهى المقصود منه
رجع
24 - ومن مشايخ لسان الدين الأستاذ أبو الحسن علي القيجاطي
وقال في حقه في الإحاطة ما محصله علي بن عمر بن إبراهيم بن عبد الله الكناني القيجاطي أبو الحسن أوحد زمانه علما وتخلقا وتواضعا وتفننا ورد على غرناطة مستدعى عام اثني عشر وسبعمائة وقعد بمسجدها الأعظم يقرىء فنونا من العلم من قراءات وفقه وعربية وأدب وولي الخطابة وناب عن بعض القضاة بالحضرة مشكور المأخذ حسن السيرةعظيم النفع وقصده الناس وأخذوا عنه وكان أديبا لوذعيا فكها حلوا وهو أول أستاذ قرأت عليه القرآن والعربية والأدب إثر قراءة المكتب وله تآليف في فنون وشعر ونثر فمن شعره قوله
( روض المشيب تفتحت أزهاره ... حتى استبان ثغامه وبهاره )

( ودجى الشباب قد استبان صباحه ... وظلامه قد لاح فيه نهاره )
( فأتى حمام لا يعاف وقوعه ... ومضى غراب لا يخاف مطاره )
( والعمر مثل البدر يبدو حسنه ... حينا ويعقب بعد ذاك سراره )
( ما للإخاء تقلصت أفياؤه ... ما للصفاء تكدرت آثاره )
( والحر يصفح إن أخل خليله ... والبر يسمح إن تجرأ جاره )
( فتراه يدفع إن تمكن جاهه ... وتراه ينفع إن علا مقداره )
( ولأنت تعلم أنني زمن الصبا ... ما زلت زندا والحياء سواره )
( ولأنت تعلم أنني زمن الصبا ... مازلت ممن عف فيه إزاره )
( والهجر ما بين الأحبة لم يزل ... ترك الكلام أو السلام مثاره )
( ولكم تجافى عن جفاء خليله ... فطن وقد ظفرت به أظفاره )
( ولكم أصر على التدابر مدبر ... أفضى إلى ندم به إصراره )
( فأقام كالكسعي بأن نهاره ... أو كالفرزدق فارقته نواره )
( أنكرتم من حق معترف لكم ... بالحق ما لا ينبغي إنكاره )
( والشرع قد منع التقاطع نصه ... قطعا وقد وردت به أخباره )
( والسن سن تورع وتبرع ... وتسرع لتشرع تختاره )
( ما يومنا من أمسنا قدك اتئد ... ذهب الشباب فكيف ينفى عاره )
( هلا حظرتم أو حذرتم منه ما ... حق عليكم حظره وحذاره )
( عجبا لمن يجري هواه لغاية ... محدودة إضماره مضماره )
( يأتي ضحى ما كان يأتيه دجى ... فكأنه ما شاب منه عذاره )
( فيعد ما تفنى به حسناته ... ويعيد ما تبقى به أوزاره )
( فالنفس قد أجرته ملء عنانها ... يشتد في مضمارها إحضاره )
( والمرء من إخوانه في جنة ... بل جنة تجري بها أنهاره )
( واليمن قد مدت إليه يمينه ... واليسر قد شدت عليه يساره )

( شعر به أشعرت بالنصح الذي ... يهديه من أشعاره إشعاره )
( ولو اختبرتم نقده بمحكة ... لامتاز بهرجه ولاح نضاره )
( هذا هدى فبه اقتده تنل المنى ... أو أنت في هذا وما تختاره )
( وعليكم مني سلام مثلما ... أرجت بروض يانع أزهاره )
وقال من قصيدة رثائية
( حمام حمام فوق أيك الأسى تشدو ... تهيج من الأشجان ما أوجد الوجد )
( وذلك شجو في حناجرنا شجا ... وذلك هزل في ضمائرنا جد )
( أرى أرجل الأرزاء تشتد نحونا ... وأيديها تسعى إلينا فتمتد )
( ونحن أولو سهو عن الأمر ما لنا ... سوى أمل إيجابنا عنده جحد )
( فإن خطرت للمرء ذكرى بخاطر ... فتسبيحة الساهي إذا سمع الرعد )
( مصاب به قدت قلوب وأنفس ... لدينا إذا في غيره قطعت برد )
( تلين له الصم الصلاب وتنهمي ... عيون ويبكي عنده الحجر الصلد )
( فلا مقلة ترنو ولا أذن تعي ... ولا راحة تعطو ولا قدم تعدو )
( وقد كان يبدو الصبر منا تجلدا ... وهذا مصاب صبرنا فيه ما يبدو )
ومولده عام خمسين وستمائة وتوفي بغرناطة ضحى السبت في السابع والعشرين لذي حجة عام ثلاثين وسبعمائة وحضره السلطان فمن دونه رحمه الله تعالى انتهى
25 - ومنهم العلامة شيخ الشيوخ أبو سعيد فرج بن لب
قال في الإحاطة في حقه ما محصله فرج بن قاسم بن أحمد بن لب

قال ابن الصباغ من شعر ابن لب يمدح رسول الله
( إذا القلب ثار أثار ادكارا ... لقلبي فأذكى عليه أوارا )
( تروم جفوني لنار الهوى ... خمودا فتهمي دموعا غزارا )
( فماء جفوني يسح انهمالا ... ونارفؤادي تهيج استعارا )
( أطيل العويل صباحا مساء ... كئيبا ولست أطيق اصطبارا )
( رقيت مراقي للحب شتى ... فأفنى مرارا وأحيا مرارا )
( أحن اشتياقا لريح سرت ... وأبدي هياما لبرق أنارا )
( حنينا وشوقا إلى معلم ... حوى شرفا خالدا لا يجارى )
( به أسكن الله أسمى الورى ... نبيا كريما وصحبا خيارا )
( هو المصطفى المنتقى المجتبى ... أرى معجزات وآيا كبارا )
( يحق علينا ركوب البحار ... وجوب القفار إليه ابتدارا )
ومنها
( فيا فوز من فاز في طيبة ... بلثم المغاني جدارا جدارا )
( وألصق خدا على تربها ... وأكمل حجا بها واعتمارا )
( وأهدى السلام لخير الأنام ... على حين وافى عليه مزارا )
( فيا هادي الخلق دار نعيم ... تناهت جمالا وطابت قرارا )
( لأنت الوسيلة والمرتجى ... ليوم يرى الناس فيه سكارى )
( وما هم سكارى ولكنهم ... دهتهم دواه فهاموا حيارى )
( ترى المرء للهول من أمه ... ومن أقربيه يطيل الفرارا )
( وكل يخاف على نفسه ... فيكسوه خوف الإله انكسارا )
( فصلى الإله رسول الهدى ... عليك وأبقى هداك منارا )
( وقدس ربي ثرى روضة ... يعم الجهات سناها انتشارا )

( أعير شذا المسك منها الثرى ... بل المسك منه شذاه استعارا )
( هنيئا لمن بهداك اهتدى ... ومغناك وافى وإياك زارا )
وقصد رحمه الله تعالى بهذه القصيدة معارضة قصيدة الشهاب محمود التي نظمها بالحجاز في طريق المدينة المشرفة على ساكنها الصلاة والسلام وهي طويلة ومطلعها
( وصلنا السرى وهجرنا الديارا ... وجئناك نطوي إليك القفارا )
وقد تبارى الشعراء في هذا الوزن وهذا الروي ومنه القصيدة المشهورة
( أقول وآنست بالحي نارا ... )
ولابن لب رحمه الله تعالى الفتاوي المشهورة
وقال في الإحاطة في حقه ما محصله فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي غرناطي أبو سعيد من أهل الخير والطهارة والذكاء والديانة وحسن الخلق رأس بنفسه وبرز بمزية إدراكه وحفظه فأصبح حامل لواء التحصيل وعليه مدار الشورى وإليه مرجع الفتوى لقيامه على الفقه وغزارة علمه وحفظه إلى المعرفة بالعربية واللغة ومعرفة التوثيق والقيام على القراءات والتبريز في التفسير والمشاركة في الأصلين والفرائض والأدب وجودة الحفظ وأقرأ بالمدرسة النصرية في الثامن والعشرين لرجب عام أربعة وخمسين وسبعمائة معظما عند الخاصة والعامة مقرونا اسمه بالتسويد قعد للتدريس ببلده على وفور الشيوخ وولي الخطابة بالجامع قرأ على القيجاطي والعربية على ابن الفخار وأخذ عن ابن جابر الوادي آشي فمن شعره في النسيب
( خذوا للهوى من قلبي اليوم ما أبقى ... فما زال قلبي كله للهوى رقا )

( دعوا القلب يصلى في لظى الوجد ناره ... فنار الهوى الكبرى وقلبي هو الأشقى )
( سلوا اليوم أهل الوجد ماذا به لقوا ... فكل الذي يلقون بعض الذي ألقى )
( فإن كان عبد يسأل العتق سيدا ... فلا أبتغي من مالكي في الهوى عتقا )
( بدعوى الهوى يدعو أناس وكلهم ... إذا سئلوا طرق الهوى جهلوا الطرقا )
( فطرق الهوى شتى ولكن أهله ... يحوزون في يوم السباق بها السبقا )
( وكم جمعت طرق الهوى بين أهلها ... وكم أظهرت عند السوى بينهم فرقا )
( بسيما الهوى تسمو معارف أهله ... فحيث ترى سيما الهوى فاعرف الصدقا )
( فمن زفرة تزجي سحائب عبرة ... إذا زفرة ترقى فلا عبرة ترقا )
( إذا سكتوا عن وجدهم أعربت به ... بواطن أحوال وما عرفت نطقا )
وقال في وداع شهر رمضان
( أأزمعت يا شهر الصيام رحيلا ... وقاربت يا بدر الزمان أفولا )
( أجدك قد جدت بك الآن رحلة ... رويدك أمسك للوداع قليلا )
( نزلت فأزمعت الرحيل كأنما ... نويت رحيلا إذ نويت نزولا )
( وما ذاك إلا أن أهلك قد مضوا ... تفانوا فأبصرت الديار طلولا )
( تفكرت في الأوقات ناشئة التقى ... أشد به وطأ وأقوم قيلا )
وهي طويلة
وكان موجودا عند تأليف الإحاطة رحمه الله تعالى انتهى بالمعنى
وقال الحافظ ابن حجر إنه صنف كتابا في الباء الموحدة وأخذ عنه شيخنا بالإجازة قاسم بن علي المالقي ومات سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة انتهى
وقال تلميذه المنتوري ما نصه من شيوخي الشيخ الأستاذ الخطيب المقرئ

المتفنن المفتي أبو سعيد ابن لب مولده سنة إحدى وسبعمائة وتوفي ليلة السبت لسبع عشرة ليلة مضت من ذي الحجة عام اثنين وثمانين انتهى
وهو مخالف لما سبق عن ابن حجر لكن صاحب البيت أدرى إذ المنتوري تلميذه ونحوه للشيخ أبي زكريا السراج في فهرسته إذ قال شيخنا الفقيه الخطيب الأستاذ المقرىء العالم العلم الصدر الأوحد الشهير كان شيخ الشيوخ وأستاذ الأستاذين بالأندلس إليه انتهت فيها رياسة الفتوى في العلوم كان أهل زمانه يقفون عندما يشير إليه قرأ على أبي علي القيجاطي بالسبع وتفقه عليه كثيرا في أنواع العلوم ولازمه إلى أن مات وأجازه عامة وعليه اعتمد وأخذ عن أبي جعفر ابن الزيات وأبي إسحاق ابن أبي العاصي وابن جابر الوادي آشي وقاضي الجماعة أبي بكر سمع عليه البخاري وتفقه عليه وقرأ عليه أكثر عقيدة المقترح تفهما وبعض الإرشاد وبعض التهذيب وعن أبي محمد ابن سلمون والبركة أبي عبد الله الطنجالي الهاشمي وأجازه انتهى بمعناه
وبالجملة فهو من أكابر علماء المالكية بالمغرب حتى قال المواق فيه شيخ الشيوخ أبو سعيد ابن لب الذي نحن على فتاويه في الحلال والحرام انتهى
وقل من لم يأخذ عنه في الأندلس في وقته فممن أخذ عنه الشاطبي وابن علاق وأبو محمد ابن جزي والأستاذ القيجاطي والأستاذ الحفار والشيخ الوزير ابن الخطيب السلماني والكاتب ابن زمرك في خلق كثير من طبقتهم ثم من الطبقة الثانية أبو يحيى ابن عاصم وأخوه القاضي أبو بكر ابن عاصم والشيخ أبو القاسم ابن سراج والمنتوري في خلق لا يحصون
وله تواليف فمنها شرح جمل الزجاجي وشرح تصريف التسهيل

وكتاب ينبوع عين الثرة في تفريع مسألة الإمامة بالأجرة وله فتاوي مدونة بأيدي الناس وممن جمعها الشيخ ابن طركاط الأندلسي وله كتابة في مسألة الأدعية إثر الصلوات على الهيئة المعروفة وقد رد عليه في هذا التأليف تلميذه أبو يحيى ابن عاصم الشهيد في تأليف نبيل انتصارا لشيخه أبي إسحاق الشاطبي رحم الله تعالى الجميع
26 - ومن أشياخ لسان الدين ابن الخطيب أبو القاسم ابن جزي ففي الإحاطة ما ملخصه محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي الكلبي أبو القاسم من أهل غرناطة وذوي الأصالة والنباهة فيها شيخنا وأصل سلفه من ولبة من حصن البراجلة نزل بها أولهم عند الفتح صحبة قريبهم أبي الخطار حسام بن ضرار الكلبي وعند خلع دولة المرابطين كان لجدهم يحيى رياسة وانفراد بالتدبير وكان رحمه الله تعالى على طريقة مثلى من العكوف على العلم والاقتصار على الاقتيات من حر النشب والاشتغال بالنظر والتقييد والتدوين فقيها حافظا قائما على التدريس مشاركا في فنون من عربية وفقه وأصول وقراءات وأدب وحديث حفظة للتفسير مستوعبا للأقوال جماعة للكتب ملوكي الخزانة حسن المجلس ممتع المحاضرة قريب الغور صحيح الباطن تقدم خطيبا بالمسجد الأعظم من بلده على حداثة سنه فاتفق على فضله وجرى على سنن أصالته قرأ على الأستاذ أبي جعفر ابن الزبير العربية والفقه والحديث والقرآن وعلى ابن الكماد ولازم الخطيب أبا عبد الله ابن رشيد وطبقتهم كالحضرمي وابن أبي الأحوص وابن برطال وأبي عامر ابن ربيع الأشعري والولي أبي عبد الله

الطنجالي وابن الشاط
وله تواليف منها وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم والأنوار السنية في الكلمات السنية والدعوات والأذكار المخرجة من صحيح الأخبار والقوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية والتنبيه على مذهب الشافعية والحنفية والحنبلية وكتاب تقريب الوصول إلى علم الأصول وكتاب النور المبين في قواعد عقائد الدين وكتاب المختصر البارع في قراءة نافع وكتاب أصول القراء الستة غير نافع وكتاب الفوائد العامة في لحن العامة إلى غير ذلك مما قيده في التفسير والقراءات وغير ذلك وله فهرسة كبيرة اشتملت على جملة كبيرة من علماء المشرق والمغرب
ومن شعره قوله في الأبيات الغينية ذاهبا مذهب المعري وابن المظفر والسلفي وأبي الحجاج ابن الشيخ وأبي الربيع ابن سالم وابن أبي الأحوص وغيرهم من علماء المشرق والمغرب
( لكل بني الدنيا مراد ومقصد ... وإن مرادي صحة وفراغ )
( لأبلغ في علم الشريعة مبلغا ... يكون به لي للجنان بلاغ )
( ففي مثل هذا فلينافس أولو النهى ... وحسبي من دار الغرور بلاغ )
( فما الفوز إلا في نعيم مؤبد ... به العيش رغد والشراب يساغ )
وقال
( أروم امتداح المصطفى فيردني ... قصوري عن إدراك تلك المناقب )
( ومن لي بحصر البحر والبحر زاخر ... ومن لي بإحصاء الحصى والكواكب )
( ولو أن أعضائي غدت ألسنا إذا ... لما بلغت في المدح بعض مآربي )
( ولو أن كل العالمين تألفوا ... على مدحه لم يبلغوا بعض واجب )
( فأمسكت عنه هيبة وتأدبا ... وعجزا وإعظاما لأرفع جانب )

( ورب سكوت كان فيه بلاغة ... ورب كلام فيه عتب لعاتب )
وقال
( يا رب إن ذنوبي اليوم قد كثرت ... فما أطيق لها حصرا ولا عددا )
( وليس لي بعذاب النار من قبل ... ولا أطيق لها صبرا ولا جلدا )
( فانظر إلهي إلى ضعفي ومسكني ... ولا تذيقنني حر الجحيم غدا )
وقال
( وكم من صفحة كالشمس تبدو ... فيسلي حسنها قلب الحزين )
( غضضت الطرف عن نظري إليها ... محافظة على عرضي وديني )
مولده يوم الخميس تاسع ربيع الثاني عام ثلاثة وتسعين وستمائة وفقد وهو يحرض الناس يوم الكائنة بطريف ضحوة يوم الإثنين تاسع جمادى الأولى عام أحد وأربعين وسبعمائة وعقبه ظاهر بين القضاء والكتابة انتهى
شعر لابن لؤلؤة
وأذكرني روي الغين الصعب قول الشيخ أبي عبد الله محمد بن علي بن يوسف السكوني الأندلسي المعروف بابن لؤلؤة رحمه الله ورضي عنه
( أمن بعد ما لاح المشيب بمفرقي ... أميل لزور بالغرور يصاغ )
( وأرتاح للذات والشيب منذر ... بما ليس عنه للأنام مراغ )
( ومن لم يمت قبل الممات فإنه ... يراع بهول بعده ويراغ )
( فيا رب وفقني إلى ما يكون لي ... به للذي أرجوك منه بلاغ )
توفي المذكور بالطاعون سنة 750 وكان خطيبا بحصن قمارش رحمه الله تعالى

من نظم ابن جزي
ومن نظم ابن جزي المذكور قوله
( أيا من كففت النفس عنه تعففا ... وفي النفس من شوقي إليه لهيب غرام )
( ألا إنما صبري كصبر وإنما ... على النفس من تقوى الإله رقيب لجام )
وهما من التخيير المعلوم في فن البديع
وقول لسان الدين رحمه الله تعالى وله عقب ظاهر بين القضاء والكتابة يريد به بنيه البارع أبا بكر والعلامة أبا عبد الله والقاضي أبا محمد عبد الله
تراجم أولاد ابن جزي
ولنذكرهم فنقول أما أبو بكر أحمد فهو الذي ألف أو أبوه الأنوار السنية وهو من أهل الفضل والنزاهة وحسن السمت والهمة واستقامة الطريقة غرب في الوقار ومال إلى الانقباض وله مشاركة حسنة في فنون من فقه وعربية وأدب وخط ورواية وشعر تسمو ببعضه الإجادة إلى غاية بعيدة وقرأ على والده ولازمه واستظهر ببعض تآليفه وتفقه وتأدب به وقرأ على بعض معاصري أبيه ثم ارتسم في الكتابة السلطانية لأول دولة السلطان أبي الحجاج ابن نصر وولي القضاء ببرجة وبأندرش ثم بوادي آش مشكور السيرة معروف النزاهة
ومن شعره
( أرى الناس يولون الغني كرامة ... وإن لم يكن أهلا لرفعة مقدار )
( ويلوون عن وجه الفقير وجوههم ... وإن كان أهلا أن يلاقي بإكبار )
( بنو الدهر جاءتهم أحاديث جمة ... فما صححوا إلا حديث ابن دينار )

ومن بديع نظمه الصادر عنه تصديره أعجاز قصيدة امرىء القيس بن حجر الكندي بقوله
( أقول لعزمي أو لصالح أعمالي ... ألا عم صباحا أيها الطلل البالي )
( أما واعظي شيب سما فوق لمتي ... سمو حباب الماء حالا على حال )
( أنار به ليل الشباب كأنه ... مصابيح رهبان تشب لقفال )
( تهاني عن غي وقال منبها ... ألست ترى السمار والناس أحوالي )
( يقولون غيره لتنعم برهة ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي )
( أغالط دهري وهو يعلم أنني ... كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي )
( ومؤنس نار الشيب يقبح لهوه ... بآنسة كأنها خط تمثال )
( أشيخا وتأتي فعل من كان عمره ... ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال )
( وتشغفك الدنيا وما إن شغفتها ... كما شغف المهنوءة الرجل الطالي )
( ألا إنها الدنيا إذا ما اعتبرتها ... ديار لسلمى عافيات بذي خال )
( فأين الذين استأثروا قبلنا بها ... لناموا فما إن من حديث ولا صال )
( ذهلت بها غيا فكيف الخلاص من ... لعوب تنسيني إذا قمت سربالي )
( وقد علمت مني مواعد توبتي ... بأن الفتى يهذي وليس بفعال )
( ومذ وثقت نفسي بحب محمد ... هصرت بغصن ذي شماريخ ميال )
( وأصبح شيطان الغواية خاسئا ... عليه قتام سيء الظن والبال )
( ألا ليت شعري هل تقول عزائمي ... لخيلي كري كرة بعد إجفال )
( فأنزل دارا للرسول نزيلها ... قليل هموم ما يبيت بأوجال )
( فطوبى لنفس جاورت خير مرسل ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي )
( ومن ذكره عند القبول تعطرت ... صبا وشمال في منازل قفال )
( جوار رسول الله مجد مؤثل ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي )

( ومن ذا الذي يثني عنان السرى وقد ... كفاني ولم أطلب قليل من المال )
( ألم تر أن الظبية استشفعت به ... تميل عليه هونة غير مجفال )
( وقال لها عودي فقالت له نعم ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي )
( فعادت إليه والهوى قائل لها ... وكان عداء الوحش مني على بال )
( رثى لبعير قال أزمع مالكي ... ليقتلني والمرء ليس بفعال )
( وثور ذبيح بالرسالة شاهد ... طويل القرا والروق أخنس ذيال )
( وحن إليه الجذع حنة عاطش ... لغيث من الوسمي رائده خال )
( وأصلين من نخل قد التأما له ... فما احتبسا من لين مس وتسهال )
( وقبضة ترب منه ذلت لها الظبي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال )
( وأضحى ابن جحش بالعسيب مقاتلا ... وليس بذي رمج وليس بنبال )
( وحسبك من سوط الطفيل إضاءة ... كمصباح زيت في قناديل ذبال )
( وبذت به العجفاء كل مطهم ... له حجبات مشرفات على الفال )
( ويا خسف أرض تحت باغية إذ علا ... على هيكل نهد الجزارة جوال )
( وقد أخمدت نار لفارس طالما ... أصابت غضا جزلا وكفت بأجزال )
( أبان سبيل الرشد إذ سبل الهدى ... يقلن لأهل الحلم ضلا بتضلال )
( لأحمد خير العالمين انتقيتها ... وريضت فذلت صعبة أي إذلال )
( وإن رجائي أن ألاقيه غدا ... ولست بمقلي الخلال ولا قالي )
( فأدرك آمالي وما كل آمل ... بمدرك أطراف الخطوب ولا آلي )
ولا خفاء ببراعة هذا النظم وإحكام هذا النسج وشدة هذه العارضة
قصيدتان لحازم
قلت وقد أذكرني هذا التصدير قصيدة الأديب حازم صاحب المقصورة

إذ صدر قصيدة امرىء القيس قفا نبك ولنذكرها هنا قال رحمه الله تعالى
( لعينيك قل إن زرت أفضل مرسل ... قفا نبك من ذكر حبيب ومنزل )
( وفي طيبة فانزل ولا تغش منزلا ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل )
( وزر روضة قد طالما طاب نشرها ... لما نسجتها من جنوب وشمال )
( وأثوابك اخلع محرما ومصدقا ... لدى الستر إلا لبسة المتفضل )
( لدى كعبة قد فاض دمعي لبعدها ... على النحر حتى بل دمعي محملي )
( فيا حادي الآبال سر بي ولا تقل ... عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل )
( فقد حلفت نفسي بذاك وأقسمت ... علي وآلت حلفه لم تحلل )
( فقلت لها لاشك أني طائع ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل )
( وكم حملت في أظهر العزم رحلها ... فيا عجبا من رحلها المتحمل )
( وعاتبت العجز الذي عاق عزمها ... فقالت لك الويلات إنك مرجلي )
( نبي هدى قد قال للكفر نوره ... ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي )
( تلا سورا ما قولها بمعارض ... إذا هي نصته ولا بمعطل )
( لقد نزلت في الأرض ملة هديه ... نزول اليماني ذي العياب المحمل )
( أتت مغربا من مشرق وتعرضت ... تعرض أثناء الوشاح المفصل )
( ففازت بلاد الشرق من زينة بها ... بشق وشق عندنا لم يحول )
( فصلى عليه الله ما لاح بارق ... كلمع اليدين في حبي مكلل )
( نبي غزا الأعداء بين تلائع ... وبين إكام بعد ما متأمل )
( فكم ملك وافاه في زي منجد ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل )
( وكم من يمان واضح جاءه اكتسى ... بضاف فويق الأرض ليس بأعزل )

( ومن أبطحي نيط منه نجاده ... بجيد معم في العشيرة مخول )
( أزالوا ببدر عن بروجهم العدا ... كما زلت الصفواء بالمتنزل )
( وفادوا ظباهم لا بفتك فتى ولا ... كبير أناس في بجاد مزمل )
( وفضي جموعا فدفدا جامعا بها ... لنا بطن حقف ذي ركام عقنقل )
( وأحموا وطيسا في حنين كأنه ... إذا جاش فيه حميه غلي مرجل )
( ونادوا بنات النبع بالنصر أثمري ... ولا تبعدينا من جناك المعلل )
( وممن له سددت سهمين فاضربي ... بسهميك في أعشار قلب مقتل )
( فما أغنت الأبدان درع بها اكتست ... ترائبها مصقولة كالسجنجل )
( وأضحت لواليها ومالكها العدا ... يقولون لا تهلك أسى وتجمل )
( وقد فر منصاع كما فر خاضب ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل )
( وكم قال يا ليل الوغى طلت فانبلج ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل )
( فليت جوادي لم يسر بي إلى الوغى ... وبات بعيني قائما غير مرسل )
( وكم مرتق أوطاس منهم بمسرج ... متى ما ترق فيه تسهل )
( وقرطه خرصا كمصباح مسرج ... أمال السليط بالذبال المفتل )
( فيرنو لهاد فوق هاديه طرفه ... بناظرة من وحش وجرة مطفل )
( ويسمع من كافورتين بجانبي ... أثيث كقنو النخلة المتعثكل )
( ترفع أن يعزى له شد شادن ... وإرخاء سرحان وتقريب تتفل )
( ولكنه يمضي كما مر مزبد ... يكب على الأذقان دوح الكنهبل )
( ويغشى العدا كالسهم أو كالشهاب أو ... كجلمود صخر حطه السيل من عل )
( جياد أعادت رسم رستم دارسا ... وهل عند رسم دارس من معول )
( وريعت بها خيل القياصر فاختفت ... جواحرها في صرة لم تزيل )
( سبت عربا من نسوة العرب تستبي ... إذا ما اسبكرت بين درع ومجول )
( وكم من سبايا الفرس والصفر أسهرت ... نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل )

( وحزن بدورا من ليالي شعرها ... تضل العقاص في مثنى ومرسل )
( وأبقت بأرض الشام هاما كأنها ... بأرجائها القصوى أنابيش عنصل )
( وما جف من حب القلوب بغورها ... وقيعانها كأنه حب فلفل )
( لخضراء ما دبت ولا نبتت بها ... أساريع ظبي أو مساويك إسحل )
( شدا طيرها في مثمر ذي أرومة ... وساق كأنبوب السقي المذلل )
( فشدت بروض ليس يذبل بعدها ... بكل مغار الفتل شدت بيذبل )
( وكم هجرت في القيظ تحكي ذوارعا ... عذارى دوار في ملاء مذيل )
( وكم أدلجت والقتر يهفو هزيزه ... ويلوي بأثواب العنيف المثقل )
( وخضن سيولا فضن بالبيد بعدما ... أثرن غبارا بالكديد المركل )
( وكم ركزوا رمحا بدعص كأنه ... من السيل والغثاء فلكه مغزل )
( فلم تبن حصنا خوف حصنهم العدا ... ولا أطما إلا مشيدا بجندل )
( فهدت بغضب شيب بعد صقاله ... بأمراس كتان إلى صم جندل )
( وجيش بأقصى الأرض ألقى جرانه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل )
( يدك الصفا دكا ولو مر بعضه ... وأيسره عالي الستار ويذبل )
( دعا النصر والتأييد راياته اسحبي ... على أثرينا ذيل مرط مرحل )
( لواء منير النصل طاو كأنه ... منارة ممسى راهب متبتل )
( كأن دم الأعداء في عذباته ... عصارة حناء بشيب مرجل )
( صحاب بروا هام العداة وكم قروا ... صفيف شواء أو قدير معجل )
( وكم أكثروا ما طاب من لحم جفرة ... وشحم كهداب الدمقس المفتل )
( وكم جبن من غبراء لم يسق نبتها ... دراكا ولم ينضح بماء فيغسل )
( حكى طيب ذكراهم ومر كفاحهم ... مداك عروس أو صلاية حنظل )
( لأمداح الخلق قلبي قد صبا ... وليس فؤادي عن هواها بمنسل )
( فدع من لأيام صلحن له صبا ... ولا سيما يوم بدارة جلجل )

( وأصبح عن أم الحويرث ما سلا ... وجارتها أم الرباب بمأسل )
( وكن في مديح المصطفى كمدبج ... يقلب كفيه بخيط موصل )
( وأمل به الأخرى ودنياك دع فقد ... تمتعت من لهو بها غير معجل )
( وكن كنبيث للفؤاد منابث ... نصيح على تعذاله غير مؤتل )
( ينادي إلهي إن ذنبي قد عدا ... علي بأنواع الهموم ليبتلي )
( فكن لي مجيرا من شياطين شهوة ... علي حراص لو يسرون مقتلي )
( وينشد دنياه إذا ما تدللت ... أفاطم مهلا بعض هذا التدلل )
( فإن تصلي حبلي بخير وصلته ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي )
( وأحسن بقطع الحبل منك وبته ... فسلي ثيابي من ثيابك تنسل )
( أيا سامعي مدح الرسول تنشقوا ... نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل )
( وروضة حمد للنبي محمد ... غذاها نمير الماء غير المحلل )
( ويا من أبى الإصغاء ما أنت مهتد ... وما إن أرى عنك الغواية تنجلي )
( فلو مطفلا أنشدتها لفظها ارعوت ... فألهيتها عن ذي تمائم محول )
( ولو سمعته عصم طود أمالها ... فأنزل منها العصم من كل منزل )
وقد عرفت بحازم هذا في أزهار الرياض وذكرت جملة من نظمه ومن بارع ما وقع له قوله
( أدر المدامة فالنسيم مؤرج ... والروض مرقوم البرود مدبج )
( والأرض قد لبست برود جمالها ... فكأنما هي كاعب تتبرج )
( والنهر مما ارتاح معطفه إلى ... لقيا النسيم عبابه متموج )
( يمسي الأصيل بعسجدي شعاعه ... أبدا يوشى صفحه ويدبج )
( وتروم أيدي الريح تسلب ما اكتسى ... فتزيده حسنا بما هي تنسج )
( فارتح لشرب كؤوس راح نورها ... بل نارها في مائها تتوهج )

واسكر بنشوة لحظ من أحببته ... أو كأس خمر من لماه تمزج )
( واسمع إلى نغمات عود تطبي ... قلب الخلي إلى الهوى وتهيج )
( بم وزير يسعدان مثانيا ... ومثالثا طبقاتها تتدرج )
( من لم يهيج قلبه هذا فما ... للقلب منه محرك ومهيج )
( فأجب فقد نادى بألسن حاله ... للأنس دهر للهموم مفرج )
( طربت جمادات وأفصح أعجم ... فرحا وأصبح من سرور يهزج )
( أفيفضل الحي الجماد مسرة ... والحي للسراء منه أحوج )
( ما العيش إلا ما نعمت به وما ... عاطاك فيه الكأس ظبي أدعج )
( ممن يروقك منه ردف مردف ... عبل وخصر ذو اختصار مدمج )
( فإذا نظرت لطرة ولغرة ... ولصفحة منه بدت تتأجج )
( أيقنت أن ثلاثهن وما غدا ... من تحتها ينآد أو يتموج )
( ليل على صبح على بدر على ... غصن تحمله كثيب رجرج )
( كأس ومحبوب يظل بلحظه ... قلب الخلي إلى الهوى يستدرج )
( يا صاح ما قلبي بصاح عن هوى ... شيئان بينهما المنى تستنتج )
( وبمهجتي الظبي الذي في أضلعي ... قد حل وهو يشبها ويؤجج )
( ناديت حادي عيسه يوم النوى ... والعيس تحدى والمطايا تحدج )
( قف أيها الحادي أودع مهجة ... قد حازها دون الجوانح هودج )
( لما تواقفنا وفي أحداجها ... قمر منير بالهلال متوج )
( ناديتهم قولوا لبدركم الذي ... بضيائه تسري الركاب وتدلج )
( يحيي العليل بلفظة أو لحظة ... تطفي غليلا في الحشا يتأجج )
( قالوا نخاف يزيد قلبك لاعجا ... فأجبتهم خلوا اللواعج تلعج )
( وبكيت واستبكيت حتى ظل من ... عبراتنا بحر ببحر يمرج )
( وبقيت أفتح بعدهم باب المنى ... ما بيننا طورا وطورا يرتج )

( وأقول يا نفس اصبري فعسى النوى ... بصباح قرب ليلها يتبلج )
( فترقب السراء من دهر شجا ... والدهر من ضد لضد يخرج )
( وترج فرجة كل هم طارق ... فلكل هم في الزمان تفرج )
وتذكرت هنا جيمية ابن قلاقس وهي
( عرضت لمعترض الصباح الأبلج ... حوراء في طرف الظلام الأدعج )
( فتمزقت شيم الدجى عن غرتي ... شمسين في أفق وكلة هودج )
( ووراء أستار الجمول لواحظ ... غازلن معتدل الوشيج الأعوج )
( من كل مبتسم السنان إذا جرى ... دمع النجيع من الكمي الأهوج )
( ولقد صحبت الليل قلص برده ... لعباب بحر صباحه المتموج )
( وكأن منتثر النجوم لآلىء ... نظمت على صرح من الفيروزج )
( وسهرت أرقب من سهيل خافقا ... متفردا وكأنه قلب الشجي )
( واستعبرت مقل السحاب فأضحكت ... منها ثغور مفوف ومدبج )
ولنعد إلى ذكر أبي بكر ابن جزي فنقول
وله تقييد في الفقه على كتاب والده المسمى بالقوانين الفقهية ورجز في الفرائض وإحسانه كثير وتقدم قاضيا للجماعة بحضرة غرناطة ثامن شوال عام ستين وسبعمائة ثم صرف عنها ثم لما توفي الأستاذ الخطيب العالم الشهير أبو سعيد فرج بن لب رحمه الله تعالى وكان خطيب الجامع الأعظم بغرناطة ولي عوضا عنه أستاذا وخطيبا عام اثنين وثمانين وسبعمائة فبقي في الخطابة ثلاثة أعوام ثم توفي وأظن وفاته آخر عام خمسة وثمانين وسبعمائة رحمه الله تعالى

وأما أخوه أبو عبد الله محمد فهو الكاتب المجيد أعجوبة الزمان وتوفي بفاس رحمه الله تعالى عام ثمانية وخمسين وسبعمائة وقيل وهو الصواب إن وفاته آخر شوال من السنة قبلها حسبما ألفيته بخط بعض أكابر الثقات بداره من البيضاء وهي فاس الجديدة قرب مغرب يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من شوال من عام سبعة وخمسين وسبعمائة وكان دفنه يوم الأربعاء بعد صلاة العصر وراء الحائط الشرقي الذي بالجامع الأعظم من المدينة البيضاء وكان مولده في شوال من عام واحد وعشرين وسبعمائة انتهى
قال الأمير ابن الأحمر في نثير الجمان أدركته ورأيته وهو من أهل بلدنا غرناطة وكان أبوه أبو القاسم محمد أحد المفتين بها عالم الأندلس الطائرة فتياه منها إلى طرابلس وقتل شهيدا بطريف بعد أن أبلى بلاء حسنا وأبو عبد الله ابنه هذا كتب بالأندلس في حضرة ابن عم أبينا أمير المسلمين أبي الحجاج يوسف وله فيه أمداح عجيبة ولم يزل كاتبا في الحضرة الأحمرية النصرية إلى أن امتحنه أمير المسلمين أبو الحجاج انتهى
ويعني ابن الأحمر بهذا الامتحان أنه ضربه بالسياط من غير ذنب اقترفه بل ظلمه ظلما مبينا هكذا ألفيته في بعض المقيدات
ثم قال ابن الأحمر فقوض الرحال عن الأندلس واستقر بالعدوة فكتب بالحضرة المرينية لأمير المسلمين أبي عنان إلى أن توفي بها رحمه الله تعالى وكان رحمه الله تعالى طلع في سماء العلوم بدرا مشرقا وسارت براعته مغربا ومشرقا وسما بشعره فوق الفردقين كما أربى بنثره على الشعرى والبطين له باع مديد في التاريخ واللغة والحساب والنحو والبيان والآداب بصير بالفورع والأصول والحديث عارف بالماضي من الشعر والحديث

إن نظم أنساك أبا ذؤيب برقته ونصيبا بمنصبه ونخوته وإن كتب أربى على ابن مقلة بخطه وإن أنشأ رسالة أنساك العماد بحسن مساقها وضبطه وهو رب هذا الشان وفارس هذا الميدان ومع تفننه في الشعر فهو في العلوم قد نبغ وما بلغ أحد من شعراء عصره منه ما بلغ بل سلموا التقدم فيه إليه وألقوا زمام الاعتراف بذلك في يديه ودخلوا تحت راية الأدب التي حمل إذ ظهر ساطع براعته ظهور الشمس في الحمل أنشدني لنفسه يمدح أمير المسلمين أبا الحجاج يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل عم أبينا ابن جدنا الرئيس الأمير أبي سعيد فرج هذه القصيدة البارعة وحذف منها الراء المهملة
( قسما بوضاح السنا الوهاج ... من تحت مسدول الذوائب داج )
( وبأبلج بالمسك خطت نونه ... من فوق وسنان اللواحظ ساجي )
( وبحسن خد دبجت صفحاته ... فغدت تحاكي مذهب الديباج )
( وبمبسم كالعقد نظم سلكه ... ولمى حكى الصهباء دون مزاج )
( وبمنطق تصبو القلوب لحسنه ... أنسى المسامع نغمة الأهزاج )
( وبمائس الأعطاف تثنيه الصبا ... فيميس كالخطي يوم هياج )
( ومنعم مثل الكثيب يقله ... مستضعف يشكو من الإدماج )
( وبموعد للوصل أنجز فجأة ... من بعد طول تمنع ولجاج )
( وبأكؤس أطلعن في جنح الدجى ... شمس السلافة في سماء زجاج )
( وحدائق سحب السحاب ذيوله ... فيها وبات لها النسيم يناجي )
( وجداول سلت سيوفا عندما ... فجئت بجيش للصبا عجاج )
( وبأقحوان قد تضاحك إذ بكت ... عين الغمام بمدمح ثجاج )
( وقدود أغصان يملن كأنها ... تخفي حديثا بينها وتناجي )
( وحمائم يهتفن شجوا بالضحى ... فهديلهن لذي الصبابة شاجي )

( إن المعالي والعوالي والندى ... والبأس طوع يدي أبي الحجاج )
( ملك تتوج بالمهابة عندما ... لم يستجز في الدين لبس التاج )
( وأفاض حكم العدل في أيامه ... فالحق أبلج واضح المنهاج )
( هو منقذ العاني ومغني المعتفي ... ومذلل العاتي وغوث اللاجي )
( ماضي العزيمة والسيوف كليلة ... طلق المحيا والخطوب دواجي )
( علم الهدى والناس في عمياء قد ... ضلوا لوقع الحادث المهتاج )
( غيث الندى والسحب تبخل بالحيا ... والمحل يبدي فاقه المحتاج )
( ليث الوغى والخيل تزجي بالقنا ... والبيض تنهل في دم الأوداج )
( يتقشع الإظلام إذ يبدو له ... وجه كمثل الكوكب الوهاج )
( من آل قيلة من ذؤابة سعدها ... أعلى بني قحطان دون خلاج )
( حيث العلا ممدودة الأطناب لم ... تخلق معالمها يد الإنهاج )
( والأعوجيات السوابق تمتطي ... فتظلل الآفاق سحب عجاج )
( والبيض والأسل العوامل تقتضي ... مهج الكماة بأبلغ الإزعاج )
( مجد ليوسف جمعت أشتاته ... أعيا سواه بعد طول علاج )
( مولاي هاك عقيلة تزهو على ... أخواتها كالغادة المغناج )
( إنشاء عبد خالص لك حبه ... ومن العبيد مداهن ومداجي )
( آوى إلى أكناف نعماك التي ... ليست إليه صلاتها بخداج )
( سباق ميدان البلاغة والوغى ... لشعاب كل منهما ولاج )
( جانب أخت الزاي منها عامدا ... فأتت من الإحسان في أفواج )
( فافتح لها باب القبول وأول من ... أهداكها ما يبتغي من حاج )
ثم قال ابن الأحمر وأنشدني أيضا لنفسه يمدح أمير المؤمنين المتوكل على الله أبا عنان فارس ملك المغرب

( إن قلبي لعهدة الصبر ناكث ... عن غزال في عقدة السحر نافث )
( أضرم النار في فؤادي وولي ... قائلا لا تخف فإني عابث )
( ورماني من مقلتيه بسهم ... ثم قال اصطبر لثان و ثالث )
( كم عذول أتى يناظر فيه ... كان تعذاله على الحب باعث )
( ويمين آليتها بالتسلي ... فقضى حسنه بأني حانث )
( جبر الله صدع قلب عميد ... صدعت شمله صروف الحوادث )
( فهو يهفو إلى البروق ويروي ... عن نسيم الصبا ضعاف الأحادث )
( سلبته الأشجان إلا بقايا ... من أماني حبالهن رثائث )
( وبكاء على عهود مواض ... ملأت صدره هموما حدائث )
( لست وحدي أشكو بليلة وجدي ... إن داء الغرام ليس بحادث )
( يا مضيع العهود والله يعفو ... عنك إنى ارتضيت خطه ناكث )
( غرني منك والجمال غرور ... وظبي اللحظ في القلوب عوابث )
( مقل يقتسمن أعشار قلبي ... بالرضى مني اقتسام الموارث )
( كيف غيرت بانتزاحك حالي ... وتغيرت لي ولست بحارث )
( فرط حبي وفرط بخلك آلى ... أن عينيك بالفتور نوافث )
( وندى فارس وحسبك ردا ... قول من قال سد باب البواعث )
( ملك البأس والندى فهو بالسيف ... وبالسيب عائث أو غائث )
( محرز المجد والثناء فهذا ... سائر في الورى وذلك لابث )
( أوطأ الشهب رجله وترقى ... صاعدا في سموه غير ماكث )
( فدرار تسري وما لحقته ... ونجوم خلف القصور لوابث )
( وله المقربات لا بل هي العقبان ... من فوقها الليوث الدلاهث )

( مطلعات من كل نعل هلالا ... فلهذا تجلو دجى كل حادث )
( إن ترافقن فالجبال الرواسي ... أو تسابقن فالغيوث الحثائث )
( والمواضي كأنها قد أعيرت ... حدة الذهن منه عند المباحث )
( هي نار محرقات الأعادي ... وهي ماء مطهرات الخبائث )
( فيردن الوغى ذكورا عطاشا ... ثم يصدرن ناهلات طوامث )
( من معانيه قد رأينا عيانا ... كل فضل ينصه من يحادث )
( خلق كالنسيم مر سحيرا ... بالأزاهير في البطاح الدمائث )
( في سبيل الإله يقصي ويدني ... ويوالي في ذاته ويناكث )
( شرف الملك منه سام وحام ... ففدته سام وحام ويافث )
( هاكها من بنات فكري بكرا ... ليس يسمو لها من الناس طامث )
( ذات لفظ لا يعتريه اختلال ... ومعان لا تنتحيها المباحث )
( زعماء القريض أبقوا بقايا ... كنت دون الورى لهن الوارث )
( من أراد انتقادها فهي هذي ... عرضة البحث فليكن جد باحث )
ورأيت بخط ابن الصباغ العقيلي على هامش قوله وندى فارس وحسبك ردا 000البيت ما نصه ما أبدع تخلصه للمدح وأطبعه فإنه أشار إلى قول الشاعر رادا عليه بالتبكيت ومعقبا له بالتعنيت
( قالوا تركت الشعر قلت ضرورة ... باب السماحة والملاحة مغلق )
( مات الكرام فلا كريم يرتجى ... منه النوال ولا مليح يعشق )
وقيل إن السلطان أبا عنان أطل من برج يشاهد الحرب بين الثور والأسد على ما جرت به عادة الملوك فقال ابن جزي المذكور في وصف الحال

( لله يوم بدار الملك مر به ... من العجائب ما لم يجر في خلدي )
( لاح الخليفة في برج العلا قمرا ... يشاهد الحرب بين الثور والأسد )
ومن بارع نظمه رحمه الله تعالى قوله
( أ با حسن إن شتت الدهر شملنا ... فليس لود في الفؤاد شتات )
( وإن حلت عن عهد الإخاء فلم يزل ... لقلبي على حفظ العهود ثبات )
( وهبني سرت مني إليك إساءة ... الم تتقدم قلبها حسنات )
وقوله وهو بحال مرض
( إن يأخذ السقم من جسمي مآخذه ... وأصبح القوم من أمري على خطر )
( فإن قلبي بحمد الله مرتبط ... بالصبر والشكر والتسليم للقدر )
( فالمرء في قبضة الأقدار مصرفه ... للبرء والسقم أو للنفع والضرر )
وحكي أن الفقيه الرحال أبا اسحاق إبراهيم ابن الحاج النميري بقي في خلوته جميع شهر رمضان المعظم من عام سبعة وخمسين وسبعمائة فلما خرج في يوم عيد الفطر أنشده صهره أبو عبد الله ابن جزي المذكور لنفسه
( ما سرار البدور إلا ثلاث ... فلماذا أرى سرارك شهرا )
( أتعجلته سرارا لعام ... ثم تبقى في سائر العام بدرا )
وحكي أنه كتب للرئيس صاحب القلم الأعلى والعلامة بفاس أبي القاسم ابن رضوان يطلب منه شراب سكنجبين وقصد التصحيف بقوله أحسن زان بيتك نجيب تسر به بر مرضي تصحيفه أحب شراب سكنجبين شربه برء مرضي قال فجاوبني ابن رضوان بقوله أن برك نفيس تصحيفه مقلوبا يشفيك ربنا
ومن نظم ابن جزي المذكور قوله

( رعى الله عهدا بالمرية ما أرى ... به أبدا ما عشت في الناس بالناسي )
( وكيف ترى بالله صحبة معشر ... مجاهد بعض منهم وابن عباس )
وقوله في الزاوية التي أنشأها السلطان أبو عنان
( هذا محل الفضل والإيثار ... والرفق بالسكان والزوار )
( دار على الاحسان شيدت والتقى ... فجزاؤها الحسنى وعقبى الدار )
( هي ملجأ للواردين ومورد ... لابن السبيل وكل ركب ساري )
( آثار مولانا الخليفة فارس ... أكرم بها في المجد من آثار )
( لا زال منصور اللواء مظفرا ... ماضي العزائم سامي المقدار )
( بنيت على يد عبدهم وخديم بابهم ... العلي محمد بن جدار )
( في عام أربعة وخمسين انقضت ... من بعد سبع مئين في الاعصار )
ومن نظمه قوله موريا
( وما أنسى الأحبة يوم بانوا ... تخوض مطيهم بحر الدموع )
( وقالوا اليوم منزلنا الحنايا ... فقلت نعم ولكن من ضلوعي )
وقوله موريا أيضا
( ورب يهودي أتى متطببا ... ليأخذ ثارات اليهود من الناس )
( إذا جس نبض المرء أودى بنفسه ... سريعا ألم تسمع بفتكة جساس )
وقوله
( من أي أشجاني التي جنت النوى ... أشكو العذاب وهن في تنويع )
( من وصلي الموقوف أو من هجري الموصول ... أو من نومي المقطوع )

( أو من حديث تولهي وتولعي ... خبرا صحيحا ليس بالموضوع )
( يرويه خدي مسندا عن أدمعي ... عن مقلتي عن قلبي المفجوع )
وأول هذه القصيدة
( ذهبت حشاشة قلبي المصدوع ... بين السلام ووقفة التوديع )
وقد ضمن شطرها الفقيه عبيد شارح الحلبة اذ قال من قصيدة مطلعها
( اهمي دموعك ساعة التوديع ... يا مقلتي ممزوجة بنجيع )
بقوله
( يوم استقلت عيسهم وترحلوا ... ذهبت حشاشة قلبي المصدوع )
وقوله
( بخدي وجسمي والفؤاد وأدمعي ... شهود بهم دعوى الغرام تصحح )
( ومن عجب أن رجح الناس نقلهم ... وكلهم ذو جرحة فيه تقدح )
( فجسمي ضعيف والفؤاد مخلط ... ودمعي مطروح وخذي مجرح )
وقوله
( يا محيا كتب الحسن به ... أحرفا أبدع فيها وبرع )
( ميم ثغر ثم نون حاجب ... ثم عين هي تتميم البدع )
( أنا لا أطمع في وصلك لي ... وعلى وجهك مكتوب منع )
ثم قال ابن الأحمر ومن إنشائه البارع موريا بالكتب ورفعها لأمير المؤمنين

المتوكل على الله أبي عنان فارس رحمه الله تعالى يهنيه بإبلال ولده ولي عهده الأمير أبي زيان محمد بن مرض
( ماذا عسى أدب الكتاب يوضح من ... خصال مجدك وهو الزاهر الزاهي )
( وما الفصيح بكليات موعبها ... كاف فيأتي بأنباء وإنباه )
أبقى الله تعالى مولانا الخليفة ولسعادته القدح المعلى ولزاهر كماله التاج المحلى تجلى من حلاه نزهة الناظر ويسير بعلاه المثل السائر ويتسق من سناه العقد المنظم ويتضح بهداه القصد الامم ولا زالت مقدمات النصر له مبسوطة ومعونة السعد بإشارته منوطة وهدايته متكلفلة باحياء علوم الدين وإيضاح منهاج العابدين وإرشاده يتولى تنبيه الغافلين ويأتي من شفاء الصدور بالنور المبين وميقات الخدمة ببابه مطمح الانفس وملخص الجود من كفه بغية الملتمس قد حكم ادب الدين والدنيا بأنك سراج الملوك لما أتت عوارفك بالمشرع السلسل ومعارفك بنظم السلوك ووضحت معالم مجدك وضوح انوار الفجر وزهت بعدلك المسالك والممالك زهو خريدة القصر فلك في جمهرة الشرف النسب الوسيط ومن جمل المآثر الخلاصة والبسيط وسيل الخيرات لها برعايتك تيسير ومحاسن الشريعة لها بتحصيلك تحبير وانت حجة العلماء الذي تقصر عن تقصي مآثره فطن الاذكياء ان انبهم التفسير ففي يدك ملاك التأويل أو اعتاص تفريع الفقه فعندك فصل البيان له والتحصيل وان تشعب التاريخ فلديك استيعابه أو تطاول الادب ففي ايجاز بيانك اقتضابه وان ذكر الكلام ففي انتقائك من برهانه المحصول او المنطق ففي موجز آمالك لبابه المنخول وليس اساس البلاغة الا ما تأتي به من فصل المقال ولا جامع

الخير الا حزته من تهذيب الكمال ولذلك صارت خدمتك غاية المطلوب وحبك قوت القلوب ولا غرو ان كنت من العلياء درتها المكنونة فاسلافك الكرام هم جواهرها الثمينة بحماستهم أصيبت مقاتل الفرسان وبجود جودهم تسنى ري الظمآن وبتسهيل عدلهم وضحت شعب الايمان وانت المنتقى من سمط جمانهم والواسطة في قلائد عقيانهم عنك تؤثر سيرة الاكتفاء وعن فروعك السعداء تروى أخبار نجباء ألابناء فهم لمملكتك العلية بهجة مجالسها وأنس مجالسها وقطب سرورها ومطالع نورها وولي عهدك درتهم الخطيرة وذخيرتهم الأثيرة لا زال كامل سعادته بطول مقامك محكما وحرز أمانيه بالجمع بين الصحيحين حبك ورضاك معلما وقد وجبت التهنئة بما كان في حيلة برئه من التيسير وما تهيأ في استقامة قانون صحته من نجح التدبير ولم يكن الا ان بعدت به عنك المسالك واعوز نور طرفه تقريب المدارك وتذكر ما عهده من الايناس الموطأ جنابه عند أفضل مالك فوري شوقه سقط الزند والتهب في جوانحه قبس الوجد فأمددته من دعائك بحلية الاولياء فظفر لما شارف مشارق الأنوار من حضرتك بالشفاء وقد حاز اكمال الأجر بذلك العارض الوجيز وكان له كتشبيب الابريز وها هو قادم بالطالع السعيد آيب بالمقصد الأسنى من الفتح والتمهيد يطلع بين يديك طلوع الشهاب ويبسم عن مفصل الثناء في الهناء بذلك زهر الآداب فاعد له تحفة القادم من احسانك الكامل واخصصه بالتكملة من إيناسك الشامل فهو الكوكب الدري المستمد من أنوارك السنية وفي تهذيب شمائله ايضاح للخلق الكريمة الفارسية لازالت تزدان بصحاح مآثرك عيون الاخبار وتتعطر بنفحة الزهر من ثنائك روضة الأزهار وتتلى من محامدك الآيات البينات وتتوالى عليك الألطاف الالهيات بمن الله سبحانه وفضله والسلام الكريم

يعتمد المقام العلي ورحمة الله تعالى وبركاته انتهى
وللمذكور عدة مقطعات يوري فيها بأسماء الكتب فمنها قوله
( ظبي هو الكامل في حسنه ... وثغره أبهى من العقد )
( جماله المدهش لكنما ... أخلاقه تحكي صبا نجد )
وقوله أيضا
( لك الله من خل حباني برقعة ... حبتني من آياتها بالنوادر )
( رسالة رمز في الجمال نهاية ... ذخيرة نظم أتحفت بالجواهر )
وقوله
( قصتي في الهوى المدونة ... الكبرى وأخبار عشقي المبسوطة ) ( حجتي في الغرام واضحة إذ ... لم تزل مهجتي بوجد منوطة )
نماذج من التورية بأسماء الكتب
وتذكرت بالتورية بأسماء الكتب قول الأرجاني
( لما تألق بارق من ثغره ... جادت دموعي بالسحاب الممطر )
( فكأن عقد الدر حل قلائد العقيان ... منه على صحاح الجوهري )
وقول لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى
( وظبي لأوضاع الجمال مدرس ... عليم بأسرار المحاسن ماهر )
( أرى جيده نص المحلى وقررت ... ثناياه ما ضمت صحاح الجواهر )

وقول ابن خاتمة
( ومعظم الأنفاس يبسم دائما ... عن در ثغر زانه ترتيب )
( من لم يشاهد منه عقد جواهر
لم يدر ما التنقيح والتهذيب )
وقوله أيضا
( سفهني عاذلي عليه ... وقال لي وده عليل )
( فقلت معتل أو صحيح ... يودعه عينه الخليل )
وقوله أيضا
( حازالجمال بصورة قمرية ... تجلو عليك مشارق الأنوار )
( وحوى الكمال بصورة عمرية ... تتلو عليك مناقب الأبرار )
وقول الرئيس أبي محمد عبد المهيمن الحضرمي
( من اغتدى موطأ أكنافه ... صح له التمهيد في أحواله )
( وقابل استذكاره بالمنتقى ... من رأيه المختار من أعماله )
( وأضحت المسالك الحسنى له ... تدني تقصيا قصى آماله )
( وسار من مشارق الأنوار في ... أدنى المدارك إلى إكماله )
ولما وقف على هذه القطعة الفاضل أبو علي حسين بن صالح بن أبي دلامة عارضها وزاد ذكر القبس والمعلم

( قل للموطأ للورى أكنافه ... بشراه بالتمهيد في الأحوال )
( وإذا اكتفى بالمنتقى استذكاره ... وفى له المختار في الأعمال )
( ومسالك الحسنى تؤديه إلى ... أقصى التقصي من قصى الآمال )
( ويلوح من قبس الهداية رشده ... من معلم التفصيل والإجمال )
رجع إلى ابن جزي ومن نظمه
( يا دوحة الأنس من بطحاء واسجة ... هل من سبيل إلى أيامك الأول )
( إذ تجتلي أوجه الإيناس مسفرة ... ونجتني ثمر اللذات والغزل )
ومن نظمه رحمه الله تعالى عند خروجه إلى بلاد المغرب وورى بكتابي تحفة القادم وزاد المسافر فقال
( وإني لمن قوم يهون عليهم ... ورود المنايا في سبيل المكارم )
( يطيرون مهما ازور للدهر جانب ... بأجنحة من ماضيات العزائم )
( وما كل نفس تحمل الذل إني ... رأيت احتمال الذل شأن البهائم )
( إذا أنا لم أظفر بزاد مسافر ... لديكم فعند الناس تحفة قادم )
وزاد المسافر لصفوان والتحفة لابن الأبار
ومن نظمه قوله
( نصب الحبائل للورى بالحسن إذ ... رفع اللثام وذيله مجرور )
( وأماله عني العواذل غيلة ... فهو الممال وقلبي المكسور )
وقوله أيضا
( تلك الذؤابة ذبت من شوقي لها ... واللحظ يحميها بأي سلاح )
( يا قلب فانج وما إخالك ناجيا ... من فتنة الجعدي والسفاح )

وقوله أيضا
( وعاشق صلى ومحرابه ... وجه غزال ظل يهواه )
( قالوا تعبدت فقلت نعم ... تعبدا يفهم معناه )
وقوله رحمه الله تعالى
( لاتعد صنفك إن ذهبت لصاحب ... تعتده لكن تخير وانتق )
( أوما ترى الأشجار مهما ركبت ... إن خولفت أصنافها لم تعلق )
وقوله رحمه الله تعالى
( أيتها النفس قفي عندما ... ألزمت فعلا كان أو قولا )
( فمن يكن يرضى بما ساءه ... أوسره فهو له الأولى )
( لا يترك العبد وما شاءه ... إلا إذا أهمله المولى )
وقوله أيضا
( لولا ثلاث قد شغفت بحبها ... ما عفت في حوض المنية موردي )
( وهي الرواية للحديث وكتبه ... والفقه فيه وذاك حسب المهتدي )
وأما أخوهما القاضي أبو محمد عبد الله بن أبي القاسم بن جزي فهو الإمام العالم العلامة المعمر رئيس العلوم اللسانية قال في الإحاطة هذا الفاضل قريع بيت نبيه وسلف شهير وأبوة خير وأخوة بليغة وخؤولة اديب حافظ قائم على فن العربية مشارك في فنون لسانية ظرف في الإدراك جيد النظم مطواع القريحة باطنه نبل وظاهره غفلة قعد للإقراء ببلده غرناطة معيدا ومستقلا ثم تقدم للقضاء بجهات نبيهة على زمن الحداثة أخذ عن والده

الأستاذ الشهير الشهيد أبي القاسم أشياء كثيرة وعن القاضي أبي البركات ابن الحاج وقاضي الجماعة الشريف السبتي والأستاذ البياني والأستاذ الأعرف أبي سعيد ابن لب والشيخ المقرىء أبي عبد الله ابن بيبش وأجازه رئيس الكتاب أبو الحسن ابن الجياب وقاضي الجماعة أبو عبد الله ابن بكر وأبو محمد ابن سلمون والقاضي ابن شبرين والشيخ أبو حيان وقاضي الجماعة أبو عبد الله المقري وأبو محمد الحضرمي وجماعة آخرون وشعره نبيل الأغراض حسن المقاصد انتهى المقصود منه
وممن أخذ عنه العباس البقني شارح البردة والقاضي أبو بكر ابن عاصم وبالإجازة الإمام ابن مرزوق الحفيد وغيرهم
وقد عرف ابن فرحون في الديباج المذهب بأبيه الشهيد أبي القاسم وأخيه القاضي أبي بكر دونه وعرف ابن الخطيب في الإحاطة بأبيه وأخويه أبي بكر وأبي عبد الله وفيما ذكرنا من أمرهم كفاية
ومما نسبه الوادي آشي لأبي محمد عبد الله بن جزي قوله
( يا من أتاني بعده بعدما ... عاملته بالبر واللطف )
( إني تأملت وقد سرني ... بجملة من سورة الكهف )
وله أيضا
( لقد قطعت قلبي يا خليلي ... بهجر طال منك على العليل )
( ولكن ما عجيب منك هذا ... إذ التقطيع من شأن الخليل )
رجع إلى مشايخ لسان الدين رحمه الله تعالى

27 - ومنهم القاضي الأديب جملة الظرف أبو بكر ابن شبرين
وقد استوفى ترجمته في الإحاطة وذكره أيضا في ترجمة ذي الوزارتين ابن الحكيم بأن قال بعد حكايته قتل ابن الحكيم ما صورته وممن رثاه شيخنا أبو بكر ابن شبرين رحمه الله تعالى بقوله
( سقى الله أشلاء كرمن على البلى ... وما غض من مقدارها حادث البلا )
( ومما شجاني أن أهين مكانها ... وأهمل قدر ما عهدناه مهملا )
( ألا اصنع بها يا دهر ما أنت صانع ... فما كنت إلا عبدها المتذللا )
( سفكت دما كان الرقوء نواله ... لقد جئتما شنعاء فاضحة الملا )
( بكفي سبنتى أزرق العين مطرق ... عدا فغدا في غيه متوغلا )
( لنعم قتيل القوم في يوم عيده ... قتيل تبكيه المكارم والعلا )
( ألا أن يوم ابن الحكيم لمثكل ... فؤادي فما ينفك ما عشت مثكلا )
( فقدناه في يوم أغر محجل ... ففي الحشر نلقاه أغر محجلا )
( سمت نحوه الأيام وهو عميدها ... فلم تشكر النعمى ولم تحفظ الولا )
( تعاورت الأسياف منه ممدحا ... كريما سما فوق السماكين مزحلا )
( وخانته رجل في الطواف به سعت ... فناء بصدر للعلوم تحملا )
( وجدل لم يحضره في الحي ناصر ... فمن مبلغ الأحياء أن مهلهلا )

( يد الله في ذاك الأديم ممزقا ... تبارك ما هبت جنوبا وشمالا )
( ومن حزني أن لست أعرف ملحدا ... له فأرى للترب منه مقبلا )
( رويدك يا من قد غدا شامتا به ... فبالأمس ما كان العماد المؤملا )
( وكنا نغادي أو نراوح بابه ... وقد ظل في أوج العلا متوقلا )
( ذكرناه يوما فاستهلت جفوننا ... بدمع إما ما أمحل العام أخضلا )
( ومازج منا الحزن طول اعتبارنا ... ولم ندر ماذا منهما كان أطولا )
( وهاج لنا شجوا تذكر مجلس ... له كان يهدي الحي والملأ الألى )
( به كانت الدنيا تؤخر مدبرا ... من الناس حتما أو تقدم مقبلا )
( لتبك عيون الباكيات على فتى ... كريم إذا ما أسبغ العرف أجزلا )
( علىخادم الآثار تتلى صحائحا ... على حامل القرآن يتلى مفصلا )
( على عضد الملك الذي قد تضوعت ... مكارمه في الأرض مسكا ومندلا )
( على قاسم الأموال فينا على الذي ... وضعنا لديه كل إصر على علا )
( وأنى لنا من بعده متعلل ... وما كان في حاجاتنا متعللا )
( ألا يا قصير العمر يا كامل العلا ... يمينا لقد غادرت حزنا مؤثلا )
( يسوء المصلى أن هلكت ولم تقم ... عليك صلاة فيه يشهدها الملا )
( وذاك لأن الأمر فيه شهادة ... وسنتها محفوظة لن تبدلا )
( فيا أيها الميت الكريم الذي قضى ... سعيدا حميدا فاضلا ومفضلا )
( لتهنك من رب السماء شهادة ... تلاقي ببشرى وجهك المتهللا )
( رثيتك عن حب ثوى في جوانحي ... فما ودع القلب العميد وما قلى )
( ويا رب من أوليته منك نعمة ... وكنت له ذخرا عتيدا وموئلا )
( تناساك حتى ما تمر بباله ... ولم يدكر ذاك الندى والتفضلا )

( يرابض في مثواك كل عشية ... صفيف شواء أو قديرا معجلا )
( لحي الله من ينسى الأذمة رافضا ... ويذهل مهما أصبح الأمر مشكلا )
( حنانيك يا بدر الهدى فلشد ما ... تركت بدور الأفق بعدك أفلا )
( وكنت لآمالي حياة هنيئة ... فغادرت مني اليوم قلبا مقتلا )
( فلا وأبيك الخير ما أنا بالذي ... على البعد ينسى من ذمامك ما خلا )
( فأنت الذي آويتني متغربا ... وأنت الذي أكرمتني متطفلا )
( فآليت لا ينفك قلبي مكمدا ... عليك ولا ينفك دمعي مسبلا )
وكتب ابن لسان الدين على هامش هذه القطعة ما صورته شكر الله وفاءك يا ابن شبرين وقدس لحدثك وأين مثلك في الدنيا حسنا ووفاء وعلما لا كما صنع ابن زمرك في ابن الخطيب مخدومه قاله علي بن الخطيب انتهى
28 - ومن أشياخ لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى الشيخ الأستاذ العلامة العلم الأوحد الصدر المصنف المحدث الأفضل الأصلح الأورع الأتقى الأكمل أبو عثمان سعد ابن الشيخ الصالح التقي الفاضل المبرور المرحوم أبي جعفر احمد بن ليون التجيبي رضي الله تعالى عنه وهو من أكابر الأئمة الذين أفرغوا جهدهم في الزهد والعلم والنصح وله تواليف مشهورة منها اختصار بهجة المجالس لابن عبد البر واختصار المرتبة العليا لابن راشد القفصي وكتاب في الهندسة وكتاب في الفلاحة وكتاب كمال الحافظ وجمال اللافظ في الحكم والوصايا والمواعظ وكان مولعا باختصار الكتب وتواليفه تزيد على المائة فيما يذكر وقد وقفت منها بالمغرب على أكثر من عشرين
ومما حكي عن بعض كبراء المغرب أنه رأى رجلا طوالا فقال لمن

حضره لو رآه ابن ليون لاختصره إشارة إلى كثرة اختصاره للكتب
ومن تواليفه كتاب نفح السحر في اختصار روح الشحر وروح الشعر لابن الجلاب الفهري رحمه الله ومنها كتاب أنداء الديم في الوصايا والمواعظ والحكم وكتاب الأبيات المهذبة في المعاني المقربة وكتاب نصائح الأحباب وصحائح الآداب أورد فيه مائتي قطعة من شعره تتضمن نصائح متنوعة ولننقح منها نبذه فنقول منها في التحريض على العلم قوله رحمه الله تعالى
( زاحم أولي العلم حتى ... تعتد منهم حقيقة )
( ولا يردك عجز ... عن أخذ أعلى طريقة )
( فإن من جد يعطى ... فيما يحب لحوقه )
وقوله
( شفاء داء العي حسن السؤال ... فاسأل تنل علما وقل لا تبال )
( واطلب فالاستحياء والكبر من ... موانع العلم فما إن ينال )
وقوله
( علمت شيئا وغابت عنك أشياء ... فانظر وحقق فما للعلم إحصاء )
( للعلم قسمان ما تدري وقولك لا ... أدري ومن يدعي الإحصاء هذاء )
وقوله
( من لم يكن علمه في صدره نشبت ... يداه عند السؤالات التي ترد )
( العلم ما أنت في الحمام تحضره ... وماسوى ذلك التكليف والكمد )

وقوله
( الدرس رأس العلم فاحرص عليه ... فكل ذي علم فقير إليه )
( من ضيع الدرس يرى هاذيا ... عند اعتبار الناس ما في يديه )
( فعزة العالم من حفظه ... كعزة المنفق فيما عليه )
وقال رحمه الله تعالى في غير ما سبق
( ثلاث مهلكات لا محالة ... هوى نفس يقود إلى البطالة )
( وشح لا يزال يطاع دأبا ... وعجب ظاهر في كل حاله )
وقال
( اللهو منقصة بصاحبه ... فاحذر مذلة مؤثر اللهو )
( واللغو نزه عنه سمعك لا ... تجنح له لا خير في اللغو )
وقال
( لا تمالىء على صديقك وادرأ ... عنه ما اسطعت من أذى واهتضام )
( ما تناسى الذمام قط كريم ... كيف ينسى الكريم رعي الذمام )
( تطعم الكلب مرة فيحامي ... عنك والكلب في عداد اللئام )
وقال
( احذر مؤاخاة الدنيء فإنها ... عار يشين ويورث التضريرا )
( فالماء يخبث طعمه لنجاسة ... إن خالطته ويسلب التطهيرا )
وقال

( تحفظ من الناس تسلم ولا ... تكن في تقربهم ترغب )
( ولا تترك الحزم في كل ما ... تريد ولا تبغ ما يصعب )
وقال
( إخوانك اليوم إخوان الضرورة لا ... تثق بهم يا أخي في قول أو فعل )
( لا خير في الأخ إلا أن يكون إذا ... عرتك نائبة يقيك أو يسلى )
وقال
( طلب الإنصاف من قلة ... إنصاف فساهل )
( لا تناقش وتغافل ... فاللبيب المتغافل )
( قلما يحظى أخو الإنصاف ... في وقت بطائل )
وقال
( من خافه الناس عظموه ... وأظهروا بره وشكره )
( ومن يكن فاضلا حليما ... فإنما حظه المضرة )
( فامرر وكن صارما مبيرا ... يهبك من قد تخاف شره )
وقال
( إن تبغ عدلا فما ترضى لنفسك من ... قول وفعل به أعمل في الورى تسد )
( وكل ما ليس ترضاه لنفسك لا ... تفعله مع أحد تكن أخا رشد )
وقال
( حسبي الله لقد ضلت بنا ... عن سبيل الرشد أهواء النفوس )
( عجبا أن الهوى هون وأن ... نؤثر الهون وإذلال الرؤوس )

وقال
( من يخف شره يوف الكرامة ... ويوالي الرعاية المستدامه )
( وأخو الفضل والعفاف غريب ... يحمل الذل والجفا والملامه )
وقال
( دع من يسيء بك الظنون ولا ... تحفل به إن كنت ذا همه )
( من لم يحسن ظنه أبدا ... بك فاطرحه تكتفي همه )
وقال
( نزه لسانك عن قول تعاب به ... وارغب بسمعك عن قيل وعن قال )
( لا تبغ غير الذي يعنيك واطرح الفضول ... تحيا قرير العين والبال )
وقال
( كثرة الأصدقاء كثرة غرم ... وعتاب يعيي وإدخال هم )
( فاغن بالبعض قانعا وتغافل ... عنهم في قبيح فعل وذم )
وقال
( ذل المعاصي ميتة يا لها ... من ميتة لا ينقضي عارها )
( عز التقي هو الحياة التي ... ذو العقل والهمة يختارها )
وقال
( لا تسمع يوما صديقك قولا ... فيه غض ممن يحب الصديق )
( إن بر الصديق لا شك منه ... لصديق الصديق أيضا فريق )

وقال
( للجار حق فاعتمد بره ... واحمل أذاه مغضيا ساترا )
( فالله قد وصى به فاغتفر ... زلله الباطن والظاهرا )
وقال
( سالم الناس ما استطعت وداري ... أخسر الناس أحمق لا يداري )
( ضرك الناس ضر نفسك يجني ... لا يقوم الدخان إلا لنار )
وقال
( النصح عند الناس ذنب فدع ... نصح الذي تخاف أن يهجرك )
( الناس أعداء لنصاحهم ... فاترك هديت النصح فيمن ترك )
وقال
( تجري الأمور على الذي قد قدرا ... ما حيلة أبدا ترد مقدرا )
( فارض الذي يجري القضاء به ولا ... تضجر فمن عدم الرضى أن تضجرا )
وقال :
( أخوك الذي يحميك في الغيب جاهدا ... ويستر ما تأتي من السوء والقبح )
( وينشر ما يرضيك في الناس معلنا ... ويغضي ولا يألو من البر والنصح )
وقال
( لا تصحب الأردى فتردى معه ... وربما قد تقتفي منزعه )
( فالحبل إن يجرر على صخرة ... أبدى بها طريقة مشرعة )
وقال

( ما فات او كان لا تندم عليه فما ... يفيد بعد انقضاء الحادث الندم )
( ارجع إلى الصبر تغنم أجره وعسى ... تسلو به فهو مسلاة ومغتنم )
وقال
( السخط عند النائبات زيادة ... في الكرب تنسي ما يكون من الفرج )
( من لم يكن يرضى بما يقضى فيا ... لله ما أشقى وأصعب ما انتهج )
وقال
( إن تبتغ الإخوان ما إن تجد ... أخا سوى الدينار والدرهم )
( فلا تهنهما وعززهما ... تعش عزيزا غير مستهضم )
وقال
( من يستهن بصديقه ... يعن العدو على أذاته )
( بر الصديق مهابة ... للمرء تخمل من عداته )
( فاحفظ صديقك ولتكن ... تبدي المحاسن من صفاته )
وقال
( نعوذ بالله من شر اللسان كما ... نعوذ بالله من شر البريات )
( يجني اللسان على الإنسان ميتته ... كم للسان من آفات وزلات )
وقال
( من لم يكن مقصده مدحة ... فقد أتى بحبوحة العافيه )
( محبة المدحة رق بلا ... عتق وذل يا له داهيه )
( من لا يبالي مدحا ولا ... ذما أصاب العيشة الراضية )

وقال
( شر إخوانك من لا ... تهتدي فيه سبيلا )
( يظهر الود ويخفي ... مكره داء دخيلا )
( يتقي منك اتقاء ... وهو يوليك الجميلا )
وقال
( قوام العيش بالتدبير فاجعل ... لعيشك منه في الأيام قسطا )
( وخذ بالصبر نفسك فهو عز ... تلوذ به إذا ما الخطب شطا )
وقال
( العيش ثلث فطنة ... والغير منه تغافل )
( فتغافل أن كنت امرأ ... إيثار عيشك تامل )
وقال
( ينفذ المقدور حتما لا يرد ... فعلاء الحرص دأبا والكمد )
( أرح النفس تعش في غبطة ... وكل الأمر إلى الله فقد )
وقال زر من تحب وزره ثم زره ولا ... تمل واجعله دأبا موضع النظر )
( لولا متابعة الأنفاس ما بقيت ... روح الحياة ولا دامت مدى العمر )
وقال
( لا تترك الحزم في شيء فإن به ... تمام أمرك في الدنيا وفي الدين )
( من ضيع الحزم تصحبه الندامة في ... أيامه ويرى ذل المهاوين )

وقال
( كن إذا زرت حاضر القلب واحذر ... أن تمل المزور أو أن تطيلا )
( لا تثقل على جليس وخفف ... إن من خف عد شخصا نبيلا )
وقال
( من خلا عن حاسد قد ... مات في الأحياء ذكره )
( إنما الحاسد كالنار ... لعود طاب نشره )
( لا عدمنا حاسدا في ... نعمة ليست تسره )
وقال
( حبيبك من يغار إذا زللتا ... ويغلظ في الكلام متى أسأتا )
( يسر إن اتصف بكل فضل ... ويحزن إن نقصت أو انتقصتا )
( ومن لا يكترث بك لا يبالي ... أحدت عن الصواب أم اعتدلتا )
وقال
( لن لمن تخشى أذاه ... والقه في باب داره )
( إنما الدنيا مداراة ... فمن تخشاه داره )
وقال
( حسد الحاسد رحمه ... لا يرى إلا لنعمه )
( إنما الحاسد يشكو ... حر أكباد وغمه )
( لا عدمنا حاسدا في ... نعمة تكثر همه )
وقال
( تبديل شخص بشخص ... خسران الاثنين جملة )

( فاشدد يديك على من ... عرفت وارفع محله )
( فإن قطع خليل ... بعد التواصل زله )
وقال
( أنت بخير ماتركت الظهور ... والقال والقيل وطرق الشرور )
( من خاض بحرا فهو لا بد يبتل ... ومن يجر يصبه العثور )
( سلامة المرء اشتغال بما ... يهمه لنفسه من أمور )
وقال
( أنت حر ما تركت الطمعا ... وعزيز ما تبعت الورعا )
( وكفى بالعز مع حرية ... شرفا يختاره من قنعا )
وقال
( خل بنيات الطرق ... ووافق الناس تفق )
( من خالف الناس أتى ... أعظم أبواب الحمق )
( فكن مع الناس فترك ... جملة الناس خرق )
وقال
( لا تضق صدرا بحاسد ... فهو في نار يكابد )
( من يرى أنك خير ... منه تعروه شدائد )
( إنما الحاسد يشقى ... وهو لا يحظى بعائد )

وقال
( من يستمع في صديق قول ذي حسد ... لا شك يقصيه فاحذر غيلة الحسد )
( يهابك الناس ما تدني الصديق فإن ... أقصيته زدت للأعداء في العدد )
وقال
( كم من أخ صحبته ... والنفس عنه راغبة )
( خشيت إن فارقته ... بالهجر سوء العاقبة )
وقال
( إذا كانت عيوبك عند نقد ... تعد فأنت أجدر بالكمال )
( متى سلمت من النقد البرايا ... وحسبك ما تشاهد في الهلال )
وقال
( إذا انطوت القلوب على فساد ... فإن الصمت ستر أي ستر )
( فلا تنطق وقلبك فيه شيء ... بغير الحق واحذر قول شر )
وقال
( إن كنت لا تنصر الصديق فدع ... سماعك القول فيه واجتنب )
( سماع عرض الصديق منقصة ... لا يرتضيها الكريم ذو الحسب )
وقال
( أنت في الناس تقاس ... بالذي اخترت خليلا )
( فاصحب الأخيار تعلو ... وتنل ذكرا جميلا )

( صحبة الخامل تكسو ... من يواخيه خمولا )
وقال
( اسمح يزنك السماح ... إن السماح رباح )
( لا تلق إلا ببشر ... فالبشر فيه النجاح )
( تقطيبك الوجه جد ... أجل منه المزاح )
وقال
( من كنت تعرفه كن فيه متئدا ... يكفيك من خلقه ما أنت تعرفه )
( لا تبغ من أحد عرفته أبدا ... غير الذي كنت منه قبل تألفه )
وقال
( حاسب حبيبك كالعدو تدم له ... ولك المحبة فالتناصف روحها )
( من كان يغمض في حقوق صديقه ... نقصت مودته وشيب صريحها )
وقال
( تغافل في الأمور ولا تناقش ... فيقطعك القريب وذو المودة )
( مناقشة الفتى تجني عليه ... وتبدله من الراحات شده )
وقال
( إن شئت تعرف نعمة الله التي ... أولاك فانظر كل من هو دونكا )
( لا تنظر الأعلى فتنسى ما لديك ... ومن من الضعفاء يستجدونكا )
وقال
( عجبا أن ترى قبيح سواكا ... وتعادي الذي يرى منك ذاكا )

( لو تناصفت كنت تنكر ما فيك ... وترضى الوصاة ممن نهاكا )
وقال
( جرب الناس ما استطعت تجدهم ... لا يرى الشخص منهم غير نفسه )
( فالسعيد السعيد من أخذ العفو ... ودارى جميع أبناء جنسه )
وقال
( فرط حب الشيء يعمي ويصم ... فليكن حبك قصدا لا يصم )
( نقص عقل أن يغطي حسك الحب ... أويلهيك عن أمر مهم )
وقال
( سلم وغض احتسابا ... فذا هو اليوم أسلم )
( النقد نار تخلي ... في القلب جمرا تضرم )
( فاطو اعتراضك واغفل ... عن عيب غيرك تسلم )
وقال
( عدة الكريم عطية ... لا مطل في عدة الكريم )
( المطل تحريض العداة ... وذاك من فعل اللئيم )
( فدع المطال إذا وعدت ... فإنه عمل ذميم )
وقال
( من تناسى ذنوبه قتلته ... وأبانت عنه الولي الحميما )

( ذكرك الذنب نفرة عنه تبقى ... لك إنكار فعله مستديما )
وقال
( عجبا لمادح نفسه لا يهتدي ... لتنقص يبديه فيه مدحها )
( مدح الفتى عند التحدث نفسه ... ذكرى معايبه فيدرى قبحها )
وقال
( ومن حست أخلاقه عاش في ... نعمى وفي عز هنيء وود )
( ومن تسؤ للخلق أخلاقه ... يعش حقيرا في هموم وكد )
وقال
( من كان يحمي ناسه صار ذا ... عز و هابته نفوس البشر )
( ومن يكن يخذل أحبابه ... هان ومن هان فلا يعتبر )
وقال
( قارب وسدد إذا ما كنت في عمل ... إن الزيادة في الأعمال نقصان )
( ما حالف القصد في كل الأمور هوى ... نفس وكل هوى شؤم وحرمان )
وقال ( بقدر همته يعلو الفتى أبدا ... لا خير في خامل الهمات ممتهن )
( هيهات يعلو فتى خمول همته ... يقوده لابتذال النفس والمهن )

وقال
( اصحب ذوي الحدة وارغب عن الخبيث ... فالصحبة ذا داؤها )
( وانظر إلى قول نبي الهدى ... خيار أمتي أحداؤها )
قال
( ما صديق الإنسان في كل حال ... يا أخي غير درهم يقتنيه )
( لا تعول على سواه فتغدو ... خائب القصد دون ما تبتغيه )
وقال ( يستفز الهوى للإنسان حتى ... لا يرى غير محنة أو ضلال )
( ويرى الرشد غير رشد ويغدو ... يحسب الحق من ضروب المحال )
وقال
( لا تبالغ في الشر مهما استطعتا ... وتغافل واحلم إذا ما قدرتا )
( فانقلاب الأمور أسرع شيء ... وتجازي بضعف ما قدرتا )
وقال
( مثل عواقب ما تأتي وما تذر ... واحذر فقد ترتجي أن ينفع الحذر )
( لا تقدمن على أمر بلا نظر ... فإن ذلك فعل كله خطر )
( وانظر وفكر لما ترجو توقعه ... فعمدة العاقل التفكير والنظر )
وقال
( حافظ على نفسك من كل ما ... يشينها من خلل أو زلل )

( واحرص على تخليصها بالذي ... تنجو به من قول أومن عمل )
وقال
( سكر الولاية ما له صحو ... وكلامها وحراكها وزهو )
( يهذي الفتى أيام عزتها ... فإذا تقضت نابه شجو )
( فحذار لا تغررك صولتها ... وزمانها فثبوتها محو )
وقال
( دع الجدال ولا تحفل به أبدا ... فإنه سبب للبغض ما وجدا )
( سلم تعش سالما من غير متعبة ... قرير عين إذا لم تعترض أحدا )
وقال
( إذا ترى المبتلي اشكر أن نجوت ولا ... تشمت به ولتسل من ربك العافية )
( وخف من أن تبتلى كما ابتلي فترى ... كما تراه وما تقيك من واقية )
وقال
( العمر ساعات تقضى فلا ... تقضها في السهو والغفلة )
( واعمل لما أنت له صائر ... ما دمت من عمرك في مهلة )
( ولا تكن تأوي لدينا وقل ... لا بد لابد من النقله )
وقال
( كن رفيقا إذا قدرت حليما ... وتغافل تسلك طريقا قويما )
( لا تظن الزمان يبقى على من ... سره أو ينيل عزا سليما )

( إن للدهر صولة وانقلابا ... ولهذا نعيمه لن يدوما )
وقال
( من لم يكن ينفع في الشدة ... فلا تكن معتمدا وده )
( لا تعتمد إلا أخا حرمه ... إن ناب خطب تلفه عده )
( وخل من يهزأ في وده ... ولا ترى في معضل جده )
وقال
( أخوك الذي تلفيه في كل معضل ... يدافع عنك السوء بالمال والعرض )
( ويستر ما تأتي من القبح دائما ... وينشر ما يرضى وإن سؤته يغضي )
وقال
( ولا تنه عما أنت فاعله ... وانظر لما تأتيه من ذنب )
( وابدأ بنفسك فانهها فإذا ... تقفو الصواب فأنت ذو لب )
وقال
( ليس الصديق الذي يلقاك مبتسما ... ولا الذي في التهاني بالسرور يرى )
( إن الصديق الذي يولي نصيحته ... وإن عرت شدة أغنى بما قدرا )
وقال
( عجبا لمستوف منافع نفسه ... ويرى منافع من سواه تصعب )
( ما ذاك إلا عدم إنصاف ومن ... عدم التناصف كيف يرجو يصحب )
وقال
( من عدم الهمة في راحة ... من أمره يكرم أو يهتضم )

( وإنما يشقي أخو همة ... فإن الانكاد بقدر الهمم )
وقال
( قلما تنفع المداراة إلا ... عند أهل الحفاظ والأحساب )
( من يداري اللئيم فهو من يستعمل ... الدر في نحور الكلاب )
وقال
( دنياك هذي عرض زائل ... تفتن ذا الغرة والغفلة )
( فاعمل لأخراك وقدم لها ... ما دمت من عمرك في مهله )
وقال
( نصيحة الصديق كنز فلا ... ترد ما حييت نصح الصديق )
( وخذ من الأمور ما ينبغي ... ودع من الأمور ما لا يليق )
وقال
( أنت حر ما لم يقيدك حب ... أو تكن في الورى يرى لك ذنب )
( الهوى كله هوان وشغل ... والمعاصي ذل يعانى وكرب )
وقال
( هون عليك الأمورا ... تعش هنيئا قريرا )
( واعلم بأن الليالي ... تبلي جديدا خطيرا )
( وتستبيح عظيما ... ولا تجير حقيرا )
وقال
( ألف صديق قليل ... والود منهم جميل )

( كما عدو كثير ... إذ ضره لا يزول )
( فلا تضيع صديقا ... فالنفع فيه جليل )
وقال
( دع الحسود تعاتبه لظى حسده ... حتى تراه لقى بموت من كمده )
( ما للحسود سوى الإعراض عنه وأن ... يبقى إلى كربه في يومه وغده )
وقال
( الناس حيث يكون الجاه والمال ... فخل عنك ولا تحفل بما قالوا )
( وعد عمن يقول العلم قصدهم ... أو الصلاح أما تبدو له الحال )
( انظر لماذا هم يسعون جهدهم ... بين لك الحق لا يعروه إشكال )
وقال
( توسط في الأمور ولا تجاوز ... إلى الغايات فالغايات غي )
( كلا الطرفين مذموم إذا ما ... نظرت وأخذك المذموم عي )
وقال
( عامل جميع الناس بالحسنى ... إن شئت أن تحظى وأن تهنا )
( ولا تسىء يوما إلى واحد ... فتجمع الراحة والأمنا )
وقال
( لا تفكر فللأمور مدبر ... وارض ما يفعل المهيمن واصبر )
( أنت عبد وحكم مولاك يجري ... بالذي قد قضى عليك وقدر )

وقال
( إذا رأيت القبيحا ... فقل كلاما مليحا )
( وأغض واستر وسلم ... وكن حليما صفوحا )
( تعش هنيئا وتلقى ... برا وشكرا صريحا )
وقال
( من ينكر الإحسان لا توله ... ما عشت إحسانا فلا خير فيه )
( البذر في السباخ ما إن له ... نفع فذره فهو فعل السفيه )
وقال
( من لم يكن ينفع في وده ... دعه ولا تقم على عهده )
( ود بلا نفع عناء فلا ... تعن بشيء حاد عن حده )
وقال
( در مع الدهر كيفما ... دار إن شئت تصحبه )
( ودع الحذق جانبا ... ليس بالحذق تغلبه )
( وحذار انقلابه ... فكثير تقلبه )
وقال
( من ليبس يغني في مغيب عنك لا ... تحفل به فوداده مدخول )
( يثني عليك وأنت معه حاضر ... فإذا تغيب يكون عنك يميل )
وقال
( دع نصح من يعجبه رأيه ... ومن يرى ينجحه سعيه )

( النصح وإرشاد فلا توله ... إلا فتى يحزنه غيه )
( لا يقبل النصح سوى مهتد ... يقوده لرشده هديه )
وقال
( البخت أفضل ما يؤتي الفتى فإذا ... يفوته البخت لا ينفك يتضع )
( يكفيك في البخت تيسير الأمور وأن ... يكون ما ليس ترضى عنك يندفع )
وقال
( افعل الخير ما استطعت ففعل الخير ... ذكر لفاعليه وذخر )
( وتواضع تنل علاء وعزا ... فاتضاع النفوس عز وفخر )
وقال
( صديق المرء درهمه ... به ما دام يعظمه )
( فصنه ما استطعت ولا ... تكن في اللهو تعدمه )
( ففقر المرء ميتته ... لذا تغدو فترحمه )
وقال
( لاتقرب ما اسطعت خل عدو ... فخليل العدو حلف عداوة )
( وتحفظ منه وداره وانظر ... هل ترى من سيماه إلا القساوة )
وقال
( لا تعد ذكر ما مضى فهو أمر ... قد تقضى وقد مضى لسبيله )
( وتكلم فيما تريد من الآتي ... ودبر للشيء قبل حلوله
وقال
( قساوة المرء من شقائه فإذا ... يلين ساد بلا أين ولا نصب )

لا يرحم الله إلا الراحمين فمن ... يرحم ينل رحمة في كل منقلب )
وقال
( جىء بالسماح إذا ما جئت في غرض ... ففي العبوس لدى الحاجات تصعيب )
( سماحة المرء تنبي عن فضيلته ... فلا يكن منك مهما اسطعت تقطيب )
وقال
لا تسامح يوما دنيا إذا ما ... قال في فاضل كلاما رديا )
( إن قصد الدني إنزال أهل الفضل ... حتى يرى عليهم عليا )
وقال
( خذ من القول بعضه فهو أولى ... وتحفظ مما يقول العداة )
( ربما تأخذ الكلام بجد ... وهو هزل قد نمقته عدات )
( فاحترز من غرور الأقوال واعلم ... أن الاقوال بعضها كذبات )
وقال
( نافس الأخيار كيما ... تحرز المجد الأثيلا )
( لا تكن مثل سراب ... ريء لم يشف غليلا )
( إنما أنت حديث ... فلتكن ذكرا جميلا )
وقال
( الصمت عز حاضر ... وسلامة من كل شر )
( فإذا نطقت فلا تكثر ... واجتنب قول الهذر )
( وحذار مما يتقى ... وحذار من طرق الغرر )

وقال
( سلامة الإنسان في وحدته ... وأنسه فيها وفي حرفته )
( ما بقي اليوم صديق ولا ... من ترتجي النصرة في صحبته )
( فقر في بيتك تسلم ودع ... من ابتلى بالناس في محنته )
وقال
( مطاوعة النساء إلىالندامة ... وتوقع في المهانة والغرامة )
( فلا تطع الهوى فيهن واعدل ... ففي العدل الترضي والسلامة )
وقال
( كانت مشاورة الإخوان في زمن ... قول المشاور فيهم غير متهم )
( والآن قد يخدع الذي تشاوره ... إشماتا أو حسدا يلقيك في الندم )
( فاضرع إلى الله فيما أنت تقصده ... يهديك للرشد في الأفعال والكلم )
وقال
( عد عمن يراك تصغر عنه ... وتحفظ من قربه وأبنه )
( إن من لا يراك في الناس خيرا ... منه فالخير في التحفظ منه )
وقال
( رزانة المرء تعلي قدره أبدا ... وطيشه مسقط له وإن شرفا )
( فاربأ بنفسك من طيش تعاب به ... وإن تكن حزت معه العلم والشرفا )
وقال
( الصدق عز فلا تعدل عن الصدق ... واحذر من الكذب المذموم في الخلق )

( من لازم الصدق هابته الورى وعلا ... فالزمه دأبا تفز بالعز والسبق )
وقال
( ليس التفضل يا أخي أن تحسنا ... لأخ يجازي بالجميل من الثنا )
( إن التفضل أن تجازي من أسالك ... بالجميل وأنت عنه في غنى )
وقال
( من واصل اللذات لا بد أن ... تعقبه منها الندامات )
( فخذ من اللذات واترك ولا ... تسرف ففي الإسراف آفات )
وقال
( دع معجبا بنفسه ... في غيه ولبسه )
( لا يقبل النصح لها ... من نخوة برأسه )
( فخله لكيده ... وعجبه بنفسه )
وقال
( عتب الصديق دلالة ... منه على صدق المودة )
( فإذا يقول فقصده التنزيه ... عما قام عنده )
( فاحلم إذا عتب الصديق ... ولا تخيب فيك قصده )
وقال
( ترتجى في النوائب الإخوان ... هم لدى كل شدة أعوان )
( فإذا لم يشاركوا فسواء ... هم والأعداء كيفما قد كانوا )

وقال
( انصر أخاك على علاته أبدا ... تهب وتسلك سبيل العز والظفر )
( ولا تدعه إلى الإشمات مطرحا ... فإن ذلك عين الذل والصغر )
وقال
من عز كانت له الأيام خادمة ... تريه آماله في كل ما حين )
( ومن يهن أولغت فيه المدى وأدت ... له النوائب في أثوابها الجون )
وقال
( خل المنجم يهذي في غوايته ... واقصد إلى الله رب النجم والفلك )
( لو كان للنجم حكم لم تجد أحدا ... يخالف النجم إلا انهد في درك )
وقال
( حماية المرء لمن يصحب ... تدل أن أصله طيب )
( لا خير فيمن لا يرى ناصرا ... صديقه وهو له ينسب )
وقال
( يا عاتبا من لا له همة ... ألا اتئد إلى متى تعتب )
( هل يسمع الميت أو يبصر الأعمى ... محال كل ما تطلب )
وقال
( لا يعرف الفضل لأهل الفضل ... إلا أولو الفضل من أهل العقل )
( هيهات يدري الفضل من ليس له ... فضل ولو كان من اهل النبل )

وقال
( لا تطلب المرء بما اعتدت من ... أخلاقه والمرء في وهن )
( تنتقل الأخلاق لا شك مع ... تنقل الحالات والسن )
وقال
( لا تعامل ما عشت غيرك إلا ... بالذي أنت ترتضيه لنفسك )
( ذاك عين الصواب فالزمه فيما ... تبتغيه من كل أبناء جنسك )
وقال
( باعد الناس يوالوكا ... واعتزل عنهم يهابوكا )
( فإذا ما تصطفيهم وقعوا فيك وعابوكا )
وقال
( إياك لا تخذل الصديقا ... وارع له العهد والحقوقا )
( نصرته ما قدرت عز ... تمهده للعلا طريقا )
( فلا تسامح به عدوا ... وكن له ناصرا حقيقا )
وقال
( حدث جليسك ما أصغى إليك فإن ... تراه يعرض فاقطع عنه وانصرف )
( خفف فقد يضجر الذي تجالسه ... طول المقام أو التحديث في سرف )
وقال
( جماع الخير في ترك الظهور ... وإظهار التواضع والبرور )
( وفي أضدادها من غير شك ... جميع وجوه أنواع الشرور )

وقال
( محبة الدرهم طبع البشر ... فاقنع من المرء بما قد حضر )
( وقس على نفسك في بذله ... تقف على تحقيق عين الخبر )
وقال
( لايلم غير نفسه كل من قد ... عرض النفس أن تهان فذلا )
( ينظر العاقل الأمور فيأبى ... أن يرى منه غير ما هو أولى )
وقال
( أعذر الناس من أتته المضرة ... من أخ كان يرتجي منه نصره )
( مثل من غص بالشراب فكان ... الهلك فيما رجاه يدفع ضره )
وقال
( سلم تعش سالما مما يقال ... من يعترض يعترض في كل حال )
( نقد الفتى غافلا عن عيبه ... لا يرتضى عند أرباب الكمال )
وقال
( تواضع المرء ترفيع لرتبته ... وكبره ضعة من غير ترفيع )
( في نخوة الكبر ذل لا اعتزاز له ... وفي التواضع عز غير مدفوع )
وقال

( إياك لا تنكر فضيلة كل من ... تدري فضيلته فترمي بالحسد )
( إنكارها يجني عليك تنقصا ... ويزيده شرفا يديم لك الكمد )
وقال
( انصر أخاك ما استطعت فإنما ... تعتز بالإخوان ما عزوا )
( من يخذل الإخوان يخذل نفسه ... ويهن وما لهوانه عز )
وقال
( إذا جزاك بسوء من أسأت له ... فذاك عدل وما في العدل من زلل )
( جزاء سيئة بالنص سيئة ... لا حيف في ذاك في قول ولا عمل )
وقال
( نفس وشيطان ودنيا والهوى ... يارب سلم من شرور الأربعة )
( أنت المخلص من رجاك وإنني ... أرجوك فيما أتقي أن تدفعه )
وقال
( لا تعظم يا أخي نفسك ... إن شئت السلامة )
( من يعظم نفسه يجن ... امتهانا وملامة )
( فتواضع تلق عزا ... واحتفاء وكرامة )
وقال
( دع لذة الدنيا فمن يبتلى ... بحبها ذاق عذاب السموم )
( لذاتها حلم وأيامها ... لمح ولكن كم لها من هموم )
( محبة الدنيا هلاك فمن ... يرومها أهلكه ما يروم )

وقال
( كل خل ما أنت تخطي ... لا تعول على صفاء وداده )
( إنما الخل من تناسى خطاياك ... ويبقى له جميل اعتقاده )
وقال
( من عامل الناس بالإنصاف شاركهم ... في ما لهم وأحبوه بلا سبب )
( إنصافك الناس عدل لا تزال به ... تعلو إلى أن ترى في أرفع الرتب )
وقال
( قل جميلا ان تكلمت ولا ... تقل الشر فعقبي الشر شر )
( من يقل خيرا ينل خيرا ومن ... يقل الشر اذا يخشى الضرر )
وقال
( اذا التأمت أمورك بعض شيء ... بأرضك فاستقم فيها ولازم )
( فما في غربة الانسان خير ... وما بالغربة الدنيا تلايم )
وقال ( الى متى تسرح مرخى العنان ... قل يا أخي حتى متى ذا الحران )
( ارجع الى الله وخل الهوى ... فما الهوى يا صاح الا هوان )
( قد أنذر الشيب فهل سامع ... أتن فمصغ للذي قد أبان )
وقال
( من يكفر النعمة لا بد أن ... يسلبها من حيث لا يشعر )
( ومن يكن يشكرها معلنا ... دامت له نامية تكثر )

وقال ( اعذر أخا الفقر في أن ... يضيق ذرعا بنفسه )
( الفقر موت ولكن ... من للفقير برمسه )
( إن الفقير لميت ... ما بين أبناء جنسه )
وقال
( كما تدين أنت يا صاحبي ... تدان فاعمل عمل الفاضل )
( أنت كما أنت فخل الذي ... تزين النفس من الباطل )
( وأين أنت ثم أنت أدر ذا ... حسبك فاحذر زلل العاقل )
وقال
( مالك ما أنفقته قربة ... لله والباقي حساب عليك )
( فقدم المال ترد آمنا ... من بعده وهو ثواب لديك )
وقال ( دع مدح نفسك ان أردت زكاءها ... فبمدح نفسك من مقامك تسقط )
( ما أنت تخفضها يزيد علاؤها ... والعكس فانظر أيما لك أحوط )
وقال
( ذو النقص يصحب مثله ... فالشكل يألف شكله )
( فاصحب أخا الفضل كيما ... تقفو بفعلك فعله )
( أما ترى المسك دأبا ... يكسب طيبا محله )
وقال
( من عيني المرء يبدو ما يكتمه ... حتى يكون الذي يرعاه يفهمه )

( ما يضمر المرء يبدو من شمائله ... لناظر فيه يهديه توسمه )
وقال
( انما الدنيا خيال ... وأمانيها خبال )
( حبها سكر ولكن ... وصلها ما ان ينال )
( فتنزه عن هواها ... فهوى الدنيا ضلال )
وقال
( قلما يؤذيك من لا يعرفك ... فتحفظ من صديق يألفك )
( لا تثق بالود ممن تصطفي ... كم صديق تصطفيه يتلفك )
وقال
( لا تضجرن في الامور وارض بما ... يقضي به الله فهو مكتتب )
( ما قدر الله لا مرد له ... فما يفيد العناء والتعب )
وقال
( تنزه عن دنيات الأمور ... وخذ بالحزم في الامر الخطير )
( فأشراف الأمور لها جمال ... وخطر في البهاء وفي الظهور )
( وفي سفسافها لا شك وهن ... وتمهين يشين مدى الدهور )
وقال
( من يبتلى من أهله بمنغص ... يصبر فما أحد بغير منغص )
( ومن أزمنت بالوجه منه قرحة ... يعزم على ضرر يشين مخصص )
وقال
( من كان في عزته داره ... وكرر المشي الى داره )

( قبل يدا تعجز عن قطعها ... ولن لمن تخشى من اضراره )
وقال
( لا تبتغ النعمة من جائع ... لم يرها قبل لآبائه )
( لا يرشح الاناء ما لم يكن ... ملآن قد أفعم من مائه )
وقال
( مروءة المرء رأس ماله ... وصونه أشرف اعتماله )
( من لم يصن نفسه تردى ... وزال عن رتبة اكتماله )
وقال
( ترك المطامع عزه ... واليأس أهنأ وانزه )
( هيهات يعتز مثر ... أضحى للاطماع نهزه )
( نزاهة النفس عز ... ما ذل من يتنزه )
وقال
( تعظيمك الناس تعظيم لفسك في ... قلوب الأعداء طرا والأوداء )
( من يعظم الناس يعظم في النفوس بلا ... مؤونة وينل عز الأعزاء )
وقال
( اقنع من الناس بمقدار ما ... يعطون لا تبتغ منهم مزيد )
( حسبك من كل امرىء قدر ما ... يعطيك فالأطماع ما إن تفيد )
وقال
( لن إذا كانت الأمور صعابا ... وتواضع لها تجدها قرابا )

( دار من شئت تنتفع منه واترك ... صوله الكبر فهي تجني عذابا )
( لا تكن تأخذ الأمور بعنف ... من يعاني الأمور بالعنف خابا )
وقال
( سامح الناس إن أساؤوا إليكا ... وتغافل إذا تجنوا عليكا )
( ما ترى كيف أنت تعصي ومولاك ... يزيد الإنعام دأبا لديكا )
وقال
( اغتنم ساعة الأنس ... وانس ما كان بالأمس )
( ليس للمرء من الدنيا ... سوى راحة نفس )
( من يكن حلف هموم ... باع دنياه ببخس )
وقال
( حبك الشيء يغطي قبحه ... فتراه حسنا في كل حال )
( لا يرى المحبوب إلا حسنا ... كان قبح فيه مع ذا أو جمال )
( حتم الحب على ذي الحب أن ... لا يرى المحبوب إلا في كمال )
وقال
( يحسب الناقص أن الناس قد ... غفلوا عن حاله في ضعته )
( لا يرى الناقص إلا أنه ... كامل من نعته في صفته )
( غلط المرء يغطي عقله ... أن يرى النقص الذي في جهته )
وقال

( أيام عمرك هذي ... ساعاتها رأس مالك )
( فاحرص على الخير فيها ... قبل أوان ارتحالك )
( فإنما أنت طيف ... تجتاب سبل المهالك )
وقال
( تجد الناس على النقص ولا ... تجد الكامل إلا من ومن )
( زمن الباطل وافى أهله ... وكذاك الناس أشباه الزمن )
وقال
( قل جميلا إذا أردت الكلاما ... تجن عزا مهنأ مستداما )
( إن قول القبيح يورث بغضا ... وصغارا عند الورى وملاما )
وقال
( حسن الظن تعش في غبطة ... إن حسن الظن من أوقى الجنن )
( من يظن السوء يجزى مثله ... قلما يجزى قبيح بحسن )
وقال
( إن تبغ إخوان الصفاء فهم ... تحت التراب انتقلوا للقبور )
( إخوانك اليوم كأزمانهم ... مشتبهون في جميع الأمور )
وقال
( ومستقبح من أخ خلة ... وفيه معايب تسترذل )
( كأعمى يخاف على أعور ... عثارا وعن نفسه يغفل )

وقال
( من يبتغ الود من الناس ... يكن لما قالوه بالناسي )
( أغض عن الناس تنل ودهم ... إنك لا تغني عن الناس
وقال
( أعيت مع الناس الحيل ... وبار فيهم العمل )
( في أي وجه أملوا ... يخيب منهم الأمل )
( فآثر العزلة عن ... هم تنج من كل خلل )
وقال
( لا ترج غير الله في شيء تنل ... ما تبتغيه وتكف كل تخوف )
( الله أعظم من رجوت فثق به ... فهو الذي أعطى وأنجى من كفي )
وقال
( توسل إلى الله في كل ما ... تحب بمحبوبه المصطفى )
( تنل ما تحب كما تنبغي ... وحسبك جاها به كفى )
انتهى ما لخصت واخترت من الكتاب المذكور
وهذه نبذة من كتابه الأبيات المهذبة في المعاني المقربة فمن ذلك قوله
( اكتم السر واجعل الصدر قبره ... لا تبح ما حييت منه بذرة )
( أتت ما لم تبح بسرك حر ... فإذا بحت صرت عبدا بمرة )
( من يرد أن يعيش عيشا هنيئا ... يتحفظ مما عسى أن يضره )

وقال
( عداوة العاقل مع عسرها ... آمن من صداقة الأحمق )
( يمكن الأحمق من نفسه ... عمدا ومن أحبابه يتقي )
( لا يحفظ الأحمق خلا ولا ... يرضاه للصحبة إلا شقي )
وقال
( إذا أمعنت في الدنيا اعتبارا ... رأيت سرورها رهن انتحاب )
( بعاج عن تدان وافتقار ... عن استغنا وشيب عن شباب )
( حياة كلها أضغاث حلم ... وعيش ظله مثل السراب )
وقال
من تره يسرف في ماله ... يتلفه في لذة وانهماك )
( فذلك المغبون في رأيه ... يسلك بالنفس سبيل الهلاك )
وقال
من لا يرى نفسه في الناس قاصرة ... عن الكمالات لم يكمل له أدب )
( ومن يكن راضيا عن نفسه أبدا ... فذاك غر عن الآداب محتجب )
( آداب الانسان تحقيقا تواضعه ... وجريه دائما على الذي يجب )
( وقال
( يحق الحق حتما دون شك ... وإن كره المشكك والملد )
( صريح الحق قد يخفى ولكن ... بعيد خفائه لا شك يبدو )
وقال
( كل ما قد فات لا رد له ... فلتكن عن ذاك مصروف الطمع )

( أيعود الحسن من بعد الصبا ... قلما أدبر شيء فرجع )
وقال
( اغتنم غفلة الزمان وبادر ... لذة العيش ما بقيت سليما )
( أمر هذي الحياة أيسر من ان تغتدي فيه لائما أو ملوما )
وقال
( لا تغرنك صولة الجاه يوما ... أو تظنن أنها تتمادى )
( صولة الجاه لفح نار ولكن ... كل نار لا بد تلفى رمادا )
وقال
( تنح عن الناس مهما استطعت ... ولا تك في الناس بالراغب )
( من اعتمد الناس يشقى ولا ... يرى غير منتقد عائب )
وقال
( لا تقل يوما أنا ... فتقاسي محنا )
( من يعظم نفسه ... يلق هونا وعنا )
( شر ما يأتي الفتى ... مدحه لو فطنا )
وقال
( الناس إخوان ذي الدنيا وإن قبحت ... أفعاله وغدا لا يعرف الدنيا )
( يعظمون أخا الدنيا وإن عثرت ... يوما به أولغوا فيه السكاكينا )
وقال
( العدل روح به تحيا البلاد كما ... هلاكها أبدا بالجور ينحتم )

( الجور شين به التعمير منقطع ... والعدل زين به التمهيد ينتظم )
( يا قاتل الله أهل الجور كم خربت ... ) بهم بلاد وكم بادت بهم أمم )
وقال
( اليأس أسلى وأغنى ... من نيل ما يتمنى )
( يسلو أخو اليأس ... حتى يهنا ولا يتعنى )
( لليأس برد فمن لم ... يذقه لم يتهنا )
قال
( إذا عظمت نفس امرىء صار قدره ... حقيرا وحيث احتل فالذل صاحبه )
( يسود ويعلو ذو التواضع دائما ... ويحظى كما يرضى وتقضى مآربه )
وقال
( ود من يصطفيك للنفع زور ... والجميل الذي يريك غرور )
( إنما الود ود من ليس يخشى ... فيك ممن يلوم أو من يضير )
وقال
( اشكر لمن والاك معروفا ... تكن بفضل النفس معروفا )
( شكر أخي المنة عدل فكن ... بالعدل مهما اسطعت موصوفا )
( من يكفر الإحسان لا بد أن ... يلفى عن الإحسان مصروفا )
وقال
( حسب الإنسان ماله ... وهو في الدنيا كماله )
( يضجر الفقر أخا الحلم ... وإن طال احتماله )
( عزة المرء غناه ... وبه تحسن حاله )

وقال
( لا تصاحب أبدا من ... عقله غير متين )
( إن نقص العقل داء ... يتقى مثل الجنون )
( صحبة الأحمق عار ... لاحق في كل حين )
وقال
( وافق الناس إن أردت السلامة ... إن روح الوفاق روح كرامه )
( من يوافق يعش هنيئا قريرا ... آمنا من أذية وملامه )
( فتوق الخلاف واحذر أذاه ... فركوب الخلاف عمدا ندامه )
وقال
( ظلمات الخطوب مهما ادلهمت ... يجلها كالصباح فجر انفراج )
( أرح النفس لا تبت حلف هم ... كم هموم فيها السرور يفاجي )
وقال
( من لم يكن يقصد أن يحمدا ... يعش هنيئا وينل أسعدا )
( من يبتغي المدحة لا بد أن ... يلحقه الذل وأن يجهدا )
( عيش الفتى في ترك تقييده ... وموته البحت إذا قيدا )
وقال
( قل لأهل الحاجات مهما ابتغوها ... حسبكم ما أتى من التنبيه )
( إن تريدوا الحاجات من غير بطء ... فاطلبوها عند الحسان الوجوه )

وقال
( خذ الأمور برفق واتئد أبدا ... إياك من عجل يدعو إلى وصب )
( الرفق أحسن ما تؤتى الأمور به ... يصيب ذو الرفق أو ينجو من العطب )
( من يصحب الرفق يستكمل مطالبه ... كما يشاء بلا أين ولا تعب )
وقال
( من يبتغي السؤدد لا بد أن ... يرهقه الجهد فلا يضجر )
( يصعب إدراك المعالي فمن ... يرم لحاق بعضها يصبر )
( لا يحصل السؤدد هينا ولا ... يظفر بالبغية إلا جري )
وقال
( عاش في الناس من درى قدر نفسه ... ثم دارى جميع أبناء جنسه )
( علم الإنسان قدره نبل عقل ... وذكاء يبين عن فضل حدسه )
وقال
( عظم الناس تنل تعظيمهم ... واجتنب تحقيرهم فهو الردى )
( من ير الناس بتحقير يكن ... عندهم مؤذى حقيرا أبدا )
( لا يغرنك إهمال امرىء ... ربما يؤذي الذباب الأسدا )
وقال
( حب الرياسة يا له من داء ... كم فيه من محن وطول عناء )
( طلب الرياسة فت أعضاد الورى ... وأذاق طعم الذل للكبراء )
( إن الرياسة دون مرتبة التقى ... فإذا اتقيت علوت كل علاء )

وقال
( لا تركنن إلى بشر ... إن شئت تأمن كل شر )
( ذهب الذين إذا ركنت ... لهم أمنت من الضرر )
( لم يبق إلا شامت ... أو من يضر إذا قدر )
وقال
( خل رأي الجهال ما اسطعت واتبع ... رأي أهل الحلوم والتجريب )
( لا تحد عن مشورة في مهم ... فهي مما تنمي حياة القلوب )
( رأي أهل الصلاح نور يجلي ... ظلمة الكرب في ليالي الخطوب )
وقال
( لا يرتضي بالدون إلا امرؤ ... مقصر ذو همة حاملة )
( الموت خير من حياة الفتى ... مهتضما ذا رتبة سافلة )
( روح حياة المرء في عره ... من ذل مات الميتة العاجله )
وقال
( استغن عمن تشاء ... فالله يغنيك عنه )
( من أمل الناس يشقى ... وليس يقنع منه )
( فإن ظفرت بحر ... فاحفظ عليه وصنه )
وقال
( خذ من صديقك قدر ما يعطيكا ... لا تبغ أزيد واحذر أن يجفوكا )
( من يبغ مقدار الذي يحتاجه ... من أخيه يبق مخيبا متروكا )
( شأن الألى رزقوا الحجى أن يقنعوا ... فابغ القناعة إنها تغنيكا )

وقال
( هن إذا عز أخوكا ... واخش أن يقرض فيكا )
( إن من عاند أقوى ... منه قد ضل سلوكا )
( نقص عقل أن تعادى ... بشرا لا يتقيكا )
وقال
( تنزه ما حييت عن القبيح ... وخالف من يرى رد النصيح )
( وخذ بالحزم مهما اسطعت واحذر ... من أن يلقيك حزمك في فضوح )
( فلا تعدل عن الحق التفاتا ... لغير الحق من بعد الوضوح )
وقال
( لا تخف في الحق لوما ... صدقه ينجيك حتما )
( ينجلي الحق ويبدو ... نوره لا يتعمى )
( شأن ذي الحق اهتداء ... وأخو الباطل أعمى )
وقال
( عامل بجد جميع الناس تحظ به ... وجنب الهزل إن الهزل يرديكا )
( الجد أحسن ماتبديه من خلق ... والجد أشرف ما في الناس يعليكا )
( من لازم الجد هابته النفوس ومن ... يهزل يكن أبدا في الناس مهتوكا )
وقال
( كفاك الله شر من اصطفيتا ... وضر من اعتمدت ومن عرفتا )
( جميع الناس موتى عنك إلا ... معارفك الذين لهم ركنتا )
( تحفظ من قريب أو صديق ... وكن في الغير دهرك كيف شئتا )

وقال
( من كان يرغب عن أحبابه ويرى ... تقريب أعدائه لا شك يهتضم )
( يدني العدو فلا تدنو مودته ... هيهات كل معاد قربه ندم )
( فاحفظ صديقك واحذر أن تعاديه ... إن الصديق إذا عاديته يصم )
وقال
( جامل عدوك كي يلين حقده ... فيكف بعض البعض من إيذائكا )
( واحفظ صديقك ما استطعت فإنه ... أدرى بطرق الضر من أعدائكا )
وقال
( إذا ظفرت بمن أنحى عليك فخذ ... بالحلم فيه ودع ما منه قد فرطا )
( إن المسيء إذا جازيته أبدا ... بفعله زدته في غيه شططا )
( العفو أحسن ما يجزى المسيء به ... يهينه أو يريه أنه سقطا )
وقال
( قاتل عدوك بالفضائل إنها ... أعدى عليه من السهام النفذ )
( كسب الفضائل عدة تعليك في ... رتب بها سبل السعادة تحتذى )
( فاحرص على نيل الفضائل جاهدا ... إن الفضيلة صعبة في المأخذ )
وقال
( وعد الكريم وفاء ... تجنيه كيف تشاء )
( ما حال قط كريم ... ولا ثناه التواء )
( فأنجز الوعد مهما ... وعدت فهو الزكاء )

وقال
( ليس الغني عن كثرة العرض ... إن الغني في النفس إن ترض )
( رأس الغني ترك المطامع عن ... زهد بلا ميل ولا غرض )
( فازهد تعش أغنى البرية في ... عز بلا هم ولا مضض )
وقال
( زمن الفضائل قد مضى لسبيله ... ولوى بطيب العيش وشك رحيله )
( ركدت رياح الجد بعد هبوبها ... وعلا فريق الهزل بعد خموله )
( هيهات ما زمن الكرام وما هم ... ذهبوا وجد الدهر في تحويله )
وقال
( مروءة المرء ثوبه ... والعري في الناس عيبه )
( بثوبه المرء يعلو ... قدرا ويحفظ قربه )
( من لم يصن ثوبه لم ... يصن وإن لاح شيبه )
وقال
( لا تصخ ما بقيت حيا لقول ... ليس يجني عليك إلا المضره )
( واطرح ما اتاك منه وجنب ... من يرى بالفضول واتق ضره )
وقال
( ثقيل تراه النفس في العين كالقذى ... وكالجبل الراسي على الصدر والقلب )
( تثير غموم المرء رؤية وجهه ... وتشكو جفاه الأرض شكوى ذوي الكرب )
وقال
( أما ترى الأشجار مصفرة ... أوراقها كالشمس عند المغيب )

( ما هي إلا صفرة آذنت ... بأنها ترحل عما قريب )
وقال
( كل ما تحب وتشتهي ... ودع الطبيب وما يرى )
( حفظ الغذاء مشقة ... ليست ترد مقدرا )
( كم عد من متحفظ ... كم صح ممن قصرا )
( كل التحفظ زائد ... لابد مما قدرا )
وقال
( من كان يأكل ما اشتهى ... ويرى مخالفة الطبيب )
( سيرى مضرة ما أتى ... بطرا ويندم عن قريب )
( إن التحفظ في الأمور ... لشيمة الفطن اللبيب )
( من لم يكن متحفظا ... يخطي ويبعد أن يصيب )
وقال
( وللحمام حاءات إذا ما ... ظفرت بها عثرت على النعيم )
( فحناء وحكاك مجيد ... وقل حجر يمر على الأديم )
( وحوض مفعم ماء لذيذا ... وحجام على النهج القويم )
( وللحلق الحديدة حين تنمى ... وأطيبها حديث أخ كريم )
وقال في الغزل وهي آخر كتابه المذكور
( الله أكبر جلت فتنة البشر ... بنور غرتك المغني عن البصر )
( شمس تطلع في أفق الجمال لها ... نور تألق في داج من الشعر )
( ووردة الخد في أبراد سوسنها ... شقائق زانها التغليف بالدرر )

( ومسكة الخال فوق الخد شاهدة ... بأن إبداعها إحكام مقتدر )
وهذه نبذة من كتابه أنداء الديم في المواعظ والوصايا والحكم وكل ما فيه كالذي قبله من نظمه رحمه الله تعالى فمن ذلك قوله رحمه الله
( العلم نور وهدى ... فكن بجد طالبه )
( واحرص عليه واعتمد ... فيه الأمور الواجبة )
( من لازم العلم علا ... على الأنام يخاطبة )
وقال
( خالف النفس عند قصد هواها ... تبق ما عشت سالما من أذاها )
( فاتباع الهوى هوان ولكن ... هان للنفس كي تنال مناها )
وقال
( من يخالف في شيء الناس يرجع ... هدفا للسهام من كل راشق )
( كم مع الناس كيف كانوا ووافق ... إن من لا يوافق الناس مائق )
وقال
( أرح النفس تنتفع بحياتك ... واغنم العيش قبل يوم وفاتك )
( واطرح عيب من سواك وسالم ... جملة الناس يغفلوا عن أذاتك )
( واعتبر بالذين بادوا وبادر ... ما يدانيك من سبيل نجاتك )
وقال
( سالم الناس ما استطعت وجامل ... من يعاديك إن أردت السلامه )
( وتنزه عن القبيح وجنب ... من يرى بالفضول واحذر كلامه )

وقال
( صديقي أنت ما أبقى بخير ... وموتي غير محتاج إليكا )
( فإن أحتج إليك فأنت مني ... بريء لا صداقة لي عليكا )
وقال
( من أنت عنه غني ... كن فيه مثل اعتقاده )
( فإن يكن منه ود ... فجازه بوداده )
( وإن يكن منه بعد ... فخله لبعاده )
وقال
( عليك بنفسك لا تشتغل ... بشيء سواها وخل الفضول )
( تعش رائح القلب في غبطة ... فلا من يضر ولا من يقول )
وقال
( اترك الفكر في الأمور ودعها ... فكما قدرت تكون الأمور )
( كل فكر وكل رأي وحزم ... غير مجد إذا جرى المقدور )
وقال
( هون عليك خطوب الدهر إن لها ... نهاية والتناهي عنده الفرج )
( واصبر فإن لحسن الصبر عاقبة ... بصبحها ظلمة المكروب تنبلج )
وقال
( احذر البخل إنه شر خلق ... يتحلى به وشر طريقه )
( من يجد غير مسرف فهو في الناس ... موقى تثني عليه الخليقه )

وقال
( الذل في طلب الإفادة عزة ... فاحرص على نيل الإفادة ترشد )
( إن التعزز في الذي تحتاجه ... كبر وكبر المرء أقبح مقصد )
وقال
( دع من عرفت ولا تشدد عليه يدا ... وداره وتحفظ منه ما بقيا )
( أما ترى البلد الذي نشأت به ... محقرا كلما أصبحت معتليا )
( وغيره من بلاد الله قاطبة ... يعليك لا سيما إن كنت متقيا )
وقال
( ينبغي للذي تحلى بعقل ... أن يرى كالبازي مدة عمره )
( بين أيدي الملوك أو في فلاه ... خيفة من شرور أبناء دهره )
وقال
( العزل يضحك ذله ... من تيه سلطان الولاية )
( فإذا وليت فسر على ... نهج الدماثة والرعاية )
( واقصد مداراة الورى ... واحذر كيود ذوي السعاية )
وقال
( لا تقبل الحكم على بلدة ... نشأت فيها إنه يحقد )
( رياسة المرء على الأهل والجيران ... والخلان لا تحمد )
وقال
( هي الدنيا إذا فكرت فيها ... رأيت نعيمها سما نقيعا )

( فلا تجفل بها واحذر أذاها ... فإن لسمها قتلا ذريعا )
( ولا تأسف على ما فات منها ... وبادر في حياتك أن تطيعا )
وقال
( كن وحيدا ما عشت تحيا بخير ... سالما ... من شرور كل البرية )
( إن من لا يخالط الناس يبقى ... دهره لا تعروه منهم أذية )
وقال
( لا تبح ما حييت يوما بسر ... لصديق ولا لغير صديق )
( إن سرا يجاوز الصدر فاش ... يدريه العدا ومن في الطريق )
وقال
( لا تصاحب ما عشت إلا الكبارا ... تنم ذكرا وتعتلي مقدارا )
( إن من ماشى في طريق حقيرا ... يكتسي منه مهنة واحتقارا )
( فتحفظ من أن تؤاخي دنيا ... فهو يعديك ذلة وصغارا )
وقال
( محدثات الأمور أردى الشرور ... فتحفظ من محدثات الأمور )
( إنما المحدثات غي فدعها ... واجتهد أن ترى مع الجمهور )
( كل من يتبع الحوادث يشقى ... ويرى نفسه بغير نظير )
وقال
( من تفضلت عليه ... أنت لا شك أميره )
( ومن احتجت إليه ... أنت بالرغم أسيره )
( ومن استغنيت عنه ... أنت في الدنيا نظيره )

وقال
( لم يبق من يطمع في وده ... كلا ولا من ترتضى صحبته )
( الناس أشباه ذئاب فهل ... يعلم ذئب حسنت عشرته )
( من يبتغي اليوم صديقا كما ... يرضى فقد زلت به بغيته )
وقال
( فاعل الخير موقى كل ما ... يتقي من ضر أو من فتنة )
( ليس يخشى فاعل الخير أذى ... إن فعل الخير أوقى جنة )
وقال
( تحفظ من صديقك في أمور ... فربتما يضر بك الصديق )
( من اعتمد الصديق ولم يبال ... يصبه الضر وهو به خليق )
وقال
( لا تركنن لمخلوق وكن أبدا ... ممن توكل في الدنيا على الله )
( ولا تمل لسواه ما حييت فمن ... يرجو سوى الله هاو حبله واهي )
وقال
( طلب الغاية اتباع غوايه ... فاعتمد في الأمور ترك النهاية )
( من يكن راضيا بما يتسنى ... عاش عيش الملوك دون أذايه )
وقال
( لا تعتمد أبدا على مخلوق أن ... تبغ النجاح وتقصد الرشدا )

( من يرج غير الله يحرم رشده ... ويذل وهو مخيب قصدا )
وقال
( سفر المرء قطعة من عذابه ... فيه تخليق جسمه وثيابه )
( إنما العيش للفتى بين أهليه ... وخلانه وفي أحبابه )
( من يرده بخير الله يكفى ... كرب تجواله وذل اغترابه )
وقال
( سلم ولا تعترض يوما على أحد ... إن شئت تسلم من حقد وأضرار )
( من يعترض يعترض لا شك وهو حر ... بذاك فالشر مقدار بمقدار )
وقال
( إن الصديق لعون ... في كل ما تبتغيه )
( فلا تسىء لصديق ... واحذر وقوعك فيه )
( فالمرء قيل كثير ... بنفسه وأخيه )
وقال
( افعل الخير ما استطعت تنل ما ... تبتغيه من الثناء الجميل )
( فاعل الخير آمن ليس يخشى ... صرف دهر ولا حلول جليل )
وقال
( يحق الحق حتما دون شك ... وإن كره المشكك والملد )

( صريح الحق قد يخفى ولكن ... بعيد خفائه لا شك يبدو )
وقال
( إن شئت عزا دائما ... فاسلك سبيل من اقتنع )
( إن القناعة عزة ... والذل عاقبة الطمع )
( المرء إن قنع اعتلى ... قدرا وإن طمع اتضع )
وقال
( استعن في الأمور بالكتمان ... وتحفظ من شر كل لسان )
( كل ما لا يدرى من أمرك فضل ... ليس فيه شيء من الخسران )
وقال
( من مال عنك بشبر ... مل أنت عنه بميل )
( فالله يغنيك عنه ... فمنه كل جميل )
( فليس في الود خير ... مع ترك حسن القبول )
وقال
( لا تقطعن صديقا ... وإن يضق بك صدرا )
( واحرص عليه وزده ... إن يجف برا وشكرا )
( فإن قطع صديق ... لا شك يعقب ضرا )
وقال
( خل التأنق في اللباس وسر على ... نهج الأفاضل في اختصار الملبس )
( إن التأنق في اللباس يكثر الحساد ... والأعداء للمتلبس )
( فالبس كمثل الناس لا تخرج عن المعتاد ... في شيء فتحظى أو تسي )

وقال
( لا تحقرن عدوا ... ولو يكون كذره )
( واحذره ما اسطعت واجهد ... أن لا تحرك شره )
( إن البعوضة تؤذي الملوك ... فوق الأسرة )
وقال
( ما أهنأ الإنسان في عيشه ... ما بين أهليه وفي منزله )
( الذل في الغربة يا كربها ... وكرب من قوض عن معقله )
( وفي اقتلوا أو اخرجوا شاهد ... ساوى خروج المرء مع مقتله )
وقال
( المال يستر عيب المرء فاقتتنه ... واحفظه تبق موقى مدة الزمن )
( من ضيع المال أبدى عيبه وجنى ... تمهينه أبدا من كل ممتهن )
وقال
( سريرة المرء تبديها شمائله ... حتى يرى الناس ما يخفيه إعلانا )
( فاجعل سريرتك التقوى ترى أملا ... في كل ما انت تبغيه وبرهانا )
وقال
( ما تمت الدنيا لشخص ولا ... أمل ذا فيها سوى من فتن )
( عادتها الفتك بمن رامها ... وكل من أعرض عنها أمن )
( فلا تغرنك بلذاتها ... فإن من غر بها قد غبن )
وقال
( لا يكن عندك الخديم نديما ... إن قدر الخديم دون النديم )

( من ينادم خديمه يتأذى ... ويصير الخديم غير خديم )
( إنما يصلح الخديم ابتعاد ... واشتغال بشأنه المعلوم )
وقال
( تثبت في الأمور ولا تبادر ... لشيء دون ما نظر وفكر )
( قبيح أن تبادر ثم تخطي ... وترجع للتثبت دون عذر )
وقال
( كن في زمانك كيف يرضى أهله ... ولا تعد طورهم ولا تتبدل )
( فإذا ترى الحمقى تحامق معهم ... وإذا ترى العقلاء فلتتعقل )
( من لم يكن أبدا كأهل زمانه ... يشقى ولا يحظى بنيل مؤمل )
وقال
( الفاضل اليوم غريب بلا ... عون على شيء من الحق )
( إن غاب لم يحضر وإن قال لم ... يسمع ولم يؤبه بما يلقي )
( ما أضيع الفاضل يا ويحه ... كانه ليس من الخلق )
وقال وهو آخر أنداء الديم
( العز عاقبة التقى ... والذل عاقبة الرياسة )
( فإذا اتقيت علوت في ... أهل المجادة والنفاسة )
( وإذا رأست نزلت في ... طرق التخلق والسياسة )
( فلتختر التقوى ولا ... ترأس فتخطيك الكياسة )
وكان تاريخ فراغه من كتاب أنداء الديم نصف شعبان عام واحد وثلاثين وسبعمائة
ولنذكر بعض أناشيده التي كان ينشدها أهل مجلسه ببلد قصبة المرية أعادها

الله تعالى فما أنشده رحمه الله تعالى لأبي العباس أحمد بن العريف صاحب محاسن المجالس
( من لم يشاور عالما بأصوله ... فيقينه في المشكلات ظنون )
( من أنكر الأشياء دون تيقن ... وتثبت فمعاند مفتون )
( الكل تذكار لمن هو عالم ... وصوابها بمحالها معجون )
( والفكر غواص عليها مخرج ... والحق فيها لؤلؤ مكنون )
وأنشد رحمه الله تعالى من وجادة
( أعوذ بالله من أناس ... تشيخوا قبل أن يشيخوا )
احدودبوا وانحنوا رياء ... فاحذرهم إنهم فخوخ )
وأنشد لنفسه رحمه الله تعالى
( أقلل العشرة تغبط ... وإن من أكثر ينحط )
( وعليك الصدق واحذر ... أن ترى في القول تشتط )
( والزم الصمت إذا ما ... خفت أن تلحى فتغلط )
( فعلى الفاضل يلفى ... كل مفضول مسلط )
وأنشد لنفسه أيضا
( جنة العالم لا أدري ... إذا ما احتاج جنة )
( فإذا ما ترك الجنة ... بانت فيه جنة )
( فالزم الجنة تسلم ... إنما الجنة جنة )
وأنشد للحلاج رحمه الله تعالى

( يا بدر يا شمس يا نهار ... أنت لنا جنة ونار )
( تجنب الإثم فيك واثم ... وخشية العار فيك عار )
( يخلع فيك العذار قوم ... فكيف من لا له عذار )
وأنشد مما ينسب للحلاج أيضا
( سقمي في الحب عافيتي ... ووجودي في الهوى عدمي )
( وعذاب ترتضون به ... في فمي أحلى من النعم )
( ما لضر في محبتكم ... عندنا والله من ألم )
وأنشد لسيدي أبي العباس ابن العريف في محاسن المجالس وهي أحسن ما قيل في طول الليل
( لست أدري أطال ليلي أم لا ... كيف يدري بذاك من يتقلى )
( لو تفرغت لاستطالة ليلي ... ولرعي النجوم كنت مخلا )
( إن للعاشقين عن قصر الليل ... وعن طوله من الفكر شغلا )
وأنشد رحمه الله تعالى مما أنشده بعض الوعاظ الغرباء
( عانقت لام صدغها صاد لثمي ... فأرتها المرآة في الخد لصا )
( فاسترابت لما رأت ثم قالت ... أكتابا أرى ولم أر شخصا )
( قلت بالكشط ينمحي قالت اكشط ... بالثنايا وتابع الكشط مصا )
( ثم لما ذهبت أكشط قالت ... كان لصا فصار والله فصا )
( قلت إن الفصوص تطبع باللثم ... على خد كل من كان رخصا )
وأنشد لابن خفاجة

( وأغر كاد لطافة وطلاقة ... ينساب ماء بيننا مسكوبا )
( قد قام في سطر الندامى فاستوى ... فحسبه ألفا به مكتوبا )
( وأكب يشربها وتشرب ذهنه ... فرأيت منه شاربا مشروبا )
( مشمولة بينا ترى في فكه ... ماء ترى في خده ألهوبا )
وأنشد لابن عبد ربه صاحب العقد مما نسبه له الفتح في مطمح الأنفس ومسرح التأنس
( يا لؤلؤ يسبي العقول أنيقا ... ورشا بتقطيع القلوب رفيقا )
( ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... درا يعود من الحياء عقيقا )
( وإذا نظرت إلى محاسن وجهه ... ألفيت وجهك في سناه عريقا )
( يا من تقطع خصره من رقة ... ما بال قلبك لا يكون رقيقا )
وأنشد لابن عبد ربه أيضا
( ودعتني بزفرة واعتناق ... ثم قالت متى يكون التلاقي )
( وتصدت فأشرق الصبح منها ... بين تلك الجيوب والأطواق )
( يا سقيم الجفون من غير سقم ... بين عينيك مصرع العشاق )
( إن يوم الفراق أفظع يوم ... ليتني مت قبل يوم الفراق )
وأنشد له أيضا
( هيج البين دواعي سقمي ... وكسا جسمي ثوب الألم )
( أيها البين أقلني مرة ... فإذا عدت فقد حل دمي )
( يا خلي الذرع نم في غبطة ... إن من فارقته لم ينم )
( ولقد هاج لقلبي سقما ... حب من لو شاء داوى سقمي )

وأنشد للمصحفي
( صفراء تطرق في الزجاج فإن سرت ... في الجسم دبت مثل صل لاذع )
( عبث الزمان بجسمها فتسترت ... عن عينه برداء نور سابغ )
( خفيت على شرابها فكأنما ... يجدون ريا في إناء فارغ )
وأنشد لابن شهيد
( هب من رقدته منكسرا ... مسبل للكم مرخ للردا )
( يمسح النعسة عن عيني رشا ... صائد في كل يوم أسدا )
( شربت أعطافه خمر الصبا ... وسقاه الحسن حتى عربدا )
( رشأ بل غادة ممكورة ... عممت صبحا بليل أسودا )
( أححت من عضتي في نهدها ... ثم عضت حر وجهي عمدا )
( فأنا المجروح من عضتها ... لا شفاني الله منها أبدا )
وأنشد لصفوان بن إدريس
( حمى الهوى قلبه وأوقد ... فهو على أن يموت أو قد )
( وقال عنه العذول سال ... قلده الله ما تقلد )
( وباللوى شاذن عليه ... جيد غزال ولحظ فرقد )
( علله ريقه بخمر ... حتى انتشى طرفه فعربد )
( لا تعجبوا لانهزام طرفي ... فجيش أجفانه مؤيد )
( أنا له كالذي تمنى ... عبد نعم عبده وأزيد )
( إن بسملت عينه لقتلي ... صلى فؤادي على محمد )

وأنشد لأبي علي إدريس بن اليماني
( علقته شادنا صغيرا ... وكنت لا أعشق الصغارا )
( يسفر عن مستنير وجه ... صير جنح الدجى نهارا )
( لم أر من قبل ذاك ماء ... أضرم فيه الحياء نارا )
وأنشد للرمادي أو لابن برد القرطبي
( لما بدا في لازور ... دي الحرير وقد بهر )
( كبرت من فرط الجمال ... وقلت ما هذا بشر )
( فأجابني لا تنكروا ... ثوب السماء على القمر )
وأنشده من وجادة
( يا ذا الذي عذب محبوبه ... أنخت عيس العز مغنى الهوان )
( لم ينبت الشعر على خده ... بل دب في أصداغه عقربان )
( رفقا على نفسك لا تفنها ... فجوهر الأنفس در يصان )
وأنشد من حديقة ابن يربوع
( غزا القلوب غزال ... حجت إليه العيون )
( خطت بخديه نون ... وآخر الحسن نون )
وأنشد من وجادة
( أودع فؤادي حرقا أو دع ... ذاتك تؤذي أنت في أضلعي )
( وارم سهام اللحظ أو كفها ... أنت بما ترمي مصاب معي )
( موقعها قلبي وأنت الذي ... مسكنه في ذلك الموضع )

وأنشد من حديقة ابن يربوع
( يخط الشوق شخصك في ضميري ... على بعد التزاور خط زور )
( وتدنيك الأماني من فؤادي ... دنو البرق من لمح البصير )
( فلا تذهب فإنك نور عيني ... إذا ما غبت لم تطرف بنور )
وأنشد للوزير المصحفي
( لعينيك في قلبي علي عيون ... وبين ضلوعي للشجون فنون )
( لئن كنت صبا مخلقا في يد الهوى ... فحبك غض في الفؤاد مصون )
( نصيبي من الدنيا هواك وإنه ... عذابي ولكني عليه ضنين )
وأنشد لصالح بن شريف
( أيها العاذل بالله اتئد ... لك قلب في ضلوعي أو كبد )
( هي أجفاني فذرها تنهمي ... هي أحشائي فدعها تتقد )
( لا تظن الحب شيئا هينا ... ليس في الحب قياس يطرد )
( أنت خلو وأنا صب شج ... فإذا حدثت عني قل وزد )
( فاترك اليوم ملامي إنه ... يترك الشيء إذا ما لم يفد )
( أنا أسلو عن حبيبي ساعة ... يا عذولي قل هو الله أحد )
وأنشد له أيضا
( وافى وقد زانه جماله ... فيه لعشاقه اعتذار )
( ثلاثة ما لها شبيه ... الوجه والخد والعذار )
( فمن رآه رأى رياضا ... الورد والآس والبهار )
وأنشد من حديقة ابن يربوع
( عليك بإكرام وبر لستة ... من الناس واحذر شرهم وتوقه )

( طبيب وحجام وشيخ وشاعر ... وصاحب ديوان ومن يتفقه )
وأنشد لبعض الصوفية
( ما ترى عند أحمق ... في أمور توسطا )
( بل تراه في أمره ... مفرطا أو مفرطا )
وأنشد لبعض الأدباء
( الصبر أولى بوقار الفتى ... من قلق يهتك ستر الوقار )
( من لازم الصبر على حالة ... كان على أيامه بالخيار )
ولنقتتصر من ترجمة ابن ليون على هذا القدر فقد حصلت الإطالة بل ونكتفي من مشايخ لسان الدين بمن ذكرنا ولنورد ما في الإحاطة في ترجمة مشيخته وإن تكرر مع ما تقدم ونصه
ثبت عام بشيوخ لسان الدين
المشيخة قرأت كتاب الله عز و جل على المكتب نسيج وحده في تحمل المنزل حق حمله تقوى وصلاحا وخصوصية وإتقانا ونغمة وعناية وحفظا وتبحرا في هذا الفن واطلاعا لغرائبه واستيعابا لسقطات الأعلام الأستاذ الصالح أبي عبد الله ابن عبد الولي العواد تكتيبا ثم حفظا ثم تجويدا إلى مقرءات أبي عمرو رحمة الله عليهما ثم نقلني إلى أستاذ الجماعة ومطية الفنون ومفيد الطلبة الشيخ الخطيب

المتفنن أبي الحسن علي القيجاطي فقرأت عليه القرآن والعربية وهو أول من انتفعت به وقرأت على الخطيب الحسيب الصدر أبي القاسم ابن جزي رحمه الله تعالى ولازمت قراءة العربية والفقه والتفسير والمعتمد عليه العربية على الشيخ الأستاذ الخطيب أبي عبد الله ابن الفخار البيري الإمام المجمع على إمامته في فن العربية المفتوح عليه من الله فيها حفظا واطلاعا ونقلا وتوجيها بما لا مطمع فيه لسواه وقرأت على قاضي الجماعة الصدر المتفنن أبي عبد الله ابن بكر رحمه الله وتأدبت بالشيخ الرئيس صاحب القلم الأعلى الصالح الفاضل أبي الحسن ابن الجياب ورويت عن الكثير ممن جمعهم الزمان بهذا القطر من أهل الرواية كالمحدث أبي عبد الله ابن جابر وأخيه أبي جعفر والقاضي الشهير الشيخ بقية السلف شيخنا أبي البركات ابن الحاج والشيخ المحدث الصالح أبي محمد ابن سلمون وأخيه القاضي أبي القاسم ابن سلمون وأبي عمرو ابن الأستاذ أبي جعفر ابن الزبير وله رواية عالية والأستاذ اللغوي أبي عبد الله ابن بيبش والمحدث الكاتب أبي الحسن التلمساني المسن والحاج أبي القاسم ابن المهني المالقي والعدل أبي محمد السعدي يحمل عن الإمام ابن دقيق العيد والقائد الكاتب ابن ذي الوزارتين أبي بكر ابن الحكيم والقاضي المحدث الأديب جملة الظرف أبي بكر ابن شبرين والشيخ أبي عبد الله ابن عبد الملك والخطيب أبي جعفر الطنجالي والقاضي أبي بكر ابن منظور والراوية أبي عبد الله ابن حزب الله كلهم من مالقة والقاضي أبي عبد الله المقري التلمساني والشريف أبي علي حسن بن يوسف والخطيب الرئيس أبي عبد الله ابن مرزوق كلهم من تلمسان والمحدث الفاضل الحسيب أبي العباس ابن يربوع والرئيس أبي محمد الحضرمي

السبتيين والشيخ المقرىء أبي محمد ابن أيوب المالقي آخر الرواة عن ابن أبي الأحوص وأبي عثمان ابن ليون من أهل المرية والقاضي أبي الحجاج المنتشاقري من أهل رندة وطائفة كبيرة من المعاصرين تحملا وتدبجا ومن أهل العدوة الغربية والمشرق وإفريقية الكثير بالإجازه وأخذت الطب والتعاليم والمنطق وصناعة التعديل عن الإمام أبي زكريا ابن هذيل ولازمته هذا على سبيل الإلماع ولو تفرغت لذكر أفذاذهم لخرج هذا التأليف عما وضع له انتهى كلامه في الإحاطة
وقد ذكرت في هذا الباب زيادة في بعض التراجم على ما في الإحاطة على ما اقتضاه الحال إذ ذلك لا يخلو من فائدة زائدة وحكمة بالخير عائدة
ولو لم يكن في هذا الكتاب غير هذا الباب لكان كافيا لاشتماله على تصوف وحكم وكرامات وآداب ووصايا وإنشادات وغيرها مما يغني عن خبره العيان ويشتاق إلى الوقوف عليه ذوو الملكة في البيان ولو لم يشتمل إلا على المدائح النبوية التي فيه لتمت محاسنه والله سبحانه وتعالى ينفع به بجاه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيه وحزبه
انتهى المجلد الخامس

الباب الرابع
فى مخاطبات الملوك والأكابر الموجهة إلى حضرته العلية وثناء غير واحد من أعلام أهل عصره عليه وصرف القاصدين وجوه التأميل إليه واجتلائهم أنوار رياسته الجلية وكتبهم بعض المؤلفات باسمه ووقوفهم عند إشارته ورسمه وما يضاهي ذلك فى حظه وقسمه وسعيهم بين يديه
اعلم سلك الله بى وبك الطريق الأقوم الأقوى وحلى صدور جميعنا بزينة التقوى أن لسان الدين ذكر فى كتبه كالإحاطة ونفاضة الجراب وغيرهما جملة مما خاطبه به الملوك وغيرهم من تبجيل وتنويه ولنذكر بعض ذلك من كتبه ومن غيرها تتميما للمقصود وتبليغا لنفوس الناظرين فى هذه العجالة ما تؤمله وتنويه
1 - ظهير من أبى زيان المرينى للسان الدين
فمن ذلك ما ذكره فى الإحاطة من إكرام السلطان أبى زيان المرينى ابن الأمير أبى عبد الرحمن ابن السلطان أبى الحسن له وسرد ما كتب له به من قوله هذا ظهير الى قوله أيده الله ونصره وسنى له الفتح المبين ويسره

وبعده ما صورته للشيخ الفقيه الأجل الأسنى والأعز الأحظى الأرفع الأمجد الأسمى الأوحد الأنوه الأرقى العالم العلم الرئيس الأعرف المتفنن الأبرع المصنف المفيد الصدر الأحفل الأفضل الأكمل أبى عبد الله ابن الشيخ الفقيه الوزير الأجل الأسنى الأعز الأرفع الأمجد الوجيه الأنوه الأحفل الأفضل الحسيب الأصيل الأكمل المبرور المرحوم أبى محمد ابن الخطيب قابله أيده الله بوجه القبول والإقبال وأضفى عليه ملابس الإنعام والإفضال ورعى له خدمة السلف الرفيع الجلال وما تقرر من مقاصده الحسنة فى خدمة أمرنا العال وأمر فى جملة ما سوغه من الآلاء الوارفة الظلال الفسيحة المجال بأن يجدد له حكم ما بيده من الأوامر المتقدم تاريخها المتضمنة تمشية خمسمائة دينار من الفضة العشرية فى كل شهر عن مرتب له ولولده الذى لنظره من مجبى مدينة سلا حرسها الله فى كل شهر ومن حيث جرت العادة أن يتمشى له ورفع الاعتراض ببابها فيما يجلب من الأدم والأقوات على اختلافها من حيوان وسواه وفيما يستفيده خدامه بخارجها وأحوازها من عنب وقطن وكتان وفاكهة وخضر وغير ذلك فلا يطلب فى شىء من ذلك بمغرم ولا وظيف ولا يتوجه فيه إليه بتكليف يتصل له حكم جميع ما ذكر فى كل عام تجديدا تاما واحتراما عاما أعلن بتجديد الحظوة واتصالها وإتمام النعمة وإكمالها من تواريخ الأوامر المذكورة إلى الآن ومن الآن الى ما يأتى على الدوام واتصال الأيام وأن يحمل جانبه فيمن يشركه أو يخدمه محمل الرعى والمحاشاة فى السخر مهما عرضت والوظائف إذا افترضت حتى يتصل له تالد العناية بالطارف

وتتضاعف أسباب المنن والعوارف بفضل الله وتحرر له الأزواج التى يحرثها بتالمغت من كل وجيبة وتحاشى من كل مغرم أو ضريبة بالتحرير التام بحول الله وعونه ومن وقف على هذا الظهير الكريم فليعمل بمقتضاه وليمض ما أمضاه إن شاء الله وكتب فى العاشر من شهر ربيع الآخر من عام ثلاثة وستين وسبعمائة وكتب فى التاريخ انتهى

وقوله وكتب فى التاريخ هو العلامة السلطانية فى ذلك الزمان يكتب بقلم غليط وبعض ملوك المغرب يكتب عند العلامة صح فى التاريخ
ترجمة أبى زيان المرينى
وقد عرف لسان الدين فى الإحاطة بهذا السلطان بما نصه محمد بن يعقوب أبى عبد الرحمن بن على أمير المسلمين بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق أمير المسلمين بالمغرب إلى هذا العهد يكنى أبا زيان وصل الله نصره على عدو الدين وارشده الى سنن الخلفاء المهتدين
حاله فاضل سكون منقاد مشتغل بخاصة نفسه قليل الكلام حسن الشكل درب بركض الخيل مفوض للوزراء عظيم التأتى لأغراضهم ووكل الأمور لمن استكفاه منهم استقدم من أرض النصارى بالأندلس وقد فر

إليهم خوفا على نفسه فسمح به ملك الروم بعد اشتراط واشتطاط فكان وصوله إلى مدينة الملك بفاس يوم الاثنين الثانى والعشرين لصفر عام ثلاثة وستين وسبعمائة ودخوله داره مغرب ليلة الجمعة بطالع الثامن من السرطان وبه السعد الأعظم كوكب المشترى من الكواكب السيارة وقد كان الوزير قيم الأمر والمثل فى الكفاية والاضطلاع بالعظيمة عمر بن عبد الله بن على اليابانى لما ثار بعمه السلطان أبى سالم رحمه الله تعالى وأقام الرسم بأخيه المعتوه المدعو بأبى عمر استدعى هذا المترجم به وقد نازله الأمير عبد الحليم ابن عمهم وتوجه عنه رسوله أثناء الحصار لما رأى الأمر لا يستقيم بمن نصبه فتلطف فيه إلى طاغية النصارى واستعان بالسلطان أبى عبد الله ابن نصر وقد جمعتهما إيالته فتم له اللحاق بالمغرب وانصرف الأمير عبد الحليم إلى سجلماسة فتملكها وتم الأمر للأمير أبى زيان يقوم به عنه وزيره ومستدعيه المذكور مصنوعا له فى خدمته أعانه الله تعالى وأصلح حاله وأحوال الخلق على يديه ووفدت عليه من محل الانقطاع بسلا وأنشدته قولى
( لمن علم فى هضبة الملك خفاق ... أفاقت به من غشية الهرج آفاق )
( تقل رياح النصر منه غمامة ... تمد لها أيد وتخضع أعناق )
( وبيعة شورى أحكم السعد عقدها ... وأعمل إجماع عليها وإصفاق )
( قضى عمر فيها بحق محمد ... فسجل عهد للوفاء وميثاق )
( أحلما ترى عيناى أم هى فترة ... أعندكما فى مشكل الأمر مصداق )
( وفاض لفضل الله فى الأرض تبتغى ... ومجتمعات لا تريب وأسواق )
( وسرح تهنيه الكلاءة بالكلا ... وفلح لسقى الغيث قام له ساق )

( وقد كان طيف الحلم لا يعمل الخطا ... وللفتنة العمياء فى الأرض إطباق )
( وللغيث إمساك وفى الأرض رجة ... وللدين والدنيا وجوم وإطراق )
( فكل فريق فيه للبغى راية ... وكل طريق فيه للعيث طراق )
( أجل إنه من آل يعقوب وارث ... يحن له البيت العتيق ويشتاق )
( له من جناح الروح ظل مسجف ... ومن رفرف العز الإلهى رستاق )
( أطل على الدنيا وقد عاد ضوءها ... دجى وعلى الأحداق للذعر إحداق )
( فأشرقت الأرجاء من نور ربها ... وساح بها لله لطف وإشفاق )
( فمن ألسن لله بالشكر أعلنت ... وكان لها من قبل همس وإطباق )
( وليس لأمر أبرم الله ناقض ... وليس لمسعى أنجح الله إخفاق )
( محمد قد أحييت دين محمد ... وللخلق أذماء تفيض وأرماق )
( ولو لم تثب غطى على شفق الضحى ... دم لسيوف البغى فى الأرض مهراق )
( فأيمن بمشحون من الفلك سابح ... له باختيار الله حط وايساق )
( اقلك والدأماء تظهر طاعة ... إليك وصفح الماء أزرق رقراق )
( إلى هدف السعد أنبرى منه والدجى ... يضل الحجى سهم من السعد رشاق )
( فخطت لتقويم القوام جداول ... وصحت من التوفيق واليمن أوفاق )
( تبارك من أهداك للخلق رحمة ... ومستبعد أن يهمل الخلق خلاق )
( هو الله يبلو الناس بالخير فتنة ... وبالشر والأيام سم وترياق )
( سمت منك أعناق الورى لخليفة ... له فى مجال السعد وخد وإعناق )

( وقالوا بنان ما استقل بكفه ... تفيض على العافين أم هى أرزاق )
( وأطنب فيك المادحون وأغرقوا ... فلم يجد إطناب ولم يغن إغراق )
( ألست من القوم الذين أكفهم ... غمام ندى ان أخلف الغيث غيداق )
( ألست من القوم الذين وجوههم ... بدور لها فى ظلمة الروع إشراق )
( رياض إذا العافى استظل ظلالها ... ففيها جنى ملء الأكف وإيراق )
( أبوك ولى العهد لو سالم الردى ... وجدك قد فاق الملوك وإن فاقوا )
( فمن ذا له جد كجدك أو أب ... لآلىء والمجد المؤثل نساق )
( وحسب العلا فى آل يعقوب أنهم ... هم الأصل فى العلياء والناس ألحاق )
( أسود سروح أو بدور أسرة ... فان حاربوا راعوا وإن سالموا راقوا )
( يطول لتحصيل الكمال سهادهم ... فهم للمعالى والمكارم عشاق )

ومنها
( لئن نسيت إحسان جدك فرقة ... تزر على أعناقهم منه أطواق )
( أجازت خروج ابن أبنه عن تراثه ... ولم تدر ما ضمت من الذكر أوراق )
( ومن دون ما راموه لله قدرة ... ومن دون ما أموه للفتح أغلاق )
( خذ العفو وابذل فيهم العرف ولتسع ... جريرة من أبدي لك الغدر أخلاق )
( فربتما تنبو مهندة الظبى ... وتهفو حلوم القوم والقوم حذاق )
( وما الناس إلا مذنب وابن مذنب ... ولله إرفاد عليهم وإرفاق )
( ولا ترج فى كل الأمور سوى الذى ... خزائنه ما ضرها قط إنفاق )
( إذا هو أعطى لم يضر منع مانع ... وإن حشدت طسم وعاد وعملاق )
( عرفت الردى واستأثرت بك للعدا ... تخوم بمختط الصليب وأعماق )
( فيسر لليسرى وأحيا بك الورى ... وللروع إرعاد عليك وإبراق )
( فجاز صنيع الله وازدد بشكره ... مواهب جود غيثها الدهر دفاق )
( وأوف لمن أوفى وكاف الذى كفى ... فأنت كريم طهرت منك أعراق )

( وتهنيك يا مولى الملوك خلافة ... شجتها تباريح اليك وأشواق )
( فقد بلغت اقصى المنى بك نفسها ... وكم فاز بالوصل المهنإ مشتاق )
( فلا راع منها السرب للدهر رائع ... ولا نال منها جدة السعد إخلاق )
( أمولاي راع الدهر سربى وغالنى ... فطرفى مذعور وقلبى خفاق )
( وليس لكسرى غيرك اليوم جابر ... ولا ليدي إلا بمجدك أعلاق )
( ولى فيك ود واعتداد غرسته ... فراقت به من يانع الحمد أوراق )
( وقد عيل صبرى فى ارتقابى خليفة ... تحل به للضر عنى أوهاق )
( وأنت حسام الله والله ناصر ... وأنت أمين الله والله رزاق )
( وأنت الأمان المستجار من الردى ... إذا راع خطب أو توقع إملاق )
( وأهون ما ترجى لديك شفاعة ... إذا لم يكن عزم حثيث وإرهاق )
( ودونكها من ذائع الحمد مخلص ... له فيك تقييد يروق وإطلاق )
( اذا قال أما كل سمع لقوله ... فمصغ وأما كل أنف فنشاق )
( ودم خافق الأعلام بالنصر كلما ... ذهبت لمسعى لم يكن فيه إخفاق )
وعدت منه ببر كثير واحترام شهير
دخوله غرناطة لحق بها مفلتا عند القبض على قرابته وبنى عمه وتقريبهم إلى مصارعهم فكان وصوله فى رمضان من عام خمسين وسبعمائة ثم رابه رائب لحق لأجله بصاحب قشتالة وأقام فى جملته إلى حين استدعائه المتقرر آنفا وهو لهذا العهد أمير المسلمين بالمغرب أعانه الله تعالى على الخير وأطلق به يده وألهمه لما يرضىمنه بفضله وكرمه انتهت الترجمة
ورأيت على هامش هذا المحل من الإحاطة بخط الخطيب الشهير الإمام

أبى عبد الله ابن مرزوق التلمسانى رحمه الله ما صورته توفى يعنى السلطان أبا زيان مغتالا عام ستة وستين على يد مظاهره الخائن عمر بن عبد الله ابن على الوزير رداه فى بئر وأشاع انه أفرط فى السكر وألقى نفسه فى البئر المعروفة برياض الغزلان وبايع لعمه عبد العزيز ابن السلطان أبى الحسن فسلطه الله عليه وأخذ حقوق الخلائق على يديه فقتله غيلة بعد أن كان تغلب عليه فأعمل الحيلة فى قتله واستمر ملك عبد العزيز ظاهرا ظافرا قد جمع بين المغرب إلى أقصاه وبين ملك تلمسان وقد شرد أهلها كل مشرد فعندما أقبلت الدنيا عليه واستقام ملكه وكاد يلحق ملك أبيه أو يزيد مات رحمه الله تعالى قيل مطعونا وقيل غير ذلك وذلك فى حدود أربع وسبعين وولى ولده ثم عزل بابن عمه أبى العباس ابن السلطان أبى سالم وحاز ملك المغرب إلى حين كتب هذا سنة سبع وسبعين وسبعمائة انتهى ما ألفيته بخط سيدي أبى عبد الله ابن مرزوق
ورأيت تحته بخط ابن لسان الدين أبى الحسن على ما صورته رحمه الله عليك يا عمر بن عبد الله بن على فلقد كنت غسلت ملك المغرب من درن كبير وقمت على ملك لهو وضعف شهير وشهرت سيف الحق على الزواكرة الخرق فابتهج منبر الدين انتهى
ومراده بهذا الكلام الرد على ابن مرزوق فى ذمه للوزير عمر وقوله الزواكرة لفظ يستعمله المغاربة ومعناه عندهم المتلبس الذى يظهر النسك والعبادة ويبطن الفسق والفساد وعند الله تجتمع الخصوم

2 - رسالة من أبى سالم الى لسان الدين
ولنرجع إلى ما كنا بسبيله فنقول
ومما خوطب به ابن الخطيب رحمه الله تعالى من قبل سلطان المغرب المستعين بالله أبى سالم إبراهيم ابن السلطان أبى الحسن المرينى ما صورته بعد البسملة والصلاة
من عبد الله المستعين بالله إبراهيم أمير المسلمين المجاهد فى سبيل رب العالمين ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد فى سبيل رب العالمين أبى الحسن ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد فى سبيل رب العالمين أبى يوسف يعقوب ابن عبد الحق أيد الله أمره وأعز نصره إلى الشيخ الفقيه الأجل الأسنى الأعز الأحظى الأوجه الأنوه الصدر الأحفل المصنف البليغ الأعرف الأكمل أبى عبد الله ابن الشيخ الأجل الأعز الأسنى الوزير الأرفع الأنجد الأصيل الأكمل المرحوم المبرور أبى محمد ابن الخطيب وصل الله عزته ووإلى رفعته سلام عليكم و
C وبركاته
أما بعد حمد الله تعالى والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الكريم المصطفى والرضى عن آله وصحبه أعلام الإسلام وأئمة الرشد والهدى وصلة الدعاء لهذا الأمر العلى العزيز المنصور المستعينى بالنصر الأعز والفتح الأسنى فإنا كتبناه اليكم كتب الله تعالى لكم بلوغ الأمل ونجح القول والعمل من منزلنا الأسعد بضفة وأدى ملوية يمنه الله وصنع الله جميل ومنه جزيل والحمد لله ولكم عندنا المكانة الواضحة الدلائل والعناية المتكفلة برعى الوسائل ذلكم لما تميزتم به من التمسك بالجناب العلى المولوى العلوى جدد الله تعالى عليه ملابس غفرانه وسقاه غيوث رحمته وحنانه

وما أهديتم إلينا من التقرب لدينا بخدمة ثراه الطاهر والاشتمال بمطارف حرمته السامية المظاهر
وإلى هذا وصل الله حظوتكم ووإلى رفعتكم فإنه ورد علينا خطابكم الحسن عندنا قصده المقابل بالإسعاف المستعذب ورده فوقفنا على ما نصه واستوفينا ما شرحه وقصه فآثرنا حسن تلطفكم فى التوسل بأكبر الوسائل الينا ورعينا أكمل الرعاية حق ذلكم الجناب العزيز علينا وفى الحين عينا لكمال مطلبكم وتمام مأربكم والتوجه بخطابنا فى حقكم والاعتماد بوفقكم خديمينا أبا البقاء ابن تاسكورت وأبا زكريا ابن فرقاجة أنجدهما الله وتولاهما وأمس تاريخه انفصلا مودعين إلى الغرض المعلوم بعد التأكيد عليهما فيه وشرح العمل الذى يوفيه فكونوا على علم من ذلكم وابسطوا له جملة آمالكم وإنا لنرجو ثواب الله فى جبر أحوالكم وبرء اعتلالكم والله سبحانه وتعالى يصل مبرتكم ويتولى تكرمتكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته كتب فى الرابع والعشرين لرجب عام واحد وستين وسبعمائة
3 - جواب لسان الدين
فراجعه ابن الخطيب بما نصه مولاى خليفة الله بحق وكبير ملوك الأرض عن حجة ومعدن الشفقة والحرمة ببرهان وحكمة أبقاكم الله تعالى عالي الدرجة فى المنعمين وافر الحظ عند جزاء المحسنين وأراكم ثمرة بر أبيكم فى البنين وصنع لكم فى عدوكم الصنع الذى لا يقف عند معتاد وأذاق العذاب الأليم من أراد فى مثابتكم بإلحاد عبدكم الذى ملكتم رقه

وآويتم غربته وسترتم أهله وولده وأسنيتم رزقه وجبرتم قلبه يقبل موطىء الأخمص الكريم من رجلكم الطاهرة المستوجبة بفضل الله تعالى لموقف النصر الفارعة هضبة العز المعملة الخطو فى مجال السعد وميسر الحظ ابن الخطيب من شاله التى تأكد بملككم الرضى احترامها وتجدد برعيكم عهدها واستبشر بملككم دفينها وأشرق بحسناتكم نورها
وقد ورد على العبد الجواب المولوي البر الرحيم المنعم المحسن بما يليق بالملك الأصيل والقدر الرفيع والهمة السامية والعزة القعساء من رعى الدخيل والنصرة للذمام والاهتزاز لبر الأب الكريم فثاب الرجاء وانبعث الأمل وقوى العضد وزار اللطف فالحمد لله الذى أجرى الخير على يدكم الكريمة وأعانكم على رعى ذمام الصالحين المتوسل اليكم أولا بقبورهم ومتعبداتهم وتراب أجداثهم ثم بقبر مولاي ومولاكم ومولى الخلق أجمعين الذى تسبب فى وجودكم واختصكم بحبه وغمركم بلطفه وحنانه وعلمكم آداب الشريعة وأورثكم ملك الدنيا وهيأتكم دعواته بالاستقامة إلى ملك الآخرة بعد طول المدى وانفساح البقاء وفى علومكم المقدسة ما تضمنت الحكايات عن العرب من النعرة عن طائر داست أفراخه ناقة فى جوار رئيس منهم وما انتهى إليه الامتعاض لذلك مما أهينت فيه الأنفس وهلكت الأموال وقصارى من امتعض لذلك أن يكون كبعض خدامكم من عرب تامسنا فما الظن بكم وأنتم الكريم ابن الكريم ابن الكريم فيمن لجأ أولا إلى رحماكم بالأهل والولد عن حسنة تبرعتم بها وصدقة حملتكم الحرية

على بذلها ثم فيمن حط رحل الاستجارة بضريح أكرم الخلق عليكم دامع العين خافق القلب واهى الفزعة يتغطى بردائه ويستجير بعليائه كأننى تراميت عليهم فى الحياة أمام الذعر الذى يذهل العقل ويحجب عن التمييز بقصر داره ومضجع رقاده ما من يوم إلا وأجهر بعد التلاوة يا ليعقوب يا لمرين نسأل الله تعالى ان لا يقطع عنى معروفكم ولا يسلبنى عنايتكم ويستعملنى ما بقيت فى خدمتكم ويتقبل دعائى فيكم
ولحين وصول الجواب الكريم نهضت إلى القبر المقدس ووضعته بإزائه وقلت يا مولاي يا كبير الملوك وخليفة الله وبركة بنى مرين صاحب الشهرة والذكر فى المشرق والمغرب عبدك المنقطع اليك المترامى بين يدي قبرك المتوسل إلى الله ثم إلى ولدك بك ابن الخطيب وصله من مولاه ولدك ما يليق بمقامه من رعي وجهك والتقرب إلى الله تعالى برعيك والاشتهار فى مشرق الدنيا وغربها ببرك وأنتم من أنتم من إذا صنع صنيعة كملها وإذا من منة تممها وإذا أبدى يدا أبرزها طاهرة بيضاء غير معيبة ولا ممنونة ولا منتقضة وأنا بعد تحت ذيل حرمتك وظل دخيلك حتى يتم أملى ويخلص قصدي وتحف نعمتك بى ويطمئن إلى مأملك قلبى
ثم قلت للطلبة أيها السادة بيني وبينكم تلاوة كتاب الله تعالى منذ أيام ومناسبة النحلة وأخوة التأليف بهذا الرباط المقدس والسكنى بين أظهركم فأمنوا على دعائى بإخلاص من قلوبكم واندفعت فى الدعاء والتوسل الذى نرجو أن يتقبله الله تعالى ولايضيعه وخاطب العبد مولاه شاكرا لنعمته مشيدا بصنيعته مسرورا بقبوله وشأنه من التعلق والتطارح شأنه حتى يكمل القصد ويتم الغرض معمور الوقت بخدمة يرفعها ودعاء يردده والله المستعان

4 - رسالة من لسان الدين الى أبى سالم
وكان تقدم من لسان الدين كتاب للسلطان المذكور وكان ما سبق من كتاب السلطان جوابا له وذلك بعد رجوع لسان الدين من مراكش واستقراره فى مدينة سلا برباط شالة مدفن السلاطين من بنى مرين ومنهم السلطان ابو الحسن والد السلطان أبى سالم المذكور ونص الكتاب
مولاي المرجو لإتمام الصنيعة وصلة النعمة وإحراز الفخر أبقاكم الله تعالى تضرب بكم الأمثال فى البر والرضى وعلو الهمة ورعى الوسيلة مقبل موطىء قدمكم المنقطع إلى تربة المولى والدكم ابن الخطيب من الضريح المقدس بشالة وقد حط رحل الرجاء فى القبة المقدسة وتذمم بالتربة الزكية وقعد بإزاء لحد المولى أبيكم ساعة إيابه من الوجهة المباركة وزيارة الربط المقصودة والترب المعظمة وقد عزم أن لا يبرح طوعا من هذا الجوار الكريم والدخيل المرعى حتى يصله من مقامكم ما يناسب هذا التطارح على قبر هذا المولى العزيز على أهل الأرض ثم عليكم والتماس شفاعته فى أمر سهل عليكم لا يجر إنفاد مال ولا اقتحام خطر إنما هو إعمال لسان وخط بنان وصرف عزم وإحراز فخر وأجر وإطابة ذكر وذلك أن العبد عرفكم يوم وداعكم أنه ينقل عنكم إلى المولى المقدس بلسان المقال ما يحضر مما يفتح الله تعالى فيه ثم ينقل عنه لكم بلسان الحال ما يتلقى عنه من الجواب وقال لى صدر دولتكم وخالصتكم وخالصة المولى والدكم سيدي الخطيب يعنى ابن مرزوق سنى الله تعالى أمله من سعادة مقامكم وطول عمركم أنت يا فلان والحمد لله ممن لا ينكر عليه الوفاء بهذين الفرضين وصدر عنكم من البشر والقبول والإنعام ما صدر جزاكم الله تعالى جزاء المحسنين

وقد تقدم تعريف مولاي بما كان من قيام العبد بما نقله إلى التربة الزكية عنكم حسبما أداه من حضر ذلك المشهد من خدامكم والعبد الآن يعرض عليكم الجواب وهو أنى لما فرغت من مخاطبتة بمرأى من الملإ الكبير والجم الغفير أكببت على اللحد الكريم داعيا ومخاطبا وأصغيت بأذنى عند قبره وجعل فؤادي يتلقى ما يوحيه إليه لسان حاله فكأنى به يقول لى قل لمولاك يا ولدي وقرة عيني المخصوص برضاي وبري ومن ستر حريمى ورد ملكى وصان أهلى وأكرم صنائعي ووصل عملى أسلم عليك وأسال الله تعالى أن يرضى عنك ويقبل عليك الدنيا دار غرور والآخرة خير لمن اتقى
( وما الناس إلا هالك وابن هالك ... )
ولا تجد إلا ما قدمت من عمل يقتضى العفو والمغفرة أو ثناء يجلب الدعاء بالرحمة ومثلك من ذكر فتذكر وعرف فما أنكر وهذا ابن الخطيب قد وقف على قبري وتهمم بي وسبق الناس الى رثائى وأنشدنى ومجدنى وبكاني ودعا لي وهنأني بمصير أمري اليك وعفر وجهه فى تربى وأملنى لما انقطعت مني آمال الناس فلو كنت يا ولدى حيا لما وسعنى أن اعمل معه إلا ما يليق لى وأن أستقل فيه الكثير وأحتقر العظيم لكن لما عجزت عن جزائه وكلته اليك وأحلته يا حبيب قلبى عليك وقد أخبرنى أنه سليب المال كثير العيال ضعيف الجسم قد ظهر فى عدم نشاطه أثر السن وأمل أن ينقطع بجواري ويستتر بدخيلي وخدمتى ويرد عليه حقه بخدمتى ووجهى ووجوه من ضاجعنى من سلفي ويعبد الله تعالى تحت حرمتك وحرمتى وقد كنت تشوفت إلى استخدامه فى الحياة حسبما يعلمه حبيبنا الخالص المحبة وخطيبنا العظيم المزية القديم القربة أبو عبد الله ابن مرزوق فاسأله يذكرك

واستخبره يخبرك فأنا اليوم أريد أن يكون هذا الرجل خديمي بعد الممات إلى أن نلحق جميعا برضوان الله تعالى ورحمته التى وسعت كل شىء وله يا ولدي ولد نجيب يخدم ببابك وينوب عنه فى ملازمة بيت كتابك وقد استقر بدارك قراره وتعين بأمرك مرتبة ودشاره فيكون الشيخ خديم الشيخ والشاب خديم الشاب هذه رغبتى منك وحاجتى اليك واعلم أن هذا الحديث لا بد له أن يذكر ويتحدث به فى الدنيا وبين أيدي الملوك والكبار فاعمل ما يبقى لك فخره ويتخلد ذكره وقد أقام مجاورا ضريحي تاليا كتاب الله تعالى على منتظرا ما يصله منك ويقرؤه على من السعى فى خلاص ماله والاحتجاج بهذه الوسيلة فى جبره وإجراء ما يليق بك من الحرمة والكرامة والنعمة فالله الله يا إبراهيم اعمل ما يسمع عنى وعنك فيه ولسان الحال أبلغ من لسان المقال انتهى
والعبد يا مولاي مقيم تحت حرمته وحرمة سلفة منتظر منكم قضاء حاجته ولتعلموا وتتحققوا أنى لو ارتكبت الجرائم ورزأت الأموال وسفكت الدماء وأخذت حسائف الملوك الأعزة ممن وراء النهر من الططر وخلف البحر من الروم ووراء الصحراء من الحبشة وأمكنهم الله تعالى منى من غير عهد بعد أن بلغهم تذممى بهذا الدخيل ومقامى بين هذه القبور الكريمة ما وسع أحدا منهم من حيث الحياء والحشمة من الأحياء والأموات وإيجاب الحقوق التى لا يغفلها الكبار للكبار إلا الجود الذى لا يتعقبه البخل والعفو الذى لا تفسده المؤاخذة فضلا عن سلطان الأندلس أسعده الله تعالى بموالاتكم فهو فاضل وابن ملوك أفاضل وحوله أكياس ما فيهم من يجهل قدركم وقدر سلفكم لا سيما مولاي والدكم الذى أتوسل به اليكم وإليهم فقد كان يتبنى مولاي أبا الحجاج ويشمله بكنفه وصارخه بنفسه وأمده بأمواله

ثم صير الله تعالى ملكه إليكم وأنتم من أنتم ذاتا وقبيلا فقد قرت يا مولاي عين العبد بما رأت فى هذا الوطن المراكشى من وفور حشودكم وكثرة جنودكم وترادف أموالكم وعددكم زادكم الله تعالى من فضله ولا شك عند عاقل أنكم ان انحلت عروة تأميلكم وأعرضتم عن ذلك الوطن استولت عليه يد عدوه
وقد علم تطارحى بين الملوك الكرام الذين خضعت لهم التيجان وتعلقى بثوب الملك الصالح والد الملوك الكرام مولاي والدكم وشهرة حرمة شالة معروفة حاش لله أن يضيعها أهل الأندلس وما توسل إليهم قط بها إلا الآن وما يجهلون اغتنام هذه الفضيلة الغريبة وأملى منكم أن يتعين من بين يديكم خديم بكتاب كريم يتضمن الشفاعة فى رد ما أخذ لى ويخبر بمثواي متراميا على قبر والدكم ويقرر ما ألزمكم بسبب هذا الترامى من الضرورة المهمة والوظيفة الكبيرة عليكم وعلى قبيلكم حيث كانوا وتطلبون منه عادة المكارمة بحل هذه العقدة ومن المعلوم أنى لو طلبت بهذه الوسائل من صلب ما وسعهم بالنظر العقلي إلا حفظ الوجه مع هذا القبيل وهذا الوطن فالحياء والحشمة يأبيان العذر عن هذا فى كل ملة ونحلة
وإذا تم هذا الغرض ولا شك فى إتمامه بالله تعالى تقع صدقتكم على القبر الكريم بي وتعينوني لخدمة هذا المولى وزيارته وتفقده ومدح النبى صلى الله عليه و سلم ليلة المولد فى جواره وبين يديه وهو غريب مناسب لبركم به إلى أن أحج بيت الله بعناية مقامكم وأعود داعيا مثنيا مستدعيا للشكر والثناء من أهل المشرق والمغرب وأتعوض من ذمتى بالأندلس ذمة بهذا الرباط المبارك يرثها ذريتى وقد ساومت فى شىء من ذلك منتظرا ثمنه مما يباع بالأندلس بشفاعتكم ولو ظننت أنهم يتوقفون لكم فى مثل هذا أو يتوقع فيه وحشة أو جفاء والله ما طلبته لكنهم أسرى وأفضل وانقطاعى أيضا لوالدكم مما لا يسع مجدكم إلا عمل ما يليق بكم فيه وها أنا أرتقب جوابكم بما لي عندكم

من القبول ويسعنى مجدكم فى الطلب وخروج الرسول لاقتضاء هذا الغرض والله سبحانه يطلع من مولاي على ما يليق به والسلام
وكتب فى الحادي عشر من رجب عام أحد وستين وسبعمائة
وفى مدرج الكتاب بعد نثر هذه القصيدة
( مولاي ها أنا فى جوار أبيكا ... فابذل من البر المقدر فيكا )
( أسمعه ما يرضيه من تحت الثرى ... والله يسمعك الذى يرضيكا )
( واجعل رضاه إذا نهدت كتيبة ... تهدي اليك النصر أو تهديكا )
( واجبر بجبرى قلبه تنل المنى ... وتطالع الفتح المبين وشيكا )
( فهو الذى سن البرور بأمه ... وأبيه فاشرع شرعه لبنيكا )
( وابعث رسولك منذرا ومحذرا ... وبما تؤمل نيله يأتيكا )
( قد هز عزمك كل قطر نازح ... وأخاف مملوكا به ومليكا )
( فإذا سموت إلى مرام شاسع ... فغصونه ثمر المنى تجنيكا )
( ضمنت رجال الله منك مطالبى ... لما جعلتك فى الثواب شريكا )
( فلئن كفيت وجوهها فى مقصدي ... ورعيتها بركاتها تكفيكا )
( وإذا قضيت حوائجى وأريتنى ... أملا فربك ما أردت يريكا )
( واشدد على قولى يدا فهو الذى ... برهانه لا يقبل التشكيكا )
( مولاي ما استأثرت عنك بمهجتى ... إنى ومهجتى التى تفديكا )
( لكن رأيت جناب شالة مغنما ... يضفى على العز فى ناديكا )
( وفروض حقك لا تفوت فوقتها ... باق إذا استجزيته يجزيكا )
( ووعدتنى وتكرر الوعد الذى ... أبت المكارم أن يكون أفيكا )
( أضفى عليك الله ستر عناية ... من كل محذور الطريق يقيكا )

( ببقائك الدنيا تحاط وأهلها ... فالله جل جلاله يبقيكا )
فلما وصل الكتاب إلى السلطان أجابه بما مر آنفا
ورأيت بخط الفقيه الأديب المؤرخ أبى عبد الله محمد بن الحداد الوادي آشى نزيل تلمسان على هامش قول ابن الخطيب فى هذه الرسالة ولا شك عند عاقل أنكم إن انحلت عروة تأميلكم إلخ ما صورته كذلك وقع آخر الأمر وكان الاستيلاء على مدينة غرناطة آخر ما بقى من بلاد الأندلس للإسلام فى محرم عام سبعة وتسعين وثمانمائة فرحم الله تعالى ابن الخطيب العاقل اللبيب وغفر له برحمته انتهى
ومما خاطب به لسان الدين السلطان أبا سالم فى الغرض المتقدم قوله
( عن باب والدك الرضى لا أبرح ... يأسو الزمان لأجل ذا أو يجرح )
( ضربت خيامى فى حماه فصبيتي ... تجني الجميم به وبهمي تسرح )
( حتى يراعى وجهه فى وجهتى ... بعناية تشفى الصدور وتشرح )
( أيسوغ عن مثواه سيري خائبا ... ومنابر الدنيا بذكرك تصدح )
( أنا فى حماه وأنت أبصر بالذى ... يرضيه منك فوزن عقلك أرجح )
( فى مثلها سيف الحمية ينتضى ... فى مثلها زند الحفيظة يقدح )
( وعسى الذى بدأ الجميل يعيده ... وعسى الذى سد المذاهب يفتح ) ترجمة ابى سالم المرينى
وقد عرف في الإحاطة بالسلطان أبي سالم فقال بعد كلام أملاك المسلمين وحماة الدين وأمرأء المغرب الأقصى من بني مرين غيوث المواهب وليوث العرين ومعتمد الصريخ وسهام الكافرين حفظ الله تعالى على الإسلام والمسلمين ظلهم وزين ببدور الدنيا والدين هالتهم وأبقى الكلمة فيمن اختاره منهم أو من

أقاربهم فما عسى أن يطنب اللسان فى مدحهم وأين تقع العبارة وماذا يحصر الوصف إلى أن قال وفاته وفى ليلة العشرين من ذي القعدة من عام اثنين وستين وسبعمائة ثار عليه بدار الملك وبلد الإمارة المعروف بالبلد الجديد من مدينة فاس الخائن الغادر مخلفه عليها عمر بن عبد الله بن علي نسمه السوء وجملة الشؤم والمثل البعيد فى الجراءة على الله تعالى وقد اهتبل غرة انتقاله الى القصر السلطانى بالبلد القديم متحولا إليه حذرا من قاطع فلكى كان يحذر منه استعجله بضعف نفسه وأعانه على فرض صحة الحكم به وسد الباب فى وجهه ودعا الناس إلى بيعة أخيه المعتوه وأصبح حائرا بنفسه يروم ارتجاع أمر ذهب من يده ويطوف بالبلد يلتمس وجها إلى نجاح حيلة فأعياه ذلك ورشقت من معه السهام وفرت عنه الأجناد والوجوه وأسلمه الدهر وتبرأ منه الجد وعندما جن عليه الليل فر لوجهه وقد التف عليه الوزراء فسفهت حلومهم وفالت آراؤهم ولو قصدوا به بعض الجبال المنيعة لولوا أوجههم شطر مظنه الخلاص واتصفوا بإبلاغ الأعذار ولكنهم نكلوا عنه ورجعوا أدراجهم وتسللوا راجعين إلى يد غادر الجملة قد سلبهم الله سبحانه لباس الحياء والرجولية وتأذن الله تعالى لهم بعد بسوء العاقبة
وقصد بعض بيوت البادية وقد فضحه نهار الغد واقتفى المتبعة أثره حتى وقعوا عليه فسيق إلى مصرعه وقتل بظاهر البلد ثانى اليوم الذى غدر به فيه جعلها الله تعالى له شهادة ونفعه فلقد كان بقية البيت وآخر القوم دماثة وحياء وبعدا عن

الشرور وركونا للعافية وأنشدت على قبره الذى ووريت به جثته بالقلعة من ظاهر المدينة قصيدة أديت فيها بعض حقه
( بني الدنيا بنى لمع السراب ... لدوا للموت وابنوا للخراب )
انتهى المقصود من الترجمة
وكان يصف لسان الدين بمقربي وجليسي كما سبقت الإشارة إليه من كلام لسان الدين فيما خاطب به ابن أبى رمانة والله يسبل على الجميع رداء عفوه سبحانه
وقد تقدم أنه شفع لابن الخطيب عند أهل الأندلس ولذلك قال يخاطبهم
( سمي خليل الله أحييت مهجتي ... وعاجلنى منك الصريخ على بعد )
( فإن عشت أبلغ فيك نفسى عذرها ... وإن لم أعش فالله يجزيك من بعدي ) ثناء المغاربة والمشارقة على لسان الدين
وقال الرئيس الأمير الأديب أبو الوليد إسماعيل ابن الأحمر فى حق ابن الخطيب ما صورته هو شاعر الدنيا وعلم المفرد والثنيا وكاتب الأرض إلى يوم العرض لا يدافع مدحه في الكتب ولا يجنح فيه إلى العتب آخر من تقدم في الماضى وسيف مقوله ليس بالكهام إذ هو الماضي وإلا فانظر كلام الكتاب الأول من العصبة كيف كان فيهم بالإفادة صاحب القصبة للبراعة باليراعة وبه أسكت صائلهم وما حمدت بكرهم وأصائلهم للجزالة المشربة بالحلاوة الممكنة من مفاصل الطلاوة وهو نفيس العدوتين ورئيس الدولتين بالإطلاع على العلوم العقلية والإمتاع بالفهوم النقلية لكن

صل لسانه فى الهجاء لسع ونجاد نطاقه فى ذلك اتسع حتى صدمنى وعلى القول فيه أقدمنى بسبب هجوه فى ابن عمي ملك الصقع الأندلسى سلطان ذلك الوطن فى النفر الجنسي المعظم فى الملوك بالقول الجنى والإنسى ثم صفحت عنه صفحة القادر الوارد من مياه الظفر غير القاذر لأن مثلى لا يليق به إظهار العورات ولا يجمل له تتبع العثرات اتباعا للشرع فى تحريم الغيبة وضربا عن الكريهة وإثباتا لحظوظ النقيبة الرغيبة فما ضره لو اشتغل بذنوبه وتأسف على ما شربه من ماء اللهو بذنوبه وقد قال بعض الناس من تعرض للأعراض صار عرضه هدفا لسهام الأغراض انتهى
ومثل هذا فى لسان الدين لا يقدح وما زالت الأشراف تهجى وتمدح وعلى تقدير صدور ما يخدش وجه جنابه الرفيع فالأولى أن ينشد
( وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع )
وممن أثنى على لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى بعض أكابر علماء تلمسان ولم يحضرنى الآن اسمه فى تأليف عرف فيه بالشيخ العلامة سيدي أبى عبد الله الشريف التلمساني وابنيه العالمين أبى يحيى وسيدي عبد الله فقال بعد كلام فى حق الشريف ما نصه وكان علماء الأندلس أعرف الناس بقدره وأكثرهم تعظيما له حتى إن العالم الشهير لسان الدين ابن الخطيب صاحب الأنباء العجيبة والتآليف البديعة كلما ألف تأليفا بعثه إليه وعرضه عليه وطلب أن يكتب عليه بخطه وكان الشيخ الإمام الصدر المفتى أبو سعيد ابن لب شيخ علماء الأندلس وآخرهم كلما أشكلت عليه مسألة كاتبه بها وطلب منه بيان ما أشكل عليه مقرا له بالفضل انتهى ما نقلته من الكتاب المذكور

رجع
وكتب لسان الدين ابن الخطيب متمثلا بشيخه الأوحد قاضى الجماعة أبى البركات ابن الحاج البلفيقي رحمهما الله تعالى
( أيتها النفس إليه اذهبي ... فحبه المشهور من مذهبي )
( أيأسنى التوبة من حبه ... طلوعه شمسا من المغرب )
ويغلب على ظنى أنه خاطبه بذلك عند قدومه أعنى لسان الدين من المغرب إلى الأندلس والله تعالى أعلم
وكان قاضى القضاة برهان الدين الباعوني الشامى كثير الثناء على لسان الدين رحمه الله تعالى لأنه تلقى أخباره من قاضي القضاة ابن خلدون حسبما ذكرناه فى غير هذا الموضع ولقد رأيت بخطه على هامش بعض تآليف لسان الدين فى الإنشاء ما نصه هذا بليغ إلى الغاية انتهى
وكتب أثره بعض أكابر علماء المشرق ما نصه هذا خط العلامة قاضى القضاة برهان الدين الباعوني وهو شديد الاعتناء والمدح للمصنف ابن الخطيب الأندلسى معظم له ولإنشائه وهو خليق بالتعظيم جدير بمزيد التمجيد والتكريم وكيف لا وهو شاعر مفلق وخطيب مصقع وكاتب مترسل بليغ لولا ما فى إنشائه من الإكثار الذى لا يكاد يخلو من عثار والإطناب الذى يفضى الى الاجتناب والإسهاب الذى يقد الإهاب ويورث الالتهاب انتهى

قلت وهذا الانتقاد غير مسلم فإن لسان الدين وإن أطنب وأسهب فقد سلك من البلاغة أحسن مذهب ويرحم الله تعالى العلامة البرهان الباعوني المذكور أعلاه إذ كتب بخطه فى آخر بعض تآليف لسان الدين فى الإنشاء ما صورته قال كاتبه إبراهيم بن أحمد الباعونى لطف الله تعالى به الحمد لله على ما ألهم من البيان وعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم وقفت على هذا الكتاب من أوله إلى آخره وعمت من بحر بلاغته فى زاخره وعددته من مناقب مؤلفه ومفاخره فإنه برز فيه غاية التبريز وأتى بما هو أحسن من الذهب الإبريز لا بل هو أبهى من الجواهر والنجوم الزواهر وعجبت من تلك الألفاظ المشبهة لسحر الألحاظ ورقة المعانى المحكمة المبانى انتهى
فانظر أيدك الله تعالى بعين الإنصاف إلى كلام هذا الفاضل المنصف الكامل وقسه مع كلام ذلك المنتقد المتعصب الناقص الخامل مع أن الكلام الذى تعرض له ذاك بالقدح هو الذى تصدى له الباعوني بالمدح وكل إناء بالذى فيه ينضح وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل أهل الفضل والأمر أجلى من أن يقام عليه دليل وأوضح
رجع إلى ما كنا بصدده
وقال الوزير ابن عاصم عندما أجرى ذكر سلطان ابن الخطيب أمير المسلمين الغنى بالله بعد كلام كثير ما صورة محل الحاجة منه وكان هذا السلطان من نيل الأغراض على أكمل ما يكون عليه مثله ممن نزع غرقا فى قوس الخلافة حكى لي شيخنا القاضى أبو العباس الحسنى أن كبير ولده الأمير أبا الحجاج طلب من الشيخ ذي الوزارتين أبى عبد الله ابن الخطيب أن يطلب من أبيه الغنى بالله أن يبادر بإعذاره إذ كان قد جاوز سن الإثغار دون إعذار لمكان ما لحق والده من التمحيص وغير ذلك من الحوادث المهمة فأسعده الشيخ بذلك وقال

للغنى بالله يا مولانا إن سيدي يوسف وكلنى على طلب إعذاره من مولانا نصره الله على ما يليق بك وبه فقال له الغنى بالله حسبي الله وسكت سكتة لطيفة تشعر بفصل الكلام بعضه من بعض ثم قال ونعم الوكيل فعدها الأكياس من مدارك نبله ومحاسن قوله وفعله انتهى
قلت هذا من السلطان فى حق لسان الدين غاية التبجيل أعنى قوله ونعم الوكيل فأين هذا من سماع كلام أعدائه فيه بعد حتى آل أمره إلى النحس بعد ذلك السعد وسقاه دهره بعد الحلاوة ما مر ولم يكن قتله إلا بتسبب السلطان المذكور كما مر
( ثلاثة ليس لها أمان ... البحر والسلطان والزمان ) 5 - رسالة ابن خاتمة الى لسان الدين
وقال لسان الدين رحمه الله تعالى ولما قضى الله عز و جل بالإدالة ورجعنا الى أوطاننا من العدوة واشتهر عنى ما اشتهر من الانقباض عن الخدمة والتيه على السلطان والدولة والتكبر على أعلى رتب الخدمة وتطارحت على السلطان فى استنجاز وعد الرحلة ورغبت فى تبرئة الذمة ونفرت عن الأندلس بالجملة خاطبنى يعنى أبا جعفر ابن خاتمة بعد صدر بلغ من حسن الإشارة وبراعة الاستهلال الغاية بقوله وإلى هذا يا سيدي ومحل تعظيمي واجلالى أمتع الله تعالى الوجود بطول بقائكم وضاعف فى العز درجات ارتقائكم فإنه من الأمر الذى لم يغب عن رأى العقول ولا اختلف فيه أرباب المعقول أنكم بهذه الجزيرة شمس أفقها وتاج مفرقها وواسطة سلكها وطراز ملكها وقلادة نحرها وفريدة دهرها وعقد جيدها المنصوص وتمام

زينتها على العموم والخصوص ثم أنتم مدار أفلاكها وسر سياسة أملاكها وترجمان بيانها ولسان إحسانها وطب مارستانها والذى عليه عقد إدارتها وبه قوام إمارتها فلدية يحل المشكل واليه يلجأ فى الأمر المعضل فلا غرو أن تتقيد بكم الأسماع والأبصار وتحدق نحوكم الأذهان والأفكار ويزجر عنكم السانح والبارح ويستنبأ ما تطرف عنه العين وتختلج الجوارح استقراء لمرامكم واستطلاعا لطالع اعتزامكم واستكشافا عن مرامى سهامكم لا سيما مع إقامتكم على جناح خفوق وظهوركم فى ملتمع بروق واضطراب الظنون فيكم مع الغروب والشروق حتى تستقر بكم الديار ويلقى عصاه التسيار ولها العذر فى ذلك إذ صدعها بفراقكم لم يندمل وسرورها بلقائكم لم يكتمل ولم يبرأ بعد جناحها المهيض ولا جم ماؤها المغيض ولا تميزت من داجيها لياليها البيض ولا استوى نهارها ولا تألفت أنهارها ولا اشتملت نعماؤها ولا نسيت غماؤها بل هى كالناقة والحديث العهد بالمكاره يستشعر نفس العافية ويتمسح منكم باليد الشافية فبحنانكم عليها وعظيم حرمتكم على من لديها لا تشوبوا لها عذب المجاج بالأجاج وتفطموها عما عودت من طيب المزاج فما لدائها وحياة قربكم غير طبكم من علاج
وإنى ليخطر بخاطرى محبة فيكم وعناية بما يعنيكم ما نال جانبكم صانه الله تعالى بهذا الوطن من الجفاء ثم أذكر ما نالكم من حسن العهد وكرم الوفاء وأن الوطن إحدى المواطن الأظآر التى يحق لهن جميل الاحتفاء وما يتعلق بكم من حرمة أولياء القرابة وأوداء الصفاء فيغلب على ظنى أنكم لحسن العهد أجنح وبحق نفسكم عن حق أوليائكم أسمح وللتى هى أعظم قيمة من فضائلكم أوهب وأسجح وهب أن الدر لا يحتاج فى الإثبات إلى شهادة النحور واللبات والياقوت غنى فى المكان عن مظاهرة القلائد والتيجان أليس أنه أعلى للعيان وأبعد عن مكابرة البرهان تألقها فى تاج الملك أنو شروان فالشمس وإن كانت أم الأنوار وجلاء الأبصار مهما أغمى مكانها من الأفق

قيل أليل هو أم نهار وكما فى علمكم ما فارق ذوو الأرحام وأولو الأحلام مواطن استقرارهم وأماكن قرارهم إلا برغمهم واضطرارهم واستبدال دار خير من دارهم ومتى توازن الأندلس بالمغرب أو يعوض عنها إلا بمكة أو يثرب ما تحت أديمها أشلاء أولياء وعباد وما فوقه مرابط جهاد ومعاقد ألوية فى سبيل الله ومضارب أوتاد ثم يبوأ ولده مبوأ أجداده ويجمع له بين طارفه وتلاده أعيذ أنظاركم المسددة من رأى فائل وسعى طويل لم يحل منه بطائل فحسبكم من هذا الإياب السعيد والعود الحميد وهى طويلة
6 - من لسان الدين إلى ابن خاتمة
قال لسان الدين رحمه الله تعالى فأجبته بقولى
( لم فى الهوى العذرى أو لا تلم ... فالعذل لا يدخل أسماعى )
( شأنك تعنيفي وشأنى الهوى ... كل امرىء فى شأنه ساعى )
أهلا بتحفة القادم وريحانة المنادم وذكر الهوى المتقادم لا يصغر الله مسراك فما أسراك لقد جبت إلى من همومى ليلا وجست رجلا وخيلا ووفيت من صاع الوفاء كيلا وظننت بى الأسف على ما فات فأعملت الالتفات لكيلا فأقسم لو أن الأمر اليوم بيدى أو كانت اللمة السوداء من عددى ما أفلت أشراكى المنصوبة لأمثالك حول المياه وبين المسالك ولا علمت ما هنالك لكنك طرقت حمى كسعته الغارة الشعواء وغيرت

ربعة الأنواء فخمد بعد ارتجاجه وسكت أذين دجاجه وتلاعبت الرياح الهوج فوق فجاجه وطال عهده بالزمن الأول وهل عند رسم دارس من معول وحيا الله ندبا إلى زيارتى ندبك وبآدابه الحكمية أدبك
( فكان وقد أفاد بك الأمانى ... كمن أهدى الشفاء إلى العليل )
وهى شيمة بوركت من شيمة وهبة الله تعالى قبله من لدن المشيمة ومن مثله فى صلة رعى وفضل سعى وقول وعى
( قسما بالكواكب ... الزهر والزهرعاتمة )
( إنما الفضل ملة ... ختمت بابن خاتمه )
كسانى حله فضله وقد ذهب زمان التجمل وحملنى شكره وكتدى واه عن التحمل ونظرنى بالعين الكليلة عن العيب فهلا أجاد التأمل واستطلع طلع نثى ووالى فى مبرك المعجزة حثى ( إنما أشكو بثى )
( ولو ترك القطا ليلا لناما ... )
وما حال شمل وتده مفروق وقاعدته فروق وصواع بنى أبيه مسروق وقلب قرحه من عضة الدهر دام وجمرة حسرته ذات احتدام هذا وقد صارت الصغرى التى كانت الكبرى لمشيب لم يدع أن هجم لما نجم ثم تهلل عارضة وانسجم
( لا تجمعى هجرا على وغربة ... فالهجر فى تلف الغريب سريع )

3 - ظرت فإذا الجنب ناب والنفس فريسة ظفر وناب والمال أكيلة انتهاب والعمر رهن ذهاب واليد صفر من كل اكتساب وسوق المعاد مترامية والله سريع الحساب
( ولو نعطى الخيار لما افترقنا ... ولكن لا خيار مع الزمان )
وهب أن العمر جديد وظل الأمن مديد ورأى الاغتباط بالوطن سديد فما الحجة لنفسى إذا مرت بمطارح جفونها وملاعب هفوتها ومثاقف قناتها ومظاهر عزاها ومناتها والزمان ولود وزناد الكون غير صلود
( وإذا إمرؤ لدغته أفعى مرة ... تركته حين يجر حبل يفرق )
ثم إن المرغب قد ذهب والدهر قد استرجع ما وهب والعارض قد اشتهب وآراء الاكتساب مرجوحة مرفوضة وأسماؤه على الجوار مخفوضة والنية مع الله على الزهد فيما بأيدى الناس معقودة والتوبة بفضل الله عز و جل منقودة والمعاملة سامرية ودروع الصبر سابرية والاقتصاد قد قرت العين بصحبته والله قد عوض حب الدنيا بمحبته فإذا راجعها مثلى من بعد الفراق وقد رقى لدغتها ألف راق وجمعتنى بها الحجرة ما الذى تكون الأجرة جل شانى وإن رضى الوامق وسخط الشانى إنى إلى الله تعالى مهاجر وللعرض الأدنى هاجر ولأظعان السرى زاجر لنجد إن شاء الله تعالى وحاجر لكن دعانى للهوى إلى هذا المولى المنعم هوى خلعت نعلى الوجود وما خلعته وشوقى أمرنى فأطعته وغالب والله صبرى فما استطعته والحال أغلب وعسى أن لا يخيب المطلب فإن يسر رضاه فأمر كمل وراحل احتمل وحاد أشجى الناقة والجمل وإن كان خلاف ذلك فالزمان جم العلائق والتسليم

بمقامى لائق
( ما بين غمضة عين وانتباهتها ... يصرف الأمر من حال إلى حال ... )
وأما تفضيله هذا الوطن ليمن طيره وعموم خيره وبركة جهاده وعمران رباه ووهاده بأشلاء عباده وزهاده حتى لا يفضله إلا أحد الحرمين فحق برىء من المين لكننى للحرمين جنحت وفى جو الشوق إليهما سنحت فقد أفضت إلى طريق قصدى محجته ونصرتنى والمنة لله تعالى حجته وقصد سيدى استى قصد توخاه الحمد والشكر ومعروف عرف به النكر والآمال من فضل الله بعد تمتار والله تعالى يخلق ما يشاء ويختار ودعاؤه بظهر الغيب مدد وعدة وعدد وبره حالى الظعن والإقامة معتمل معتمد ومجال المعرفة بفضله لا يحصره أمد والسلام أنتهى
ومن خط ابن الصباغ ما صورته يكفى ابن خاتمه الغاية التى سلمها له إمام الطريقة وواحدها الفذ على الحقيقة حيث قال
( إنما الفضل ملة ... ختمت بابن خاتمه )
ومن نظمه وقد تخلى عن الكتابة وطلب منه أن يعود فأبى وأنشد
( تقضى فى الكتابة لى زمان ... كشأن العبد ينتظر الكتابه )
( فمن الله من عتقى بما لا ... يطيق الشكر أن يملا كتابه )
( وقالوا هل تعود فقلت كلا ... وهل حر يعود إلى الكتابه )
فانظر حسن هذه التورية العجيبة انتهى
رسالة ابن خاتمة إلى ابن جزى
ولابن خاتمة يخاطب ابن جزى يا أخى الذى سما وده أن يجازى

وسيدى الذى علا مجده عن أن يوازى وصل الله تعالى لك أسباب الاعتلاء والاعتزاز وكافأ ما لك من الاختصاص بالفضائل والامتياز أما إنه لو وسع التخلف عن جواب أخ أعز ولم يجب التكلف عمن قد عجز لغطيت عجزى عن عين تعجيزك ولما تعاطيت المثول بين يدى مناهزك أو مجيزك لكنه فى حكم الود المكنون المكنوز مما لا يحل ولا يجوز فلكم الفضل فى الإغضاء عن عاجز دعاه حكم التكلف إلى القيام مقام مناجز وإن لم يكن ذلك عند الإنصاف وحميد الأوصاف من السائغ الجائز فعن جهد ما بلغ وليك إلى هذه الأحواز ولم يحصل الحقيقة إلا على المجاز
أما ما ذهبتم إليه من تخميس القصيدة التى أعجزت وبلغت من البلاغة الغاية التى عزت مناهضتها وأعوزت فلم أكن لأستهدف ثانيا لمضاضة الإعجاز وأسجل على نفسى بالإفلاس والإعواز انتهى
وكتب قبلها قصيدة زائية أجابه بها عن قصيدة زائية التزم فيها ابن جزى ترك الراء لأنه كان الثغ يبدلها غينا رحم الله تعالى الجميع
وقال لسان الدين فى ترجمة ابن خاتمة المذكور إنه الصدر المتفنن المشارك القوى الإدراك السديد النظر الثاقب الذهن الكثير الاجتهاد الموفور الآدوات المعين الطبع الجيد القريحة الذى هو حسنة من حسنات الأندلس أحمد بن على بن خاتمة من أهل المرية
7 - رسالة من ابن خاتمة إلى لسان الدين
إلى أن قال ومما خاطبنى به بعد إلمام الركاب السلطانى ببلده وأنا صحبته ولقائه إياي بما يلقى به مثله من تأنيس وبر وتودد وتردد
( يا من حصلت على الكمال بما رأت ... عيناى منه من الجمال الرائع )

( قمر يروق وفى عطافى برده ... ما شئت من كرم ومجد بارع )
( أشكو إليك من الزمان تحاملا ... فى فض شمل لى بقربك جامع )
( هجم البعاد عليه ضنا باللقا ... حتى تقلص مثل برق لامع )
( فلو آننى ذو مذهب لشفاعة ... ناديته يا مالكى يا شافعى )
شكواى إلى سيدى ومعظمى أقر الله تعالى بسنائه أعين المجد وأدر بثنائه ألسن الحمد شكوى ظمآن صد عن القراح العذب لأول وروده والهيمان رد عن استرواح القرب لمعضل صدوده من زمان هجم على بابعاده على حين إسعاده ودهمنى بفراقه غب إنارة أفقى به وإشراقة ثم لم يكفه ما اجترم فى ترويع خياله الزاهر حتى حرم عن تشييع كماله الباهر فقطع عن توفية حقه ومنع من تأدية مستحقه لا جرم أنه أنف لشعاع ذكائه من هذه المطالع النائية عن شريف الإنارة وبخل بالإمتاع بذكائه عن هذه المسامع النائية عن لطيف العبارة فراجع أنظاره واسترجع معارة وإلا

فعهدى بغروب الشمس إلى الطلوع وأن البدر يتصرف بين الإقامة والرجوع فما بال هذا النير الأسعد غرب ثم لم يطلع من الغد ما ذاك إلا لعدوى الأيام وعدوانها وشأنها فى تغطية إساءتها وجه إحسانها وكما قيل عادت هيف إلى أديانها أستغفر الله أن لا يعد ذلك من المغتفر فى جانب ما أولت من الأثر التى أزرى العيان فيها بالأثر وأربى الخبر على الخبر فقد سرت متشوفات الخواطر وأقرت مستشرفات النواظر بما حوت من ذلكم الكمال الباهر والجمال الناضر الذى قيد خطا الأبصار عن التشوف والاستبصار وأخذ بأزمة القلوب عن سبيل كل مأمول ومرغوب وأنى للعين بالتحول عن كمال الزين أو بالطرف بالتنقل عن خلال الظرف أو للسمع من مراد بعد

ذلكم الإصدار الأدبى والإيراد أو للقلب من مراد غير تلكم الشيم الرافلة من ملابس الكرم فى حلل وأبراد وهل هو إلا الحسن جمع فى نظام والبدر طالع لتمام وأنواع الفضل ضمها جنس اتفاق والتئام فما ترعى العين منه فى غير مرعى خصيب ولا تستهدف الأذن بغير سهم فى حدق البلاغة مصيب ولا تستطلع النفس سوى مطلع له فى الحسن والإحسان أوفر نصيب لقد أزرى بناظم حلاه فيما يتعاطاه التقصير وانفسح مدى علاه بكل باع قصير وسفه حلم القائل إن الإنسان عالم صغير شكرا للدهر على يد أسداها بقرب مزاره وتحفة أهداها بمطلع أنواره على تغاليه فى ادخار نفائسه وبخله بنفائس ادخاره لا غرو أن يضيق عنا نطاق الذكر ولا يتسع لنا سوار الشكر فقد عمت هذه الأقطار بما شاءت من تحف بين تحف وكرامة واجتنت أهلها ثمرة الرحلة فى ظل الإقامة وجرى لهم الأمر فى ذلك مجرى الكرامة
ألا وإن مفاتحتى لسيدى ومعظمى حرس الله تعالى مجده وضاعف سعده مفاتحة من ظفر من الدهر بمطلوبه وجرى له القدر على وفق مرغوبة فشرع له إلى أهله بابا ورفع له من خجله جلبابا فهو يكلف بالاقتحام ويأنف من الإحجام غير أن الحصر عن درج قصده يقيده والبصر يبهرج نقده فيقعده فهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى ويجدد عزما ثم لا يتحرى فإن أبطأ خطابى فلواضح الأعذار ومثلكم من قبل جليات الأقدار والله سبحانه يصل لكم عوائد الإسعاد والإسعاف ويحفظ بكم ما للمجد من جوانب وأكناف إن شاء الله تعالى وكتب فى عاشر ربيع الأول عام ثمانية وأربعين وسبعمائة انتهى
ومن خاتمة رسالة من إنشاء ابن خاتمة المذكور فلنصرف عنان البطالة عن الإطالة ونسلم على السيادة الطاهرة الأصالة بأطيب تسليم ختامة مسك ومزاجه من تسنيم

ومن نظم ابن خاتمة المذكور
( هو الدهر لا يبقي على عائذ به ... فمن شاء عيشا يصطبر لنوائبه )
( فمن لم يصب بفي نفسه فمصابه ... بفوت أمانيه وفقد حبائبه ) ومنه قوله
( ملاك الأمر تقوى الله فاجعل ... تقاه عدة لصلاح أمرك )
( وبادر نحو طاعته بعزم ... فما تدري متى يقضى بعمرك ) 8 - رسالة أخرى من ابن خاتمة إلى لسان الدين
وقال لسان الدين وكتب إلى يعني ابن خاتمة المذكور عقب انصرافه من غرناطة في بعض قدماته عليها ما نصه مما قلته بديهة عند الإشراف على جنابكم السعيد ودخوله مع النفر الذين أتحفتهم سيادتكم بالإشراف عليه والدخول إليه وتنعيم الأبصار في المحاسن المجموعة لديه وإن كان يوما قد غابت شمسه ولم يتفق أن كمل أنسه وأنشدته حينئذ بعض من حضر ولعله لم يبلغكم وان كان قد بلغكم ففضلكم يحملني في إعادة الحديث
( أقول وعين الدمع نصب عيوننا ... ولاح لبستان الوزارة جانب )
( أهذى سماء أم بناء سما به ... كواكب غضت عن سناها الكواكب )
( تناظرت الاشكال منه تقابلا ... على السعد وسطى عقده والحبائب )
( وقد جرت الامواه فيه مجرة ... مذانبها شهب لهن ذوائب )
( وأشرف من علياه بهو تحفه ... شماسي زجاج وشيها متناسب )

( يطل على ماء به الآس دائرا ... كما افتر ثغر أو كما اخضر شارب )
( هنالك ما شاء العلا من جلالة ... بها يزدهي بستانها والمراتب )
ولما أحضر الطعام هنالك داعي شيخنا القاضي أبو البركات فاعتذر أنه صائم قد بيته من الليل فحضرني ان قلت
( دعونا الخطيب أبا البركات ... لاكل طعام الوزير الأجل )
( وقد ضمنا في نداه جنان ... به احتفل الحسن حتى كمل )
( فأعرض عنا لعذر الصيام ... وما كل عذر له مستقل )
( فإن الجنان محل الجزاء ... وليس الجنان محل العمل ) وعندما فرغنا من الطعام أنشدت الأبيات شيخنا أبا البركات فقال لي لو اتشدتنيها وانتم بعد لم تفرغوا منه لأكلت معكم برا بهذه الابيات والحوالة في ذلك على الله تعالى انتهى
ومن نظم ابن خاتمة المذكور في فران
( رب فران جلا صفحته ... لهب الفرن جلاء العسجد )
( يضرم النار بأحشاء الورى ... مثلما يضرم في المستوقد )
( فكأن الوجه منه خبزة ... فوقها الشعر كقدر أسود ) احمد بن ضفوان
وقال لسان الدين رحمه الله تعالى ولما قدمت مالقة آيبا من السفارة الى ملك المغرب محفوفا بفضل الله تعالى وجميل صنعه موفي المآرب مصحبا

بالاعانة لقيني على عادته مهنيا يعني احمد بن صفوان أحد أعلام مالقة وبقية أدبائها وصدور كتابها وأنشدني معيدا في الود مبديا وضمن غرضا له تعجل قضاءه والحمد لله تعالى
( قدمت بما سر النفوس اجتلاؤه ... فهنيت ما عم الجميع هناؤه )
( قدوما بخير وافر وعناية ... وعز مشيد بالمعالي بناؤه )
( ورفعة قدر لا يداني محلها ... رفيع وان ضاهى السماك اعتلاؤه )
( عنيت بأمر المسلمين فكلهم ... بما يرتجيه قد توالى دعاؤه )
( بلغت الذي أملته من صلاحهم ... فأدركت مأمولا عظيما جزاؤه )
( فيا واحدا أغنت عن الجمع ذاته ... وقام بأعباء الامور غناؤه )
( تشوقك الملك الذي بك فخره ... وأنت حقيقا حسنه وبهاؤه )
( فلا زال مزدانا بحليك جوده ... ولا زال موفورا عليك اصطفاؤه )
( وخصصت من رب العباد بنعمة ... ينيلكها تخصيصه واحتفاؤه )
( وعشت عزيزا في النفوس محببا ... يلبي بتبجيل وبر نداؤه )
( وقد جاءني داعي السرور مؤديا ... لحق هناء فرض عين أداؤه )
( ولي بعد هذا مأرب متوقف ... على فضلك الرحب الجناب قضاؤه )
( هززت له عطف البطرني راجيا ... له النجح فاستعصى وخاب رجاؤه )
( ولم يدر اني من علائك منتض ... حساما كفيلا بالنجاح انتضاؤه )
( يصمم إن هزته كفى لمعضل ... فيكفي العنا تصميمه ومضاؤه )
( فحقق له دامت سعودك حرمتي ... لديك يرحني مطله والتواؤه )
( وشارك محبا خالصا لك حبه ... قديما كريما عهده ووفاؤه )
( وصل بجزيل الرعى حبل ذمامه ... يصلك جزيلا شكره وثناؤه )
( بقيت وصنع الله يدني لك المنى ... ويوليك من مصنوعة ما تشاؤه )
( بحرمة من حقت سيادته على ... بني آدم والخير منه ابتداؤه )

وجمعت ديوان شعره أيام مقامي بمالقة عند توجهي صحبة الركاب السلطاني إلى إصراخ الخضراء عام أربعة وأربعين وسبعمائة وقدمت صدره خطبة وسميت الجزء ب الدرر الفاخرة واللجج الزاخرة
9 - أجازة ابن صفوان للسان الدين
وطلبت منه أن يجيزني وولدي عبد الله رواية ذلك عنه فكتب بخطه الرائق بظهر المجموع ما نصه الحمد لله مستحق الحمد أجبت سؤال الفقيه الاجل الافضل السرى الماجد الأوحد الاحفل الاديب البارع الطالع في افق المعرفة والنباهة والرفعة المكينة والوجاهة بابهى المطالع المصنف الحافظ العلامة الحائز في فني النظم والنثر واسلوبي الكتابة والشعر رتبة الرياسة والامامة محلي جيد العصر بتاليفة الباهرة الرواء ومجلي محاسن بنية الرائقة على منصة الاشادة والانباء ابي عبد الله ابن الخطيب وصل الله تعالى سعادته وحرس مجادته وسني من الخير الاوفر والصنع الابهر مقصده وإرادته وبلغه في نجله الاسعد وابنه الراقي بمحتده الفاضل ومنشئه الاطهر محل الفرقد افضل ما يؤمل نحلته اياه من المكرمات وافادته وأجزت له ولابنه عبد الله المذكور ابقاهما الله تعالى في عزة سنية الخلال وعافية ممتدة الافياء وارفة الظلال رواية جميع ما تقيد في الأوراق المكتتب على ظهر اول ورقة منها من نظمي ونثري وما توليت انشاءه واعتمدت بالارتجال والرواية اختياره وانتقاءه ايام عمري وجميع ما لي من تصنيف وتقييد ومقطوعة وقصيد وجميع ما أحمله عن أشياضي رضى الله تعالى عنهم من العلوم وفنون المنثور والمنظوم باي وجه تأدى ذلك الي وصح حملي له وثبت اسناده لدي اجازة تامة في ذلك كله عامة على سنن الاجازات الشرعي وشرطها

المأثور عند أهل الحديث المرعى والله ينفعنى وإياهما بالعلم وحمله وينظمنا جميعا فى سلك حزبه المفلح وأهله ويفيض علينا من أنوار بركته وفضله قال ذلك وكتبه بخط يده الفانية العبد الفقير الى الله الغنى به أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صفوان ختم الله تعالى له بخير حامدا الله تعالى ومصليا ومسلما على نبيه المصطفى الكريم وعلى آله الطاهرين ذوى المنصب العظيم وصحابته البررة أولى الأثرة والتقديم فى سادس ربيع الآخر عام أربعة وأربعين وسبعمائة وحسبنا الله ونعم الوكيل انتهى
10 - من العذرى إلى لسان الدين
وكتب الفقيه أبو جعفر ابن عبد الملك العذرى من أهل سبتة الى لسان الدين رحمه الله تعالى فى بعض الأغراض
( إنى بمجدك لم أزل مستيقنا ... أن لا يهدم بالتغير ما بنى )
( إذ أنت أعظم ماجد يعزى له ... صفح وأكرم من عفا عمن جنى ) وكتب أيضا
( إن كان دهرى قد أساء وجارا ... فذمام مجدك لا يضيع جارا )
( فلأنت أعظم ملجإ ينجى إذا ... ما الدهر أنجد موعدا وأغارا )
11 - رسالة من لسان الدين الى ابن نفيس
وقال لسان الدين رحمه الله تعالى خاطبت الشيخ الشريف الفاضل أبا عبد الله ابن نفيس صحبة ثمن مسكن اشتريته منه وكان قد أهدانى فرسا عتيقا
( جزيت يا ابن رسول الله أفضل ما ... جزى الإله شريف البيت يوم جزى )

( إن أعجز الشكر منى منه ضعفت ... عن بعض حقك شكر الله ما عجزا )
سيدى أبقى الله شرفك تشهد به الطباع إذا بعدت المعاهد المقدسة والرباع وتعترف به الأبصار والأسماع وإن جحدت عارضها الإجماع بأى لسان أثنى أم أي الأفنان أهصر واجنى أم أى المقاصد الكريمة أعنى أمطيت جوادك المبارك وأسكنت دارك وأوسعت مطلبى اصطبارك وهضمت حقك وبوأت جوارك ووصلت للغرباء إيثارك أشهد بانك الكريم ابن الكريم لا أقف فى تعدادها عند حد إلى خير جد فإن أعان الدهر على مجازاة وإن ترفع كرمك عن موازاة فحاجة نفس قضيت وأحكام آمال أمضيت وإن اتصل العجز فعين على القذى أغضيت ومناصل عزم ما انتضيت وعلى كل حال فالثناء ذائع والحمد شائع واللسان والحمد لله طائع والله مشتر ما أنت بائع وقد وجهت من يحاول لسيدى ثمن ما اكتسبه مجده وسفر عنه حمده والعقيدة بعد التراضى وكمال التقاضى وحميد الصبر وسعة التغاضى وكونه الخصم والقاضى أنه هبة سوغها إنعامه وأكله هناها مطعامه نسأل الله تعالى أن يعلى ذكره ويتولى شكره وينمى ماله ويرفع قدره والولد جاره الغريب الذى برز إلى مقارعة الأيام عن خبره قاصرة وتجربة غير منجده على الدهر وناصرة قد جعلته وديعة فى كرم جواره ووضعته فى حجر إيثاره فإن زاغ فيده العليا فى تبصيرة ومؤاخذته بتقصيره ومن نبه مثله نام ومن استنام إليه بمهمة أكرم بمن إليه استنام وإن تشوف سيدى لحال محبه فمطلق للدنيا من عقال ورافض أثقال ومؤمل اعتياض بخدمة الله تعالى وانتقال انتهى

12 - من لسان الدين إلى ابن رضوان
وقال رحمه الله تعالى مما خاطبت به صدر الفضلاء الفقيه المعظم أبا القاسم ابن رضوان بما يظهر داعيته من فحواه
( مرضت فأيامى لديك مريضة ... وبرؤك مقرون ببرء اعتلالها )
( فلا راع تلك الذات للضر رائع ... ولا وسمت بالسقم غر خلالها )
وردت على من فئتى التى إليها فى معرك الدهر أتحيز وبفضل فضلها فى الأقدار المشتركة أتميز سحاءة سرت وساءت وبلغت من القصدين ما شاءت أطلع بها سيدى صنيعة وده من شكواه على كل عابث فى السويداء موجب اقتحام البيداء مضرم نار الشفقة فى فؤاد لم يبق من صبره إلا القليل ولا من إفصاح لسانه إلا الأنين والأليل ونوى مدت الغير ضرورة يرضاها الخليل فلا تسأل عن ضنين تطرقت اليد إلى رأس ماله أو عابد نوزع متقبل أعماله أو آمل ضويق فى فذلكة آماله لكننى رجحت دليل المفهوم على دليل المنطوق وعارضت القواعد الموحشة بالفروق ورايت الخط يبهر والحمد لله تعالى ويروق واللفظ الحسن تومض فى حبره للمعنى الأصيل بروق فقلت ارتفع الوصب ورد من الصحة المغتصب وآله الحس والحركة هى العصب وإذا أشرق سراج الإدراك دل على سلامة سليطه والروح خليط البدن والمرء بخليطة وعلى ذلك فلا يقنع بليد احتياطى إلا الشرح ففيه يسكن الظمأ البرح وعذرا عن التكليف فهو محل الاستقصاء والاستفسار والإطناب والإكثار وزند القلق فى مثلها أورى والشفيق بسوء الظن مغرى وسيدى هو العمدة التى سلمت لى الأيام فيها وقالت حسب آمالك ويكفيها فكيف لا أشفق ومن أنفق من عينه فأنا من عينى لا أنفق والله لا يحبط سعيى فى سؤال عصمتها ولا يخفق ويرشد إلى شكره على ما وهب منها ويوفق والسلام الكريم على سيدى البر الوصول

الذى زكت منه الفروع لما طابت الأصول وخلص من وده لابن الخطيب المحصول وC تعالى وبركاته
13 - جواب ابن رضوان
قال فراجعنى حفظ الله سيادته بما نصه
( متى شئت ألفى من علائك كل ما ... ينيل من الآمال خير منالها )
( كبرء اعتلال من دعائك زارنى ... وعادات بر لم ترم عن وصالها )
أبقى الله ذلك الجلال الأعلى متطولا بتأكيد البر متفضلا بموجبات الحمد والشكر وردتنى سحاءته المشتملة على معهود تشريفه وفضله الغنى عن تعريفه متحفيا فى السؤال عن شرح الحال ومعلنا بما تحلى به من كرم الخلال والشرف العال والمعظم على ما يسر ذلك الجلال الوزارى الرياسى أجراه الله تعالى على أفضل ما عوده كما أعلى فى كل مكرمة يده ذلك ببركة دعائه الصالح وحبه المخيم بين الجوانح والله سبحانه المحمود على نعمه ومواهب لطفه وكرمه وهو سبحانه المسؤول أن يهيىء لسيدى قرار الخاطر على ما يسره فى الباطن والظاهر بمن الله تعالى وفضله والسلام الكريم على جلاله الأعلى ورحمة الله وبركاته كتبه المعظم الشاكر الداعى الذاكر المحب ابن رضوان وفقه الله تعالى فى ذى الحجة ختام عام واحد وستين وسبعمائة انتهى
14 - من لسان الدين إلى الجنان
وقال رحمه الله تعالى وفاتحته يعنى الشيخ الجنان محركا قريحته ومستثيرا ما عنده بقولى

( إن كانت الآداب أضحت جنة ... فلقد غدا جنانها الجنان )
( أقلامه القضب اللدان بدوحها ... والزهر ما رقمته منه بنان )
وذكر بعد البيتين سجعا بليغا
15 - جواب الجنان
ثم قال فراجعنى الجنان بما نصه
( يا خاطب الآداب مهلا فقد ... ردك عن خطبتها ابن الخطيب )
( هل غيره فى الأرض كفء لها ... وشرطها الكفاة قول مصيب )
( أصبح للشرط بها معرسا ... فاستفت فى الفسخ فهل من مجيب )
أيها السيد الذى يتنافس فى لقائه ويتغالى ويصادم بولائه صرف الزمان ويتعالى وتستنتج نتائج الشرف بمقدمات عرفانه وتقتنص شوارد العلوم بروايات كلامه فكيف بمداناة عيانه جلوت على من بنات فكرك عقائل نواهد وأقمت بها على معارفك الجمة دلائل وشواهد واقتنصت بشرك بديهتك من المعانى أوابد شوارد وفجرت من بلاغتك وبراعتك حياضا عذبة الموارد ثم كلفتنى من إجراء ظالعى فى ميدان ضليعها مقابلة الشمس المنيرة بسراج عند طلوعها فأخلدت إخلاد مهيض الجناح وفررت فرار الأعزل عن شاكى السلاح وعلمت أنى إن أخذت نفسى بالمقابلة وأدليت دلو قريحتى للمساجلة كنت كمن كلف الأيام مراجعة أمسها أو طلب ممن علته السماء محاولة لمسها وإن رضيت من القريحة بسجيتها وأظهرت القدر الذى كنت امتحت من ركيتها أصبحت مسخرة للراوين والسامعين ونبت عن أسمى دواوينهم نانها الجنان )
( أقلامه القضب اللدان بدوحها ... والزهر ما رقمته منه بنان ) وذكر بعد البيتين سجعا بليغا 15 - جواب الجنان ثم قال فراجعنى الجنان بما نصه
( يا خاطب الآداب مهلا فقد ... ردك عن خطبتها ابن الخطيب )
( هل غيره فى الأرض كفء لها ... وشرطها الكفاة قول مصيب )
( أصبح للشرط بها معرسا ... فاستفت فى الفسخ فهل من مجيب )
أيها السيد الذى يتنافس فى لقائه ويتغالى ويصادم بولائه صرف الزمان ويتعالى وتستنتج نتائج الشرف بمقدمات عرفانه وتقتنص شوارد العلوم بروايات كلامه فكيف بمداناة عيانه جلوت على من بنات فكرك عقائل نواهد وأقمت بها على معارفك الجمة دلائل وشواهد واقتنصت بشرك بديهتك من المعانى أوابد شوارد وفجرت من بلاغتك وبراعتك حياضا عذبة الموارد ثم كلفتنى من إجراء ظالعى فى ميدان ضليعها مقابلة الشمس المنيرة بسراج عند طلوعها فأخلدت إخلاد مهيض الجناح وفررت فرار الأعزل عن شاكى السلاح وعلمت أنى إن أخذت نفسى بالمقابلة وأدليت دلو قريحتى للمساجلة كنت كمن كلف الأيام مراجعة أمسها أو طلب ممن علته السماء محاولة لمسها وإن رضيت من القريحة بسجيتها وأظهرت القدر الذى كنت امتحت من ركيتها أصبحت مسخرة للراوين والسامعين ونبت عن أسمى دواوينهم

كما تنبو عن الأشيب عيون العين ثم إن أمرك يا سيدى لا يحل وثيق مبرمه ولا يحل نسخ محكمه فامتثلته امتثال من لم يجد فى نفسه حرجا من قضائك ورجوت حسن تجاوزك واغضائك أبقاك الله تعالى قطبا لفلك المكارم والمآثر وفصا لخاتم المحامد والمفاخر والسلام انتهى
ترجمة ابن الجنان
والجنان المذكور مغربى من مكناسة الزيتون وهو الشيخ الفقيه العدل الأديب الأخبارى المشارك أبو جعفر أحمد بن محمد بن إبراهيم الأوسى الجنان من أهل الظرف والانطباع والفضيلة كاتب عاقل ناظم ناثر مشارك فى فنون من العلم له تصنيف حسن فى ثلاث مجلدات سماه المنهل المورود فى شرح المقصد المحمود شرح فيه وثائق أبى القاسم الجزيرى المالكى فأربى على غيره بيانا وإفاده قال فى نفاضه الجراب وناولنى إياه وأذن لى فى حملى عنه وأنشدنى كثيرا من شعره فمن ذلك ما صدر به رسالة يهنىء بها ناقها من مرض
( البس الصحة بردا قشيبا ... وارشف النعمة ثغرا شنيبا )
( واقطف الآمال زهرا نضيرا ... واعطف الإقبال غصنا رطيبا )
( إن يكن ساءك وعك تقضى ... تجد الأجر عظيما رحيبا )
( فانتعش فى دهرنا ذا سرور ... يصبح الحاسد منه كئيبا )
مقطعات وقصائد تكتب على المبانى
وقال أيضا لسان الدين فى النفاضة قرأت بالدور الخشبى فى الدار التى

نزلت بها بمكناسة الزيتون أبياتا منقشة استحسنتها لسهولتها فأخبرنى أنها من نظمه وهى
( انظر إلى منزل متى نظرت ... عيناك يعجبك كل ما فيه )
( ينبىء عن رفعة لمالكه ... وعن ذكاء الحجى لبانيه )
( يناسب الوشى فى أسافله ... ما يرقم النقش فى أعاليه )
( كأنه روضة مدبجة ... جاد لها وابل بما فيه )
( فأظهرت للعيون زخرفها ... ووافقتها على تجليه )
( فهو على بهجة تلوح به ... ورونق للجمال يبديه )
( يشهد للساكنين أن لهم ... من جنة الخلد ما يحاكيه )
قلت قد تذكرت هنا والشىء بالشىء يذكر ما رأيته مكتوبا على دائرة مجرى الماء بمدرسة تلمسان التى بناها أمير المسلمين ابن تاشفين الزيانى وهى من بدائع الدنيا وهو
( انظر بعينك بهجتى وسنائى ... وبديع إتقانى وحسن بنائى )
( وبديع شكلى واعتبر فيما ترى ... من نشأتى بل من تدفق مائى )
( جسم لطيف ذائب سيلانه ... صاف كذوب الفضة البيضاء )
( قد حف بى أزهار وشى نمقت ... فغدت كمثل الروض غب سماء )
وما أنشده بعض أهل العصر فى المغرب بقصد أن يرسم فى الأستار المذهبة المحكمة الصنعة التى جعلها السلطان المنصور أبو العباس الشريف الحسنى رحمه الله تعالى لكى يستر بها النواحى الأربع من القبة الكبيرة بالبديع وتسمى هذه الستور عند أهل المغرب بالحائطى ففى الجهة الأولى
( متع جفونك من بديع لباسى ... وأدر على حسنى حميا الكاس )

( هذي الربى والروض من جرعائها ... مما اغتذى بالعارض البجاس )
( أنى لروض أن يروق بهاؤه ... مثلى وأن يجرى على مقياس )
( فالروض تغشاه السوام وانما ... تأوى الى كنفى ظباء كناس )
وعلى الجهة الثانية
( من كل حسنا كالقضيب إذا انثنى ... تزرى بغصن البانة المياس )
( ولقد نشرت على السماك ذوائبى ... ونظرت من شزر إلى الكناس )
( وجررت ذيلى بالمجرة عابثا ... فخرا بمخترعى أبى العباس )
( ما نيط مثلى فى القباب ولا ازدهت ... بفتى سواه مراتب وكراسى )
وعلى الجهة الثالثة
( ملك تقاصرت الملوك لعزه ... ورماهم بالذل والإتعاس )
( غيث المواهب بحر كل فضيلة ... ليث الحروب مسعر الأوطاس )
( فرد المحاسن والمفاخر كلها ... قطب الجمال أخو الندى والباس )
( ملك إذا وافى البلاد تأرجت ... منه الوهاد بعاطر الأنفاس ) وعلى الجهة الرابعة
( وإذا تطلع بدره من هالة ... يعشي سناه نواظر الجلاس )
( أيامه غررا تجلت كلها ... ابهى من الأعياد والأعراس )
( لا زال للمجد السنى يشيده ... ويقيم مبناه على الآساس )
( ما مال بالغصن النسيم وحببت ... دررالندى فى جيده المياس )
وما أنشدنيه بعض العصريين من المغاربة لصاحبنا المرحوم الفقيه الكاتب

المحقق أبى محمد الحسن بن أحمد المسفيوي المراكشى أحد مشاهير الكتاب بباب أمير المؤمنين المنصور بالله أبى العباس الشريف الحسنى ملك المغرب صب الله تعالى على الجميع أمطار الرضوان مما كتب فى بعض مبانى صاحبنا الوزير العلامة الأجل سيدى عبد العزيز الفشتالى رحمه الله تعالى وهو
( أجل المعلى من قداح سرورى ... وأدر كؤوس الأنس دون شرور )
( ... خلعت على عطف البهاء محاسنى ... فكست به الآفاق ثوب حبور )
( وتناسق الوشى المفوف حلتى ... نسق الشذور على نحور الحور )
( شأو القصور قصورها عن رتبة ... لى بالسنا الممدود والمقصور )
( فى المبتنى المراكشى وأفقه ... أزرى على الزوراء والخابور )
( أعلى مقامى البارع الأسمى الذى ... قد حاز سبق النظم والمنثور )
( فإذا أقل بنانه أقلامه ... نفثت عقود السحر بين سطور )
( عبد العزيز أخو الجلالة كاتب ... سر الخليفة أحمد المنصور )
( لا زال فى يمن وأمن ما شدت ... ورق بروض بالندى ممطور )
وبعضه كتبته بالمعنى من حفظى لطول العهد والغاية فى هذا الباب ما أنشدنيه لنفسه الوزير أبو فارس عبد العزيز الفشتالى المذكور وهى جملة من قصائد كتبت فى المبانى الملوكية المنصورية بالحضرة المراكشية حاطها الله تعالى فمنها ما كتب خارج القبة الخمسينية أى التى فيها خمسون ذراعا بالعمل وذلك قوله رحمه الله تعالى على لسان القبة

( سموت فخر البدر دونى وانحطا ... وأصبح قرص الشمس فى أذنى قرطا )
( وصغت من الإكليل تاجا لمفرقى ... ونيطت بى الجوزاء فى عنقى سمطا )
( ولاحت بأطواقى الثريا كأنها ... نثير جمان قد تتبعته لقطا )
( وعديت عن زهر النجوم لاننى ... جعلت على كيوان رحلى منحطا )
( وأجريت من فيض السماحة والندى ... خليجا على نهر المجرة قد غطى )
( عقدت عليه الجسر للفخر فارتمت ... إليه وفود البحر تغرف ما أنطى )
( تنضنض ما بين الغروس كأنه ... وقد رقرقت حصباؤه حية رقطا )
( حواليه من دوح الرياض خرائد ... وغيد تجر من خمائلها مرطا )
( إذا أرسلت لدن الفروع وفتحت ... جنى الزهر لاح فى ذوائبها وخطا )
( يرنحها مر النسيم إذا سرى ... كما مال نشوان تشرب إسفنطا )
( يشق رياضا جادها الجود والندى ... سواء لديها الغيث أسكب أم أخطا )
( وسالت بسلسال اللجين حياضه ... بحارا غدا عرض البسيط لها شطا )
( تطلع منها وسط وسطاه دمية ... هى الشمس لا تخشى كسوفا ولا غمطا )
( حكت وحباب الماء فى جنباتها ... سنا البدر حل من نجوم السما وسطا )
( إذا غازلتها الشمس ألقى شعاعها ... على جسمها الفضى نهرا بها لطا )
( توسمت فيها من صفاء أديمها ... نقوشا كأن المسك ينقطها نقطا )
( إذا اتسقت بيض القباب قلادة ... فإنى لها فى الحسن درتها الوسطى )
( تكنفنى بيض الدمى فكأنها ... عذارى نضت عنها القلائد والريطا )
( قدود ولكن زانها الحسن عريها ... وأجمل فى تنعيمها النحت والخرطا )
( نمت صعدا تيجانها فتكسرت ... قوارير أفلاك السماح بها ضغطا )
( فيا لك شأوا بالسعادة آهلا ... بأكنافه رحل العلا والهدى حطا )

( وكعبة مجد شادها العز فانبرت ... تطوف بمغناها امانى الورى شوطا )
( ومسرح غزلان الصريم كناسها ... حنايا قباب لا الكثيب ولا السقطا )
( فلكن به ما طاب لا الأثل والخمطا ... ووسدن فيه الوشى لا السدر والأرطى )
( تراه من المسك الفتيت مدبرا ... إذا مازجته السحب عاد بها خلطا )
( وأن باكرته نسمة سحرا سرى ... إلى كل أنف عرف عنبره قسطا )
( أقرت له الزهراء والخلد وانتقت ... أواوين كسرى الفرس تغبطه غبطا )
( جناب رواق المجد فيه مطنب ... على خير من يعزى لخير الورى سبطا )
( إمام يسير الدهر تحت لوائه ... وترسى سفان للعلا حيثما وطا )
( وفتاح أقطار البلاد بفيلق ... يفلق هامات العدا بالظبى خبطا )
( تطلع من خرصانه الشهب فانثنت ... ذوائب أرض الزنج من ضوئها شمطا )
( كتائب نصر إن جرت لملمة ... جرت قبلها الأقدار تسبقها فرطا )
( إذا ما عقدن راية علوية ... جعلن ضمان الفتح فى عقدها شرطا )
( فما للسما تلك الأهلة إنما ... سنابكها أبقت مثالا بها خطا )
( يطاوع أيدى المعلوات عنانها ... فيعتاض من قبض الزمان بها بسطا )
( يد لأمير المؤمنين بكفها ... زمام يقود الفرس والروم والقبطا )
( أدار جدارا للعلا وسرادقا ... يحوط جهات الأرض من رعية حوطا )
وقوله مما كتب ببهوها بمرمر اسود فى أبيض
( لله بهو عز منه نظير ... لما زها كالروض وهو نضير )
( رصفت نقوش حلاه رصف قلائد ... قد نضدتها فى النحور الحور )
( فكأنها والتبر سال خلالها ... وشى وفضة تربها كافور )

( وكأن أرض قراره ديباجة ... قد زان حسن طرازها تشجير )
( وإذا تصعد نده نوءا ففى ... أنماطه نور به ممطور )
( شأو القصور قصورها عن وصفه ... سيان فيه خورنق وسدير )
( فإذا أجلت اللحظ فى جنباته ... يرتد وهو بحسنه محسور )
( وكأن موج البركتين أمامه ... حركات سجف صافحته دبور )
( صفت بصفتها تماثل فضة ... ملك النفوس بحسنها تصوير )
( فتدير من صفو الزلال معتقا ... يسرى إلى الأرواح منه سرور )
( ما بين آساد يهيج زئيرها ... وأساود يسلى لهن صفير )
( ودحت من الأنهار أرض زجاجة ... وأظلها فلك يضىء منير )
( راقت فمن حصبائها وفواقع ... تطفو عليها اللؤلؤ المنثور )
( يا حسنه من مصنع فبهاؤه ... باهى نجوم الأفق وهى تنور )
( وكأنما زهر الرياض بجنبه ... حيث التفت كواكب وبدور )
( ولدسته الأسمى تخير رصفه ... فخر الورى وإمامها المنصور )
( ملك أناف على الفراقد رتبة ... وأقلة فوق السماك سرير )
( قطب الخلافة تاج مفرق دولة ... رميت بجحفلها اللهام الكور )
( وجرى إلى أقصى العراق لرعيها ... جيش على جسر الفرات عبور )
( نجل النبى ابن الوصى سليل من ... حقن الدماء وعف وهو قدير )
( بحر الندى لكنه متموج ... سيف العلا لكنه مطرور )
( طود يخف لحلمه ووقاره ... ولجيشه يوم النزال ثبير )
( دامت معاليه ودام ومجده ... طوق على جيد العلا مزرور )
( وتعاهدته عن الفتوح بشائر ... يغدو عليه بها المسا وبكور )

)
( ما دام منزل سعده يرقى به ... نصر يرف لواؤه المنشور )
( ومشت به مرحا جياد مسرة ... وأدار كاس الأنس فيه سمير )
وقوله مما كتب بداخل القبة المذكورة
( جمال بدائعى سحر العيونا ... ورونق منظرى بهر الجفونا )
( وقد حسنت نقوشى واستطارت ... سنا يعشى عيون الناظرينا )
( وأطلع سمكى الأعلى نجوما ... ثواقب لا تغورالدهر حينا )
( وجوى من دخان الند ألقى ... على أرضى الغياهب والدجونا )
( علوت دوائر الأفلاك سبعا ... لذاك الدهر ما ألفت سكونا )
( فصغت من الأهلة والحنايا ... أساور والخلاخل والبرينا )
( تكنفنى حياض مائحات ... أمامى والشمال أو اليمينا )
( يقيد حسنها الطرف انفساحا ... ويجرى الفلك فيها والسفينا )
( تدافع نهرها نحوي فلما ... تلاقى البحر فى جرى دفينا )
( ترى شهب السماء بهن غرقى ... فتحسبها بها الدر المصونا )
( وقد نشر الحباب على سماها ... لآلىء تزدري العقد الثمينا )
( فخرت وحق لى لما اجتبانى ... لمجلسه أمير المؤمنينا )
( هو المنصور حائز خصل سبق ... وبانى المجد بنيانا مكينا )
( وليث وغى إذا زأر امتعاضا ... يروع زئيره هندا وصينا )
( إذا أمت كتائبه الأعادى ... بعثن برعبه جيشا كمينا )

( يدير عليهم من كل حرب ... تدقهم رحى أو منجنونا )
( إمام بالمغارب لاح شمسا ... بها الشرق اكتسى نورا مبينا )
( بقيت بذي القصور الغر بدرا ... تلوح بافقهن مدى السنينا )
( تحف بكم عواكف عند بابى ... ملائكة كرام كاتبونا )
( لك البشرى أمير المؤمنين اد ... خلوها بسلام آمنينا )
وقوله فى بعض المبانى المنصورية
( معانى الحسن تظهر فى المغانى ... ظهور السحر فى حدق الحسان )
( مشابه فى صفات الحسن أضحت ... تمت بها المغانى للغوانى )
( بكل عمود صبح من لجين ... تكون فى استقامة خوط بان )
( مفصلة القدود مثلثات ... مواصلة العناق من التدانى )
( تردت سابرى الحسن يزرى ... بحسن السابرى الخسروانى )
( وتعطو الخيزرانة من دماها ... بسالفة القطيع البرهمانى )
( لمجدك تنتمى لكن نماها ... إلى صنعاء ما صنع اليدان )
( يدين لك ابن ذى يزن ويعنو ... لها غمدان فى أرض اليمان )
( غدت حرما ولكن حل فيها ... لوفدكم الأمان مع الأمانى )
( مبان بالخلافة آهلات ... بها يتلوالهدى السبع المثانى )
( هى الدنيا وساكنها إمام ... لأهل الأرض من قاص ودانى )
( قصور ما لها فى الأرض شبه ... وما فى المجد للمنصور ثانى )
وقوله رحمه الله تعالى مما كتب فى المصرية المطلة على الرياض المرتفعة

على القبة الخضراء من بديع المنصور وكان إنشاؤها فى جمادى الأولى من عام خمسة وتسعين وتسعمائة
( باكر لدى من السرور كؤوسا ... وارض النديم أهلة وشموسا )
( واعرج على غرفى المنيف سماؤها ... تلق الفراقد فى حماي جلوسا )
( وإذا طلعت بأوجها قمر العلا ... لا ترتضى غير النجوم جليسا )
( شرق القصور بريقها لما اجتلت ... منى على بسط الرياض عروسا )
( واعتضت بالمنصور أحمد ضيغما ... وردا تحيز من بديعى خيسا )
( ملك أرى كل الملوك ممالكا ... لعلاه والدنيا عليه حبيسا )
( دامت وفود السعد وهي عواكف ... تصل المقيل لدي والتعريسا )
( وهناك يا شرف الخلافة دولة ... تلقى برايتها طلائع عيسى )
وقوله من جملة قصيدة من نمط ما تقدم لم أستحضر أولها
( سلبت تماثلها الحجى لما اغتدت ... تزهو بحسن طرازها تذهيبا )
( ولقد تشامخ فى العلو سماكها ... فجرى على الفلك المنير جنيبا )
( وسما الى الشهب الزواهر فاغتدى ... الإكليل منها تاجها المعصوبا )
( هذا البديع يعز شبه بدائع ... أبدعتهن به فجاء غريبا )
( أضنى الغزالة حسنة حسدا لذا ... أبدى عليها للأصيل شحوبا )
( وانقضت الزهر المنيرة إذ رأت ... زهر الرياض به ينور عجيبا )
( شيدتهن مصانعا وصنائعا ... أنجزن وعدك للعلا المرقوبا )

( وجريت فى كل الفخار لغاية ... أدركتها أو ما مست لغوبا )
( فانعم بملكك فيه دام مؤبدا ... تجنى به فنن النعيم رطيبا )
( وإليكها عذراء فكر أهديت ... وجعلت مدحك مهرها الموهوبا )
( ونظمت من درر البلاغة عقدها ... فغدا يروق بجيدها ترتيبا )
( ورفعتها لمقامكم تمشى على ... استحيا فيزعجها الولا ترغيبا )
( فأتت على شرف لكم فتوقفت ... لما رأت ذاك الجلال مهيبا )
( شفعت إليك بحب جدك أحمد ... لتنيلها منك الرضى المرغوبا )
( دامت بك الدنيا يروق جمالها ... وإلى القيامة أمركم مرهوبا )
( وكلاكم الله العظيم كلاءة ... يرعى بها خلفا لكم وعقيبا )
رسالة من الفشتالى إلى المؤلف
ومحاسن صاحبنا المذكور فى النظم والنثر يضيق عنها هذا التأليف وكنت أثبت منها جملة فى غير هذا الموضع
ولما أحس بعزمى على الرحلة إلى الحجاز واقتضائى من سلطان المغرب فى وعده لى بها النجاز كتب إلى من حضرة مراكش وأنا حينئذ بفاس ما صورته بعد سطر الافتتاح
( يا نسمة عطست بها أنف الصبا ... فتضمخت بعبيرها قنن الربى )
( هبى على ساحات أحمد واشرحى ... شوقى إلى لقياه شرحا مطنبا )
( وصفى له بالمنحنى من أضلعى ... قلبا على جمر الغضا متقلبا )
( بان الأحبة عنه حى قد توى ... منهم وآخر قد ناى وتغيبا )
( فعساك تسعد يا زمان بقربهم ... فأقول أهلا باللقاء ومرحبا )
السيادة التى سواها الله من طينة الشرف والحسب وغرس دوحتها الطيبة بمعدن العلم الزاكى المحتد والنسب سيادة العالم الذى تمشى تحت علم فتياه

العلماء الأعلام وتخضع لفصاحته وبلاغته صيارفة النثر والنظام وحملة الأقلام كلما خط أو كتب وإذا استطار بفكرة الوقاد سواجع السجع انثالت عليه من كل أو كارها ونسلت من كل حدب وحكت بانسجامها السيل والقطر فى صبب الفقيه العالم العلم والمحصل الذى ساجلت العلماء لتدرك فى مجال الإدراك شأوه فلم سيدنا الفقيه الحافظ حامل لواء الفتيا ومالك المملكة فى المنقول والمعقول من غير شرط ولا ثنيا أبو العباس سيدى أحمد بن محمد المقرى أبقاه الله تعالى للعلم يفتض أبكاره ويجنى من روضه اليانع ثماره سلام الله عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته كتبه المحب الشاكر عن ود راسخ العماد ثابت الأوتاد مزهر الأغوار والأنجاد ولا جديد إلا الشوق الذى تحن إلى لقياكم ركائبه وترتاح وتحوم على مورد الأنس بكم حوم ذات الجناح على العذب القراح جمع الله تعالى الأرواح المؤتلفة على بساط السرور وأسرة الهنا وأتاح للنفوس من حسن محاضرتكم قطف المشتهى وهو غض الجنى
وقد اتصل بالمحب الودود الرقيم الذى راقت من سواد النقش وبياض الطرس شياته وأرانا معجز أحمد فبهرت آياته وخبا سقط الزند لما أشرقت من سماء فكركم آياته فأطربنا بتغريد طيور همزاته على أغصان ألفاته وعوذنا بالسبع المثانى بنانا أجادت نثر زهراته على صفحاته ثم مررنا بتضاعيفه بسوق الرقيق فرمنا السلوك على منحاها فعمى علينا الطريق وقلنا واها على سوق ابن نباتة وكساد رقيقها واستلاب البهجة عن نفيس دررها وأنيقها لا كسوق نفق فيها سوق الغزل وعلا كعب الرامح والأعزل وتضافر على سحر النفوس والألباب هاروت الجد وماروت الهزل وقد ألقينا السلاح وجنحنا للسلم وتهيأنا للسباحة فوقفنا بساحل اليم وسلمنا لمن استوت به سفينة البلاغة على الجودى فأبنا والحمد لله على السلامة بالفهاهة والعى وقلنا ما لنا وللإنشاء فهو فضل الله يؤتيه من يشاء
وعذرا أيها الشيخ عن البيت الذى عطست به أنف الصبا فقذفت به البديهة ==

8.  نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني

من الفم وشرقت به صدر قناة القلم كما شرقت صدر القناة من الدم
وأما ما تحمل الرسول من كلام فى صورة ملام لا بل مدام أترع به من سلاف المحبة كأس وجام فلا وربك ما هى إلا نفحة نفحت لا سموم لفحت هززنا بها جذع أدبكم كى يتساقط علينا رطبا جنيا ويهمى ودقه على الربع المحيل من أفكارنا وسميا ووليا فجاد وأروى وأجاد فيما روى وأحيا من القرائح ميتا كان حديثا يروى وطرسا بين أنامل الأيام ينشر ويطوى أحيا الله تعالى قلوبنا بمعرفتة ونواسم رحمته وعرج بأرواحنا عند الممات إلى المحل الأخص بالمؤمن من حضرته
وأهدى السلام المزرى بمسك الختام إلى الفقيهين الأمجدين الصدرين الأنجدين الفذين التوأمين الفاضلين المجيدين فارسى البراعة واليراعة ورئيسى الجماعة فى هذه الصناعة رضيعى لبان الأدب وواسطتى عقده ومجيلى قدحه المعلى وموريى زنده الممتعين بشميم عراره ورنده الكارعين بالبحر الفياض من هزله وجده الآتيين بالجنس والفصل من رسمه وجده الكاتب البارع أبى الحسن سيدي على ابن أحمد الشامى والكاتب البليغ أبى عبد الله سيدى محمد بن على الوجدى وأقرر لهما الود المستحكم المعاقد الصافى المناهل العذب الموارد وأنى قائم بورد الثناء عليكم وعليهما لدى المقام العلى الإمامى الناصرى دام سلطانه وتمهدت أوطاره وأوطانه
وننهى إليكم أن الفقيه المحب الأستاذ سيدى محمد بن يوسف طلق اللسان بالشكر صادح على أيك الثناء عن تلكم السيادة بما واليتموه به من جزيل الإحسان وقابلتموه به عند الورود والصدر من البشر والكرامة وجميل الأمتنان والسلام التام معاد عليكم و
C تعالى وبركاته وبه وجب الكتب إليكم

والله سبحانه يرعاكم فى يوم الخميس موفى عشرين من محرم الحرام فاتح سبعة وعشرين وألف المحب الودود الشاكر عبد العزيز بن محمد الفشتالى لطف الله تعالى به وخار له بمنه وكرمه انتهى
ومن أراد شيئا من أخباره فعليه بكتابى الموسوم ب روضة الآس العاطر الأنفاس فى ذكر من لقيته من أعلام مراكش وفاس وقد بلغتنى وفاته رحمه الله تعالى وأنا فى مصر بعد عام ثلاثين وألف رحمه الله تعالى فلقد كان أوحد عصره حتى ان سلطان المغرب كان يقول إن الفشتالى نفتخر به على ملوك الأرض ونبارى به لسان الدين ابن الخطيب رحم الله تعالى الجميع
تعريف بأبى الحسن الشامى
والشامى الذى أشار إليه هو من أعيان أهل فاس وذوى البيوت بها وجده قدم من الشام على حضره فاس فشهر بنوه بالنسبة إلى الشام وقد بلغتنى وفاته أيضا بعد الثلاثين بعد الألف وقد أجاب عن الأبيات البائية التى خاطبنى بها الوزير سيدى عبد العزيز الفشتالى المذكور رحم الله تعالى الجميع بقوله
( نمت نوافح عرف أنفاس الصبا ... فنمى بها روض الوداد وأخصبا )
( نثرت جواهر سلكها فتتوج ... الغصن النضير بدرها وتعصبا )
( ورمت محاجر منحنى ذاك الحمى ... فغدا بها خيف القلوب محصبا ... )
( وروت أحاديث الغرام صحيحة ... فشفت فؤادا من بعادك موصبا )
( لا غرو أن طارت حشاشة لبه ... طربا فما خلو الغرام كمن صبا )
( لا زلتم والزهر ينشق عرفكم ... والزهر تحسد من كمالك منصبا ) 4
ولنمسك عنان البنان ونرجع إلى ما كنا بصدده من شأن لسان الدين ابن الخطيب المريع منه بمزن البلاغة والفصاحة جنان الجنان فنقول والله سبحانه ولى التوفيق والإمداد وليس إلا عليه الاعتماد

16 - بين ابن الجياب ولسان الدين
وقال ابن الصباغ العقيلى كان أبو الحسن ابن الجياب رئيس كتاب الأندلس وهم رؤساء غيرهم واختص به ذو الوزارتين أبو عبد الله ابن الخطيب اختصاصا تاما وأورثه رتبة من بعده وعهد بها إليه مشيرا بذلك على من استشاره من أعلام الحجاب عند حضور عمره وتدرب بذكائه حتى استحق أزمته فأنسى بحسن سياسته شيخه المذكور ونال التى لا فوقها من الحظوة وبعد الصيت وسعادة البخت اتفق له يوما بعدما عزم النصرانى على ورود البلد وضاقت به الصدور فأنشد ابن الجياب بديها بمحضر الكتاب
( هذا العدو قد طغى ... وقد تعدى وبغى )
وقال لابن الخطيب أجز أبا عبد الله فأنشده بديها
( وأظهر السلم وقد ... أسر حسوا فى ارتغا )
( فبلغ الرحمن سيف ... النصر فيه ما ابتغى )
( ورده رد ثمود ... والفصيل قد رغا )
( حتى يرى وليمة ... لكل مرهوب الثغا )
فقال ابن الجياب هكذا وإلا فلا وعجب الحاضرون من هذه البديهة انتهى 17 -
قصيدتان للبلوى يخاطب بهما لسان الدين
ومما خوطب به لسان الدين قول الفقيه أبى يحيى البلوى المرى رحم الله الجميع

( عللونى ولو بوعد محال ... وصلونى ولو بطيف خيال )
( واعلموا اننى أسير هواكم ... لست أنفك دائما عن عقال )
( فدموعى من بينكم فى انسكاب ... وفؤادى من هجركم فى اشتغال )
( يا أهيل الحمى كفانى غرامى ... لا تزيدوا حسبى بما قد جرى لى )
( من مجيرى من لحظ ريم ظلوم ... حلل الهجر بعد طيب الوصال )
( ناعس الطرف أسهر الجفن منى ... طال منه الجفا بطول الليالى )
( بابلى اللحاظ أصمى فؤادى ... وزماه من غنجه بنبال )
( وكسا الجسم من هواه نحولا ... قصده فى النوى بذاك انتحالى )
( ما ابتدى فى الوصال يوما بعطف ... مذ روى فى الغرام باب اشتغالى )
( ليس لى منه فى الهوى من مجير ... غير تاج العلا وقطب الكمال )
( علم الدين عزه وسناه ... ذروه المجد بدر أفق الجلال )
( هو غيث الندى وبحر العطايا ... هو شمس الهدى فريد المعالى )
( ان وشى فى الرقاع بالنقش قلنا ... صفحة الطرس حليت باللآلى )
( أو دجا الخطب فهو فيه شهاب ... زانه الصبح فى ظلام الضلال )
( أو نبا الأمر فهو فى الأمر عضب ... صادق العزم عند ضيق المجال )
( لست تلقى مثاله فى زمان ... جل فى الدهر يا أخى عن مثال )
( قد نأى بى حبى له عن ديارى ... لا لجدوى ولا لنيل نوال )
( لكن اشتقت أن ارى منه وجها ... نوره فاضح لنور الهلال )
( وكما همت فيه ألثم كفا ... جاد لى بالنوال قبل السؤال )
( هاكها ابن الخطيب عذراء جاءت ... تلثم الأرض قبل شسع النعال )
( وتوفى حق الوزارة عمن ... هو ملك لها على كل حال )
ومن نظمه قوله يخاطبه مهنئا فى إعذاره أولاده بعد نثر نصه يعتذر عن خدمة الإعذار ويصل المدح والثناء على بعد الدار بتاريخ الوسط من شهر

شعبان عام تسعة وأربعين وسبعمائة
( لا عذر لى عن خدمة الإعذار ... ولئن نأى وطنى وشط مزارى )
( أو عاقنى عنه الزمان وصرفه ... تقضى الأمانى عادة الاعصار )
( قد كنت أرغب أن أفوز بخدمتى ... وأحط رحلى عند باب الدار )
( بادى المسرة بالصنيع وأهله ... متشمرا فيه بفضل إزارى )
( من شاء أن يلقى الزمان وأهله ... ويرى جلالا شاع فى الأقطار )
( فليأت حى ابن الخطيب ملبيا ... فيفوز بالإعظام والإكبار )
( كم ضم من صيد كرام قدرهم ... يسمو ويعلو فى ذوى الأقدار )
( إن جئت ناديه فنب عنى وقل ... نلت المنى بتلطف ووقار )
( يا من له الشرف القديم ومن له ... الحسب الصميم العد يوم فخار )
( يهنيك ما قد نلت من أمل به ... فى الفرقدين النيرين لسارى )
( نجلاك قطبا كل مجد باذخ ... أملان مرجوان فى الإعسار )
( عبد الإله وصنوه قمر العلا ... فرعان من أصل زكا ونجار )
( ناهيك من قمرين فى أفق العلا ... ينميهما نور من الأنوار )
( زاكى الأرومة معرق فى مجده ... جم الفضائل طيب الأخبار )
( رقت طبائعه وراق جماله ... فكأنما خلقا من الأزهار )
( وحلت شمائل حسنة فكأنما ... خلعت عليه رقة الأسحار )
( فإذا تكلم قلت طل ساقط ... أو وقع در من نحور جوارى )
( أو فت حبر المسك فى قرطاسه ... فالروض غب الواكف المدرار )
( تتبسم الأقلام بين بنانه ... فتريك نظم الدر فى الأسطار )
( فتخال من تلك البنان كمائما ... ظلت تفتح ناضر النوار )

( تلقاه فياض الندى متهللا ... يلقاك بالبشرى والاستبشار )
( بحر البلاغة قسها وإيادها ... سحبانها حبر من الأحبار )
( إن ناظر العلماء فهو إمامهم ... شرف المعارف واحد النظار )
( أربى على العلماء بالصيت الذى ... قد طار فى الآفاق كل مطار )
( ما ضره أن لم يجىء متقدما ... بالسبق يعرف آخر المضمار )
( إن كان أخره الزمان لحكمه ... ظهرت وما خفيت كضوء نهار )
( الشمس تحجب وهى أعظم نير ... وترى من الآفاق إثر درارى )
( يا ابن الخطيب خطبتها لعلاكم ... بكرا تزف لكم من خجل الأفكار )
( جاءتك من خجل على قدم الحيا ... قد طيبت بثنائك المعطار )
( وأتت تؤدى بعض حق واجب ... عن نازح الأوطان والأوطار )
( مدت يد التطفيل نحو علاكم ... فتوشحت من حليكم بنضار )
( فابذل لها فى النقد صفحك إنها ... تشكو من التقصير فى الأشعار )
( لا زلت فى دعة وعز دائم ... ومسرة تترى مع الأعمار ) ترجمة أبى يحيى البلوى
قال لسان الدين فى حق المذكور فى الإحاطة هو محمد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد البلوى من أبناء النعم وذوى البيوتات كثير السكون والحياء آل به ذلك أخيرا إلى لوثة لم يستفق منها لطف الله به حسن الخط مطبوع الأدب سيال الطبع معينة وناب عن بعض القضاة وهو الآن رهين ما ذكر يتمنى أهله موته والله ولى المعافاة
وجرى ذكره فى الإكليل بما نصه من أولى الاتصال بأولى الخلال البارعة والخصال خطا رائقا ونظما بمثله لائقا ودعابه يسترها تجهم

وسكونا فى طيه إدراك وتفهم عنى بالدراية والتقييد ومال فى النظم إلى بعض التوليد وله أصالة نبتت فى السرو عروقها وتألقت فى سماء المجادة بروقها وتصرف بين النيابة فى الأحكام الشرعية وبين الشهادات العلمية المرعية انتهى
ورأيت بخط أبى الحسن على بن لسان الدين على هامش هذا المحل من الإحاطة ما صورته رحمه الله عليه ما أعذب حلاوته وأعظم مروءته وأكرم أصالته وبنو البلوى ذوو حسب وأهل نعيم وتربية ملوكية حياهم الله وبياهم قال ذلك حبيبهم وأخوهم على بن الخطيب انتهى
18 - من ابن مرزوق إلى لسان الدين
وقال لسان الدين رحمه الله تعالى عند ذكر الخطيب الرئيس أبى عبد الله محمد ابن مرزوق التلمسانى ما صورته ولما قدمت على مدينة فاس فى غرض الرسالة خاطبنى بمنزل الشاطبى على مرحلة منها بما نصه
( يا قادما وافى بكل نجاح ... أبشر بما تلقاه من أفراح )
( هذى ذرى ملك الملوك فلذ بها ... تنل المنى وتفز بكل سماح )
( مغنى الإمام أبى عنان يممن ... تظفر ببحر فى العلا طفاح )
( من قاس جود أبى عنان فى الندى ... بسواه قاس البحر بالضحضاح )
( ملك يفيض على العفاة نواله ... قبل السؤال وقبل بسطة راح )
( فلجود كعب وابن سعدى فى الندى ... ذكر محاه عن نداه ماحى )
( ما إن سمعت ولا رأيت بمثله ... من أريحى للندى مرتاح )
( بسط الأمان على الأنام فاصبحوا ... قد ألحفوا منه بظل جناح )
( وهمى على العافين سيب نواله ... حتى حكى سح الغمام الساحى )

( فنواله وجلاله وفعاله ... فاقت وأعيت ألسن المداح )
( وبه الدنا أضحت تروق وأصبحت ... كل المنى تنقاد بعد جماح )
( من كان ذا ترح فرؤية وجهه ... متلافة الأحزان والأتراح )
( فانهض أبا عبد الإله تفز بما ... تبغيه من أمل ونيل نجاح )
( لا زلت ترتشف الأمانى راحة ... من راحة المولى بكل صباح )
فالحمد لله يا سيدى وأخى على نعمة التى لا تحصى حمدا يؤم به جميعنا المقصد الأسنى فيبلغ الأمد الأقصى فطالما كان معظم سيدى للأسى فى خبال وللأسف بين اشتغال بال واشتعال بلبال ولقد ومكم على هذا المقام المولوي فى ارتقاب ولمواعيدكم بذلك فى تحقق وقوعه من غير شك ولا ارتياب فها أنت تجتلى من هذا المقام العلى بتشيعك وجوه المسرات صباحا وتتلقى أحاديث مكارمه ومواهبه مسندة صحاحا بحول الله تعالى ولسيدى الفضل فى قبول مركوبه الواصل إليه بسرجه ولجامه فهو من بعض ما لدى المعظم من إحسان مولاه وإنعامه ولعمرى لقد كان وافدا على سيدى فى مستقره مع غيره فالحمد لله الذي يسر فى إيصاله على أفضل أحواله
19 - جواب لسان الدين
فراجعته بما نصه
( راحت تذكرنى كؤوس الراح ... والقرب يخفض للجنوح جناحى )
( وسرت تدل على القبول كأنما ... دل النسيم على انبلاج صباح )
( حسناء قد غنيت بحسن صفاتها ... عن دملج وقلادة ووشاح )
( أمست تحض على اللياذ بمن جرت ... بسعوده الأقلام فى الألواح )

( بخليفة الله المؤيد فارس ... شمس المعالى الأزهر الوضاح )
( ما شئت من شيم ومن همم غدت ... كالزهر أو كالزهر فى الأدواح )
( فضل الملوك فليس يدرك شأوه ... أنى يقاس الغمر بالضحضاح )
( أنسى بنى عباسهم بلوائه ... المنصور أو بحسامه السفاح )
( وغدت مغانى الملك لما حلها ... تزهى ببدر هدى وبحر سماح )
( وحياة من أهداك تحفة قادم ... فى العرف منها راحة الأرواح )
( ما زلت أجعل ذكره وثناءه ... روحى وريحانى الأريج وراحى )
( ولقد تمازج حبه بجوارحى ... كتمازج الأجسام بالأرواح )
( ولو أننى أبصرت يوما فى يدى ... أمرى لطرت إليه دون جناح )
( فالآن ساعدنى الزمان وأيقنت ... من قربه نفسى بفوز قداحى )
( إيه أبا عبد الإله وانه ... لنداء ود فى علاك صراح )
( أما إذا استنجدتنى من بعد ما ... ركدت لما جنت الخطوب رياحى )
( فإليكها مهزولة وأنا امرؤ ... قررت عجزى واطرحت سلاحى )
سيدى أبقاك الله لعهد تحفظه وولى بعين الوفاء تلحظه وصلتنى رقعتك التى أبدعت وبالحق من مولى الخليقة صدعت وألفتنى وقد سطت بى الأوجال حتى كادت تتلف الرحال والحاجة إلى الغذاء قد شمرت كشح البطين وثانية العجماوين قد توقع فوات وقتها وإن كانت صلاتها صلاة الطين والفكر قد غاض معينه وضعف وعلى الله جزاء المولى الذى يعينه فغزتنى بكتيبة بيان أسدها هصور وعلمها منصور وألفاظها ليس فيها قصور ومعانيها عليها الحسن مقصور واعتراف مثلى بالعجز فى المضايق حول ومنة وقول لا أدرى للعالم فكيف لغيره جنة لكنها بشرتنى بما يقل لمؤديه بذل النفوس وإن جلت وأطلعتنى من السراء على وجه تحسده الشمس إذا تجلت بما أعلمتنى به من جميل اعتقاد مولانا أمير المؤمنين أيده الله فى

عبده وصدق المخيلة فى كرم مجده وهذا هو الجود المحض والفضل الذى شكره هو الفرض وتلك الخلافة المولويه تتصف بصفات من يبدأ بالنوال من قبل الضراعة والسؤال من غير اعتبار للأسباب ولا مجازاة للأعمال نسأل الله تعالى أن يبقى منها على الإسلام أوفى الظلال ويبلغها من فضله أقصى الآمال ووصل ما بعثه سيدى صحبتها من الهدية والتحفة الودية وقبلتها امتثالا واستجليت منها عتقا وجمالا وسيدي فى الوقت أنسب لاتخاذ ذلك الجنس وأقدر على الاستكثار من إناث البهم والإنس وأنا ضعيف القدرة غير مستطيع على ذلك إلا فى الندوة فلو راء سيدي ورأيه سداد وقصده فضل ووداد أن ينقل القضية إلى باب العارية من باب الهبة مع وجود الحقوق المترتبة لبسط خاطرى وجمعه وعمل فى رفع المؤونة على شاكله حالى معه وقد استصحبت مركوبا يشق على هجرة ويناسب مقامى شكله ونجره وسيدي فى الإسعاف على الله أجره وهذا أمر عرض وفرض فرض وعلى نظره المعول واعتماد إغضائه هو المعقول الأول والسلام على سيدي من معظم قدره وملتزم بره ابن الخطيب فى ليلة الأحد السابع والعشرين لذى قعدة خمس وخمسين وسبعمائة والسماء قد جادت بمطر سهرت منه الأجفان وظن أنه الطوفان واللحاق فى غدها بالباب المولوى مؤمل بحول الله انتهى
20 - من البرجى إلى لسان الدين
وكتب القاضى أبو القاسم البرجى للسان الدين فى غرض الشفاعة لبعض قرابته قوله

( أيا سابقا فى مجال البراعة ... وفارس ميدان أهل اليراعة )
( ومن بدره فى سماء المعالى ... يزين بوصف الكمال ارتفاعه )
( بما لك فى الفضل من حجة ... ومن إمره فى ذويه مطاعه )
( قضاءك فى معسر حل دين ... عليه فإرجاؤه قد أضاعه )
( وقد كان يبغى لديكم شفيعا ... توسط عندكم فى شفاعة )
( على أنه فى اقتضاء الوداد ... يوفى موازينه أو صواعه )
( وما هو فى سوق تقريظكم ... ونشر حلاكم بمزجى البضاعه )
كتبت يا سيدى أدام الله تعالى علاكم وحرس مجدكم الطاهر وسناكم وأنا بين خجل مفحم وعجل مقحم أتذكر تسويفى بلقائكم حين سمح الدهر باقترابكم فأحجم وأفكر فى أن إحجامى عند ذلك بإرجائى عسى أن يكون وفق رجائى أفاتنى المقصود فأرى الحزم فى أن أقدم وموقفها بين يديكم فلان يطالبنى مطالبة الغريم وأروم مطاله فلا يبرح ولا يريم والانقياد فى زمام طاعته مما توجبه المروة بعدما أوجبه الشارع إذ جعل له حظا فى الأبوة وقد أعلقته من ذمام علائكم بالحبل المتين وأنزلته من حماكم بربوة ذات قرار ومعين فإن أعرتموه من لحظكم الجميل طرف اهتبال وأقبلتموه من اعتنائكم الجزيل وجه إقبال فقد عاد دهره بعد النفار مواتيا ونزل على أهل المهلب شاتيا ومجدكم كفيل بتبليغ أمله وتوسيع جذله وذلكم يد على معظمكم شكرها وعلى الله أجرها انتهى
ترجمة أبى القاسم البرجي
والبرجى المذكور هو محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن على بن إبراهيم الغسانى البرجى يكنى أبا القاسم من أهل غرناطة قال فى الإحاطة هو فاضل مجمع على فضله صالح الأبوة طاهر النشأة بادي الصيانة والعفة

طرف فى الخير والحشمة صدر فى الأدب جم المشاركة ثاقب الفهم جميل العشرة ممتع المجالسة حسن الشعر والخط والكتابة فذ فى الانطباع صناع اليد محكم لعمل الكثير من الآلات العلمية ويجيد تسفير الكتب رحل إلى العدوة ولقى جلة وتوسل إلى ملكها مجدد الرسم ومعتام أولى الشهرة وعامر دست الشعر والكتابة أمير المسلمين أبى عنان فاشتمل عليه ونوه به وملأ بالخير يده فاقتنى جده وحظوة وذكرا وشهرة وانقبض مع استرسال الملك لفضل عقله حتى تشكى إلى سلطانه بث ذلك عند قدومى عليه وآثر الراحة وجهد فى التماس الرحلة الحجازية ونبذ الكل وقصر الخطوة وسلا الحظوة فأسعفه سلطانه بغرضه وجعل حبل همه على غاربه وأصحبه إلى النبى الكريم صلوات الله عليه رسالة من إنشائه وقصيدة من نظمه وكلاهما يعلن فى الخلفاء ببعد شأوه ورسوخ قدم علمه وعراقة البلاغة فى نسب خصله ولما هلك وولى ابنه قدمه قاضيا بمدينة ملكه وضاعف له التنويه فأجرى الخطة على سبيل من السداد والنزاهة ثم لما ولى السلطان أبو سالم عمه أجراه على الرسم المذكور واستجلى المشكلات بصدقه وهو الآن بحاله الموصوفة مفخر من مفاخر ذلك الباب السلطانى على تعدد مفاخره
شعره ثبت فى كتاب نفاضة الجراب من تأليفنا عند ذكر المدعى الكبير بباب ملك المغرب ليلة ميلاد رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكر من أنشد ليلتئذ من الشعراء ما نصه وتلاه الفقيه الكاتب الحاج القاضى جملة السذاجة وكرم الخلق وطيب النفس وخدن العافية وابن الصلاح والعبادة ونشأة القرآن

المتحيز إلى حزب السلامة المنقبض عن الغمار العزوف عن فضول القول والعمل جامع المحاسن الأشتات من عقل رصين وطلب ممتع وأدب نقاوة ويد صناع أبو القاسم ابن أبى زكريا البرجى فأنشدت له على الرسم المذكور هذه القصيدة الفريدة
( أصغى إلى الوجد لما جد عاتبه ... صب له شغل عمن يعاتبه )
( لم يعط للصبر من بعد الفراق يدا ... فضل من ظل إرشادا يخاطبه )
( لولا النوى لم يبت حران مكتئبا ... يغالب الوجد كتما وهو غالبه )
( يستودع الليل أسرار الغرام وما ... تمليه أشجانه فالدمع كاتبه )
( لله عصر بشرقى الحمى سمحت ... بالوصل أوقاته لو عاد ذاهبه )
( يا جيرة أودعوا إذ ودعوا حرقا ... يصلى بها من صميم القلب ذائبه )
( يا هل ترى تجمع الأيام ألفتنا ... كعهدنا أو يرد القلب سالبه )
( ويا أهيل ودادى والنوى قذف ... والقرب قد أبهمت دونى مذاهبه )
( هل ناقض العهد بعد البعد حافظه ... وصادع الشمل يوم الشعب شاعبه )
( ويا ربوع الحمى لا زلت ناعمة ... يبكى عهودك مضنى الجسم شاحبه )
( يا من لقلب مع الأهواء منعطف ... فى كل أوب له شوق يجاذبه )
( يسمو إلى طلب الباقى بهمته ... والنفس بالميل للفانى تطالبه )
( وفتنه المرء بالمألوف معضلة ... والأنس بالإلف نحو الإلف جاذبه )
( أبكى لعهد الصبا والشيب يضحك بى ... يا للرجال سبت جدى ملاعبه )
( ولن ترى كالهوى أشجاه سالفه ... ولا كوعد المنى أحلاه كاذبه )
( وهمه المرء تغليه وترخصه ... من عز نفسا لقد عزت مطالبه )

( ما هان كسب المعالى أو تناولها ... بل هان فى ذاك ما يلقاه طالبه )
( لولا سرى الفلك السامى لما ظهرت ... آثاره ولما لاحت كواكبه )
( فى ذمة الله ركب للعلا ركبوا ... ظهر السرى فأجابتهم نجائبه )
( يرمون عرض الفلا بالسير عن عرض ... طي السجل إذا ما جد كاتبه )
( كأنهم فى فؤاد الليل سر هوى ... لولا الضرام لما خفت جوانبه )
( شدوا على لهب الرمضاء وطأتهم ... فغاص فى لجة الظلماء راسبه )
( وكلفوا الليل من طول السرى شططا ... فخلفوه وقد شابت ذوائبه )
( حتى إذا أبصروا الأعلام مائلة ... بجانب الحرم المحمى جانبه )
( بحيث يأمن من مولاه خائفه ... من ذنبه وينال القصد راغبه )
( فيها وفى طيبة الغراء لى أمل ... يصاحب القلب منه ما يصاحبه )
( إن أنس لا أنس أياما بظلهما ... سقى ثراه عميم الغيث ساكبه )
( شوقى إليها وإن شط المزار بها ... شوق المقيم وقد سارت حبائبه )
( إن ردها الدهر يوما بعدما عبثت ... فى الشمل منا يداه لا نعاتبه )
( معاهد شرفت بالمصطفى فلها ... من فضله شرف تعلو مراتبه )
( محمد المجتبى الهادى الشفيع إلى ... رب العباد أمين الوحى عاقبه )
( أوفى الورى ذمما أسماهم همما ... أعلاهم كرما جلت مناقبه )
( هو المكمل فى خلق وفى خلق ... زكت حلاه كما طابت مناسبه )
( عناية قبل بدء الخلق سابقة ... من أجلها كان آتيه وذاهبه )
( جاءت تبشرنا الرسل الكرام به ... كالصبح تبدو تباشيرا كواكبه )
( أخباره سر علم الأولين وسل ... بدير تيماء ما أبداه راهبه )
( تطابق الكون فى البشرى بمولده ... وطبق الأرض أعلاما تجاوبه )

( فالجن تهتف إعلانا هواتفه ... والجن تقذف إحراقا ثواقبه )
( ولم تزل عصمة التأييد تكنفه ... حتى انجلى الحق وانزاحت شوائبه )
( سرى وجنح ظلام الليل منسدل ... والنجم لا يهتدى فى الأفق ساربه )
( يسمو لكل سماء منه منفرد ... عن الأنام وجبرائيل صاحبه )
( لمنتهى وقف الروح الأمين به ... وامتاز قربا فلا خلق يقاربه )
( لقاب قوسين أو أدنى فما علمت ... نفس بمقدار ما أولاه واهبه )
( أراه أسرار ما قد كان أودعه ... فى الخلق والأمر باديه وغائبه )
( وآب والبدر فى بحر الدجى غرق ... والصبح لما يؤب للشرق آيبه )
( فأشرقت بسناه الأرض واتبعت ... سبل النجاة بما أبدت مذاهبه )
( واقبل الرشد والتاحت زواهره ... وادبر الغى فانجابت غياهبه )
( وجاء بالذكر آيات مفصلة ... يهدى بها من صراط الله لاحبه )
( نور من الحكم لا تخبو سواطعه ... بحر من العلم لا تفنى عجائبه )
( له مقام الرضى المحمود شاهده ... فى موقف الحشر إذ نابت نوائبه )
( والرسل تحت لواء الحمد يقدمها ... محمد أحمد السامى مراتبه )
( له الشفاعات مقبولا وسائلها ... إذا دهى الأمر واشتدت مصاعبه )
( والحوض يروى الصدى من عذب مورده ... لا يشتكى غله الظمآن شاربه )
( محامد المصطفى لا ينتهى أبدا ... تعدادها هل يعد القطر حاسبه )
( فضل تكفل بالدارين يوسعها ... نعمى ورحمى فلا فضل يناسبه )
( حسبى التوسل منها بالذى سمحت ... به القوافى وجلتها غرائبه )
( حياه من صلوات الله صوب حيا ... تحدى إلى قبره الزاكى نجائبه )
( وخلد الله ملك المستعين به ... مؤيد الأمر منصورا كتائبه )
( إمام عدل بتقوى الله مشتمل ... فى الأمر والنهى يرضيه يراقبه )
( مسدد الحكم ميمون نقيبته ... مظفر العزم صدق الرأى صائبه )

( مشمر للتقى اذيال مجتهد ... جرار اذيال سحب الجود ساحبه )
( قد أوسعت أمل الراجى مكارمه ... وأحسبت رغبة العافى رغائبه )
( وفاز بالأمن محبورا مسالمة ... وباء بالخزى مقهورا محاربه )
( كم وافد آمل معهود نائله ... أثنى وأثنت بما أولى حقائبه )
( ومستجير بعز من مثابته ... عزت مراميه وانقادت مآربه )
( وجاءه الدهر يسترضيه معتذرا ... مستغفرا من وقوع الذنب تائبه )
( لولا الخليفة إبراهيم لانبهمت ... طرق المعالى ونال الملك غاصبه )
( سمت لنيل تراث المجد همته ... والملك ميراث مجد وهو غاصبه )
( ينميه للعز والعليا أبو حسن ... سمح الخلائق محمود ضرائبه )
( من آل يعقوب حسب الملك مفتخرا ... بباب عزهم السامى تعاقبه )
( أطواد حلم رسا بالأرض محتده ... وزاحمت منكب الجوزا الجوزا مناكبه )
( تحفها من مرين أبحر زخرت ... أمواجها وغمام ثار صائبه )
( بكل نجم لدى الهيجاء ملتهب ... ينقض وسط سماء النقع ثاقبه )
( أكفهم فى دياجيها مطالعه ... وفى نحور أعاديهم مغاربه )
( يا خير من خلصت لله نيته ... فى الملك أو خطب العلياء خاطبه )
( جردت والفتنة الشعواء ملبسة ... سيفا من العزم لا تنبو مضاربه )
( وخضتها غير هياب ولا وكل ... وقلما أدرك المطلوب هائبه )
( صبرت نفسا لعقبى الصبر حامدة ... والصبر مذ كان محمود عواقبه )
( فليهن دين الهدى إذ كنت ناصرة ... أمن يواليه أو خوف يجانبه )
( لا زال ملكك والتأييد يخدمه ... تقضى بخفض مناويه قواضبه )
( ودمت فى نعم تضفو ملابسها ... فى ظل عز علا تصفو مشاربه )
( ثم الصلاة على خير البرية ما ... سارت إليه بمشتاق ركائبه )

ومن شعره ما قيده لى بخطه صاحب قلم الإنشاء بالحضرة المرينية الفقيه الرئيس الصدر المتفنن أبو زيد ابن خلدون
( صحا القلب عما تعلمين فأقلعا ... وعطل من تلك المعاهد أربعا )
( وأصبح لا يلوى على حد منزل ... ولا يتبع الطرف الخلى المودعا )
( وأضحى من السلوان فى حرز معقل ... بعيد عن الأيام أن يتضعضعا )
( يرد الجفون النجل عن شرفاته ... وإن لحظت عن كل أجيد اتلعا )
( عزيز على داعى الغرام انقيادة ... وكان إذ ناداه للوجد أهطعا )
( أهاب به للشيب أنصح واعظ ... أصاخ له قلبا منيبا ومسمعا )
( وسافر فى أفق التفكر والحجى ... زواهره لا تبرح الدهر طلعا )
( لعمرى لقد أنضيت عزمى تطلبا ... وقضيت عمرى رقبة وتطلعا )
( وخضت عباب البحر أخضر مزبدا ... ودست أديم الأرض أغبر أسفعا )
وقال حسبما قيده المذكور
( نهاه النهى بعد طول التجارب ... ولاح له منهج الرشد لاحب )
( وخاطبه دهره ناصحا ... بألسنة الوعظ من كل جانب )
( فأضحى إلى نصحه واعيا ... وألغى حديث الأمانى الكواذب )
( وأصبح لا تستبيه الغوانى ... ولا تزدريه حظوظ المناصب )
ثم قال فى الإحاطة وإحسانه كثير فى النثر والنظم والقصار والمطولات واستعمل فى السفارة إلى ملك مصر وملك قشتالة وهو الآن قاضى حضرة الملك

نسيج وحده فى السلامة والتخصص واجتناب فضول القول والعمل كان الله له انتهى
وكتب ابن المصنف بهامش ترجمة المذكور من الإحاطة ما صورته سيدى وشيخى علامة المغرب اليوم وحائز رتبه العلية من خطابه وقضاء وعلامة وهو أحق بها لخلاله الحميدة أبقاه الله تعالى قاله محبه على بن الخطيب انتهى
وكتب على القصيدة الميلادية المتقدمة ما نصه رويتها عنه وسمعتها من لفظه وأجازنى إياها بتلمسان انتهى
وكتب على حاشية قصيدته صحا القلب إلى آخره ما صورته سمعتها من لفظ سيدى وشقيق روحى الإمام العلامة الرائس أبى زيد ابن خلدون بالأندلس أمتع الله به تعالى قال ذلك أخوه على بن الخطيب
انتهى 21 - مخاطبات ابن زمرك للسان الدين
وقال فى الإحاطة فى ترجمة ابن زمرك ما صورته وشعره مترام إلى هدف الإجادة خفاجى النزعة كلف بالمعانى البديعة والألفاظ الصقيلة غزير المادة فمن ذلك ما خاطبنى به وهى من أول ما نظمه قصيدة مطلعها
( أما وانصداع النور من مطلع الفجر ... )
يقول فيها بعد أبيات
( لك الله من فذ الجلالة أوحد ... تطاوعه الآمال فى النهى والأمر )
( لك القلم الأعلى الذي طال فخره ... على المرهفات البيض والاسل السمر )
( يقلد أجياد الطروس تمائما ... بصنفى لآل من نظام ومن نثر )

( تهيبك القرطاس فاحمر إذ غدا ... يقل بحورا من أناملك العشر )
( كأن رياض الطرس خد مورد ... يطرزه وشى العذار من الحبر )
( فشارة هذا الملك رائقة الحلى ... بألوية حمر وبالصحف الحمر )
( وما روضة غناء عاهدها الحيا ... تحوك بها وشى الربيع يد القطر )
( تغنى قيان الطير فى جنباتها ... فيرقص غصن البان فى حلل خضر )
( تمد لاكواس العرار أناملا ... من السوسن الغض المختم بالتبر )
( ويحرس خد الورد صارم نهرها ... ويمنع ثغر النور بالذابل النضر )
( يفاخر مرآها السماء محاسنا ... وتزرى نجوم الزهر منها على الزهر )
( إذا مسحت كف الصبا جفن نورها ... تنفس ثغر الزهر عن عنبر الشحر )
( بأعطر من ريا ثنائك فى السرى ... وأبهر حسنا من شمائلك الغر )
( عجبت له يحكى خلال خميلة ... وتفرق منه الأسد فى موقف الذعر )
( إذا أضرمت من بأسها الحرب جاحما ... تأجج منه العضب فى لجة البحر )
( وإن كلح الأبطال فى حومة الوغى ... ترقرق ماء البشر فى صفحة البدر )
( لك الحسب الوضاح والسؤدد الذى ... يضيق نطاق الوصف فيه عن الحصر )
( تشرف أفق أنت بدر كماله ... فغرناطة تختال تيها على مصر )
( تكلل تاج الملك منك محاسنا ... وفاخرت الأملاك منك بنو نصر )
( بعزمه مضمون السعادة أوحد ... وغرة وضاح المكارم والنجر )
( طوى الحيف منشور اللواء مؤيدا ... فعز حمى الإسلام بالطى والنشر )
( ومد ظلال الأمن إذ قصر العدا ... فيتلى سناء الملك بالمد والقصر )
( إذا احتفل الإيوان يوم مشورة ... وتضطرب الآراء من كل ذى حجر )
( صدعت بفصل القول غير منازع ... وأطلعت آراء قبسن من الفجر )
( فإن تظفر الخيل المغيرة بالضحى ... فعن رايك الميمون تظفر بالنصر )
( فلا زلت للعلياء تحمى ذمارها ... وتسحب أذيال الفخار على النسر )

( وللعلم فخر الدين والفتك بالعدا ... بأوت به يا ابن الخطيب على الفخر )
( فيهنيك عيد الفطر من أنت عيده ... ويثنى بما أوليت من نعم غر )
( جبرت مهيضا من جناحى ورشته ... وسهلت لى من جانب الزمن الوعر )
( وبواتنى من ذروة العز معتلى ... وشرفتنى من حيث أدرى ولا أدرى )
( وسوغتنى الآمال عذبا مسلسلا ... وأسميت من ذكرى ورفعت من قدرى )
( فدهرى عيد بالسرور وبالمنى ... وكل ليالى العمر لى ليلة القدر )
( فأصبحت مغبوطا على خير نعمة ... يقل لأدناها الكثير من الشكر ) وهى طويلة انتهى
قلت هذا الرئيس ابن زمرك صرح هنا بانه بجاه لسان الدين ابن الخطيب أدرك من العز ما أدرك ثم انقلب عليه مع الدهر وكفر نعمته وبها أشرك وحرك من دواعى قتله ما حرك وكم من صديق لك ضرك وعقك بعدما برك وساءك إثر ما سرك ولذا رأيت بخط ابن لسان الدين على هامش قوله فى هذه القصيدة ومد ظلال الأمن ألخ ما صورته هذا مدحه لحاه الله وعلى قوله وبوأتنى من ذروه العز إلخ ما مثاله هكذا شهادتك لحقه ثم تحولك عنه وكفر نعمته اغرب أخزاك الله انتهى
وكتب بهامش أول ترجمته من الإحاطة ما نصه أتبعه الله خزيا وعامله بما يستحقه فبهذا ترجمه والذي مولاه الذى رفع من قدره فيه ولم يقتله أحد غيره كفانا الله تعالى شر من أحسنا إليه
وكتب أيضا تحت هذا ما مثاله هذا الوغد ابن زمرك من شياطين الكتاب ابن حداد بالبيازين قتل أباه بيده أوجعه ضربا فمات من ذلك وهو أخس عباد الله تربية وأحقرهم صورة وأخملهم شكلا استعمله أبى فى الكتابة السلطانية فجنينا أيام تحولنا عن الأندلس منه كل شر وهو كان السبب فى قتل أبى مصنف هذا الكتاب الذى رباه وأدبه واستخدمه حسبما هو معروف

وكفانا الله شر من أحسنا إليه وأساء إلينا انتهى
وقد ألممنا بترجمته فى هذا الكتاب فى باب تلامذه لسان الدين فلتراجع هنالك
ومما كتب به ابن زمرك المذكور إلى لسان الدين ابن الخطيب جوابا عن رسالة قوله
( حيث صباحا فأحيت ساكنى القصبه ... واسترجعت أنفسا بالشوق مغتصبه )
( قضى البيان لها أن لا نظير لها ... فأحرزت من معانى خصله قصبه )
( ناجت طليح سرى لا يستفيق لها ... هدت جوارحه واستوهنت عصبه )
( فحركته على فتك الكلال به ... وأذهبت بسرور الملتقى نصبه )
( وأذكرت عهد مهديها على شحط ... فعاود القلب من تذكاره وصبه )
( ما كنت أسمح من دهرى بجوهره ... لو كان يسمح لى بالقلب من غصبه )
( سل أدمع الصب من أعدى السحاب بها ... وقلبه بجمار الشوق من حصبه )
( فالله يحفظ مهديها ويشكره ... فوجهها بعصاب الحسن قد عصبه )
( من كان وارث آداب يشعشعها ... بالفرض إنى فى إرثى لها عصبه )
( هو الملاذ ملاذ الناس قاطبة ... سبحان من لغياث الخلق قد نصبه )
وخاطبه كذلك بقوله
( يكلفنى مولاى رجع جوابه ... وما لتعاطى المعجزات وما ليا )
( أجيبك للفضل الذى أنت أهله ... وأكتب مما قد أفدت الأماليا )
( فأنت الذى طوقتنى كل منه ... وأحسبت آمالى وأكسبت ماليا )
( وأنت الذى أعدى الزمان كماله ... وصيرت أحرار الزمان مواليا )
( فلا زلت للفعل الجميل مواصلا ... ولا زلت للشكر الجزيل مواليا )

وخاطبه كذلك بقوله
( طالعتها دون الصباح صباحا ... لما جلت غرر البيان صباحا )
( ولقد رأيت وما رأيت كحسنها ... وجها أغر ومبسما وضاحا )
( عذراء أرضعها البيان لبانه ... وأطال مغدى عندها ومراحا )
( فأتت كما شاءت وشاء نجيبها ... تذكى الحجى وتنعم الأرواحا )
( لا بل كمثل الروض باكره الحيا ... وسقى به زهر الكمام ففاحا )
( وطوت بساط الشوق منى بعدما ... نشرت على من القبول جناحا )
وخاطبه كذلك بقوله
( ذرونى فإنى بالعلاء خبير ... أسير فإن النيرات تسير )
( وكم بت أطوى الليل فى طلب العلا ... كأنى إلى نجم السماء سفير )
( بعزم إذا ما الليل مد رواقه ... يكر على ظلمائه فينير )
( أخو كلف بالمجد لا يستفزه ... مهاد إذا جن الظلام وثير )
( إذا ما طوى يوما على السر كشحه ... فليس له حتى الممات نشور )
( وإنى وإن كنت الممنع جاره ... لتسبى فؤادى أعين وثغور )
( وما تعترينى فترة فى مدى العلا ... إلى أن أرى لحظا عليه فتور )
( وفى السرب من نجد تعلقت ظبية ... تصول على البابنا وتغير )
( وتمنع ميسور الكلام أخا الهدى ... وتبخل حتى بالخيال يزور )
( أسكان نجد جادها واكف الحيا ... هواكم بقلبى منجد ومغير )
( ويا سكنى بالأجرع الفرد من منى ... وأيسر حظ من رضاك كثير )
( ذكرتك فوق البحر والبعد بيننا ... فمدته من فيض الدموع بحور )

( وأومض خفاق الذؤابه بارق ... فطارت بقلبى أنه وزفير )
( ويهفو فؤادى كلما هبت الصبا ... أما لفؤادى فى هواك نصير )
( ووالله ما أدري أذكرك هزنى ... ام الكأس ما بين الخيام تدور )
( فمن مبلغ عنى النوى ما يسوءها ... وللبين حكم يعتدى ويجور )
( بأنا غدا أو بعده سوف نلتقى ... ونمسى ومنا زائر ومزور )
( إلى كم أرى أكنى ووجدى مصرح ... وأخفى اسم من أهواه وهو شهير )
( أمنجد آمالى ومغلى كاسدى ... ومصدر جاهى والحديث كثير )
( أأنسى ولا أنسى مجالسك التى ... بها تلتقينى نضرة وسرور )
( نزورك فى جنح الظلام وننثنى ... وبين يدينا من حديثك نور )
( على أننى إن غبت عنك فلم تغب ... لطائف لم يحجب لهن سفور )
( نروح ونغدو كل يوم وعندها ... رواح علينا دائم وبكور )
( فظلك فوقى حيثما كنت وارف ... ومورد آمالى لديك نمير )
( وعذرا فإنى إن أطلت فإنما ... قصاراى من بعد البيان قصور ) وكتب إليه خاتمه رسالة كذلك
( وحقك ما استطعمت بعدك غمضة ... من النوم حتى آذن النجم بالغروب )
( وعارضت مسرى الريح قلت لعلها ... تنم بريا منك عاطرة الهبوب )
( إلى أن بدا وجه الصباح كأنه ... محياك إذ يجلو بغرته الخطوب )
( فقلت لقلبى استشعر الأنس وابتهج ... فإن تبعد الأجسام لم تبعد القلوب )
( وسر فى ضمان الله حيث توجهت ... ركابك لا تخش الحوادث ان تنوب )
قلت هذه غاية فى معناها لولا خروجها عن القواعد فى ترتيب قافيتها ومبناها فانظر إلى تحوله عن لسان الدين بعد هذه المدائح ونسبته إليه بعده القبائح والأنسان خوان إلا النادر من الإخوان ولا حول ولا قوة إلا بالله

22 - من ابن سلبطور إلى لسان الدين
قال فى الإحاطة فى ترجمة ابن سلبطور ما نصه ومما خاطبنى به
( تالله ما أورى زناد القلق ... سوى بريق لاح لى بالأبرق )
( أيقنت بالحين فلولا نفحة ... نجديه منكم تلافت رمقى )
( لكنت أقضى بتلظى زفرة ... وحسرة بين الضلوع تلتقى )
( فآه من هول النوى وما جنى ... على القلوب موقف التفرق )
( يا حاكى الغصن انثنى متوجا ... بالبدر تحت لمة من غسق )
( الله فى نفس معنى اقصدت ... من لاعج الشوق بما لم تطق )
( أتى على أكثرها برح الأسى ... دع ما مضى منها وأدرك ما بقى ) ... ( ولو بالمام خيال فى الكرى ... إن ساعد الجفن رقيب الأرق )
( فرب زور من خيال زائر ... أقر عينى وإن لم يصدق )
( شقيت من برح الأسى لو ان من ... أصبح رقى فى يديه معتقى )
( ففى معاناة الليالى عائق ... عن التصابى وفنون العلق )
( وفى ضمان ما يعانى المرء من ... نوائب الدهر مشيب المفرق )
( هذا لعمرى مع أنى لم أبت ... منها بشكوى روعة أو فرق )
( فقد أخذت من خطوب غدرها ... بابن الخطيب الأمن مما اتقى )
( فخر الوزارة الذى ما مثله ... بدر علا فى مغرب أو مشرق )
( ومذ أرانيه زمانى لم ابل ... من صرفه بمرعد أو مبرق )
( لا سيما منذ حططت فى حمى ... مقامه الأمنع رحل اينقى )
( أيقنت أنى فى رجائى لم أخب ... وأن مسعى بغيتى لم يخفق )
( ندب له فى كل حسن آية ... تناسبت فى الخلق أو فى الخلق )

( فى وجهه مسحة بشر إن بدت ... تبهرجت أنوار شمس الأفق )
( تعتبر الأبصار فى اللألاء ما ... عليه من نور السماح المشرق )
( كالدهر فى استينائه وبطشه ... كالسيف فى حد الظبى والرونق )
( إن بخل الغيث استهلت يده ... بوابل من غيث جود غدق )
( وإن وشت صفحة طرس انجلى ... ليل دجاها عن سنا مؤتلق )
( بمثلها من حبرات أخجلت ... حواشى الروض خدود المهرق )
( ما راق فى الآذان أشناف سوى ... ملتقطات لفظه المفترق )
( تود أجياد الغوانى أن يرى ... حليها من در ذاك المنطق )
( فسل به هل آده الأمر الذى ... حمل فى شرخ الشباب المونق )
( إذا رأى الرأى فلا يخطئه ... يمن اختيار للطريق الأوفق )
( إيه أبا عبد الإله هاكها ... عذراء تحثو فى وجوه السبق )
( خذها إليك بكر فكر يزدرى ... لديك بالأعشى لدى المحلق )
( لا زلت مرهوب الجناب مرتجى ... موصول عز فى سعود ترتقى )
( مبلغ الآمال فيما تبتغى ... مؤمن الأغراض مما تتقى )
ترجمة ابن سلبطور
وابن سلبطور هو محمد بن محمد بن أحمد بن سلبطور الهاشمى
قال فى الإحاطة من أهل المرية يكنى أبا عبد الله من وجوه بلده وأعيانه نشأ نبيه البيت ساحبا بنفسه وبماله ذيل الحظوة متحليا بخصل من خط وأدب وزيرا متجندا ظريفا دربا على ركوب البحر وقيادة الأساطيل ثم انحط فى هواه انحطاطا أضاع مروءته واستهلك عقاره وهد بيته وألجأه أخيرا إلى اللحاق بالعدوة فهلك بها
وجرى ذكره فى الإكليل بما نصه مجموع شعر وخط وذكاء عن

درجة الظرفاء غير منحط إلى مجادة أثيلة البيت شهيرة الحى والميت نشأ فى حجر الترف والنعمة محفوفا بالمالية الجمة فلما عقل عن ذاته وترعرع بين لداته أجرى خيول لذاته فلم يدع منها ربعا إلا أقفره ولا عقارا إلا عقره حتى حط بساحلها واستولى بسفر الإنفاق على جميع مراحلها إلا انه خلص بنفس طيبة وسراوة سماؤها صيبة وتمتع ما شاء من زير وبم وتأنس لم يعط القياد لهم وفى عفو الله سعة وليس مع التوكل عليه ضعة
شعره
من شعره قوله يمدح السلطان وأنشدها إياه بالمضارب من وادى الغيران عند قدومه المرية
( أثغرك أم سمط من الدر ينظم ... وريقك أم مسك به الراح تختم )
( ووجهك أم باد من الصبح نير ... وفرعك أم داج من الليل مظلم )
( أعلل منك الوجد والليل متلفى ... وهل ينفع التعليل والخطب مؤلم )
( وأقنع من طيف الخيال بزورة ... لو أن جفونى بالمنام تنعم )
ثم سرد لسان الدين القصيدة وهى طويلة
ثم قال ومن شعره مذيلا على البيت الأخير حسبما نسب إليه ببلده
( نامت جفونك يا سؤلى ولم أنم ... ما ذاك إلا لفرط الوجد والسقم )
( أشكو إلى الله ما بى من محبتكم ... فهو العليم بما ألقى من الألم )
( إن كان سفك دمى أقصى مرادكم ... فما غلت نظرة منكم بسفك دمى )
ومما ينسب إليه كذلك
( قف بى وناد بين تلك الطلول ... أين الألى كانوا عليها نزول )
( أين ليالينا بهم والمنى ... نجنيه غضا بالرضى والقبول )

( لا حملوا بعض الذى حملوا ... يوم تولت بالقباب الحمول )
( إن غبتم يا أهل نجد ففى ... قلبى أنتم وضلوعى حلول )
ثم قال ناب فى القيادة البحرية عن خاله القائد أبى على الرنداحى وولى أسطول المنكب برهة وتوفى بمراكش عام خمسة وخمسين وسبعمائة رحمه الله تعالى انتهى
23 - من ابن راجح إلى لسان الدين
وقال لسان الدين كتب إلى أبو عبد الله ابن راجح التونسى بما يظهر من أبياته وهى
( أما والذى لى فى حلاك من الحمد ... ومالك ملاكى لدى من الرفد )
( لقد أشعرتنى النفس أنك معرض ... عن المسرف الآتى لفضلك يستجدي )
( فإن زلة منى بدت لك جهرة ... فصفحا فما والله أذنبت عن قصد ) 24 - جواب لسان الدين
فراجعته بقولى
( أجلك عن عتب يغض من الود ... وأكرم وجه العذر منك عن الرد )
( ولكننى أهدى إليك نصيحتى ... وإن كنت قد أهديتها ثم لم تجد )
( إذا مقول الإنسان جاوز حده ... تحولت الأغراض منه إلى الضد )
( فأصبح منه الجد هزلا مذمما ... وأصبح منه الهزل فى معرض الجد )
( فما اسطعت قبضا للعنان فإنه ... احق السجايا بالعلاء وبالمجد )

ترجمة ابن راجح
وقال فى الإحاطة فى حق ابن راجح المذكور ما محصله محمد بن على ابن الحسن بن راجح الشريف الحسنى باعترافه ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) الزمر والاسراء والأنعام تونسى أبو عبد الله يعرف بابن راجح صاحب رواء وأبهة نظيف البزة فاره المركب مطفف مكيال الإطراء جموح فى إيجاب الحقوق مترام إلى أقصى آماد التوغل سخى اللسان بالثناء ثرثاره مرسل لعنانه فى كل المحافل متواضع متودد فكه مطبوع حسن الخلق عذب الفكاهة مخصوص حيث حل من الملوك والأمراء بالأثرة وممن دونهم بالمداخلة والصحبة ينظم الشعر ويحاضر بالأبيات ويقوم على تاريخ بلده ويثابر على لقاء أهل المعرفة والأخذ عن أولى الرواية قدم الأندلس عام خمسين وسبعمائة مفلتا من الوقيعة بالسلطان أبى الحسن فمهد له سلطانها كنف بره وآواه إلى سعة رعيه وتأكدت بينى وبينه صحبة
25 - من لسان الدين إلى ابن راجح
كتبت إليه أول قدومه بما نصه أحذو حذو أبيات ذكر أن شيخنا أبا محمد الحضرمى خاطبه بها
( أمن جانب الغربى نفحة بارح ... سرت منه أرواح الجوى فى الجوارح )
( قدحت بها زند الغرام وإنما ... تجافيت فى دين السلو لقادح )
( وما هى إلا نسمة حاجرية ... رمى الشوق منها كل قلب بقادح )
( رجحنا لها من غير شك كأنها ... شمائل أخلاق الشريف ابن راجح )

( فتى هاشم سبقا إلى كل غاية ... وصبرا مغار الفتل فى كل فادح )
( أصيل العلا جم السيادة ذكره ... طراز نضار فى برود المدائح )
( وفرقان مجد يصدع الشك نوره ... حبا الله منه كل صدر بشارح )
( وفارس ميدان البيان إذا انتضى ... صحائفه أنست مضاء الصفائح )
( رقيق كما راقتك نغمة ساجع ... وجزل كما راعتك صولة جارح )
( إذا ما احتبى مستحضرا فى بلاغة ... وخوض خضم القول منه بسابح )
( وقد شرعت فى مجمع الحفل نحوه ... أسنة حرب للعيون اللوامح )
( فما ضعضعت منه لصولة صادع ... ولا ذهبت منه بحكمة ناصح )
( تذكرت قسا قائما فى عكاظة ... وقد غص بالشم الأنوف الجحاجح )
( ليهنك شمس الدين ما حزت من علا ... خواتمه موصولة بالفواتح )
( رعى الله ركبا أطلع الصبح مسفرا ... لمرآك من فوق الربى والبطائح )
( ولله ما أهدته كوماء أوضعت ... برحلك فى قفر عن الأنس نازح )
( أقول لقومى عندما حط كورها ... وساعدها السعدان وسط الأباطح )
( ذروها وأرض الله لا تعرضوا لها ... بمعرض سوء فهى ناقة صالح )
( إذا ما أردنا القول فيه فمن لنا ... بطوع القوافى وانبعاث القرائح )
( بقيت منى نفس وتحفة قادم ... ومورد ظمآن وكعبة مادح )
( ولا زلت تلقى البر والرحب حيثما ... أرحت السرى من كل غاد ورائح )
26 - جواب ابن راجح
فأجبنى بما نصه
( أمن مطلع الأنوار لمحة لامح ... تعاد لموفؤود عن الحى نازح )
( وهل بالمنى من مورد الوصل يرتوى ... غليل عليل للتواصل جانح )

( فيا فيض عين الدمع ما لك والحمى ... ورند الحمى والشيح شيح الأشايح )
( مرابع آرامى ومورد ناقتى ... فسقيا لها سقيا لناقة صالح )
( سقى الله ذاك الحى ودقا فإنه ... حمى لمحات العين عن لمح لامح )
( وأبدى لنا حور الخيام تزف فى ... حلى الحسن والحسنى وحلى الملامح )
( ترى حى تلك الحور للحور مهيع ... يدل وهل حسم لداء التبارح )
( ويا يا دوحة الريحان هل لى عودة ... لعفر عفار الأنس بين الأباطح )
( وهل أنت إلا حلة حاتمية ... تغص نواديها بغاد ورائح )
( أقام بها الفخر الخطيب منابرا ... لترتيل ايات الندى والمنائح )
( وشفع بالإنجيل حمد مديحه ... وأوتر بالتوراة شفع المدائح )
( وفرق بالفرقان كل فريقة ... نأت عن رشاد فيه محض النصائح )
( وهل هو إلا للبرية مرشد ... لكل هدى هاد لأرجح راجح )
( فبشرى لسان الدين ساد بك الورى ... وأورى الهدى للرشد أوضح واضح )
( متى قلت لم تترك مقالا لقائل ... وإن لم تقل لم يغن مدح لمادح )
( فمن حام بالحى الذى أنت ربه ... وعام ببحر من عطاياك طافح )
( يحق له أن يشفع الحمد بالثنا ... ويغدو بذاك البحر اسبح سابح )
( ويا فوز ملك دمت صدر صدوره ... وبشرى له قد راح أربح رابح )
( بآرائك اللاتى تدل على الهدى ... وتبدى لمن خصصت سبل المناجح )
( ملكت خصال السبق فى كل غاية ... وملكت ما ملكت يا ابن الجحاجح )
( مطامح آمال لأشرف همة ... أقل مراميها أجل المطامح )
( فدونكها يا مهدى المدح مدحة ... أجبت بها عن مدح أشرف مادح )

( تهنيك بالعام الذى عم مدحه ... مواهب هاتيك البحار الطوافح )
( فخذها سمى الفخر يا خير مسبل ... على الخلق إغضاء ستور التسامح )
( ودم خاطب العليا بها خير خاطب ... وأتوق تواق وأطمح طامح )
بقية ترجمة ابن راجح
ثم قال لسان الدين توفى يوم الخميس ثالث شعبان سنة خمس وستين وسبعمائة وقد ناهز السبعين ودفناه بروضتنا إلبيرة وأعفى شارب الشعر من ثانى مقصه عفا الله تعالى عنا وعنه انتهى
قلت رأيت بخط البدر البشتكى فى اختصاره لإحاطة لسان الدين وسماه ب مركز الإحاطة فى هذا المحل ما نصه قال كاتبه لو وفق الله تعالى هذا الرجل لم يجب عن مثل تلك الحائية بهذا الهذاء ولعل ما فى كتاب أبى البركات الذى اسمه شعر من لا شعر له أنزل من هذه الطبقة انتهى
وقد أشار لسان الدين لهذا بقوله السابق وأعفى شارب الشعر من ثانى مقصه فلله دره من لوذعى زان خاتم البراعة بفصة فلكم له من عبارة وجيزة يقضى بها ما لم يستطيع غيره أن يعبر عنه بإطنابه فعلى كل من يروم التعبير عما فى الضمير أن يتمسك بأطنابه
وقال ابن خاتمة حدثنى الشريف الأديب أبو عبد الله ابن راجح التونسى مقدمة علينا بالمرية قال سجن القاضى أبو عبد الله ابن عبد السلام شابا وسيما لحق تعين عليه فأنشدته مداعبا
( أقاضى المسلمين حكمت حكما ... غدا وجه الزمان له عبوسا )

( سجنت على الدراهم ذا جمال ... ولم تسجنه إذ غصب النفوسا )
فأجابنى بأن قال إنما شكاه لى أرباب الدراهم دون أرباب النفوس انتهى
رجع إلى ما خوطب به لسان الدين رحمه الله تعالى
27 - من العشاب إلى لسان الدين
ومما خاطبه به أبو عبد الله العشاب التونسى فى بعض الأعياد قوله
( بيمن أبى عبد الإله محمد ... تيمن هذا القطر وانسجم القطر )
( أفاض علينا من جزيل عطائه ... بحورا تديم المد ليس له جزر )
( وآنسنا لما عدمنا مغانيا ... إذا ذكرت فى القلب ليس لها ذعر )
( هنيئا بعيد الفطر يا خير ماجد ... كريم به تسمو السيادة والفخر )
( ودمت مدى الأيام فى ظل نعمة ... تطيع لك الدنيا ويعنو لك الدهر ) 28 - من محمد بن محمد بن عبد الملك المراكشى إلى لسان الدين
وقال لسان الرحمن الدين فى ترجمة ابن عبد الملك المراكشى ما صورته وخاطبنى بقوله
( وليت ولاية أحسنت فيها ... ليعلم أنها شرفت بقدرك )
( وكم وال أساء فقيل فيه ... دنى القدر ليس لها بمدرك )
وقال أيضا يخاطبنى فى المعنى

( وليت فقيل أحسن خير وال ... ففاق مدى مداركها بفضله )
( وكم وال أساء فقيل فيه ... دنا فمحا محاسنها بفعله )
ترجمة ولد ابن عبد الملك
وفى الإحاطة ما محصله أن المذكور محمد بن محمد بن عبد الملك بن سعيد الأنصاري الأوسي كان شديد الانقباض محجوب المحاسن تنبو العين عنه جهامة ووحشة ظاهر وغرابة شكل وفى طى ذلك أدب غض ونفس حرة وحديث ممتع وأبوة كريمة أحد الصابرين على الجهد المستمسكين بأسباب الحشمة الراضين بالخصاصة وأبوه قاضى القضاة نسيج وحده الإمام العالم التاريخى المتبحر فى الآداب تقلبت به أيدى الليالي بعد وفاته لتبعة سلطت على نشبه فاستقر بمالقة مقدورا عليه لا يهتدي لمكان فضله إلا من عثر عليه ومن شعره قوله
( من لم يصن فى أمل وجهه ... عنك فصن وجهك عن رده )
( واعرف له الفضل وعرف له ... حيث أحل النفس من قصده )
ثم قال توفى فى ذى القعدة عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة انتهى
29 - من المكودي إلى لسان الدين
ومما مدح به لسان الدين قول أبى عبد الله محمد المكودي الفاسي رحمه الله تعالى
( رحماك بى فلقد خلدت فى خلدي ... هوى أكابد منه حرقة الكبد )
( حللت عقد سلوى عن فؤادى إذ ... حللت منه محل الروح من جسدى )
( مرآك بدرى وذكراك التذاذ فمى ... ودين حبك إضمارى ومعتقدى )

( ومن جمالك نور لاح فى بصرى ... ومن ودادك روح حل فى خلدي )
( لا تحسبن فؤادى عنك مصطبرا ... فقبل حبك كان الصبر طوع يدي )
( وهاك جسمى قد أودى النحول به ... فلو طلبت وجودا منه لم تجد )
( بما بطرفك من غنج ومن حور ... وما بثغرك من در ومن برد )
( كن بين طرفى وقلبى منصفا فلقد ... حابيت بعضهما فاعدل ولا تحد )
( فقال لى قد جعلت القلب لى وطنا ... وقد قضيت على الأجفان بالسهد )
( وكيف تطلب عدلا والهوى حكم ... وحكمه قط لم يعدل على أحد )
( من لى بأغيد لا يرثى لذى شجن ... وليس يعرف ما يلقاه ذو كمد )
( ما كنت من قبل إذعانى لسطوته ... إخال أن الرشا يسطو على الأسد )
( إن جاد بالوعد لم تصدق مواعده ... فإن قنعت بزور الوعد لم يعد )
( شكوته علتى منه فقال ألا ... سر للطبيب فما برء الضنى بيدى )
( فقلت إن شئت برئى أو شفا ألمى ... فبارتشاف لماك الكوثرى جد )
( وإن بخلت فلى مولى يجود على ... ضعفى ويبرىء ما أضنيت من جسدى )
وخرج بعد هذا إلى مدح لسان الدين فأطال وأطاب وكيف لا وقد ملأ من إحسانه الوطاب رحم الله تعالى الجميع
30 - من اليتيم إلى لسان الدين
وقال لسان الدين كتبت إلى أبى عبد الله اليتيم أسأل منه ما أثبت فى كتاب التاج من شعره فكتب إلى بهذه الأبيات
( أما الغرام فلم أخلل بمذهبه ... فلم حرمت فؤادى نيل مطلبه )

( يا معرضا عن فؤاد لم يزل كلفا ... بحبه ذا حذار من تجنبه )
( قطعت عنه الذى عودته فغدا ... وحظه من رضاه برق خلبه )
( أيام وصلك مبذول وبرك بى ... مجدد قد صفا لى عذب مشربه )
( وسمع ودك عن إفك العواذل فى ... شغل وبدر الدجى ناس لمغربه )
( لا أنت تمنعنى نيل الرضى كرما ... ولا فؤادى بوان فى تطلبه )
( لله عرفك ما أذكى تنسمه ... لو كنت تمنحنى استنشاق طيبه )
( أنت الحبيب الذى لم أتخذ بدلا ... منه وحاشا لقلبى من تقلبه )
( يا ابن الخطيب الذى قد فقت كل سنا ... أزال عن ناظرى إظلام غيهبه )
( محمد الحسن فى خلق وفى خلق ... أكملت باسمك معنى الحسن فازه به )
( حضرت أو غبت ما لي عن هواك غنى ... لا ينقص البدر حسنا فى تغيبه )
( سيان حال التدانى والبعاد وهل ... لمبصر البدر نيل فى ترقبه )
( يا من أحسن ظنى فى رضاه وما ... ينفك يهدى قبيحا من تغضبه )
( إن كان ذنبى الهوى فالقلب منى لا ... يصغى لسمع ملام من مؤنبه )
31 - من لسان الدين
إلى اليتيم
فأجبته بهذه الرسالة وهى ظريفة فى معناها يا سيدى الذى إذا رفعت راية ثنائه تلقيتها باليدين وإذا قسمت سهام وداده على ذوى اعتقاده كنت صاحب الفريضة والدين دام بقاؤك لطرفة تبديها وغريبة تردفها بأخرى تليها وعقيلة بيان تجليها ونفس أخذ الحزن بكظمها وكلف الدهر بشت نظمها تؤنسها وتسليها لم أزل أشد على بدائعك يد الضنين وأقتنى

درر كلامك ونفثات أقلامك اقتناء الدر الثمين والأيام بلقائك تعد ولا تسعد وفى هذه الأيام انثالت على سماؤك بعد قحط وتواترت لدى آلاؤك على شحط وزارتنى من عقائل بيانك كل فاتنة الطرف عاطرة العرف رافلة فى حلل البيان والظرف لو ضربت بيوتها بالحجاز لأقرت لها العرب العاربة بالإعجاز ما شئت من رصف المبنى ومطاوعة اللفظ لغرض المعنى وطيب الأسلوب والتشبث بالقلوب غير أن سيدى أفرط فى التنزل وخلط المخاطبة بالتغزل وراجع الالتفات ورام استدراك ما فات ويرحم الله تعالى شاعر المعرة فلقد أجاد فى قوله وأنكر مناجاة الشوق بعد انصرام حوله
( أبعد حول تناجى الشوق ناجية ... هلا ونحن على عشر من العشر )
ولقد تجاوزت فى الأمد وأنسيت أخبار صاحبك عبد الصمد فأقسم بألفات القدود وهمزات الجفون السود وحامل الأرواح مع الألواح بالغدو والرواح لولا بعد مزارك ما أمنت غائلة ما تحت إزارك ثم إنى حققت الغرض وبحثت عن المشكل الذى عرض فقلت للخواطر انتقال ولكل مقام مقال وتختلف الحوائج باختلاف الأوقات ثم رفع اللبس خبر الثقات
ومنها وتعرفت ما كان من مراجعة سيدى لحرفة التكتيب والتعليم والحنين إلى العهد القديم فسررت باستقامة حاله وفضل ماله وإن لاحظ

اللاحظ ما قال الجاحظ فاعتراض لا يرد وقياس لا يطرد حبذا والله عيش التأديب فلا بالضنك ولا بالجديب معاهدة الإحسان ومشاهدة الصور الحسان
يمينا إن المعلمين لسادة المسلمين وإنى لأنظر منهم كلما خطرت على المكاتب أمراء فوق المراتب من كل مسيطر الدرة متقطب الأسرة متنمر للوارد تنمر الهرة يغدو إلى مكتبه كالأمير فى موكبه حتى إذا استقل فى فرشه واستوى على عرشه وترنم بتلاوة قالونه وورشه أظهر للخلق احتقارا وأزرى بالجبال وقارا ورفعت إليه الخصوم ووقف بين يديه الظالم والمظلوم فتقول كسرى فى إيوانه والرشيد فى أوانه أو الحجاج بين أعوانه فإذا استولى على البدر السرار وتبين للشهر الغرار تحرك إلى الخرج تحرك العود إلى الفرج أستغفر الله مما يشق على سيدى سماعه وتشمئز من ذكره طباعة شيم اللسان خلط الإساءة بالإحسان والغفلة من صفات الإنسان فأي عيش كهذا العيش وكيف حال أمير هذا الجيش طاعة معروفة ووجوه إليه مصروفه فإن أشار بالإنصات لتحقق القصات فكانما طمس على الأفواه ولأم بين الشفاه وإن أمر بالإفصاح وتلاوة الألواح علا الضجيج والعجيج وحف به كما حف بالبيت الحجيج وكم بين ذلك من رشوة تدس وغمزة لا تحس ووعد يستنجز وحاجة تستعجل وتحفز هنأ الله سيدى ما خوله وأنساه بطيب أخراه أوله وقد بعثت بدعابتى هذه مع إجلال قدره والثقة بسعة صدره فليتلقها بيمينه ويفسح لها فى المرتبة بينه وبين خدينه ويفرغ لمراجعتها وقتا من أوقاته عملا بمقتضى دينه وفضل يقينه والسلام

حذف

ترجمة أبى عبد الله اليتيم
ثم قال ومن المداعبة التى وقعت إليها الإشارة ما كتب به إليه صديقه أبو على ابن عبد السلام
( أبا عبد الإله نداء خل ... وفى جاء يمنحك النصيحة )
( إلى كم تألف الشبان غيا ... وخذلانا أما تخشى الفضيحة )
فأجابه بقوله
( فديتك صاحب السمة المليحة ... ومن طابت أرومته الصريحه )
( ومن قلبى وضعت له محلا ... فما عنه يحل بأن أزيحه )
( نأيت فدمع عينى فى انسكاب ... وأكبادى لفرقتكم قريحه )
( وطرفى لا يتاح له رقاد ... وهل نوم لأجفان جريحه )
( وزاد تشوقى أبيات شعر ... أتت منكم بألفاظ فصيحه )
( ولم تقصد بها جدا ولكن ... قصدت بها مداعبة وقيحه )
( فقلت أتألف الشبان غيا ... وخذلانا أما تخشى الفضيحه )
( ففيهم حرفتى وقوام عيشى ... وأحوالى بخلطتهم نجيحه )
( وأمرى فيهم أمر مطاع ... وأوجههم مصابيح صبيحه )
( وتعلم أننى رجل حصور ... وتعرف ذاك معرفة صحيحه )
ثم قال لسان الدين بعد إيراده ما مر ما صورته ولما اشتهر المشيب بعارضه ولمته وخفر الدهر بعهود صباه وأذمته أقلع واسترجع وتألم لما فرط وتوجع وهو الآن من جلة الخطباء طاهر العرض والثوب خالص

من الشوب باد عليه قبول قابل التوب وتوفى فى أخريات صفر سنة خمسين وسبعمائة فى الطاعون رحمه الله تعالى وغفر له انتهى
واليتيم المذكور هو أبو عبد الله محمد بن على العبدري المالقى وفى حقه يقول لسان الدين فى التاج ما مثاله هو مجموع أدوات حسان من خط ونغمة لسان أخلاقه روض تتضوع نسماته وبشره صبح تتألق قسماته ولا تخفى سماته يقرطس أغراض الدعابة ويصميها ويفوق سهام الفكاهة إلى مراميها فكلما صدرت فى عصره قصيدة هازلة أو ابيات منحطة عن الإجادة نازلة خمس أبياتها وذيلها وصرف معانيها وسيلها وتركها سمر الندمان وأضحوكة الأزمان وهو الآن خطيب المسجد الأعلى بمالقة متحل بوقار وسكينة حال من أهلها بمكانة مكينة لسهولة جانبه واتضاح مقاصده فى الخير ومذاهبه واشتغل لأول أمره بالتكتيب وبلغ الغاية فى التعليم والترتيب والشباب لم ينصل خضابه ولا سلت للمشيب عضابه ونفسه بالمحاسن كلفه صبه وشأنه كله هوى ومحبة ولذلك ما خاطبه بعض أودائه وكلاهما رمى أخاه بدائه حسبما يأتى خلال هذا المقول وفى أثنائه انتهى
وذكر نحو ما تقدم ذكره سامح الله الجميع بفضله
32 - مخاطبة الكرسوطى للسان الدين
وقال لسان الدين فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن الكرسوطى الفاسى نزيل مالقة ما صورته وأنشدنى وأنا بمالقه أحاول لوث العمامة وأستعين بالغير على الإحكام لها

( أمعمما قمرا تكامل حسنة ... أربى على الشمس المنيرة فى البها )
( لا تلتمس ممن لديك زيادة ... فالبدر لا يمتار من نور السها )
ترجمة أبى عبد الله الكرسوطى
قال لسان الدين وهو فقيه محدث متكلم ألف كتبا منها الغرر فى تكميل الطرر طرر أبى إبراهيم الأعرج ثم كتاب الدرر فى اختصار الطرر المذكور وتقييدان على الرسالة كبير وصغير ولخص التهذيب لابن بشير وحذف أسانيد المصنفات الثلاثة والتزم إسقاط التكرار واستدرك الصحاح الواقعة فى الترمذى على البخارى ومسلم وقيد على مختصر الطليطلى وشرع فى تقييد على قواعد الإمام أبى الفضل عياض بن موسى برسم ولدى ويصدر منه الشعر مصدرا لا تكنفه منه العناية وكانت له اليد الطولى فى عبارة الرؤيا ومولده بفاس عام تسعين وستمائة انتهى ملخصا
33 - مخاطبة ابن الزبير للسان الدين
وقال فى الترجمة أبى عمرو ابن الزبير ما صورته ومما خاطبنى به عند إيابى من العدوة فى غرض الرسالة قوله
( نوالى الشكر للرحمن فرضا ... على نعم كست طولا وعرضا )
( وكم لله من لطف خفى ... لنا منه الذى قد شا وأمضى )
( بمقدمك السعيد أتت سعود ... ننال بها نعيم الدهر محضا )
( فيا بشرى لأندلس بما قد ... به والاك بارينا وأرضى )
( ويا لله من سفر سعيد ... قد أقرضك المهيمن فيه قرضا )
( ورحت بنية أخلصت فيها ... فأبت بكل ما يبغى ويرضى )
( وثبت لنصره الإسلام لما ... علمت بأن الأمر إليك أفضى )

( لقد أحييت بالتقوى رسوما ... كما أرضيت بالتمهيد أرضا )
( وقمت بسنة المختار فينا ... تمهد سنة وتقيم فرضا )
( ورضت من العلوم الصعب حتى ... جنيت ثمارها رطبا وغضا )
( فرأيك راجح فيما تراه ... وعزمك من مواضى الهند أمضى )
( تدبر أمر مولانا فيلقى ... المسىء لديك إشفاقا وإغضا )
( فأعقبنا شفاء وانبساطا ... وقد كانت قلوب الناس مرضى )
( ومن أضحى على ظمإ وأمسى ... يرد إن شاء من نعماك حوضا )
( أبا عبد الإله إليك أشكو ... زمانى حين زاد الفقر عضا )
( ومن نعماك أستجدى لباسا ... تفيض به على الجاه فيضا )
( بقيت مؤملا ترجى وتخشى ... ومثلك من إذا ما جاد أرضى )
ترجمة أبى عمرو ابن الزبير
وأبو عمرو المذكور هو محمد بن أحمد بن إبراهيم بن الزبير أبوه الأستاذ أبو جعفر ابن الزبير أستاذ الزمان شيخ أبى حيان وغيره وقال فى الإحاطة فى حقه إنه فكه حسن الحديث ركض طرف الشبيبة فى ميدان الراحة منكبا عن سنن أبيه وقومه مع شفوف إدراك وجوده حفظ كانا يطمعان والده فى نجابته فلم يعدم قادحا شرق فنال حظوة وجرت عليه خطوب ثم عاد إلى الأندلس فتطور بها وهو الآن قد نال منه الكبر يزجى لوقته بمالقة متعللا برمق من بعض الخدم المخزنية استجاز له والده الطم والرم من أهل المغرب والمشرق وبضاعته فى الشعر مزجاة ثم قال مات تاسع المحرم عام خمسة وستين وسبعمائة انتهى

ترجمة أبى يحيى الأكحل
وقال فى ترجمة أبى يحيى محمد بن أحمد بن محمد بن الأكحل ما صورته شيخ هيدورى الذقن خدوع الظاهر خلوب اللفظ شديد الهوى إلى الصوفية والكلف بإطراء أهل الخير من بيت صون وحشمة متقدم فى معرفة الأمور العلمية خائض فى غمار التصوف وانتحال كيمياء السعادة راكب متن دعوى عريضة فى مقام التوحيد تكذبها أحواله الراهنة لمعاصاة خلقه على الرياضة واستيلاء الشره وغلبة سلطان الشهوة والمشاحة أيام الولاية والسباب الشاهد بالشدة والحلف المتصل بياض اليوم فى ثمن الخردلة باليمين التى فيها فساد الأنكحة والغضب الذى يقلب العين
34 - مخاطبة الأكحل للسان الدين
خاطبنى بين يدى نكبته ولم أكن أظن الشعر مما تلوكه جحفلته ولكنه من أهل الكفاية
( رجوتك بعد الله يا خير منجد ... وأكرم مأمول وأعظم مرفد )
( وأفضل من أملت للحادث الذى ... فقدت به صبرى وما ملكت يدي )
( وحاشا وكلا أن يخيب مؤملى ... وقد علقت بابن الخطيب محمد )
( وما أنا إلا عبد نعمته التى ... عهدت بها يمنى وإنجاح مقصدي )
( وأشرف من حض الملوك على التقى ... وأبدى لهم رشدا نصيحة مرشد )

( وساس الرعايا الآن خير سياسة ... مباركة فى كل غيب ومشهد )
( وأعرض عن دنياه زهدا وإنها ... لمظهرة طوعا له عن تودد )
( وما هو إلا الليث الغيث إن أتى ... له خائف أو جاء مغناه مجتدي )
( وبحر علوم دره كلماته ... إذا رددت فى الحفل أي تردد )
( صقيل مرائى الفكر رب لطائف ... محاسنها تجلى بحسن تعبد )
( بديع عروج النفس للملإ الذى ... تجلت له الأسرار فى كل مصعد )
( شفيق رفيق دائم الحلم راحم ... ورأى جميل للجميل معود )
( صفوح عن الجاني على حين قدرة ... مواصل تقوى الله فى اليوم والغد )
( أيا سيدى يا عمدتى عند شدتى ... ويا مشربى مهما ظمئت وموردى )
( حنانيك والطف بى وكن لى راحما ... ورفقا على شيخ ضعيف منكد )
( رجاك رجاء للذى أنت أهله ... ووافاك يهدى للثناء المجدد )
( وأمك مضطرا لرحماك شاكيا ... بحال كحر الشمس حر توقد )
( وعندى افتقار لا يزال مواصلا ... لاكرم مولى حاز أجرا وسيد )
( ترفق بأولاد صغار بكاؤهم ... يزيد لوقع الحادث المتزيد )
( وليس لهم إلا إليك تطلع ... إذا مسهم ضر أليم التعهد )
( أنلهم أيا مولاى نظرة مشفق ... وجد بالرضى وانظر لشمل مبدد )
( وعامل أخا الكرب الشديد برحمة ... وأسعف بغفران الذنوب وأسعد )
( ولا تنظرن إلا لفضلك لا إلى ... جريمة شيخ عن محلك مبعد )
( وإن كنت قد أذنبت إنى تائب ... فعود لى الفعل الجميل وجدد )
( بقيت بخير لا يزال وعزة ... وعيش هنىء كيف شئت وأسعد )
( وسخرك الرحمن للعبد إنه ... لمثن وداع للمحل المجد )
ثم قال وهو الآن من مسطرى الأعمال على تهور واقتحام كبره من

خط لا غاية وراءه فى الركاكة كما قال المعرى
( تمشت فوقه حمر المنايا ... ولكن بعدما مسخت نمالا ) 35 - مخاطبة ابن عياش للسان الدين
وقال فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن على بن عياش بن مشرف الأمى إنه من أهل الأصالة والحسب ظهرت منه على حداثة السن أبيات ونسب إليه شعر توسل به وتصرف فى الإشراف فحمدت سيرته وكتب إلى بقوله
( سفرت شموس اليمن والإقبال ... وبدت بدور السعد ذات كمال )
( لقدوم سيدنا الوزير محمد ... أعزز به من سيد مفضال )
( قمر تجلى بين زهر تجتلى ... يهدى لفعل الخير لا الإضلال )
( سر آمنا لا تكترث فلأنت فى ... حفظ الإله الواحد المتعالى )
( برا وبحرا لا تخاف ملمة ... وعدو ذاتك خلف ظهرك صالى )
( لا يستقر له قرار بعدكم ... مما يحل به من الاوجال )
( والآن ترجع سالما ومبشرا ... ببلوغ كل مسرة ومنال )
وهى طويلة نمطها متخلف عن الإجادة وهى من مثله مما يستظرف انتهى
36 - مخاطبة أبى عبد الله الوادى آشى للسان الدين
وقال فى ترجمة إبى عبد الله محمد بن محمد العراقى الوادى آشى فاضل

حذف 1 102

الأبوة بادى الاستقامة حسن الأخلاق تولى أعمالا كتب إلى وقد أبى عملا عرض عليه بقوله
( أأصمت ألفا ثم أنطق بالخلف ... وأفقد إلفا ثم آنس بالجلف )
( وأمسك دهرى ثم أفطر علقما ... ويمحق بدرى ثم ألحق بالخسف )
( وعزكم لا كنت بالذل عاملا ... ولو أن ضعفى ينتهى بى إلى الحتف )
( فإن تعملونى فى تصرف عزة ... وعدل وإلا فاحسموا علة الصرف )
( بقيتم وسحب العفو منكم تظلنى ... وحظ ثنائى دائما ثانى العطف ) 37 - مخاطبة أبى محمد الأزدى للسان الدين
وقال فى ترجمة أبى محمد عبد الله بن إبراهيم الأزدى ما صورته وخاطبنى لما وليت خطة الإنشاء وغيرها فى أواخر عام تسعة وأربعين وسبعمائة بما نصه
( حشاشة نفس أعلنت لمذيبها ... بتذكار أيام الوصال وطيبها )
( ونادته رحمى أحيها نفس مدنف ... تموت إذا لم تحيها بوجيبها )
( فداو بقرب منك لاعج وجدها ... وفيض أماقيها وطول نحيبها )
( وقد بلغت حدا به صح فى الهوى ... وأحكامه ثوب الضنى فى نصيبها )
( وهل يتداوى داء نفس تعيسة ... إذا كان يوما داؤها من طبيبها )
( لعل أوار الوجد تخمد ناره ... فيبرد عنها ما بها من لهيبها )
( إليك حداها الشوق يا بدرها الذى ... يعز عليها منه طول مغيبها )
( سلكت بها سبل الهوى فهى تبتغى ... لقاك وتبغى غفلة من رقيبها )
( أجبها بابقاء عليها فإنها ... ستفنى إذا ما لم تكن بمجيبها )
( ومل نحوها بالود فهى قد آذعنت ... كما تذعن الأقلام لابن خطيبها )
( وحيد الزمان الماهر الباهر الحلى ... وجهبذ آداب العلا وأديبها )
( إمام معاليها وبحر علومها ... وبدر دياجيها وصدر شعوبها )

( مصرفها كيف انثنت ومعيدها ... ومبدئها حيث انتهت ومصيبها )
( ورافع أعلام البلاغة والذى ... أتى ناثرا أو ناظما بعجيبها )
( وحامل رايات الرياسة رفعة ... قضى المجد تخصيصا له بوجوبها )
( من الغر ممن أوجبت لشبابها ... معاليهم الفضل العظيم وشيبها )
( من أبناء أرباب المنابر والأولى ... سما فخرهم بين الورى بركوبها )
( خلال ابن عبد الله طود الحجى أبى ... محمد باد حسنها من ضروبها )
( أجاد وأجدى فاسل عن ذكر طىء ... وحاتمها زهوا به وحبيبها )
( ففى كل ما يبدى محمد عبره ... محاسنها تنبى بسر غيوبها )
( تجيب القوافى إن دعا ببعيدها ... وتنقاد طوعا إن دعا بقريبها )
( تخير أخلاق الكرام فلم يكن ... نهى ولهى يرضى بغير رحيبها )
( تقدم فى دار الخلافة حاجبا ... لينجدها فى سلمها وحروبها )
( وقام لها فى ساحة العز كاتبا ... بمحضرها أسرارها ومغيبها )
( فأبدى من أنواع الفضائل أوجها ... تقر لها بالحسن عين لبيبها )
( هنيئا به يمنا بأسعد ماثل ... لغرناطة قاض بصرف خطوبها )
( فللسعد تأثير يجىء إذا جرى ... به قدر كالريح عند هبوبها )
( أموقد نار الفكر يقدح زندها ... فيسبى به الألباب سحر نسيبها )
( حدانى إليك الحب قدما ومال بى ... حديث لآمال خلت عن غريبها )
( فقدمتها نظما قوافى قصرت ... لديك بذاوى فكرتى ورطيبها )
( وكنت كمن وافى لدى الدار بالحصى ... يرفع منها ساهيا عن عيوبها )
( فصلها وخذ بالعفو فيها فلم أصل ... لأبلغ منها فاغتفر من ذنوبها )
قطع من شعر الأزدى
وصاحب هذا النظم من أهل بلش وله اقتدار على النظم والنثر قال فى

الإحاطة ما محصله ومما وقع له أثناء مقامات وأغراض تشهد باقتداره مهملا
( رعى الله عهدا حوى ما حوى ... لأهل الوداد وأهل الهوى )
( أراهم أمورا حلا وردها ... وأعطاهم السؤل كلا سوا )
( ولما حلا الوصل صالوا له ... وراموه مأوى وماء روا )
( وأوردهم سر أسرارهم ... ورد إلى كل داء دوا )
( وما أمل طال إلا وهى ... وما آمل صال إلا هوى )
وقال معجمه
( بث بينى يبثنى فيض جفنى ... شغفى شفنى فشبت ببينى )
( فتنتنى بغنج ظبى تجنى ... تبتغى نقض نيتى بتجنى )
( بزة زينت قضيب تثنى ... قضيت يغيتى ففزت بفن )
( خفت تشتيت بنيتى فجفتنى ... ثقة تنثنى فخيب ظنى ) وقال كلمة وكلمة
( الهوى شفنى وأهمل جفنى ... أدمعا تنثنى دما بتثنى )
( أحور شب حر بثى لما ... نقض العهد بين طول تجنى )
( حاكم يتقى ولا ذنب إلا ... شغف لم يخب لمسعاه ظنى )
( ما له ينقض العهود فيشجى ... ولها ينثنى مسهد جفن )
( لم يجز وصله فبت محالا ... يقتضى حل بغيتى كل فن )
وقال يرثى ديكا فقده ويصف الوجد الذى وجده ويبكى عدم أذانه إلى غير ذلك من مستظرف شانه
( أودى به الحتف لما جاءه الأجل ... ديكا فلا عوض منه ولا بدل )

( قد كان لى أمل فى أن يعيش فلم ... يثبت مع الحتف فى بقياه لى أمل )
( فقدته فلعمرى إنها عظة ... وبالمواعظ تذرى دمعها المقل )
( ما كان أبدع مرآه ومنظره ... وصفا به كل حين يضرب المثل )
( كأن مطرف وشى فوق ملبسه ... عليه من كل حسن باهر حلل )
( كأن إكليل كسرى فوق مفرقه ... وتاجه فهو عالى الشكل محتفل )
( موقت لم يكن يعزى له خطأ ... فيما يرتب من ورد ولا خلل )
( كأن زرقال فيما مر علمه ... علم المواقيت مما رتب الأول )
( يرحل الليل يحيى بالصراخ فما ... يصده كلل عنه ولا ملل )
( رأيته قد وهت منه القوى فهوى ... للأرض فعلا يريه الشارب الثمل )
( لو يفتدى بديوك الأرض قل له ... ذاك الفداء ولكن فاجأ الأجل )
( قالوا الدواء فلم يغن الدواء ولم ... ينفعه من ذاك ما قالوا وما فعلوا )
( أملت فيه ثوابا أجر محتسب ... إن نلت ذلك صح القول والعمل )
وأمره السلطان أبو عبد الله سادس الملوك النصريين وقد نظر إلى شلير وقد تردى بالثلج وتعمم وكمل ما أراد من بزته وتمم أن ينظم فى وصفه فقال بديها
( وشيخ جليل القدر قد طال عمره ... وما عنده علم بطول ولا قصر )
( عليه لباس أبيض باهر السنا ... وليس بثوب أحكمته يد البشر )
( فطورا تراه كله كاسيا به ... وكسوته فيها لأهل النهى عبر )
( وطورا تراه عاريا ليس يكتسى ... بحر ولا برد من الشمس والقمر )
( وكم مرت الأيام وهو كما ترى ... على حاله لم يشك ضعفا ولا كبر )
( وذاك شلير شيخ غرناطة التى ... لبهجتها فى الأرض ذكر قد اشتهر )

( بها ملك سامى المراقى أطاعه ... كبار ملوك الأرض فى حالة الصغر )
( تولاه رب العرش منه بعصمة ... تقيه مدى الأيام من كل ما ضرر )
وتوفى المذكور فى بلده بلش فى طاعون عام خمسين وسبعمائة انتهى
38 - من لسان الدين إلى ابن رضوان
وقال فى الإحاطة فى ترجمة صاحب القلم الأعلى بالمغرب أبى القاسم ابن رضوان النجارى ما صورته ولما ولى الإنشاء بباب ملك المغرب ظهر لسلطاننا بعض قصور فى المراجعات فكتبت إليه
( أبا قاسم لا زلت للفضل قاسما ... بميزان عدل ينصر الحق من نصر )
( مدادك وهو المسك طيبا ومنظرا ... وإلا سواد القلب والفود والبصر )
( عهدناه فى كل المعارف مطنبا ... فما باله فى حرمه الود مختصر )
( أظنك من ليل الوصال انتخبته ... إلينا وذاك الليل يوصف بالقصر )
( أردنا بك العذر الذى أنت أهله ... ومثلك لا يرمى بعى ولا حصر ) 39 - جواب ابن رضوان
فراجعنى ولا أدرى أهى من نظمه أم نظم غيره

( حقيق أبا عبد الإله بك الذى ... لمذهبه فى البر يتضح الأثر )
( وان الذى نبهت منى لم يكن ... نؤوما وحاشا الود أن أغمط الأثر )
( ورب اختصار لم يشن نظم ناظم ... ورب اقتصار لم يعب نثر من نثر )
( وعذرك عنى من محاسنك التى ... نظام حلاها فى الممادح ما انتثر )
( ومن عرف الوصف المناسب منصفا ... تأتى له نهج من العذر ما دثر )
ترجمة ابن رضوان
وهو عبد الله بن يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوان النجارى من أهل مالقة صاحب العلامة العلية والقلم الأعلى بالمغرب قرأ على جماعة منهم بتونس قاضى الجماعة ابن عبد السلام قال فى التاج فيه أيام لم يفهق حوضه ولا أزهر روضه ما نصه أديب أحسن ما شاء ومتح قليبه فملأ الدلو وبل الرشاء وعانى على حداثته الشعر والإنشاء وله ببلده بيت معمور بفضل وأمانة ومجد وديانة ونشأ هذا الفاضل على أتم العفاف والصون فما مال إلى فساد بعد الكون وله خط بارع وفهم إلى الغوامض مسارع وقد أثبت من كلامه ونفثات أقلامه كل محكم العقود زار بابنة العنقود فمن ذلك قوله
( لعلكما أن ترعيا لى وسائلا ... فبالله عوجا بالركاب وسائلا )
ومنها
( لقد جار دهرى إذ نأى بمطالبى ... وظل بما أبغى من القرب ماطلا )
( عتبت عليه فاغتدى لى عاتبا ... وقال أصخ لى لا تكن قط عاذلا )
( أتعتبنى أن قد أفدتك موقفا ... لدى أعظم الأملاك حلما ونائلا )

( مليك حباه الله بالخلق الرضى ... وأعلى له فى المكرمات المنازلا )
وهى طويلة
ومن نظم ابن رضوان المذكور
( تبرأت من حولى إليك وأيقنت ... برحماك آمالى أصح يقين )
( فلا أرهب الأيام إذ كنت ملجأ ... وحسبى يقينى باليقين يقينى )
وكلفه أبو عنان وصف صيد من غدير فقال من أبيات
( ولرب يوم فى حماك شهدته ... والسرح ناشرة عليك ظلالها )
( حيث الغدير يريك من صفحاته ... درعا تجيد به الرياح صقالها )
( والمنشآت به تدير حبائلا ... للصيد فى حيل تدير حبالها )
( وتريك إذ يلقى بها اليم الذى ... أخفت جوانحه وغاب خلالها )
( فحسبتها زردا وأن عواليا ... تركت به عند الطعان نصالها )
وقال فيه ايضا
( أبصرت فى يوم الغدير عجائبا ... جاءت بآيات العجائب مبصره )
( سمكا لدى شبك فقل ليل بدت ... فيه الزواهر للنواظر نيره )
( فكأن ذا زرد تضاعف نسجه ... وكأن تلك أسنة متكسره )
ومما نظمه عن أمر الخلافة المستعينية ليكتب فى طرة قبة رياض الغزلان

من حضرته
( هذا محل المنى بالأمن معمور ... من حله فهو بالآمال محبور )
( مأوى النعيم به ما شئت من ترف ... تهوى محاسنه الولدان والحور )
( ويطلع الروض منه مصنعا عجبا ... يضاحك النور من لألائه النور )
( ويسطع الزهر من أرجائه أرجا ... ينافح الند نشر منه منشور )
( مغنى السرور سقاه الله ما حملت ... غر الغمام وحلته الأزاهير )
( انظر إلى الروض تنظر كل معجبه ... مما ارتضاه لرأى العين تحبير )
( مر النسيم به يبغى القرى فقرى ... دراهم النور تبديد وتنثير )
( وهامت الشمس فى حسن الظلال به ... ففرقت فوقها منه دنانير )
( والدوح ناعمة تهتز من طرب ... همسا وصوت غناء الطير مجهور )
( كأنما الطير فى أفنائها صدحت ... بشكر مالكها والفضل مشكور )
( والنهر شق بساط الروض تحسبه ... سيفا ولكنه فى السلم مشهور )
( ينساب للجة الخضراء أزرقه ... كالأيم جد انسيابا وهو مذعور )
( هذى مصانع مولانا التى جمعت ... شمل السرور وأمر السعد مأمور )
( وهذه القبة الغراء ما نظرت ... لشكلها العين إلا عز تنظير )
( ولا يصورها فى الفهم ذو فكر ... إلا ومنه لكل الحسن تصوير )
( ولا يرام بحصر وصف ما جمعت ... من المحاسن إلا صد تقصير )
( فيها المقاصير تحميها مهابته ... لله ما جمعت تلك المقاصير )
( كأنها الأفق تبدو النيرات به ... ويستقيم بها فى السعد تسيير )
( وينشأ المزن فى أرجائه وله ... من عنبر الشحر إنشاء وتسخير )
( وينهمى القطر منه وهو منسكب ... ماء من الورد يذكو منه تقطير )

( وتخفق الريح منه وهى ناسمة ... مما أهب به مسك وكافور )
( ويشرق الصبح منه وهو من غرر ... غر تلألأ منهن الأسارير )
( وتطلع الشمس فيه من سنا ملك ... تبسم الدهر منه وهو مسرور )
( لله منه إمام عادل بهرت ... أوصافه فهى للأمداح تحبير )
( غيث السماح وليث البأس فالق به ... محيى الهدى وهو للعادين تتبير )
( قل للمبارى وإن لم تلقه أبدا ... ورب فرض محال وهو تقدير )
( فخر الأنام أحل الفخر منزله ... فكل مدح على علياه مقصور )
( إذا أبو سالم مولى الملوك بدا ... بدرا تضىء بمرآه الدياجير )
( فأى خطب يخاف الدهر آمله ... وأى سؤل له فى النيل تعذير )
( بشراك بشراك يا نجل الخلافة ما ... خولت من نيلها والضد مقهور )
( لك الخلود بعز الملك فى نعم ... لا يعترى صفوها فى الدهر تكدير )
( فانعم هنيئا بلذات مواصلة ... لا يأتليهن إلمام وتكرير )
( لا زلت تلقى المنى فى غبطة أبدا ... ما دام لله تهليل وتكبير )
وقال وكتب به على قلم فضة
( إذا شهدت بالنصر خطية القنا ... فملكت أمر الفتح من دون ما شرط )
( كفى شاهدا منى بفضلك ناطقا ... لسانى مهما أفصحت ألسن الخطى )
وقال وكتب به علىسكين
( أرواح بأمر المستعين وأغتدى ... لإذهاب طغيان اليراع الرواقم )
( ويفعل فى الأقلام حدى مصلحا ... كفعل ظبى أسيافه فى الأقالم )
قال ومما كتب به على قصيدة عيدية
( لما رأيت هدايا العيد أعظمها ... هدية الطيب فى حسن وتعجيب )

( ولم أجد فى ضروب العاطرات شذا ... يحكى ثناءك فى نشر وفى طيب )
( أهديت نحوك منه كل ذى أرج ... أنفاسه بين تشريق وتغريب )
( وفى القبول منال السعد فالق به ... تلق الأمانى بتأهيل وترحيب )
وقال فى رجل يلقب بالبعير
( وذى لقب عنت له عند صحبه ... مآرب لم يسعد عليهن مسعد )
( دعوه بعيرا فاستشاط فقال مه ... أبا أحمد وارتد عنهم يهدهد )
( فقلت له عد نحوهم لتعود من ... مرامك بالمطلوب توفى وتحمد )
( فقال وقد غص الفضاء بصوته ... وقد هدرت منه الشقاشق تزبد )
( لئن عدت نادونى بعيرا كمثلها ... فقلت له لا تخش فالعود أحمد )
وقال
( وبخيل لما دعوه لسكنى ... منزل بالجنان ضن بذلك )
( قال لى مخزن بدارى فيه ... كل مالى فلست للدار تارك )
( قلت وفقت للصواب فحاذر ... قول خل مرغب فى انتقالك )
( لا تعرج على الجنان بسكنى ... ولتكن ساكنا بمخزن مالك )
وقال رحمه الله تعالى فى مركب
( يا رب منشأة عجبت لشأنها ... وقد احتوت فى البحر أعجب شان )
( سكنت بجنبيها عصابه شدة ... حلت محل الروح فى الجثمان )
( فتحركت بإرادة مع أنها ... فى جنسها ليست من الحيوان )

( وجرت كما قد شاءه سكانها ... فعلمت أن السر فى السكان )
وقال رحمه الله تعالى
( وذى خدع دعوة لاشتغال ... وما عرفوه غثا من سمين )
( فأظهر زهده وغنى بمال ... وجيش الحرص منه فى كمين )
( وأقسم لا فعلت يمين خب ... فيا عجبا لحلاف مهين )
( يغر بيسره ويمين حنث ... ليأكل باليسار وباليمين )
وهو الأن بحالة الموصوفة انتهى
40 - مخاطبة أبى بكر ابن عبد الملك للسان الدين
وقال لسان الدين رحمه الله تعالى خاطبنى أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الملك مستدعيا إلى إعذار ولده بقوله
( أريد من سيدى الأعلى تكلفه ... إلى الوصول إلى دارى صباح غد )
( يزيدنى شرفا منه ويبصر لى ... صناعة القاطع الحجام فى ولدى )
فأجبته
( يا سيدى الأوحد الأسمى ومعتمدى ... وذا الوسيلة من أهلى ومن بلدى )
( دعوت فى يوم الأثنين الصحاب ضحى ... وفيه ما ليس فى سبت ولا أحد )
( يوم السلام على المولى وخدمته ... فاصفح وإن عثرت رجلى فخذ بيدى )
( والعذر أوضح من نار على علم ... فعد إن غبت عن لوم وعن فند )
( بقيت فى ظل عيش لا نفاد له ... مصاحبا غير محصور إلى أمد )

ترجمة أبى بكر ابن عبد الملك
وأبو بكر المذكور أصله من باغه ونشأ بلوشة وهو محسوب من الغرناطيين
وفى التاج فى حقه ما صورته فارض هاجى مداهن مداجى أخبث من نظر من طرف خفى وأغدر من تلبس بشعار وفى إلى مكيدة مبثوثة الحبائل وإغراء يقطع بين الشعوب والقبائل من شيوخ طريقة العمل المتقلبين من أحوالها بين الصحو والثمل المتعللين برسومها حين اختلط المرعى بالهمل وهو ناظم أرجاز ومستعمل حقيقة ومجاز نظم مختصر السيرة فى الألفاظ اليسيرة ونظم رجزا فى الزجر والفال نبه به تلك الطريقة بعد الإغفال انتهى
قال ومن شعره
( إن الولاية رفعة لكنها ... أبدا إذا حققتها تتنقل )
( فانظر فضائل من مضى من أهلها ... تجد الفضائل كلها لا تعزل )
توفى بالطاعون بغرناطة عام خمسين وسبعمائة انتهى
41 - مخاطبة أبى سلطان للسان الدين
وقال فى ترجمة أبى سلطان عبد العزيز بن على الغرناطى بن يشت ما صورته ومما خاطبنى به قوله
( أطلت عتب زمان فل من أملى ... وسمته الذم فى حل ومرتحل )
( عاتبته ليلين العتب جانبه ... فما تراجع عن مطل ولا بخل )

( فعدت أمنحه العتبى ليشفق لى ... فقال لى إن سمعى عنك فى شغل )
( فالعتب عندى كالعتبى فلست أرى ... أصغى لمدحك إذ لم أصغ للعذل )
( فقلت للنفس كفى عن معاتبه ... لا تنقضى وجواب صيغ من وجل )
( من يعتلق فى الدنا بابن الخطيب فقد ... سما عن الذل واستولى على الجذل )
( قالت فمن لى بتقريبى لخدمته ... فقد أجاب قريبا من جوابك لى )
( فقال للناس كفوا عن محادثتى ... فليس ينفعكم حولى ولا حيلى )
( قد اشتغلت عن الدنيا بآخرتى ... وكان ما كان من أيامى الأول )
( وقد رعيت وما أهملت من منح ... فكيف يختلط المرعى بالهمل )
( ولست أرجع للدنيا وزخرفها ... من بعد شيب غدا فى الرأس مشتعل )
( ألست تبصر أطمارى وبعدى عن ... نيل الحظوظ وإغذاذى إلى أجلى )
( فقلت ذلك قول صح مجمله ... لكن من شأنه التفصيل للجمل )
( ما أنت جالب أمر تستعين به ... على المظالم فى حال ومقتبل )
( ولا تحل حراما أو تحرم ما ... أحل ربك فى قول ولا عمل )
( ولا تبع آجل الدنيا بعاجلها ... كما الولاة تبيع اليم بالوشل )
( وأين عنك الرشا إن ظلت تطلبها ... هذا لعمرى أمر غير منفعل )
( هل أنت تطلب إلا أن تعود إلى ... كتب المقام الرفيع القدر فى الدول )
( فما لأوحد هذا الكون قاطبة ... وأسمح الخلق من حاف ومنتعل )
( لم يلتفت نحو ما تبغيه من وطر ... ولم يسد الذى قد بان من خلل )
( إن لم تقع نظره منه عليك فما ... يصفو لديك الذى أملت من أمل )
( فدونك السيد الأعلى فمطلبكم ... قد نيط منه بفضل غير منفصل )
( فقد خبرت بنى الدنيا بأجمعهم ... من عالم وحكيم عارف وولى )
( فما رأيت له فى الناس من شبه ... قل النظير له عندى فلا تسل )
( وقد قصدتك يا أسمى الورى همما ... وليس لى عن حمى علياك من حول )
( فما سواك لما أملت من أمل ... وليس لى عنك من زيغ ولا ميل )

( فانظر لحالى فقد رق الحسود لها ... واحسم زمانه ما قد ساء من علل )
( ودم لنا ولدين الله ترفعه ... ما أعقبت بكر الإصباح بالأصل )
( لا زلت معتليا عن كل حادثة ... كما علت ملة الإسلام فى الملل )
انتهى
ترجمة عبد العزيز أبى سلطان
والمذكور هو عبد العزيز بن على بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد العزيز بن يشت من غرناطة يكنى أبا سلطان قال فى الإحاطة فى حقه فاضل حيي حسن الصورة بادى الحشمة فاضل البيت سريه كتب فى ديوان الأعمال فأتقن وترقى إلى الكتابة السلطانية وسفر فى بعض الأغراض الغربية ولازم الشيخ أبا بكر عتيق بن مقدم من مشيخة الصوفية بالحضرة فظهرت عليه آثار ذلك فى نظمه ومقاصده فمن نظمه ما أنشده ليلة الميلاد المعظم
( القلب يعشق والمدامع تنطق ... برح الخفاء فكل عضو منطق )
( إن كنت أكتم ما أكن من الجوى ... فشحوب لونى فى الغرام مصدق )
( وتذللى عند اللقا وتملقى ... إن المحب إذا دنا يتملق )
( فلكم سترت عن الوجود محبتى ... والدمع يفضح ما يسر المنطق )
( ولكم أموة بالطلول وبالكنى ... وأخوض بحر الكتم وهو الأليق )
( ظهر الحبيب فلست أبصر غيره ... فبكل مرئى أرى يتحقق )
( ما فى الوجود تكثر لمكثر ... إن المكثر بالأباطل يعلق )
( فمتى نظرت فأنت موضع نظرتى ... ومتى نطقت فما بغيرك أنطق )
( يا سائلى عن بعض كنه صفاته ... كل اللسان وكل عنه المنطق )
( فاسلك مقامات الرجال محققا ... إن المحقق شأوه لا يلحق )
( مزق حجاب الوهم لا تحفل به ... فالوهم يستر ما العقول تحقق )

( واخلص إذا شئت الوصول ولا تئل ... فالعجز عن طلب المعارف موبق )
( إن التحلى فى التخلى فاقتصد ... ذاك الجناب فبابه لا يغلق )
( ولتقتبس نار الكليم ولا تخف ... والغ السوى إن كنت منها تفرق )
( ومتى تجلى فيك سر جماله ... وصعقت خوفا فالمكلم يصعق )
( دع رتبه التقليد عنك ولا تته ... تلق الذى قيدت وهو المطلق )
( واقطع حبال علائق وعوائق ... إن العوائق بالمكاره تطرق )
( جرد حسام النفس عن جفن الهوى ... إن العوائد بالتجرد تخرق )
( فإذا فهمت السر منك فلا تبح ... فالسيف من بث الحقائق أصدق )
( بالذوق لا بالعلم يدرك علمنا ... سر بمكنون الكتاب مصدق )
( وبما أتى عن خير من وطىء الثرى ... سر الوجود وغيثه المتدفق )
( خير الورى وابن الذبيحين الذى ... أنواره فى هديها تتألق )
( من أخبر الأنباء قبل ببعثه ... ولنصه سر الكتاب يصدق )
( رفعت له الحجب التى لم ترتفع ... إلا إليه فكل ستر يخرق )
( ورقى مقاما قصرت عن كنهه ... رتب الوجود وكع عنه السبق )
( وطىء البساط تدللا وجرى إلى ... أمد تناهى ما إليه مسبق )
( إنسان عين الكون مبلغ سره ... قطب الجمال وغيثه المتدفق )
( سر الوجود ونكته الدهر الذى ... كل الوجود بجوده يتعلق )
( من جاء بالآيات يسطع نورها ... والذكر فهو عن الهوى لا ينطق )
( يا سيد الأرسال غير مدافع ... وأجلهم سبقا وإن هم أعنقوا )
( بالفقر جئتك موئلى لا بالغنى ... فالذل والإذعان عندك ينفق )
( فاجبر كسير جرائر وجرائم ... فالقلب من عظم الخطايا يقلق )

( أرجوك يا غوث الأنام فلا تدع ... باب الرضى دونى يسد ويغلق )
( حاشاك تطرد من أتاك مؤملا ... فلأنت لى منى أحن وأرفق )
( ومحبتى تقضى بأنك منقذي ... مما أخاف فما بغيرك أعلق )
( يا هل تساعدنى الأمانى والمنى ... وأحل حيث سنا الرسالة يشرق )
( إن كان ثبطنى القضا بمقيد ... فعنان عزمى نحو مجدك مطلق )
( ولئن ثوى شخص بأقصى مغرب ... فتشوقىمنى إليك يشرق )
( فعليك يا أسنى الوجود تحية ... من طيب نفحتها البسيطة تعبق )
( وعلى صحابتك الذين تأنقوا ... رتب الكمال ومثلهم يتأنق )
( وعلى الألى آووك فى أوطانهم ... نالوا بذلك رتبة لا تلحق )
( أعظم بأنصار النبى وحزبه ... وبمن أتى بعباءة يتعلق )
( من مثل سعد أو كقيس نجله ... عرف السيادة من حماهم ينشق )
( أكرم بهم وبمن أتى من سرهم ... عز النظير فمجدهم لا يلحق )
( من مثل نصر أو بنيه ملوكنا ... كل الأنام لعزهم يتملق )
( بمحمد نجل الخليفة يوسف ... عز الهدى فحماه ما إن يطرق )
( مولى الملوك وتاج مفرق عزهم ... وأجل من تحدى إليه الأينق )
( ملك يرى أن التقدم مغنم ... مهما تعرض موكب أو فيلق )
( تروى أحاديث الوغى عن بأسه ... فالسيف يسند والعوالى تطلق )
( ملك البسالة والمكارم والنهى ... فعداته منه تغص وتفرق )
( ملئت قلوب عداه منه مهابة ... فمغرب من خوفه ومشرق )
( مولاى يا أسمى الملوك ومن غدت ... عين الزمان إلى سناه تحدق )
( لا تقطعوا عنى الذى عودتم ... فالعبد من قطع العوائد يشفق )
( لا تحرمونى مطلبى فمحبتى ... تقضى لسعيي أنه لا يخفق )
( فانعم بردى فى بساطك كاتبا ... وأعد لما قد كنت فهو الأليق )
( فاسلم أمير المسلمين لأمة ... أفواههم ما إن بغيرك تنطق )

( واهنا بها من ليلة نبوية ... جاءت بأكرم من به يتعلق )
( صلى عليه الله ما هبت صبا ... واهتز غصن فى الحديقة مورق )
ثم قال وهو الآن بحالته الموصوفة انتهى
42 - رسالة من النباهى للسان الدين
ومما خوطب به لسان الدين رحمه الله تعالى ما حكاه فى الإحاطة فى ترجمة القاضى أبى الحسن النباهى إذ قال ما نصه وخاطبنى بسبته وأنا يومئذ بسلا بقوله يا أيتها الآية البالغة وقد طمست الأعلام والغرة الواضحة وقد تنكرت الأيام والبقية الصالحة وقد ذهب الكرام أبقاكم الله تعالى البقاء الجميل وأبلغكم غاية المراد ومنتهى التأميل أبى الله أن يتمكن المقام بالأندلس بعدكم وأن يكون سكون النفس إلا عندكم سر من الكون غريب ومعنى فى التشاكل عجيب أختصر لكم الكلام فأقول بعد التحية والسلام تفاقمت الحوادث وتعاظمت الخطوب الكوارث واستأسدت الذئاب الأخابث ونكث الأكثر من ولد سام وحام ويافث فلم يبق إلا كاشح باحث أو مكافح عابث ويا ليت شعرى من الثالث فحينئذ وجهت وجهى للفاطر الباعث ونجوت بنفسى لكن منجى الحارث وقد عبرت البحر كسير الجناح دامى الجراح وإنى لأرجو الله سبحانه بحسن نيتكم أن يكون الفرج قريبا والصنع عجيبا فعمادى أعان الله على القيام بواجبه هو الركن الذى ما زلت أميل على جوانبه ولا تزيدنى الأيام إلا بصيرة فى الإقرار بفضله والاعتداد به وقد وصلنى خطاب سيدى الذى جلى الشكوك بنور يقينه ونصح النصح اللائق بعلمه ودينه وكأنه نظر إلى الغيب من وراء حجاب فأشار بما أشار به على سارية عمر بن الخطاب ومن العجب أنى عملت بمقتضى إشارته قبل بلوغ إضبارته فلله ما تضمنه مكتوبكم الكريم من الدر وحرره من الكلام

الحر وايم الله لو تجسم لكان ملكا ولو تنسم لكان مسكا ولو قبس لكان شهابا ولو لبس لكان شبابا فحل منى علم الله تعالى محل البرء من المريض وأعاد الأنس بما تضمنه من التعريض والكلم المزرية بقطع الروض الأريض فقبلته عن راحتكم وتخيلت أنه مقيم بساحتكم ثم وردت معينه الأصفى وكلت من بركات مواعظه بالمكيال الأوفى وليست بأول أياديكم وإحالتكم على الله فهو الذى يجازيكم وبالجملة فالأمور بيد الأقدار لا إلى المراد والاختيار
( وما كل ما ترجو النفوس بنافع ... ولا كل ما تخشى النفوس بضرار )
انتهى
قلت أين هذا الكتاب من الذى قدمناه عنه فى الباب الثانى حين أظلم بينه وبين لسان الدين الجو وعطفه إلى مهاجاته ثانى وسفر فى أمره إلى العدوة واجتهد فى ضرره بعد أن كان له به القدوة وقد قابله لسان الدين بما أذهب عن جفنه الوسن وألف فيه كما سبق خلع الرسن
ترجمة النباهى
على أنه عرف به فى الإحاطة أحسن تعريف وشرفه بحلاه أجمل تشريف إذ قال ما ملخصه على بن عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد الله ابن الحسن بن محمد بن الحسن الجذامى المالقى أبو الحسن ويعرف بالنباهى هذا الفاضل قريع بيت مجادة وجلالة وبقية تعين وأصالة عف النشأة طاهر الثوب مؤثر للوقار والحشمة خاطب للشيخوخة مستعجل للشيبة ظاهر الحياء متحرك مع السكون بعيد الغور مرهف الجوانب

مع الانكماش مقتصد فى الملبس والآلة متظاهر بالسذاجة بريء من النوك والغفلة يقظ للمعاريض مهتد إلى الملاحن طرف فى الجود حافظ مقيد طلعة إخبارى قائم على تاريخ بلده شرع فى تكميل ما صنف فيه ملازم للتقييد والتطرير منقر عن الإجادات والفوائد استفدت منه فى هذا الغرض وغيره كثيرا حسن الخط ناظم ناثر نثره يشف على نظمه ذاكر للكثير استظهر محفوظات منها النوادر للقالى وناهيك به محفوظا مهجورا ومسلكا غفلا فما ظنك بسواه نشأ ببلده حر الطعمة فاضل الأبوة وقرأ به ثم ولى القضاء بملتماس ثم ببلش وعملها فسيح الخطة مطلق الجراية بعيد المدى فى باب النزاهة ماضيا غير هيوب حتى أربى فى الزمن القريب على المحتنكين وغبر فى وجوه أهل الدربة وجرت أحكامه مستندة إلى الفتيا جارية على المسائل المشهورة ثم نقل منها إلى النظر فى أمور الحل والعقد بمالقة مضافة إليه الخطط النبيهة وصدر له منشور من إملائى إلى أن قال فى ترجمة نظمه قال نظمت سمح الله تعالى لى قطعتين موطئا فيهما على البيتين المشهورين إحداهما
( بنفسى من غزلان حزوى غزالة ... جمال محياها عن النسك زاجر )
( تصيد بلحظ الطرف من رام صيدها ... ولو أنه النسر الذى هو طائر )
( معطرة الأنفاس رائقة الحلى ... هواها بقلبى فى المهامه سائر )
( إذا رمت عنها سلوة قال شافع ... من الحب ميعاد السلو المقابر )
والأخرى
( وقائلة لما رأت شيب لمتى ... لئن ملت عن سلمى فعذرك ظاهر )

( زمان التصابى قد مضى لسبيله ... وهل لك بعد الشيب فى الحب عاذر )
( فقلت لها كلا وإن تلف الفتى ... فما لهواها عند مثلى آخر )
( سيبقى لها فى مضمر القلب والحشا ... سريرة ود يوم تبلى السرائر )
وكتب على مثال النعل الكريم وأهداه لمزمع سفر
( فديتك لا يهدى إليك أجل من ... حديث نبى الله خاتم رسله )
( ومن ذلك الباب المثال الذى أتى ... به الأثر المأثور فى شأن نعله )
( ومن فضله مهما يكن عند حامل ... له نال ما يهواه ساعة حملة )
( ولا سيما إن كان ذا سفر به ... فقد ظفرت يمناه بالأمن كله )
( فدونك منه أيها العلم الرضى ... مثالا كريما لا نظير لمثله )
وقال مراجعا عن أبيات يظهر منها غرضها
( إذا كنت بالقصد الصحيح لنا تهوى ... فسلم لنا فى حكمنا ودع الشكوى )
( ولا تتبع أهواء نفسك والتفت ... لنا حيث كنا فى الرخاء وفى اللأوا )
( وكم من محب فى رضانا وحبنا ... محا كل ما يبدو سوانا له محوا )
( رآنا عيانا عين معنى وجوده ... فعاج عن الشكوى وفوض فى البلوى )
( وقال تحكم كيف شئت بما ترى ... رضيت بما تقضى وهمت بما تهوى )
( فحل لدينا بالخلوص وبالرضى ... محل اختصاص نال منه المنى صفوا )
( فإن كنت ترجو فى الصبابة والهوى ... لحاقا بهم فاسلك طريقهم الأضوا )
( ومت فى سبيل الحب إن كنت مخلصا ... لنا فى الهوى تحيا حياة أولى التقوى )
( هنالك تؤتى ما تريد وتقتضى ... ديونك منا دون مطل ولا دعوى )
( وتشرب من عين اليقين وتغتذى ... بخمر الصفا الصرف الزلال لكى تروى )

وقال
( لا تلجأن لمخلوق من الناس ... من يافث كان أصلا أو من الياس )
( وثق بربك لا تيأس تجد عجبا ... فلا أضر على عبد من الياس )
وقال
( فديتك لا تصحب لئيما ولا تكن ... معينا له إن اللئيم خؤون )
( فلا عهد يرعى لا ولا نعمة يرى ... ولا سر خل عن عداه يصون )
وقال يخاطب أبا القاسم عبد الله بن يوسف بن رضوان
( لك الله قلبى فى هواك رهين ... وروحى عنى إن رحلت ظعين )
( ملكت بحكم الفضل كلى خالصا ... وملكت للحر الصريح يزين )
( فهب لى من نطقى بمقدار ما به ... يترجم سر فى الفؤاد دفين )
( فقد شملتنا من رضاك ملابس ... وسح لدينا من نداك معين )
( أعنت على الدهر الغشوم ولم تزل ... بدنياك فى الأمر المهم تعين )
( وقصر من لم تعلم النفس أنه ... خذول إذا خان الزمان يخون )
( وأنى بحمد الله عنه لفى غنى ... وحسبى صبر عن سواك يصون )
( أبى لى مجد عن كرام ورثته ... وقوفا بباب للكريم يهين )
( ونفس سمت فوق السماكين همه ... وما كل نفس بالهوان تدين )
( ولما رأت عينى محياك أقسمت ... بأنك للفعل الجميل ضمين )
( وعاد لها الأنس الذي كان قد مضى ... برية إذ شرخ الشباب خدين )
( بحيث نشأنا لابسين حلى التقى ... وكل بكل عند ذاك ضنين )
( أما وسنا تلك الليالى وطيبها ... ووجد غرامى والحديث شجون )
( وفتيان صدق كالشموس وكالحيا ... حديثهم ما شئت عنه يكون )
( لئن نزحت تلك الديار فوجدنا ... عليها له بين الضلوع أنين )

( إذا مر حين زاده الشوق جده ... وليس بعاب للربوع حنين )
( وأنى بمسلاها وللبين لذعة ... اقل أذاها للسليم جنون )
( لقد عبثت أيدى الزمان بجمعنا ... وحان افتراق لم نخله يحين )
( وبعد التقينا فى محل تغرب ... وكل الذى دون الفراق يهون )
( فقابلت بالفضل الذى أنت أهله ... وما لك فى حسن الصنيع قرين )
( وغبت وما غابت مكارمك التى ... على شكرها الرب العظيم يعين )
( يمينا لقد أوليتنا منك نعمة ... تلذ بها عند العيان عيون )
( ويقصر عنها الوصف إذ هى كلها ... لها وجه حر بالحياء مصون )
( ولما قدمت الآن زاد سرورنا ... ومقدمك الأسنى بذاك قمين )
( لأنك أنت الروح منا وكلنا ... جسوم فعند البعد كيف نكون )
( ولو كان قدر الحب فيك لقاؤنا ... إليك لكنا باللزوم ندين )
( ولكن قصدنا راحة المجد جهدنا ... فراحته شمل الجميع تصون )
( هنيئا هنيئا أيها العلم الرضى ... بما لك فى طى القلوب كمين )
( لك الحسن والإحسان والعلم والتقى ... فحبك دنيا للمحب ودين )
( وكم لك فى باب الخلافة من يد ... أقرت لها بالصدق منك مرين )
( وقامت عليها للملوك أدلة ... فأنت لديها ما حييت مكين )
( فلا وجه إلا وهو بالبشر مشرق ... ولا نطق إلا عن علاك مبين )
( بقيت لربع الفضل تحمى ذماره ... صحيحا كما قد صح منك يقين )
( ودونك يا قطب المعالى بنية ... من الفكر عن حال المحب تبين )
( أتتك ابن رضوان تمت بودها ... وما لسوى الإغضاء منك ركون )
( فخل انتقاد البحث عن هفواتها ... ومهد لها بالسمح حيث تكون )
( وخذها على علاتها فحديثها ... حديث غريب قد عراه سكون )
وهو بحاله الموصوفة انتهى باختصار

43 - مخاطبات بين لسان الدين وابن الجياب
ولما كتب لسان الدين الى شيخه الرئيس الكاتب أبى الحسن الجياب قصيدة أولها
( أمستخرجا كنز العقيق بآماقى ... أناشدك الرحمن فى الرمق الباقى )
( فقد ضعفت عن حمل صبرى طاقتى ... عليك وضاقت عن زفيري أطواقى ) وهى طويلة أجابه عنها بقوله
( سقانى فأهلا بالمدامة والساقى ... سلافا بها قام السرور على ساق )
( ولا نقل إلا من بدائع حكمه ... ولا كأس إلا من سطور وأوراق )
( فقد أنشأت لى نشوة بعد نشوة ... تمد بروحانية ذات أذواق )
( فمن خطها الفانى متاع لناظرى ... وسمعى وحظ الروح من خطها الباقى )
( أعادت شبابى بعد سبعين حجة ... فأثوابه قد جددت بعد إخلاق )
( وما كنت يوما للمدامة صاحبا ... ولا قبلتها قط نشأة أخلاقى )
( ولا خالطت لحمى ولا مازجت دمى ... كفى شرها مولاى فالفضل للواقى )
( وهذا على عهد الشباب فكيف لى ... بها بعد ماء للشبيبة مهراق )
( تبصر فحكما القهوتين تخالفا ... فكم بين إثبات لعقل وإزهاق )
( وشتان ما بين المدامين فاعتبر ... فكم بين إنجاح لسعى وإخفاق )
( فتلك تهادى بين ظلم وظلمة ... وهذى تهادى بين عدل وإشراق )
( أيا علم الإحسان غير منازع ... شهادة إجماع عليها وإصفاق )

( فضائلك الحسنى على تواترت ... بمنهمر من سحب فكرك غيداق )
( خزائن آداب بعثت بدرها ... إلى ولم تمنن بخشية إنفاق )
( ولا مثل بكر حرة عربية ... زكية أخلاق كريمة أعراق )
( فأقسم ما البيض الحسان تبرجت ... تناجيك سرا بين وحى وإطراق )
( بدور بدت من أفق أطواقها على ... رياض شدت فى قطبها ذات أطواق )
( فناظر منها الأقحوان ثغورها ... وقابل منها نرجس سحر أحداق )
( وناسب منها الورد خدا موردا ... سقاه الشباب النضر بورك من ساق )
( وألسبن من صنعاء وشيا منمنما ... وحلين من در نفائس أعلاق )
( بأحلى لأفواه وأبهى لأعين ... وأحيى لألباب وأشهى لعشاق )
( رايت بها شهب السماء تنزلت ... إلى تحيينى تحية مشتاق )
( ألا إن هذا السحر لآسحر بابل ... فقد سحرت قلبى المعنى فمن راق )
( لقد أعجزت شكرى فضائل ماجد ... أبر بأحباب وأوفى بميثاق )
( تقاضى ديوان الشعر منى منبها ... رويدك لا تعجل على بإرهاق )
( فلو نشر الصادان من ملحديهما ... لإنصاف هذا الدين لاذا بإملاق )
( فخذ بزمام الرفق شيخا تقاصرت ... خطاه وعاهده بمعهود إشفاق )
( فلا زلت تحيي للمكارم رسمها ... وقدرك فى أهل العلا والنهى راقى )
قال وكتبت إليه فى غرض العتاب قصيدة أولها
( أدرنا وضوء الأفق قد صدع الفضا ... مدامة عتب بيننا نقلها الرضى )
( فلله عينا من رآنا وللحيا ... حبى بآفاق البشاشة أومضا )

( نفر إلى عدل الزمان الذى أتى ... ونبرأ من جور الزمان الذى مضى )
( ونأسو كلوم اللفظ باللفظ عاجلا ... كذا قدح الصهباء داوى وأمرضا )
فراجعنى عنها بهذه القصيدة
( ألا حبذا ذاك العتاب الذى مضى ... وإن جره واش بزور تمضمضا )
( أغارت له خيل فما ذعرت حمى ... ولكنها كانت طلائع للرضى )
( تألق منه بارق صاب مزنه ... على معهد الحب الصميم فروضا )
( تلألأ نورا للصداقة حافظا ... وإن ظن سيفا للقطيعة منتضى )
( فإن سود الشيطان منه صحيفة ... أتى ملك الرحمى عليها فبيضا )
( وما كان حب أحكم الصدق عهده ... ليرمى بوسواس الوشاة فيرفضا )
( أعيذ ودادا زاكى القصد وافيا ... تخلص من أدرانه فتمحضا )
( ونية صدق فى رضى الله أخلصت ... سناها بآفاق البسيطة قد أضا )
( من الآفك الساعى ليخفى نورها ... أيخفى شعاع الشمس قد ملأ الفضا )
( وكيف يحل المبطلون بإفكهم ... معاقد حب أحكمتها يد القضا )
( تعرض يبغى هدمها فكأنه ... لتشييد مبناها الوثيق تعرضا )
( وحرض فى تنفيره فكأنما ... على البر والتسكين والحب حرضا )
( وأوقد نارا فهو يصلى جحيمها ... يقلب منها القلب فى موقد الغضا )
( أيا واحدي المعدود بالألف وحده ... ويا ولدى البر الزكى إن ارتضى )
( بعثت من الدر النفيس قلائدا ... على ما ارتضى حكم المحبة واقتضى )
( نتيجة آداب وطبع مهذب ... أطال مداه فى البيان وأعرضا )
( ولا مثل بكر باكرتنى آنفا ... كزورة خل بعدما كان أعرضا )
( هى الروضة الغناء أينع زهرها ... تناظر حسنا مذهبا ومفضضا )
( أو الغادة الحسناء راقت فينقضى ... مدى العمر فى وصفى لها وهو ما انقضى )
( تطابق منها شعرها وجبينها ... فذا الليل مسودا وذا الصبح أبيضا )

( أو الشهب منها زينة وهداية ... ورجم لشيطان إذا هو قيضا )
( أتت ببديع الشعر طورا مصرحا ... بآياتك الحسنى وطورا معرضا )
( ومهدت الأعذار دون جناية ... ولو أنك الجانى لكنت المغمضا )
( لك الله من بر وفى وصاحب ... محضت له صدق الضمير فامحضا )
( لسانك فى شكوى مفيض تفضلا ... فيا حسن ما أهدى وأسدى وأقرضا )
( وقلبك فاضت فيه أنوار خلتى ... فالقى يدي تسليمه لى مفوضا )
( وقصدك مشكور وعهدك ثابت ... وفضلك منشور وفعلك مرتضى )
( فهل مع هذا ريبة فى مودة ... بحال وإن رابت فما أنا معرضا )
( فثق بولائى إننى لك مخلص ... هوى ثابتا يبقى فليس له انقضا )
( عليك سلام الله ما هبت الصبا ... وما بارق جنح الدجنة اومضا )
وقال لسان الدين من غريب ما خاطبنى به قوله
( أقسم بالقيسين والنابغتين ... وشاعري طيىء المولدين )
( وبابن حجر وزهير وابنه ... والأعشيين بعد ثم الأعميين )
( ثم بعشاق الثريا والرقيات ... وعزة ومى وبثين )
( وبأبى الشيص ودعبل ومن ... كشاعرى خزاعة المخضرمين )
( وولد المعتز والرضى ... والسري ثم حسن وابن الحسين )
( واختم بقس وبسحبان وإن ... اوجب حق أن يكونا أولين )
( وحلبتى نثرهم ونظمهم ... فى مشرقى أقطارهم والمغربين )
( إن الخطيب ابن الخطيب سابق ... بنثره ونظمه للحلبتين )
( راقتنىالصحيفة الحسنا التى ... شاهدت فيها المكرمات رأى عين )
( تجمع من براعة المعنى إلى ... براعة الألفاظ كلتا الحسنيين )

( أشهد أنك الذى سبقت فى ... طريقى الآداب أقصى الأمدين )
( شعر حوى جزالة ورقة ... تصاغ منه حلة للشعريين )
( رسائل أزهارها منثورة ... سرور قلب ومتاع ناظرين )
( يا أحوذيا يا نسيج وحده ... شهادة تنزهت عن قول مين )
( بقيت فى مواهب الله التى ... تقر عينيك تملأ اليدين )
انتهى
44 - من سعيد الغرناطى إلى لسان الدين
وحكى لسان الدين ان سعيد بن محمد الغرناطى الغسانى استعار منه كتابا فأرسله إليه وعلى ظهره هذه الأبيات
( هذا كتاب كله معجم ... أفحمنى معناه إفحاما )
( أعجمه منشئه أولا ... وزاده الناسخ إعجاما )
( أسقط من إجماله جملة ... وزاد فى التفصيل أقساما )
( وغير الألفاظ عن وضعها ... وصير الايجاد إعداما )
( فليس فى إصلاحه حيلة ... ترجى ولو قوبل أعواما )
ولم أقف على جواب لسان الدين له عنها والله تعالى أعلم
وولد سعيد المذكور سنة 699
45 - مخاطبات بين ابن البناء ولسان الدين
ومما خوطب به لسان الدين لما تقلد الكتابة العليا قول ابى الحسن على بن محمد بن على بن البناء الوادي آشى رحمه الله تعالى
( هو العلاء جرى باليمن طائره ... فكان منك على الآمال ناصره )

( ولو جرى بك ممتدا الى امد ... لأعجز الشمس ما آبت عساكره )
( لقد حباه منيع العز خالقه ... بفاضل منك لا تحصى مآثره )
( فليزه فخرا فما خلق يعارضه ... ولا علاء مدى الدنيا يفاخره )
( لله اوصافك الحسنى لقد عجزت ... من كل ذى لسن عنها خواطره )
( هيهات ليس عجيبا عجز ذى لسن ... عن وصف بحر رمى بالدر زاخره )
( هل أنت إلا الخطيب ابن الخطيب ومن ... زانت حلى الدين والدنيا مفاخره )
( فان يقصر عن الأوصاف ذو أدب ... فما بدا منك فى التقصير عاذره )
( يا ابن الكرام الألى ما شب طفلهم ... إلا وللمجد قد شدت مآزره )
( مهلا عليك فما العلياء قافية ... ولا العلاء بسجع أنت ناثره )
( ولا المكارم طرسا أنت راقمه ... ولا المناقب طبا أنت ماهره )
( ماذا على سابق يسرى إلى سنن ... ان كان من رفقه خل يسايره )
( سر حيث شئت من العلياء متئدا ... فما أمامك سباق تحاذره )
( أنت الإمام لأهل الفخر ان فخروا ... أنت الجواد الذى عزت أوافره )
( ما بعد ما حزته من عزة وعلا ... شأو يطارد فيه المجد كابره )
( نادت بك الدولة النصرى محتدها ... نداء مستنجد أزرا يوازره )
( حليتها برداء البر مرتديا ... وصبح يمنك فجر السعد سافره )
( فالملك يرفل فى أبراده مرحا ... قد عمت الأرض إشراقا بشائره )
( فاهنأ بها نعمة ما إن يقوم لها ... من اللسان ببعض الحق شاكره )
( وليهنها أنها القت مقالدها ... إلى زكى زكت منه عناصره )
( فإنه بدر تم فى مطالعها ... قد طبق الأرض بالأنوار نائره )
وقال لسان الدين وأهدى الى قباقب خشب جوز وكتب معها
( هاكها ضمرا مطايا حسانا ... نشأت فى الرياض قضبا لدانا )
( وثوت بين روضة وغدير ... مرضعات من النمير لبانا )

( لابسات من الظلال برودا ... دونها القضب رقة وليانا )
( ثم لما أراد إكرامها الله ... وسنى لها المنى والأمانا )
( قصدت بابك العلى ابتدارا ... ورجت فى قبولك الإحسانا )
قال فأجبته
( قد قبلنا جيادك الدهم لما ... أن بلونا منها العتاق الحسانا )
( أقبلت خلف كل حجر تبيع ... خلعت وصفها عليه عيانا )
( فعنينا برعيها وفسحنا ... فى ربوع العلا لها ميدانا )
( وأردنا امتطاءها فاتخذنا ... من شراك الأديم فيها عنانا )
( قدمت قبلها كتيبة سحر ... من كتاب سبت به الأذهانا )
( مثلما تجنب الجيوش المذاكى ... عدة للقاء مهما كانا )
( لم يرق مقلتى ولا راق قلبى ... كعلاها براعة وبيانا )
( من يكن مهديا فمثلك يهدى ... لم أجد للثنا عليك لسانا )
وقال لسان الدين ومن أبدع ما هز به الى إقامة سوقه ورعى حقوقه قوله
( يا معدن الفضل موروثا ومكتسبا ... وكل مجد إلى عليائه انتسبا )
( بباب مجدكم الأسمى أخو أدب ... مستصرخ بكم يستنجد الأدبا )
( ذل الزمان له طورا فبلغه ... من بعض آماله فوق الذى طلبا )
( والآن أركبه من كل نائبه ... صعب الأعنة لا يألو به نصبا )
( فحملته دواعى حبكم وكفى ... بذاك شافع صدق يبلغ الأربا )
( فهل سرى نسمة من جاهكم فبها ... خليفة الله فينا يمطر الذهبا )

ترجمة ابن البناء
وقال لسان الدين فى الإكليل فى حق المذكور ما صورته فاضل يروقك وقارة وصقر بعد مطاره قدم من بلده يروم اللحاق بكتاب الإنشاء وتوسل بنظم أنيق ونسيب فى نسب الإجادة عريق تعرب براعته عن لسان ذليق وطبع طليق وذكاء بالأثرة خليق وبينما هو يلحم فى ذلك الغرض ويسدي ويعيد ويبدي وقد كادت وسائله ان تنجح وليل رجائه أن يصبح اغتاله الحمام وخانته الأيام والبقاء لله تعالى والدوام توفى بالطاعون فى عام واحد وخمسين وسبعمائة وسنة دون الثلاثين رحمه الله تعالى انتهى
46 - رسالة من لسان الدين الى سلطان تونس
ولما خوطب لسان الدين من سلطان تونس بما لم يحضرنى الآن أجاب عنه بما نصه المقام الإمامى الإبراهيمي المولوي المستنصري الحفصى الذى كرم فرعا وأصلا وشرف جنسا وفصلا وتملى فى ظل رعاية المجد من لدن المهد كرما وخصلا وصرفت متجردة الأقلام الى مثابة خلافته المنصورة الأعلام وجوه عبارة الكلام فاتخذ من مقام إبراهيم مصلى مقام مولانا أمير المؤمنين الخليفة الإمام أبى إسحاق ابن مولانا ابى يحيى أبى بكر ابن الخلفاء الراشدين أبقاه الله تعالى تهوى إليه الأفئدة كلما انتشت بذكره وتتنافس الألسنة فى إحراز غاية حمده وشكره وتتكفل الأقدار بإنفاذ نهيه وأمره وتغرى عوامل عوامله بحذف زيد عدوه وعمره ويتبرع أسمر الليل وأبيض النهار بإعمال بيضه وسمره ولا زال حسامه الماضى يغنى يومه فى النصر عن شهره والروض يحييه بمباسم زهره ويرفع إليه رقع الحمد ببنان قضبه الناشئة من معصم نهره وولى الدنيا والآخرة يمتعنا بهما بعد الإعانة على مهره يقبل بساطه المعود الاستلام بصفحات الخدود الرافع

عماده ظل العدل الممدود عبد مقامه المحمود ووارد غمر إنعامه غير المنزور ولا المثمود المثنى على نعمه العميمة ومنحه الجسيمة ثناء الروض المجود على العهود ابن الخطيب من باب المولى الموجب حقه المتأكد الفروض الثابت العهود المعتد منه بالود الجامع الرسوم والحدود والفضل المتوارث عن الآباء والجدود يسلم على مثابتها سلام متلو على مثلها ان وجد المثل فى الثانى ويعوذ كمالها بالسبع المثانى ويدعو الله تعالى لسلطانها بتشييد المبانى وتيسير الأمانى وينهى الى علوم تلك الخلافة الفاروقية المقدسة بمناسب التوحيد المستولية من مدارك الآمال على الأمد البعيد أن مخاطبتها المولوية تاهت على الملوك فارعة العلا مزعفرة الحلل والحلى ذهبية المجلى تفيد العز المكين والدنيا والدين وترعى فى الآباء والبنين على مر السنين ( صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) البقرة وقد حملت من مدحها الكريم ما أخفى للمملوك من قرة عين وردة زين جبين الشرف الوضاح ومستوجب الحق على مثله من الخلق بالنسب الصراح والغرر والأوضاح والأرج الفواح فاقتنى دره النفيس ووجد المروع فى جانب الخلافة التنفيس وقراه لما قراه التعظيم والتقديس وقال ( يا أيها الملأ إنى ألقى إلى كتاب كريم ) النمل وإن لم يكن بلقيس أعلى الله تعالى تلك اليد مطوقة الأيادي ومخجلة الغمائم والغوادى وأبقاها عامرة النوادى غالبة الأعادى وجعل سيفها السفاح ورأيها الرشيد وعلمها الهادى ووصل ما ألطف به رعيها من أشتات بر بلغت وموارد فضل سوغت أمدتها سعادة المولى بمدد لم يضر معه البحر الهائل ولا العدو الغائل وأقام أودها عند الشدائد الفلك المائل لا بل الملك الذى له إلى الله الوسائل وحسب الجفن رسالتكم الكريمة لحظا فصان وأكرم وعوذة فتعوذ بها وتحرم وتولى المملوك تنفيق عروضها

بانشراح صدره وعلى قدره فوقعت الموقع الذى لم يقعه سواها فأما الخيل فأكرم مثواها وجعلت جنان الصون مأواها ولو كسيت الربيع المزهر حللا وأوردت فى نهر المجرة علا ونهلا وقلدت النجوم العواتم صحلا ومسحت أعطافها بمنديل النسيم وألحفت بأردية الصباح الوسيم وأفترشت لمرابطها الحشايا وأقضمت حبات القلوب بالعشايا لكان بعض ما يجب لحقها الذى لا يجحد فضله ولا يحتجب وما عداها من الرقيق والفتيان رعاه ذلك الفريق تكفله الاستحسان وأطنب الاعتقاد وان قصر اللسان تولى الله تعالى تلك الخلافة بالشكر الذى يحسب العطاء والحفظ الذى يسبل الغطاء والصنع الذى ييسر من مطا الأمل الامتطاء وأما ما يختص بالمملوك فقد خصه بقبوله تبركا بتلك المقاصد التى سددها الدين وعددها الفضل المبين وأنشد الخلافة التى راق من مجدها الجبين
( قلدتنى بفرائد أخرجتها ... من بحر جودك وهو ملتطم الثبج )
( ورعيت نسبتها فإن سبيكة ... مما يلائم لونها قطع السبج )
والمملوك بهذا الباب النصرى أعزه الله تعالى على قدم خدمة وقائم بشكر منه لكم ونعمة وحاضر فى جملة الأولياء بدعائه وحبه ومتوسل فى دوام بقاء أيامكم ونصر أعلامكم إلى ربه وان بعد بجسمه فلم يبعد بقلبه والسلام الكريم الطيب البر العميم يخصها دائما متصلا و
C تعالى وبركاته انتهى
47 - مخاطبة من ابن البربري المالقى إلى لسان الدين
ومما خوطب به لسان الدين قول أبى الحسن على بن يحيى الفزارى المالقى

المعروف بابن البربرى وكان ممن يمدح الملوك والكبراء
( لبابك أم الآملون ويمموا ... وفى ساحتى رحماك حطوا وخيموا )
( ومن راحتى كفيك جدواك تنهمى ... فتروى عطاش من نداك وتنعم )
( وأنت لما راموه كعبه حجهم ... إذا شاهدوا مرآك لبوا وأحرموا )
( يطوفون سبعا حول بابك عندما ... يلوح لهم ذاك المقام المعظم )
( فيمناك يمن للرعايا ومنه ... ويسراك يسر للعفاة ومغنم )
( ولقياك بشر للنفوس وجنة ... ترن بها ورق المنى وترنم )
( فيا واحد الأزمان علما ومنصبا ... ويا من به الدنيا تروق وتبسم )
( ومن وجهه كالبدر يشرق نوره ... ومن جوده كالغيث بل هو أكرم )
( ومن ذكره كالمسك فض ختامه ... وكالشمس نورا بشره المتوسم )
( لقد حزت فضل السبق غير منازع ... فأنت على أهل السباق مقدم )
( حويت من العلياء كل كريمة ... بها الروض يندى والربى تتبسم )
( وباهيت أقلام الأنام براعة ... فلا قلم إلا يراعك يخدم )
( إذا فاخر الأمجاد يوما فإنما ... لمجدك فى حال الفخار يسلم )
( وإن سكتوا كنت البليغ لديهم ... تعبر عن سر العلا وتترجم )
ومنها
( فيا صاحبى نجواي عوجا برامة ... على ربعه حيث الندى والتكرم )
( وقولا له عبد ببابك يرتجى ... قضاء لبانات لديك تتمم )
( فليس له إلا علاك وسيلة ... ولا شىء أسمىمن علاك وأعظم )
( فجد بالذى يرجوه منك فما له ... كعقد ثمين من ثنائك ينظم )
( بقيت ونجم السعد عندك طالع ... يضىء له بدر وتشرق أنجم )
توفى المذكور بالطاعون عام خمسين وسبعمائة انتهى

48 - مخاطبة من الحرالى الى لسان الدين
ومما خوطب به قول أبى القاسم قاسم بن محمد الحرالى المالقى القاضى بانتقيرة قبل وفاته
( عليك قصرت المدح يا خير ماجد ... وأفضل موصوف بكل المحامد )
( ويا كهف ملهوف وملجأ خائف ... ومورد جود قد كفى كل وارد )
( لقد شهرت بالمجد منك شمائل ... محاسنها أزكى وأعدل شاهد )
( وكل الذى يبدو من الفضل بعض ما ... حبيت به أعظم بها من محامد )
( إذا أملت منك المكارم ألفيت ... تنادي هلموا فزتم بالمساعد )
( عطاؤكم جزل فمن أمل الغنى ... فمثلكم يبغى فيا سعد قاصد )
( وراثة مجد كابرا بعد كابر ... وأصل زكى الفرع عذب الموارد )
ترجمة أبى القاسم الحوالى
وتوفى المذكور بالطاعون عام خمسين وسبعمائة وفى حقه يقول فى الإكليل مشمر فى الطلب عن ساق مثابر على اللحاق بدرجات الحذاق منتحل للعربية جاد فى إحصاء خلافها ومعاطاه سلافها وربما شرست فى المذاكرة أخلاقه إذا بهرجت أعلاقه ونوزع تمسكه بالحجة واعتلاقه
وقال لسان الدين فى ترجمة شعر المذكور إنه ضعيف مهزول انتهى
49 - رسالة من المنتشاقري الى لسان الدين
ومما خوطب به قول أبى الحجاج يوسف بن موسى الجذامى المنتشاقري من أهل رندة ونصه
( حباك فؤادى نيل بشرى وأحياكا ... وحيد بآداب نفائس حياكا )

( بدائع أبداها بديع زمانه ... فطاب بها يا عاطر الروض رياكا )
( أمهديها أودعت قلبى علاقة ... وإن لم يزل مغرى قديما بعلياكا )
( إذا ما أشار العصر نحو فريده ... فإياك يعنى بالإشارة إياكا )
( لاتحفنى لقياك أسنى مؤملى ... وهل تحفة فى الدهر إلا بلقياكا )
( وأعقبت إتحافى فرائدك التى ... وجوب ثناها يا لسانى أعياكا )
ووصل هذا النظم بنثر صورته خصصتنى أيها المخصوص بمآثر أعيا عدها وحصرها ومكارم طيب أرواح الأزاهر عطرها وسارت الركبان بثنائها وشملت الخواطر محبة علائها بفرائدك الأنيقة وفوائدك المزرية جمالا على أزهار الحديقة ومعارفك التى زكت حقا وحقيقة وهدت الضال عن سبيل الأدب مهيعه وطريقة وسبق تحفتك أعلى التحف عندى وهو مأمول لقائك والتمتع بالتماح سناك الباهر وسنائك على حين امتدت لذلكم اللقاء أشواقى وعظم من فوت استنارتى بنور محياك إشفاقى وتردد لهجى بما يبلغنى من معاليك ومعانيك وما شاده فكرك الوقاد من مبانيك وما أهلت به بلاغتك من دراسه وما أضفيت على الزمان من رائق ملابسه وما جمعت من أشتاته وأحييت من امواته وأيقظت من سناته وما جاد به الزمان من حسناته فلترداد هذه المحاسن من أنبائك وتصرف الألسنة بثنائك علقت النفس من هواها بأشد علاقة وجنحت إلى لقائك جنوح والهة مشتاقة والحوادث الجارية تصرفها والعوائق الحادثة كلما عطفت أملها إليه لا تتحفها به ولا تعطفها إلى إن ساعد الوقت وأسعد البخت بلقائكم فى هذه السفرة الجهادية وجاد إسعاف الإسعاد من أمنيتى بأسنى هدية فلقيتكم لقيا خجل ولمحت أنواركم لمحة على وجل ومحبتى فى محاسنكم الرائقة ومعاليكم الفائقة على

ما يعلمه ربنا عز و جل وتذكرت عند لقائكم المأمول إنشاء قائل يقول
( كانت مساءلة الركبان تخبر عن ... محمد بن الخطيب أطيب الخبر )
( حتى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذنى بأحسن مما قد رأى بصرى )
قسم لعمرى أقوله وأعتقده واعتده واعمده فلقد بهرت منك المحاسن وفقت من يحاسن وقصر عن شأوك كل بليغ لسن وسبقت فطنتك النارية النورية بلاغة كل فطن وشهد لك الزمان أنك وحيده ورئيس عصبته الأدبية وفريدة فبورك لك فيما انلت من الفضائل وأوتيت من آيات المعارف التى بها نور الغزالة ضائل ولا زلت ترقى فى مراتب المعالى موقى صروف الأيام والليالى انتهى
50 - رسالة لسان الدين
الى المنتشاقرى
وهذا الخطاب جواب من المذكور لكلام خاطبه به لسان الدين نصه
( حمدت على فرط المشقة رحله ... أتاحت لعينى اجتلاء محياكا )
( وقد كنت بالتذكار فى البعد قانعا ... وبالريح إن هبت بعاطر رياكا )
( فحلت لى النعمى بما أنعمت به ... على فحياها الإله وحياكا )
أيها الصدر الذى بمخاطبته يباهى ويتشرف والعلم الذى بالإضافة إليه يتعرف والروض الذى لم يزل على البعد بأزهاره الغضة يتحف دمت تتزاحم على موارد ثنائك الألسن ويروى الرواة من أنبائك ما يصح ويحسن طالما مالت إليك النفوس منا وجنحت وزجرت الطائر الميمون من رقاعك كلما سنحت فالآن اتضح البيان وصدق الأثر العيان ولقد كنا للمقام بهذه الرحال نرتمض ويجن الظلام فلا نغتمض هذا يقلقه إصفار كيسه وهذا يتوجع لبعد أنيسه وهذا تروعه الأهوال وتضجره بتقلباتها الأحوال

فمن أنه لا تنفع وشكوى إلى الله تعالى ترفع فلما ورد بقدومك البشير وأشار إلى ثنية طلوعك المشير تشوفت النفوس الصدئة إلى جلائها وصقالها والعقول إلى حل عقالها والأنفس المفحمة إلى فصل مقالها ثم إن الدهر راجع التفاته واستدرك ما فاته فلم يسمح من لقائك إلا بلمحة ولا بعث من نسيم روضك بغير نفحة فما زاد إن هيج الأشواق فالتهبت وشن غاراتها على الجوانح فانتهبت واعل القلوب وأمرضها ورمى ثغرة الصبر فأصاب غرضها فإن رأيت إن تنفس عن نفس شد الشوق مخنقها وكدر مشارب انسها وأذهب رونقها وتتحف من آدابك بدرر تقتنى وروضة طيبة الجنى فليست ببدع فى شيمك ولا شاذة فى باب كرمك ولولا شاغل لا يبرح وعوائق أكثرها لا يشرح لنافست هذه السحاءة فى القدوم عليك والمثول بين يديك فتشوقى إلى اجتلاء أنوارك شديد وتشيعى إلى ابلاء الزمان جديد انتهى
ترجمة ابى الحجاج المنتشاقري
ووصف لسان الدين فى التاج المحلى أبا الحجاج المذكور بما صورته حسنة الدهر الكثير العيوب وتوبة الزمان الجم الذنوب ما شئت من أدب يتألق وفضل تتعطر به النسمات وتتخلق ونفس كريمة الشمائل والضرائب وقريحة يقذف بحرها بدرر الغرائب إلى خشية لله تعالى تحول بين القلوب وقرارها وتثنى النفوس عن اغترارها ولسان يبوح بأشواقه وجفن يسخو بدرر أماقه وحرص على لقاء كل ذى علم وأدب ومن يمت إلى أهل الديانة والعبادة بسبب سبق بقطره الحلبة وفرع من الأدب الهضبة ورفع الراية

وبلغ فى الإحسان الغاية فطارت قصائده كل المطار وتغنى بها راكب الفلك وحادى القطار وتقلد خطه القضاء ببلده وانتهت إليه رياسة الأحكام بين أهله وولده فوضحت المذاهب بفضل مذهبه وحسن مقصده وله شيمة فى الوفاء تعلم منها الآس ومؤانسة عذبه لا تستطيعها الأكواس وقد أثبت من كلامه ما تتحلى به مراتب المهارق ويجعل طيبه فوق المفارق وكنت أتشوق إلى لقائه فلقيته بالمحلة من جبل الفتح لقيا لم تبل صدى ولا شفت كمدا وتعذر بعد ذلك لقاؤه فخاطبته بهذه الرقعة
( حمدت على فرط المشقة رحله ... )
فذكر لسان الدين ما قدمنا إلى آخره
وقد أورد جملة من مطولاته وغيرها ومؤلفاته ولنلخص بعض ذلك فنقول
ومن شعر أبى الحجاج المذكور يمدح الجهة الكريمة النبوية مصدرا بالنسب لبسط الخواطر النفسانية قوله
( لما تناهى الصب فى تشويقه ... درر الدموع اعتاضها بعقيقه )
( متلهف وفؤاده متلهب ... كيف البقا بعد احتدام حريقه )
( متموج بحر الدموع بخده ... أنى خلاص يرتجى لغريقه )
( متجرع صاب النوى من هاجر ... ما ان يحن للاعجاب مشوقه )
( يسبى الخواطر حسنه ببديعه ... يصبى النفوس جماله بأنيقه )
( قيد النواظر إذ يلوح لرامق ... لا تنثنى الأحداق عن تحديقه )
( للبدر لمحته كبشر ضيائه ... للمسك نفحته كنشر فتيقه )
( سكرت خواطر لا محيه كأنهم ... شربوا من الصهباء كأس رحيقه )
( عطشوا لثغر لا سبيل لريقه ... إلا كلمحهم للمع بريقه )

( ما ضر مولى عاشقوه عبيده ... لو رق اشفاقا لحال رقيقه )
( عنه اصطبارى ما أنا بمطيعه ... مثل السلو ولا أنا بمطيقه )
( سجع الحمام بشوق ترجيع الهوى ... فأثار شجو مشوقه بمشوقه )
( وبكت هديلا راعها تفريقه ... ويحق إن يبكى أخو تفريقه )
( وبكاء أمثالى أحق لأننى ... لم اقض للمولى أكيد حقوقه )
( وغفلت فى زمن الشباب المنقضى ... أقبح بنسخ بروره بعقوقه )
( وبدا المشيب وفيه زجر ذوى النهى ... لو كنت مزدجرا لشيم بروقه )
( حسبى ندامة آسف مما جنى ... يصل النشيج لوزره بشهيقه )
( ويروم ما خرم الهوى زمن الصبا ... ويروم من مولاه رتق فتوقه )
( ويردد الشكوى لديه تذللا ... عل الرضى يحييه درك لحوقه )
( فيصح من سكر التصابى سكره ... نسخا لحكم صبوحه وغبوقه )
( لو كنت يممت التقى وصحبته ... وسلكت إيثار سواء طريقه )
( لأفدت منه فوائدا وفرائدا ... عرضت تسام لرابح فى سوقه )
( لله ارباب القلوب فانهم ... من حزب من نال الرضى وفريقه )
( قاموا وقد نام الأنام فنورهم ... هتك الدجى بضيائه وشروقه )
( وتأنسوا بحبيبهم فلهم به ... بشر لصدق الفضل فى تحقيقه )
( قصرت عنهم عندما سبقوا المدى ... ولسابق فضل على مسبوقه )
( لولا رجاء تلمح من نورهم ... يحيي الفؤاد بسيره وطروقه )
( وتأرج يستاف من أرواحهم ... سبب انتعاش الروح طيب خلوقه )
( لفنيت من جرا جرائرى التى ... من خوفها قلبى حليف خفوقه )
( ومعى رجاء توسل أعددته ... ذخرا لصدمات الزمان وضيقه )
( حبى ومدحى أحمد الهادى الذى ... فوز الأنام يصح فى تصديقه )
( أسمى الورى فى منصب وبمنسب ... من هاشم زاكى النجار عريقه )
( الحق أظهره عقيب خفائه ... والدين نظمه لدى تفريقه )

( ونفى هداه ضلالة من جائر ... مستوثق بيغوثه ويعوقه )
( سبحان مرسله الينا رحمة ... يهدى ويهدى الفضل من توفيقه )
( والمعجزات بدت بصدق رسوله ... وحقيقه بالمأثرات خليقه )
( كالظبى فى تكليمه والجذع فى ... تحنينه والبدر فى تشقيقه )
( والنار إذ خمدت بنور ولادة ... وأجاج ماء قد حلا من ريقه )
( والزاد قل فزاد من بركاته ... فكفى الجيوش بتمره وسويقه )
( ونبوع ماء الكف من آياته ... وسلام أحجار غدت بطريقة )
( والنخل لما إن دعاه مشى له ... ذا سرعة بعذوقه وعروقه )
( والآرض عاينها وقد زويت له ... فقريب ما فيها رأى كسحيقه )
( وكذا ذراع الشاة قد نطقت له ... نطق اللسان فصيحة وذليقة )
( ورمى عداه بكف حصبا فانثنت ... هربا كمذعور الجنان فروقه )
( وعليه آيات الكتاب تنزلت ... تتلى بعلو جلاله وبسوقه )
( وأذيق من كأس المحبة صرفها ... سبحان ساقيه بها ومذيقه )
( حاز السناء وناله بعروجه ... جاز السماء طباقها بخروقه )
( ولكم له من آية من ربه ... وعناية ورعاية بحقوقه )
( يا خيرة الأرسال عند إلهه ... يا محرز العليا على مخلوقه )
( علقت آمالى بجاهك عدة ... والقصد ليس يخيب فىتعليقه )
( وعلقت من حبل اعتمادى عمدة ... لتمسكى بقويه ووثيقه )
( ولئن غدوت أخيذ ذنبى إننى ... أرجو بقصدك أن أرى كطليقه )
( وكساد سوقى مذ لجأت لبابكم ... يقضى حصول نفوذه ونفوقه )
( ويحن قلبى وهو فى تغريبه ... لمزاره لرباك فى تشريقه )
( وتزيد لوعته متى حث السرى ... حاد حدا بجماله وبنوقه )
( وأرى قشيب العمر أمسى باليا ... ومرور دهرى جد فى تمزيقه )

( وأخاف أن أقضى ولم أقض المنى ... بنفوذ سهم منيتى ومروقه )
( فمتى أحط على اللوى رحلى وقد ... بلغت ركابى للحمى وعقيقه )
( وأمرغ الخدين فى ترب غدا ... كالمسك فى أرج شذا منشوقه )
( وأعيد إنشائى وإنشادى الثنا ... ببديع نظم قريحتى ورقيقه )
( حتى أميل العاشقين تطربا ... كالغصن مر صبا على ممشوقه )
( وتحية التسليم أبلغ شافع ... وثنا المديح حديثه وعتيقه )
( ولذى الفخار وذى الحلى ووزيره ... صديقه وأخى الهدى فاروقه )
( منى السلام عليهم كالزهر فى ... تأليفها والزهر فى تأنيقه )
وقال
( هواكم بقلبى ما لمحكمه نسخ ... ومن أجله جفنى بمدمعه يسخو )
( ومن نشأتى ما ان صحت منه نشوتى ... سواء به عصر المشيب أو الشرخ )
( عليه حياتى مذ تمادت وميتتى ... وبعثى إذا بالصور يتفق النفخ )
( ولى خلد أضحى قنيص غرامه ... ولا شرك يدنى إليه ولا فخ )
( قتلت سلوى حين أحييت لوعتى ... وما اجتيح بالإقرار فى حالتى لطخ )
( وأغدو الى سعدى بكرخ علاقتى ... وقصدى ليس سعدى ولا الكرخ )
( وناصح كتمى إذ زكت بيناته ... يجول عليه من دموع الأسى نضخ )
( وأرجو بتحقيقى هواكم بان أفى ... فعهد ولا نقض وعقد ولا فسخ )
( وما الحب إلا ما استقل ثبوته ... لمبناه رص فى الجوانح أو رسخ )

( إذا مسلك لم يستقم بطريقة ... سلكت اعتدالا مثلما يسلك الرخ )
( بدا لضميرى من سناكم تلمح ... فبخ لعقل لم يطر عندها بخ )
( على عود ذاك اللمح ما زلت نادبا ... كما تندب الورقاء فارقها الفرخ )
( يدي باياديكم وقلبىشاغل ... فمن فكرتى نسج ومن أنملى نسخ )
وقال
( إليك تحن النجب والنجباء ... فهم وهى فى أشواقهم شركاء )
( تخب بركاب تحب وصولها ... لأرض بها باد سنا وسناء )
( فأنفاسها ما إن تني صعداؤها ... وأنفسهم من فوقها سعداء )
( هم عالجوا إذ عجل السير داءهم ... وأشباه مثلى مدنفون بطاء )
( فعدت ودونى للحبيب ترحلوا ... وما قاعد والراحلون سواء )
( له وعليه حب قلبى وأدمعى ... وقد صح لى حب وسح بكاء )
( بطيبة هل أرضى وتبدو سماؤها ... وإن تك أرضا فالحبيب سماء )
( شذا نفحها واللمح منها كأنه ... ذكاء عبير والضياء ذكاء )
( فيا حاديا غنى وللركب حاديا ... عنانى بعد البعد عنك عناء )
( بسلع فسل عما أقاسى من الهوى ... وسل بقباء إذ يلوح قباء )
( وفى عالج منى بقلبى لاعج ... فهل لى علاج عنده وشفاء )
( وللرقمتين أرقم الشوق لادغ ... ودرياقه أن لو يباح لقاء )
( أماكن تمكين وأرض بها الرضى ... وأرجاء فيها للمشوق رجاء )
وقال
( أدب الفتى فى أن يرى متيقظا ... لأوامر من ربه ونواه )
( فإذا تمسك بالهوى يهوى به ... والحبل منه لمن تيقن واه )

وقال
( يا من بدنياه ظل فى لجج ... حقق بأن النجاة فى الشاطى )
( تطمع فى إرثك الفلاح وقد ... أضعت ما قبله من اشراط )
( كن حذرا فى الذى طمعت به ... من حجب نقص وحجب إسقاط )
وقال
( ترى شعروا أنى غبطت نسيمة ... ذكت بتلاقى الروض غب الغمائم )
( كما قابلت زهر الرياض وقبلت ... ثغور أقاحيه بلا لوم لائم ) وقال
( ورد المشيب مبيضا بوروده ... ما كان من شعر الشبيبة حالكا )
( يا ليته لو كان بيض بالتقى ... ما سودته مآثم من حالكا )
( إن المشيب غدا رداء للردى ... فإذا علاك أجد فى ترحالكا ) وقال
( لوعة الحب فى فؤادى تعاصت ... أن تداوى ولو أتى ألف راق )
( كيف يبرا من علة وعليها ... زائد علة النوى والفراق )
( فانسكاب الدموع جار فجار ... والتهاب الضلوع راق فراق )
ومن غرائب الاتفاق أنه قال كنت جالسا بين يدى الخطيب أبى القاسم التاكرونى صبيحة يوم بمسجد مالقة فقال لنا فى أثناء حديثه رأيت البارحة فى عالم النوم كأن أبا عبد الله الجليانى يأتينى ببيتي شعر فى يده وهما

( كل علم يكون للمرء شغلا ... بسوى الحق قادح فى رشاده )
( فإذا كان فيه لله حظ ... فهو مما يعده لمعاده )
قال فلم ينفصل المجلس حتى دخل علينا الفقيه الأديب أبو عبد الله الجليانى والبيتان معه فعرضهما على الشيخ فأخبره أنه صنعهما البارحة فقال له كل من فى المجلس أخبرنا بهما الشيخ قبل مجيئك فكان هذا من العجائب
ولأبى الحجاج المذكور تواليف منها كتاب ملاذ المستعين فى بعض خصائص سيد المرسلين أربعون حديثا وكتاب تخصيص القرب وتحصيل الأرب وقبول الرأى الرشيد فى تخميس الوتريات النبوية لابن رشيد وانتشاق النسمات النجدية واتساق النزعات الجدية وغرر الأمانى المسفرات فى نظم المكفرات والنفحات الرندية واللمحات الرندية مجموع شعره وحقائق بركات المنام فى مرأى المصطفى خير الأنام والاستشفاء بالعدة والاستشفاع بالعمدة فى تخميس البردة وتوجع الراثى فى تنوع المراثى واعتلاق السائل بأفضل الوسائل ولمح البهيج ونفح الأريج فى ترجيز كلام الشيخ أبى مدين من عبارات حكمية وإشارات صوفية وكتاب تجريد رؤوس مسائل البيان والتحصيل لتيسير البلوغ لمطالعتها والتوصيل وفهرسة روايته ورجز ذكر مشايخ ابى عمر الطنجى وكتاب أرج الأرجاء فى مزج الخوف والرجاء أربعون حديثا فى الرجاء والخوف
وكان رحمه الله تعالى حيا حين ألف لسان الدين الإحاطة رحم الله تعالى الجميع
ورأيت على ظهر أول ورقة من الريحانة بخط الإمام الكبير الشهير الشيخ إبراهيم الباعونى الدمشقى رحمه الله تعالى ما نصه قال كاتبه إبراهيم بن أحمد الباعونى غفر الله ذنوبه وستر عيوبه وبلغه من فضله مطلوبه صاحب كتاب الريحانة آية من آيات الله سبحانه لوجه أدبه طلاقة وللسانه ذلاقة

وللقلوب به علاقة وفى خطه غلاقة يعرفها من عرف اصطلاحه بمطالعته وينفتح له باب فهمها بتكرير مراجعته فليتأمل الناظر اليه والمقبل عليه ما فيه من الجواهر والنجوم الزواهر بل الآيات البواهر وليسبح الله تعالى تعجبا من قدرته جل وعلا ومواهبه التى عذب ماؤها النمير وحلا وليقل عند تأمل دره النظم ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) الحديد انتهى
وقوله رحمه الله تعالى وفى خطة غلاقة ليس المراد به إلا صعوبة الخط المغربى على أهل المشرق حسبما يعلم مما بعده وإلا فإن خط لسان الدين رحمه الله تعالى محمود عند المغاربة ولنقتصر من هذا الغرض على ماذكر فان تتبعه يطول إذ هو بحر لا ساحل له
نقل من الروض الآريض لابن عاصم
وكان لسان الدين رحمه الله تعالىمؤثرا لقضاء حاجة من أمله وقصد بابه وأم له سواء كان من أودائه أو من أعدائه وقد ذكر الوزير الرئيس الكاتب أبو يحيى ابن عاصم رحمه الله تعالى عنه فى ذلك حكاية فى أثناء كلام رأيت أن أذكر جملته لما اشتمل عليه من الفائدة وهو انه ذكر فى ترجمة شموس العصر من ملوك بنى نصر من كتابه ب المسمى الروض الأريض فى اسم السلطان الذى كان ابن الخطيب وزيره وهو الغنى بالله محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن نصر الخزرجى بعد كلام ما صورته كان قد جرى عليه التمحيص الذى أزعجه عن وطنه الى الدار البيضاء بالمغرب من إيالة بنى مرين فأفادته الحنكة والتجربة هذه السيرة التى وقف شيوخنا على حقيقتها وانتهجوا واضح طريقتها وبلغتنا منقولة بألسنة صدقهم معبرا عنها فى عرف

التخاطب بالعادة فلم يكن الوزير الكيس والرئيس الجهبذ يجريان من الاستقامة على قانون ولا يطردان من الصواب على اسلوب الا بالمحافظة على ما رسم من القواعد والمطابقة لما ثبت من العوائد وكان ذوو النبل من هذه الطبقة وأولو الحذق من أرباب هذه المهن السياسية يتعجبون من صحة اختياره لما رسم وجوده تمييزه لما قصد ويرون المفسدة فى الخروج عنها ضربة لازب وأن الاستمرار على مراسمها آكد واجب فيتحرونها بالالتزام كما تتحرى السنن ويتوخونها بالإقامة كما تتوخى الفرائض وسواء تبادر لهم معناها ففهموه أو خفى عليهم وجه رسمها فجهلوه حدثنى شيخنا القاضى أبو العباس أحمد بن أبى القاسم الحسنى أن الرئيس ابا عبد الله ابن زمرك دخل على الشيخ ذى الوزارتين ابى عبد الله ابن الخطيب يستأذنه فى جملة مسائل مما يتوقف عادة على إذن الوزير وكان معظمها فيما يرجع الى مصلحة الرئيس أبى عبد الله ابن زمرك قال الشريف فأمضاها كلها له ما عدا واحدة منها تضمنت نقض عادة مستمرة فقال له ذو الوزارتين ابن الخطيب لا والله يا رئيس ابا عبد الله لا آذن فى هذا لأنا ما استقمنا فى هذه الدار إلا بحفظ العوائد
ثم قال صاحب الروض فلما تأذن الله تعالى للدولة بالاضطراب واستحكم الوهن بتمكن الأسباب عدل عن تلك القواعد الراسخة واستخف بتلك القوانين الثابتة فنشأ من المفاسد ما أعوز رفعه وتعدد وتره وشفعه واستحكم ضرره حتى لم يمكن دفعه وتعذر فيه الدواء الذى يرجى نفعه وكان قد صحبه من الجد ما سنى آماله وأنجح بإذن الله تعالى أقواله وأعماله فكان يجرى الأمر على رسم من السياسة واضح ونظر من الآراء السديدة راجح ثم يحفه من الجد سياج لا يفارقه الى تمام الغاية المطلوبة من حصوله وتمكن مقتضى الإرادة السلطانية من فروعه وأصوله انتهى كلام ابن عاصم

وإذ جرى ذكره فلا بأس ان نلمع بشىء من أحواله لأن أهل الأندلس كانوا يسمونه ابن الخطيب الثانى فنقول
ترجمة أبى يحيى ابن عاصم
هو الإمام العلامة الوزير الرئيس الكاتب الجليل البليغ الخطيب الجامع الكامل الشاعر المفلق الناثر الحجة خاتمة رؤساء الأندلس بالاستحقاق ومالك خدم البراعة بالاسترقاق أبو يحيى محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عاصم القيسى الأندلسى الغرناطى قاضى الجماعة بها كان رحمه الله تعالى من أكابر فقهائها وعلمائها ورؤسائها أخذ عن الإمام المحقق أبى الحسن ابن سمعت والإمام القاضى ابى القاسم ابن سراج والشيخ الراوية ابى عبد الله المنتورى والإمام ابى عبد الله البيانى وغيرهم ومن تآليفه شرح تحفة والده وذكر فيه أنه ولى القضاء سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة ومنها كتاب جنة الرضى فى التسليم لما قدر الله تعالى وقضى وكتاب الروض الأريض فى تراجم ذوى السيوف والأقلام والقريض كأنه ذيل به إحاطة لسان الدين ابن الخطيب وله غير ذلك وقد أطلت الكلام فى ترجمته من كتابى أزهار الرياض فى اخبار عياض وما يناسبها مما يحصل للنفس به ارتياح وللعقل ارتياض
ووصفه ابن فرج السبتى بأنه الأستاذ العلم الصدر المفتى القاضى رئيس الكتاب ومعدن السماحة ومنبع الآداب انتهى
نموذج من نثر ابن عاصم
وقد تقدم بعض كلامه فيما مر ومن بديع نثره الذى يسلك به نهج ابن

الخطيب رحمه الله تعالى قوله من كلام جلبت جملته فى أزهار الرياض واقتصرت هنا على قوله بعد الحمدلة الطويلة ما صورته أما بعد فان الله على كل شىء قدير وانه بعباده لخبير بصير وهو لمن أهل نيته وأخلص طويته نعم المولى ونعم النصير بيده الرفع والخفض والبسط والقبض والرشد والغى والنشر والطى والمنح والمنع والضر والنفع والبطء والعجل والرزق والأجل والمسرة والمساءة والإحسان والإساءة والإدراك والفوت والحياة والموت اذا قضى أمرا فانما يقول له كن فيكون وهو الفاعل على الحقيقة وتعالى الله عما يقول الآفكون وهو الكفيل بان يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون وان فى احوال الوقت الداهية لذكرى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد وعبره لمن يفهم قوله تعالى ( إن الله يفعل ما يشاء ) الحج ( إن الله يحكم ما يريد ) المائدة بينما الدسوت عامرة والولاة آمره والفئة مجموعة والدعوة مسموعة والإمرة مطاعة والأجوبة سمعا وطاعة واذا بالنعمة قد كفرت والذمة قد خفرت
إلى أن قال والسعيد من اتعظ بغيره ولا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا جعلنا الله تعالى ممن قضى عمره بخيره وبينما الفرقة حاصلة والقطيعة فاصلة والمضرة واصلة والحبل فى انبتات والوطن فى شتات والخلاف يمنع رعى متات والقلوب شتى من قوم أشتات والطاغية يتمطى لقصم الوطن وقضمه ويلحظه لحظ الخائف على هضمه والآخذ بكظمه ويتوقع الحسرة أن يأذن الله بجمع شمله ونظمه على رغم الشيطان ورغمه واذا بالقلوب قد ائتلفت والمتنافرة قد اجتمعت بعدما اختلفت والأفئدة بالألفة قد اقتربت الى الله تعالى وازدلفت والمتضرعة الى الله تعالى قد ابتهلت فى اصلاح الحالة التى سلفت فألقت الحرب أوزارها وأدنت الفرقة النافرة مزارها وجلت الألفة الدينية

أنوارها وأوضحت العصمة الشرعية آثارها ورفعت الوحشة الناشبة أظفارها أعذارها وأرضت الخلافة الفلانية أنصارها وغضت الفئة المتعرضة أبصارها وأصلح الله تعالى أسرارها فجمعت الأوطان بالطاعة والتزمت نصيحة الدين بأقصى الاستطاعة وتسابقت الى لزوم السنة والجماعة وألقت الى الإمامة الفلانية يد التسليم والضراعة فتقبلت فيأتهم وأحمدت جيأتهم وأسعدت آمالهم وارتضيت أعمالهم وكملت مطالبهم وتممت مآربهم وقضيت حاجاتهم واستمعت مناجاتهم وألسنتهم بالدعاء قد انطلقت ووجهتهم فى الخلوص قد صدقت وقلوبهم على جمع الكلمة قد اتفقت وأكفهم بهذه الإمامة الفلانية قد اعتلقت وكانت الإدالة فى الوقت على عدو الدين قد ظهرت وبرقت الى ان قال وكفت القدرة القاهرة والعزة الباهرة من عدوان الطاغية غوائل باعزاز دين الله الموعود بظهوره على الدين كله فواتح وأوائل ومعلوم بالضرورة أن الله تعالى لطيف بعباده حسبما شهد بذلك برهان الوجود ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) ابراهيم دليل على ما سوغ من الكرم والجود انتهى المقصود منه وهو كلام بليغ ومن أراد جملته فعليه بأزهار الرياض - من نظم ابن عاصم
ومن نظم ابن عاصم
المذكور قوله مخاطبا شيخه قاضى الجماعة ابا القاسم ابن سراج وقد طلب الاجتماع به زمن فتنة فظن أنه يستخبره عن سر من أسرار السلطان فأعده معتذرا ولم يصدق الظن
( فديتك لا تسأل عن السر كاتبا ... فتلقاه فى حال من الرشد عاطل )
( وتضطره إما لحالة خائن ... أمانته أو خائض فى الأباطل )
( فلا فرق عندى بين قاض وكاتب ... وشى ذا بسر أو قضى ذا بباطل )

قصيدة لابن الأزرق فى مدحه
ومن بديع ما نظم فى مدح الرئيس أبى يحيى ابن عاصم المذكور قول العلامة ابن الأزرق رحمه الله تعالى
( خضعت لمعطفه الغصون الميس ... ورنا فهام بمقلتيه النرجس )
( ذو مبسم زهر الربى فى كسبه ... متنافس عن طيبه متنفس )
( ومورد من ورده أو ناره ... يتنعم القلب العميد وييأس )
( فالورد فيه من دموعى يرتوي ... والنار فيه من ضلوعى تقبس )
( كملت محاسنه فقد ناضر ... ولو احظ نجل وثغر العس )
( صعب التعطف بالغرام حبيته ... فالحب يحبى والتعطف يحبس )
( غرس التشوق ثم أغرى الوجد بى ... فالوجد يغرى والتشوق يغرس )
( ما كنت أشقى لو حللت بجنة ... من وصله تحيا لديها الأنفس )
( ألحاظه ورضابه وعذاره ... حور بها أو كوثر أو سندس )
( وليال أنس قد أمنت بهن من ... واش ينم ومن رقيب يحرس )
( أطلعت شمس الراح فيها فاهتدى ... عاش إلينا فى الدجى ومغلس )
( صفراء كالعقيان فى الألوان ... للندمان كالشهبان منها أكؤس )
( صبت شقيقا فاستحالت نرجسا ... فى مزجها فمورد ومورس )
( وحبابها يغنى بأسنى جوهر ... أنفى لغم المعدمين وأنفس )
( يجلى بها للغم منها حندسا ... قمر عليه من الذؤابة حندس )
( حتى إذا عمشت مراة البدر من ... صبح بدا تلقاه إذ يتنفس )
( ناديته وسنا الصباح محصحص ... ينجاب عنه من الظلام معسعس )
( يا مطلع الأنوار زهرا يجتنى ... ومشعشع الصهباء نارا تلمس )
( بك مجلس الأنس اطمأن وبابن ... عاصم اطمأن من الرياسة مجلس )
( بدر بأنوار الهدى متطلع ... غيث بأشتات الندى متبجس )

( حامى فلم نرتع لخطب يعترى ... ووفى فلم نحفل بدهر يبخس )
( شيم مهذبة وعلم راسخ ... ومكارم هتن ومجد أقعس )
( لو كان شخصا ذكره لبدا على ... أعطافه من كل حمد ملبس )
( ذاكم أبو يحيى به تحمى العلا ... وبه خلال الفخر طرا تحرس )
( بيت على عمد الفخار مطنب ... مجد على متن السماك مؤسس )
( خيم وعرس فى حماه فكم حوى ... فيه المراد مخيم ومعرس )
( إنا لنغدو هيما فينيلنا ... ريا ويوحشنا النوى فيؤنس )
( حتى اقمنا والأمانى منهضات ... وابتسمنا والزمان معبس )
( لم ندر قبل يراعه وبنانه ... ان الذوابل بالغمائم تبجس )
( هن اليراع بها يؤمن خائف ... ويحاط مذعور ويغنى مفلس )
( مهما انبرت فهى السهام يرى لها ... وقع لأغراض البيان مقرطس )
( يشفى بمأمله الشكى المعترى ... يحيا بمأمنه الحمام المؤيس )
( فتقص حين تشق منها ألسن ... وتسير حين تقط منها أروس )
( من كل وشاء بأسرار النهى ... درب بإظهار السرائر يهجس )
( قد جمع الأضداد فى حركاته ... فلذا اطراد فخاره لا يعكس )
( عطشان ذو ري يبيس مثمر ... غضبان ذو صفح فصيح أخرس )
( لله من تلك اليراع جواذب ... للسحر منك كأنها المغنيطس )
( رضنا شماس القول فى أوصافها ... فهى التى راضت لنا ما يشمس )
( وإليكها حللا تشابه نسجها ... مثلى يفصلها ومثلك يلبس )
( واهنأ بعيد باسم متهلل )
( وافاك يجهر بالسرور ويهمس )
( واحبس لواء الفخر موقوفا فان ... الحمد موقوف عليك محبس )
قلت وعندى الآن شك فى صاحب هذه القصيدة هل هو قاضى الجماعة بغرناطة محمد بن الأزرق أو ابن الأزرق الثانى القائل فيما يكتب على السيف

( ان عمت الأفق من نقع الوغى سحب ... فشم بها بارقا من لمع إيماضى )
( وان نوت حركات النصر أرض عدا ... فليس للفتح إلا فعلى الماضى ) 3والله سبحانه أعلم
رسالة ابن عاصم الى ابن طركاط
ومن إنشاء الرئيس ابن عاصم المذكور ما كتب به يخاطب الكاتب أبا القاسم ابن طركاط وهو القضاء حفظ الله تعالى كمالك وأنجح آمالك اذا لم يحطه العدل من كلا جانبيه سبيل معوج ومذهب لا يوافق عليه مناظر ولا ينصره محتج كما أنه إذا حاطة العدل جاده للنجاة وسبب فى حصول رحمه الله تعالى المرتجاة وسوق لنفاق بضاعة العبد المزجاة وأجمل العدل ما تحلى به فى نفسه الحكم وجرى على مقتضى ما شهدت به الآراء المشهورة والحكم حتى يكون عن البغى رادعا وبالقسط صادعا ولأنف الأنفة من الإذعان للحق جادعا وأنت أجلك الله تعالى على سعة اطلاعك وشدة ساعد قيامك بالطريقة واضطلاعك ممن لا ينبه على ما ينبغى ولا يرد على طلبته من الإنصاف المبتغى فلك فى الطريقة القاضوية التبريز وأنت إذا كان غيرك الشبه الذهب الإبريز ولعلمية عدلك التوشية بالنزاهة والتطريز وليتنى كنت لمظهرك الحكمى حاضرا ولإعلام القضاة بآرائك المرتضاة محاضرا والوازع قد تمرس بالخصوم وجعل المتصدى للإذن فى محل المخصوم وأنت حفظك الله تعالى قد قمت من غلظ الحجاب بالمقام المعصوم ومثلت من سعة المنزل فى الفضل والطول كالشهر المصوم والباب قد سد وداعى الشفاعة قد رد والميقات للإذن قد حد ومطلب الأجرة المتعارفة قد بلغ الأشد حتى إذا قضى الواجب وأذن فى دخول الخصمين الحاجب وكبح السابقين الى الحد الذى

لا يعدونه وحفز إيماؤه من تعداه أو وقف دونه وقد حصل باللحظ واللفظ التساوى وأنتج المطالب الأربعة هذا اللازم المساوى ومجلسك قد رجح وقاره برضوى ومجتلاك قد فضح نوره البدر الأضوا وقد امتزت عن سواك من القضاة بمراسم لا تليق بجملتهم معارفها وتخصصت عنهم بملابس تعج عجيجا من جذامهم مطارفها بحيث تحد لخلع النعلين حدا لا يتجاوز طواه وتسد فى بعض الأوقات الباب سدا لا ترقع بالمحاجر كواه وتفصل بين الخصمين أحيانا بالنية دون الكلام ولكل امرىء ما نواه
وهذه أعانك الله تعالى مكملات من العدل فى الحكم وقف عياض دون تحقيق مناطها وأعيت ابن رشد فلم يهتد بيانه ولا تحصيله لاستنباطها فما بال النازحة عنك حسا ومعنى النازلة من تقاضى دينك بمنزلة الممطول المعنى المعتقلة من ملكة رقك بحيث أقصاها لاعج الشوق المعذبة من الصبابة فيك بما شب عمره عن الطوق تتنفس الصعداء مما تشاهده منك من مبتدعات الجور وتردد البكاء على ضياع ما استعار الحسن لصفاتها من النجد والغور وتقضى العجب مما تسمع من عدلك الذي لم تجتل لمحة من نوره ومن حلمك الذى أشقاها فلم تحضر لدكة طوره وتستصوب أنظار النحاة فى منع التهيئة والقطع فى العامل وتستجلب اصطلاح العروضيين فى المديد والبسيط دون الطويل والكامل فهلا راجعت فيها النظر وأنجزت لها الوعد المنتظر وكففت من

عيونها دموعا مستهلة واجتليت من جبينها الوضاح ما أخجل بدورا مشرقة وأهلة ولم تحوجها الى ان ينطق قرينها الروحانى بالشعر على لسانها ولسانك ولم تضطرها فى هذه المعاملة الى ما لا ترتضيه من كفر إحسانك والعذر أظهر والبرهان أبهر وخلافك فى العالم أشهر وأنت ان لم يكن ما يعصم الله تعالى منه لمقتضى الطبيعة أقهر
وقد أدرجت لك فى طى هذا ما يصل الى يدك وتلهج به فى يومك وغدك منتظرة منك إطفاء الجوى بالجواب ومحو ما سبق من الخطإ بالخطاب ان شاء الله تعالى والله تعالى يصل سعادته ويحفظ مجادته ومعاد السلام من الشاكر الذاكر ابن عاصم وفقه الله تعالى فى أوائل ذى الحجة عام خمسة وأربعين وثمانمائة انتهى وهو مما لم أذكره فى أزهار الرياض
ظهير بتقديم ابن عاصم للنظر فى أمور الفقهاء
ولنذكر هنا الظهير الذى جلبته فيها بتقديم المذكور للنظر فى أمور الفقهاء وغيرهم ونصه هذا ظهير كريم اليه انتهت الظهائر شرفا عليا وبه تقررت المآثر برهانا جليا وراقت المفاخر قلائد وحليا وتميزت الأكابر الذين افتخرت بهم الأقلام والمحابر اختصاصا مولويا
فهو وان تكاثرت المرسومات وتعددت وتوالت المنشورات وتجددت أكبر مرسوم تمم فى الاعتقاد نظرا خطيرا وأحكم فى التفويض أمرا كبيرا وأبرم فى الاستخلاص عزما أبيا
اعتمد بمسطوره العزيز واختص بمنشوره الذى تلقاه اليمن بالتعزيز من لم يزل

بالتعظيم حقيقا وبالإكبار خليقا وبالإجلال حريا فهو شهير لم يزل فى الشهرة سابقا هاد لم يزل بالهدى ناطقا بليغ لم يزل بالبلاغة دريا عظيم لم يزل فى النفوس معظما علم لم يزل فى الأعلام مقدما كريم لم يزل فى الكرام سنيا اشتملت منه محافل الملك على العقد الثمين وحلت به المشورة فى الكنف المحوط والحرم الأمين فكان فى مشكاة الأمور هاديا وفى ميدان المراشد جريا فالى مقاماته تبلغ مقامات الإخلاص والى مرتبته تنتهى مراتب الاختصاص فيمن حاز خصلا وزين حفلا وشرف نديا واستكمل همما واستحمل قلما واستخدم مشرفيا فلله ما أعلى قدر هذا الشرف الجامع بين المتلد والمطرف السابق فى الفضل أمدا قصيا الحال من الاصطفاء مظهرا الفارع من العلاء منبرا الصاعد من العز كرسيا حاز الفضل إرثا وتعصيبا واستوفى الكمال حقا ونصيبا ثناء أرجه كالروض لو لم يكن الروض ذابلا وهديا نوره كالبدر لو لم يكن البدر آفلا ومجد علوه كالسها لو لم يكن السها خفيا فما أشرف الملك الذى اصطفاه وكمل له حق التقريب ووفاه وأحله قرارة التمكين ومن اختصاصه بالمكان المكين فسبق فى ميدان التفويض وشأى ورأى من الأنظار الحميدة ما رأى صادعا بالحق إماما علما موضحا من الدين نهجا أمما هاديا من الواجب صراطا سويا بانيا للمجد صرحا مشيدا مشهرا للعدل قولا مؤيدا مبرما للخير سببا قويا فالله تعالى يصل لمقام هذا الملك الذى طلع فى سمائه بدرا دونه البدور وصدرا تلوذ به الصدور سعدا لا تمطله الأيام فى تقاضيه ونصرا يمضى به نصل الجهاد فلا يزال ماضيه على الفتح مبنيا ويوالى له عزا يذود عن حرم الدين ويمنحه تأييدا يصبح فى أعناق الكفر حديث سيفه قطعيا

أمر به مرسوما عزيزا لا تبلغ المرسومات الى مداه ولا يبدى بآثار الاختصاص مثل ما أبداه عبد الله أمير المسلمين محمد الغالب بالله أيد الله تعالى مقامه ونصر أعلامه وشكر إنعامه ويسر مرامه لإمام الأئمة وعلم الأعلام وعماد ذوى العقول والأحلام وبركة حملة السيوف والأقلام وقدوة رجال الدين وعلماء الإسلام الشيخ الفقيه أبى يحيى ابن كبير العلماء شهير العظماء حجة الأكابر والأعيان مصباح البلاغة والبيان قاضى القضاة وإمامهم أوحد الجلة وطود شمامهم الشيخ الفقيه أبى بكر ابن عاصم أبقاه الله تعالى ومناطق الشكر له فصيحة اللسان ومواهب الملك به معهودة الإحسان وقلائد الأيادي منه متقلدة بجيد كل إنسان قد تقرر والمفاخر لا تنسب إلا لبنيها والفضائل لا تعتبر إلا بمن يشيد أركانها ويبنيها والكمال لا يصفى شربه إلا لمن يؤمن سربه أن هذا العلم الكبير الذى لا يفى بوصفه التعبير علم بآثاره يقتدى وبأنظاره يهتدى وبإشارته يستشهد وبإدارته يسترشد إذ لا أمد علو إلا وقد تخطاه ولا مركب فضل إلا وقد تمطاه ولا شارقة هدى إلا وقد جلاها ولا لبة فخر إلا وقد حلاها ولا نعمة إلا وقد أسداها ولا حرمه إلا وقد أبداها لما له فى دار الملك من الخصوصية العظمى والمكانة التى تسوغ النعمى والرتب التى تسمو العيون إلى مرتقاها وتستقبلها النفوس بالتعظيم وتتلقاها حيث سر الملك مكتوم وقرطاسه مختوم وأمره محتوم والأقلام قد روضت الطروس وهى ذاوية وقسمت الأرزاق وهى طاوية شقت ألسنتها فنطقت وقطت أرجلها فسبقت ويبست فأثمرت إنعاما ونكست فأظهرت قواما وخطت فأعطت وكتبت فوهبت ومشقت فرفقت وأبرمت فأنعمت فكم يسرت الجبر

وعفرت الهزبر وشنفت المسامع وكيفت المطامع وأقلت فيما ارتفع من المواضع وأحلت لما امتنع من المراضع فهى تنجز النعم وتحجز النقم وتبث المذاهب وتحث المواهب وتروض المراد وتنهض المراد وتحرس الأكناف وتغرس الأشراف مصيخة لنداء هذا العماد الأعلى طامحة لمكانه الذى سما واستعلى فيما يملى عليها من البيان الذى يقر له بالتفضيل الملك الضليل ويشهد له بالإحسان لسان حسان ويحكم له ببرى القوس حبيب بن أوس ويهيم بما من الأساليب عنده شاعر كنده ويستمطر سحبه الثرة فصيح المعرة الى منثور تزيل الفقر فقره وتدر الرزق درره لو أنهى الى قس إياد لشكر فى الصنيعة أياديه واستمطر سحبه وغواديه أو بلغ الى سحبان لسحره وما فارقه عشيته ولا سحره ولو رآه الصابى لأبدى اليه من صبوته ما أبدى أو سمعه ابن عباد لكان له عبدا أو بلغ بديع الزمان لهجر بدائعه واستنزر بضائعه أو أتحف به البستى لأتخذه بستانا أو عرض على عبد الحميد لأحمد من صوبه هتانا فأعظم به من عال لا ترقى ثنيته ولا تحاز مزيته ولا يرجم أفقه ولا يكتم حقه ولا ينام له عن اكتساب الحمد ناظر ولا ينقاس به فى الفضل مناظر وهل تقاس الأجادل بالبغاث أو الحقائق بالأضغاث
ألا وان بيته هو البيت الذى طلع فى أفقه كل كوكب وقاد ممن وشج به للعلوم اتقاء واتقاد وترامى به للمدارك ذكاء وانتقاد فأعظم بهم أعلاما وصدورا وأهله وبدورا خلدت ذكرهم الدواوين المسطرة وسرت فى محامدهم الأنفاس المعطرة الى أن نشا فى سمائهم هذا الأوحد الذى شهرة فضله لا تجحد فكان قمرهم الأزهر ونيرهم الأظهر ووسيطة عقدهم الأنفس ونتيجة مجدهم الأقعس فأبعد فى المناقب آماده ورفع الفخر وأقام عماده وبنى على تلك الآساس المشيدة وجرى لإدراك تلك الغايات البعيدة

فسبق وجلى وشنف بذكره المسامع وحلى ورفع المشكل ببيانه وحرر الملتبس ببرهانه الى ان أحله قضاء الجماعة ذروة أفقه الأصعد وبوأه عزيز ذلك المقعد فشرف الخطة واخذ على الأيدى المشتطة لا يراقب إلا ربه ولا يضمر إلا العدل وحبه والمجلس السلطانى أسماه الله تعالى يختصه بنفسه ويفرغ عليه من حلل الاصطفاء ولبسه ويستمطر فوائده ويجرب بأنظاره حقوق الملك وعوائده فكان بين يديه حكما مقسطا ومقسما لحظوظ الإنعام مقسطا الى ان خصه بالكتابة المولوية ورأى له ذلك حق الأولوية إذ كان والده المقدس نعم الله تعالى ثراه ومنحه السعادة فى أخراه مشرف ذلك الديوان ومعلى ذلك الإيوان يحبر رقاع الملك فتروق وتلوح كالشمس عند الشروق فحل ابنه هذا الكبير شرفا الشهير سلفا مرتبته التى سمت وافترت به عن السعد وابتسمت فسحبت به للشرف مطارف وأحرزت به من الفخر التالد والطارف فهو اليوم فى وجهها غرة وفى عينها قرة ولله هو فى ملاحظة الحقائق ورعيها وسمع الحجج ووعيها فلقد فضل بذلك اهل الآختصاص وسبقهم فى تبيين ما يشكل منها وما يعتاص إذ المشكلة معه جلية الأغراض والآراء لديه آمنة من مأخذ الأعتراض فكم رتبه عمرها بذويها فأكسبها تشريفا وتنويها وعلى ذلك فأعلام قضاه الوطن ومن عبر منهم وقطن مع أقدارهم السامية ومعاليهم التى هى للزهر مسامية إنما رقتهم وساطته التى أحسنت وزينت بهم المجالس وحسنت فيه أمضوا أحكامهم وأعملوا فى الأباطيل احتكامهم وكتبوا الرسوم وكبتوا الخصوم وحلوا دست القضاء وسلوا سيف المضاء وفى زمانه تخرجوا

وفى بستانه تأرجوا ومن خلقه اكتسبوا والى طرقه انتسبوا وعلى موارده حاموا وحول فوائده قاموا وبتعريفه عرفوا وبتشريفه شرفوا وبصفاته كلفوا وبعرفاته وقفوا فأمنوا مع انسكاب سحب إفادته من الجدب وقاموا بذلك الفرض بسبب ذلك الندب وهل العلماء وان عمت فوائدهم وانتظمت بجياد الأذهان فرائدهم إلا من أنواره مستمدون والى الاستفادة من أنظاره ممتدون وببركاته معتدون وبأسبابه مشتدون فبه اجتنيت من أفنان المنابر ثمراتهم وتأرجت فى روضات المعارف زهراتهم وبه عمروا الحلق وائتلق من أنوارهم ما ائتلق إذ كل من اصطناعه محسوب والى بركته منسوب فهو بدرهم الأهدى وغيثهم الأجدى وعقدهم المقتنى وروضهم المجتنى وبدر منازلهم وصدر محافلهم
وعلى ما أعلى المقام المولوي من مكانه وقضى به من استمكانه واعتمد من إبرامه وأبرم من اعتماده ومهد من إكرامه وكرم من مهاده واختص من علاه وأعلى من اختصاصه واستخلص من حلاه وحلا من استخلاصه ووفى من تكرمه وكرم من وفائه واصطفى من مجده ومجد من اصطفائه وقدم من براعته وحكم من يراعته وشقق من كتابته وأنطق من خطابته وسجل من أنظاره وعجل من اختياره فذكا ذكره وسطا سطره وأمعن معناه وأغنى مغناه أشار أيده الله تعالى باستئناف خصوصيته وتجديدها وإثبات مقاماته وتحديدها لتعرف تلك الحدود فلا تتخطى وتكبر تلك المراتب فلا تستعطى فأصدر له شكر الله تعالى إصداره وعمر بالنصر داره هذا المنشور الذى تأرج بمحامده نشره وتضمن من مناقبه البديع فراق طيه ونشره وغدا وفرائد المآثر لديه موجدة مكونه وأصبح للمفاخر مالكا لما أتى به مدونه وخصه فيه بالنظر المطلق الشروط الملازم للتفويض ملازمة

الشرط للمشروط المستكمل الفروع والأصول المستوفى الأجناس والفصول فى الأمور التى تختص بأعلام القضاة الأكابر وكتاب القضاة ذوى الأقلام والمحابر وشيوخ العلم وخطباء المنابر وسائر أرباب الأقلام القاطن منهم والعابر بالحضرة العلية وجميع البلاد النصرية تولى الله تعالى جميع ذلك بمعهود ستره ووصل لديه ما تعود من شفع اللطف ووتره يحوط مراتبهم التى قطفت من روضاتها ثمرات الحكم وجنيت ويراعى أمورهم التى أقيمت على العوائد وبنيت وحقوقهم التى حفظت لهم فى المجالس السلطانية ورعيت ويحل كل واحد منهم فى منزلته التى تليق ومرتبته التى هو بها خليق على ما يقتضى ما يعلم من أدواتهم ويخبر من تباين ذواتهم ويرشح كل واحد الى ما استحقه ويؤتى كل ذى حق حقه اعتمادا على أغراضه التى عدلت وصدحت على أفنانها من الأفواه طيور الشكر وهدلت واستنادا فى ذلك الى آرائه وتفويضا له فى هذا الشأن بين خلصاء الملك وظهرائه وذلك على مقتضى ما كان عليه أعلام الرياسة الذين سبقوا وانتهضوا بهممهم واستبقوا كالشيخ الرئيس الصالح ابى الحسن ابن الجياب والشيخ ذى الوزارتين أبى عبد الله ابن الخطيب رحمهما الله تعالى
فليقم أبقاه الله تعالى بهذه الأعمال التى سمت واعتزت ومالت بها اعطاف العدل واهتزت وسار بها الخبر حثيث السرى وصار بها الحق مشدود العرى وعلى جميع القضاة الأمضياء والعلماء الأرضياء والخطباء الأولياء والمقرئين الأزكياء وحملة الأقلام الأحظياء ان يعتمدوا هذا الولى العماد فى كل ما يرجع الى عوائدهم ويختص فى دار الملك من مرتباتهم وفوائدهم وما يتعلق بولاياتهم وأمنياتهم ويليق بمقاصدهم ونياتهم فهو الذى يسوغهم المشارب ويبلغهم المآرب ويستقبل العلى بالعلى والعاطل بالحلى والمشكل بالجلى والمفرق بالتاج والمقدمة بالانتاج وعلى ذلك فهذا المنشور الكريم قد أقرهم على ولاياتهم وأبقاهم ولقاهم من حفظ المراتب ما رقاهم فليجروا

على ما هم بسبيله وليهتدوا بمرشد هذا الاعتناء ودليله وكتب فى صفر عام سبعة وخمسين وثمانمائة انتهى
قلت وانما أتيت به لوجوه أحدها ما يتعلق بلسان الدين اذ وقعت الإشارة الى مرتبته فى أخره والثانى ما اشتمل عليه من الإنشاء الغريب والثالث معرفة حال الرئيس أبى يحيى ابن عاصم وتمكنه من الرياسة لأنا بنينا هذا الكتاب على ذكر ما يناسبه من انباء أهل المغرب لكون أهل هذه البلاد المشرقية ليس لهم بها عناية والرابع أن بعض أكابر شيوخنا ممن ألف فى طبقات المالكية لما عرف بابى يحيى ذكره فى نحو أسطر عشرة وقال هذا الذى حضرنى من التعريف به والخامس ان ابن عاصم المذكور كما قاله الوادى آشى وغيره كان يدعى فى الأندلس بابن الخطيب الثانى ويعنون بذلك البلاغة والبراعة والرياسة والسياسة
رجع إلى أخبار لسان الدين فنقول
وأما كتب التأليف باسم لسان الدين رحمه الله تعالى فقد قال فى الإحاطة لما أجرى ذكر ذلك ما صورته وأما ما رفع الى من الموضوعات العلمية والوسائل الأدبية والرسائل الإخوانية لما أقامنى الملك صنما يعتمد وخيالا اليه يستند صادرة عن الأعلام وحملة الأقلام ورؤساء النثار والنظام فجم يضيق عنه الإحصاء ويعجز عن ضم نشره الاستقصاء وربما تضمن هذا الكتاب كتاب الإحاطة منه كثيرا ومنظوما أثيرا ودرا نثيرا جرى فى أثناء الأسماء وانتمى الى الإجادة أكرم الانتماء غفر الله تعالى لى ولقائله فما كان اولانى وإياه بستر زوره وإغراء الإضراب بغروره فأهون بما لا ينفع وإن ارتفع الكلم الطيب لا يرفع اللهم تجاوز عنا بفضلك وكرمك انتهى
وقد تقدم فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن الكرسوطى الفاسى نزيل مالقة صاحب التآليف العديدة أنه ألف تقييدا على قواعد الإمام القاضى

أبى الفضل عياض رحمه الله تعالى برسم ولد لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى وكذلك غير واحد من أهل عصره قصدوه بالنظم والنثر وهى سنة الله سبحانه وتعالى فى عبادة اذ السلطان سوق يجلب اليها ما ينفق فيها والله سبحانه وتعالى ولى المكافأة لا رب غيره ولا مأمول سواه انتهى

حذف

الباب الخامس
فى إيراد جملة من نثره الذى عبق أريج البلاغة من نفحاته ونظمه الذى تألق نور البراعة من لمحاته وصفحاته وما يتصل به من أزجاله وموشحاته ومناسبات رائقة فى فنون الأدب ومصطلحاته
اعلم سلك الله تعالى بى وبك اوضح محجه وجعلنا ممن انتحى صوب الصواب ونهجه أن هذا الباب هو المقصود بتأليف هذا الكتاب وغيره كالتبع له وها أنا أذكر ما حضرنى الآن من بنات أفكار لسان الدين التى هى بالمحاسن متقنعة وللبدائع منتعلة فاقول

أما نثره فهو البحر الزخار بل الدر الذى به الافتخار وناهيك أن كتبه الآن فى المغرب قبلة أرباب الإنشاء التى اليها يصلون وسوق دررهم النفيسة التى يزينون بها صدور طروسهم ويحلون وخصوصا كتابه ريحانة الكتاب ونجعه المنتاب فإنه وإن تعددت مجلداته على فن الإنشاء والكتابة مقصور وقد اشتمل على السلطانيات وغيرها ومخاطباته لأهل المشرق والمغرب على لسان ملوك الأندلس الذين علم بلاغتهم منصور وقد تركت نسختى منه فى المغرب ولو حضرتنى لكفتنى عن هذه الفوائد التى أتعبت خاطرى فى جمعها من مقيداتى التى صحبتها معى وهى قليلة
وقد مر فى هذا الكتاب جملة من نثره ونظمه والذى نجلبه هنا زيادة على ما سبق
وقال رحمه الله تعالى فى الإحاطة عند ترجمة نثره ما صورته وأما النثر

فبحر زاخر ومدى طوله مستاخر وإنك لم يفخر عليك كفاخر وقد مر منه فى تضاعيف هذا الديوان كثير ونحن نجلب منه ما يشير اليه مشير انتهى 1 - فمن ذلك قوله فى غرض التحميد مما افتتح به الكتاب فى التاريخ المتضمن دولة بنى نصر الحمد لله الذى جعل الأزمنة كالأفلاك ودول الأملاك كأنجم الأحلاك تطلعها من المشارق نيره وتلعب بها مستقيمة أو متحيرة ثم تذهب بها غائرة متغيرة السائق عجل وطبع الوجود مرتجل والحى من الموت وجل والدهر لا معتذر ولا خجل بينما ترى الدست عظيم الزحام والموكب شديد الالتحام والوزعة تشير والأبواب يقرعها البشير والسرور قد شمل الأهل والعشير والأطراف تلثمها الأشراف والطاعة يشهرها الاعتراف والأموال يحوطها العدل أو يبيحها الإسراف والرايات تعقد والأعطيات تنقد إذ رأيت الأبواب مهجورة والدسوت لا مؤملة ولا مزورة والحركات قد سكنت وأيدي الإدالة قد تمكنت فكأنما لم يسمر سامر ولا نهى ناه ولا أمر آمر ما أشبه الليلة بالبارحة والغادية بالرائحة ( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح )
2 - ومن نثره قوله فى استدعاء إمداد وحض على الجهاد أيها الناس رحمكم الله تعالى إخوانكم المسلمون بالأندلس 4قد دهم العدو قصمه الله تعالى ساحتهم ورام الكفر خذله الله تعالى استباحتهم وزحفت أحزاب الطواغيت إليهم ومد الصليب ذراعيه عليهم وأيديكم بعزة الله تعالى أقوى وأنتم المؤمنون أهل البر والتقوى وهو دينكم فانصروه وجواركم الغريب فلا تخفروه وسبيل الرشد قد وضح فلتبصروه الحهاد الجهاد فقد تعين

الجار الجار فقد قرر الشرع حقه وبين الله الله فى الإسلام الله الله فى أمه محمد عليه الصلاة السلام الله الله فى المساجد المعمورة بذكر الله الله الله فى وطن الجهاد فى سبيل الله قد استغاث بكم الدين فأغيثوه قد تاكد عهد الله وحاشاكم أن تنكثوه أعينوا إخوانكم بما أمكن من الإعانة أعانكم الله تعالى عند الشدائد جددوا عوائد الخير يصل الله تعالى لكم جميل العوائد صلوا رحم الكلمة واسوا بأنفسكم وأموالكم تلك الطوائف المسلمة كتاب الله بين أيديكم وألسنة الآيات تناديكم وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم قائمة فيكم والله سبحانه يقول فيه ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم ) الصف ومما صح عنه قوله ( من اغبرت قدماه فى سبيل الله حرمهما الله على النار ) ولا يجتمع غبار فى سبيل الله ودخان جهنم ) ( من جهز غازيا فى سبيل الله فقد غزا ) أدركوا رمق الدين قبل ان يفوت بادروا عليل الإسلام قبل ان يموت احفظوا وجوهكم مع الله تعالى يوم يسألكم عن عباده جاهدوا فى الله بالألسن والأقوال حق جهاده
( ماذا يكون جوابكم لنبيكم ... وطريق هذا العذر غير ممهد )
( ان قال لم فرطتم فى أمتى ... وتركتموهم للعدو المعتدى )
( تالله لو ان العقوبة لم تخف ... لكفى الحيا من وجه ذاك السيد )
اللهم اعطف علينا قلوب العباد اللهم بث لنا الحمية فى البلاد اللهم دافع عن الحريم والضعيف والأولاد اللهم انصرنا على أعدائك بأحبابك وأوليائك يا خير الناصرين اللهم أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا انتهى
3 - ومن ذلك قوله فى صداق أمره السلطان بإنشائه لكبير الشرفاء بفاس فى فصل منه تضمن ذكر أوليتهم واستيطانهم لتلك المدينة ما صورته
فضرب بفاس عمرها الله تعالى حلته وأورث منها بالبقعة الزكية

الرفيعة سراته وجلته فتبوأوا من ذلك الغور المعشب الروض الأرج النور هالة سعد وأفق برق ورعد ودست وعيد ووعد يتناقلون رتب الشرف الصريح كابرا عن كابر ويروى مسلسل المجد عن بيتهم الرفيع الجد كل حريص على عوالى المعالى مثابر
( فالكف عن صلة والأذن عن حسن ... والعين عن قرة والقلب عن جابر )
حيث الأنوف الشم والوجوه الغر والعزة القعساء والنسب الحر والفواطم فى صدف الصون من لدن الكون كأنهن الدر آل رسول الله ونعم الآل والموارد الصادقة اذا كذب الآل ومن أذا لم يصل عليهم فى الصلاة حبطت منها الأعمال طلبه الراكب ونشدة الطالب وسراة لؤى بن غالب وملتقى نور الله تعالى ما بين فاطمة الزهراء وعلى بن أبى طالب انتهى وهو طويل لم يحضرنى منه الآن سوى ما ذكرته 4 - ومن ذلك قوله رحمه الله تعالى كتبت الى بعض السادة الفضلاء وقد بلغنى مرضه أيام كان الانزعاج عن الأندلس الى الإيالة المرينية
وردت على من فئتى التى اليها فى معركة الدهر أتحيز وبفصل فضلها فى الأقدار المشتركة أتميز سحاءة سرت وساءت وبلغت من القصدين ما شاءت أطلع بها سيدي صنيعة وده من شكواه على كل عابث فى السويداء موجب اقتحام البيداء مضرم نار الشفقة فى فؤاد لم يبق من صبره الا القليل ولا من إفصاح لسانه الا الأنين والأليل ونوى مدت لغير ضرورة يرضاها الخليل فلا تسأل عن ضنين تطرقت اليد الى رأس ماله أو عابد نوزع فى تقبل أعماله أو آمل ضويق فى فذلكة آماله لكنى رجحت دليل المفهوم على دليل المنطوق وعارضت القواعد الموحشة بالفروق ورايت الخط يبهر والحمد لله تعالى ويروق

واللفظ الحسن تومض فى حبره للمعنى الأصيل بروق فقلت ارتفع الوصب ورد من الصحة المغتصب وآلة الحس والحركة هى العصب واذا اشرق سراج الإدراك دل على سلامة سليطه والروح خليط البدن والمرء بخليطه وعلى ذلك فبليد احتياطى لا يقنعه إلا الشرح فبه يسكن الظمأ البرح وعذرا عن التكليف فهو محل الاستقصاء والاستفسار والإطناب والإكثار وزند القلق فى مثلها أورى والشفيق بسوء الظن مغرى والسلام 5 - ومن نثر لسان الدين ما ذكره فى الإحاطة فى ترجمة ابى عبد الله الشديد وهو محمد بن قاسم بن أحمد بن ابراهيم الأنصارى الجيانى الأصل ثم المالقى إذ قال ما صورته
جملة جمال من خط حسن واضطلاع بحمل كتاب الله بلبل دوح السبع المثانى وماشطة عروس ابى الفرج ابن الجوزي وآية صقعه ونسيج وحده فى حسن الصوت وطيب النغمة اقتحم لذلك دسوت الملوك وجر أذيال الشهرة عذب الفكاهة ظريف المجالسة قادرا على المحاكاة متسورا حمى الوقار ملبيا داعى الانبساط قلد شهادة الديوان بمالقة فكان مغار حبل الأمانة شامخ مارن النزاهة لوحا للألقاب وعززت ولايته ببعض الألقاب النبيهة وهو الآن الناظر فى أمور الحسبة ببلده ولذلك خاطبته برقعة أداعبه بها وأشير الى أضداده بما نصه
( يا أيها المحتسب الجزل ... ومن لديه الجد والهزل )
( يهنيك والشكر لمولى الورى ... ولاية ليس لها عزل )
كتبت أيها المحتسب المنتمى الى النزاهة المنتسب أهنيك ببلوغ تمنيك وأحذرك

من طمع نفس بالغرور تمنيك فكأننى بك وقد طافت بركابك الباعة ولزم أمرك السمع والطاعة وارتفعت فى مصانعتك الطماعة وأخذت أهل الريب بغتة كما تقوم الساعة ونهضت تقعد وتقيم وسطوتك الريح العقيم وبين يديك القسطاس المستقيم ولا بد من شرك ينصب وجماعة على ذى جاه تعصب ودالة يمت بها الجناب الأخصب فإن غضضت طرفك أمنت على الولاية صرفك وان ملأت ظرفك رحلت عنها حرفك وان كففت فيها كفك حفك العز فيمن حفك فكن لقالى المجبنة قاليا ولحوت السلة ساليا وأبد لدقيق الحوارى زهد حوارى وازهد فيما بأيدى الناس من العوارى وسر فى اجتناب الحلواء على السبيل السواء وارفض فى الشواء دواعى الأهواء وكن على الهراس وصاحب ثريد الراس شديد المراس وثب على طبيخ الأعراس ليثا مرهوب الافتراس وأدب أطفال الفسوق فى السوق لا سيما من كان قبل البلوغ والبسوق وصمم على استخراج الحقوق والناس أصناف فمنهم خسيس يطمع منك فى أكله ومستعد عليك بوكزة أو ركلة وحاسد فى مطية تركب وعطية تسكب فاخفض للحاسد جناحك وسدد الى حربه رماحك وأشبع الخسيس منهم مرقة فإنه حنق ودس له فيها عظما لعله يختنق واحفر لشريرهم حفرة عميقة فانه العدو حقيقة حتى اذا حصل وعلمت ان وقت الانتصار قد اتصل فأوقع وأوجع ولا ترجع وأولياءه من الشياطين فافجع والحق أقوى وأن تعفو أقرب للتقوى سددك الله تعالى الى غرض التوفيق وأعلقك

من الحق بالسبب الوثيق وجعل قدومك مقرونا برخص اللحم والزيت والدقيق انتهى
6 - ومما كتب به لسان الدين الى علي بن بدر الدين الطوسى بن موسى ابن رحو بن عبد الله بن عبد الحق من مدينة سلا ما نصه
( يا جملة الفضل والوفاء ... ما بمعاليك من خفاء )
( عندى بالود فيك عقد ... صحفه الدهر باكتفاء )
( ما كنت أقضى حلاك حقا ... لو جئت مدحا بكل فاء )
( فأول وجه القبول عذرى ... وحسبك الشك فى صفاء ) س
يدى الذى هو فصل جنسه ومزية يومه على أمسه فإن افتخر الدين من أبيك ببدره افتخر منك بشمسه رحلت على المنشإ والقرارة ومحل الصبوة والفرارة فلم تتعلق نفسى بذخيرة ولا عهد جيرة خيرة كتعلقها بتلك الذات التى لطفت لطافة الراح واشتملت بالمجد الصراح شفقة أن تصيبها معرة والله تعالى يقيها ويحفظها ويبقيها إذ الفضائل فى الأزمان الرذلة غوائل والضد عن ضده منحرف بالطبع ومائل فلما تعرفت خلاص سيدي من ذلك الوطن والقاءه وراء الفرضة بالعطن لم تبق لى تعلة ولا أحرضتنى له علة ولا أوتى جمعى من قلة فكتبت أهنىء نفسى الثانية بعد هناء نفسى الأولى وأعترف للزمان باليد الطولى فالحمد لله الذى جمع الشمل بعد شتاته وأحيا الأنس بعد مماته سبحانه لا مبدل لكلماته واياه أسال ان يجعل العصمة حظ سيدي ونصيبه فلا يستطيع حادث ان يصيبه وانا اخرج له عن بث كمين ونصح أنا به قمين

بعد أن أسبر غوره وأخبر طوره وأرصد دوره فان كان له فى التشريق أمل وفى ركب الحجاز ناقة وجمل والرأى فيه قد نجحت منه نية وعمل فقد غنى عن عرف البقرات بأزكى الثمرات وأطفا هذه الجمرات برمى الجمرات وتأنس بوصل السرى ووصال السراة وأنا به ان رضينى أرضى مرافق ولواء عزى به خافق وان كان على السكون بناؤه وانصرف الى الإقامة اعتناؤه فأمر له ما بعده والله يحفظ من الغير سعده والحق ان تحذف الأبهة وتختصر ويحفظ اللسان ويغض البصر وينخرط فى الغمار ويخلى عن المضمار ويجعل من المحظور مداخلة من لا خلاق له ممن لا يقبل الله تعالى قوله ولا عمله فلا يكتم سرا ولا يتطوق من الرجولة زرا ويرفض زمام السلامة وترك العلامة على النجاة علامة وأما حالى فكما علمتم ملازم كن ومهبط تجربة وسن أزجى الأيام وأروم بعد التفرق الألتئام خالى اليد ملىء القلب والخلد بفضل الواحد الصمد عامل على الرحلة الحجازية التى أختارها لكم ولنفسى وأصل فى التماس الإعانة عليها يومى بأمسى أوجب ما قررته لكم ما أنتم أعلم به من ود قررته الأيام والشهور والخلوص المشهور وما أطلت فى شىء عند قدومى على هذا الباب الكريم إطالتى فيما يختص بكم من موالاته وبذل مجهود القول والعمل فى مرضاته وأما ذكركم فى هذه الأوضاع فهو مما يقر عين المجادة والوظيفة التى ينافس فيها أولو السيادة والله يصل بقاءكم وييسر لقاءكم والسلام انتهى
7 - ومن نثر لسان الدين ما أثبته فى الإحاطة فى ترجمة ابن خلدون صاحب التاريخ الذى تكرر نقلنا منه فى هذا التأليف
ولنذكر الترجمة بجملتها فنقول قال رحمه الله تعالى فى الإحاطة ما نصه عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن

إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن خلدون الحضرمى من ذرية عثمان أخى كريب المذكور فى نبهاء ثوار الأندلس وينسب سلفهم الى وائل بن حجر وحاله عند القدوم على رسول الله صلى الله عليه و سلم معروفة انتقل سلفه من مدينة إشبيلية عن نباهة وتعين وشهرة عند الحادثة بها أو قبل ذلك فاستقر بتونس منهم ثانى المحمدين محمد بن الحسن وتناسلوا على حشمة وسراوة ورسوم حسنة وتصرف جد المترجم به فى القيادة وأما المترجم به فهو رجل فاضل حسن الخلق جم الفضائل باهر الخصل رفيع القدر ظاهر الحياء أصيل المجد وقور المجلس خاصى الزى عالى الهمة عزوف عن الضيم صعب المقادة قوى الجأش طامح لقنن الرياسة خاطب للحظ متقدم فى فنون عقلية ونقلية متعدد المزايا سديد البحث كثير الحفظ صحيح التصور بارع الخط مغرى بالتجلة جواد حسن العشرة مبذول المشاركة مقيم لرسم التعين عاكف على رعى خلال الأصالة مفخر من مفاخر التخوم المغربية 3قرأ القرآن ببلده على المكتب ابن برال والعربية على المقرىء الزواوي وغيره وتأدب بأبيه وأخذ عن المحدث ابى عبد الله ابن جابر الوادى آشى وحضر مجلس القاضى ابى عبد الله ابن عبد السلام وروى عن الحافظ ابى عبد الله السطى والرئيس ابى محمد عبد المهيمن الحضرمى ولازم العالم الشهير ابا عبد الله الآبلى وانتفع به انصرف من إفريقية منشئة بعد ان تعلق بالخدمة السلطانية على الحداثة وإقامته لرسم العلامة بحكم الاستنابة عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة وعرف فضله وخطبه السلطان منفق سوق العلم والأدب أبو عنان فارس بن على بن عثمان واستحضره بمجلس المذاكرة فعرف حقه وأوجب فضله واستعمله على الكتابة أوائل عام ستة وخمسين ثم عظم عليه حمل الخاصة من طلبه الحضرة لبعده عن حسن التاتى وشفوفه بثقوب الفهم وجودة الإدراك فأغروا به

السلطان إغراء عضده ما جبل عليه عهدئذ من إغفال التحفظ مما يريب لديه فأصابته شدة تخلصه منها أجله كانت مغربة فى جفاء ذلك الملك وهناة جواره وإحدى العواذل لأولى الهوى فى القول بفضله وعدم الخشوع واهمال التوسل وإبادة المكسوب فى سبيل النفقة والإرضاخ على زمن المحنة وجار المنزل الخشن الى ان أفضى الأمر الى السعيد ولده فأعتبه قيم الملك لحينه وأعاده الى رسمه ودالت الدولة الى السلطان أبى سالم وكان له به الاتصال قبل تسوغ المحنة بما أكد حظوته فقلده ديوان الإنشاء مطلق الجرايات محرر السهام نبيه الرتبة الى آخر أيامه ولما ألقت الدولة مقادها بعده الى الوزير عمر بن عبد الله مدبر الأمر وله اليه وسيلة وفى حليه شركة وعنده حق رابه تقصيره عما ارتمى اليه أمله فساء ما بينهما بما آل الى انفصاله عن الباب المرينى وورد على الأندلس فى أول ربيع الأول عام أربعة وستين وسبعمائة واهتز له السلطان وأركب خاصته لتلقيه واكرم وفادته وخلع عليه وأجلسه بمجلسه ولم يدخر عنه برا ومؤاكله ومراكبه ومطايبه وفكاهة
8 - وخاطبنى لما حل بظاهر الحضرة مخاطبة لم تحضرنى الآن فأجبته عنها بقولى
( حللت حلول الغيث فى البلد المحل ... على الطائر الميمون والرحب والسهل )
( يمينا بمن تعنو الوجوه لوجهه ... من الشيخ والطفل المهدا والكهل )
( لقد نشأت عندى للقياك غبطة ... تنسى اغتباطى بالشبيبة والأهل )
أقسمت بمن حجت قريش لبيته وقبر صرفت أزمة الأحياء لميته ونور ضربت الأمثال بمشكاته وزيته لو خيرت أيها الحبيب الذى زيارته الأمنية السنية والعارفة

الوارفة واللطيفة المطيفة بين رجع الشباب يقطر ماء ويرف نماء ويغازل عيون الكواكب فضلا عن الكواعب إشارة وأيماء بحيث لا الوخط يلم بسياج لمته أو يقدح ذباله فى ظلمته أو يقوم حوارية فى ملته من الأحابش وأمته وزمانه روح وراح ومغدى فى النعيم ومراح وقصف صراح ورقى وجراح وانتحاب واقتراح وصدور ما بها إلا انشراح ومسرات تردفها أفراح وبين قدومك خليع الرسن ممتعا والحمد لله باليقظة والوسن محكما فى نسك الجنيد أو فتك الحسن ممتعا بظرف المعارف مالئا أكف الصيارف ماحيا بأنوار البراهين شبه الزخارف لما اخترت الشباب وان راقنى زمنه وأعيانى ثمنه وأجرت سحائب دمعى دمنه فالحمد لله الذى رقى جنون اغترابى وملكنى أزمة آرابى وغبطنى بمائى وترابى ومألف أترابى وقد أغصنى بلذيذ شرابى ووقع على سطوره المعتبرة إضرابى وعجلت هذه مغبطة بمناخ المطية ومنتهى الطية وملتقى السعود غير البطية وتهنى الآمال الوثيرة الوطية فما شئت من نفوس عاطشة الى ريك متجملة بزيك عاقلة خطى مهريك ومولى مكارمه نشيدة أمثالك ومظان مثالك وسيصدق الخبر ما هنالك ويسع فضل مجدك فى التخلف عن الإصحار لا بل اللقاء من وراء البحار والسلام
9 - ولما استقر بالحضرة جرت بينى وبينه مكاتبات أقطعها الظرف جانبه وأوضح الأدب مذاهبه فمن ذلك ما خاطبته به وقد تسرى جارية رومية اسمها هند صبيحة الابتناء بها
( أوصيك بالشيخ ابى بكره ... لا تأمنن فى حالة مكره )
( واجتنب الشك إذا جئته ... جنبك الرحمن ما تكره )

سيدى لا زلت تتصف بالوالج بين الخلاخل والدمالج وتركض فوقها ركض الهمالج أخبرنى كيف كانت الحال وهل حطت بالقاع من خير البقاع الرحال وأحكم بمرود المراودة الاكتحال وارتفع بالسقيا الإمحال وصح الانتحال وحصحص الحق وذهب المحال وقد طولعت بكل بشرى وبشر وزفت هند منك الى بشر فلله من عشيه تمتعت من الربيع بفرش موشية وأبدلت منها أي آساد وحشية وقد أقبل ظبى الكناس من الديماس ومطوق الحمام من الحمام وقد حسنت الوجه الجميل التطرية وأزيلت عن الفرع الأثيث الأبرية وصقلت الخدود فكأنها الأمرية وسلط الدلك على الجلود وأغريت النورة بالشعر المولود وعادت الأعضاء يزلق عنها اللمس ولا تنالها البنان الخمس والسحنة يجول فى صفحتها الفضية ماء النعيم والمسواك يلبى من ثنية التنعيم والقلب يرمى من الكف الرقيم بالمقعد المقيم وينظر الى نجوم الوشوم فيقول إنى سقيم وقد تفتح ورد الخفر وحكم لزنجى الضفيرة بالظفر واتصف أمير الحسن بالصدود المغتفر ورش بماء الطيب ثم أعلق بباله دخان العود الرطيب وأقبلت الغادة يهديها اليمن وتزفها السعادة فهى تمشى على استحيا وقد ذاع طيب الريا وراق حسن المحيا حتى إذا نزع الخف وقبلت الأكف وصخب المزمار وتجاوب الدف وذاع الأرج وارتفع الحرج وتجوز اللوى والمنعرج ونزل على بشر بزيارة هند الفرج اهتزت الأرض وربت وعوصيت الطباع البشرية فأبت ولله در القائل
( ومرت فقالت متى نلتقى ... فهش اشتياقا اليها الخبيث )
( وكاد يمزق سرباله ... فقلت اليك يساق الحديث )

فلما انسدل جنح الظلام وانتصفت من غريم العشاء الأخيرة فريضة السلام وخاطت خيوط المنام عيون الأنام تأتى دنو الجلسة ومسارقة الخلسة ثم عضة النهد وقبلة الفم والخد وإرسال اليد من النجد الى الوهد وكانت الإمالة القليلة قبل المد ثم الإفاضة فيما يغبط ويرغب ثم الإماطة لما يشوش ويشغب ثم إعمال المسير الى السرير
( وصرنا الى الحسنى ورق كلامنا ... ورضت فذلت صعبة اي إذلال )
وهذا بعد منازعة للأطواق يسيرة يراها الغيد من حسن السيرة ثم شرع فى التكة ونزع الشكة وتهيئة الأرض العزاز عمل السكة ثم كان الوحى والاستعجال وحمى الوطيس والمجال وعلا الجزء الخفيف وتضافرت الخصور الهيف وتشاطر الطبع العفيف وتواتر التقبيل وكان الأخذ الوبيل وامتاز الأنوك من النبيل ومنها جائر وعلى الله قصد السبيل فيا لها من نعم متداركة ونفوس فى سبيل القحة متهالكة ونفس يقطع حروف الحلق وسبحان الذى يزيد فى الخلق وعظمت الممانعة وكثرت باليد المصانعة وطال التراوغ والتزاور وشكى التحاور وهنالك تختلف الأحوال وتعظم الأهوال وتخسر أو تربح الأموال فمن عصا تنقلب ثعبانا مبينا ونونة تصير تنينا وبطل لم يهمله المعترك الهائل والوهم الزائل ولا حال بينه وبين قرنه الحائل فتعدى فتكه السليك الى فتكه البراض وتقلد مذهب الأزارقة من الخوارج فى الاعتراض ثم شق الصف وقد خضب الكف بعد أن كان يصيب البوسى

بطعنته ويبوء بمقت الله ولعنته
( طعنت ابن عبد الله طعنة ثائر ... لها نفذ لولا الشعاع أضاءها )
وهناك هدأ القتال وسكن الخبال ووقع المتوقع فاستراح البال وتشوف الى مذهب الثنوية من لم يكن للتوحيد بمبال وكثر السؤال عن المبال بما بال وجعل الجريح يقول وقد نظر الى دمه يسيل على قدمه
( إنى له عن دمى المسفوك معتذر ... أقول حملته فى سفكه تعبا )
ومن سنان عاد عنانا وشجاع صار جبانا كلما شابته شائبة ريبه أدخل يده فى جيبه فانجحرت الحية وماتت الغريزة الحية وهناك يزيغ البصر ويخذل المنتصر ويسلم الأشر ويغلب الحصر ويجف اللعاب ويظهر العاب ويخفق الفؤاد ويكبو الجواد ويسيل العرق ويشتد الكرب والأرق وينشأ فى محل الأمن الفرق ويدرك فرعون الغرق ويقوى اللجاج ويعظم الخرق فلا تزيد الحال إلا شدة ولا تعرف تلك الجائحة المؤمنة إلا ردة
( إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجنى عليه اجتهاده )
فكم مغرى بطول اللبث وهو من الخبث يؤمل الكرة ليزيل المعرة ويستنصر الخيال ويعمل باليد الاحتيال
( إنك لا تشكو الى مصمت ... فاصبر على الحمل الثقيل أو مت )

ومعتذر بمرض أصابه جرعه أو صابه ووجع طرقه جلب أرقه وخطيب أرتج عليه أحيانا فقال سيحدث الله بعد عسر يسرا وبعد وعى بيانا اللهم إنا نعوذ بك من فضائح الفروج إذا استغلقت أقفالها ولم تتسم بالنجيع أغفالها ومن معرات الأقذار والنكول عن الأبكار ومن النزول عن البطون والسرر والجوارح الحسنة الغرر قبل ثقب الدرر ولا تجعلنا ممن يستحيى من البكر بالغداة وتعلم منه كلال الأداة وهو مجال فضحت فيه رجال وفراش شكيت فيه أوجال وأعملت روية وارتجال فمن قائل
( أرفعه طورا على إصبعى ... ورأسه مضطرب أسفله )
( كالحنش المقتول يلقى على ... عود لكى يطرح فى مزبلة ) وقائل
( عدمت من أيرى قوى حسه ... يا حسرة المرء على نفسه )
( تراه قد مال على أصله ... كحائط خر على أسه )
وقائل
( أيحسدنى إبليس داءين أصبحا ... برجلى ورأسى دملا وزكاما )
( فليتهما كانا به وأزيده ... رخاوة أير لا يطيق قياما )
( إذا نهضت للنيك أزباب معشر ... توسد إحدى خصيتيه وناما )
وقائل
( أقول لأيرى وهو يرقب فتكه ... به خبت من اير وعالتك داهيه )
( إذا لم يكن للأير بخت تعذرت ... عليه وجوه النيك من كل ناحيه )
وقائل
( تعقف فوق الخصيتين كأنه ... رشاء الى جنب الركية ملتف )

( كفرخ ابن ذى يومين يرفع رأسه ... الى أبويه ثم يدركه الضعف )
وقائل
( تكرش أيري بعدما كان أملسا ... وكان غنيا من قواه فأفلسا )
( وصار جوابى للمها إن مررن بى ... ومضى الوصل الامنية تبعث الأسى )
وقائل
( بنفسى من حييته فاستخف بى ... ولم يخطر الهجران يوما على بالى )
( وقابلنى بالغور والنجد بعدما ... حططت به رحلى وجردت سربالى )
( وما أرتجى من موسر فوق تكة ... عرضت له شيئا من الحشف البالى )
هموم لا تزال تبكى وعلل الدهر تشكى وأحاديث تقص وتحكى فإن كنت أعزك الله سبحانه من النمط الأول ولم تقل
( وهل عند رسم دارس من معول ... )
فقد جنيت الثمر واستطبت السمر فاستدع الأبواق من أقصى المدينة واخرج على قومك فى ثياب الزينة واستبشر بالوفود وعرف المسمع عازفة الجود وتبجح بصلابة العود وإنجاز الوعود واجن رمان النهود من أغصان القدود واقطف ببنان اللثم أقاح الثغور وورد الخدود وأن كانت الأخرى فأخف الكمد وارض الثمد وانتظر الأمد وأكذب التوسم واستعمل التبسم واستكتم النسوة وأفض فيهن الرشوة وتقلد المغالطة وارتكب وجىء على قميصه بدم كذب واستنجد الرحمن واستعن على أمرك بالكتمان

( لا تظهرن لعاذل أو عاذر ... حاليك فى الضراء والسراء )
( فلرحمة المتفجعين حرارة ... فى القلب مثل شماتة الأعداء )
وانتشق الأرج وارتقب الفرج فكم غمام طما ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) الانفال واملك بعدها عنان نفسك حتى تمكنك الفرصة وترفع اليك القصة ولا تشره الى عمل لا تفىء منه بتمام وخذ عن إمام ولله در الحارث بن هشام
( الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى رموا مهرى بأشقر مزبد )
( وعلمت أنى إن أقاتل دونهم ... أقتل ولم يضرر عدوى مشهدي )
( ففررت منهم والأحبة فيهم ... طعما لهم بعقاب يوم مفسد )
واللبانات تلين وتجمح والمآرب تدنو وتنزح وتحرن ثم تسمح وكم من شجاع خام ويقظ نام ودليل أخطأ الطريق وأضل الفريق والله عز و جل يجعلها خلة موصولة وشملا أكنافه بالخير مشمولة وبنية أركانها لركائب اليمن مأمولة حتى تكثر خدم سيدي وجواريه وأسرته وسراريه وتضفو عليه نعم باريه ما طورد قنيص واقتحم عيص وأدرك مرام عويص وأعطى زاهد وحرم حريص والسلام
بقية ترجمة ابن خلدون عن الإحاطة
تواليفه شرح البردة شرحا بديعا دل به على انفساح ذرعه وتفنن إدراكه

وغزارة حفظه ولخص كثيرا من كتب ابن رشد وعلق للسلطان أيام نظره فى العقليات تقييدا مفيدا فى المنطق ولخص محصل الإمام فخر الدين الرازى وبه داعبته أول لقيه فقلت له لى عليك مطالبة فإنك لخصت محصلى وألف كتابا فى الحساب وشرع فى هذه الأيام فى شرح الرجز الصادر عنى فى أصول الفقه بشىء لا غاية فوقه فى الكمال
وأما نثره وسلطانياته السجعية فخلع بلاغة ورياض فنون ومعادن إبداع يفرغ عنها يراعه الجرىء شبيهة البداءات بالخواتم فى نداوة الحروف وقرب العهد بجرية المداد ونفوذ أمر القريحة واسترسال الطبع
وأما نظمه فنهض لهذا العهد قدما فى ميدان الشعر ونقده باعتبار أساليبه فانثال عليه جوه وهان عليه صعبه فأتى منه بكل غريبة
خاطب السلطان ملك المغرب ليلة الميلاد الكريم عام اثنين وستين وسبعمائة بقصيدة طويلة أولها
( أسرفن فى هجري وفى تعذيبى ... وأطلن موقف عبرتى ونحيبى )
( وأبين يوم البين وقفة ساعة ... لوداع مشغوف الفؤاد كئيب )
( لله عهد الظاعنين وغادروا ... قلبى رهين صبابة ووجيب )
( غربت ركائبهم ودمعى سافح ... فشرقت بعدهم بماء غروبى )
( يا ناقعا بالعتب غلة شوقهم ... رحماك فى عذلى وفى تأنيبى )
( يستعذب الصب الملام واننى ... ماء الملام لدى غير شريب )
( ما هاجنى طرب ولا اعتاد الجوى ... لولا تذكر منزل وحبيب )
( أهفو الى الأطلال كانت مطلعا ... للبدرمنهم أو كناس ربيب )

( عبثت بها أيدى البلى وترددت ... فى عطفها للدهر آي خطوب )
( تبلى معاهدها وان عهودها ... ليجدها وصفى وحسن نسيبى )
( واذا الديار تعرضت لمتيم ... هزته ذكراها الى التشبيب )
( ايه على الصبر الجميل فإنه ... الوى بدين فؤادى المنهوب )
( لم أنسها والدهر يثنى صرفه ... ويغض طرفى حاسد ورقيب )
( والدار مونقة محاسنها بما ... لبست من الأيام كل قشيب )
( يا سائق الأظعان تعتسف الفلا ... وتواصل الإساد بالتأويب )
( متهافتا عن رحل كل مذلل ... نشوان من اين ومس لغوب )
( تتجاذب النفحات فضل ردائه ... فى ملتقاها من صبا وجنوب )
( ان هام من ظمإ الصبابة صحبه ... نهلوا بمورد دمعه المسكوب )
( أو تعترض مسراهم سدف الدجى ... صدعوا الدجى بغرامه المشبوب )
( فى كل شعب منية من دونها ... هجر الأمانى أو لقاء شعوب )
( هلا عطفت صدورهن الى التى ... فيها لبانة أعين وقلوب )
( فتؤم من أكناف يثرب مأمنا ... يكفيك ما تخشاه من تثريب )
( حيث النبوة آيها مجلوة ... تتلو من الآثار كل غريب )
( سر غريب لم يحجبه الثرى ... ما كان سر الله بالمحجوب )
ومنها بعد تعديد معجزاته صلى الله عليه و سلم
( يا سيد الرسل الكرام ضراعة ... تقضى منى نفسى وتذهب حوبى )
( عاقت ذنوبى عن جنابك والمنى ... فيها تعللنى بكل كذوب )
( لا كالألى صرفوا العزائم للتقى ... فاستأثروا منها بخير نصيب )

( لم يخلصوا لله حتى فرقوا ... فى الله بين مضاجع وجنوب )
( هب لى شفاعتك التى ارجو بها ... صفحا جميلا عن قبيح ذنوبى )
( ان النجاة وان أتيحت لامرىء ... فبفضل جاهك ليس بالتسبيب )
( انى دعوتك واثقا باجابتى ... يا خير مدعو وخير مجيب )
( قصرت فى مدحى فإن يك طيبا ... فبما لذكرك من أريج الطيب )
( ماذا عسى يبغى المطيل وقد حوى ... فى مدحك القرآن كل مطيب )
( يا هل تبلغنى الليالى زورة ... تدنى الى الفوز بالمرغوب )
( امحو خطيئاتى بإخلاصى بها ... وأحط أوزارى واصر ذنوبى )
( فى فتية هجروا المنى وتعودوا ... إنضاء كل نجيبه ونجيب )
( يطوى صحائف ليلهم فوق الفلا ... ما شئت من خبب ومن تقريب )
( إن رنم الحادى بذكرك رددوا ... أنفاس مشتاق اليك طروب )
( أو غرد الركب الخلى بطيبة ... حنوا لمغناها حنين النيب )
( ورثوا اعتساف البيد عن آبائهم ... إرث الخلافة فى بنى يعقوب )
( الطاعنون الخيل وهى عوابس ... يغشى مثار النقع كل سبيب )
( والواهبون المقربات صوافنا ... من كل خوار العنان لعوب )
( والمانعون الجار حتى عرضهم ... فى منتدى الأعداء غير معيب )
( تخشى بوادرهم ويرجى حلمهم ... والعز شيمة مرتجى ومهيب )
ومنها
( سائل به طامى العباب وقد سرى ... تزجى بريح العزم ذات هبوب )
( تهدية شهب أسنة وعزائم ... يصدعن ليل الحادث المرهوب )

( حتى انجلت ظلم الضلال بسعيه ... وسطا الهدى بفريقها المغلوب )
( يا ابن الألى شادوا الخلافة بالتقى ... واستأثروك بتاجها المعصوب )
( جمعوا بحفظ الدين آي مناقب ... كرموا بها فى مشهد ومغيب )
( لله مجدك طارفا أو تالدا ... فلقد شهدنا منه كل عجيب )
( كم رهبة أو رغبة لك والعلا ... تقتاد بالترغيب والترهيب )
( لا زلت مسرورا بأشرف دولة ... يبدو الهدى من أفقها المرقوب )
( تحيي المعالى غاديا أو رائحا ... وجديد سعدك ضامن المطلوب )
وقال من قصيدة خاطبه بها عند وصول هدية ملك السودان اليه وفيها الزرافة
( قدحت يد الأشواق من زندي ... وهفت بقلبى زفرة الوجد )
( ونبذت سلوانى على ثقة ... بالقرب فاستبدلت بالبعد )
( ولرب وصل كنت آمله ... فاعتضت منه مؤلم الصد )
( لا عهد عند الصبر أطلبه ... إن الغرام أضاع من عهدى )
( يلحى العذول فما أعنفه ... وأقول ضل فأبتغى رشدى )
( وأعارض النفحات أسالها ... برد الجوى فتزيد فى الوقد )
( يهدى الغرام الى مسالكها ... لتعللى بضعيف ما تهدى )
( يا سائق الوجناء معتسفا ... طى الفلاة لطية الوجد )
( أرح الركاب ففى الصبا نبأ ... يغنى عن المستنة الجرد )
( وسل الربوع برامة خبرا ... عن ساكنى نجد وعن نجد )
( ما لى تلام على الهوى خلقى ... وهى التى تأبى سوى الحمد )
( لأبيت إلا الرشد مذ وضحت ... بالمستعين معالم الرشد )
( نعم الخليفة فى هدى وتقى ... وبناء عز شامخ الطود )

( نجل السراة الغر شأنهم ... كسب العلا بمواهب الوجد )
ومنها
( لله منى إذ تاوبنى ... ذكراه وهو بشاهق فرد )
( شهم يفل بواترا قضبا ... وجموع أقيال أولى ايد )
( أوريت زند العزم فى طلبى ... وقضيت حق المجد من قصدى )
( ووردت عن ظمإ مناهلة ... فرويت من عز ومن رفد )
( هى جنة المأوى لمن كلفت ... آماله بمطالب المجد )
( لو لم أعل بورد كوثرها ... ما قلت هذى جنة الخلد )
( من مبلغ قومى ودونهم ... قذف النوى وتنوفة البعد )
( أنى أنفت على رجائهم ... وملكت عز جميعهم وحدى )
ومنها
( ورقيمة الأعطاف حالية ... موشية بوشائع البرد )
( وحشية الأنساب ما أنست ... فى موحش البيداء بالقرد )
( تسمو بجيد بالغ صعدا ... شرف الصروح بغير ما جهد )
( طالت رؤوس الشامخات به ... ولربما قصرت عن الوهد )
( قطعت اليك تنائفا وصلت ... إسادها بالنص والوخد )
( تخدي على استصعابها ذللا ... وتبيت طوع القن والقد )
( بسعودك اللائي ضمن لنا ... طول الحياة بعيشة رغد )
( جاءتك في وفد الأحابش لا ... يرجون غيرك مكرم الوفد )
( وافوك أنضاء تقلبهم ... أيدي السرى بالغور والنجد )
( كالطيف يستقري مضاجعه ... أو كالحسام يسل من غمد )

( يثنون بالحسنى التى سبقت ... من غير إنكار ولا جحد )
( ويرون لحظك من وفادتهم ... فخرا على الأتراك والهند )
( يا مستعينا جل في شرف ... عن رتبة المنصور والمهدي )
( جازاك ربك عن خليفته ... خير الجزاء فنعم ما تسدي )
( وبقيت للدنيا وساكنها ... في عزة أبدا وفي سعد )
وقال يخاطب عمر بن عبد الله مدير ملك الغرب
( يا سيد الفضلاء دعوة مشفق ... نادى لشكوى البث خير سميع )
( ما لي وللإفضاء بعد تعلة ... بالقرب كنت لها أجل شفيع )
( وأرى الليالي رنقت لي صافيا ... منها فأصبح في الأجاج شروعي )
( ولقد خلصت إليك بالقرب التى ... ليس الزمان لشملها بصدوع )
( ووثقت منك بأي وعد صادق ... أني المصون وأنت غير مضيع )
( وسما بنفسي للخليفة طاعة ... دون الأنام هواك قبل نزوع )
حتى انتحاني الكاشحون بسعيهم ... فصددتهم عني وكنت منيعي )
( رغمت أنوفهم بنجح وسائلي ... وتقطعت أنفاسهم بصنيعي )
( وبغوا بما نقموا علي خلائقي ... حسدا فراموني بكل شنيع )
( لا تطمعنهم ببذل في التى ... قد صنتها عنهم بفضل قنوعي )
( أنى أضام وفي يدي القلم الذي ... ما كان طيعة ولهم بمطيع )
( ولي الخصائص ليس تأبى رتبة ... حسبي بعلمي ذاك من تفريعي )
( قسما بمجدك وهو خير ألية ... أعتدها لفؤادي المصدوع )
( إني لتصطحب الهموم بمضجعي ... فتحول ما بيني وبين هجوعي )
( عطفا علي بوحدتي عن معشر ... نفث الإباء صدودهم في روعي )
( أغدوا إذا باكرتهم متجلدا ... وأروح أعثر في فضول دموعي )
( حيران أوجس عند نفسي خيفة ... فتسر في الأوهام كل مروع )

( أطوى على الزفرات قلبا آده ... حمل الهموم تجول بين ضلوعى )
( ولقد اقول لصرف دهر رابنى ... بحوادث جاءت على تنويع )
( مهلا عليك فليس خطبك ضائرى ... فلقد لبست له أجن دروع )
( إنى ظفرت بعصمة من أوحد ... بذ الجميع بفضله المجموع )
وقال يخاطب بعض الوزراء فى حال وحشة
( هنيئا بصوم لا عداه قبول ... وبشرى بعيد انت فيه منيل )
( وهنيتها من عزة وسعادة ... تتابع أعوام بها وفصول )
( سقى الله دهرا أنت إنسان عينه ... ولا مس ربعا فى حماك محول )
( فعصرك ما بين الليالى مواسم ... لها غرر وضاحة وحجول )
( وجانبك المأمول للجرد مشرع ... يحوم عليه عالم وجهول )
( عساك وان ضن الزمان منولى ... فرسم الأمانى من سواك محيل )
( أجرنى وليس الدهر لى بمسالم ... اذا لم يكن لى فى ذراك مقيل )
( وأوليتنى الحسنى بما انا آمل ... فمثلك يولى راجيا وينيل )
( ووالله ما رمت الترحل عن قلى ... ولا سخط للعيش فهو جزيل )
( ولا رغبة عن هذه الدار انها ... لظل على هذا الأنام ظليل )
( ولكن نأى بالشعب عنى حبائب ... دعاهن خطب للفراق طويل )
( يهيج بهن الوجد أنى نازح ... وأن فؤادى حيث هن حلول )
( عزيز عليهن الذى قد لقيته ... وأن اغترابى فى البلاد يطول )
( توارت بانبائى البقاع كأننى ... تخطفت أو غالت ركابى غول )

( ذكرتك يا مغنى الأحبة والهوى ... فطارت بقلبى أنه وعويل )
( وحييت عن شوق رباك كأنما ... يمثل لى نؤي بها وطلول )
( أأحبابنا والعهد بينى وبينكم ... كريم وما عهد الكريم يحول )
( اذا انا لم ترض الحمول مدامعى ... فلا قربتنى للقاء حمول )
( الام مقامى حيث لم ترد العلا ... مرادى ولم تعط القياد ذلول )
( أجاذب فضل العمر يوما وليلة ... وساء صباح بينها وأصيل )
( ويذهب فيما بين يأس ومطمع ... زمان بنيل المعلوات بخيل )
( تعللنى منه أمان خوادع ... ويؤيسنى ليان منه مطول )
( أما لليال لا ترد خطوبها ... ففى كبدى من وقعهن فلول )
( يروعنى من صرفها كل حادث ... تكاد له صم الجبال تزول )
( أدارى على رغم العدا لا لريبة ... يصانع واش خوفها وعذول )
( وأغدو بأشجانى عليلا كأنما ... تجود بنفسى زفرة وغليل )
( وإنى وان أصبحت فى دار غربة ... تحيل الليالى سلوتى وتزيل )
( وصدتنى الأيام عن خير منزل ... عهدت به ان لا يضام نزيل )
( لأعلم أن الخير والشر ينتهى ... مداه وان الله سوف يديل )
( وأنى عزيز بابن ماساى مكثر ... وإن هان أنصار وبان خليل )
وقال يمدح
( هل غير بابك للغريب مؤمل ... أو عن جنابك للأمانى معدل )
( هى همة بعثت إليك على النوى ... عزما كما شحذ الحسام الصيقل )
( متبوأ الدنيا ومنتجع المنى ... والغيث حيث العارض المتهلل )
( حيث القصور الزاهرات منيفة ... تعنى بها زهر النجوم وتحفل )

( حيث الخيام البيض يرفع للعلا ... والمكرمات طرافها المتهدل )
( حيث الحمى للعز دون مجاله ... ظل أفاءته الوشيج الذبل )
( حيث الكرام ينوب عن نار القرى ... عرف الكباء بحيهم والمندل )
( حيث الجياد أملهن بنو الوغى ... مما أطالوا فى المغر وأوغلوا )
( حيث الوجوه الغر قنعها الحيا ... والبشر فوق جبينها يتهلل )
( حيث الملوك الصيد والنفر الألى ... عز الجوار لديهم والمنزل )
وأنشد السلطان أبا عبد الله ابن الحجاج لأول قدومه ليلة الميلاد الكريم عام أربعة وستين وسبعمائة هذه القصيدة
( حى المعاهد كانت قبل تحيينى ... بواكف الدمع يرويها ويظمينى )
( إن الألى نزحت دارى ودارهم ... تحملوا القلب فى آثارهم دونى )
( وقفت أنشد صبرا ضاع بعدهم )
( فيهم وأسال رسما لا يناجينى )
( أمثل الربع من شوق وألثمة ... وكيف والفكر يذنيه ويقصينى )
( وينهب الوجد منى كل لؤلؤة ... ما زال جفنى عليها غير مأمون )
( سقت جفونى مغانى الربع بعدهم ... فالدمع وقف على أطلاله الجون )
( قد كان للقلب عن داعى الهوى شغل ... لو أن قلبى إلى السلوان يدعونى )
( أحبابنا هل لعهد الوصل مدكر ... منكم وهل نسمة منكم تحيينى )
( ما لى وللطيف لا يعتاد زائره ... وللنسيم عليلا لا يداوينى )
( يا أهل نجد وما نجد وساكنها ... حسنا سوى جنة الفردوس والعين )
( أعندكم أننى ما مر ذكركم ... إلا انثنيت كأن الراح تثنينى )
( أصبو الى البرق من أنحاء أرضكم ... شوقا ولولاكم ما كان يصبينى )

( يا نازحا والمنى تدنيه من خلدي ... حتى لاحسبه قربا يناجينى )
( أسلى هواك فؤادى عن سواك وما ... سواك يوما بحال عنك يسلينى )
( ترى الليالى أنستك اد كارى يا ... من لم يكن ذكره الأيام تنسينى )
ومنها
( أبعد مر الثلاثين التى ذهبت ... أولى الشباب بإحسانى وتحسينى )
( أضعت فيها نفيسا ما وردت به ... إلا سراب غرور لا يروينى )
( واحسرتى من أمان كلها خدع ... تريش غيي ومر الدهر يبرينى ) ومنها فى وصف المشور المبنى لهذا العهد
( يا مصنعا شيدت منه السعود حمى ... لا يطرق الدهر مبناه بتوهين )
( صرح يحار لديه الطرف مفتتنا ... فيما يروقك من شكل وتكوين )
( بعدا لإيوان كسرى أن مشورك ... السامى لأعظم من تلك الأواوين )
( ودع دمشق ومغناها فقصرك ذا ... أشهى إلى القلب من أبواب جيرون )
ومنها فى التعريض بالوزير الذى كان انصرافه بسببه
( من مبلغ عنى الصحب الألى جهلوا ... ودى وضاع حماهم إذ أضاعونى )
( أنى أويت من العليا الى حرم ... كادت مغانية بالبشرى تحيينى )
( واننى ظاعنا لم ألق بعدهم ... دهرا أشاكى ولا خصما يشاكينى )
( لا كالتى أخفرت عهدي ليالي إذ ... أقلب الطرف بين الخوف والهون )
( سقيا ورعيا لأيامى التى ظفرت ... يداي منها بحظ غير مغبون )
( أرتاد منها مليا لا يماطلنى ... وعدا وأرجوا كريما لا يعنينى )

ومنها
( وهاك منها قواف طيها حكم ... مثل الأزاهر فى طى الرياحين )
( تلوح ان جليت درا وإن تليت ... تثنى عليك بأنفاس البساتين )
( عانيت منها بجهدى كل شاردة ... لولا سعودك ما كانت تواتينى )
( يمانع الفكر عنها ما تقسمه ... من كل حزن بطى الصدر مكنون )
( لكن بسعدك ذلت لى شواردها ... فرضت منها بتحبير وتزيين )
( بقيت دهرك فى أمن وفي دعه ... ودام ملكك فى نصر وتمكين )
وهو الآن بحالته الموصوفة من الوجاهة والحظوة قد استعمل فى السفارة إلى ملك قشتالة فراقه وعرف حقه
مولده بتونس بلده فى شهر رمضان عام اثنين وثلاثين وسبعمائة انتهى كلام لسان الدين فى حق ابن خلدون
تعليق للمقرى والباعونى
قلت هذا كلام لسان الدين فى حق المذكور فى مبادىء أمره وأواسطه فكيف لو رأى تاريخه الكبير الذى نقلنا منه فى مواضع وسماه ديوان العبر وكتاب المبتدإ والخبر فى تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر ورأيته بفاس وعليه خطه فى ثمانى مجلدات كبار جدا وقد عرف فى آخره بنفسه وأطال وذكر أنه لما كان بالأندلس وحظى عند السلطان أبى عبد الله شم من وزيره ابن الخطيب رائحة الانقباض فقوض الرحال ولم يرض من الإقامة بحال ولعب بكرته صوالجة الأقدار حتى حل بالقاهرة المعزية واتخذها خير دار وتولى بها قضاء القضاة وحصلت له أمور رحمه الله تعالى

وكان أعنى الولى ابن خلدون كثير الثناء على لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى
ولقد رأيت بخط العالم الشهير الشيخ إبراهيم الباعونى الشامى فيما يتعلق بابن خلدون ما نص محل الحاجة منه تقلبت به الأحوال حتى قدم الى الديار المصرية وولى بها قضاة المالكية فى الدولة الشريفة الظاهرية وصحبته رحمه الله تعالى فى سنة 803 عند قدومه الى الشام صحبة الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق فى فتنة تمرلنك عليه من الله تعالى ما يستحقه وأكرمه تمرلنك غاية الإكرام وأعاده الى الديار المصرية وكنت أكثر الاجتماع به بالقاهرة المحروسة للمودة الحاصلة بينى وبينه وكان يكثر من ذكر لسان الدين ابن الخطيب ويورد من نظمه ونثره ما يشنف به الأسماع وينعقد على استحسانه الإجماع وتتقاصر عن إدراكه الأطماع ف
C تعالى عليهما وأزكى تحياته تهدى اليهما
ولقد كان ابن خلدون هذا من عجائب الزمان وله من النظم والنثر ما يزرى بعقود الجمان مع الهمة العلية والتبحر فى العلوم النقلية والعقلية وكانت وفاته بالقاهرة المعزية سنة 807 سقى الله تعالى عهده ووطأ فى الفردوس مهده
قاله وكتبه الفقير الى الله تعالى إبراهيم بن أحمد الباعونى الشافعى غفر الله تعالى له زلله وأصلح خلله انتهى
10 - ومن نثر لسان الدين ما ذكره فى الإحاطة فى ترجمة يحيى بن إبراهيم ابن يحيى البرغواطى من بنى الترجمان ولنذكر الترجمة بجملتها لأشتمالها على ما ذكر وغيره فى حق المذكور بعد قوله إنه من بنى الترجمان ما صورته
عزف عنهم وانقطع إلى لقاء الصالحين وصحبه الفقراء المتجردين وكان نسيج وحده فى طلاقة اللسان حافظا لكل غريبة من غرائب الصوفية يتكلم فى مشكلاتهم حفظ منازل السائرين للهروى وتائية ابن الفارض مليح الملبس مترفع عن الكدية حسن الحديث صاحب شهرة ومع ذلك

فمغضوض منه محمول عليه لما جبل عليه من رفض الاصطلاح واطراح التغافل مولع بالنقد والمخالفة فى كل ما يطرق سمعه مرشحا ذلك بالجدل المبرم ذاهبا أقصى مذاهب القحة كثير الفلتات نالته بسبب هذه البلية محن ووسم بالرهق فى دينه مع صحة العقل وهو الآن عامر الرباط المنسوب إلى اللجام على رسم الشياخة عديم التابع مهجور الفناء قيد الكثير من الأجزاء منها فى نسبة الذنب إلى الذاكر جزء نبيل غريب المأخذ ومنها فيما أشكل من كتاب ابى محمد ابن الشيخ وصنف كتابا كبير الحجم فى الاعتقادات جلب فيه كثيرا من الحكايات رأيت عليه بخط شيخنا أبى عبد الله المقرى ما يدل على استحسانه
ومن البرسام الذى يجرى على لسانه بين الجد والقحة والجهالة والمجانة قوله لبعض خدام باب السلطان وقد ضويق فى شىء أضجره منقولا من خطه بعد رد كثير منه للإعراب ما نصه الله نور السموات من غير نار ولا غيرها والسلطان ظل له وسراجه فى الأرض ولكل منهما فراش مما يليق به ويتهافت عليه فهو تعالى محرق فراشه بذاته ومغرقهم بصفاته وسراجه وظله هو السلطان محرق فراشه بناره مغرقهم بزيته ونواله ففراش الله تعالى ينقسم الى حافين ومسبحين ومستغفرين وأمناء وشاخصين وفراش السلطان ينقسمون إلى أقسام لا يشذ أحدهم عنها وهم وزغة ابن وزغة وكلب ابن كلب وكلب مطلقا وعار ابن عار وملعون ابن ملعون وقط فأما الوزغة فهو المغرق فى زيت نواله المشغول بذلك عما يليق بصاحب النعمة من النصح وبذل الجهد والكلب ابن الكلب هو الكيس المتحرز فى تهافته من إحراق وإغراق يعطى بعض الحق ويأخذ بعضه وأما الكلب مطلقا فهو المواجه وهو المشرد للسفهاء عن الباب المعظم القليل النعمة وأما العار ابن العار فهو المتعاطى فى تهافته ما فوق الطوق ولهذا امتاز هذا الاسم بالرياسة عند العامة اذا مر بهم جلف أو متعاظم يقولون هذا العار ابن العار يحسب نفسه رئيسا وذلك لقرب المناسبة فهو موضوع لبعض الرياسة كما أن الكلب ابن الكلب لبعض الكياسة وأما الملعون

ابن الملعون فهو المغالط المعاند المشارك لربه المنعم عليه فى كبريائه وسلطانه وأما القط فهو الفقير مثلى المستغنى عنه لكونه لا تختص به رتبة فتارة فى حجر الملك وتارة فى السنداس وتارة فى أعلى الرتب وتارة محسن وتارة مسىء تغفر سيئاته الكثيرة بأدنى حسنة إذ هو من الطوافين متطير بقتله وإهانته تياه فى بعض الأحايين بعزة يجدها من حرمة أبقاها له الشارع وكل ذلك لا يخفى
وأما الفراش المحرق فهو عند الدول نوعان تارة يكون ظاهرا وحصته مسح المصباح وتصفية زيته وإصلاح فتيله وستر دخانه ومسايسة ما يكون من المطلوب منه ووجود هذا شديد الملازمة ظاهرا وأما المحرق الباطن فهو المشار اليه فى دولته بالصلاح والزهد والورع فيعظمه الخلق ويترك لما هو بسبيله فيكون وسيلة بينهم وبين ربهم وخليفته الذى هو مصباحهم فإذا أراد الله تعالى إهلاك المروءة وإطفاء مصباحها تولى ذلك أهل البطالة والجهالة وكان الأمر كما رأيتم والكل فراش متهافت وكل يعمل على شاكلته
11 - قال الوزير لسان الدين وطلب منى الكتب عليه بمثل ذلك فكتبت ببعض أوراقه إثارة لضجره واستدعاء لفكاهة انزعاجه ما نصه
وقفت من الكتاب المنسوب لصاحبنا ابى زكريا البرغواطى على برسام محموم واختلاط مذموم وانتساب زنج فى روم وكان حقه ان يتهيب طريقا لم يسلكها ويتجنب عقيله لم يملكها اذ المذكور لم يتلق شيئا من علم الأصول ولا نظر من الإعراب فى فصل من الفصول إنما هى قحة وخلاف وتهاون بالمعارف واستخفاف غير أنه يحفظ فى طريق القوم كل نادرة وفيه رجولية ظاهرة وعنده طلاقة لسان وكفاية قلما تتأتى لإنسان فإلى الله نضرع ان يعرفنا مقادير الأشياء ويجعلنا بمعزل عن الأغبياء وقد قلت مرتجلا من أول نظره واجتزاء بقليل من كثره

( كل جار لغاية مرجوه ... فهو عندى لم يعد حق الفتوة )
( وأراك اقتحمت ليلا بهيما ... مولجا منك ناقة فى كوه )
( لا اتباعا ولا اختراعا أتتنا ... إذ نظرنا عروسك المجلوة )
( كل ما قلته فقد قاله الناس ... مقالا آياته متلوه )
( لم تزد غير أن أبحت حمى الإعراب ... فى كل لفظة مقروه )
( نسأل الله فكرة تلزم العقل ... الى حشمة تحوط المروه )
( وعزيز على ان كنت يحيى ... ثم لم تأخذ الكتاب بقوة )
12 - ومن بديع نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما كتبه لسلطان تلمسان إثر قصيدة سينية حازت قصب السبق ولنثبت الكل هنا فنقول قال الإمام الحافظ عبد الله التنسى نزيل تلمسان رحمه الله تعالى عندما جرى ذكر أمير المسلمين السلطان أبى حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يغمراسن بن زيان رحمه الله تعالى ما صورته وكان الفقيه ذو الوزارتين أبو عبد الله ابن الخطيب كثيرا ما يوجه إليه بالأمداح ومن أحسن ما وجه له قصيدة سينية فائقة وذلك عندما أحس بتغير سلطانه عليه فجعلها مقدمة بين يدى نجواه لتمهد له مثواه وتحصل له المستقر إذا ألجأه الأمر إلى المفر فلم تساعده الأيام كما هو شأنها فى أكثر الأعلام وهى هذه
( أطلعن فى سدف الفروع شموسا ... ضحك الظلام لها وكان عبوسا )
( وعطفن قضبا للقدود نواعما ... بوئن أدواح النعيم غروسا )
( وعدلن عن جهر السلام مخافة ... الواشى فجئن بلفظه مهموسا )
( وسفرن من دهش الوداع وقومهن ... الى الترحل قد أناخوا العيسا )
( وخلسن من خلل الحجال إشارة ... فتركن كل حجالها مخلوسا )
( لم أنسها من وحشة والحى قد ... زجر الحمول وآثر التغليسا )

( لا الملتقى من بعدها كثب ولا ... عوج الركائب تسأم التخييسا )
( فوقفت وقفة هائم برحاؤه ... وقفت عليه وحبست تحبيسا )
( ودعوت عينى عاتبا وعيونها ... بعصا النوى قد بجست تبجيسا )
( نافست يا عينى در دموعهم ... فعرضت درا للدموع نفيسا )
( ما للحمى بعد الأحبة موحشا ... ولكم تراءى آهلا مأنوسا )
( ولسربه حول الخميلة نافرا ... عمن يحس به وكان أنيسا )
( ولظله المورود غمر قليبه ... لا يقتضى وردا ولا تعريسا )
( حييته فأجابنى رجع الصدى ... لا فرق بينهما إذا ما قيسا )
( ما ان يزيد على الإعادة صوته ... حرفا فيشفى بالمزيد نسيسا )
( نضب المعين وقلص الظل الذى ... ظلنا عكوفا عنده وجلوسا )
( نتواعد الرجعى ونغتنم اللقا ... وندير من شكوى الغرام كؤوسا )
( فإذا سألت فلا تسائل مخبرا ... واذا سمعت فلا تحس حسيسا )
( عهدى به والدهر يتحف بالمنى ... وقد اقتضت نعماه ان لا بوسا )
( والعيش غض الريع والدنيا قد ... اجتليت بمغناه على عروسا )
( أترى يعيد الدهر عهدا للصبا ... درست مغانى الأنس فيه دروسا )
( أوطان أوطار تعوض أفقها ... من رونق البشر البهى عبوسا )
( هيهات لا تغنى لعل ولا عسى ... فى مثلها إلا لآية عيسى )
( والدهر فى دست القضاء مدرس ... فإذا قضى يستأنف التدريسا )
( تفتن فى جمل الورى أبحاثه ... لا سيما فى باب نعم وبيسا )
( وسجية الإنسان ليس بناصل ... من صبغها حتى يرى مرموسا )
( يغتر مهما ساعدت آماله ... فإذا عراه الخطب كان يؤوسا )

( فلو أن نفسا مكنت من رشدها ... يوما وقدسها الهدى تقديسا )
( لم تستفز رسوخها النعمى ولا ... هلعت اذا كشرت اليها البوسى )
( قل للزمان اليك عن متذمم ... بضمان عز لم يكن ليخيسا )
( فإذا استحر جلاده فأنا الذى ... استغشيت من سرد اليقين لبوسا )
( واذا طغى فرعونه فأنا الذى ... من ضره وأذاه عذت بموسى )
( أنا ذا أبو مثواه من يحمي الحمى ... ليثا ويعلم بالزئير الخيسا )
( بحمى أبى حمو حططت ركائبى ... لما اختبرت الليث والعريسا )
( أسد الهياج إذا خطا قدما سطا ... فتخلف الأسد الهزبر فريسا )
( بدر الهدى يأبى الضلال ضياؤه ... أبدا فيجلو الظلمة الحنديسا )
( جبل الوقار رسا وأشرف واعتلى ... وسما فطأطأت الجبال رؤوسا )
( غيث النوال اذا الغمام حلوبة ... مثلت بأيدي الحالبين بسوسا )
( تلقاه يوم الأنس روضا ناعما ... وتراه بأسا فى الهياج بئيسا )
( كم غمرة جلى وكم خطب كفى ... ان أوطأ الجرد العتاق وطيسا )
( كم حكمة أبدى وكم قصد هدى ... للسالكين أبان منه دريسا )
( أعلى بنى زيان والفذ الذى ... لبس الكمال فزين الملبوسا )
( جمع الندى والبأس والشيم العلا ... والسؤدد المتواتر القدموسا )
( والحلم ليس يباين الخلق الرضى ... والعلم ليس يعارض الناموسا )
( والسعد يغنى حكمه عن نصبة ... تستخبر التربيع والتسديسا )
( كم راض صعبا لا يراض معاصيا ... كم خاض بحرا لا يخاض ضروسا )

( بلغ التى لا فوقها متمهلا ... وعلا السها واستسفل البرجيسا )
( يا خير من خفقت عليه سحابة ... للنصر تمطره أجش بجيسا )
( وأجل من حملته صهوة سابح ... ان كر ضعضع كره الكردوسا )
( قسما بمن رفع السماء بغير ما ... عمد ورفع فوقها إدريسا )
( ودحا البسيطة فوق لج مزبد ... ما ان يزال على القرار حبيسا )
( حتى يهيب بأهله الوعد الذى ... حشر الرئيس اليه والمرؤوسا )
( ما أنت إلا ذخر دهرك دمت فى ... الصون الحريز ممتعا محروسا )
( لو ساومته الأرض فيك بما حوت ... لرآك مستاما بها مبخوسا )
( حلف البرور بها اليه صادق ... ويمين من عقد اليمين غموسا )
( من قاس ذاتك بالذوات فإنه ... جهل الوزان واخطا التقييسا )
( لا تستوى الأعيان فضل مزية ... وطبيعة فطر الإله وسوسا )
( لعناية التخصيص سر غامض ... من قبل ذرء الخلق خص نفوسا )
( من انكر الفضل الذى اوتيته ... جحد العيان وأنكر المحسوسا )
( من دان بالإخلاص فيك فعقده ... لا يقبل التمويه والتلبيسا )
( والمنتمى العلوى عيصك لم تكن ... لترى دخيلا فى بنيه دسيسا )
( بيت البتول ومنبت الشرف الذى ... تحمى الملائك دوحة المغروسا )
( أما سياستك التى أحكمتها ... ورميت بالتقصير أسطاليسا )
( فلو ان كسرى الفرس أبصر بعضها ... ما كان يطمع ان يعدى سوسا )
( لو سار عدلك فى السنين لما اشتكت ... بخسا ولم يك بعضهن كبيسا )

( ولو الجوارى الخنس انتسبت إلى ... إقدام عزمك ما خنسن خنوسا )
( قدت الصعاب فكل صعب سامح ... لك بالقياد وكان قبل شموسا )
( تلقى الليوث وللقتام غمامة ... قدح الصفيح وميضها المقبوسا )
( وكأنها تحت الدروع أراقم ... ينظرن من خلل المغافر شوسا )
( ما لابن مامة فى القديم وحاتم ... ضرب الزمان بجودهم ناقوسا )
( من جاء منهم مثل جودك كلما ... حسبوا المكارم كسوة أو كيسا )
( أنت الذى افتك السفين وأهله ... إذ أوسعت سبل الخلاص طموسا )
( أنت الذى أمددت ثغر الله ... بالصدقات تبلس كرة ابليسا )
( وأعنت أندلسا بكل سبيكة ... موسومة لا تعرف التدليسا )
( وشحينة بالبر فى سبل الرضى ... والبر قارب قاعها القاموسا )
( أن لم تجر بها الخميس فطالما ... جهزت فيها للنوال خميسا )
( وملأت ايديها وقد كادت على ... حكم القضاء تشافه التفليسا )
( صدقت للآمال صنعة جابر ... وكفيتها التشميع والتشميسا )
( والحل والتقطير والتصعيد ... والتخمير والتصويل والتكليسا )
( فسبكت من آمالها مالا ومن ... أوراقها ورقا وكن طروسا )
( بهتوا فلما استخبروا لم ينكروا ... وزنا ولا لونا ولا ملموسا )
( وتدبر من قلب السطور سبائكا ... منها ومن طبع الحروف فلوسا )
( ونحوت نحو الفضل تعضد منه ... بالمسموع ما ألفيت منه مقيسا )
( وجبرت بعد الكسر قومك جاهدا ... تغنى العديم وتطلق المحبوسا )

( ونشرت راية عزهم من بعد ما ... دال الزمان فسامها تنكيسا )
( احكمت حيلة برئهم بلطافه ... قد اعجزت فى الطب جالينوسا )
( وفللت من حد الزمان وانه ... أوحى وأمضى من غرار الموسى )
( وشحذت حدا كان قبل مثلما ... ونعشت جدا كان قبل تعيسا )
( لم ترج إلا الله جل جلاله ... فى شدة تكفى وجرح يوسى )
( قدمت صبحا فاستضأت بنوره ... ووجدت عند الشدة التنفيسا )
( ما أنت إلا فالح متيقن ... بالنجح تعمر ممرعا ويبيسا )
( ومتاجر جعل الأريكة صهوة ... عربية والمتكا القربوسا )
( ما ان تبايع أو تشارى واثقا ... بالربح إلا المالك القدوسا )
( والعزم يفترع النجوم بناؤه ... مهما أقام على التقى تأسيسا )
( ومقام صبرك واتكالك مذكر ... بحديثه الشبلى أو طاووسا )
( ومن ارتضاه الله وفق سعيه ... فرأى العظيم من الحظوظ خسيسا )
( ما ازددت بالتمحيص إلا جده ... ونضوت من خلع الزمان لبيسا )
( ولطالما طرق الخسوف أهله ... ولطالما اعترض الكسوف شموسا )
( ثم انجلت قسماتها عن مشرق ... للسعد ليس بحاذر تتعيسا )
( خذها اليك على النوى سينية ... ترضى الطباق وتشكر التجنيسا )
( ان طوولت بالدر من حول الطلى ... يوما تشكت حظها الموكوسا )
( لولاك ما أصغت لخطبة خاطب ... ولعنست فى بيتها تعنيسا )
( قصدت سليمان الزمان وقاربت ... فى الخطو تحسب نفسها بلقيسا )
( لى فيك ود لم أكن من بعد ما ... أعطيت صفقة عهده لأخيسا )
( كم لى بصحة عقده من شاهد ... لا يحذر التجريح والتدليسا )

( يقفو الشهادة باليمين وانه ... لمؤمن من ان يعد فسيسا )
( لا يستقر قرار أفكارى الى ... أن أستقر لدى علاك جليسا )
( وأرى تجاهك مستقيم السير ... للقصد الذى أعملته معكوسا )
( هى دين أيامى فإن سمحت به ... لم يبق من شىء عليه يوسى )
( لا زال صنع الله مجنوبا الى ... مثواك يهدي البشر والتأنيسا )
( متتابعا كتتابع الأيام لا ... يذر التعاقب جمعة وخميسا )
( فلو أنصفتك إياله الملك التى ... رضت الزمان لها وكان شريسا )
( قرنت بذكرك والدعاء لك الذى ... تختاره التسبيح والتقديسا )
( القلب أنت لها رئيس حياتها ... لم تعتبر مهما صلحت رئيسا )
ثم قال الحافظ التنسى رحمه الله تعالى بعد سرد هذه القصيدة ما معناه ان لسان الدين ابن الخطيب حذا فى هذه القصيدة السينية حذو أبى تمام فى قصيدته التى أولها
( أقشيب ربعهم أراك دريسا ... تقرى ضيوفك لوعة ورسيسا )
واختلس كثيرا من ألفاظها ومعانيها انتهى
ووصل لسان الدين هذه القصيدة بنثر بديع نصه
هذه القصيدة أبقى الله تعالى أيام المثابة المولوية الموسوية ممتعة بالشمل المجموع والثناء المسموع والملك المنصور الجموع نفثة من باح بسر هواه ولبى دعوة الشوق العابث بلبه وقد ظفر بمن يهدى خبر جواه إلى محل هواه ويختلس بعث تحيته إلى مثير أريحيته وهى بالنسبة إلى ما يعتقد

من ذلك الكمال الشاذ عن الآمال عنوان من كتاب وذواق من أوقار ذات أقتاب وإلا فمن يقوم بحق تلك المثابة لسانه أو يكافىء إحسانها إحسانه أو يستقل بوصفها يراعه أو تنهض بايسر وظيفها ذراعه ولا مكابرة بعد الاعتراف والبحر لا ينفد بالاغتراف لا سيما وذاتكم اليوم والله تعالى يبقيها ومن المكاره يقيها وفى معارج القرب من حضرة القدس يرقيها ياقوته اختارها واعتبرها ثم ابتلاها بالتمحيص فى سبيل التخصيص واختبرها وسبيكه أخلصها مسجرها فخلصها بتسجيره من الشوب وأبرزها من لباب الذوب وقصرت عن هذه الاثمان وسر بصدق دعواه البهرمان ليفاضل بين الجهام والصيب ( ليميز الله الخبيث من الطيب ) الانفال فأراكم أن لا جدوى للعديد ولا للعدة وعرفكم بنفسه فى حال الشدة ثم فسح لكم بعد ذلك فى المدة لتعرفوه إذا دال الرخاء وهبت بعد تلك الزعازع الريح الرخاء وملأكم من التجارب وأوردكم من ألطافه أعذب المشارب ونقلكم بين إمرار الزمان وإحلائه ولم يسلبكم إلا حقيرا عند أوليائه وأعادكم المعاد المطهر والبسكم من أثواب اختصاصه المعلم المشهر فأنتم اليوم بعين العناية بالإفصاح والكناية قد وقف الدهر بين يديكم موقف الاعتراف بالجناية فإن كان الملك اليوم علما يدرس وقوانين فى قوة الحفظ تغرس وبضاعة برصد التجارب تحرس فأنتم مالك دار هجرته المحسوبة وأصمعى شعوبه المنسوبه إلى ما حزتم من أشتات الكمال المربية على الآمال فالبيت علوى المنتسب والملك بين الموروث والمكتسب والجود يعترف به الوجود والدين يشهد به الركوع والسجود والبأس تعرفه التهائم والنجود والخلق يحسده الروض المجود والشعر يغترف من عذب نمير ويصدق ما قال بدىء بأمير وختم بأمير وإن مملوككم حوم

من بابكم على العذب البرود فعاقه الدهر عن الورود واستقبل افقه ليحقق الرصد ولكنه اخطأ القصد ومن أخطأ الغرض اعاد ورجا من الزمان الاسعاد فربما خبىء نصيب او كان مع الخواطىء سهم مصيب وكان يؤمل صحبة ركاب الحجاز فانتقلت الحقيقه منه الى المجاز وقطعت القواطع التى لم ينلها الحساب ومنعت الموانع التى خلص منها إلى الفتنة الانتساب ومن طلب الايام ان تجرى على اقتراحه وجب العمل على اطراحه فانما هي البحر الزاخر الذي لا يدرك منه الاخر والرياح متغايره والسفينه الحائره فتارة يتعذر من المرسى الصرف وتاره تقطع المسافه البعيده قبل أن يرتد الطرف هذا أن سالمها عطبها واعفي من الوقود حطبها ولقد علم الله جل جلاله أن لقاء ذلك المقام الكريم عند الملوك تمام المطلوب ممن يجبر كسر القلوب فإنه مما انعقد على كماله الإجماع وصح في عوالي معاليه السماع وارتفعت في وجود مثاله الاطماع اخلاقا هذبها الكرم الوضاح وسجية كلف بها الكمال الفضاح وحرصا على الذكر الجميل وما يتنافس فيه إلا من سمت هممه وكرمت ذممه وألفت الخلد رممه إذ الوجود سراب وما فوق التراب تراب ولا يبقى إلا عمل راق أو ذكر بالجميل يسطر فى أوراق حسبما قلت من قصيدة كتبتها على ظهر مكتوب موضوع أشار به من كانت له طاعة فوفت بمقترحه استطاعه
( يمضىالزمان وكل فان ذاهب ... إلا جميل الذكر فهو الباقى )
( لم يبق من إيوان كسرى بعد ذاك ... الحفل إلا الذكر فى الأوراق )
( هل كان للسفاح والمنصور ... والمهدى من ذكر على الإطلاق )
( أو للرشيد وللأمين وصنوه ... لولا شباه يراعة الوراق )
( رجع التراب الى التراب بما اقتضت ... فى كل خلق حكمة الخلاق )

( إلا الثناء الخالد العطر الشذا ... يهدى حديث مكارم الأخلاق )
والرغبة من مقامكم الرفيع الجناب أن يمكنها من حسن المناب فتحظى بحلول ساحته ثم بلثم راحته ثم بالإبتغاء ولا مزيد للايتغاء الى ان ترتفع الوساطة وتغنى عن التركيب البساطة وينسى الأثر بالعين ويحسن الدهر قضاء الدين ونسأل الذى أغرى بها القريحة ولم يجعل الباعث إلا المحبة الصريحة أن يبقى تلك المثابة زينا للزمان وذخرا مكنوفا باليمن والأمان مظللا برحمة الرحمن بفضله وكرمه انتهى
13 - ومما كتب به لسان الدين رحمه الله تعالى الى الشيخ الرئيس الخطيب شيخه أبى عبد الله ابن مرزوق رحمه الله تعالى حين كانت أزمة أمر المغرب بيده أيام السلطان أبى سالم ابن السلطان أبى الحسن المرينى رحم الله تعالى الجميع ما صورته
سيدي بل مالكى بل شافعى ومنتشلى من الهفوة ورافعى وعاصمى عند تجويد حروف الصنائع ونافعى الذى بجاهة أجزلت المنازل قراى وفضلت أولاي والمنة لله تعالى أخراي وأصبحت وقول الحسن هجيراي
( علقت بحبل من حبال محمد ... أمنت به من طارق الحدثان )
( تغطيت من دهرى بظل جناحه ... فعيني ترى دهرى وليس يرانى )
( فلو تسأل الأيام ما اسمى ما درت ... واين مكانى ما عرفن مكانى )
وصلت مكناسه حرسها الله تعالى حدانى حدو نداك سحائب لولا الخصال المبرة قلت يداك وكان الوطن لاغتباطه بجوارى أو ما رآه من انتياب زواري

أوغر إلى بهت يقطع الطريق وأطلع يده على التفريق وأشرق القوافل مع كثرة الماء بالريق فلم يسع إلا المقام أياما قعودا فى البر وقياما واختيارا لضروب الأنس واعتياما ورأيت بلده معارفها أعلام وهواؤها برد وسلام ومحاسنها تعمل فيها ألسنة وأقلام فحيا الله تعالى سيدي فلكم من فضل أفاد وأنس أحياه وقد باد وحفظ منه على الأيام الذخر والعتاد كما ملكه زمام الكمال فاقتاد وأنا أتطارح عليه فى صلات تفقده وموالاه يده بأن يسهمنى فى فرض مخاطبته مهما خاطب معتبرا بهذه الجهات ويصحبنى من مناصحته بكؤوس مسرة يعمل فيها هاك وهات فالعز بعزه معقود والسعد بوجوده موجود ومنهل السرور بسروره مورود والله عز و جل يبقيه بقاء الدهر ويجعل حبه وظيفة السر وحمده وظيفة الجهر ويحفظ على الأيام من زمنه زمن الزهر ويصل لنا تحت إيالته العام بالعام والشهر بالشهر آمين آمين انتهى
14 - ومما خاطب به لسان الدين رحمه الله تعالى صاحب الأشغال بالمغرب أبا عبد الله ابن أبى القاسم بن أبى مدين يهنيه بتقلد المنصب من رسالة قوله
( تعود الأمانى بعد انصراف ... ويعتدل الشىء بعد انحراف )
( فإن كان دهرك يوما جنى ... فقد جاء ذا خجل واعتراف )
طلع البشير أبقاك الله تعالى بقبول الخلافة المرينية والإمامة السنية خصها الله تعالى ببلوغ الأمنية على تلك الذات التى طابت أرومتها وزكت وتأوهت العلياء لتذكر عهدها وبكت وكاد السرور ينقطع لولا أنها تركت منك الوارث الذى تركت فلولا العذر الذى تأكدت ضرورته والمانع الذى ربما تقررت لديكم صورته لكنت أول مشافه بالهناء ومصارف لهذا الاعتناء الوثيق البناء بنقود الحمد لله والثناء وهى طويلة
15 - ومما خاطب به رحمه الله تعالى قاضى الجماعة وقد نالته مشقة

جرها غلط الخدام السوء واشتراك الأسماء أعتبه عندها السلطان وخلع عليه وأشاد بقدره بما نصه
( تعرفت أمرا ساءنى ثم سرنى ... وفى صحة الأيام لا بد من مرض )
( تعمدك المحبوب بالذات بعدما ... جرى ضده والله يكفيه بالعرض )
فى مثلها سيدي يحمد الأختصار وتقصر الأنصار وتصرف الأبصار إذ لم يتعين ظالم ولم يتبين يقظ ولا حالم وإنما هى هدية أجر وحقيقة وصل أعقبت مجاز هجر وجرح جبار وأمر ليس به اعتبار ووقيعة لم يكن فيها إلا غبار وعثره القدم لا تنكر والله سبحانه يحمد فى كل حالة ويشكر وإذا كان اعتقاد الخلافة لم يشبه شائب وحسن الولاية لم يعبه عائب والعرى دائب والجانى تائب فما هو إلا الدهر الحسود لمن يسود خمش بيد ثم سترها ورمى عن قوس ما أصلحها والحمد لله ولا أوترها إنما باء بشينه وجنى من مزيد العناية محنة عينه ولا اعتراض على قدر أعقب بحظ معتذر وورد نغص بكدر ثم أنس بإكرام صدر وحسبنا أن نحمد الدفاع من الله تعالى والذب ولا نقول مع الكظم إلا ما يرضى الرب وإذا سابق أولياء سيدي في فخر مضمار وحماية ذمار واستباق الى بر وابتدار بجهد اقتدار فأنا ولا فخر متناول القصبة وصاحب الدين من بين العصبة لما بلوت من بر أوجبه الحسب والفضل الموروث والمكتسب ونصح وضخ منه المذهب وتنفيق راق منه الرداء المذهب هذا مجمل وبيانه إلى وقت الحاجة مؤخر ونبذه شره لتعجيلها يراع مسخر والله سبحانه يعلم ما أنطوى عليه لسيدي من إيجاب الحق والسير من إجلاله على أوضح الطرق والسلام انتهى

16 - وقال رحمه الله تعالى خاطبت بعض الفضلاء بقولى مما يظهر من الجملة غرضه
( تعرفت قرب الدار ممن أحبه ... فكنت أجد السير لولا ضروره )
( لاتلو من آي المحامد سورة ... وأبصر من شخص المحاسن صورة )
كنت أبقاك الله تعالى لاغتباطى بولائك وسرورى بلقائك أود أن أطوى إليك هذه المرحلة وأجدد العهد بلقياك المؤملة فمنع مانع وما ندرى فى الآتى ما الله صانع وعلى كل حال فشأنى قد وضح منه سبيل مسلوك وعلمه مالك ومملوك واعتقادى أكثر مما تسعة العبارة والألفاظ المستعارة وموصلها ينوب عنى فى شكر تلك الذات المستكملة شروط الوزارة المتصفة بالعفاف والطهارة والسلام
17 - وقال سامحه الله تعالى يخاطب السلطان أبا عبد الله ابن نصر جبره الله تعالى عند وصول ولده من الأندلس
( الدهر أضيق فسحة من ان يرى ... بالحزن والكمد المضاعف يقطع )
( واذا قطعت زمانه فى كربه ... ضيعت فى الأوهام ما لا يرجع )
( فاقنع بما أعطاك ربك واغتنم ... منه السرور وخل ما لا ينفع )
مولاي الذى له المنن والخلق الجميل والخلق الحسن والمجد الذى وضح منه السنن كتبه عبدك مهنئا بنعم الله تعالى التى أفاضها عليك وجلبها إليك من اجتماع شملك بنجلك وقضاء دينك من قرة عينك الى ما تقدم من إفلاتك وسلامة ذاتك وتمزق أعدائك وانفرادك بأودائك والزمن ساعة فى القصر لا بل كلمح البصر وكانى بالبساط قد طوى والتراب على الكل قد سوى فلا تبقى غبطة ولا حسرة ولا كربة ولا يسرة وإذا نظرت

ما كنت فيه تجدك لا تنال منه إلا أكله وفراشا وكنا ورياشا مع توقع الوقائع وارتقاب الفجائع ودعاء المظلوم وصداع الجائع فقد حصل ما كان عليه التعب وأمن الرهب ووضح الأجر المذهب والقدرة باقية والأدعية راقية وما تدرى ما تحكم به الأقدار ويتمخض عنه الليل والنهار وأنت اليوم على زمانك بالخيار فان اعتبرت الحال واجتنبت المحال لم يخف عليك أنك اليوم خير منك أمس من غير شك ولا لبس وكان من أملى التوجه إلى رؤية ولدكم ولكن عارضتنى موانع ولا ندرى فى الآتى ما الله تعالى صانع فاستنبت هذه فى تقبيل قدمه والهناء بمقدمه والسلام
18 - وقال رحمه الله تعالى قلت أخاطب محمد بن نوار وقد أعرس ببنت مزوار الدار السلطانية وهو معروف بالوسامة وحسن الصورة
( إن كنت فى العرس ذا قصور ... فلا حضور ولا دخاله )
( ينوب نظمى مناب تيس ... والنثر عن قفة النخاله )
هناكم الله سبحانه دعاء وخبرا والبسكم من السرور حبرا وعوذكم بالخمس حتى من عين الشمس فلعمرى لقد حصلت النسبة ورضيت هذه المعيشة الحسبة ومن يكن المزوار ذواقه كيف لا يشق البدر أطواقه وينشر القبول عليه رواقه وأنتم أيضا بركان جمال وبقية رأس مال ويمين فى الانطباع وشمال بمنزلكم اليوم بدر وهلال ولعقد التوفيق بفضل الله تعالى استقلال فأنا أهنيكم بتسنى أمانيكم والسلام
19 - وقال رحمه الله تعالى مخاطبا عميد مراكش المتميز بالرأى والسياسة

والهمة وإفاضة العدل وكف اليد والتجافى عن مال الجباية عامر بن محمد بن على الهنتاتى
( تقول لى الأظعان والشوق فى الحشا ... له الحكم يمضى بين ناه وآمر )
( إذا جبل التوحيد أصبحت فارعا ... فخيم قرار العين فى دار عامر )
( وزر تربة المعلوم ان مزارها ... هو الحج يفضى نحوه كل ضامر )
( ستلقى بمثوى عامر بن محمد ... ثغور الأمانى من ثنايا البشائر )
( ولله ما تبلوه من سعد وجهه ... ولله ما تلقاه من يمن طائر )
( وتستعمل الأمثال فى الدهر منكما ... بخير مزور أو بأغبط زائر )
لم يكن همى أبقاك الله تعالى مع فراغ البال وإسعاف الآمال ومساعدة الأيام والليال إذ الشمل جميع والزمان كله ربيع والدهر مطيع سميع إلا زيارتك فى جبلك الذى يعصم من الطوفان ويواصل أمنه بين النوم والأجفان وأن أرى الأفق الذى طلعت منه الهداية وكانت اليه العودة ومنه البداية فلما حم الواقع وعجز عن خرق الدولة الأندلسية الراقع وأصبحت ديار الأندلس وهى البلاقع وحسنت من استدعائك إياي المواقع وقوى العزم وإن لم يكن ضعيفا وعرضت على نفسى السفر بسببك فألفيته خفيفا والتمست الإذن حتى لا نرى فى قبله السداد تحريفا واستقبلتك بصدر مشروح وزند للعزم مقدوح والله سبحانه يحقق السول ويسهل بمثوى الأماثل المثول ويهيىء من قبل هنتاته القبول بفضله
20 - وللسان الدين ابن الخطيب مقامه عظيمة بديعة وصف بها بلاد الأندلس

والعدوة وأتى فيها من دلائل براعته بالعجب العجاب وقد تركتها مع كتبى بالمغرب ولم يحضرنى منها الآن إلا قوله فى وصف مدينة سبتة ما صورته
قلت فمدينة سبتة قال عروس المجلى وثنية الصباح الأجلى تبرجت تبرج العقيلة ونظرت وجهها من البحر فى المرآة الصقيلة واختص ميزان حسناتها بالأعمال الثقيلة وإذا قامت بيض أسوارها وكان جبل بنيونش شمامة أزهارها والمنارة منارة أنوارها كيف لا ترغب النفوس فى جوارها وتهيم الخواطر بين أنجادها وأغوارها إلى المينا الفلكية والمراقى الفلكية والركية الزكية غير المنزورة ولا البكية ذات الوقود الجزل المعد للأزل والقصور المقصورة على الجد والهزل والوجوه الزهر السحن المضنون بها عن المحن دار الناشبة والحامية المضرمة للحرب المناشبة والأسطول المرهوب المحذور الألهوب والسلاح المكتوب المحسوب والأثر المعروف المنسوب كرسى الأمراء والأشراف والوسيطة لخامس أقاليم البسيطة فلا حظ لها فى الانحراف بصرة علوم اللسان وصنعاء الحلل الحسان وثمرة امتثال قوله تعالى ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) النحل الأمينة على الاختزان القويمة المكيال والميزان محشر أنواع الحيتان ومحط قوافل العصير والحرير والكتان وكفاها السكنى ببنيونش فى فصول الأزمان ووجود المساكن النبيهة بأرخص الأثمان والمدفن المرحوم غير المزحوم وخزانة كتب العلوم والآثار المنبئة عن أصالة الحلوم إلا أنها فاغرة أفواه الجنوب للغيث المصبوب عرضه للرياح ذات

الهبوب عديمة الحرث فقيرة من الحبوب ثغر تنبو فيه المضاجع بالجنوب وناهيك بحسنة تعد من الذنوب فأحوال أهلها رقيقة وتكلفهم ظاهر مهما ظهرت وليمة أو عقيقة واقتصادهم لا تلتبس منه طريقة وأنساب نفقاتهم فى تقدير الأرزاق عريقة فهم يمصون البلالة مص المحاجم ويجعلون الخبز فى الولائم بعدد الجماجم وفتنتهم ببلدهم فتنة الواجم بالبشير الهاجم وراعى الجديب بالمطر الساجم فلا يفضلون على مدينتهم مدينة الشك عندي فى مكة والمدينة انتهى
وقد سلك فى هذه المقامة وصف بلدان المغرب بالسجع والتقفية ووفاها من المدح وضده أكمل توفيه وعكس هذه الطريقة فى نفاضة الجراب فوصف فيها الأماكن بكلام مرسل جزل غير مسجع مع كونه أقطع من السيف إذا بان عنه القراب
21 - فمن ذلك قوله حين أجرى ذكر مدينة مكناسة الزيتون وأطلت مدينة مكناسة فى مظهر النجد رافلة فى حلل الدوح مبتسمة عن شنب المياه العذبة سافرة عن أجمل المراد قد أحكم وضعها الذى اخرج المرعى قيد النص وفذلكة الحسن فنزلنا بها منزلا لا تستطيع العين أن تخلفه حسنا ووضعا من بلد دارت به المداشر المغلة والتفت بسورة الزياتين المفيدة وراق بخارجه للسلطان المستخلص الذى يسمو اليه الطرف ورحب ساحة والتفاف شجرة ونباهة بنية وإشراف ربوة ومثلت بإزائها الزاوية القدمى المعدة للوراد ذات البركة النامية والمئذنة السامية والمرافق المتيسرة يصاقبها الخان البديع المنصب الحصين الغلق الخاص بالسابلة والجوابة فى الأرض يبتغون من فضل الله

تعالى تقابلها غربا الزاوية الحديثة المربية برونق الشبيبة ومزية الجدة والانفساح وتفنن الاحتفال الى ان قال وبداخلها مدارس ثلاث لبث العلم كلفت بها الملوك الجلة الهمم وأخذها التنجيد فجاءت فائقة الحسن ما شئت من أبواب نحاسية وبرك فياضة تقذف فيها صافى الماء أعناق أسدية وفيها خزائن الكتب والجراية الدارة على العلماء والمتعلمين وتفضل هذه المدينة كثيرا من لداتها بصحة الهواء وتبحر أصناف الفواكه وتعمير الخزائن ومداومة البر لجوار ترابها سليما من الفساد معافى من العفن إذ تقام ساحات منازلها غالبا على أطباق الآلاف من الأقوات تتناقلها المواريث ويصحبها التعمير وتتجافى عنها الأرض ومحاسن هذه البلدة المباركة جمة قال ابن عبدون من أهلها ولله دره
( إن تفتخر فاس بما فى طيها ... وبأنها فى زيها حسناء )
( يكفيك من مكناسة أرجاؤها ... والأطيبان هواؤها والماء )
ويسامتها شرقا جبل زرهون المنبجس العيون الظاهر البركة المتزاحم العمران الكثير الزياتين والأشجار قد جلله سكرا ورزقا حسنا فهو عنصر الخير ومادة المجبى وفى المدينة دور نبيهة وبنى أصيلة والله سبحانه ولى من اشتملت عليه بقدرته وفيها أقول
( بالحسن من مكناسة الزيتون ... قد صح عذر الناظر المفتون )
( فضل الهواء وصحة الماء الذى ... يجرى بها وسلامة المخزون )
( سحت عليها كل عين ثرة ... للمزن هامية الغمام هتون )
( فاحمر خد الورد بين أباطح ... وافتر ثغر الزهر بين غصون )
( ولقد كفاها شاهدا مهما ادعت ... قصب السباق القرب من زرهون )
( جبل تضاحكت البروق بجوه ... فبكت عذاب عيونه بعيون )

( وكأنما هو بربري فاقد ... فى لوحة والتين والزيتون )
( حييت من بلد خصيب أرضه ... مثوى أمان أو مناخ أمون )
( وضفت عليك من الإله عناية ... تكسوك ثوبى أمنة وسكون )
22 - وقد وصفها فى مقامة البلدان على منوال السجع فقال مكناسة مدينة أصيلة وشعب للمحاسن وفصيلة فضلها الله تعالى ورعاها وأخرج منها ماءها ومرعاها فجانبها مريع وخيرها سريع ووضعها له فى فقه الفضائل تفريع اعتدل فيها الزمان وانسدل الأمان وفاقت الفواكه فواكهها ولا سيما الرمان وحفظ أقواتها الاختزان ولطفت فيها الأوانى والكيزان ودنا من الحضرة جوارها فكثر قصادها من الوزراء وزوارها وبها المدارس والفقهاء ولقصبتها الأبهة والمقاصير والأبهاء
تعليق للمقري
ويعنى بالحضرة مدينة فاس المحروسة لأنها أذ ذاك كرسى الخلافة ومكناسة مقر الوزارة وأهل المغرب يعبرون عن المدينة التى فيها كرسى الخلافة بالحضرة
قلت دخلت مكناسة هذه مرارا عديدة وقد ابلى الدهر محاسنها التى كانت فى زمان لسان الدين ابن الخطيب جديدة واستولى عليها الخراب وتكدر منها بالفتن الشراب وعاث فىظاهرها الأعراب وفى باطنها سماسرة الفتنة العائقة عن كثير من الآراب حتى صار أهلها حزبين لبس كثير من أهلها ثياب البعد عنها والبين والله تعالى يجبر حالها ويعقب بالخصب إمحالها ويرحم الله تعالى ابن جابر إذ قال
( لا تنكرن الحسن من مكناسة ... فالحسن لم يبرح بها معروفا )
( ولئن محت أيدى الزمان رسومها ... فلربما أبقت هناك حروفا )

على أن ضواحيها كانت فى زمان لسان الدين مأوى للمحاربين واللصوص ومثوى للأعراب الذين أعضل داؤهم باقطار المغرب على العموم والخصوص ولذلك يقول لسان الدين رحمه الله تعالى
( مكناسة حشرت بها زمر العدا ... فمدى بريد فيه ألف مريد )
( من واصل للجوع لا لرياضة ... أو لابس للصوف غير مريد )
( فإذا سلكت طريقها متصوفا ... فانو السلوك بها على التجريد )
وما أشار إليه رحمه الله تعالى فيما سبق من ذكر الزاوية القدمى والجديدة أشار به إلى زاويتين بناهما السلطان أبو الحسن المرينى الكثير الآثار بالمغرب الأقصى والأوسط والأندلس وكان بنى الزاوية القدمى فى زمان ابيه السلطان أبى سعيد والجديدة حين تولى الخلافة وله فى هذه المدينة غير الزاويتين المذكورتين عدة آثار كثيرة جميلة من القناطر والسقايات وغيرها ومن أجل مآثره بها المدرسة الجديدة وكان قدم للنظر على بنائها قاضيه على المدينة المذكورة ولما أخبر السلطان بتمام بنائها جاء إليها من فاس ليراها فقعد على كرسى من كراسى الوضوء حول صهريجها وجىء بالرسوم المتضمنة للتنفيذات اللازمة فيها فغرقها فى الصهريج قبل أن يطالع ما فيها وأنشد
( لا بأس بالغالى إذا قيل حسن ... ليس لما قرت به العين ثمن ) وهذا السلطان أبو الحسن أشهر ملوك بنى مرين وأبعدهم صيتا وكان قد ملك رحمه الله تعالى المغرب بأسره وبعض الأندلس وامتد ملكه إلى طرابلس الغرب ثم حصلت له الهزيمة الشنعاء قرب القيروان حين قاتل أعراب إفريقية فغدره بنو عبد الواد الذين أخذ من يدهم ملك تلمسان وانتهزوا الفرصة فيه وهربوا إلى الأعراب عند المصافه فاختل مصافة وهزم أقبح هزيمة ورجع الى تونس مغلوبا وركب البحر فى أساطيله وكانت نحو الستمائة من السفن فقضى الله تعالى ان غرقت جميعا ونجا على لوح وهلك من كان معه من أعلام المغرب

وهم نحو أربعمائة عالم منهم السطى شارح الحوفى وابن الصباغ الذى أملى فى مجلس درسه بمكناسة على حديث يا أبا عمير ما فعل النغير أربعمائة فائدة
قال الأستاذ أبو عبد الله ابن غازى رحمه الله تعالى حدثنى بعض أعيان الأصحاب أنه بلغه أن الفقيه ابن الصباغ المذكور سمع بمنصورة تلمسان المحروسة ينشد كالمعاتب لنفسه
( يا قلب كيف وقعت فى أشراكهم ... ولقد عهدتك تحذر الأشراكا )
( أرضى بذل فى هوى وصبابة ... هذا لعمر الله قد أشقاكا )
ومات رحمه الله تعالى غريقا فى أسطول السلطان ابى الحسن المرينى على ساحل تدلس هو والفقيه السطى والأستاذ الزواوى وغير واحد فى نكبة السلطان أبى الحسن المعروفة
ومن نظم ابن الصباغ المذكور فى العلاقات المعتبرة فى المجاز وفى المرجحات له قوله رحمه الله تعالى
( يا سائلا حصر العلاقات التى ... وضع المجاز بها يسوغ ويجمل )
( خذها مرتبة وكل مقابل ... حكم المقابل فيه حقا يحمل )
( عن ذكر ملزوم يعوض لازم ... وكذا بعلته يعاض معلل )
( وعن المعمم يستعاض مخصص ... وكذاك عن جزء ينوب المكمل )
( وعن المحل ينوب ما قد حله ... والحذف للتخفيف مما يسهل )
( وعن المضاف اليه ناب مضافه ... والضد عن أضداده مستعمل )

( والشبه فى صفه تبين وصورة ... ومن المقيد مطلق قد يبدل )
( والشىء يسمى باسم ما قد كانه ... وكذاك يسمى بالبديل المبدل )
( وضع المجاور فى مكانه جاره ... وبهذه حكم التعاكس يكمل )
( واجعل مكان الشىء آلته وجىء ... بمنكر قصد العموم فيحصل )
( ومعرف عن مطلق وبه انتهت ... ولجلها حكم التداخل يشمل )
( وبكثرة وبلاغة ولزومه ... لحقيقة رجحانه يتحصل ) انتهى كلام شيخ شيوخ شيوخنا الإمام أبى عبد الله محمد بن غازى رحمه الله تعالى
وقد حكى ابن غازى المذكور عن شيخه القورى عن شيخه ابن جابر أن ابن الصباغ المذكور اعترض على القاضى ابن عبد السلام التونسى قال لما لقى ابن الصباغ بتونس اعترض عليه ابن الصباغ أربع عشرة مسألة لم ينفصل عن واحدة منها بل أقر بالخطإ فيها إذ ليس ينبغى اتصاف بالكمال إلا لربى الكبير المتعال انتهى
وذكر الشيخ أبو عبد الله الأبى رحمه الله تعالى فى شرح مسلم عند تكلمه على احاديث العين ما معناه ان رجلا كان بتلك الديار معروفا بإصابة العين فسأل منه بعض الموتورين للسلطان أبى الحسن أن يصيب أساطيله بالعين وكانت كثيرة نحو الستمائة فنظر إليها الرجل العائن فكان غرقها بقدرة الله الذى يفعل ما يشاء ونجا السلطان برأسه وجرت عليه محن واستولى ولده السلطان أبو عنان فارس على ملكه وكان خلفه بتلمسان ولم يزل فى اضطراب حتى ذهب الى سجلماسة ومنها خلص إلى جبل هنتاته قرب مراكش فذهب إلى حربه ابنه السلطان أبو عنان فارس بجيوشه وأناخ على الجبل بكلكله ولم تخفر أهل هنتاتة جواره لديهم ولا كبيراهم عامر بن محمد وأخوه وصبروا على الحصار وخراب الديار وحرق الأماكن حتى مات هناك رحمه الله تعالى ونقل بعد إلى شالة سلا مدفن أسلافه ومن أراد الوقوف على أخباره فعليه بكتاب الخطيب

ابن مرزوق الذى ألفه فيه وسماه المسند الصحيح الحسن من أحاديث السلطان أبى الحسن
ولما ذهب لسان الدين ابن الخطيب الى عامر بن محمد بجبله المشهور زار محل وفاة السلطان المذكور وقد ألم بذكر ذلك فى نفاضة الجراب إذ قال وشاهدت بجبل هنتاتة محل وفاة السلطان المقدس أمير المسلمين أبى الحسن رحمه الله تعالى حيث أصابه طارق الأجل الذى فصل الخطة وأصمت الدعوة ورفع المنازعة وعاينته مرفعا عن الابتذال بالسكنى مفترشا بالحصباء مقصودا بالابتهال والدعاء فلم أبرح يوم زيارة محل وفاته أن قلت
( يا حسنها من أربع وديار ... أضحت لباغى الأمن دار قرار )
( وجبال عز لا تذل أنوفها ... إلا لعز الواحد القهار )
( ومقر توحيد وأس خلافة ... آثارها تنبى عن الأخبار )
( ما كنت أحسب أن أنهار الندى ... تجرى بها فى جملة الأنهار )
( ما كنت أحسب أن أنوار الحجى ... تلتاح فى قنن وفى أحجار )
( محت جوانبها البرود وان تكن ... شبت بها الأعداء جذوة نار )
( هدت بناها فى سبيل وفائها ... فكانها صرعى بغير عقار )
( لما توعدها على المجد العدا ... رضيت بعيث النار لا بالعار )
( عمرت بجلة عامر وأعزها ... عبد العزيز بمرهف بتار )
( فرسا رهان أحرزا قصب الندى ... والبأس فى طلق وفى مضمار )
( ورثا عن الندب الكبير أبيهما ... محض الوفاء ورفعه المقدار )
( وكذا الفروع تطول وهى شبيهة ... بالأصل فى ورق وفى أثمار )
( أزرت وجوه الصيد من هنتاتة ... فى جوها بمطالع الأقمار )
( لله أي قبيلة تركت لها ... النظراء دعوى الفخر يوم فخار )

( نصرت أمير المسلمين وملكه ... قد أسلمته عزائم الأنصار )
( وارت عليا عندما ذهب الردى ... والروع بالأسماع والأبصار )
( وتخاذل الجيش اللهام واصبح ... الأبطال بين تقاعد وفرار )
( كفرت صنائعه فيمم دارها ... مستظهرا منها بعز جوار )
( وأقام بين ظهورها لا يتقى ... وقع الردى وقد ارتمى بشرار )
( فكأنها الأنصار لما أنست ... فيما تقدم غربه المختار )
( لما غدا لحظا وهم أجفانه ... نابت شفارهم عن الأشفار )
( حتى دعاه الله بين بيوتهم ... فأجاب ممتثلا لأمر البارى )
( لو كان يمنع من قضاء الله ما ... خلصت اليه نوافذ الأقدار )
( قد كان يأمل أن يكافىء بعض ما ... أولوه لولا قاطع الأعمار )
( ما كان يقنعه لو امتد المدى ... إلا القيام بحقها من دار )
( فيعيد ذاك الماء ذائب فضه ... ويعيد ذاك الترب ذوب نضار )
( حتى تفوز على النوى أوطانها ... من ملكه بجلائل الأوطار )
( حتى يلوح على وجوه وجوههم ... أثر العناية ساطع الأنوار )
( ويسوغ الأمل القصى كرامها ... من غير ما ثنيا ولا استعصار )
( ما كان يرضى الشمس أو بدر الدجى ... عن درهم فيهم ولا دينار )
( أو أن يتوج أو يقلد هامها ... ونحورها بأهلة ودراري )
( حق على المولى ابنه إيثار ما ... بذلوه من نصر ومن إيثار )
( فلمثلها ذخر الجزاء ومثله ... من لا يضيع صنائع الأحرار )
( وهو الذى يقضى الديون وبره ... يرضيه فى علن وفى إسرار )
( حتى تحج محله رفعوا بها ... علم الوفاء لأعين النظار )

( فيصير منها البيت بيتا ثانيا ... للطائفين اليه أي بدار )
( تغنى قلوب القوم عن هدى به ... ودموعهم تكفى لرمى جمار )
( حييت من دار تكفل سعيها ... المحمود بالزلفى وعقبى الدار )
( وضفت عليك من الإله عناية ... ما كر ليل فيك إثر نهار ) ويعنى بالمولى ابنه السلطان أبا سالم ابن السلطان أبى الحسن
ومن العجائب ان الرئيس عامر بن محمد الذى جرى فى هذه الأبيات ذكره كان يؤمل بإيوائه للسلطان أبى الحسن ونصرته له وعدم إخفار ذمته فيه أن ينال من أولاده الملوك بذلك عزا مستطيلا ورياسة زائدة على ما كان فيه فقضى الله تعالى أن كان حتفه على يد السلطان عبد العزيز ابن السلطان أبى الحسن إذ نازله بجنوده وحاصره بمعتقله حتى استولى عليه وقتله حسبما استوفى ذلك الشيخ الرئيس قاضى القضاة أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون الحضرمى المغربى نزيل مصر فى تاريخه الكبير الذى سماه ب كتاب العبر وديوان المبتدإ والخبر فى ايام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر فمن شاء فليراجعه ثمة
وكان الرئيس أبو ثابت عامر بن محمد الهنتاتى المذكور خرج على السلطان عبد العزيز بالسلطان المعتمد على الله ابى الفضل محمد ابن أخى السلطان عبد العزيز المذكور فكان من قتله ما ذكر والله غالب على أمره
ولنرجع الى ما كنا فيه من نثر لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى عنه فنقول
23 - ومن كلام لسان الدين رحمه الله تعالى فى كتابه أعمال الأعلام ما صورته
وفى غرضى اذا من الله تعالى بانفراج الضيقة الوقتية ومعاودة الأزمان الهنية والنصبة النقية أن نصنف فى التاريخ كتابا مبنيا على التطويل مستوعبا

للكثير والقليل نسميه بضاعة المهولين فى أساطير الأولين يكون هذا الكتاب بالنسبة اليه الحصاة من الرمال والقطرة من الغيث المنثال بإعانة ذى القدرة والجلال انتهى
24 - ومن كلامه رحمه الله تعالى فما استبعد المرام من قصد الكرام وما فقد الإيناس من أمل الناس انتهى
وقد سلك لسان الدين رحمه الله تعالى فى كثير من كتبه ك الكتيبة الكامنة والتاج المحلى و الإكليل الزاهر وغيرها تحلية الأعلام من حملة السيوف والأقلام بالكلام المسجع الآخذ بحظه من الإتقان على طريقة صاحب القلائد والمطمح أبى نصر بن الفتح بن عبيد الله المدعو بابن خاقان بليغ الأندلس غير مدافع وعلى نهج مبارية ابن بسام صاحب الذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة وهو كتاب ينبغى أن يراجع وقد رأيت أن آتى بشىء من كلام لسان الدين فيما ذكر ونلم بعد تحليته بالتعريف بحال من حلاه من الأعلام بحسب ما من به ويسره لى الملك العلام سبحانه وتعالى فنقول
25 - قال لسان الدين رحمه الله تعالى فى بعض كتبه فى وصف بعض من عرف به ما نصه أي نفس صافية من الكدر وصدر طيب الورد والصدر ودوحه عهد تندى أوراقها ومشكاة فضل يستطلع إشراقها تمسك برضاع الكأس يرى ذلك من حسن عهده وقسم لحظاته بين آس الرياض وورده فلما حوم حمامه للوقوع وكاد يقوض رحله عن الربوع وشعر بحبائل المنية تعتلقه وسرعان خيل الأجل تزهقه أقلع عن فنه وأمر بسفك دنه ولجأ الى الله تعالى بأوبته وضرع الى الله تعالى فى قبول توبته وغفران حوبته فكان ذلك عنوان الرضى وعلامة عفو الله تعالى عما مضى دخلت عليه فى مرضه وأشرت باستعمال الدواء المسمى بلحية التيس عند الأطباء فاستعمله فوجد بعض خفة

26 - وقال فى آخر كثيف الحاشية معدود فى جنس السائمة والماشية تليت على العمال به سورة الغاشية تولى الأشغال السلطانية فذعرت الجباة لولايته وقامت قيامتهم لطلوع آيته وقنطوا كل القنوط وقالوا جاءت الدابة تكلمنا وهى إحدى الشروط من رجل صائم الحشوة بعيد من المصانعه والرشوة يتجنب الناس ويقول عند المخاطبة لا مساس وعلى مسافة نجهه وتجهم وجهه فكان خالطا إساءته بإحسانه مشتغلا بشانه غاضا من عنان لسانه عهدى به فى الأعمال يقدر فيها ويدبر ويرجح ويعبر ويحبط ويتبر وهو مع ذلك يكبر ويحسن من الأزمنة ويقبح وهو يسبح ولما شرع فى البحث والتنقير والمحاسبة على القطمير والنقير أتاه قاطع الأجل فحن ركابه فاقضى العجل وصدرت عنه أبيات خضم فيها وقضم وحصل تحت القدر المشترك مع من نظم
27 - وقال فى آخر كودن حلبة الآداب وسنور عبد الله بيع بقيراط لما شاب هام بوادى الشعر مع من هام واستمطر منها الجهام فجاء بأبيات أوهى من بيت العنكبوت نسجا ومقاصد لا تبين قصدا ولا نهجا وله بيت معمور بقضاة أكابر فرسان اقلام ومحابر وعمال قادوا الدهر بأزمة أزمتهم وفرعوا الزهر بهمتهم وتكاثرت عليه رحمه الله الإحن وتعاورته المحن وتصرف آخر عمره فى بعض الأعمال المخزنية فتعلل بنزر القوت الى الأجل الموقوت
28 - وقال فى آخر معدود فى وقته من أدبائه ومحسوب فى أعيان بلده وحسبائه كان رخمه الله تعالى من أهل العدالة والخير سائرا على منهج الاستقامة

أحسن السير وله أدب لا يقصر عن السداد وان لم يكن بطلا فمن يكثر السواد قد أثبت له ما عثرت عليه مما ينسب الناس اليه
29 - وقال فى آخر معتر غير قانع ومنجع كل شهم وخانع نشأ ببلدة مالقة ابرع من أورد اليراعة فى نقس وهز غصنها فى روضة طرس إلا ما كان من سخافة عقله وقعوده تحت المثل اخبر تقله لا يرتبط الى رتبه ولا ينتمى الى عصبة ولا يتلبس بسمت ولا يستقيم من أمت أخبرنى من عنى بخبره وذكر عبره من صباه الى كبره أنه رشح فى بعض الدول وعرض لاكتساب الخيل والخول وخلعت عليه كسوة فاخرة وشارة بزهر الرياض ساخرة فانقاد طوع حرمانه ونبذ صفقة زمانه وحمله فرط النهم على ان ابتاع فى حجرة طعاما كثير الدسم وأقبل وأذياله منه تقطر كما اختلفت باللبن الأشطر فطرد ونبذ وطرح بعدما جبذ لقيته بمالقة وقد قلب له زمانه عينيه وسقط فى يديه فانتابنى بأمداحه وتعاورنى بأجاجه وقراحه
30 - وقال فى آخر أديب نار فكره تتوقد وأريب لا يعترض كلامه ولا ينقد أما الهزل فهو طريقته المثلى ركض فى ميدانها وجلى وطلع فى أفقها وتجلى فأصبح علم أعلامها وعابر أحلامها ان أخذ بها فى وصف الكاس وذكر الورد والآس وألم بالربيع وفصله والحبيب ووصله والروض وطيبه والغمام وتقطيبه شق الجيوب طربا وعل النفوس شربا وضربا وان ابتغى لاعتلال العشية فى فرش الربيع الموشية ثم تعداها الى وصف الصبوح وأجهز على الزق المجروح وأشار الى نغمات الورق يرفلن فى الحلل الزرق وقد اشتعلت فى عنبر الليل نار البرق وطلعت بنود الصباح فى

شرفات الشرق سلب الحليم وقاره وذكر الخليع كأسه وعقاره وحرك الأشواق بعد سكونها وأخرجها من وكونها بلسان يتزاحم على موارد الخيال ويتدفق من حافاته الأدب السيال وبيان يقيم أود المعانى ويشيد مصانع اللفظ محكمة المبانى ويكسو حلل الإحسان جسوم المثالث والمثانى الى نادرة لمثلها يشار ومحاضرة يجنى بها الشهد ويشار وقد أثبت من شعره المعرب وان كان لا يتعاطاه إلا قليلا ولا يجاوز إلا تعليلا أبياتا لا تخلو عن مسحة جمال على صفحاتها وهبة طيب ينم فى نفحاتها
31 - وقال أيضا فى آخر ظريف السجية كثير الأريحية ارتحل من لورقه فتحها الله تعالى واتخذ المرية دارا وألف بها استقرارا الى ان دعاه بها داعية وقام فيها ناعية
32 - وقال فى وصف آخر شيخ أخلاقه لينة ونفسه كما قيل فى نفس المؤمن هينة ينظم الشعر عذبا مساقه محكمة اتساقه على فاقة وحال ما لها من إفاقة أنشد المقام الكريم بظاهر بلده قصيدة استغرب منه منزعها واستعذب من مثله مشرعها
33 - وقال فى آخر من أئمة أهل الزمام خليق برعى المتات والذمام ذو خط كما تفتح زهر الكمام وأخلاق أعذب من ماء الغمام كان ببلده رحمه الله تعالى بدار إشرافه محاسبا ودرة فى لجة الإغفال راسبا صحيح العمل يلبس الطروس من براعته حسن الحلل وله شعر لا بأس به ولا خفاء بفضل مذهبه
34 - وقال فى آخر خير من استبق الى داعى الفلاح استباقا وانتمى الى القوم الذين هم فى الآخرة أطول أعناقا وان كانوا فى الدنيا أضيق أرزاقا مردد أذكار ومسبح أسحار وعامر مئذنة ومنار كان ببلده مؤذنا بجامعها

ومؤقتا بأم صوامعها ومعتبرا فيمن كان بها من السدنة ومن مثله قوله فكأنما قرب بدنه وله لسان مخيف وشعر سخيف توشح بحليته وجعله وسيلة كديته
35 - وقال فى آخر عظيم الهيئة حسن اللقاء أغرب فى حسن المداراة من العنقاء استمر عمره للحكم وصبر على حجج الصم والبكم وأفرط فى هشته وهزته وتنزل عن نخوة القضاء وعزته وله سلف فى القضاء عالى المراقب مزاحم للنجم الثاقب وقد أثبت من شعره ما تيسر إثباته ونجح بروض هذا المجموع نباته
36 - وقال فى آخر قاض توارث كل جلاله عن كلالة وجمع فى العلم الحسب بين الموروث والمكتسب أشرق بجيد معم فى العشيرة مخول وألقت عليه مقاليدها من منقول ومتأول الى نزاهة لا تغرها البيضاء ولا الصفراء وحلم لا تستهويه السعاية ولا يستفزه الإغراء ووقار يستخف الجبال الراسية ونظر يكشف الظلم الغاشية تولى قضاء الحضرة فأنفذ الأحكام وأمضاها وشام سيوف الجزالة وانتضاها ولبس أثواب النزاهة والانقباض فما نضاها وسلك الطريق التى اختارها السلف وارتضاها فاجتمعت الأهوال المفترقة عليه وصرف الثناء أعنة الألسن اليه ثم كر الى بلده واستقر خطيبا بقراره أهله وولده
37 - وقال فى آخر منتم الى معرفة متصف من الذكاء بأحسن صفة أقرأ ببلده علم اللسان وما حاد عن الإحسان وعانى الشعر فنظم قوافيه وما تكلف فيه وعلى غزارة مادته ووضوح جادته فشعره قليل البشاشة ذاهب الحشاشة وذو الإكثار كمثل العثار وله سلف يخوض فى الحقائق وينتحل بعض الكلام الرائق
38 - وقال فى آخر منتم لدين وعفة والى نفس بالعرض الأدنى

مستخفة ممن نزع الى سلوك ورياضة ويفيض فى طريق القوم بعض إفاضة
39 - وقال فى آخر ممن يتشوق الى المعارف والمقالات ويرتاح الى الحقائق والمحالات ويشتمل على نفس رقيقة ويسير من تعليم القرآن على خير طريقة ويعانى من الشعر ما يشهد بنبله ويستظرف من مثله
40 - وقال فى آخر مشمر فى الطلب عن ساق مثابر على اللحاق بدرجات الحذاق منتحل للعربية جاد فى إحصاء خلافها ومعاطاة سلافها وربما شرست فى المذاكرة أخلاقه إذا بهرجت أعلاقه ونوزع تمسكه بالحجة واعتلاقه ورحل الى المغرب فاستجدى بالشعر سلطانه ثم راجع أوطانه
41 - وقال فى آخر منتم الى زهد باذل فى التماس الخير الجهد نظمه لا يخلو من حلاوة ومعانيه فى طريقه عليها بعض طلاوة
42 - وقال فى آخر كاتب سجلات لا يساجل فى صحة فصولها وتوقيع فروعها على أصولها وكلما طلب بالنظم القريحة وأعمل الفكرة الصريحة مع إقلاله وعدم استعماله أجابت ولبت وتنسمت رياحها وهبت
43 - وقال رحمه الله تعالى وسامحه فى بعض العدول الصوفية الأخيار الذين وحدوا الله وفنوا عن سائر الأغيار خير عدل وممن له وقار وفضل متسم بخير معرض عن غير مشتمل بصفات مرضية ملم بالنظم فى الطريقة الصوفية
وللسان الدين رحمه الله تعالى ركض فى هذا الميدان لا يجارى فيه وثبوت فضل لا يستند الى دليل جاحده ونافيه
44 - وقال رحمه الله تعالى فى كتابه التاج المحلى فى مساجلة القدح

المعلى فى ترجمة محمج بن عبد الله بن محمد بن لب الأمى المريي ما صورته لج معرفة لا يغيض وصاحب قنوت يأخذ فيها ويفيض نشأ ببلده مشمرا عن ساعد اجتهاده وسائرا فى قنن العلم ووهاده حتى اينع روضه وفهق حوضه ثم أخذ فى راحة ذاته وشام بارق لذاته ثم سار فى البطالة سير الجموح وواصل الغبوق بالصبوح حتى قضى وطره وسئم بطره وركب الفلك وخاض اللجج الحلك واستقر بمصر على النعمة العريضة على شك فى قضاء حجة الفريضة وهو اليوم بمدرستها الصالحية نبيه المكانة معدود فى أهل العلم والديانة انتهى
وقال فى الإحاطة فى حق المذكور ما نصه من خط شيخنا ابى البركات فى الكتاب المؤتمن على انباء انباء الزمن كان سهلا سلس القياد لذيذ العشرة دمث الأخلاق ميالا الى الدعة نفورا عن النصب يركن الى فضل نباهة وذكاء يحاسب بهما عند التحصيل والدراسة والدؤوب على الطلب من رجل يجرى من الألحان على مضمار لطيف ولم يكن له صوت رخيم يساوق انطباعه فى التلحين فجبر ذلك بالأوتار وحاول من ذلك بيده مع أصحابه ما لاذ به الظرفاء منهم واستعمل بدار الأشراف بالمرية فأحكم تلك الطريقة فى أقرب زمان وجاء زمامه يروق من ذلك العمل من شأنه ثم نهضت به همته الى أرفع من ذلك فسار الى غرناطة فقرأ بها العربية وغيرها وانخرط فى سلك نبهاء الطلبة لأدنى مدة ثم رحل الى بلاد المشرق فى حدود العشرين وسبعمائة فلم يتجاوز القاهرة لموافقة هوائها علة كان يشكوها وأخذ فى إقراء العربية بها وعرف بها الى ان صار يدعى بأبى عبد الله النحوي قال شيخنا المذكور ورأى فى صغره فارة أنثى فقال هذه قرينة فلقب بذلك وصار هذا اللقب أغلب

عليه من اسمه ومعرفته
ثم قال لسان الدين فى حق المذكور ما ملخصه إنه قرأ بالحضرة على الخطيب أبى على القيجاطى وطبقته وأخذ بالقاهرة عن الأستاذ ابى حيان وانتفع بجاهه نقل الينا الحاج الحافظ أبو جعفر ابن غصن من شعره حسبما قيده عنه بمصر
( بعد المزار ولوعة الأشواق ... حكما بفيض مدامع الآماق )
( وخفوق نجدي النسيم اذا سرى ... أذكى لهيب فؤادى الخفاق )
( أمعللى ان التواصل فى غد ... من ذا الذى لغد فديتك باقى )
( ان الليالى سبق ان أقبلت ... واذا تولت لم تنل بلحاق )
( عج بالمطى على الحمى سقى الحمى ... صوب الغمام الواكف الرقراق )
( فيه لذى القلب السليم ودادة ... قلب سليم ما له من راق )
( قلب غداة فراقهم فارقته ... لا كان فى الأيام يوم فراق )
( يا ساريا والليل ساج عاكف ... يفرى الفلا بنجائب ونياق )
( عرج على مثوى النبى محمد ... خير البرية ذى المقام الراقى )
( ورسول رب العالمين ومن له ... حفظ العهود وصحة الميثاق )
( الظاهر الآيات قام دليلها ... والطاهر الأخلاق والأعراق )
( بدر الهدى وهو الذى آياته ... وجبينه كالشمس فى الإشراق )
( الشافع المقبول من عم الورى ... بالجود والإرفاد والإرفاق )
( الصادق المأمون أكرم مرسل ... سارت رسالته الى الآفاق )
( أعلى الكرام ندى وأبسطهم يدا ... قبضت عنان المجد باستحقاق )
( واشد خلق الله إقداما إذا ... حمى الوطيس وشمرت عن ساق )
( أمضاهم والخيل تعثر فى الوغى ... وتجول سبحا فى الدم المهراق )

( من صير الأديان دينا واحدا ... من بعد إشراك مضى ونفاق )
( واحلنا من حرمة الإسلام فى ... ظل ظليل وارف الأوراق )
( لو ان للبدر المنير كماله ... ما ناله كسف ونكس محاق )
( لو ان للبحرين جود يمينه ... أمن السفين غوائل الإيساق )
( لو ان للآساد شدة بأسه ... لثنت عن الانجاد والإعراق )
( لو أن للآباء رحمه قلبه ... ذابت نفوسهم من الإشفاق )
( ذو العلم والحلم الخفى المنجلى ... والجاه والشرف القديم الباقى )
( آياته شهب وغر بنانه ... سحب النوال تدر بالأرزاق )
( ماجت فتوح الأرض وهو غياثها ... وربت ربى الإيمان وهو الساقى )
( ذو رافة بالمؤمنين ورحمة ... وهدى وتأديب بحسن سياق )
( وخصال مجد أفردت بالخصل فى ... مرمى الفخار وغاية السباق )
( ذو المعجزات الغر والآي التى ... كم آية فقدت وهن بواقى )
( ثنت المعارض حائرا لما حكت ... فلق الصباح وكان ذا إفلاق )
( يقظ الفؤاد سرى وقد هجع الورى ... لمقام صدق فوق ظهر براق )
( وسما وأملاك السماء تحفة ... حتى تجاوزهن سبع طباق ) ومنها
( يا ذا الذى اتصل الرجاء بحبله ... وانبت من هذا الورى بطلاق )
( حبى اليك وسيلتى وذخيرتى ... إنى من الأعمال ذو إملاق )
( واليك أعملت الرواحل ضمرا ... تختال بين الوخد والإعناق )
( نجبا اذا نشدت حلى تلك العلا ... تطوى الفلا ممتدة الأعناق )
( يحدو بهن من النحيب مردد ... وتقودهن أزمة الأشواق )
( غرض اليه فوقتنا أسهما ... وهى القسى برين كالأفواق )
( فانختها بفنائك الرحب الذى ... وسع الورى بالنائل الدفاق )

( وقرى مؤملك الشفاعة فى غد ... وكفى بها هبة من الرزاق )
( وعليك يا خير الأنام تحية ... تحيي النفوس بنشرها الفتاق )
( تتأرج الأرجاء من نفحاتها ... أرج الندى بمدحك المصداق ) ومنها
( قسما بطيب تراب طيبة انه ... مسك الأنوف وإثمد الأحداق )
( وبشأن مسجدها الذى يرجى به ... لمعامل الرحمن أي نفاق )
( لأجود فيه بأدمع اسلاكها ... منظومة بترائب وتراق )
( أغدو بتقبيل على حصبائه ... وعلى كرائم جدره بعناق ) ومنها
( وعليك ذا النورين تسليم له ... نور يلوح بصفحة المهراق )
( كفؤ النبى وكفؤ أعلى جنة ... حيزت له بشهادة وصداق )
( وكفاه ما فى الفتح جاء ومصحف ... فى الفتح يحمده وفى الإطباق )
( وعلى ابى السبطين من سبق الألى ... سبقوا الى الاسلام يوم سباق )
( الطاهر الطهر ابن عم المصطفى ... شرف على التخصيص والإطلاق )
( مبدى القضايا من وراء حجابها ... ومفتح الأكمام عن أعلاق )
( يغزو العداة بغلظة فيهدهم ... بصوارم تفري الفقار رقاق )
( راياته لا شىء من عقبانها ... بمطار يوم وغى ولا بمطاق )
( وعلى كرام ستة عشرت بهم ... عند النظام لآلىء النساق )
( ما بين أروع ماجد نيرانه ... جنح الظلام تشب للطراق )
( وأخى حروب صده رشق القنا ... عما قدود مثلهن رقاق )
( ما غردت شجوا مطوقة وما ... شقت كمام الروض عن أطواق )
( وعلى القرابة والصحابة كلهم ... والتابعين لهم ليوم تلاق )

وذكر فى الإحاطة غير هذه
45 - وقال لسان الدين فى التاج فى ترجمة محمد بن عبد الرحيم الوادي آشى ما صورته ناظم أبيات وموضح غرر وشيات وصاحب توقيعات وقيعات وإشارات ذوات شارات وكان شاعرا مكثارا وجوادا لا يخاف عثارا دخل على أمير بلده المخلوع عن ملكه بعد انتثار سلكه وخروج الحضرة عن ملكه واستقراره بوادى آش مروع البال متعللا بالآمال وقد بلغه دخول طبرنش فى طاعته فأنشده من ساعته
( خذها اليك طبرنشا ... شفع بها وادى الأشا )
( والأم تأتى بنتها ... والله يفعل ما يشا ) ومن نوادره العذبة ما كتبه اليه يطلب منه الحسبة
( أنلنى ايا خير البرية خطة ... ترفعنى قدرا وتكسبنى عزا )
( فأعتز فى أهلى كما اعتز بيدق ... على سفرة الشطرنج لما انثنى فرزا ) فوقع له بما ثبت فى ترجمته انتهى
46 - وقال فى الإكليل فى ترجمة ابى عبد الله ابن العطار المزنى ما صورته ممن نبغ ونجب وحق له البر بذاته ووجب تحلى بوقار وشعشع للأدب كأس عقار إلا انه احترم فى اقتبال وأصيب للأجل بنبال انتهى
47 - وقال فى الإكليل فى ترجمة ابى عبد الله محمد بن علي بن محمد ابن علي بن يحيى بن خاتمه الأنصاري المزنى ما صورته ممن ثكلته اليراعة وفقدته البراعة تأدب باخيه وتهذب وأراه فى النظم المذهب وكساه من التفهم والتعليم الرداء المذهب فاقتفى واقتدى وراح فى الحلبة واغتدى حتى

نبل وشدا ولو أمهله الدهر لبلغ المدى وأما خطه فقيد الأبصار وطرفه من طرف الأمصار واعتبط يانع الشبيبة مخضر الكتيبة مات عام خمسين وسبعمائة واورد له فى الإحاطة قوله
( ومض البرق فثار القلق ... ومضى النوم وحل الارق )
( مذ تذكرت لأيام خلت ... ضمنا فيها الحمى والأبرق )
( وعشيات تقضت باللوى ... فى محيا الدهر منها رونق )
( إذ شبابى والتصابى جمعا ... ورياض الأنس غض مورق )
( شت يوم البين شملى ليت ما ... خلق البين لقلب يعشق )
( آه من يوم قضى لى فرقة ... شاب منى يوم حلت مفرق ) وقوله
( الرفع نعتكم لا خانكم أمل ... والخفض شيمة مثلى والهوى دول )
( هل منكم لى عطف بعد بعدكم ... إذ ليس لى منكم يا سادتى بدل ) قلت البيت الثانى غاية فى معناه وأما الأول فسافل وان أسس على الرفع مبناه والله اعلم
48 - وقال فى الإكليل فى ترجمة ابى عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم ابن عيسى بن داود الحميري المالقى ما صورته علم من أعلام هذا الفن ومشعشع راح هذا الدن مجموع أدوات وفارس يراعة ودواة ظريف المنزع أنيق المرأى والمسمع اختص بالرياسة فأدار فلك إمارتها واتسم

باسم كتابتها ووزارتها ناهضا بالأعباء صاعدا فى درج التقريب والاجتباء مصانعا دهره فى راح وراحة آويا الى فضل وسماحة وخصب ساحة كلما فرغ من شأن خدمته وانصرف عن رب نعمته عقد شربا وأطفأ من الاهتمام بغير الأيام حربا وعكف على صوت يستعيده وظرف يبديه ويعيده فلما تقلبت بالرياسة الخال وقوضت منها الرحال استقر بالمغرب غريبا يقلب طرفا مستريبا ويلحظ الدنيا تبعه عليه وتثريبا وان كان لم يعدم من أمرائه حظوه وتقريبا وما برح يبوح بشجنه ويرتاح الى عهود وطنه ومما اعرب به عن براعة أدبه قوله
( يا نازحين ولم أفارق منهم ... شوقا تأجج فى الضلوع ضرامه )
( غيبتم عن ناظرى وشخصكم ... حيث استقر من الضلوع مقامه )
( رمت النوى شملى فشتت نظمه ... والبين رام لا تطيش سهامه )
( وقد اعتدى فينا وجد مبالغا ... وجرت بمحكم جوره أحكامه )
( أترى الزمان مؤخرا فى مدتى ... حتى أراه قد انقضت أيامه ) تحملها يا نسيم نجديه النفحات وجدية اللفحات تؤدى عنى الى الأحبة نفحها سلاما وتورد عليهم لفحها بردا وسلاما ولا تقل كيف تحملنى نارا وترسل على الأحبة منى إعصارا كلا اذا أهديتهم تحية إيناسى وآنسوا من جانب هبوبك نار ضرام أنفاسى وارتاحوا الى هبوبك واهتزوا فى كف مسرى جنوبك وتعللوا بك تعليلا وأوسعوا آثار مهبك تقبيلا أرسلها عليهم بليلا وخاطبهم بلطافة تلطفك عليلا الم ترونى كيف جئتكم بما حملنى

( كذاك تركته ملقى بأرض ... له فيها التعلل بالرياح )
( اذا هبت اليه صبا اليها ... وان جاءته من كل النواحى )
( تساعده الحمائم حين يبكى ... فما ينفك موصول النواح )
( يخاطبهن مهما طرن شوقا ... أما فيكن واهبة الجناح ) ولولا تعلله بالأمانى وتحدث نفسه بزمان التدانى لكان قد قضى نحبه ولم أبلغكم إلا نعيه أو ندبه لكنه يتعلل من الآمال بالوعد الممطول ويتطارح باقتراحاته على الزمن المجهول ويحدث نفسه وقد قنعت من بروق الآمال بالخلب ووثقت بمواعيد الدهر القلب فيناجيها بوحى ضميره وإيماء تصويره كيف أجدك يوم الالتقاء بالأحباب والتخلص من ربقة الاغتراب أبائنه الحضور أم بادية الاضطراب كأنى بك وقد استفزك وله السرور فصرفك عن مشاهدة الحضور وعاقتك غشاوة الاستعبار للاستبشار عن اجتلاء محيا ذلك النهار
( يوم يداوى زماناتى من آزمانى ... أزال تنغيص أحيانى فأحيانى )
( جعلت لله نذرا صومه ابدا ... أفى به واوفى شرط إيمانى )
( إذا ارتفعنا وزال البعد وانقطعت ... أشطان دهر قد التفت باشطانى )
( أعده خير أعياد الزمان اذا ... أوطانى السعد فيه ترب أوطانى ) أرأيت كيف ارتياحى الى التذكار وانقيادى الى معللات توهمات الأفكار كأن البعد باستغراقها قد طويت شقته وذهبت عنى مشقته وكأنى بالتخيل بين تلك الخمائل أتسم صباها وأتسم رباها وأجتنى أزهارها وأجتلى أنوارها وأجول فى خمائلها وأتنعم ببكرها وأصائلها وأطوف بمعالمها وأنتشق

أزهار كمائمها وأصيخ بأذن الشوق الى سجع حمائمها وقد داخلتنى الأفراح ونالت منى نشوة الارتياح ودنا السرور لتوهم ذهاب الأتراح فلما أفقت من غمرات سكرى ووثبت من هفوات فكرى وجدت مرارة ما شابه لى فى استغراق دهرى وكأنى من حينئذ عالجت وقفه الفراق وابتدأت منازعه الأشواق وكأنما أغمضنى النوم وسمح لى بتلك الفكرة الحلم
( ذكر الديار فهاجه تذكاره ... وسرت به من حينه أفكاره )
( فاحتل منها حيث كان حلوله ... بالوهم منها واستقر قراره )
( ما أقرب الآمال من غفواته ... لو انها قضيت بها أوطاره ) فاذا جئتها ايها القادم والأصيل قد خلع عليها بردا مورسا والربيع قد مد على القيعان منها سندسا فاتخذها فديتك معرسا واجرر ذيولك فيها متبخترا وبث فيها من طيب نفحاتك عنبرا وافتق عليها من نوافج أنفاسك مسكا أذفرا واعطف معاطف بانها وأرقص قضب ريحانها وصافح صفحات نهرها ونافح نفحات زهرها هذه كلها أمارات وعن أسرار مقاصدى عبارات هنالك تنتعش بها صبابات تعالج بإقبالك وتعكف صبابات تتعلل بإقبالك ونعكف على لثم أذيالك وتبدو لك فى صفة الفانى المتهالك لاطفها بلطافه اعتلالك وترفق بها ترفق أمثالك فاذا مالت بهم الى هواك الأشواق ولووا اليك الأرؤس والأعناق وسألوك عن اضطرابى فى الآفاق وتقلبى بين الإشآم والإعراق فقل لهم عرض له فى أسفاره ما يعرض للبدر فى سراره من سرار السرار ولحاق المحاق وقد تركته وهو يسامر الفرقدين ويساير النيرين وينشد اذا راعه البين
( وقد نكون وما يخشى تفرقنا ... فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا ) لم يفارق وعثاء الأسفار ولا ألقى من يده عصا التسيار يتهاداه الغور والنجد

ويتداوله الإرقال والوخد وقد لفحته الرمضاء وسئمه الإنضاء فالجهات تلفظه والآكام تبهظه يحمل همومه الرواسم وتحياته البواسم
( لا يستقر بأرض حين يبلغها ... ولا له غير حدو العيس إيناس ) ثم اذا استوفوا سؤالك عن حالى وتقلبى بين حلى وترحالى وبلغت القلوب منهم الحناجر وملأت الدموع المحاجر وابتلت ذيولك بمائها لا بل تضرجت بدمائها فحيهم عنى تحية منفصل ووداع مرتحل ثم اعطف عليك ركابك ومهد لهم جنابك وقل لهم اذا سألنى عن المنازل بعد سكانها والربوع بعد ظعن أظعانها بماذا أجيبة وبماذا يسكن وجيبه فسيقولون لك هى البلاقع المقفرات والمعارف التى أصبحت نكرات
( صم صداها وعفا رسمها ... واستعجمت غن منطق السائل ) قل لهم كيف الروض وآسه وعم تتأرج أنفاسه عهدى به والحمام يردد به أسجاعه والذباب يغنى به هزجا فيحك بذراعه ذراعه وغصونه تعتنق وأحشاء جداوله تصطفق وأسحاره تتنسم وآصاله تتوسم كما كانت بقية نضرته وكما عهدتها أنيقة خضرته وكيف التفاته عن أزرق نهره وتأنقه فى تكليل إكليله بيانع زهره وهل رق نسيم أصائله وصفت موارد جداوله وكيف انفساح ساحاته والتفاف دوحاته وهل تمتد كما كانت مع العشى فينانه سرحاته وعهدى بها المديدة الظلال المزعفرة السربال وهل تحدق الآن به عيون نرجسه ويمد بساط سندسه وانى منه مجالس لداتى ومعاهد غدواتى وروحاتى اذ ابارى فى المجون لمن أبارى وأسابق الى اللذات كل من أجاري فسيقولون لك ذوت أفنانه وانقصفت أغصانه وتكدرت غدرانه وتغير روحه وريحانه وأقفرت معالمه وأخرست حمائمه واستحالت حلل خمائله وتغيرت وجوه بكره وأصائله فإن صلصل حنين رعد فعن قلبى

لفراقه خفق وان تلألأ برق فعن حر حشاي ائتلق وان سحت السحب فمساعدة لجفنى وان طال بكاؤها فعنى حياها الله تعالى منازل لم تزل بمنظوم الشمل أواهل وحين انتثرت نثرت أزهارها أسفا ولم تثن الريح من أغصانها معطفا أعاد الله تعالى الشمل فيها الى محكم نظامه وجعل الدهر الذى فرقه يتأنق فى إحكامه وهو سبحانه يجبر الصدع ويعجل الجمع إنه بالإجابة جدير وعلى ما يشاء قدير
إية بنى كيف حال من استودعتهم أمانتك وألزمتهم صونك وصيانتك وألبستهم نسبك ومهدت لهم حسبك الله فى حفظهم فهو اللأئق بفعالك المناسب لشرف خلالك ارع لهم الاغتراب لديك والانقطاع اليك فهم أمانة الله تعالى فى يديك وهو سبحانه يحفظك بحفظهم ويوالى بلحظك أسباب لحظهم وان ذهبتم الى معرفة الأحوال فنعم الله تعالى ممتدة الظلال وخيراته وارفه السربال لولا الشوق الملازم والوجد الذى سكن الحيازم
49 - وقال فى الإكليل فى ترجمة أبى بكر محمد بن محمد بن عبد الله ابن مقاتل المالقى ما نصه نابغة مالقية وخلف وبقية ومغربى الوطن أخلاقه مشرقية أزمع الرحيل الى المشرق مع اخضرار العود وسواد المفرق فلما توسطت السفينة اللجج وقارعت الثبج هال عليها البحر فسقاها كأس الحمام وأولدها قبل التمام وكان فيمن اشتملت عليه اعوادها وانضم على نوره سوادها من جملة الطلبة والأدباء وأبناء السراة الحسباء أصبح كل منهم مطيعا لداعى الردى وسميعا وأحيوا فرادى وماتوا جميعا فأجروا الدموع حزنا وأرسلوا العبرات عليهم مزنا وكأن البحر لما طمس سبيل خلاصهم وسدها وأهال هضبة سفينتهم وهدها غار على نفوسهم النفيسة فاستردها والفقيه ابو بكر مع إكثاره وانقياد نظامه ونثاره لم أظفر من أدبه

إلا بالقليل التافه بعد وداعه وانصرافه فمن ذلك قوله وقد أبصر فتى عاثرا
( ومهفهف هافى المعاطف احور ... فضحت أشعة نوره الأقمارا )
( زلت له قدم فاصبح عاثرا ... بين الأنام لعا لذاك عثارا )
( لو كنت أعلم ما يكون فرشت فى ... ذاك المكان الخد والأشفارا ) وقال
( أيا لبنى الرفاء تفضي ظباؤهم ... جفون ظباهم فالفؤاد كليم )
( لقد قطع الأحشاء منهم مهفهف ... له التبر خد واللجين أديم )
( يسدد إذ يرمى قسى حواجب ... وأسهمها من مقلتيه تسوم )
( وتسقمنى عيناه وهى سقيمة ... ومن عجب سقم جناه سقيم )
( ويذبل جسمى فى هواه صبابة ... وفى وصله للعاشقين نعيم ) كان غرقه فى أخريات عام تسعة وثلاثين وسبعمائة انتهى
50 - وقال فى الإكليل فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن محمد الشديد المالقى ما نصه شاعر مجيد حوك الكلام ولا يقصر فيه عن درجة الأعلام رحل الى الحجاز لأول أمره فطال بالبلاد المشرقية ثواؤه وعميت أنباؤه وعلى هذا العهد وقفت له على قصيدة بخطه غرضها نبيل ومرعاها غير وبيل تدل على نفس ونفس وإضاءة قبس وهى
( لنا فى كل مكرمة مقام ... ومن فوق النجوم لنا مقام ) ومنها
( روينا من مياه المجد لما ... وردناها وقد كثر الزحام )
( فنحن هم وقل لى من سوانا ... لنا التقديم قدما والكلام )
( لنا الأيدي الطوال بكل صوب ... يهز به لدى الروع الحسام )
( ونحن اللابسون لكل درع ... يصيب السمر منهن انثلام )

( بأندلس لنا أيام حرب ... مواقفهن فى الدنيا عظام )
( ثوى منها قلوب الروم خوف ... يخوف منه فى المهد الغلام )
( حمينا جانب الدين احتسابا ... فها هو لا يهان ولا يضام )
( وتحت الراية الحمراء منا ... كتائب لا تطاق ولا ترام )
( بنو نصر وما أدراك ما هم ... أسود الحرب والقوم الكرام )
( لهم فى حربهم فتكات عمرو ... فللأعمار عندهم انصرام )
( يقول عداتهم مهما ألموا ... أتونا ما من الموت اعتصام )
( اذا شرعوا الأسنة يوم حرب ... فحقق ان ذاك هو الحمام )
( كأن رماحهم فيها نجوم ... اذا ما اشبه الليل القتام )
( أناس تخلف الأيام ميتا ... بحى منهم فلهم دوام )
( رأينا من أبى الحجاج شخصا ... على تلك الصفات له قيام )
( موقى العرض محمود السجايا ... كريم الكف مقدام همام )
( يجول بذهنه فى كل شىء ... فيدركه وان عز المرام )
( قويم الرأى فى نوب الليالى ... اذا ما الرأى فارقه القوام )
( له فى كل معضلة مضاء ... مضاء الكف ساعدها الحسام )
( رؤوف قادر يغضي ويعفو ... وان عظم اجتناء واجترام )
( تطوف ببيت سؤدده القوافى ... كما قد طاف بالبيت الأنام )
( وتسجد فى مقام علاه شكرا ... ونعم الركن ذلك والمقام )
( أفارسها اذا ما الحرب أخنت ... على أبطالها ودنا الحمام )
( وممطرها اذا ما السحب كفت ... وكف أخى الندى أبدا غمام )
( لك الذكر الجميل بكل قطر ... لك الشرف الأصيل المستدام )
( لقد جبنا البلاد فحيث سرنا ... رأينا ان ملكك لا يرام )
( فضلت ملوكها شرقا وغربا ... وبت لملكها يقظا وناموا )
( فأنت لكل معلوة مدار ... وأنت لكل مكرمة إمام )

( جعلت بلاد أندلس اذا ما ... ذكرت تغار مصر والشام )
( مكان أنت فيه مكان عز ... وأوطان حللت بها كرام )
( وهبتك من بنات الفكر بكرا ... لها من حسن لقياك ابتسام )
( فنزه طرف مجدك فى حلاها ... فللمجد الأصيل بها اهتمام )
51 - وقال فى الإكليل فى ترجمة الشريف محمد بن الحسن العمرانى من أهل فاس ما صورته كريم الانتماء متظلل بأغصان الشجرة الشماء من رجل سليم الضمير ذى باطن أصفى من الماء النمير له فى الشعر طبع يشهد بعروبية أصوله ومضاء نصوله وذكر فى الإحاطة أن الشريف المذكور توفى فى حدود ثمانية وثلاثين وسبعمائة
52 - وقال فى الإكليل فى ترجمة محمد بن أحمد بن ابراهيم المرادى العشاب وهو قرطبى الأصل تونسى المولد والمنشأ ما صورته جواد لا يتعاطى طلقه وصبح فضل لا يماثل فلقه كانت كانت لأبيه رحمه الله تعالى من الدول الحفصية منزلة لطيفة المحل ومفاوضة فى العقد والحل ولم يزل تسمو به قدم النجابة من العمل الى الحجابة ونشأ ابنه هذا مقضى الديون مفدى بالأنفس والعيون والدهر ذو ألوان ومارق حرب عوان والأيام كرات تتلقف وأحوال لا تتوقف فألوى بهم الدهر وأنحى وأغام جوهم بعقب ما أصحى فشملهم الاعتقال وتعاورتهم النوب الثقال واستقرت بالمشرق ركابه وحطت به أقتابه فحج واعتمر واستوطن تلك المعاهد وعمر وعكف على كتاب الله تعالى فجود الحروف وقرأ المعروف وقيد وأسند وتكرر الى دور الحديث وتردد وقدم على هذا الوطن قدوم النسيم البليل على كبد العليل ولما استقر به قراره واشتمل على جفنه غراره بادرت الى مؤانسته وثابرت على مجالسته فاجتليت للسر شخصا وطالعت ديوان الوفاء مستقصى

وشعره ليس بحائد عن الإحسان ولا غفل عن النكت الحسان انتهى
53 - وقال فى الإكليل فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن عمر بن على ابن ابراهيم المليكشى ما صورته كاتب الخلافة ومشعشع الأدب الذى يزرى بالسلافة كان بطل مجال ورب روية وارتجال قدم على هذه البلاد وقد نبا به وطنه وضاق ببعض الحوادث عطنه فتلوم تلوم النسيم بين الخمائل وحل منها محل الطيف من الوشاح الجائل ولبث مدة إقامته تحت جراية واسعة وميرة يانعه ثم آثر قطره فولى وجهه شطره واستقبله دهره بالإنابة وقلده خطة الكتابة فاستقامت حاله وحطت رحاله وله شعر أنيق وتصوف وتحقيق ورحلة الى الحجاز سعيها فى الخير وثيق ونسبها فى الصالحات عريق ومن شعره قوله
( رضى نلت ما ترضين من كل ما يهوى ... فلا توقفينى موقف الذل والشكوى )
( وصفحا عن الجانى المسىء لنفسه ... كفاه الذى يلقاه من شدة البلوى )
( بما بيننا من خلوة معنوية ... أرق من النجوى وأحلى من السلوى )
( قفى أتشكى لوعة البين ساعة ... ولا يك هذا آخر العهد بالنجوى )
( قفى ساعة فى عرصة الدار وانظري ... إلى عاشق ما يستفيق من البلوى )
( وكم قد سألت الريح شوقا اليكم ... فما حن مسراها على ولا ألوى )
( فيا ريح حتى أنت ممن يغار بى ... ويا نجد حتى أنت تهوى الذى أهوى )
( خلقت ولى قلب جليد على النوى ... ولكن على فقد الأحبة لا يقوى )
وحدث بعض من عنى بأخباره أيام مقامه بمالقه واستقراره أنه لقى بباب الملعب من أبوابها ظبية من ظبيات الإنس وقينة من قينات هذا الجنس فخطب وصالها واتقى بفؤاده نصالها حتى همت بالانقياد وانعطفت انعطاف الغصن

المياد فأبقى على نفسه وأمسك وأنف من خلع العذار بعدما تنسك وقال
( لم أنس وقفتنا بباب الملعب ... بين الرجا واليأس من متجنب )
( وعدت فكنت مراقبا لحديثها ... يا ذل وقفه خائف مترقب )
( وتدللت فذللت بعد تعزز ... ياتى الغرام بكل أمر معجب )
( بدوية أبدى الجمال بوجهها ... ما شئت من خد شريق مذهب )
( تدنو وتبعد نفرة وتجنيا ... فتكاد تحسبها مهاة الربرب )
( ورنت بلحظ فاتن لك فاتر ... انضى وأمضى من حسام المضرب )
( وأرتك بابل سحرها بجفونها ... فسبت وحق لمثلها ان تستبى )
( وتضاحكت فحكت بنير ثغرها ... لمعان نور ضياء برق خلب )
( بمنظم فى عقد سمطى جوهر ... عن شبه نور الأقحوان الأشنب )
( وتمايلت كالغصن أخضله الندى ... ريان من ماء الشبيبة مخصب )
( تثنية أرواح الصبابة والصبا ... فتراه بين مشرق ومغرب )
( أبت الروادف ان تميل بميله ... فرست وجال كأنه فى لولب )
( متتوجا بهلال وجه لاح فى ... خلل السحاب لحاجب ومحجب )
( يا من رأى فيها محبا مغرما ... لم ينقلب الا بقلب قلب )
( ما زال مذ ولى يحاول حيلة ... تدنيه من نيل المنى والمطلب )
( فأجال نار الفكر حتى أوقدت ... فى القلب نار تشوق وتلهب )
( فتلاقت الأرواح قبل جسومها ... وكذا البسيط يكون قبل مركب ) وقال
( أرى لك يا قلبى بقلبي محبة ... بعثت بها سرى اليك رسولا )
( فقابله بالبشرى وأقبل عشيه ... فقد هب مسكى النسيم عليلا )
( ولا تعتذر بالقطر أو بلل الندى ... فأحسن ما يأتى النسيم بليلا )

توفى عام أربعين وسبعمائة بتونس رحمه الله تعالى انتهى
54 - وقال فى الإكليل فى ترجمة ابى عبد الله محمد بن على بن عمر العبدرى التونسى الشاطبى الأصل ما نصه غذى نعمة هامية وقريع رتبة سامية صرفت إلى سلفه الوجوه ولم يبق من إفريقية إلا من يخافه ويرجوه وبلغ هو مدة ذلك الشرف الغاية من الترف ثم قلب الدهر له ظهر المجن واشتد به الخمار عند فراغ الدن ولحق صاحبنا هذا بالمشرق بعد خطوب مبيرة وشدة كبيرة فامتزج بسكانه وقطانه ونال من اللذات به ما لم ينله فى أوطانه واكتسب الشمائل العذاب وكان كابن الجهم بعث إلى الرصافة ليرق فذاب ثم حوم على وطنه تحويم الطائر وألم بهذه البلاد المام الخيال الزائر فاغتنمت صفقة وده لحين وروده وخطبت موالاته على انقباضه وشروده فحصلت منه على درة تقتنى وحديقة طيبة الجنى أنشدنى فى أصحاب له بمصر قاموا ببره
( لكل أناس مذهب وسجيه ... ومذهب أولاد النظام المكارم )
( إذا كنت فيهم ثاويا كنت سيدا ... وان غبت عنهم لم تنلك المظالم )
( أولئك صحبي لا عدمت حياتهم ... ولا عدموا السعد الذى هو دائم )
( أغنى بذكراهم وطيب حديثهم ... كما غردت فوق الغصون الحمائم ) وقال
( أحبتنا بمصر لو رأيتم ... بكائى عند أطراف النهار )
( أكنتم تشفقون لفرط وجدي ... وما القاه من بعد الديار )
55 - وقال فى الإكليل فى ترجمة أبى القاسم محمد بن أبى زكريا يحيى ابن أبى طالب عبد الله بن محمد بن احمد العزفى السبتى ما صورته فرع تأود من الرياسة فى دوحة وتردد بين غدوة فى المجد وروحة نشأ والرياسة العزفية

تعله وتنهله والدهر ييسر أمله الأقصى ويسهله حتى اتسقت أسباب سعده وانتهت اليه رياسة سلفه من بعده فألقت اليه رحالها وحطت ومتعته بقربها بعدما شطت ثم كلح له الدهر بعدما تبسم وعاد زعزعا نسيمة الذى كان يتنسم وعاق هلالة عن تمه ما كان من تغلب ابن عمه واستقر بهذه البلاد نازح الدار بحكم الأقدار وإن كان نبيه المكانة والمقدار وجرت عليه جراية واسعة ورعاية متتابعة وله أدب كالروض باكرته الغمائم والزهر تفتحت عنه الكمائم رفع منه رايه خافقه واقام له سوقا نافقه وعلى تدفق أنهاره وكثرة نظمه واشتهاره فلم أظفر منه إلا باليسير التافه بعد انصرافه انتهى
56 - وقال فى الإكليل فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن المكودي الفاسى ما نصه شاعر لا يتقاصى ميدانه ومرعى بيان رف غضاه واينع سعدانه يدعو الكلام فيهطع لداعيه ويسعى فى اجتلاب المعانى فتنجح مساعيه غير أنه أفرط فى الانهماك وهوى إلى السمكة من أوج السماك قدم على هذه البلاد مفلتا من رهق تلمسان حين الحصار صفر اليمين واليسار من اليسار فل هوى انحى على طريفه وتلاده واخرجه من بلاده ولما جد به البين وحل هذه البلدة بحال تقتحمها العين والسيف بهزته لا بحسن بزته دعوناه إلى مجلس أعاره البدر هالته وخلع عليه الأصيل غلالته وروض تفتح كمامه وهمى عليه غمامه وكأس أنس تدور فتتلقى نجومها البدور فلما ذهبت المؤانسة بخجله وتذكر هواه ويوم نواه حتى خفنا حلول أجله جذبنا للمؤانسة زمامه واستسقينا منه غمامه فأمتع واحسب ونظر ونسب وتكلم فى المسائل وحاضر بطرف الأبيات وعيون الرسائل حتى نشر الصباح رايته وأطلع النهار آيته فمما نسبه إلى نفسه وأنشدناه قوله
( غرامى فيك جل عن القياس ... وقد سقيتنيه بكل كاس )
( ولا أنسى هواك ولو جفانى ... عليك أقاربى طرا وناسى )

( ولا أدرى لنفسى من كمال ... سوى أنى لعهدك غير ناسى ) وقال
( بعثت بخمر فيه ماء وأنما ... بعثت بماء فيه رائحة الخمر )
( فقل عليه الشكر إذ قل سكرنا ... فنحن بلا سكر وأنت بلا شكر )
57 - وقال لسان الدين رحمه الله تعالى فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن بيبش العبدرى الغرناطى ما صورته معلم مدرب مسهل مقرب له فى صنعة العربية باع مديد وفى هدفها سهم سديد ومشاركة فى الأدب لا يفارقها تسديد خاصي المنازع مختصرها مرتب الأحوال مقررها تميز أول وقته بالتجارة فى الكتب فسلطت منه عليها أرضه آكله وسهم أصاب من رميتها الشاكلة أثرى بسببها وأترب واغنى جهة وأفقر اخرى وانتقل لهذا العهد الأخير إلى سكنى مسقط رأسه ومنبت غرسه وجرت عليه جراية من احباسها ووقع عليه قبول من ناسها وبها تلاحق به الحمام فكان من ترابها البداية وإليها التمام وله شعر لم يقصر فيه عن المدى وأدب توشح بالإجادة وارتدى أنشدنى بسبته تاسع جمادى الأولى عام اثنين وخمسين وسبعمائة يجيب عن بيتى ابن العفيف التلمسانى
( يا ساكنا قلبى المعنى ... وليس فيه سواك ثانى )
( لأي معنى كسرت قلبى ... وما التقى فيه ساكنان ) فقال
( نحلتنى طائعا فؤادا ... فصار اذ حزته مكانى )
( لا غرو إذ كان لى مضافا ... أنى على الكسر فيه بانى )
وقال يخاطب الشريف أبا العباس وأهدى أقلاما

( أناملك الغر التى سيب جودها ... يفيض كفيض المزن بالصيب القطر )
( أتتنى منها تحفة مثل حدها ... إذا انتضيت كانت كمرهفة السمر )
( هى الصفر لكن تعلم البيض أنها ... محكمة فيها على النفع والضر )
( مهذبة الاوصال ممشوقة كما ... تصوغ سهام الرمى من خالص التبر )
( فقبلتها عشرا ومثلت أننى ... ظفرت بلثم فى أناملك العشر ) وقال فى ترتيب حروف الصحاح
( أساجعة بالواديين تبوئى ... ثمارا جنتها حاليات خواضب )
( دعى ذكر روض زاره سقى شربه ... صباح ضحى طير ظماء عواصب )
( غرام فؤادى قاذف كل ليلة ... متى ما نأى وهنا هواه يراقب )
مولده فى حدود ثمانين وستمائة وتوفى بغرناطة فى رجب عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة انتهى
قلت رأيت بخط الجلال السيوطى على هامش جوابه عن بيتي ابن العفيف التلمسانى ما صورته قلت فى هذا البيت تصريح بان المضاف إلى الياء مبنى على الكسر وهو رأي مرجوح عند النحاة ذهب إليه الجرجانى والصحيح أنه معرب على أن ذاك لا يحتاج إلى جواب كما يظهر بالتأمل قاله عبد الرحمن السيوطى انتهى ويعنى بذلك أن الساكنين أنما يكسر احدهما لا محلهما والله سبحانه اعلم
58 - وقال لسان الدين فى الإكليل فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن هانىء اللخمى السبتى وأصله من إشبيلية ما صورته علم تشير اليه الأكف ويعمل إلى لقائه الحافر والخف رفع للعربية ببلده راية لا تتاخر ومرج

منها لجة تزخر فانفسخ مجال درسه وأثمرت أنواع غرسه فركض ماشاء ومرح ودون وشرح إلى شمائل يملك الظرف زمامها ودعابه راشت الحلاوة سهامها ولما أخذ المسلمون فى منازلة الجبل وحصاره وأصابوا الكفر منه بجارحه إبصاره ورموا بالثكل فيه نازح امصاره كان ممن انتدب وتطوع وسمع النداء فاهطع فلازمه إلى أن نفذ لأهله القوت وبلغ من فسحة الأجل الموقوت فأقام الصلاة بمحرابه وحياه وقد غير محياه طول اغترابه وبادره الطاغية قبل أن يستقر نصل الإسلام فى قرابه أو يعلق أصل الدين فى ترابه وانتدب إلى الحصار ربه وتدرع ودعاه أجله فلبى وأسرع ولما هدر عليه الفنيق وركع إلى قبله المنجنيق اصيب بحجر دوم عليه كالجارح المحلق وانقض إليه انقضاض البارق المتألق فاقتنصه واختطفه وعمد إلى زهرة فاقتطفه فمضى إلى الله تعالى طوع نيته وصحبته غرابة المنازع حتى فى أمنيته انتهى
وقد جود ترجمته فى الإحاطة وقال أنه ألف كتبا منها شرح تسهيل الفوائد لابن مالك مبدع تنافس الناس فيه وكتاب الغرة الطالعة فى شعراء المائة السابعة وكتاب انشاد الضوال وإرشاد السؤال فى لحن العامة وهو مفيد وكتاب قوت المقيم ودون ترسيل أبى المطرف ابن عميرة وضمه فى سفرين وله جزء فى الفرائض وحدثنى شيخنا الشريف القاضى أبو القاسم قال خاطبت ابن هانىء بقصيدة من نظمى أولها
( هات الحديث عن الركب الذى شخصا ) فاجابنى بقصيدة على رويها أولها
( لولا مشيب بفودي للفواد عصى ... أنضيت فى مهمه التشبيب لى قلصا )

( واستوقفت عبراتى وهى جارية ... وكفاء توهم ربعا للحبيب قصا )
( مسائلا عن لياليه التى انتهزت ... أيدى الأمانى بها ما شئته فرصا )
( وكنت جاريت فيه من جرى طلقا ... من الإجادة لم يجمح ولا نكصا )
( أصاب شاكلة المرمى حين رمى ... من الشوارد ما لولاه ما اقتنصا )
( ومن اعد مكان النبل نبل حجى ... لم يرض إلا بابكار النهى قنصا )
( ثم انثنى ثانيا عطف النسيب إلى ... مدح به قد غلا ما كان قد رخصا )
( فظلت أرفل فيها لبسه شرفت ... ذاتا ومنتسبا أعزز بها قمصا )
( يقول فيها وقد خولت منحتها ... وجرع الكاشح المغرى بها غصصا )
( هذى عقائل وافت منك ذا شرف ... لولا أياديه بيع الحمد مرتخصا )
( فقلت هلا عكست القول منك له ... ولم يكن قابلا فى مدحه الرخصا )
( وقلت ذى بكر فكر من أخى شرف ... يردى ويرضى بها الحساد والخلصا )
( لها حلى حسنيات على حلل ... حسنية تستبى من حل أو شخصا )
( خولتها وقد اعتزت ملابسها ... بالبخت ينقاد للإنسان ما عوصا )
( خذها ابا قاسم منى نتيجة ذى ... ود إذا شئت ودا للورى خلصا )
( جاءت تجاوب عما قد بعثت به ... أن كنت تأخذ من در النحور حصى ) وهى طويلة ومما ينسب إليه
( ما للنوى مدت لغير ضرورة ... ولقبل ما عهدى بها مقصورة )
( أن الخليل وأن دعته ضرورة ... لم يرض ذاك فكيف دون ضروره ) وقال مضمنا للثانى
( لا تلمنى عاذلى حين ترى ... وجه من اهوى فلومى مستحيل )

( لو رأى وجه حبيبى عاذلى ... لتفارقنا على وجه جميل ) وأجاب الشريف المذكور عن قصيدة مهموزة بقوله
( يا أوحد الأدباء أو يا اوحد ... الفضلاء أو يا أوحد الشرفاء )
( من ذا تراه أحق منك إذا التوت ... طرق الحجاج بان يجيب ندائى )
( أدب أرق من الهواء وان تشا ... فمن الهوا والماء والصهباء )
( وألذ من ظلم الحبيب وظلمه ... بالظاء مفتوحا وضم الظاء )
( ما السحر إلا ما تصوغ بنانه ... ولسانه من حليه الإنشاء ) وهى طويلة يقول فيها بعد جملة أبيات
( لله نفثه سحر ما قد شدت لى ... من نفث سحرك فى مشاد ثناء )
( عارضت صفوانا بها فأريت ما ... يستعظم الراوى لها والرائى )
( لو راء لؤلؤك المنظم لم يفز ... من نظم لؤلؤه بغير عناء )
( بواتنى منها أجل مبوإ ... فلأخمصى مستوطىء الجوزاء )
( وسما بها اسمى سائرا فانا بما ... أسديت ذو الأسماء فى الأسماء )
( وأشدت ذكري فى البلاد فلى بها ... طول الثناء وان أطلت ثوائى )
( ولقومى الفخر المشيد بنيته ... يا حسن تشييد وحسن بناء )
( فليهن هانيهم يد بيضاء ما ... أن مثلها لك من يد بيضاء )
( حليت أبياتا له لخمية ... تجلى على مضرية غراء )
( فليشمخوا أنفا بما أوليتهم ... يا محرز الآلاء بالإيلاء ) ووصلها بنثر نصه هذا بني وصل الله سبحانه لك ولى بك علو المقدار

وأجرى وفق إرادتك وإرادتى لك جاريات الأقدار ما سنح به الذهن الكليل واللسان الفليل فى مراجعة قصيدتك الغراء الجالبة السراء الآخذة بمجامع القلوب الموفية بجوامع المطلوب الحسنة المهيع والأسلوب المتحلية بالحلى السنية العريقة المنتسب فى العلا الحسنية الجالية لصدإ القلوب ران عليها الكسل وخانها المسعدان السؤل والأمل فمتى حامت المعانى حولها ولو أقامت حولها شكت ويلها وعولها وحرمت من فريضة الفضيلة عولها وعهدي بها والزمان زمان وأحكامها الماضية أمانى مقضية وأمان تتوارد الأفها ويجمع إجماعها وخلافها ويساعدها من الألفاظ كل سهل ممتنع مفترق مجتمع مستأنس غريب بعيد الغور قريب فاضح الحلى واضح العلا وضاح الغرة والجبين رافع عمود الصبح المبين أيد من الفصاحة بأياد فلم يحفل بصاحبى طيىء وإياد وكسى نصاعة البلاغة فلم يعبأ بهمام وابن المراغة شفاء المحزون وعلم سر المخزون ما بين منثوره والموزون والآن لا ملهج ولا مبهج ولا مرشد ولا منهج عكست القضايا فلم تنتج فتبلد القلب الذكى ولم يرشح القلم الزكى وعم الإفحام وغم الإحجام وتمكن الإكداء والإجبال وكورت الشمس وسيرت الجبال وعلت سآمة وغلبت ندامة وارتفعت ملامة وقامت لنوعى الأدب قيامة حتى أذا ورد ذلك المهرق وفرع غصنه المورق وتغنى به الحمام الأورق وأحاط بعداد عداته الغصص والشرق وأمن من ذلك الغصب والسرق وأقبل الأمن وذهب لإقباله الفرق نفخ فى صور أهل المنظوم والمنثور وبعثر ما فى القبور وحصل ما فى الصدور وتراءت للأدب صور وعمرت للبلاغة كور وهمت لليراعة درر ونظمت البراعة درر وعندها تبين أنك واحد حلبة البيان والسابق فى ذلك الميدان يوم الرهان فكان لك القدم وأقر لك مع التأخر السابق الأقدم فوحق نصاعة الفاظ أجدتها حين أوردتها وأسلتها

حين أرسلتها وأزنتها حين وزنتها وبراعة معان سلكتها حين ملكتها وأرويتها حين رويتها أو رويتها وأصلتها حين فصلتها أو وصلتها ونظام جعلته بجسد البيان قلبا ولمعصمه قلبا وهصرت حدائقه غلبا وارتكبت روية صعبا ونثار أتبعته له خديما وصيرته لمدير كأسه نديما ولحفظه ذمامه المدامى أو مدامه الذمامى مديما لقد فتنتني حين أتتنى وسبتنى حين اطبتنى فذهبت خفتها بوقاري ولم يرعها بعد شيب عذاري بل دعت للتصابى فقلت مرحبا وحللت لفتنتها الحبا ولم أحفل بشيب وألفيت ما رد تصابى نصيب وأن كنا فرسى رهان وسابقى حلبة ميدان غير أن الجلدة بيضاء والمرجو الإغضاء بل الإرضاء بنى كيف رأيت للبيان هذا الطوع والخروج فيه من نوع إلى نوع اين صفوان بن إدريس ومحل دعواه بين رحله وتعريس كم بين ثغاء بقر الفلاة وبين الليث ذى الفريس كما أنى أعلم قطعا وأقطع علما وأحكم مضاء وأمضى حكما أنه لو نظر إلى قصيدتك الرائقة وفريدتك الحالية الفائقة المعارضة بها قصيدته المنتسخة بها فريدته لذهب عرضا وطولا ثم اعتقد لك اليد الطولى وأقر فارتفع النزاع وذهبت له تلك العلاقات والأطماع ونسى كلمته اللؤلؤية ورجع عن دعواه الأدبية واستغفر ربه من تلك الألية بنى وهذا من ذلك الجرى فى تلك المسالك والتبسط فى تلك المآخذ والمتارك أينزع غيري هذا المنزع أم المرء بنفسه وابنه مولع حيا الله الأدب وبنيه وأعاد علينا من أيامه وسنيه ما أعلى منازعه وأكبى منازعه وأجل مآخذه وأجهل تاركه واعلم آخذه وأرق طباعه وأحق اشياعه وأتباعه وأبعد طريقه واسعد فريقه وأقوم نهجه وأوثق نسجه وأسمح ألفاظه وأفصح عكاظه وأصدق معانيه وألفاظه وأحمد نظامه ونثاره

وأغنى شعاره ودثاره فعائبه مطرود وعاتبه مصفود وجاهله محصود وعالمه محسود غير أن الإحسان فيه قليل ولطريق الإصابة فيه علم ودليل من ظفر بهما وصل وعلى الغاية القصوى منه حصل ومن نكب عن الطريق لم يعد من ذلك الفريق فليهنك أيها الابن الذكى البر الزكي الحبيب الحفى الصفى الوفى أنك حامل رايته وواصل غايته ليس أولوه وآخروه لذلك بمنكرين ولا تجد أكثرهم شاكرين ولولا أن يطول الكتاب وينحرف الشعراء والكتاب لفاضت ينابيع هذا الفضل فيضا وخرجت الى نوع آخر من البلاغة أيضا قرت عيون أودائك وملئت غيظا صدور أعدائك ورقيت درج الآمال ووقيت عين الكمال وحفظ منصبك العالى بفضل ربك الكبير المتعالى والسلام الأتم الأنم الأكمل الأعم يخصك به من طال فى مدحه إرقالك وإغذاذك وراد روض حمدك وابلك وطلك ورذاذك وغدت مصالح سعيه فى سعى مصالحك وسينفعك بحول الله وقوته وفضله ومنته معاذك ووسمت نفسك بتلميذه فسمت نفسه بأنه أستاذك ابن هانىء وC تعالى وبركاته
وكانت وفاته شهادة فى أواخر ذى القعدة عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة ورثاه شيخنا أبو القاسم الحسنى بقصيدة أثبتت فى اسمه منها
( سقى الله بالخضراء أشلاء سؤدد ... تضمنهن الترب صوب الغمائم ) ورثاه شيخنا أبو بكر ابن شبرين فقال
( قد كان ما قال البريد ... فاصبر فحزنك لا يفيد )
( أودى ابن هانىء الرضى ... فاعتادنى للثكل عيد )
( بحر العلوم وصدرها ... وعميدها إذ لا عميد )

( قد كان زينا للوجود ... ففيه قد فجع الوجود )
( العلم والتحقيق والتوفيق ... والحسب التليد )
( تندى خلائقه فقل ... فيها هى الروض المجود )
( مغض عن الإخوان لا ... جهم اللقاء ولا كنود )
( أودى شهيدا باذلا ... مجهوده نعم الشهيد )
( لم أنسه حين المعارف ... باسمه فينا تشيد )
( وله صبوب فى طلاب ... العلم يتلوه صعود )
( لله وقت كان ... ينظمنا كما نظم الفريد )
( أيام نغدو أو نروح ... وسعينا السعى الحميد )
( وإذا المشيخة جثم ... هضبات حلم لا تميد )
( ومرادنا جم النبات ... وعيشنا خضر برود )
( لهفى على الإخوان ... والأتراب كلهم فقيد )
( لو جئت أوطانى ... لأنكرنى التهائم والنجود )
( ولراع نفسى شيب من ... غادرته وهو الوليد )
( ولطفت ما بين اللحود ... وقد تكاثرت اللحود )
( سرعان ما عاث الحمام ... ونحن أيقاظ هجود )
( كم رمت إعمال المسير ... فقيدت عزمى قيود )
( والآن أخلفت الوعود ... وأخلقت تلك البرود )
( ما للفتى ما يبتغى ... فالله يفعل ما يريد )
( أعلى القديم الملك يا ... ويلاه يعترض العبيد )
( يا بين قد طال المدى ... أبرق وأرعد يا يزيد )

( ولكل شىء غاية ... ولربما لان الحديد )
( ايه أبا عبد الإله ... ودوننا مرمى بعيد )
( أين الرسائل منك ... تأتينا كما نسق العقود )
( اين الرسوم الصالحات ... تصرمت اين العهود )
( أنعم مساء لا تخطيك ... البشائر والسعود )
( وأقدم على دار الرضى ... حيث الإقامة والخلود )
( والق الأحبة حيث دار ... الملك والقصر المشيد )
( حتى الشهادة لم تفتك ... فنجمك النجم السعيد )
( لا تبعدن وعدا لو أن ... البدء فى الدنيا يعود )
( فلئن بليت فان ذكرك ... فى الدنا غض جديد )
( تالله لا تنساك ... أندية العلا ما اخضر عود )
( وإذا تسومح فى الحقوق ... فحقك الحق الأكيد )
( جادت صداك غمامة ... يرمى بها ذاك الصعيد )
( وتعهدتك من المهيمن ... رحمة ابدا وجود )
وقوله أول هذه الرسالة عارضت صفوان بها إلى آخره يعنى بذلك همزية صفوان بن إدريس المشهورة بين أدباء المغرب ولنذكرها إفادة للغرض وهى
( جاد الربى من بانة الجرعاء ... نوءان من دمعى وغيم سماء )
( فالدمع يقضى عندها حق الهوى ... والغيم حق البانة الغناء )
( خلت الصدور من القلوب كما خلت ... تلك المقاصر من مها وظباء )
( ولقد أقول لصاحبى وإنما ... ذخر الصديق لآكد الأشياء )
( يا صاحبى ولا أقل إذا أنا ... ناديت من أن تصغيا لندائى )

( عوجا نجارى الغيث فى سقى الحمى ... حتى يرى كيف انسكاب الماء )
( ونسن فى سقى المنازل سنة ... نمضى بها حكما على الظرفاء )
( يا منزلا نشطت إليه عبرتى ... حتى تبسم زهرة لبكائى )
( ما كنت قبل مزار ربعك عالما ... أن المدامع أصدق الأنوار )
( يا ليت شعرى والزمان تنقل ... والدهر ناسخ شدة برخاء )
( هل نلتقى فى روضة موشية ... خفاقة الأغصان والأفياء )
( وننال فيها من تألفنا ولو ... ما فيه سخنة أعين الرقباء )
( فى حيث اتلعت الغصون سوالفا ... قد قلدت بلآلىء الآنداء )
( وبدت ثغور الياسمين فقبلت ... عنى عذار الآسة الميساء )
( والورد فى شط الخليج كأنه ... رمد ألم بمقلة زرقاء )
( وكان غض الزهر فى خضر الربى ... زهر النجوم تلوح بالخضراء )
( وكأنما جاء النسيم مبشرا ... للروض يخبره بطول بقاء )
( فكساه خلعة طيبة ورمى له ... بدراهم الأزهار رمى سخاء )
( وكأنما احتقر الصنيع فبادرت ... للعذر عنه نغمة الورقاء )
( والغصن يرقص فى حلى أوراقه ... كالخود فى موشيه خضراء )
( وافتر ثغر الأقحوان بما رأى )
( طربا وقهقه منه جرى الماء )
( أفدية من أنس تصرم فانقضى ... فكأنه قد كان فى الإغفاء )
( لم يبق منه غير ذكرى أو منى ... وكلاهما سبب لطول عناء )
( أو رقعة من صاحب هى تحفة ... إن الرقاع لتحفة النبهاء )
( كبطاقة الوشقى إذ حيا بها ... ان الكتاب تحية الخلطاء )
( ما كنت أدرى قبل فض ختامها ... أن البطائق أكؤس الصهباء )
( حتى ثنيت معاطفى طربا بها ... وجررت أذيالى من الخيلاء )
( فجعلت ذاك الطرس كأس مدامة ... وجعلت مهدية من الندماء )
( وعجبت من خل يعاطى خله ... كأسا وراء البحر والبيداء )

( ورأيت رونق خطها فى حسنها ... كالوشى نمق معصم الحسناء )
( فوحقها من تسع آيات لقد ... جاءت بتأييدي على أعدائى )
( فكاننى موسى بها وكانها ... تفسير ما فى سورة الإسراء )
( لو جاء فكر ابن الحسين بمثلها ... صحت نبوته لدى الشعراء )
( سوداء إذ أبصرتها لكنها ... كم تحتها لك من يد بيضاء )
( ولقد رأيت وقد تأوبنى الكرى ... فى حيث شابت لمة الظلماء )
( أن السماء أتى إلى رسولها ... بهدية ضاءت بها أرجائى )
( بالفرقدين وبالثريا أدرجا ... فى الطى من كافورة بيضاء )
( فكفى بذاك الطرس من كافورة ... وبنظم شعرك من نجوم سماء )
( قسما بها وبنظمها وبنثرها ... لقد انتحتنى ملء عين رجائى )
( وعلمت أنك أنت فى ابداعها ... لفظا وخطا معجز النبلاء )
( لا ما تعاطت بابل من سحرها ... لا ما ادعاه الوشى من صنعاء )
( ولقد رميت لها القياد وانها ... لقضية أعيت على البلغاء )
( وطلبت من فكرى الجواب فعقنى ... وكبا بكف الذهن زند ذكائى )
( فلذا تركت عروضها ورويها ... وهجرت فيها سنة الأدباء )
( ويعثتها ألفية همزية ... خدعا لفكر جامع إيبائى )
( علمت بقدرك فى المعارف فانبرت ... من خجلة تمشى على استحياء ) انتهت القصيدة ومن خط ناظمها صفوان نقلتها
رجع
59 - وقال لسان الدين رحمه الله تعالى فى ترجمة أبى محمد عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الأزدي فى التاج ما صورته طويل القوادم والخوافى كلف على كبر سنة بعقائل القوافى شاب فى الأدب وشب ونشق ريح البيان لما هب فحاول رقيقة وجزله وأجاد جده وأحكم هزله فان مدح

صدح وأن وصف أنصف وأن عصف قصف وأن أنشأ ودون وتقلب فى أفانين البلاغة وتلون أفسد ما شاء الله وكون فهو شيخ الطريقة الأدبية وفتاها وخطيب حفلها كلما أتاها لا يتوقف عليه من أغراضها غرض ولا يضيع لديه منها مفترض ولم تزل بروقه تتألق ومعانيه بأذيال الإحسان تتعلق حتى برز فى أبطال الكلام وفرسانه وذعرت القلوب بسطوة لسانه وألقت إليه الصناعة زمامها ووقفت عليه أحكامها وعبر البحر منتجعا بشعره ومنفقا فى سوق الكساد من شعره فأبرق وأرعد وحذر وأوعد وبلغ جهد إمكانه فى التعريف بمكانه فما حرك ولا هز وذل فى طلب الرفد وقد عز وما برح أن رجع الى وطنه الذى اعتاده رجوع الحديث إلى قتاده وقد أثبت من نزعاته وبعض مخترعاته ما يدل على سعة باعه ونهضة ذراعه فمن النسيب قوله
( ما للمحب دواء يذهب الألما ... عنه سوى لمم فيه ارتشاف لمى )
( ولا يرد عليه نوم مقلته ... إلا الدنو إلى من شفه سقما )
( يا حاكما والهوى فينا يؤيده ... هواك فى بما ترضاه قد حكما )
ثم سردها وقال فى المديح
( إليك جد بى التسيار تأميلا ... فلى على فضلك المأمول تعويلا )
( الحمد لله حمدا لا كفاء له ... بسعد أيامك المأمول قد نيلا )
( يا راغبا مرتجاه دفع معضلة ... فصبره بصروف الدهر قد عيلا )
( ألمم بحضرة ملك كل مفتخر ... بالملك يوليه بالتعظيم ترسيلا )
( فرع من الدوحة النصرية اجتمعت ... فيه الفضائل تتميما وتكميلا )
( لديه مما لدى الصديق تسمية ... وميسم وكفاه ذاك تفضيلا )

60 - وقال لسان الدين فى الإكليل فى ترجمة أبى الحسن على بن إبراهيم ابن على بن خطاب السكاك من أهل غرناطة ما صورته متسور على بيوت القريض فى الطويل من الكلام والعريض ممن أطاعته براعة الخط وسلمت لأقلامه رماح الخط عانى كتابة الشروط لأول أمره ثم ألظت به محنته على توفر خصاله ونبل خلاله وهو الآن من كتاب ديوان الحساب يتعلل من الأمور المخزنية ببعض الألقاب انتهى
61 - وقال فى التاج فى ترجمة أبى الحسن على بن محمد بن عبد الحق ابن الصباغ العقيلي الغرناطى ما صورته اللسن العارف الناقد لجواهر المعانى كما يفعل بالسكة الصيارف والأديب المجيد الذى تحلى به للعصر النحر والجيد أن أجال جياد براعته فضح فرسان المهارق وأخجل بين بياض طرسه وسواد نقسه الطرر تحت المفارق وأن جلا أبكار أفكاره وأثار طير البيان من أوكاره سلب الرحيق المقدم فضل إسكاره إلى نفس لا يفارقها ظرف وهمه لا يرتد اليها طرف وإبانة لا يفل لها غرب ولا حرف وله أدب غض زهرة على مجتنيه منفض كتبت إليه أستنجز وعده فى الإتحاف برائقه والإمتاع بزهر حدائقه قولى
( عندي لموعدك افتقار محرج ... وعهودك افتقرت إلى إنجازها )
( والله يعلم فيك صدق مودتى ... وحقيقة الأشياء غير مجازها )
فاجابنى بقوله
( يا مهدى الدر الثمين منظما ... كلما حلال السحر فى ايجازها )
( أدركت حلبات الأوائل وانيا ... ورددت أولاها على أعجازها )

( أحرزت فى المضمار خصل سباقها ... ولأنت أسبقهم الى إحرازها )
( حليت بالسمطين منى عاطلا ... وبعثت من فكرى فتاه مفازها )
( فلأنجزن مواعدي مستعطفا ... فاسمح وبالإغضاء منك فجازها )
وقال فى الإحاطة فى حق المذكور إنه من أهل الفضل والسراوة والرجولة والجزالة فذ فى الكفاية ظاهر السذاجة والسلامة مصعب لأضداده شديد العصبية لأولى وداده يشتمل على خلال من خط بارع وكتابة حسنة وشعر جيد ومشاركة فى فقه وأدب ووثيقة ومحاضرة ممتعة ناب عن بعض القضاة وكتب الشروط وارتسم فى ديوان الجند وكتب عن شيخ الغزاة أبى زكريا يحيى بن عمر على عهده ثم انصرف إلى العدوة سابغ عشر جمادى الأولى من عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة فارتسم فى الكتابة السلطانية منوها به مستعملا فى خدم مجدية بان غناؤه فيها وظفرت كفايتة انتهى وقد وصفه بصاحبنا ثم قال ومن شعر المذكور قوله
( ليت شعري والهوى امل ... وأمانى الصب لا تقف )
( هل لذاك الوصل مرتجع ... أو لهذا الهجر منصوف )
وقال
( وظبى سبى بالطرف والعطف والجيد ... وما حاز من غنج ولين ومن غيد )
( أشرت اليه بالدنو مداعبا ... فقال أيدنو الظبى من غابة الأسد ) وقال فى مبدإ قصيدة مطولة
( حديث المغانى بعدهن شجون ... وأوجه أيام التباعد جون )

( لحا الله أيام الفراق فكم شجت ... وغادرت الجذلان وهو حزين )
( وحيا ديارا فى ربى أغرناطة ... وأنى بذاك القرب منك ضنين )
( لأرخصت فيها من شبابى ما غلا ... وعزمى على مال العفاف أمين )
( خليلي لا امر باربعها قفا ... فعندى إلى تلك الربوع حنين )
( الم تريانى كلما ذر شارق ... تضاعف عندى عبرة وأنين )
( إذا لم يساعدنى أخ منكما فلا ... حدت لخؤون بعد ذاك أمون )
( اليس عجيبا فى البرية من له ... إلى عهد إخوان الزمان ركون )
( فلا تثقن من ذى وفاء بعهده ... فقد اجن السلسال وهو معين )
( لقلبى عذر فى فراق ضلوعه ... وللدمع فى ترك الشؤون شؤون )
( ومن ترك الحزم المعين فانه ... لعان بأيدى الحادثات رهين )
( رعى الله ايامى الوثيق ذمامها ... فإن مكانى فى الوفاء مكين )
( ولم أر مثل الدهر أما عدوه ... فحب وأما خله فخؤون )
( ولولا أبو عمرو وجود بنانه ... لما كان فى هذا الزمان معين ) وقال
( زار الخيال ويا لها من لذة ... لكن لذات الخيال منام )
( ما زلت ألثم مبسما منظومه ... در ومورده الشهى مدام )
( وأضم غصن البان من أعطافه ... وأشم مسكا فض عنه ختام )
مولده عام ستة وسبعمائة وتوفى بفاس وقد تخلفه السلطان كاتب ولده عند توجهه لإفريقية فى العشرين من رمضان عام ثمانية وخمسين وسبعمائة رحمه الله تعالى

وقد وهم لسان الدين فى شهر وفاة المذكور وإنما الصواب أنة توفى يوم الأحد ثامن شوال فاعلم ذلك والله سبحانه أعلم رجع
62 - وقال فى التاج المحلى فى مساجلة القدح المعلى وفى الإكليل الزاهر فيمن فضل عند نظم التاج من الجواهر وغيرهما مما ثبت فى حلى رؤساء الكتاب وحاملى ألوية الآداب فى ترجمة شيخه ابن الجياب ما نصه صدر الصدور الجلة وعلم أعلام هذه الملة وشيخ الكتابة وبانيها وهاصر أفنان البدائع وجانيها اعتمدته الرياسة فناء بها على حبل ذراعه واستعانت به السياسة فدارت أفلاكها على قطب من شباة يراعه فتفيأ للعناية ظلا ظليلا وتعاقبت الدول فلم تر به بديلا من ندب على علوه متواضع وحبر لثدى المعارف راضع لا تمر مذاكرة فى فن إلا وله فيه التبريز ولا تعرض جواهر الكلام على محكات الأفهام إلا وكلامه الإبريز حتى أصبح الدهر راويا لإحسانه وناطقا بلسانه وغرب ذكره وشرق وأشام واعرق وتجاوز البحر الأخضر والخليج الأزرق إلى نفس هذبت الآداب شمائلها وجادت الرياضة خمائلها ومراقبة لربه واستنشاق لروح الله من مهبه ودين لا يعجم عوده ولا تخلف وعوده وكل ما ظهر علينا معشر بنيه من شارة تجلى بها العين أو إشارة كما سبك اللجين فهى اليه منسوبة وفى حسناته محسوبة فإنما هى انفس راضها بآدابه وأعلقها بأهدابه وهذب طباعها كالشمس تلقى على النجوم شعاعها والصور الجميلة تترك فى الأجسام الصقيلة انطباعها وما عسى أن أقول

فى إمام الأئمة ونورالدياجى المدلهمة والمثل السائر فى بعد الصيت وعلو الهمة وقد أثبت من عيون قصائده وأدبه الذى علق الإحسان فى مصايده كل وثيق المعنى كريم المجنى جامع بين حصافة اللفظ ولطافة المعنى انتهى
والمذكور له ترجمة فى هذا الكتاب فى باب مشيخة لسان الدين فلتراجع
63 - وقال فى الإكليل فى حق عمر بن على بن غفرون الكلبى من أهل منتفريد ما صورته شيخ خدم قام له الدهر فيها على قدم وصاحب تعريض ودهاء عريض وفائز من الدول النصرية باياد بيض أصله من حصن منتفريد خدم به الدولة النصرية عند انتزاء أهله وكان ممن استنزلهم من حزنه إلى سهله وحكم الأمر الغالبي فى يافعه وكهله فكسب حظوة أرضته ووسيلة أرهفته وأمضته حتى عظم جاهة وماله وبسقت آماله ثم دالت الدول وتنكرت أيامه الأول وتغلب من يجانسة وشقى بمن كان ينافسه فجف عوده والتائت سعوده وهلك والخمول يظله والدهر يقوته من صبابه حرث كان يستغله وله شعر لم يتقنه النظر ولا وضحت منه الغرر توفى فى ذى الحجة عام أربعة واربعين وسبعمائة انتهى
64 - وقال فى الإكليل فى حق قاسم بن محمد بن الجد الفهرى المرى ما صورته هو من أئمة اهل الزمام خليق برعى الذمام ذو حظ كما تفتح زهر الكمام وأخلاق اعذب من ماء الغمام كان ببلده حاسبا ودرا فى لجة الإغفال راسبا صحيح العمل يلبس الطروس من براعته أسنى الحلل قال يمدح السلطان
( أرى اوجه الأيام قد اشرقت بشرا ... فقل لى رعاك الله ما هذه البشرى )
( وما بال انفاس الخزامى تعطرت ... فأرجت الأرجاء من نفحها عطرا )

( ونقبت الشمس المنيرة وجهها ... قصورا عن الوجه الذى أخجل البدرا )
وهى طويلة توفى المذكور عام خمسين وسبعمائة بالطاعون
65 - وقال فى الإكليل فى حق أبى عثمان سعيد الغسانى ما صورته هو ممن يتشوق إلى المعرفة والمقالات ويتسق الى الحقائق والمحالات ويشتمل على نفس رقيقة ويسير من تعليم القرآن على خير طريقة ويعانى من الشعر ما يشهد بنبله ويستظرف من مثله انتهى
66 - وقال فى الإكليل فى ترجمة أبى الحجاج يوسف بن على الطرطوشى ما صورته روض ادب لا تعرف الذواء أزهاره ومجموع فضل لا تخفى آثاره كان فى فنون الأدب مطلق الأعنة وفى معاركه ماضى الظبى والأسنة فإن هزل وإلى تلك الطريقة اعتزل أبرم من الغزل ما غزل وبزل من دنان راحة ما بزل وأن صرف إلى المغرب غرب لسانه وأعاره لمحة من إحسانه أطاعه عاصية واستجمعت لدية اقاصية ورد على الحضرة الأندلسية والدنيا شابة وريح القبول هابة فاجتلى محاسن أوطانها وكتب عن سلطانها ثم كر إلى أوطانه وعطف واسرع اللحاق كالبارق إذا خطف وتوفى عن سن عالية وبرود من العمر غالية
67 - وقال فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن أحمد بن المتأهل العذري من أهل وادي آش ما صورته رجل غليظ الحاشية معدود فى جنس السائمة والماشية تليت على العمال به سورة الغاشية ولى الأشغال السلطانية فذعرت الجباة لولايته وأيقنوا بقيام قيامتهم لطلوع آيته وقنطوا كل القنوط وقالوا جاءت الدابة تكلمنا وهى إحدى الشروط من رجل صائم الحشوة بعيد عن المصانعة والرشوة يتجنب الناس ويقول عند المخالطة لهم لا مساس عهدي

به فى الأعمال يحبط ويتبر وهو يهلل ويكبر ويحسن ويقبح وهو يسبح وقال يخاطب بعض أمراء الدولة
( عمادي ملاذى موئلى ومؤملى ... ألا انعم بما ترضاه للمتأهل )
( وحقق بنيل القصد منك رجاءه ... على نحو ما يرضيك يا ذا التفضل )
( فأنت الذى فى العلم يعرف قدره ... بخير زمان فيه لا زلت تعتلى )
( فهنيت يا معنى الكمال برتبة ... تقر لكم بالسبق فى كل محفل )
توفى عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة
انتهى وتذكرت بقوله ويحسن ويقبح وهو يسبح قول الآخر
( قد بلينا بأمير ... ظلم الناس وسبح )
( فهو كالجزار فيهم ... يذكر الله ويذبح ) رجع 68 - وقال لسان الدين فى ترجمة أبى عبد الله ابن باق من التاج ما صورته مدير أكؤس البيان المعتق ولعوب بأطراف الكلام المشقق انتحل لأول أمره الهزل من أصنافه فأبرز در معانية من أصدافه وجنى ثمرة الإبداع لحين قطافه ثم تجاوزه إلى المغرب وتخطاه فأدار كأسه المترع وعاطاه فأصبح لفنيه جامعا وفى فلكيه شهابا لامعا وله ذكاء يطير شرره وإدراك تتبلج غرره وذهن يكشف الغوامض ويسبق البارق الوامض وعلى ذلاقة لسانه وانفساح امد إحسانه فشديد الصبابة بشعره مغل لسعره انتهى والمذكور هو محمد بن إبراهيم بن على باق الأموي مرسي الأصل غرناطي النشأة مالقى الاستيطان
وقال فى عائد الصلة كان رحمه الله تعالى كاتبا أديبا ذكيا لوذعيا يجيد

الخط ويرسل النادرة ويقدم على العمل ويشارك فى الفريضة وبذ السباق فى الأدب الهزلى المستعمل بالأندلس غبر زمانا من عمره محارفا للفاقة يعالج بالأدب الكدية ثم استقام له الميسم وأمكنه البخت من امتطاء غاربه فأنشبت الحظوة فيه أناملها بين كاتب وشاهد وحاسب ومدير تجر فأثرى ونما ماله وعظمت حاله عهد عندها شارف الرحيل بجملة تناهز الألف من العين لتصرف فى وجوه من البر فتوهم انها كانت زكاة أمسك بها انتهى
وقال أيضا أخبرنى الكاتب ابو عبد الله ابن سلمة انه خاطبه بشعر أجابه عنه بقوله فى رؤية
( أحرز الخصل من بنى سلمة ... كاتب تخدم الظبى قلمة )
( يحمل الطرس من أنامله ... أثر الحسن كلما رقمه )
( وتمد البيان فكرته ... مرسلا حيث يممت ديمه )
( خصنى متحفا بخمس إذا ... بسم الروض فقن مبتسمه )
( قلت أهدى زهر الربى خضلا ... فإذا كل زهرة كلمه )
( أقسم الحسن لا يفارقها ... فأبر انتقاؤها قسمه )
( خط أسطارها ونمقها ... فأتت كالعقود منتظمة )
( كاسيا من حلاه لى حللا ... رسمها من بديع ما رسمه )
( طالبا عند عاطش نهلا ... ولديه الغيوث منسجمه )
( يبتغى الشعر من أخى بله ... أخرس العى والقصور فمه )
( أيها الفاضل الذى حفظت ... ألسن المدح والثنا شيمه )
( لا تكلف اخاك مقترحا ... نشر عار لديه قد كتمه )
( وابق فى عزة وفي دعة ... ضافى العيش واردا شبمه )
( ما ثنى الغصن عطفه طربا ... وشدا الطير فوقه نغمه ) ورأيت على هامش هذه القصيدة بخط ابى الحسن على بن لسان الدين ما صورته

نعم ما خاطب به شيخنا وبركة أهل الأندلس وصدر صدورهم أبا عبد الله ابن سلمة ومن لفظه سمعتها بالقاهرة وأنها لمن النظم العالى المتسق نسق الدر فى العقود رحمه الله تعالى قاله ابن المؤلف انتهى
وقرأ ابن باق المذكور على الأستاذ أبى جعفر ابن الزبير والخطيب أبى عثمان ابن عيسى وتوفى بمالقة فى اليوم الثامن والعشرين لمحرم فاتح عام اثنين وخمسين وسبعمائة وأوصى بعد أن يحفر قبره بين شيخيه الخطيبين أبى عبد الله الطنجالى وأبى عثمان ابن عيسى إن يدفن به وإن يكتب على قبره هذه الأبيات
( ترحم على قبر ابن باق وحيه ... فمن حق ميت الحي تسليم حيه )
( وقل آمن الرحمن روعه خائف ... لتفريطه فى الواجبات وغيه )
( قد اختار هذا القبر فى الأرض راجيا ... من الله تخفيفا بقدر وليه )
( فقد يشفع الجار الكريم لجاره ... ويشمل بالمعروف أهل نديه )
( وأنى بفضل الله اوثق واثق ... وحسبى وأن أذنبت حب نبيه ) انتهى
69 - وقال لسان الدين فى ترجمة ابى عبد الله محمد بن إبراهيم بن سالم ابن فضيلة المعافري المرى المدعو بالنتو من الإكليل ما نصه شيخ أخلاقه لينة ونفسه كما قيل هينة ينظم الشعر سهلا مساقه محكما اتساقه على فاقة ما لها من إفاقة انشد المقام السلطانى بظاهر بلده قوله
( سرت ريح نجد من ربى أرض بابل ... فهاجت إلى مسرى سراها بلابلى )
( وذكرنى عرف النسيم الذى سرى ... معاهد احباب سراه افاضل )
( فأصبحت مشغوفا بذكر منازل ... ألفت فواشوقى لتلك المنازل )
( فيا ريح هبى بالبطاح وبالربى ... ومرى على أغصان زهر الخمائل )
( وسيري بجسمى للتى الروح عندها ... فروحى لديها من أجل الوسائل )

( وقولى لها عنى معناك بالنوى ... له شوق معمود وعبرة ثاكل )
( فيا بابى هيفاء كالغصن تنثنى ... تقد بقد كاد ينقد مائل )
وهى طويلة
ومن شعر المذكور قوله من قصيدة
( بهرت كشمس فى غلاله عسجد ... وكبدر تم فى قضيب زبرجد )
( ثم انثنت كالغصن هزته الصبا ... طربا فتزرى بالغصون الميد )
( حوراء بارعة الجمال غريرة ... تزهى فتزرى بالقضيب الأملد )
( أن أدبرت لم تبق عقل مدبر ... أو أقبلت قتلت ولكن لا تدي )
قال القاضى أبو البركات ابن الحاج وابتلى المذكور باختصار كتب الناس فمن ذلك مختصره المسمى الدرر الموسومة فى اشتقاق الحروف المرسومة وكتاب حكايات يسمى دوحة الجنان وراحة الجنان وغير ذلك
وقال أبو البركات وسألته عن مولده فقال لى اليوم ستون سنة وقال ذلك ليلة الخميس السابع والعشرين لذى قعده عام اربعين وسبعمائة وتوفى آخر رمضان من عام تسعة واربعين رحمه الله تعالى انتهى رجع
70 - قال لسان الدين فى الإكليل فى ترجمة الكاتب صاحب العلامة أبى العباس احمد بن على المليانى المراكشى ما نصه الصارم الفاتك والكاتب الباتك اي اضطراب فى وقار وتجهم تحته انس العقار اتخذه ملك المغرب صاحب علامته وتوجه تاج كرامته وكان يطالب جملة من أشياخ مراكش بثار عمه ويطوقهم دمه بزعمه ويقصر على الاستنصار منهم بنات همه إذ سعوا فيه حتى اعتقل ثم جدوا فى امره حتى قتل فترصد كتابا إلى مراكش

يتضمن امرا جزما ويشمل من أمور الملك عزما جعل فيه الأمر بضرب رقابهم وسبى اسبابهم ولما اكد على حامل فى العجل وضايقه فى تقدير الأجل تانى حتى علم أنه قد وصل وان غرضه قد حصل فر إلى تلمسان وهى بحال حصارها فاتصل بانصارها حالا بين أنوفها وأبصارها وتعجب من فراره وسوء اغتراره ورجمت الظنون فى آثاره ثم وصلت الأخبار بتمام الحيلة واستيلاء القتل على أعلام تلك القبيلة فتركها شنيعة على الأيام وعارا فى الأقاليم على حملة الأقلام وأقام بتلمسان إلى أن حل مخنق حصرها وازيل هميان الضيقة عن خصرها فلحق بالأندلس ولم يعدم برا ورعيا مستمرا حتى أتاه حمامه وانصرمت أيامه انتهى
والمذكور ترجمه فى الإحاطة بقوله صاحب العلامة بالمغرب الكاتب الشهير البعيد الشأو فى اقتضاء الترة المثل المضروب فى الهمة وقوة الصريمة ونفاذ العزيمة
حالة - كان نبيه البيت شهير الأصالة رفيع المكانة على سجية غريبة من الوقار والانقباض والصمت آخذا بحظ من الطب حسن الخط مليح الكتابة قارضا للشعر تذهب نفسه فيه كل مذهب
وصمته فتك فتكه شهيرة أساءت الظن بحملة الأقلام على ممر الدهر وانتقل إلى الأندلس بعد مشقة
شعره من شعره الذى يدل على بأوه وانفساح خطاه فى النفاسة وبعد شأوه قوله
( العز ما ضربت عليه قبابى ... والفضل ما اشتملت عليه ثيابى )

( والزهر ما أهداه غصن براعتى ... والمسك ما أبداه نقس كتابى )
( فالمجد يمنع أن يزاحم موردى ... والعزم يابى أن يضام جنانى )
( فإذا بلوت صنيعة جازيتها ... بجميل شكرى أو جزيل ثوابى )
( وإذا عقدت مودة أجريتها ... مجرى طعامى من دمى وشرابى )
( وإذا طلبت من الفراقد والسها ... ثارا فاوشك أن أنال طلابى )
وفاته توفى بغرناطة يوم السبت تاسع ربيع الآخر عام خمسة عشر وسبعمائة ودفن بجبانه باب البيرة تجاوز الله تعالى عنه انتهى
رجع إلى نثر ابن الخطيب رحمه الله تعالى
71 - فمن ذلك قوله فى الروضة فى ترجمة ضخام الغصون من شجرة السر المصون ما صورته وهى التى أفاءت الظل الظليل وزانت المراى الجميل وتكفلت لمحاسن الشجرة الشماء بالتكفيل وتتعدد إلى غصون المحبوبات وأقسام موضوعاتها المكتوبات وغصن المحبين أصنافهم المرتبين وغصن علامات المحبة وشواهد النفوس الصبة وغصن الأخبار المنقولة عن ذوى النفوس المصقولة وعند تعين هذه الأغصان المقسومة كمل شكل الشجرة المرسومة والسرحة الموصوفة الموسومة ففاءت الظلال وكرمت الخلال فحيي من تفرد وتوجد واستظل من استهدى واسترشد ووقف الهائم فخطب وأنشد
( يا سرحة الحى يا مطول ... شرح الذى بيننا يطول )
( عندى مقال فهل مقام ... تصغين فيه لما أقول )
( ولى ديون عليك حلت ... لو أنه ينفع الحلول )

( ماض من العيش كان فيه ... منزلنا ظلك الظليل )
( زال وماذا عليه ماذا ... يا سرح لو لم يكن يزول )
( حيا عن المذنب المعنى ... منبتك القطر والقبول )
وقال رحمه الله تعالى فصول فى المعرفة تغازل بها عيون الإشارة إذا قصرت عن تمام المعنى السن العبارة ولله در القائل
( وإذا العقول تقاصرت عن مدرك ... لم تتكل الا على أذواقها )
المعرفة اختراق المراتب الحسية والنفوس الجنسية والعقول القدسية والبروز إلى فضاء الأزل إذا فنى من لم يكن وبقى من لم يزل مع عمران المراتب ورؤية الجائز فى الواجب
( ومن عجب أنى احن اليهم ... وأسال شوقا عنهم وهم معى )
( وتبكيهم عينى وهم فى سوادها ... ويشكو النوى قلبى وهم بين أضلعى )
المعرفة مقام يأتلف من جمع مفروق وأفول وشروق وسل عروق ورد مسروق حتى يذهب الكيف والأين ويتعين العين فيجمع العدد ويجمل وينحى السوى ومع ذلك لا يهمل
( للعدا منك نصيب ... ولك السهم المصيب )
( أنما يومك يومان ... خصيب وعصيب )
المعرفة مقام سامى المنعرج عاطر الأرج ينقل من السعة إلى الحرج ومن الشدة إلى الفرج
( طريقك لا تخفى به إن تتبعت ... خطاك ولا يخفى مبيتك فيه )
( متاعك منشور على كل خيمة ... ورؤياك أمن من ترفع تيه )

المعرفة عين أن لم تبصر أجزاءها أحسن الله عزاءها وحقيقة أن لم يجعل الفراق إزاءها كانت الغيرة جزاءها فهى دائرة مركزها يجمع ومحيطها فى التفريق يطمع يستقل الملك أجمع ويرى من يرى ويسمع من يسمع
( بعد المحيط من المحدد واحد ... والكل فى حق الوجود سواء )
( والحق يعرف ذاته من ذاته ... صح الهوى فتلاشت الأهواء )
المعرفة صعود ونزول ووقوف ووصول فلا الوصول عن البداية يقطع ولا البداية عن النهاية تمنع
( من له الأمر اجمع ... كل ما شاء يصنع )
( حصل القصد واستقر ... فلم يبق مطمع ) العارف فى البداية يشكر الراكع والساجد ثم يعذر الواجد المتواجد ثم يرجم المنكر الجاحد فإذا انتهى ورد العدد إلى الواحد قال لسان حاله
( من رأى لى نشيدة ... أو على عينها أثر )
( فله الحكم قل له ... ذهب العين والأثر ) إلى أن قال قال الرئيس العارق هش بش بسام فيجل الصغير من تواضعه مثلما يجل الكبير ويبسط من الخامل مثلما يبسط من النبيه ثم علل فقال وكيف لا يهش وهو فرحان بالحق وبكل شىء فإنه يرى فيه الحق أنى لأجد ريح يوسف
( لمعت نارهم وقد عسعس الليل ... وضج الحادى وحار الدليل )
( فتأملتها وقلت لصحبى ... هذه النار نار ليلى فميلوا )

العارف شجاع وكيف لا وهو بمعزل عن هيبة الموت وجواد وكيف لا وهو بمعزل عن صحبة الباخل وصفاح وكيف لا ونفسه أكبر من أن تحرجها زلة بشر ونساء للأحقاد وكيف لا وذكره مشغول بالحق وقالوا من عرف الله تعالى صفا له العيش وطابت له الحياة وهابة كل شىء وذهب عنه خوف المخلوقين وأنس بالله رب العالمين
الشبلى ليس لعارف علاقة ولا لمحب شكوى ولا لعبد دعوى من عرف الله سبحانه انقطع بل خرس وانقمع لا أحصى ثناء عليك انت كما أثنيت على نفسك انتهى
72 - وقال رحمه الله تعالى فى بعض تراجم الروضة الفرع الصاعد إلى الهواء على خط الاستواء من رأس العمود القائم إلى منتهى الوجود الدائم ويشتمل على قشر لطيف وجرم شريف وأفنان ذوات الوان قنوان وغير قنوان وطلع نضيد وجنى سعيد فالقشر الحدود والرسوم وخواص العارف الذى هو المعروف بها والموسوم والفنون التى يقوم عليها والعلوم والجرم ظاهر الخلق المقسوم وعلاجه كما تعالج الجسوم وباطنه المجاهدات التى عليها يقوم وقلبه الرياضة والغصون المقامات فيها المقام المعلوم ومادتها السلوك الذى بتدريج غذائه تبلغ الأفنان والورقات ما تروم والزهرات اللوائح والطوالع والبواده التى لها الهجوم والواردات التى تدوم أو لا تدوم ثم الجنى وهو الولاية التى كان الغارس عليها يحوم انتهى ثم فصل الكل رحمه الله تعالى فليراجعه من أراده
73 - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما كتبه على لسان سلطانه للأمير يلبغا الخاصكى وهو إلى الأمير المؤتمن على أمر سلطان المسلمين

المقلد بتدبيره السديد قلادة الدين المثنى على رسوم بره لمقامه لسان الحرم الأمين الآوى من مرضاة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم إلى الربوة ذات القرار والمعين المستعين من الله تعالى على ما تحمله وأمله بالقوى المعين سيف الدعوة ركن الدولة قوام الملة مؤمل الأمة تاج الخواص أسد الجيوش كافى الكفاة زين الأمراء علم الكبراء عين الأعيان حسنة الزمان الأجل المرفع الأسنى الكبير الأشهر الأسمى الحافل الفاضل الكامل المعظم الموقر الأمير الأوحد يلبغا الخاصكى وصل الله له سعادة تشرق غرتها وصنائع تسح فلا تشح درتها وأبقى تلك المثابة قلادة الله تعالى وهو درتها
سلام كريم طيب بر عميم يخص إمارتكم التى جعل الله تعالى الفضل على سعادتها أمارة واليسر لها شارة فيساعد الفلك الدوار مهما أعملت إدارة وتمتثل الرسوم كلما أشارت إشارة
أما بعد حمد الله تعالى الذى هو يعلمه فى كل مكان من قاص ودان وإليه توجه الوجوه وأن اختلفت السير وتباعدت البلدان ومنه يلتمس الإحسان وبذكره ينشرح الصدر ويطمئن القلب ويمرح اللسان والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله العظيم الشان ونبيه الصادق البيان الواضح البرهان والرضى عن آله واصحابه وأحزابه أحلاس الخيل ورهبان الليل وأسود الميدان والدعاء لإمارتكم السعيدة بالعز الرائق الخبر والعيان والتوفيق الوثيق البنيان فانا كتبناه إليكم كتب الله تعالى لكم حظا من فضله وافرا وصنعا عن محيا السرور سافرا وفى جو الإعلام بالنعم الجسام مسافرا من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى دار ملك الأندلس دافع الله سبحانه عن حوزتها كيد العداة واتحف نصلها ببواكر النصر المهداة ولا رائد إلا الشوق إلى التعارف بتلك الأبواب الشريفة التى انتم عنوان كتابها المرقوم وبيت قصيدها المنظوم والتماس بركتها الثابتة الرسوم وتقرير المثول فى سبيل زيارتها بالارواح عند تعذره بالجسوم وإلى هذا فاننا كانت بين سلفنا تقبل الله تعالى جهادهم وقدس

نفوسهم وأمن معادهم وبين تلك الأبواب كما عرفتم من عدلها وإفضالها مراسلة ينم عرف الخلوص من خلالها وتسطع أنوار السعادة من آفاق كمالها وتلتمح من أسطار طروسها محاسن تلك المعاهد الزاكية المشاهد وتعرب عن فضل المذاهب وكرم المقاصد اشتقنا إلى أن نجددها بحسن منابكم ونواصلها بمواصلة جنابكم ونغتنم فى عودها الحميد مكانكم ونؤمل لها زمانكم فخاطبنا الأبواب الشريفة فى هذا الغرض مخاطبة خجلة من التقصير وجلة من الناقد البصير ونؤمل الوصول فى خفارة يدكم التى لها الأيادي البيض والموارد التى لا تغيض ومثلكم من لا تخيب المقاصد فى شمائله ولا تضحى المآمل فى ظل خمائله فقد اشتهر من حميد سيركم ما طبق الآفاق وصحب الرفاق واستلزم الإصفاق وهذه البلاد مباركة ما أسلف أحد فيها مشاركة إلا وجدها فى نفسه ودينه وماله وعياله والله سبحانه أكرم من وفى لأمرىء بمكياله والله عز و جل يجمع القلوب على طاعته وينفع بوسيلة النبى صلى الله عليه و سلم الذى نعول على شفاعته ويبقى تلك الأبواب ملجأ للإسلام والمسلمين وظلا لله تعالى على العالمين وإقامة لشعائر الحرم الأمين ويتولى إعانه امارتكم على وظائف الدين ويجعلكم ممن أنعم الله تعالى عليه من المجاهدين والسلام الكريم يخصكم وC تعالى وبركاته انتهى
74 - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى قوله فى قضية امتناع بعض الموثقين من أكل طعامه بمدينة سلا وقد صدر به كتابه المسمى ب مثلى الطريقة فى ذم الوثيقة وهذا نصه أما بعد حمد الله الذى قرر الحكم وأحكمه وبين الحلال من الحرام بما اوضحه من الأحكام وعلمه ونوع جنس المعاش وقسمه وماز كل نوع منه ووسمه فأثبته متفاوتا فى درجات التفضيل ورسمه والصلاة والسلام على مولانا محمد رسوله الذى فضله على الأنبياء وقربه وطهر من دنس الشبهات شيمه فما استعمله فى غير طاعته ولا استخدمه ولا أعمل فى سوى

البر والهدى بنانه ولا قدمه والرضى عن آله وأصحابه الذين رعوا ذممه واستمطروا ديمه وتواصوا من أجله بالبر وتواصوا بالمرحمة فهذا كتاب مثلى الطريقة فى ذم الوثيقة دعا إلى جمعه قلة الإنصاف من المداهن والمعاصر والمباهت فى مدرك النور الباصر ورضى مظنة النيل منهم بالباع القاصر والمناضلة عن الحمى الذى لم يؤيده الحق بالولى ولا بالناصر ولوضعه حكاية ولنفثته شكاية إذ معرفة الأشياء بعللها مما يتشوق إليه ويحرص عليه وهو أنى لما قدمت على مدينة فاس حرسها الله تعالى مستخلصا بشفاعة الخلافة ذات الإنافة مستدعى برسالة الإيالة ذات الجلالة فانسحب والمنة لله الستر وانفسح الفتر وشفع من النعم الوتر واقتدى المرؤوس بالرئيس وتنافس الأعلام فى التأنيس واتصل الاحتفاء والاستدعاء وانتخب الموعى والوعاء وأخذ أعقاب الطيبات الوضوء والطيب والدعاء تعرفت فيمن جمعته الأخونة والمداعى المتعينة برجل من نبهاء موثقيها غرنى بمخيلة البشاشة التى يستفز بها الغريب ويستخلص هوى من لم يعمل التجريب فأنست بمكانه واستظهرت على ما يعرض من مكتتب بدكانه وشأنى فى الاغتباط بمن عرفت شانى فلست للمقة بشانى واسترسالى حتى لمن أسا لى طوع عنانى
( أفادتكم النعماء منى ثلاثة ... ضميرى ويتلوه يدى ولسان )
ولم يك إلا أن حللت بمدينة سلا حرسها الله تعالى مقصود المحل وإن رغم الدهر الذى رمى فأقصد معتمدا بفتوحات الله تعالى وإن أرتج الباب بزعمه وأوصد مصحبا بمدد عنايته وإن كمن وارصد لا يمر فاضل الا عرج على مثواى واتى من البر فوق هواي وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وتعرفت عن صاحبى الفاسى أنه قدم علينا من سخر عملية فلا لها الدسر المنهوبة وتخللها المسبعة المرهوبة واغتذى الأطعمة التى مرقتها الدموع ومطبختها الحمى المروع واستقر بالمدينة بعد إن لان وضرع وجدل وصرع نافق البقلة كاسد الورع

ونزل بمثوى خمول ومحط مجهول وكنف ممقوت وجوار لا يبخل بغيبة ولا يسمح بقوت فبادرت استدعاءه بفاضل من الطلبة ممن يتلقى به الوارد ويقتاد الشارد وقد أغرب بقراءة الاحتفاء والاحتفال واجنب الإغفاء والإغفال وجهزت السرايا إلى التماس نعم الله تعالى فحلت الأنفال فلما عرض عليه الدعوة تعجزف ونفر ولما مسح عطفه بالاستنزال نزا وطفر حتى بهت الرسول كما بهت الذى كفر وآب يحمل عذرا باردا واحتجاجا شاردا فأقطعته جانب شماسه وخليت بينه وبين وسواسه ومن الغد قصدنى فاعتذر وأكثر الهذر ولم ينبت الله النبات الحسن شيئا مما بذر وكان جوابى اياه ما نصه
( أبيتم دعوتى إما لبأو ... وتابى لومة مثلى الطريقة )
( وبالمختار للناس اقتداء ... وقد حضر الوليمة والعقيقة )
( وغير غريبة ان رق حر ... على من حاله مثلى رقيقة )
( واما زاجر الورع اقتضاها ... ويابى ذاك دكان الوثيقة )
( وغشيان المنازل لاختيار ... يطالب بالجليلة والدقيقة )
( شكرت مخيلة كانت مجازا ... لكم وحصلت بعد على الحقيقة )
وذاع خبرها فقلبت عنها الجنوب وكلف بها الطالب والمطلوب وهش الى المراجعة عنها أحد الموثقين بسلا ممن يحوم حول حمى الإدراك ويروم درجة الاختصاص ببعض الفنون والاشتراك وله فى الأدب مساس وجلب الباس بما نصه
( رسولك لم يبن لى عن طريقه ... تقرب من حديقتك الأنيقة )
( فلا بأو لدى ولا إباء ... ولكن ساء فى الغرض الطريقة )
( وهب انى أسات فكم صديق ... تدلل واعتدى فجفا صديقه )

( فلا عجب فديت لرفق حر ... يسكن عند خجلته رفيقه )
( وانى فيك معتقد ولكن ... أرى الأيام حاقدة حنيقه )
( على ذى الود فيمن ود حتى ... يفارقه وان اضحى رفيقه ) فراجعته بما نصه لما أسلفته من جزاء مصاعه وكلت له بصاعه
( من استغضبت من هذى الخليقه ... بمغضبة بانكار خليقه )
( ولم يغضب فتيس أو حمار ... مجازا لا لعمرى بل حقيقه )
( بعثت بمرسل لك مع عتيقى ... فلم تطع الرسول ولا عتيقه )
( وطوقت السفير الذنب لما ... عجلت به ولم تبلعه ريقه )
( إمام جماعة وقريع تقوى ... ومبلغ حجة وحفيظ سيقه )
( فبؤت بها على الأيام داء ... عضالا لا تفيق عليه فيقه )
( وقد عارضت عذرك باعتراف ... فزدت مذمة تسم الطريقة )
( وهل بعد اعتراف من نزاع ... وهل بعد افتصال من وثيقه )
( ومن جهل الحقوق اطاع نفسا ... ببحر الجهل راسبه غريقه )
( ومنجى نيقة أمر بعيد ... اذا نصب المهندس منجنيقه )
فأمسك حينئذ وأقصر ورأى الأمر يطول فاختصر إلا أنه نمى لى عنه قوله ان دكان الوثيقة أن نافى الورع فبغير بلده وأذهلته لذة لدده عما هو بصدده فارتهنت له أن أنصر الدعوى بما يسلمه المنصف المساهل وينكره الأرعن الجاهل وتشد به المنازل والمناهل والمعالم والمجاهل مستندا إلى الحكم الشرعى والسنن المرعى والمشاهدة والحس وشهادة الجن والإنس

( ولو ترك القطا ليلا لناما ... )
والله يجعله موقظا من السنات وازعا عن كثير من الهنات وينفع فيه بالنية فإنما الأعمال بالنيات وها أنا أبتدىء وعلى الله الإعانة وبحوله وقوته الإفصاح والإبانة
قلت ينحصر الكلام فيه فى سبعة أبواب الباب الأول فى جواز الإجارة فيها عند العلماء الباب الثانى فى الشركة المستعملة بين أربابها الباب الثالث فى محلها من الورع ان سوغها الفقه الباب الرابع فى منزلتها من الصنائع والمهن الباب الخامس فى أحوال منتحليها من حيث العلم غالبا الباب السادس فى أحوالهم من جهة استقامة الرزق وانحرافه الباب السابع فى رد بعض ما يحتج به فيها انتهت الخطبة المقتطعة من تأليف لسان الدين رحمه الله تعالى
وهذا التأليف فى نحو كراسة وقال فى آخره ما صورته فان قيل ترك الأجر وقبول العوض فى هذا الأمر يدعو الى تعطيله فيفقد الناس منفعة هذه الطريقة وغناءها قلت الإنصاف فيها اليوم ان لو كان متوليها يرتزق من بيت المال وأموال المصالح والأوقاف التى تسع ذلك وحال الجماهير فى فقدانها والاضطرار اليها ورفع أمورهم بها الى السلطان ورغبتهم فى نصب من يتولى ذلك حالهم فى فقدان أئمة الصلاة فى المساجد الراتبة فى جريانه من بيت المال بعلة التزامهم وارتباطهم فقط حسبما نقل الإجماع فيه القاضى ابو بكر ابن العربى رحمه الله تعالى ومنع الارتزاق من غيره إجماعا وقد كان بالمدن المعتبرة من بلاد الأندلس جبرها الله تعالى ناس من أولى التعفف والتعين كبنى الجد بإشبيلية وبنى الخليل وغيرهم بغيرها يتعيشون من فضول أملاكهم ووجائب رباعهم ويقعدون بدورهم عاكفين على بر منتابين لرواية وفتيا يقصدهم الناس فى الشهادة فيجاملونهم ويبركون على صفقاتهم ويهدونهم الى سبيل الحق فيها من غير أجر ولا كلفة إلا الحفظ على المناصب وما يجريه السلطان من الحرمة

والتفقد فى الضرورة وما يهديهم الناس من الإطراء والتجلة والله سبحانه ينيلهم من الأجر والمثوبة وبلغنى اليوم ان حالها بمدينة سجلماسة ينظر الى هذا الحال من طرف خفى ولم يفسد بها كل الفساد وكذلك لم نزل نتعرف ان الأمر فى شانها بمدينة تونس أقرب وبعض الشر أهون من بعض ولو بقيت بحالها لوجب تقرير فضلها وتقريظ منتحلها فالصدق أنجى والحق عند الله احجى والله عز و جل يستعملنا فيما يرضيه ويلطف بنا فيما يجريه علينا من أحكامه وما يقضيه ويجعلنا ممن ختم له بالحسنى ويقربنا الى ما هو أقرب من رحمته وأدنى وصلوات الله على سيدنا محمد وآله وصحبه انتهى
وكتب على ظهر الورقه الأولى من هذا التأليف شيخ شيوخ شيوخنا الإمام الكبير المؤلف الشهير سيدي أحمد الونشريسى رحمه الله تعالى ما صورته الحمد لله جامع هذا الكلام المقيد هذا باول ورقة منه قد كد نفسه فى شىء لا يعنى الأفاضل ولا يعود عليه فى القيامة ولا فى الدنيا بطائل وأفنى طائفة من نفيس عمره فى التماس مساوىء طائفة بهم تستباح الفروج وتملك مشيدات الدور والبروج وجعلهم أضحوكة لذوي الفتك والمجانة وانتزع عنهم جلباب الصدق والديانة سامحه الله تعالى وغفر له قال ذلك وخطه بيمنى يديه عبيد ربه احمد بن يحيى بن محمد بن على الونشريسى خار الله سبحانه له انتهى ما ألفيته
وقد كان لسان الدين رحمه الله تعالى كثيرا ما يعرض ويصرح بهجو بعض أهل سلا أو كلهم حتى قال
( أهل سلا صاحت بهم صائحه ... غادية فى دورهم رائحه )
( يكفيهم من عوز أنهم ... ريحانهم ليست له رائحه )
والله المرجو للعفو عن الزلات
75 - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى خطبة كتابه فى المحبة الذى ما

ألف فى فنه أجمع منه ولنوردها فإن فيها دلالة على فضله وعظم قدر الكتاب وهى اللهم طيب بريحان ذكرك أنفاس أنفسنا الناشقة وعلل بجريال حبك جوانح أرواحنا العاشقة وسدد الى اهداف معرفتك نبال نبلنا الراشقة واستخدم فى تدوين حمدك شبا أقلامنا الماشقة ودل على حضرة قدسك خطرات خواطرنا الذائقة وابن لنا سبل السعادة التى جعلت فيها الكمال الأخير لهذه الأنفس الناطقة واصرفنا عند سلوكها عن القواطع العائقة حتى نأمن مخاوف أجبالها الشاهقة وأحزابها المنافقة وأوهامها الطارئة الطارقة وبرازخها القاسية الغاسقة فلا تسرق بضائعنا العوائد السارية السارقة ولا تحجبنا عنك العوارض الجسمية اللاحقة ولا الأنوار المغلظة البارقة ولا العقول المفارقة يا من له الحكمة البالغة والعناية السابقة وصل على عبدك ورسولك محمد درة عقود أحبابك المتناسقة وجالب بضائع توحيدك النافقة المؤيد بالبراهين الساطعة والمعجزات الخارقة ما أطلعت أفلاك الأدواح زهر أزهارها الرائقة وحدت قطار السحائب حداه رعودها السائقة وجمعت ريح الصبا بين قدود أغصانها المتعانقة
أما بعد فإنه لما ورد على هذه البلاد الأندلسية المحروسة بحدود سيوف الله حدودها الصادقة بنصر الله للفئة القليلة على الفئة الكثيرة وعودها وصل الله تعالى عوائد صنعه الجميل لديها وأبقاها دار ايمان الى ان يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ديوان الصبابة وهو الموضوع الذى اشتمل من أبطال العشاق على الكثير واستوعب من أقوالهم الحديثة والقديمة كل نظيم ونثير وأسدى فى غزل غزله وألحم ودل على مصارع شهدائهم من وقف وترحم فصدق الخبر المخبر وطمت اللجة التى لا تعبر وتأرج من مسراه المسك والعنبر وقالت العشاق عند طلوع قمره الله أكبر
( مررت بالعشاق قد كبروا ... وكان بالقرب صبي كريم )

( فقلت ما بالهم قال لى ... القى للحب كتاب كريم )
ولا غرو ان أقام بهذه الآفاق أسواق الأشواق وزاحم الزفرات فى مسالك الأطواق وأسال جواهر المدامع من بين أطباق تلك الحقاق وفتك نسيمها الضعيف العهد والميثاق بالنفوس الرقاق
( جنى النسيم علينا ... وما تبينت عذره )
( إذ صير الخلق نجدا ... والأرض أبناء عذره )
فوقع للحجة المصرية التسليم وقالت ألسنة الأقلام معربة عن ألسنة الأقاليم
( سلمت لمصر فى الهوى من بلد ... يهديه هواؤه لدى استنشاقه )
( من ينكر دعواي فقل عنى له ... تكفى امرأة العزيز من عشاقه )
فغمر المحافل والمجالس واستجلس الراكب واستركب الجالس يدعو الأدب الى مأدبته فلا يتوقف ويلقى عصا سحره المصري فتتلقف ما شئت من ترتيب غريب وتطريب من بنان أريب يشير الى الشعر فتنقاد اليه عيونه ويصيح بالأدب الشريد فتلبيه فنونه وانهى خبره للعلوم المقدسة ومدارك العز الموطدة المؤسسة سما به الجد صعدا الى المجلس السلطانى مقر الكمال ومطمح الأبصار والآمال حيث رفارف العز قد انسدلت وموازين القسط قد عدلت وفصول الفضل قد اعتدلت وورق أوراق المحامد قد هدلت مجلس السلطان المجاهد الفاتح الماهد المتحلى فى ريعان العمر الجديد والملك السعيد بحلى القانت الزاهد شمس أفق الملة وفخر الخلفاء الجلة بدر هالات السروج المجاهدة أسد الأبطال البارزة الى حومة الهياج الناهدة معشى الأبصار المشاهدة مظهر رضى الله تعالى عن هذه الأمة الغريبة عن الأنصار والأقطار من وراء أمواج

البحر الزخار باختياره لها واعتيامه وملبسها برود اليمن والأمان ببركة أيامه ومن أطلع الله تعالى أنوار الجمال من أفق جبينه وأنشا أمطار السماح من غمام يمينه وأجرى فى الأرض المثل السائر بحلمه وبسالته ودينه أمين الله تعالى على عهده الإسلام بهذا القطر وابن أمينه وابن أمينه فخر الأقطار والأمصار ومطمح الأيدى وملمح الأبصار وسلالة سعد بن عبادة سيد الأنصار ومن لو نطق الدين الحنيفى لحياة وفداه أو تمثل الكمال صورة ما تعداه مولانا السلطان الإمام العالم العامل المجاهد أمير المسلمين أبو عبد الله ابن مولانا أمير المسلمين ابى الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين ابى الوليد اسماعيل بن فرج بن نصر الأنصارى الخزرجى جعل الله تعالى ثغر الثغر مبتسما عن شنب نصره والفتح المبين مذخورا لعصره كما قصر آداب الدين والدنيا على مقاصير قصره وسوغه من أشتات مواهب الكمال ما تعجز الألسن عن حصره ولا زالت أفنان الأقلام تتحف الأقاليم بجنى فنون هصره فخصته عين استحسانه أبقاه الله تعالى بلحظة لحظ وما يلقاها إلا ذو حظ وصدرت الى منه الإشارة الكريمة بالإملاء فى فنه والمنادمة على بنت دنه وحسب الشحم من ذى ورم والله سبحانه يجعلنى عند ظنه ومتى قورن المثرى بالمترب أو وزن المشرق بالمغرب شتان بين من تجلى الشمس منه فوق منصتها وبين من يشره أفقه الغربى لابتلاع قرصتها لكنى امتثلت ورشت ونثلت ومكرها لا بطلا مثلث وكيف يتفرغ للتأليف ويتبرع للوفاء بهذا التكليف من حمل الدنيا فى سن الكهولة على كاهله وركض طرف الهوى بين معارفه ومجاهله واشترى السهر بالنوم واستنفد سواد الليل وبياض اليوم فى بعث يجهز وفرصة تنهز وثغر للدين يسد وأزر للملك يشد وقصه ترفع ووساطة تنفع وعدل يحرص على بذله وهوى يجهد فى عذله وكريم قوم ينصف من نذله ودين تزاح الشوائب عن سبله وسياسة تشهد للسلطان بنبله وإصابة نبله ما بين سيف وقلم وراحة وألم وحرب وسلم ونشر علم أو علم وجيش يعرض وعطاء

يفرض وقرض حسن لله تعالى يقرض فى وطن توافر العدو على حصره ودار به دور السوار على خصره وملك قصر الصبر والتوكل على قصره وعدد نسبته من العدد العظيم الطاقة الشديد الإضاقة نسبة الشعرة من جلد الناقة وبالله نستدفع المكروه واليه نمد الأيدي ونصرف الوجوه وسألت منه أيده الله تعالى القنوع بما يسره الوقت مما لا يناله المقت والذهاب بهذا الغرض لما يليق بالترب والسن ويؤمن من اعتراض الإنس والجن وما كنت ممن آثر على الجد الهزل واعتاض من الغزل الرقيق الغزل بشيمة الجزل ولا آنف من ذكر الهوى بعد ان خضت غماره واجتنيت ثماره وأقمت مناسكه ورميت جماره وما أبرىء نفسى ان النفس لأمارة فالهوى أول تميمة قلدتنى الداية والترب التى عرفتها فى البداية وانا الذى عن عروته نبت وبعثت الى الرصافة لأرق فذبت الى ان تبين الرشد من الغى وصار النشر الى الطى وتصايح ولدان الحى كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم كما من علي
( جزى الله عنى زاجر الشيب خير ما ... جزى ناصحا فازت يداي بخيره )
( ألفت طريق الحب حتى اذا انتهى ... تعوضت حب الله عن حب غيره )
حال السواد بحال الفؤاد وصوح المرعى فانقطعت الرواد ونهانى ازورار خيال الزوراء والتفات عاذل الشيب عن المقلة الحوراء وكيف الأمان وقد طلع منه النذير العريان يدل على الخبر بخبره وينذر بهاذم اللذات على أثره ولله در القائل
( دعتنى عيناك نحو الصبا ... دعاء يردد فى كل ساعة )
( فلولا وحقك عذر المشيب ... لقلت لعينيك سمعا وطاعه )
ولولا ان طيف هذا الكتاب الوارد طرق مضجعى وقد كاد يبدو الحاجب ويضيع من الفرض الواجب ويعجب من نوم الغفلة العاجب لجريت معه فى

ميدانه وعقدت بنانى ببنانه وتركت شانى وان رغم الشانى لشانه وقلت معتذرا عن التهويم فى بعض أحيانه
( أهلا بطيفك زائرا أو عائدا ... تفديك نفسى غائبا أو شاهدا )
( يا من على طيف الخيال أحالنى ... أتظن جفنى مثل جفنك راقدا )
( ما نمت لكن الخيال يلم بى ... فيجله طرفى فيطرق ساجدا )
ومن العصمة ان لا تجد هلا قبل المشيب ومع الزمن القشيب وقبل ان تمخض القربة وتبنى الخانقاه والتربة وتؤنس بالله الغربة وعلى ذلك فقد أثر وباء قلبى المعثر اللهم لا أكثر
( وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برق تألق موهنا لمعانه )
( يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرا متمنع أركانه )
( فبدا لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظرا اليه ورددت أشجانه )
( فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه )
وجعلت الإملاء على حمل مؤازرته أيده الله تعالى علاوة وبعد الفراغ من ألوان ذلك الخوان حلاوة وقلت أخاطب مؤلف كتاب الصبابة بما يعتمده جانب إنصافه ويغطى على نقص ان وقع فيه كمال أوصافه
( يا من أدار من الصبابة بيننا ... قدحا ينم المسك من رياه )
( وأتى بريحان الحديث فكلما ... سمح النديم براحة حياه )
( أنا لا أهيم بذكر من قتل الهوى ... لكن أهيم بذكر من أحياه )
وعن لى ان أذهب بهذا الحب المذهب المتأدى الى البقاء الموصل الى ذروة السعادة في معارج الارتقاء الذى غايته نعيم لا ينقضى أمده ولا ينفد مدده ولا يفصل وصله ولا يفارق الفرع أصله حب الله المبلغ الى قربه المستدعى لرضاه

وحبه المؤثر بالنظر الى وجهه ويا لها من غاية الملقى رحل المتصف به بعد قطع بحار الفناء على ساحل الولاية
وكنت وقفت من الكتب المؤلفة فى المحبة على جملة منها كتاب يشهده العوام ويستخفه الهوام ورسالة ابن واصل رسالة مهذارة تطفو من داره الى داره فى مطاردة هر وفارة وكتاب ابن الدباغ القيروانى كتاب مفرقع ووجه المقصود منه متبرقع وكتاب ابن خلصون وهو أعدلها لولا بداوة تسم الخرطوم وتناسب الجمل المخطوم فكنت بما ذكر لا اقنع وأقول ما أصنع فالله يعطى ويمنع
( قلت للساخر الذى ... رفع الأنف واعتلى )
( أنت لم تأمن الهوى ... لا تعير فتبتلى ) شعر
( وعذلت أهل العشق حتى ذقته ... فعجبت كيف يموت من لا يعشق )
ومن المنقول لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك
( بلانى الحب فيك بما بلانى ... فشانى ان تفيض غروب شانى ) أجل بلانى بالغرض الذى هو من القلوب سر أسرارها ومن أفنان الأذهان بمنزلة أزهارها ومن الموجودات وأطوارها قطب مدارها ليكون كتابى هذا المقدم على المأزق المهلك المتشبع بما لا يملك وان يقنع الاتصاف فعسى ان يشفع الإنصاف والاقتراف يدرؤه الاعتراف انا عند المنكسرة قلوبهم ولا تجود يد إلا بما تجد وكل ينفق مما آتاه الله
( وابن اللبون اذا ما لز فى قرن ... لم يستطع صوله البزل القناعيس )

وعسى الذى أنطق شوقا ان ينطق ذوقا والذى حرك سفلا ان يحرك فوقا والذى يسره مقالا ان يكفيه حالا
( فأول الغيث طل ثم ينسكب )
( الحرب اول ما تكون لجاجة )
( وان الحرب أولها الكلام )
نحمد الله سبحانه على الكلف بهذه الطريقة ( وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) فصلت وللأرض نصيب من كأس الكريم
( أليس قليلا نظره ان نظرتها ... اليك وكلا ليس منك قليل )
( فاتنى ان أرى الديار بطرفى ... فلعلى ارى الديار بسمعى )
وعلى ذلك فذهبت فى ترتيبه اغرب المذاهب وقرعت فى التماس الإعانة باب الجواد الواهب وأطلعت فصوله فى ليل طلوع نجوم الغياهب وعرضت كتائب العزيمة عرضا وأقرضت الله قرضا وجعلته شجرة وأرضا فالشجرة المحبة مناسبة وتشبيها وإشارة لما ورد فى الكتب المنزلة وتنبيها والأرض النفوس التى تغرس فيها والأغصان أقسامها التى تستوفيها والأوراق حكاياتها التى تحكيها وأزهارها أشعارها التى تحييها والوصول الى الله تعالى ثمرتها التى ندخرها بفضل الله ونقتنيها شجرة لعمر الله يانعة وعلى الزعازع متمانعة ظلها ظليل والطرف عن مداها كليل والفائز بجناها قليل رست فى التخوم وسمت

الى النجوم وتنزهت عن أعراض الجسوم والرياح الحسوم وسقيت بالعلوم وغذيت بالفهوم وحملت كمائمها بالزهر المكتوم ووفيت ثمرتها بالغرض المروم فاز من استأثر بجناها وتعنى من عنى بلفظها دون معناها فمن استصبح بدهنها استضاء بسناها ما أبعدها وما أدناها عينا ملأت الأكف بغناها كم بين أوراقها من قلب مقلب وفى هوائها من هوى مغلب وكم فوق أفنانها من صادح وكم فى التماس سقيطها من كادح وكم دونها من خطب فادح ولأربابها من هاج ومادح تنوعت أسماؤها ولم تتنوع أرضها ولا سماؤها فسميت نخله تهز وتجنى وزيتونه مباركة يستصبح بزيتها الأسنى وسدرة اليها ينتهى المعنى أصلها للوجود أصل وليس لها كالشجر جنس ولا فصل وتربتها روح ونفس عقل وشرفها يعضده بديهة ونقل يحط الهائمون بفنائها ويصعد السالكون حول بنائها تخترق السبع الطباق ببراقها وتمحى ظلم الحس بنور إشراقها فسبحان الذى جعلها قطب الأفلاك ومدافن الأضواء والأحلاك ومغرد طيور الأملاك وسبب انتظام هذه الأسلاك لم يحل فيها طريد بعيد ولا اتصف بصفاتها إلا سعيد ولا اعتلق بأوجها هاو فى حضيض ولا بمحض برهانها متخبط فى شرك نقيض ولا تعرض لشيم بوارقها متسم بسمة بغيض الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا ان هدانا الله ومنه نستزيد الاستغراق فى بحارها والاستنشاق لنواسم أسحارها والاستدلال بذرى أفنانها عليه والوصول بسبب ذلك اليه انه ولى ذلك سبحانه فطاب لعمرى المنبت والنابت وسما الفرع الباسق ورسا الأصل الثابت وفاءت الأفنان وزخرفت الجنان وتعددت الأوراق والزهرات والأغصان ولم اترك فننا إلا جمعت بينه وبين مناسبه ولا فرعا إلا ضممته الى ما يليق به واستكثرت من الشعر لكونه من الشجرة بمنزلة النسيم الذى يحرك عذبات أفنانها ويؤدى الى الأنوف روائح بستانها وهو المزمار الذى ينفخ الشوق فى يراعته والعزيمة التى تنطق مجنون الوجد من ساعته وسلعة ألسن العشاق وترجمان ضمير الأشواق

ومجتلى صور المعانى الرقاق ومكامن قنائص الأذواق به عبر الواجدون عن وجدهم ومشى المحبوب الى قصدهم وهو رسول الاستلطاف ومنزل الألطاف اشتمل على الوزن المطرب والجمال المعجب المغرب وكان للأوطان مركبا ولانفعال النفوس سببا فلا شىء أنسب منه للحديث فى المحبة ولا أقرب للنفوس الصبة واجتلبت الكثير من الحكايات وهى نوافل فروض الحقائق ووسائل مجالس الرقائق ومراوح النفوس من كد الأفكار واحماض مسارح الأخبار وحظ جارحة السمع من منح الاعتبار وبعض الجواذب لنفوس المحبين والبواعث لهمم السالكين وحجتها واضحة بقوله تعالى ( وكلا نقص عليك ) هود فى القرآن المبين ونقلت شواهد من الحديث والخبر تجرى صحاحها مجرى الزكاة من الآموال والخواطر من الأحوال ويجرى ما سواها من غير الصحيح مجرى الأمثال ليكون هذا الكتاب لعموم خيره مسرحا للفاره وغيره ويجد كل ميدانا لسيره وملتقطا لطيره ومحكا لغيره فمن فاق كلف باصوله ومن قصر قنع بفصوله ومن وصل حمد الله تعالى على وصوله وسميته روضة التعريف بالحب الشريف ويحتوى على أرض زكية وشجرات فلكية وثمرات ملكية وعيون غير بكية
والحب حياة النفوس الموات وعلة امتزاج المركبات وسبب ازدواج الحيوان والنبات وسر قوله عز و جل ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ) الانعام ليس كالحب الذى دون فيه المدونون ولعبت بكرة أقباسه صوالج الجنون وقاد الهوى أهله بحبل الهون وساقت فيه المنى للمنون حين نظرت النفوس من سفلى الجنبتين ورضيت الأثر عن العين وباعت الحق بالمين ولم تحصل إلا على خفى حنين وارحمتا لعشاق الصور وسباق ملاعب الهوى والهور لقد كلفوا بالزخارف الحائنة الحائلة والمحاسن الزائفة الزائلة وسلع الجبانة وبضائع الإهانة أزمان التمتع بهم قصيرة والأنكاد عليهم مغيرة فتراهم ما بين طعين بعامل

قد ومضرج بدم خد واسير ثغر قد أعوز فداؤه وسقيم طرف قد أعضل داؤه وما شئت من ليل يسهر ونداء به يجهر وجيوب تشق وبصائر تخطف ابصارها اذا لمع البرق ونواسم تحمل التحيات وخلع أيك تتلقى بخلع الأريحيات وربما اشتد الختل وأصابت النبل فكان الخبل قلوب اشتغلت عن الله فشغلها الله بغيره وهب الحب الجسمانى لا تبعث عليه شهوة بهيمية ولا تدعو اليه قوة وهمية أليست الداعية مرتفعة والباعثة منقطعة وصورة الحسن داثرة وأجزاؤه المتناظمة متناثرة أليس الجراب العنصرى عائدا الى أصله اليس الجنس مفارقا لفصله ولله در على رضى الله تعالى عنه وقد نظر الى قدح الماء وقد أراد ان يشرب وعن الاعتبار اعرب فقال كم فيك من خد أسيل وطرف كحيل فأواه مكررة مرددة ووالهفاة معادة مجددة على قلب أصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية على عروشها ويقول يا ليتنى لم أشرك بربى أحدا وحسبنا مرارة الفراق ذلا وفقد النقد قلا والغفلة عن الله شقاء محتوما والكآبة على الفائت شوما
( صدنى عن حلاوة التشييع ... اتقائى مرارة التوديع )
( لم يقم أنس ذا بوحشة هذا ... فرأيت الصواب ترك الجميع )
وان كانت الشهوة فاخسس بها داعية والى الفضيحة ساعية حسبك من حمار يعلن بنداء المحبة نهاقة ويقذفه على السباق اهتياجه الى السفاد واشتياقه أسير خبال وصريع مبال اولى له ثم اولى لو تأمل محاسن الحسوم ما أكذب رائدها المطري واخبث زخرفها المغري واقصر مدة استمتاعها وأكثر المساعى تحت قناعها
( على وجه مى مسحة من ملاحة ... وتحت الثياب العار لو كان باديا )
ما ثم إلا أنفاس تركد وتخبث وعلل تنشأ وتحدث وزخارف حسن تعاهد ثم

تنكث وتركيب يطلبه التحليل بدينه وياخذ أثره بعد عينه وأنس يفقد واجتماع كان لم يعقد وفراق ان لم يكن فكان قد
( ومن سره أن لا يرى ما يسوءه ... فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا )
( منغص العيش لا ياوى الى دعه ... من كان ذا بلد أو كان ذا ولد )
( والساكن النفس من لم ترض همته ... سكنى مكان ولم يسكن الى أحد )
وقلت وقد مات سكن عزيز على أيام التغرب بسلا عظم جزعى عليه
( يا قلب كم هذا الجوى والخفوت ... ذماءك استبق لئلا يفوت )
( فقال لا حول ولا قول لى ... قد كان ما كان فحسبى السكوت )
( فارقنى الرشد وفارقته ... لما تعشقت بشىء يموت )
والزمان لا يعتبر وحاصله خبر والحازم من نظر فى العواقب نظر المراقب وعرف الإضاعة ولم يجعل الحلم بضاعة انما الحب الحقيق حب يصعدك ويرقيك ويخلدك ويبقيك ويطعمك ويسقيك ويخلصك الى فئة السعادة مما يشقيك ويجعل لك الكون روضا ومشرب الحق حوضا ويجنيك زهر المنى ويغنيك عن أهل الفقر والغنى ويخضع التيجان لنعلك ويجعل الكون متصرف فعلك ليس الا الحب ثم الوصل والقرب ثم الشهود ثم البقاء بعدما اضمحل الوجود فشفيت الآلام وسقط الملام وذهبت الأضغاث والأحلام واختصر الكلام ومحيت الرسوم وخفيت الأعلام ولمن الملك اليوم والسلام فالحذر الحذر أن يعجل النفس سيرها ويفارق القفص طيرها وهى بالعرض الفانى متثبطة وبنائى الثقيل مرتبطة وبصحبة الفانى مغتبطة ( أن تقول نفس

يا حسرتا على ما فرطت فى جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ) الزمر وفى ذلك قلت
( أعشاق غير الواحد الأحد الباقى ... جنونكم والله أعيا على الراقى )
( جننتم بما يفنى وتبقى مضاضة ... تعذب بين البين مهجة مشتاق )
( وتربط بالأجسام نفسا حياتها ... مباينة الأجسام بالجوهر الراقى )
( فلا هى فازت بالذى علقت به ... ولا رأس مال كان ينفعها باقى )
( فراق وقسر وانقطاع وظلمة ... قنى البعد من نيل السعادة يا واقى )
( كأنى بها من بعد ما كشف الغطا ... صريعة أحزان لديغة أشواق )
( تقلب كفيها بخيط موصل ... رشيقة قد دون سبعة أطباق )
( فلا تطعموها السم فى الشهد ضلة ... فذلك سم لا يداوى بدرياق )
( بما اكتسبت تسعى الى مستقرها ... فأما بوفر محسب أو بإملاق )
( وليس لها بعد التفرق حيلة ... سوى ندم يذرى مدامع آماق )
( ولو كان مرمى الحزن منها الى مدى ... لهان الأسى ما بين وخد وإعناق )
( فجدوا فان الأمر جد وشمروا ... بفضل ارتياض او بإصلاح أخلاق )
( ولا تطلقوا فى الحس ثنى عنانها ... وشيموا بها للحق لمحة إشراق )
( ودسوا لها المعنى رويدا وأيقظوا ... بصيرتها من بعد نوم وإغراق )
( ومهما أفاقت فافتحوا لاعتبارها ... مصاريع ابواب واقفال أغلاق )
( وعاقبة الفانى اشرحوا وتلطفوا ... بأخلاقها المرضى تلطف إشفاق )
( فان سكرت واستشرفت عند سكرها ... لماهية المسقى ومعرفة الساقى )
( أطيلوا على روض الجمال خطورها ... الى ان يقوم الوجد فيها على ساق )
( وخلوا لهيب الشوق يطوي بها الفلا ... الى الوجد فى مسرى رموز وأذواق )
( فما هو إلا أن تحط رحالها )
( بمثوى التجلي والشهود بإطلاق )

( وتفنى اذا ما شاهدت عن شهودها ... وقد فنى الفانى وقد بقى الباقى )
( هنالك تلقى العيش تضفو ظلاله ... وتنعم من عين الحياة برقراق )
( وما قسم الأرزاق إلا عجيبة ... فلا تطرد السؤال يا خير رزاق ) وقد أخذ الكلام فى هذا الافتتاح حده وبلغ النهر مده فلآخذ أثر هذا الذى سردت فى تقرير ما أردت وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت واليه انيب فنقول ينقسم هذا الموضوع الى أرض وشجر غض وكل منها ميسور جده وفن على حدة ما شئت من مرأى ومستمع فمن شاء أفرد ومن شاء جمع فلنبدأ بالأرض والفلاحة والتكسير والمساحة وتعيين حدود تلك الساحة ثم نأتى بالشجرة التى نؤمل جناها وننظر إناها ونجعل الزاد المبلغ معناها قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون
برنامج هذا الكتاب الذى يحصر الأجناس والفصول ويرد الفروع الى الأصول ويسر الباحث عن مسائله بسبب الوصول بحول الله وقوته خطبة الأعراس وتوطئة الغراس وتنحصر فى جملتين
الجملة الأولى فى صفة الأرض وأجزائها وجعل الاختيار بإزائها وفيها رتب
الرتبة الأولى رتبة الأطباق المفروضة والاعتبارات المعروضة وفيه مقدمة وأطباق
المقدمة فى تعيين الأرض المذكورة
الطبق الأول طبق القلب
الطبق الثانى طبق الروح
الطبق الثالث طبق النفس
الطبق الرابع طبق العقل
الرتبة الثانية رتبة العروق الباطنة والشعب الكامنة وفيها فصول

الفصل الأول فى العروق المعدنية
الفصل الثانى فى المقررات العينية
الفصل الثالث فى المدبرات البدنية
الفصل الرابع فى البحوث البرهانية
الجملة الثانية فى صفة الفلاحة والعمل المتكفل فيها بنيل الأمل وفيها اختيارات
الاختيار الأول فيما يصلح للاعتمار من هذه الأرض وفيه فصول
الفصل الأول فى أرض النفس المطمئنة
الفصل الثانى فى أرض النفس الأمارة
الفصل الثالث فى أرض النفس اللوامة
الاختيار الثانى فى محركات العزيمة لاعتمار هذه الأرض الكريمة وفيه فصول
الفصل الأول فى الجذب وما يتصل بذلك
الفصل الثانى فى الوعظ المثمر لليقظة
الفصل الثالث فى ذم الكسل
الاختيار الثالث يشتمل على جلب الماء لسقى هذه الأرض من عين العلم فى جدولى العقل المحرر والنقل المقرر وفيه مقدمة فى فضل العلم وتعدد أجناسه وفصول
الفصل الأول فى جدول العقل
الفصل الثانى فى جدول النقل
الفصل الثالث فى مقدار الماء المجلوب للفلح المطلوب
الفصل الرابع فى غبار التكوين وسبب التلوين

الاختيار الرابع فى الحرث وإخراج لبن هذه الفلاحة من بين الدم والفرث وفيه أقسام
اولها القليب الأول
ثانيها القليب الثانى الذى عليه المعول
ثالثها فى سكة الازدراع والتعمير وهو مظنة التثمير
الاختيار الخامس فى تنظيف الأرض المعتمرة من الأرض الخبيثة والجدر المعترضة والشعب المذمومة وفيه فصول
الفصل الأول فى إزالة شكوك تسبق الى المعتقد غالبا
الفصل الثانى فى قلع الشجر التى تضر بهذه الأرض وتعاديها بالطبع
الاختيار السادس فى أمور ضرورية تلزم لهذه الفلاحة وفيه فصول
الفصل الأول فى أمراض يشرع فى علاجها مما يرجع لطبع الأرض ومزاجها
الفصل الثانى فى اختيار أنواعها وأجزائها
الفصل الثالث فى أقوال تليق بأفحاص الفلاح وإصحاره عند ملاحظة عجائب الكون وآثاره
الفصل الرابع فى الوقت المختار لغراسة الأسباب فى الحب اللباب وتنحصر فى مقدمة علمية وجرثومة جرمية المقدمة العلمية فى ترتيب المحبة والمعرفة الجرثومة الجرمية تنقسم الى بيان يعطى الصورة ويشرح الضرورة والى بطن وظهر وسر وجهر وباسط وبرزخ واسط فالباطن الشرع والنقل وينقسم الى أصول
الأصل الأول الكلام فى النبوة من حيث النقل
الأصل الثانى فى الإيمان والاعتبار العامى
الأصل الثالث فيما يتبع ذلك من اليقظة والتوبة فى حق غير المحتاج الى ذلك

الأصل الرابع فى تقرير العناية والتوفيق فى حق غير المحتاج الى ذلك
الأصل الخامس فى الموعظة والسماع من حيث تهذيب الجميع والظاهر الطبع والعقل وينقسم الى أصول
الأصل الأول جزء الفلسفة العلمى والعملى
الأصل الثانى سلامة الفطرة فى حق المستغنى عن ذلك
الأصل الثالث فى معرفة الجمال والكمال
الأصل الرابع فى الاعتبار الخاصى
الأصل الخامس السلوك بالفكر
الأصل السادس فى التشبيه بالمبدإ الأول باسط الذكر الباسط والبرزخ الواسط الصاعد من التخوم الى النجوم وهو من أخص الأشياء بباطن الشجرة وأصولها المعتبرة ويشتمل على مقدمة وثلاثة أصول
الأصل الأول الأدعية والأذكار وله عشر شعب
الأصل الثانى أصل الأسماء وهى أصول الأرض والسماء وله تسع وتسعون شعبة
الأصل الثالث أصل السيمياء وهو الذى عفن بعضه وبقى الانتفاع ببعضه
العمود المشتمل على القشر والعود والجنى الموعود ينقسم قسمين قشر وخشب ودر مخشلب والقشر ظاهر يكسر ويخذو وباطن ينمى ويغذو فظاهره الذى يكسر ويخذو يتضمن الكلام فى المحبة وأقسامها من حيث اللسان لا من حيث نوع الإنسان وباطنه الذى ينمى ويغذو يتضمن الثناء على المحبة طبعا وعقلا وشرعا ونقلا
الخشب الذى يتخذ منه النشب ينقسم الى أقسام
القسم الأول فى الحدود والمعرفات والأسماء الدالة عليها والصفات
القسم الثانى معقول معناها المتجلى فيه نور سناها

القسم الثالث ارتباطها بالمقامات واختصاصها فيها بالكرامات
القسم الرابع تبيين ضروريتها وإيضاح مزيتها
الفرع الصاعد فى الهواء على خط الاستواء من رأس العمود القائم الى منتهى الوجود الدائم ويشتمل على قشر لطيف وجرم شريف
القشر الحدود للمعرفة والرسوم وخواص العارف الذى هو المعروف بها والموسوم وينقسم الى فصول
الفصل الأول فى حدود المعرفة ورسومها وما قيل فيها
الفصل الثانى فى أوصاف العارف
الفصل الثالث فى تفضيل العارف
الفصل الرابع فى علوم العارف
والجرم الشريف من الفرع المنيف ينقسم الى ظاهر وباطن وقلب فالظاهر ينقسم الى أقسام الكلام فى الأخلاق ومنشئها وطباعها بحسب القوى النفسانية وإفراطها وتفريطها واعتدالها وعلاجها وفيه المجاهدات
والباطن يتضمن الكلام فى أن النظر الى وجه الله تعالى هو السعادة الكبرى بكل نظر واعتبار
والقلب قلب الغصن يتضمن الرياضة والسلوك على المقامات كلها ويتفرع منه عشرة غصون
الغصن الأول غصن فروع البدايات
الغصن الثانى غصن فروع الأبواب
الغصن الثالث غصن فروع المعاملات
الغصن الرابع غصن فروع الأخلاق
الغصن الخامس غصن فروع الأصول
الغصن السادس غصن فروع الأدوية

الغصن السابع غصن فروع الأحوال
الغصن الثامن غصن فروع الولايات
الغصن التاسع غصن فروع الحقائق
الغصن العاشر غصن فروع النهايات ولكل فروع أوراق ويلحق به صورة السلوك بالذكر حتى يتاتى الوصول وعلى المقصود الحصول والكلام على زهرات الطوالع واللوائح والبواده والواردات ونختم بالجنى المقترن بنيل المنى وهى الولاية
تفرع ضخام الغصون من شجرة السر المصون وهى
غصن المحبوبات وأقسامها وتنقسم إلى أربعة أفنان
الفن الأول فن الرب المحبوب
الفن الثانى فن العبد المحبوب
الفن الثالث فن الدنيا المحبوب
الفن الرابع فن الآخرة المحبوبة
غصن المحبين وأصنافهم المرتبين ينقسم الى مقدمة بيان وستة أفنان
الفن الأول فى رأى الفلاسفة الأقدمين
الفن الثانى فى رأى أهل الأنوار والإشراقيين
الفن الثالث فى رأى الحكماء الإسلاميين
الفن الرابع فى رأى المكملين بزعمهم المتممين
الفن الخامس فى أهل الوحدة المطلقة من المتوغلين
الفن السادس فى الصوفية سادة المسلمين
غصن علامات المحبة وشواهد النفوس الصبة وينقسم إلى ثلاثة أفنان
الفن الأول فيما يرجع إلى حقوق المحبوب
الفن الثانى فيما يرجع إلى باطن المحب

الفن الثالث فيما يرجع إلى ظاهره
غصن اختيار المحبين فى ميدان جهادهم وتباين أحوال أفرادهم وهو ثلاثة أفنان
الفن الأول فن المجاهد الصريح
الفن الثانى فن المنبت الجريح
الفن الثالث فن الصريع الطريح
جوائح الشجرة ومضار فلاحتها المعتبرة وينقسم الى جوائح من نسبتها بالنظر إلى مائها وتربتها وإلى ما هو راجح إلى الخواطر وهى على عدد الرياح وإلى ما سببه غفلة الفلاح عذر الطائر الصادح على فرض القادح ووجود الهاجى والمادح
صورة الشجرة ذات الحسن الباهر والجنى والأزاهر وآثارها للحسن الظاهر بفضل المريد القاهر لا إله إلا هو سبحانه له الحمد انتهت الخطبة التى تدل على ما وراءها
وقال رحمه الله تعالى فى آخر هذا الكتاب ما نصه ونختم الكلام فى هذه الشجرة والاستدلال على شرف هذه الفلاحة الضمنية بهذه الأبيات
( فلاحتنا لها القدح المعلى ... وسرحتنا الضمينة للنجاح )
( ألست ترى منادي الخمس نادى ... بمختلف الجهات أو النواحي )
( يردد فى الأذان لكل واع ... على الآذان حي على الفلاح )
وهذا طائر على الشجرة صادح ولاحق كادح ومعتذر أن قدح قادح وتعارض هاج ومادح قال المؤلف ولا بد لنا من درى صادح على هذه الأفنان وشاد يهيج أشجان الجنان ويثير شجو الرأفة والحنان ويبين مجال الضرورة لذوى الاتصاف بكرم الأوصاف والناظرين إلى الهنات بعيون الإنصاف فيرحم من قد كان شره النقد ويعذر من تشوف لاستضعاف هذا القصد

والأعذار التى تقرر عنا هذا الطائر عديدة ومبدئه فى الصدق معيدة وقريبة من الحق لا بعيدة فمنها أن هذا الفرض اليوم بأكثر الأرض ميدان عدم فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله من يجيل كما يحب جوادا ونفير لا يجيبه إلا من يكثر سوادا قد طمست الأعلام وسقط الحمد والملام وما لجرح بميت إيلام فمدلول هذا الفن بهذه التخوم عنقاء مغرب وإكسير يحدث عنه غير واصل ولا مجرب إنما يرجع فيه إلى كتب مقفلة وأغراض مغفلة وما عسى أن يعول المسكين مثلى على قاصر إدراكه مع اقتسام باله واشتراكه قصر العلم والعمل فاختلط المرعى والهمل وأخفق المسعى وخاب الأمل ومنها شواغل الدنيا التى اختطفت من المكاتب وموهت بالمراتب ولقبت بالوزير والكاتب وأقامت العبد الذى لا يملك شيئا مقام العاتب ومن كان بهذه المثابة وأن عد يقظا حازما ونحريرا عالما فأنما هو غريق وتائة لا يبدو له طريق ولا ينساغ له ريق ولا يطفأ ببرد اليقين منه حريق ولا يربع عليه من قصاد الله تعالى فريق ونستغفر الله فالذى ألهم لهذه العيوب يتكفل بإصلاح القلوب ومكاشفة الغيوب وأن كانت النفوس للحق جاحدة فما أمرى إلا واحدة
( لا تعجبن لطالب نال العلا ... كهلا وأخفق فى الزمان الأول )
( فالخمر تحكم فى العقول مسنة ... وتداس أول عصرها بالأرجل )
ومنها الاشتغال بالهذر عن العلم والنظر منذ أزمان عديدة ومدد مديدة فلم يبق مما حصل وإليه مما فى الزمان القديم توصل إلا رسم بلقع وسمل ما له مرقع ومنها أننى لم أنتدب إلى هذا الوظيف الذى قل من يتعاطاه ويثير قطاه ويقتعد مطاه من تلقاء نفس جاهلة ببعد مداه ومطل جداه ومطالبة مدعية بما كسبت منه يداه فلا يتجاوز طوره ولا يتعداه وإن طالب الحق من شرط وصوله سلب فصوله وحاله موته وانقطاع حسه فضلا عن صوته

لكنى خضت على عدم السباحة غمرا وامتثلت مع سقوط الاستطاعة أمرا وجئت بما فى وسعى انقيادا وامتثالا ومثلت مثالا فضرورتي بفضل الله تعالى مشروحة والدعوي عن كتفى مطروحة وعلى ذلك فقد علم الذى يعلم الأسرار ويقرب الأبرار ويقيل العثار ويقبل الأعذار أن مدة الاشتغال به لم تجاوز شهرين اثنين بين كتب وكتم وابتداء وختم مع ما يتخلل الزمان من حمل لو رمى به رضوى لتدعدع أو أنزل على ثبير لخشع من خشية الله تعالى وتصدع مداراة عدو قد تكالب على الإسلام وسياسة سواد صم عن الملام وتعدى حدود النهى والأحلام وارتقاب هجوم جيش الآجال وراية الشيب من الأعلام وقد انذر بالفجر انقشاع الظلام وكاد يصعد الخطيب فينقطع الكلام جعلت لنقله حصة من جنح الظلام الغاسق والليل الواسق وعاطيت حمياه نديم الغارق وتعرضت لاقتناص خياله الطارق وسرقته من أيدي الشواغل والليل معين السارق ولم يعمل فيه عبد القيس نظرا معادا ولا أنجز من تصحيحه علم الله تعالى ميعادا إنما هو كراس يفرغ من تسويده رجراج الحبر مختلط الترب بالتبر فيدفع ملموم الماسخ إلى يد الناسخ وكلفة المتثاقل إلى كف الناقل وتقذف صحيفته من الزبرة إلى الصاقل إذ كان الآمر أيده الله تعالى ونفعه حريصا على تعجيل المعارضة ومتحريا سبيل الشرع فى هذه المصارفة والمقارضة والجفن المشرق يعلن بالتبريح وينتظر مساعدة الريح فمن وقف عليه من فاضل أنار الله بصيرته وجبل على الإنصاف سيرته أو من كان من أهل الله الذى يعلم إن ما سوى الله تعالى ظل وفىء ويتحقق معنى قوله ( ليس لك من الأمر شىء ) فقد أوجب الإنصاف إن يمحو اقترافى باعترافى ويغطى أوصافى بإنصافى والرحماء يرحمهم الرحمن وقد عذر القنبرة سليمان ومع

الاستسلام الأمان ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا بأس إن يعرض بتلك الأخونة الخصيبة المثوى والمروج والحمل والفروج وفى السماء البروج وفى الأرض الفروج والأعرج يستندر منه العروج ونمد الأيدي المستعملة فى التقصير إلى الولى النصير والناقد البصير اللهم استر بسترك فضائحنا المخلفة وقبائحنا المجمعة المؤلفة فهو كله تحويم حول حماك ودندنة يا كريم بباب رحماك وزند أنت قدحته وتألق بارق أنت الحته فصل السبب يا واصل الأسباب واجعلنا ممن تذكر فنفعته الذكرى وما يتذكر إلا أولو الألباب اللهم دل نفوسنا الحائرة على عين الخبر واجذبها إلى المؤثر بزمام الأثر اللهم اجبر الضالة المثقلة الظهر وارفع عنها ملكه القهر وحيطة الدهر والسفر من بلد السر إلى بلد الجهر اللهم أعلق بعروة الحق أيدينا الخابطة وأظفر بعدو الهوى عزائمنا المرابطة اللهم أوصل سببنا بسببك واحملنا إليك بك لا إله إلا أنت وصل على عبدك ونبيك محمد خاتم النبيين والمرسلين وآله والصحابة أجمعين انتهى
وقال رحمه الله تعالى آخر بعض تراجم هذا الكتاب ما صورته خاتمة تشتمل على إشارات ونختال من الحق فى شارات قال بعض من يطأ بمطية السلوك حمى الملوك وينقض زوايا الغيوب عن المطلوب ببصر بصائر القلوب شهدت أصناف المحبين والعشاق على اختلاف البلاد وتباين الآفاق لا أدرى أقال كشفا وشهودا أو فرضا أو وجودا أو يقظة أو هجودا وقد ركضوا مطايا الأشواق وضربوا آباطها بعصى المشارب والأذواق وتزودوا ازواد الحقائق وودعوا أحباب العوائد والعلائق وتساهلوا فى المحبوب اعتراض العوائق وتفاضلوا فى اختيار الجواد واقتحام المضايق والطرق إلى الله تعالى عدد أنفاس الخلائق فمن خابط عشواء ومسقط أهواء يقول
( يا ليت أنى أوقد النارا ... فإن من يهواك قد حارا )

فيجيبه الصدى
( ومن طلب الوصول لدار ليلى ... بغير طريقها وقع الضلال )
ومثبت بحيث لا يبدو علم ولا يقتص خف ولا قدم فى مفازة وجود من حلها عدم وهو يصيح
( بأبى وأمى والذى ملكت يدي ... أفدي الذى يهدي الطريق اللاحبا ) ثم يقول
( ولقد سريت اليك لكن حين لم ... يكن الدليل أجل قصد السالك )
ومن طاو نفد زاده وفرغ مزاده قد استسلم وعجز أن يتكلم ولسان حاله ينشد
( إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا ... ندمت على التفريط فى زمن البذر )
وراكض يقطع الدو ويعرف الجو يثبت الأعلام الخافية ويقصد الموارد الصافية والظلال الضافية حادية أمله ودليله علمه والراحلة عمله ينشد بأعلى صوته
( قرب اللقاء فكيف لا ترتاح ... للقاء سكان الحمى الأرواح ) وفرانق يركض البريد ويصحب التفريد بلغ الطية وأناخ المطية قبل وصول الرفقة البطية
( سرى سلخ شهر فى فواق حلوبة ... فلله ما أناى سراه وما أدنى ) ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا ) الكهف وقلت
( نهضوا وقد جن الدجى وتخالفت ... سبل الردى فمسد دون وضلل )

( سلنى عن المنبت حين تقطعت ... أسبابه تيها ولا من يسأل )
( قوم سطت بهم السباع وفرقه ... عطشوا وأين من الظماء المنهل )
( لفح الهجير وجوههم بسعيره ... فتهافتوا ببلاله وتعللوا )
( وجماعة ركبوا المفاوز دائما ... عثروا على أثر فشط المنزل )
( وركائب جعلوا الدليل أمامهم ... وسروا ففازوا بالذى قد أملوا )
( والليل متلفة ومدرجة الهوى ... لا يستقل بها المطى الذلل )
( والواصلون هم القليل وكيف لا ... قفر ومسبعة وليل أليل )
( يا رحمة للعاشقين تفحموا ... خطر النوى وعلى الشدائد عولوا )
( طارت بهم أشواقهم فعقولهم ... معقولة عن شأنها لا تعقل )
( عذرا لكم يا أهل عذرة شأنكم ... سلمت فيه لكم فقولوا وافعلوا )
حتى إذا خرجوا إلى قضاء القدر المشترك وافلت من أفلت من الشرك وسلم من قتيل المعترك واشرفوا بركاب الآمال على ثنيه الجمال زعقوا بإزاء الباب ونادوا من وراء الحجاب
( كل كنى عن شوقه بلغاته ... ولربما أبكى الفصيح الأعجم )
وأوصلوا رقاع شكواهم بسر هواهم وبرزوا صفا واستظهروا بشفعائهم التى ظنوا أنها لا تخفى ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) الزمر وقد تعينت ألاوصاف وتميزت وانتبذت الأصناف وتحيزت والعشاق نجت وسلمت مذ علمت منهم الصفوة والمجان والحرافيش والبهلوان ممن يعول على ذراعه وملء كمته وصواعه وطول باعه وصلابة طباعه وسلاطة لسانه وامتزاج إساءته بإحسانه شأنه البحث عن المحبوب مع الشروق والغروب والتوصل إلى وصله المطلوب بالحركة الرشيقة واللفظ الخلوب ومن اتسم بإذاعة الأسرار وصحبه الشرار

واللسان المهذار حسب من الأغيار ومنهم بذاة ليس لهم إلا المنادمة أدة تعذر عليهم تميز المحبوب فغلطوا وعكفوا على تنزيهه فافرطوا
( ربما ضر عاشق معشوقا ... ومن البر ما يكون عقوقا )
وغلبت على سجيتهم السلامة ولم تنلهم لعدم الموصل والمعرف الملامة وليس للقبول عليهم علامة ومنهم من شعاره الحشمة ولزيمه العفاف والعصمة أولو الحياء والوقار والكتم للأسرار ومخالطة الأبرار والتوسل إلى المحبوب بالافتقار وصفاء الضمائر من الأكدار لا تختلجهم الشواغل ولا يطرق شرابهم الواغل أغنتهم الشواهد عن الدعوى وأصمتهم الرضى عن الشكوى وتقسمت معاملاتهم الآداب وصح منهم إلى مراتب المراقبة الانتداب والناقد بصير وكلام النيات قصير ومنهم المغلوب الحال المحمول من فوق الرحال رقص وشطح وسكر فافتضح فهو بلخ الرفقة وملوع الحرقة دعنى وعبدي بلخ فانه يضحكنى سبع مرات فى اليوم ومنهم من لم يأخذه نعت ولا تعين له فوق ولا تحت ولا حمد ولا مقت ولا حين ولا وقت لو نطق لقال أنا المعدوم الموجود والشاهد المشهود ( ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ) هود
( قضى وصلها لى وابتلاكم بحبها ... وهل يأخذ الإنسان غير نصيبه )
ولم يكن إلا أن خرجت الرقاع وفضلت البقاع ( ووفيت كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون ) آل عمران
فكان فى رقعة طائفة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا

فيوحى بإذنه ما يشاء ) الشورى قلدتم العقل وله طور ورأيتم الحركات لا يتناهى لها دور وعالم الجزئيات لا يسبر له غور وحور المعاد فى بعض الفروض لا يكون له كور ويا شر ما أصبحتم فى المعاد الأول تعتقدونه أن جعلتم التصرف فى عالم الملك لمن دونه قفوا مكانكم ولوموا أنفسكم ودعوا شأنكم
وكان فى أخرى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) الحديد أساطين الحكمة المشرقية وفراش الأنوار الحقيقية دعونا من استكثار الأنوار واحتشاد الأطوار الحق نور إرشاد لا يطيق حسن ذاته إلا من ركب ظهر شتاته فارفعوا الكلف واذكروا مجرى من تقدم وسلف
وكان فى أخرى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون ) الأنعام لم تتركوا البراهين على أصلها ولا ناسبتم جنس هذه الموضوعات بفصلها وأثرتم شغبا طويلا وأوسعتم المتشابه تأويلا ولم تعتمدوا من العقل دليلا ولا وقفتم فى مجازات العقول قليلا وهولتم باصطلاح غيركم تهويلا وادعيتم الشهود ولم يجعل الله تعالى فى الاحتجاج به إلا للأنبياء سبيلا وبنيتم الحقائق على قياس ونظر من غير عين للعقل والنقل ولا أثر
( رب خل أدار فى اعتقادا ... لم أكن قبله عرفت بفنه )
( حكمت نفسه على علم غيبي ... جعل الله باطنى عند ظنه )
وعسى أن تكونوا ممن أخطأ فى اجتهاده فأثيب واستغفر فسمع لا

تثريب فثمرتكم صحيحة والمقاصد من التبعة مريحة إذا كانت صريحة ولولا الافتيات لوضحت فى ميدان السبق لكم الشيات لكن شانكم الهذيان وقلبت منكم بضعفائكم من المتأخرين الأعيان كابن قسى وابن برجان فتبراوا من أتباعكم المطيفة وأحزابكم المخيفة وأخلصوا فعل الأنصار يوم قتال بنى حنيفة وحبذا الحكم المقتدى ومن يهد الله فهو المهتدى واكبحوا الألسن عن طلاقتها وذلاقتها ولا تكلفوا العقول فوق طاقتها فلا بد من توقيف وتسليم وفوق كل ذي علم عليم وإذا محيتم فاثبتوا أو نطق إنسان فاسكتوا ولا ترضوا أن تكتبوا مع الذين كبتوا ولكم الحظ السنى والوصل الهنى
وكان فى أخرى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ) الأنبياء ذهب بوجودكم العدم وابتلع حدوثكم القدم ورضيتم بالإشراف فى الاستشراف والتوغل لزيم الانحراف ومن جعل الحس وهما فقد كابر العيان ظلما والعقل الذى غلطكم هو آلة حكمكم وأداة علمكم والعوالم أوثق من أن تكون تمويه راقش والوجود المطلق أبسط من أن يصير أبا براقش ثم ما لكم والتبجح والتشبع والتعقب والتتبع ولم يغن العراك ووقع فى ثمرتكم الاشتراك فالفيلسوف يتحد بالعلة القريبة من الخلق ثم يتلاشى فى ذات الحق والحكيم يجوز إلى عين الحق رتبة الفناء المطلق والمتشرع قد

عضده ونصره كنت سمعه وبصره وإن كان معظم القول الهذر ففيكم بعد نظر
وكان فى أخرى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) العنكبوت أنتم الأحباب ولكم يفتح من الجنان الأبواب ركبتم ظهور الأعمال وركب غيركم ظهور الآمال وفزتم بسحب الأذيال ومن دونكم يحوك عناكب الخيال فبدايتكم الأساس الوثيق الذى يبنى عليه التحقيق ونهايتكم إليها ينتهى الطريق وبها يحط فريق الله تعالى ونعم الفريق أولكم المقرب المدرب وأوسطكم الفرد المعرب وآخركم الولي المقرب حضرتم بذكر محبوبكم حتى غبتم فهنيئا لكم طبتم حواس مسدودة وخيوط أفكار كلها ممدودة ومشاهد مشهودة ومغلطات تتجاوز حراسها وقواطع معترضة بحل مراسها إلى أن لا توجد تقية ولا تبقى بقية عند تجلى المعالم الخفية لو اشتمل العلم على عملكم لكان الكل من هملكم بحيث تتعين المراتب وتتميز وتتقرر المشارب وتتحيز فلا يعترض قاطع إلا وقد علم شانه وتعين وقته ومكانه ولا تمثل غاية إلا ودرجها محدودة ومراحلها معدودة ومشاهدها قبل دخول الطريق مشهودة فهناك تطوى المراحل ويلوح فى اللمحة القريبة الساحل ويأمن طول الطريق الواصل
وكان فى رقعة المحبين الذين قربوا قبل هذا اليوم وأدخلوا من بعد ما تخيروا للاصطفاء وانتخلوا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض

والله سميع عليم ) آل عمران أنتم الأحباب ولباب الألباب وبوساطتكم اتصلت بين النفوس وبين الحق الأسباب لولاكم لم يفتح الباب فلا يصل إلا من أوصلتم ولا يحجب إلا من قطعتم وفصلتم أنتم الرعاة والخلق الهمل وأنتم الدعاة لمن يريد نيل الأمل مهدت لكم سرر القرب تمهيدا وبعثتم إلى الناس ليوحدوا الله توحيدا ( ولتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) البقرة فطوبى لمن أصاخ منكم إلى ندا واستضاء بنور هدى صلوات الله عليكم أبدا أنتم أولو الألوية المعقودة والعساكر المحشورة المحشودة ورؤساء أهل المحبة وأدلاء مبتغى الوسيلة والقربة ومسالككم قد بينتها الصحف المنزلة والملائكة المرسلة ودخلت على العذارى خدورها وعمت السماء وبدورها وأغنت عن تقرير نحلها المكاتب المائجة بالصبيان والسنن المعقودة لها حلق التبيان والقواعد المفترضة على الأعيان والخزائن المرصوصة بعلوم الأديان ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ) المائدة وقيل لأتباعهم من الجمهور وأقطاب فلكهم المشهور على قدر أتباعكم مناقل أبواعكم وبحسب أقتدائكم يكون سماع ندائكم والمهاد لمن وثره ( ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) الزلزلة وتأخيركم فى التوقيع هو التقديم وساقى القوم آخرهم شربا مثل قديم قال المخبر فرأيت وجوههم قد تهللت ونواسم المسرات نحوهم قد أقبلت ومن سواهم من خالص وزائف بين راج وخائف وسمعت أن طائفة استدعيت بحث حفى وأدخلت من باب خفى قيل لهم هم أصحاب الخبر المكتوم وأرباب المقام غير المعلوم جعلنا الله تعالى منهم برحمته
( ولولا الحب ما قطعوا الفيافى ... ولولا الحب ما قطعوا البحارا )
( فدعهم والذى ركبوا إليه ... وبحثا عن خلاصك واختبارا )

( فلا تشغل بحب ديار ليلى ... ولكن حب من سكن الديارا ) وقال قبل هذه الخاتمة بعد كلام كثير ما نصه وقد أتينا على ما شرطنا من تقرير ما أمكن من هذه الآراء وهم ما بين سابق للخيرات ومقتصد وظالم لنفسه ومع ذلك مخبون وعلى آثار الحبيب مكبون ما كل طريق توصل ولا كل تجارة على الربح تحصل ومن العشاق مهجور ومطرود وموصل وموعود ومغبوط ومحسود ومحروم ومجدود ومرحوم ومردود
( يا غايتى ولكل شىء غاية ... والحب فيه تأخر وتقدم )
( قل لى بأي وسيلة يحظى بما ... يرجوه غيرى من رضاك وأحرم )
ورقة ولكل دائرة مفروضة وهالة حول قمر الحق معروضة تعود الخطوط من محيطها المسدد إلى مركزها المحدد فالفيلسوف يروم التشبث بالعلة الأولى ويعنى بها ذات الحق أو أن يتحد بالثانية وهى مرآة وجه الحق والإشراقى يروم التجوهر بنور الأنوار المعبر عنه بالحق والاتصال به إما بواسطة من الحق أو بغير واسطة من الحق والحكيم أن يؤديه فكره إلى الحق ثم يفنى فى الحق ثم يبقى بالحق والمتشرع أن يجن فى جنة الحق ويحصل على جوار الحق وينظر إلى جوار الحق وصاحب الوحدة المطلقة أن يكون المتفرق عين الحق فسبحان الحق المعبود بالحق الموجد الجمع فى الفرق لا إله إلا هو وزيد فى هذا المحض الذى كثر فى قربه الدعداع وطال على الرؤوس منه الصداع ما تفرد له المقالة المختصرة والعناية الميسرة بحول من لا حول ولا قوة إلا به انتهى
وقال رحمه الله تعالى فى عد ما عدد من فرق الاعتزال ما نصه

( الحب حركهم لكل جدال ... والحب أقحمهم على الأهوال )
( والحب قاطع بينهم وأضلهم ... عن نيل ما راموه كل ضلال )
( والحب أنشأ فيهم عصبية ... بالقيل أضرم نارها والقال )
وأنما استكثرنا من ذكرهم عبرة لمن تأمل حركات هذا الفراش المختلف الآراء عن ذبال الحق يبتغون إليه الوسيلة قوم بالطاعة وقوم بالمعصية وما منهم إلا مدع فى المحبة متهالك حريص على السعادة بزعمه ( وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة ) الغاشية ممن قصد الحق فأخطأه وأراد الصواب فضل عنه واشتهر بالحكمة بعد فى الملة الإسلامية جماعة بالمشرق والأندلس فمن المشارقة أبو الفرج ويعقوب الكندي وحنين بن إسحاق وثابت بن قرة فكان عندهم مباشرتها من حيث الترجمة والمزاولة إلى أن قال ومن أهل الأندلس محمد بن مسعدة السرقسطى واحمد بن طاهر الطرطوشي ويحيى بن عمران القرطبى وطفيل بن عاصم وكليب بن همام البياسى والحسن بن حرب الدانى وابن مسرة ومسلمة المجريطى وأبو بكر ابن الصائغ وأبو بكر ابن طفيل وأبو الوليد ابن رشد وكل هؤلاء المتقدمين والمتأخرين محب عاشق مستهلك قال الشاعر
( وعلى أن أسعى وليس ... على إدراك النجاح )
( حيارى يميد بهم شجوهم ... كأنهم ارتضعوا الخندريسا )

( إذا لم يكن عون من الله للفتى ... أتته الرزايا من وجوه الفوائد ) ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) هود ( فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ) الأعراف ( قل سيروا فى الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) ( قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ) الأنعام والخلق قد مدوا أبصارهم وآمالهم وتحركوا طوعا وكرها يعشون إلى نور الله تعالى فمن أعمى أصم لا يسمع ولا يبصر وأعمى فقط يجتزىء عن العيان بالمخبر وأحول يبصر الشىء شيئين والواحد اثنين كما قال الشاعر
( أحوى الجفون له رقيب أحول ... الشىء فى إدراكه شيئان )
( فيلوح فى عينى منه واحد ... ويلوح فى عينيه منه اثنان )
( يا ليته ترك الذى أنا مبصر ... وهو المخير فى الحبيب الثانى )
وضعيف لا يبصر من بعيد وأجهر لا يبصر من قريب وأعشى تكثر فى عينيه الأشعة وربما تندر وزرقاء اليمامة
( سبحان من قسم الحظوظ ... فلا عتاب ولا ملامة )
( أعشى وأعمى ثم ذو ... بصر وزرقاء اليمامة )
( لولا استقامة من هداه ... لما تبينت العلامة )
( ومجاور الغرر المخيف ... له البشارة بالسلامه )
أقام سبحانه الحجة وفرق بين الأمر والإرادة وأعطى الكفاية من القدرة ( فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ) الحديد اقتصرنا من هذا البحر

على نقطة ومن هذا الودق على قطرة
( ومن يسد طريق العارض الهطل ... )
( عد الحصى والقطر ليس يرام ... )
وذكرنا الرسل والأنبياء والأتباع ذكرا من غير تبويب ولا تعيين لشياع آرائهم والعلم بمقاصد مللهم وأغراض دعواتهم من توحيد الله تعالى وتنزيهه وصفاته وأسمائه وكيف يحشر الناس ليوم لا ريب فيه ( ولتجزى كل نفس بما كسبت ) الجاثية وتعليم طرق النجاة وإيضاح سبيل الله تعالى والتحذير من الغفلة عمن إليه الرجعى وله الآخرة والأولى والتخويف من كل ما يقطع عنه والترغيب فيما يوصل إليه وشأن الرياضة والتدريج فى أحوالها حتى تنتقل من الظواهر إلى البواطن وتسرى فى الخلف من السلف والندب إلى الاقتصار على الضرورة والقناعة بالبلاغ وتبين الرسم فيها والتعيين لحدودها قد تضمنت ذلك كله آيات الله التى تكفل بحفظها وسنة رسوله التى قيض مناخل الصدق لتصحيح نقلها فالمكاتب والمنة لله تعالى مائجة والمدارس حافلة فما لنا والإطالة فى الموجود الذائع والمشهور الشائع
( والشمس تكبر عن حلى وعن حلل )
( فهى الدراري فى التقليد بالدرر )
ما أغنى الشمس عن مدح المادح تحصيل الحاصل عناء ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) التوبة
فلنذكر بعض أرباب الآراء من قريب وبعيد وخلق جديد على صورة

المثال المفروض وليكون كعرض الحبوب الذى تجزىء منه الحفنة عن الجفنة والقربة عن القرية ونقتصر على اليسير لإقامة الترتيب وإحكام التبويب وليرى الواقف عليه أننا قد نفضنا الزوايا ورشفنا الروايا وإمتككنا العظام واستقصينا النظام حرصا على نشيدة الحق أن تعقل وعلى الطباع أن تنقل وعلى المرائى الصدئة أن تصقل وعلى صورة النجاة أن تمقل ونسأل الله تعالى هداية توصل إليه لا إله إلا هو الرحمن الرحيم انتهى
وقال رحمه الله تعالى فيما قبل هذا الكلام بكلام ما صورته غصن المحبين وأصنافهم المرتبين ويشتمل على مقدمة بيان وستة أفنان
فالمقدمة فنقول أصناف المحبين والعشاق كثير وهباء نثير وجراد أثارها مثير بحيث يشق إحصاؤهم ولا يتاتى استقصاؤهم
( فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى ... قتيلك قالت أيهم فهم كثر ) ثم مد النفس بما لا يقتضى المقام الاختصاري ذكره فى هذا الموضع
وقال رحمه الله تعالى فى بعض تراجم الروضة وهى الخاتمة التى تنبه النفوس الصبة على حكم المحبة ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ) الأنفال بعد كلام ما صورته فقر فى معنى هذه الخاتمة فيها حكم تنثال وتجرى مجرى الأمثال
المحبة بحر بعيد الشط وخط والفناء منتهى الخط ( إنا عرضنا الأمانة ) إلخ الأحزاب
المحبة مهوى بعيد ومجال وعد ووعيد مرجل يغلى ثم خيال يولي وليس له حد عليه يعول
المحبة ظهر لا يركبه من يرى الموت فيتنكبه ولا يعلوه من يأتى

إلى وادى الفناء فيسلوه ( إن الله مبتليكم بنهر ) البقرة كم قصمت المحبة من ظهر وكم سر صيرت إلى جهر أولها العار المشهور وآخرها الطى المنشور ثم الموت ثم النشور ( وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب ) الزمر
المحبة أنس يستدرج ثم شوق يلجم ويسرج ثم فناء يزعج عن الوجود ويخرج
( على قدر أهل العزم تأتى العزائم )
المحبة كاس كم جردت من كاس وآس من شمه لم يجد من آس
( متى أرتجى يوما شفائى من الضنى ... إذا كان من يجنى على طبيبي )
تزاحم أنفاس المحبين على خطرات الصبا تزاحم الهباء على مطارح شعاع الدبا فلولا بليلها لالتهبت وتعليل عليلها لتلك الأرماق لذهبت
( عليلة فى حواشى مرطها بلل ... يهدى لكل عليل منه إبلال )
المحبة رقة ثم فكرة مسترقة ثم ذوق يطير به شوق ثم وجل لا يبقى معه طوق ثم لا تحت ولا فوق
( أينما كنت لا أخلف رحلا ... من رآنى فقد رآنى ورحلى )
الهوى هوان وحمام له ألوان دمع ساجم ووجد هاجم وهيام لا يبرح ثم وراءه ما لا يشرح قال
( بمن جن وهل فى الورى ... ما يبعث الخبل سوى حبه )
من اقتحم بحر الهوى هوى لا تدخل فى بحر الهوى حتى تشاور صبرك وتجاور قبرك فان كنت منا أو فرح بسلام
الهوى طريق ولسلوكه فريق الزاد سر مكتوم ووفاء معلوم

( وللميادين أبطال لها خلقوا ... وللدواوين حساب وكتاب )
الحب حج ثان لا يثنى نفس المريد عنه ثان طريقة التجريد وزاده الذكر وطوافه المعرفة وإفاضته الفناء ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ) البقرة
الغرام صعب المرام والدخول فيه حرام ما لم يكن فيه شروط كرام من عرف ما أخذ هان عليه ما ترك ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ) القصص ظهر الهوى طريقا سهلا فكثر التائهون جهلا
( إذا لم يكن عون من الله للفتى ... أتته الرزايا من وجوه الفوائد ) والعكس
( قد يخبأ المحبوب فى مكروهها ... من يخبأ المكروه فى المحبوب ) وقال الشيخ
( هو الحب فاسلم بالحشا ما الهوى سهل ... فما اختاره مضنى به وله عقل )
( وعش خاليا فالحب راحته عنا ... واوله سقم وآخره قتل )
( نصحتك علما بالهوى والذى أرى ... مخالفتى فاختر لنفسك ما يحلو )
( فمن لم يمت فى حبه لم يعش به ... ودون اجتناء النحل ما جنت النحل )
طريق القوم مبنية علىالموت وإليه الإشارة بقوله موتوا قبل أن تموتوا بيدى لا بيد عمرو وقال بعضهم رأيت رب العزة فقلت يا رب بم أصل اليك قال فارق نفسك وتعال

( رفض السوى فرض على العين ... لا تخلطن الحق بالمين )
( والأين والكيف سوى ظاهر ... فاستغن عن كيف وعن أين )
الخشب الذى يتخذ منه النشب ينقسم إلى أقسام وأجزاء جسام القسم الأول فى الحدود والمعرفات والأسماء الواقعة والصفات
وللسان الدين رحمه الله تعالى فى المواعظ اليد الطولى قال فى الروضة فى الفصل الثانى فى محركات العزيمة وهى اليقظة ما نصه قلت والمحركات المشتركات فى باعث اليقظة كثيرة منها الوعظ السائق بمقود الشارد عن الله تعالى إلى مربط التوبة ومحرك العزيمة يردد أذانه على نوام أهل الكهف وقد ضرب نوم الغفلة على آذانهم حتى يحول بينهم وبين أذانهم ويركبهم ظهر الرياضة التى تلحقهم بالمجذوبين من إخوانهم ولما كان حب الدنيا هو المانع عن الشروع فى إطلاق العمل والقاطع به بعده لم يجد أساة خبل الهوى وجنون الكسل أنجع من رقى العذل والتأنيب وتقبيح المحبوب سيما إذا انزعجت نبال نبله عن حنيات ضلوع الصدق وقال بعضهم الكلام إذا خرج من القلب دخل القلب
( أوقد النار من رسالة ليلى ... واحذر السيل بعدها من دموعى )
ولا تعدل الوعظ البليغ باللسان الفصيح والقلب القريح فإذا رأيت الأرض قد اهتزت وربت وهضاب القلوب القاسية قد تقلبت فشمر للغراس والزراع عن الذراع واغتنم السراع والإسراع
( إذا هبت رياحك فاغتنمها ... فإن لكل عاصفة سكونا )
( حفر لها ماء يريها بدأة ... واضمن لها حوضا وإن لم تحفر )
( واربأ بنفسك عن تسامح بائع ... واغنم إذا سامتك شهوة مشترى )
قالوا الوعظ يضرب وجه النفس عن التثبط فى بساط اللذات وينقل

خطواتها عن الخطو فى ملعب الخطيئات ويمثل لها الصبر عيانا ويبين العواقب المحجوبة بيانا وينشىء سحاب الحزن فى أجواف أجزائها ويذكرها بمآلها وانتهائها ويعرض عليها مصارع فنائها وخراب بنائها وفراق حبائبها وأبنائها عند نزول هاذم اللذات بفنائها فترجع إلى الله تعالى بحكم الاضطرار أفكارها وتخشع من خيفة الله تعالى وجلاله أبصارها
والوعظ يكون بلسانين ويوجد فنين لسان حال ولسان مقال وربما كان لسان الحال ابلغ وهو يسمع من القبور الموحشة والقصور الخالية والعظام البالية وفيه حكايات وأخبار ولسان المقال كقوله سبحانه وتعالى ( وسكنتم فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال ) إبراهيم وهو سبيل الله تعالى التى بعث بها النبيين وضمن فصولها الكتاب المبين والسوط الذى يحمل على الأوبة ويسوق ذود المتطهرين إلى غدير التوبة ونحن نجعله هينمة بين يدي الفراسة لتزكية النفوس إن صدق حكم الفراسة فمن ذلك ما صدر عنى على لسان واعظ
الحمد لله الولى الحميد المبدىء المعيد البعيد فى قربه من العبيد القريب فى بعده فهو أقرب من حبل الوريد محيى ربوع العارفين بتحيات حياة التوحيد ومغنى نفوس الزاهدين بكنوز احتقار الافتقار إلى العرض الزهيد ومخلص خواطر المحققين من سجون دجون التقييد إلى فسح التجريد نحمده وله الحمد المنتظمة درره فى سلوك الدوام وسموط التأبيد حمد من نزه أحكام وحدانيته وأعلام فردانيته عن مرابط التقليد ومخابط الطبع البليد ونشكره شكر من افتتح بشكره ابواب المزيد ونشهد أنه الله الذى لا إله إلا هو شهادة نتخطى بها معالم الخلق إلى حضرة الحق على كبد التفريد ونشهد أن محمدا عبده ورسوله قلادة الجيد المجيد وهلال العيد وفذلكة الحساب وبيت القصيد المخصوص بمنشور الإدلال

واقطاع الكمال بين مقام المراد ومقام المريد الذى جعله السبب الأوصل فى نجاة الناجى وسعادة السعيد وخاطب الخلائق على لسانه الصادق بحجتى الوعد والوعيد فكان مما أوحى به إليه وأنزل الملك به عليه من الذكر الحميد ليأخذ بالحجز والأطواق من العذاب الشديد ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) ق الى قوله حديد صلى الله عليه وعلى آله صلاة تقوم ببعض حقه الأكيد وتسرى إلى تربتة الزكية من ظهور المواجد الجائية على البريد
( قعدت لتذكير ولو كنت منصفا ... لذكرت نفسى فهى أحوج للذكرى )
( إذا لم يكن منى لنفسى واعظ ... فيا ليت شعرى كيف أفعل فى الأخرى )
آه أي وعظ بعد وعظ الله تعالى يا أحبابنا يسمع وفى ماذا وقد تبين الرشد من الغي يطمع يا من يعطى ويمنع إذا لم تقم الصنيعة فماذا نصنع اجمعنا بقلوبنا يا من يفرق ويجمع ولين حديدها بنار خشيتك فقد استعاذ نبيك صلى الله عليه و سلم من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع اعلموا رحمكم الله أن الحكمة ضالة المؤمن يأخذها من الأقوال والأحوال ومن الجماد والحيوان وما أملاه الملوان فإن الحق نور لا يضره أن يصدر من الخامل ولا يقصر بمحموله احتقار الحامل وانتم تدرون انكم فى أطوار سفر لا تستقر لها دون الغاية رحله ولا تتأتى معها إقامة ولا مهلة من الأصلاب إلى الأرحام إلى الوجود الى القبور الى النشور إلى إحدى داري البقاء أفى الله شك فلو أبصرتم مسافرا فى البرية يبنى ويفرش ويمهد ويعرش ألم تكونوا تضحكون من جهله وتعجبون من ركاكة عقله

ووالله ما أموالكم ولا أولادكم وشواغلكم عن الله التى فيها اجتهادكم إلا بقاء سفر فى قفر أو إعراس فى ليلة نفر كأنكم بها مطرحة تعبر فيها المواشى وتنبو العيون عن خبرها المتلاشي ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ) الانفال ما بعد المقيل إلا الرحيل ولا بعد الرحيل إلا المنزل الكريم أو المنزل الوبيل وانكم تستقبلون أهوالا سكرات الموت بواكر حسابها وعتب أبوابها فلو كشف الغطاء عن ذرة منها لذهلت العقول وطاشت الألباب وما كل حقيقة يشرحها الكلام ( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) فاطر أفلا أعددتم لهذه الورطة حيلة وأظهرتم للاهتمام بها مخيلة اتعويلا على عفوه مع المقاطعة وهو القائل فى مقام التهديد ( إن عذابى لشديد ) إبراهيم أأمنا من مكره مع المنابذة ( فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ) الاعراف أطمعا فى رحمته مع المخالفة وهو يقول ( فسأكتبها للذين يتقون ) الاعراف أمشاقة ومعاندة ( ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب الحشر أشكا فى الله فتعالوا نعيد الحساب ونقرر العقد ونتصف بدعوة الحق أو غيرها من اليوم تفقد عقد العقائد عند التساهل بالوعيد فالعامى يدمي الإصبع الوجعة والعارف يضمد لها مبدأ العصب
( هكذا هكذا يكون التعامى ... هكذا هكذا يكون الغرور )
( يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ) يس وما عدا عما بدا ورسولكم الحريص عليكم الرؤوف الرحيم يقول لكم الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانى فعلام بعد هذا المعول وماذا يتأول اتقوا الله سبحانه فى نفوسكم وانصحوها واغتنموا فرص الحياة واربحوها ( أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت فى جنب الله وأن كنت لمن الساخرين )

الزمر وتنادي أخرى ( هل إلى مرد من سبيل ) الشورى وتستغيث أخرى ( يا ليتنا نرد فنعمل غير الذى كنا نعمل ) الاعراف وتقول أخرى ( رب ارجعون ) المؤمنون فرحم الله من نظر لنفسه قبل غروب شمسه وقدم لغده من أمسه وعلم أن الحياة تجر إلى الموت والغفلة تقود الى الفوت والصحة مركب الألم والشبيبة سفينة تقطع إلى ساحل الهرم
وأن شاء قال بعد الخطبة إخوانى ما هذا التوانى والكلف بالوجود الفانى عن الدائم الباقى والدهر يقطع الأمانى وهاذم اللذات قد شرع فى نقض المبانى ألا معتبر فى عالم هذه المعانى ألا مرتحل عن مغابن هذه المغانى
( ألا أذن تصغى إلى سميعه ... احدثها بالصدق ما صنع الموت )
( مددت لكم صوتى فأواه حسرة ... على ما بدا منكم فلم يسمع الصوت )
( هو القدر الآتى على كل أمة ... فتوبوا سراعا قبل أن يقع الفوت )
يا كلفا بما لا يدوم يا مفتونا بغرور الوجود المعدوم يا صريع جدار الأجل المهدوم يا مشتغلا ببنيان الطرق قد ظهر المناخ وقرب القدوم يا غريقا فى بحار الأمل ما عساك تعوم يا معلل الطعام والشراب ولمع السراب لا بد أن تهجر المشروب وتترك المطعوم دخل سارق الأجل بيت عمرك فسلب النشاط وأنت تنظر وطوى البساط وانت تكرب واقتلع جواهر الجوارح وقد وقع بك النهب ولم يبق إلا أن يجعل الوسادة على أنفك ويقعد
( لو خفف الوجد عنى ... دعوت طالب ثاري )
( كلا إنها كلمة هو قائلها ) المؤمنون كيف التراخى والفوت مع الأنفاس ينتظر كيف الأمان وهاجم الموت لا يبقى ولا يذر كيف الركون الى الطمع الفاضح وقد صح الخبر من فكر فى كرب الخمار تنغصت عنده

لذة النبيذ من احس بلغط الحريق فوق جداره لم يصغ بصوته لنغمه العود من تيقن بذل العزلة هان عليه ترك الولاية
( ما قام خيرك يا زمان بشره ... أولى لنا ما قل منك وما كفى )
أوحى الله سبحانه الى موسى صلوات الله وسلامه عليه أن ضع يدك على متن ثور فبعدد ما حاذته من شعره تعيش سنين فقال يا رب وما بعد ذلك قال تموت قال يا رب فالآن
( رأى الأمر يفضى الى آخر ... فصير آخره أولا )
إذا شعرت نفسك بالميل الى شىء فاعرض عليها غصة فراقه ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ) الانفال فالمفروح به هو المحزون عليه اين الأحباب مروا فيا ليت شعري اين استقروا استكانوا والله واضطروا واستغاثوا بأوليائهم ففروا وليتهم إذا لم ينفعوا ما ضروا فالمنازل من بعدهم خالية خاوية والعروش ذابلة ذاوية والعظام من بعد التفاضل متشابهة متساوية والمساكن تندب فى أطلالها الذئاب العاوية
( صحت بالربع فلم يستجيبوا ... ليت شعرى اين يمضى الغريب )
( وبجنب الدار قبر جديد ... منه يستسقى المكان الجديب )
( غاض قلبى فيه عند التماحى ... قلت هذا القبر فيه الحبيب )
( لا تسل عن رجعتى كيف كانت ... أن يوم البين يوم عصيب )
( باقتراب الموت عللت نفسى ... بعد إلفى كل آت قريب )
أين المعمر الخالد اين الولد اين الوالد اين الطارف اين التالد اين المجادل اين المجالد ( هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ) مريم وجوه علاهن الثرى وصحائف تفض وأعمال على الله تعرض بحث الزهاد

والعباد والعارفون والأوتاد والأنبياء الذين يهدى بهم العباد عن سبب الشقاء الذى لا سعادة بعده فلم يجدوا إلا البعد عن الله تعالى وسببه حب الدنيا لن تجتمع أمتى على ضلالة
( هجرت حبائبى من أجل ليلى ... فما لي بعد ليلي من حبيب )
( وماذا أرتجي من وصل ليلى ... ستجزى بالقطيعة عن قريب )
وقالوا ما أورد النفس الموارد وفتح عليها باب الحتف إلا الأمل كلما قومتها مثاقف الحدود فتح لها أركان الرخص كلما عقدت صوم العزيمة أهداها طرف الغرور فى أطباق حتى وإذا ولكن وربما فأفرط القلب فى تقليبها حتى أفطر
( ما أوبق الأنفس إلا الأمل ... وهو غرور ما عليه عمل )
( يفرض منه الشخص وهما ما له ... حال ولا ماض ولا مستقبل )
( ما فوق وجه الأرض نفس حية ... إلا قد انقض عليها الأجل )
( لو أنهم من غيرها قد كونوا ... لامتلأ السهل بهم والجبل )
( ما ثم إلا لقم قد هيئت ... للموت وهو الآكل المستعجل )
( والوعد حق والورى فى غفلة ... قد خودعوا بعاجل وضللوا )
( اين الذين شيدوا واغترسوا ... ومهدوا وافترشوا وظللوا )
( اين ذوو الراحات زادت حسرة ... إذ جنبوا إلى الثرى وانتقلوا )
( لم تدفع الأحباب عنهم غير أن ... بكوا على فراقهم وأعولوا )
( الله فى نفسك أولى من له ... ذخرت نصحا وعتابا يقبل )
( لا تتركنها فى عمىوحيرة ... عن هول ما بين يديها تغفل )
( حقر لها الفانى وحاول زهدها ... وشوقها الى الذى تستقبل )
( وفد الى الله بها مضطرة ... حتى ترى السير عليها يسهل )

( هو الفناء والبقاء بعده ... والله عن حكمته لا يسأل )
( يا قرة العين ويا حسرتها ... يوم يوفى الناس ما قد عملوا )
يا طرداء المخالفة إنكم مدركون فاستبقوا باب التوبة فان رب تلك الدار يجير ولا يجار عليه فإذا أمنتم فاذكروا الله كما هداكم يا طفيلية الهمة دسوا أنفسكم بزمر التائبين وقد دعوا إلى دعوة الحبيب فإن لم يكن أكل فلا أقل من طيب الوليمة قال بعض العارفين اذا عقد التائبون الصلح مع الله تعالى انتشرت رعايا الطاعة فى عمالة الأعمال ( وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب ) الزمر معانى هذا المجلس والله نسيم سحر إذا استنشقه مخمور الغفلة أفاق سعوط هذا الوعظ ينغص إن شاء الله زكمه البطالة إن الذى أنزل الداء أنزل الدواء إكسير هذا الكتاب يقلب بحكمة جابر القلوب المنكسرة عين من كان له قلب ( إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ) الانعام إلهى دلنا من حيرة يضل فيها إلا إن هديت الدليل وأجرنا من غمرة وكيف إلا بإعانتك السبيل نفوس صدىء على مر الأزمان منها الصقيل ونبا بجنوبها عن الحق المقيل وآذان أنهضها القول الثقيل وعثرات لا يقيلها إلا أنت يا مقيل العثار يا مقيل أنت حسبنا ونعم الوكيل انتهى
ومن مواعظ لسان الدين رحمه الله سبحانه ما أورده فى الروضة إثر ما سبق إذ قال إخوانى صمت الآذان والنداء جهير وكذب العيان والمشار إليه شهير اين الملك واين الظهير اين الخاصة اين الجماهير اين القبيل والعشير اين كسرى بن أردشير صدق والله الناعى وكذب البشير وغش المستشار واتهم المشير وسئل عن الكل فأشار إلى التراب المشير
( خذ من حياتك للممات الاتى ... وبدار ما دام الزمان مواتى )
( لا تغترر فهو السراب بقيعة ... قد خودع الماضى به والآتى )

( يا من يؤمل واعظا ومذكرا ... يوما ليوقظه من الغفلات )
( هلا اعتبرت ويا لها من عبرة ... بمدافن الآباء والآمات )
( قف بالبقيع وناد فى عرصاته ... فلكم بها من جيرة ولدات )
( درجوا ولست بخالد من بعدهم ... متميز عنهم بوصف حياة )
( والله ما استهللت حيا صارخا ... إلا وانت تعد فى الأموات )
( لا فوت عن درك الحمام لهارب ... والناس صرعى معرك الآفات )
( كيف الحياة لدارج متكلف ... سنة الكرى بمدارج الحيات )
( أسفا علينا معشر الأموات لا ... ننفك عن شغل بهاك وهات )
( ويغرنا لمع السراب فنغتدى ... فى غفلة عن هاذم اللذات )
( والله ما نصح امرءا من غشه ... والحق ليس بخافت المشكاة )
يا من غدا وراح والف المراح يا من شرب الراح ممزوجة بالعذب القراح وقعد لعيان صروف الزمان مقعد الأفراح كأنك والله باختلاف الرياح وسماع الصياح وهجوم غارة الاجتياح فأديل الخفوت من الارتياح ونسيت أصوات الغناء برنات الرياح وعوضت عرر النوب القباح من غرر الوجوه الصباح وتناولت الجسوم الناعمة أيدي الأطراح وتنوسيت العهود الكريمة بمر المساء عليها والصباح وأصبحت كماة النطاح من تحت البطاح وخملت المهندة والرماح ذليلة من بعد الجماع
( ولو كان هول الموت لا شىء بعده ... لهان علينا الأمر واحتقر الهول )
( ولكنه حشر ونشر وجنه ... ونار وما لا يستقل به القول )
يا مشتغلا بداره ورم جداره عن إسراعه الى النجاة وبداره يا من صاح بإنذاره شيب عذاره يا من طرف عين اعتذاره بأقذاره يا من قطعه بعد مزاره وثقل أوزاره يا معتلفا ينتظر هجوم جزاره يا مختلسا للأمانة

324 - يرتقب مفتش ما تحت إزاره يا من أمعن فى خمر الهوى خف من إسكاره يا من خالف مولى رقه توق من إنكاره يا كلفا بعارية ترد يا مفتونا بأنفاس تعد يا معولا على الإقامة والرحال تشد كأنى بك وقد أوثق الشد والصق بالوسادة الخد والرجل تقبض والأخرى تمد واللسان يقول ( يا ليتنا نرد ) الانعام
( إنا إلى الله وأنا له ... ما أشغل الإنسان عن شانه )
( يرتاح للأثواب يزهى بها ... والخيط مغزول لأكفانه )
( ويخزن الفلس لوراثه ... مستنفدا مبلغ أكوانه )
( قوض عن الفانى رحال امرىء ... مد اليه عين عرفانه )
( ما ثم إلا موقف زاهد ... قد وكل العدل بميزانه )
( مفرط يشقى بتفريطه ... ومحسن يجزى بإحسانه )
يا هذا خفى عليك مرض اعتقادك فالتبس الشحم بالورم جهلت قيم المعادن فبعت الشبه بالذهب فسد حس ذوقك فتفكهت بحنظلة اين حرصك من أجلك أين قولك من عملك يدركك الحياء من الطفل فتتحامى حمى الفاحشة فى البيت بسببه ثم تواقعها بعين خالق العين ومقدر الكيف والأين تالله ما فعل فعلك بمعبوده من قطع بوجوده ( ما يكون من نجوى ثلاثة - إلى عليم ) المجادلة تعود عليك مساعى الجوارح التى سخرها لك بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة فتبخل منها فى سبيله بفلس واحد الأمرين لازم إما التكذيب وإما الحماقة وجمعك بين الحالتين عجيب يرزقك السنين العديدة من غير حق وجب لك وتسىء الظن به فى يوم توجب الحق وتعتذر بالغفلة فما بال التمادي تعترف بالذنب فما

الحجة فى الإصرار ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ) الاعراف يا مدعى النسيان ماذا فعلت بعد التذكير يا معتذرا بالغفلة اين ثمرة التنبيه يا من قطع بالرحيل اين الزاد يا ذبابه الحرص كم ذا تلجج فى ورطة الشهد يا نائما ملء عينيه حذار الأجل قد انذر يا ثمل الاغترار قرب خمار الندم تدعى الحذق بالصنائع وتجهل هذا القدر تبذل النصح لغيرك وتغش نفسك هذا الغش اندمل جرح توبتك على عظم قام بناء عزمتك على رمل نبتت خضراء دعوتك على دمنه عقدت كفك من الحق على قبضة ماء ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ) فاطر إذا غام جو هذا المجلس وابتدأ رش غمام الدموع قالت النفس الأمارة حوالينا لا علينا فدالت رياح الغفلة وسحاب الصيف هفاف كلما شد طفل العزيمة على درة التوبة صانعته ظئر الشهوة عن ذلك بعصفور إذا ضيق الخوف فسحة المهل سرق الأمل حدود الجار قال بعض الفضلاء كانوا إذا فقدوا قلوبهم تفقدوا مطلوبهم ولو صدق الواعظ لأثر اللهم لا أكثر
( طبيب يداوي الناس وهو عليل )
والخطب جليل والمتفطن قليل فهل إلى الخلاص سبيل اللهم انظر الينا بعين رحمتك التى وسعت الأشياء وشملت الأموات والأحياء يا دليل الحائرين دلنا يا عزيز ارحم ذلنا يا ولى من لا ولى له كن لنا كلنا أن أعرضت عنا فمن لنا نحن المذنبون وأنت غفار الذنوب فقلب قلوبنا يا مقلب القلوب واستر عيوبنا يا ستار العيوب يا أمل الطالب ويا غاية المطلوب انتهى
ومن كلام لسان الدين رحمه الله تعالى فى المواعظ ما خاطب به بعض من استدعى منه الموعظة ونصه

( إذا لم انح يوما على نفسى التى ... بجرائها احببت كل حبيب )
( وقد صح عندي أن عادية الردى ... تدب لها والله كل دبيب )
( فمنذا الذى يبكى عليها بادمعى ... إذا كنت موصوفا برأي لبيب )
كم قد نظرت إلى حبيب تغار من إرسال طرفك بكتاب الهوى إلى انسانه وقد ذبلت بالسقم نرجسه لحظة وذوت وردة خده واصفرت لمغيب الفراق شمس حسنه وهو يجود بنفسه التى كان يبخل منها بالنفس يخاطب بلسان حالة مترجما وليت الفجل يهضم نفسه وأنت على أثر مسحبة إلى دست الحكم ( وما أدري ما يفعل بى ولا بكم ) الاحقاف ومنها تالله لو لم يكن المخبر صادقا لنشب بحلق العيش بعده شوكة الشك
( ولو أنا إذا متنا تركنا ... لكان الموت راحة كل حي )
( ولكنا إذا متنا بعثنا ... ونسال بعده عن كل شي )
فالحازم من بتر الآمال طوعا وقال بيدي لا بيد عمرو ( يا أيها الناس أن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) فاطر وقال أمير الوعاظ رحمه الله تعالى
3 - ( وبضدها تتبين الأشياء )
يا مقتولا ما له طالب ثار بريد الموت مطلق الأعنة فى طلبك وما يحميك حصن ثوب حياتك منسوج من طاقات أنفاسك والأنفاس تستلب ذرات ذاتك وحركات الزمان قوية فى النسج الضعيف فيا سرعة التمزق يا رابطا مناه بخيط الأمل إنه ضعيف الفتل صياد التلف قد بث الصقور وأرسل العقبان ونصب الأشراك وقطع المواد فكيف السلامة تهيأ

لسرعة الموت وأشد منها قلب القلب ليت شعري لما يؤول الأمر
( فو الله لا أدرى أيغلبنى الهوى ... إذا جد جد البين أم أنا غالبه )
( فان استطع أغلب وإن يغلب الهوى ... فمثل الذى لاقيت يغلب صاحبه )
مركب الحياة يجرى فى بحر البدن برخاء الأنفاس ولا بد من عاصف قاصف بفلكه ويغرق الركاب
( فاقضوا مآربكم عجالا إنما ... أعماركم سفر من الأسفار )
وقال كأنك بحرب التلف قد قامت على ساق وانهزمت جنود الأمل وإذا بملك الموت قد بارز الروح يجذبها بخطاطيف الشدائد من قنان العروق وقد شد كتاف الذبيح وحار البصر لشدة الهول وملائكة الرحمة عن اليمين قد فتحوا أبواب الجنة وملائكة العذاب عن اليسار قد فتحوا أبواب النار وجميع المخلوقات تستوكف الخبر والكون كله قد فاء على صيحة سعد فلان أو شقى فلان فهنالك تنجلى أبصار الذين كانت أعينهم فى غطاء عن ذكرى ويحك تهيأ لتلك الساعة حصل زادا قبل الفوت
( تمتع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشية من عرار )
مثل لعينيك سرعة الموت وما قد عزمت أن تفعل حينئذ فى وقت الأسر فافعله فى وقت الإطلاق وقال أبو العتاهية
( خانك الطرف اتئد ... أيها القلب الجموح )
( فدواعى الخير والشر ... دنو ونزوح )
( كيف إصلاح قلوب ... إنما هن قروح )

( أحسن الله بنا ... أن الخطايا لا تفوح )
( فإذا المشهور منا ... بين ثوبيه فضوح )
( كم رأينا من عزيز ... طويت عنه الكشوح )
( صاح منه برحيل ... طائر الدهر الصدوح )
( موت بعض الناس فى الأرض ... على بعض فتوح )
( سيصير المرء يوما ... جسدا ما فيه روح )
( بين عيني كل حي ... علم الموت يلوح )
( كلنا فى غفلة ... والدهر يغدو ويروح )
( لبنى الدنيا من الدنيا ... غبوق وصبوح )
( رحن فى الوشي واصبحن ... عليهن المسوح )
( كل نطاح من الدهر ... له يوما نطوح )
( نح على نفسك يا ... مسكين ان كنت تنوح )
( لتنوحن ولو عمرت ... ما عمر نوح ) وقال فى المعنى
( لمن طلل اسائله ... معطلة مناهله )
( غداة رأيته تنعى ... أعاليه أسافله )
( وكنت أراه مأهولا ... ولكن باد آهله )
( وكل لاعتساف الدهر ... معرضة مقاتله )
( وما متملك إلا ... وريب الدهر شامله )
( فيصرع من يصارعه ... وينضل من يناضله )
( ينازل من يهم به ... وأحيانا يخاتله )

( واحيانا يؤخره ... وتارات يعاجله )
( كفاك به إذا نزلت ... على قوم كلاكله )
( وكم قد عز من ملك ... تحف به قبائله )
( ويثنى عطفه مرحا ... وتعجبه شمائله )
( فلما إن أتاه الحق ... ولى عنه باطله )
( فخفض عينه للموت ... واسترخت مفاصله )
( فما لبث السياق به ... إلى إن جاء غاسله )
( فجهزه إلى جدث ... سيكثر فيه خاذله )
( ويصبح شاحط المثوى ... مفجعة ثواكله )
( مخمشة نوادبه ... مسلبة حلائله )
( وكم قد طال من أمل ... فلم يدركه آمله )
( رأيت الحق لا يخفى ... ولا تخفى شواكله )
( ألا فانظر لنفسك أي ... زاد انت حامله )
( لمنزل وحدة بين ... المقابر أنت نازله )
( قصير السمك قد رضمت ... عليك به جنادله )
( بعيد تجاور الجيران ... ضيقة مداخله )
( أأيتها المقابر فيك ... من كنا ننازله )
( ومن كنا نتاجره ... ومن كنا نعامله )
( ومن كنا نعاشره ... ومن كنا نداخله )
( ومن كنا نشاربه ... ومن كنا نؤاكله )

( ومن كنا نفاخره ... ومن كنا نطاوله )
( ومن كنا نراقبه ... ومن كنا نزايله )
( ومن كنا نكارمه ... ومن كنا نجامله )
( ومن كنا له إلفا ... قليلا ما نزايله )
( ومن كنا له بالأمس ... إخوانا نواصله )
( فحل محله من حلها ... صرمت حبائله )
( ألا ان المنية منهل ... والخلق ناهله )
( اواخر من ترى تفنى ... كما فنيت أوائله )
( لعمرك ما استوى فى الأمر ... عالمه وجاهله )
( ليعلم كل ذي عمل ... بان الله سائله )
( فأسرع فأئزا بالخير ... قائله وفاعله )
ثم قال لسان الدين رحمه الله تعالى بعد ما سبق ما صورته وهذا الغرض بحر ويكفي من خزائنه عرض ومن بيت ماله قرض ان شاء الله تعالى
ثم قال تنبيه يشتمل على سؤالين أحدهما أن يقال الوعظ غير مناسب للمحبة إذ لا يحصل إلا بعد الفراغ واليقظة الثانى أن يقال عظمتم الحسرة لفراق عالم الحس وأطلتم فى قشور فنجيب عن الأول أنا لم نجلب الوعظ إلا بين يدى تأميل حضور المحبة فكأنه يجري مجرى الأسباب فإن الغرض به وجهة النفس من جو السرور واللعب بالزور إلى جو الحزن والارتماض ومن هنالك تأخذ بخطامها أيدي الاضطرار فتحصل اليقظة ثم التوبة ومنها يستقيم الطريق فى منازل السائرين إلى الحق

( والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد الى قليل تقنع )
وعند ذلك يطوى بساط الزجر والوعظ ويمد بساط الاعتبار والحب أن شاء الله تعالى فإنها كالثكلى بطبعها لما فارقته من عنصر نور الله تعالى والعوالم الروحانية التى هى الشعار والدثار والأمل والدار والحياة والجمال والوجود والكمال وأن كانت لا تشعر بالسبب ولا تستحضر ذكر العلة فإذا ذكر الفراق انت أو تنوشدت الآثار حنت ويطرقها الحزن عند الألحان الشجية وتحس بعض الأحيان بالمواجد العشقية
( وقالوا اتبكى كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى والدكادك )
( فقلت لهم أن الأسى يبعث الأسى ... دعونى فهذا كله قبر مالك )
وعن الثانى أن كثيرا من النفوس لا تشعر بوجود عالم الحس فضلا عن النظر فيه وأن شعرت بذلك عد منها نبلا ومن كان بهذه المثابة لا سبيل لندائه إلا من باب القشور ( أولئك ينادون من مكان بعيد ) فصلت إلى أن يتأتى النداء من باب الله تعالى بفضل الله تعالى فالنفوس الشخصية غير متساوية وهى بهوى الهوى هاوية فالقريب منها يجذب بالأنامل والبعيد بالجزل الكوامل وعلى قدر المحمول تكون قوة الحامل ( يضع الهناء مواضع النقب )
( يكفي اللبيب إشارة مكتومة ... وسواه يدعى بالنداء العالى )
( وسواهما بالزجر من قبل العصا ... ثم العصا هى رابع الأحوال )

وقال رحمه الله تعالى فى فصل ذم الكسل ما صورته ونحن نجلب بعض الأمثال فى ذمة مما يسهل حفظه ويجب لحظه فمن ذلك الكسل مزلقة الربح ومسخرة الصبح إذا رقدت النفس فى فراش الكسل استغرقها نوم الغفلة ( لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير ) الملك الندامة فى الكسل كالسم فى العسل الكسل آفة الصنائع وأرضة فى البضائع العجز والكسل يفتحان الخمول ولا تسل الفلاح إذا مل الحركة عدم البركة
( ظهرأن لا يبلغان المرء ان ركبا ... باب السعادة ظهر العجز والكسل )
وفى اغتنام الأيام من أضاع الفرصة تجرع الغصة أن كان لك من الزمان شىء فالحال وما سواه فمحال تارك أمره إلى غد لا يفلح للأبد الإنسان ابن ساعته فليحطها من إضاعته التسويف سم الأعمال وعدو الكمال لم يحرم المبادر إلا فى النادر ما درجت أفراخ ذل إلا من وكر طماعة ولا بسقت فروع ندم إلا من جرثومة إضاعة العزم سوق والتاجر الجسور مرزوق من وثق بعهد الزمان علقت يداه بحبل الحرمان الربح فى ضمن الجسارة والمضيع اولى بالخسارة
ومن أمثالهم فى نظر الإنسان لنفسه قبل غروب شمسه قولهم اعلم أن كل حكيم صانع إذا فكر فى امره ونظر فى العواقب علم أنه لا بد يوما ان يخرب دكانه الذى هو محل بضاعته وتنحل انقاضه وتكل ادواته وتضعف قوته وتذهب ايام شبابه فمن بادر واجتهد قبل خراب الدكان واستغنى عن السعى فإنه لا يحتاج بعد ذلك إلى دكان آخر ولا إلى أدوات مجددة فيتجر بما اقتناه ويشتغل بالانتفاع والالتذاذ بما كسبت يداه وهذه حالة النفس بعد خراب الجسد فبادر واجتهد واحرص واستعجل وتزود قبل

خراب دكانك وهدم بنيته فان خير الزاد التقوى قال حسان
( إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ... وأبصرت بعد اليوم من قد تزودا )
( ندمت على أن لا تكون كمثله ... ولم تترصد مثل ما كان أرصدا )
قال ابو الفرج ابن الطيب البغدادي فى اغتنام الوقت فى كتابة فى السياسة والآراء الفاضلة يجب أن تعيد وتمثل فإن الفكر مضطرب متشوش بكثرة نوازع النفس واختلاف قواها والعمى فى بعض الاوقات فإذا سنح للنفس وقت فاضل بصفاء جوهرها وابرمت قانونا أو صورة متوسطة فاضلة يجب أن يقيد بذلك وقت سعد ربما لا يعاود أو يعاود انتهى
76 - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما كتب به على لسان سلطانه إلى شيخ الموحدين بتونس ابن تافراجين يخبره بالتمحيص الجاري عليه ونصه من أمير المسلمين ايده الله ونصره وأعلى أمره واظهره إلى ولينا فى الله تعالى الذى له القدم الرفيع المناصب والمجد السامى الذوائب والسياسة التى اخبارها سمر الركبان وحدو الركائب الشيخ الجليل الكبير الشهير الخطير الهمام الأمضى الرفيع الأعلى الأمجد الأوحد الأسعد الأصعد الأوفى الظاهر الطاهر الفاضل الباسل الأرضى الأنقى المعظم الموقر المبرور علم الأعلام سلالة أكابر اصحاب الإمام معيد دولة التوحيد إلى الانتظام أبى محمد عبد الله ابن الشيخ الجليل الكبير الشهير الماجد الخطير الرفيع الاسعد

الأمجد الحسيب الأصيل الأمضى الأرضى الأفضل الأكمل المعظم المقدس المرحوم أبى العباس تافراجين وصل الله تعالى له عزة تناسب شهرة فضله وسعادة تتكفل له فى الدارين برفعة محله سلام كريم يخص مجادتكم الفاضلة ورتبتكم الحافلة وC تعالى وبركاته
أما بعد حمد الذى يمحص ليثيب ويأمر بالاستقالة ليجيب ويعقب ليل الشدة بصبح الفرج القريب ويجنى من شجر التوكل عليه والتسليم إليه ثمر الصنع العجيب ويظهر العبر مهما كسر ثم جبر لكل ذى قلب منيب والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذى نلجأ إلى ظل شفاعته فى اليوم العصيب ونستظهر بجاهه على جهاد عبدة الصليب ونستكثر عدد بركاته فى هذا الثغر الغريب ونصول منه على العدو بالحبيب والرضى عن آله وصحبه نجوم الهداية من بعد الأمنة من الأفول والمغيب فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم عزة متصلة وعصمه بالأمان من نوب الزمان متكفلة من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ولا زائد بفضل الله تعالى الذى لطف وجبر وأظهر فى الإقالة وحسن الإدالة العبر ممن كتب الله تعالى له العقبى لما صبر الا الخبر الذى كسا الأعطاف الحبر والصنع الذى صدق خبره الخبر والحمد لله تعالى كثيرا كما هو اهله فلا فضل إلا فضله ولمكانتكم عندنا المحل الذى قررت شهرة فضلكم قواعده وأعلت مصاعده وأثبت التواتر شواهده إذ لا نزال نتحف بسيركم التى فى التدبيرات تقتفى وعلم يسترشد به إذا العلم اختفى والسبيل عفا وأن تلك الدولة بكم استقام اودها وقامت والحمد لله عمدها وانكم رعيتم فى البنين حقوق آبائها وحفظتم عليها ميراث عليائها ولو لم تتصل بنا انباؤكم الحميدة وآراؤكم السديدة بما يفيد العلم بفضل ذاتكم ويغرى قوى الاستحسان بصفاتكم لغبطنا بمخاطبتكم

ومفاتحتكم ما نجده من الميل لكم طبعا وجبله من غير أن نعتبر سببا أو علة فالتعارف بين الارواح لا ينكر والحديث الكريم يؤيد من ذلك ما ينقل ويذكر
وبحسب ذلك نطلعكم على غريب ما جرى به فى ملكنا القدر وحيث بلغ الورد وكيف كان الصدر وربما اتصلت بكم الحادثة التى أكفاها على دار ملكنا من لم يعرف غير نعمتها غاذيا ولا برح فى جوانب احسانها رائحا وغاديا يتيم حجرها الكافل ورضيع درها الحافل الشقى الخاسر الخائن الغادر محمد بن اسماعيل بن محمد المستجير بنسبنا من لؤم غدره الخفية عنا حيل مكره لخمول قدره إذا دعاه محتوم الحين ليهلك إلى أن يهلك وسولت له نفسه الأمارة بالسوء أن يملك أخانا الخاسر ثم يملك وسبحان الذى يقول ( يا نوح انه ليس من أهلك ) هود وكيف تم له ما أبرمه من تسور الاسوار واقتحام البوار وتملك الدار والاستيلاء على قطب المدار وأننا كنفتنا عصمه الله تعالى بمتحولنا الذي كان به ليلتئذ محل ثوائنا وكفت القدرة الإلهية أكف أعدائنا وخلصنا غلابا بحال انفراد إلا من عناية الله ونعم الرفيق وصدق اللجإ إلى رحمة الله تعالى التى ساحتها عن مثلنا لا تضيق مهما تنكر الزمان أو تفرق الفريق وشرذمة الغدر تأخذ علينا كل فج عميق حتى أوينا من مدينة وادي آش إلى الجبل العاصم والحجة المرغمة أنف المخاصم ثم أجزنا البحر بعد معاناة خطوب وتجهم من الدهر وقطوب وبلا الله هذا الوطن بمن لا يرجو لله وقارا ولا يألو شعائره المعظمة احتقارا فأضرمه نارا وجلل وجوه وجوهه خزيا وعارا حتى هتك الباطل حماه وغير اسمه ومسماه وبدد حاميته المتخيرة وشذ بها وسخم دواوينه التى محصها الترتيب والتجريب وهذبها وأهلك نفوسها وأموالها وأساء لولا

تدارك الله تعالى أحوالها
ولما تأذن جل جلاله فى إقالة العثار ودرك الثار وأنشات نواسم رضاه إدامة الاستغفار ورأينا قلادة الإسلام قد آن انتثارها والملة الحنيفية كادت تذهب آثارها ومسائل الخلاف يتعدد مثارها وجعلت الملتان نحونا تشير والملك يامل أن يوافيه بقدومنا البشير تحركنا حركة خفيفة تشعر أنها حركة الفتح ونهضنا نبتدر ما كتب الله تعالى من المنح وقد امتعض لنا الكون بما حمل واستخدم الفلك نفسه بمشيئته تعالى واكتمل وكاد يقرب لقرى ضيفنا الثور والحمل وظاهرنا محل أخينا السلطان الكبير الرفيع المعظم المقدس أبى سالم الذى كان وطنه مأوى الجنوح ومهب النصر الممنوح رحمه الله تعالى عليه مظاهرة مثله من الملوك الأعاظم وختم الجميل بالجميل والأعمال بالخواتم وأنف حتى عدو الدين لنعمتنا المكفورة وحقوقنا المحجوبة المستورة فأصبح بعد العدو حبيبا وعاد بعد الإباية منيبا وسخر اساطيله تحضيضا على الإجازة وترغيبا واستقبلنا البلاد وبحر البشر يزخر موجه وملك الإسلام قد خر على الحضيض أوجه والروم مستولية على الثغور وقد ساءت ظنون المؤمنين بالعقبى ولله عاقبة الأمور والخبيث الغادر الذى كان يموه بالإقدام قد ظهر كذب دعواه وهان مثواه وتورط فى أشراك المندمة تورط مثله ممن اتبع هواه وجحد نعمة مولاه فلولا أن الله عز و جل تدارك جزيرة الأندلس بركابنا وعاجل اوارها بانسكابنا لكانت القاضية ولم ترلها من بعد تلك الريح العقيم من باقية لكنا والفضل لله تعالى رفعنا عنها وطأة العدو وقد ناء بكلكل وابتززناه منها اي مشرب ومأكل واعتززنا عليه بالله تعالى الذى يعز ويذل ويهدى ويضل فلم نسامحه فى شرط يجر غضاضة ولا يخلف فى القلوب مضاضة وخضنا بحر الهول وبرئنا إلى الله تعالى ربنا عن القوة والحول وظهرت للمسلمين ثمرة سريرتنا وما بذلنا فى مصانعة

العدو عن الإجهاز عليهم من حسن سيرتنا فقويت فينا أطماعهم وانعقد على التحرم بنا إجماعهم
وقصدنا مالقة بعد أن انثالت الجهة الغربية وأذعنت المعاقل الأبية فيسر الله تعالى فتحها وهيأ منحها ثم توالت البيعات وصرخت بمآذن البلاد الدعاة واضطرب امر الخائن وقد دلفت المخاوف اليه وحسب كل صيحة عليه فاقتضت نعامته الشائلة ودولة بغيه الزائلة وآراؤه الفائلة ان ضم ما أمكنه من ذخيرة مكنونه وآله للملك مصونة واستركب أو باشه الذين استباح الحق دماءهم وعرف الخلق اعتزاءهم للغدر وانتماءهم وقصد سلطان قشتالة من غير عهد ولا وثيقة ولا مثلى طريقة ولا شيمة بالرعى خليقة لكن الله عز و جل حمله على قدمه لإراقة دمه وزين الوجود بعدمه فلحين قدومه عليه راجيا أن يستفزه بعرض أو يحيل صحه عقده المبرم إلى مرض ومؤملا هو وشيعته الغادرة كرة على الإسلام مجهزة ونصره لمواعيد الشيطان منجزه تقبض عليه وعلى شيعته وصم عن سماع خديعته وأفحش بهم المثلة وأساء بحسن رأيه فيهم القتلة فأراح الله تعالى بإبادتهم نفوس العباد وأحيا بهلاكهم أرماق البلاد
وحثثنا السير إلى دار ملكنا فدخلناها فى اليوم الأغر المحجل وحصلنا منها على الفتح الإلهى المعجل وعدنا إلى الأريكة التى نبا بنا عنها التمحيص فما حسبناه إلا سرارا أعقبه الكمال ومرضا عاجله الإبلال فثابت للدين الآمال ونجحت الأعمال وبذلنا فى الناس من العفو ما غفر الذنوب وجبر القلوب وأشعنا العفو فى القريب والقصى وألبسنا المريب ثوب البري وتألفنا الشارد وأعذبنا الموارد وأجرينا العوائد وأسنينا الفوائد إلا ما كان من شرذمة عظمت جرائرهم وخبثت فى معاملة الله تعالى سرائرهم وعرف شومهم وصدق من يلومهم فأقصيناهم وشردناهم وأجليناهم

عن هذا الوطن الجهادي وابعدناهم
ولما تعرف سلطان قشتالة باستقلالنا واستقرارنا بحضرة الملك واحتلالنا بادر يعرف بما كان من عمله فيمن لحق به من طائفة الغدر وإخوان الخديعة والمكر وبعث إلينا برؤوسهم ما بين رئيسهم الشقى ومرؤوسهم وقد طفا على جداول السيوف حبابها وراق بحناء الدماء خضابها وبرز الناس إلى مشاهدتها معتبرين وفى قدرة الله تعالى مستبصرين ولدفاع الناس بعضهم ببعض شاكرين وأحق الله تعالى الحق بكلماته وقطع دابر الكافرين فأمرنا بنصب تلك الرؤوس بمسور الغدر الذى فرعته وجعلناها علما على عاتق العمل السيىء الذى اخترعته وشرعنا فى معالجة العلم وافضنا على العباد والبلاد حكم السلم فاجتمع الشمل كأحسن أحواله وسكن هذا الوطن بعد زلزاله وأفاق من أهواله
ولعلمنا بفضلكم الذى قضاياه شائعة ومقدماته ذائعة أخبرناكم به على اختصار واجتزاء واقتصار ليسر دينكم المتين بتماسك هذا الثغر الأقصى بعد استرساله وإشرافه على سوء مآله وكنا نخاطب محل أخينا السلطان الجليل المعظم الأسعد الأوحد الخليفة امير المؤمنين أبى اسحاق ابن الخليفة أمير المؤمنين المعظم المقدس أبى يحيى ابن أبى بكر ابن الأئمة المهتدين والخلفاء الراشدين وصل الله تعالى أسباب سعده وحرس أكناف مجده لولا اننا تعرفنا كونه فى هذه المدة مقيما بغير تلك الحضرة التونسية فاجتزأنا بمخاطبة جهتكم السنية وبين سلفنا وسلفكم من الود الراسخ البنيان والكريم الأثر والعيان ما يدعو إلى أن يكون سبب المخاطبة موصولا وآخرة الود خيرا من الأولى لكن الطريق جم العوائق والبحر مفروق البوائق وقبول العذر بشواغل

القطر بالفضل لائق ومرادنا أن يتصل الود ويتجدد العهد والله عز و جل يتولى أمور المسلمين بمتوارد إحسانه ويجمع قلوبهم حيث كانوا على طاعة الله تعالى ورضوانه وهو سبحانه يطيل سعادتكم ويحرس مجادتكم وينجح إدارتكم ويسنى إرادتكم والسلام الكريم يخصكم ورحمة آله تعالى وبركاته
77 - ومن نثره رحمه الله تعالى ما أنشأه عن سلطانه الغنى بالله وذلك قوله يا أيها الناس ضاعف الله تعالى بمزيد النعم سروركم وتكفل بلطفه الخفى فى مثل هذا القطر الغريب أموركم أبشركم بما كتب به سلطانكم السعيد إليكم المترادفة بيمنه وسعادته نعم الله تعالى عليكم أمتع الله تعالى الإسلام ببقائه وأيده على أعدائه ونصره فى أرضه بملائكة سمائه وأن الله تعالى فتح له الفتح المبين وأعز بحركة جهاده الدين وبيض وجوه المؤمنين وأظفره باطريرة البلد الذى فجع المسلمين بأسرهم فجيعة تثير الحمية وتحرك الأنفس الأبية فانتقم الله تعالى منهم على يده وبلغه من استئصالهم غاية مقصده فصدق من الله تعالى لأوليائه وعلى اعدائه الوعد والوعيد وحكم بإبادتهم المبدىء المعيد ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة أن أخذه أليم شديد ) هود وتحصل من سبيه بعدما رويت السيوف من دمائهم آلاف عديدة لم يسمع بمثلها فى المدد المديدة والعهود البعيدة ولم يصب من إخوانكم المسلمين عدد يذكر ولا رجل يعتبر فتح هنى وصنع سنى ولطف خفى ووعد وفى فاستبشروا بفضل الله تعالى ونعمته وقفوا عند الافتقار والانقطاع لرحمته وقابلوا نعمه بالشكر يزدكم واستبصروا فى الدفاع عن دينكم ينصركم ويؤيدكم واغتبطوا بهذه الدولة المباركة التى لم تعدموا من الله تعالى معها عيشا خصيبا ولا رأيا مصيبا ولا نصرا عزيزا ولا فتحا قريبا وتضرعوا فى بقائها ونصر لوائها إلى من يزل سميعا للدعاء مجيبا والله عز و جل

يجعل البشائر الفاشية فيكم عادة ولا يعدمكم ولا أولى الأمر منكم توفيقا وسعادة والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله تعالى وبركاته من مبلغ ذلك فلان انتهى
78 - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما أنشاه عن سلطانه الغنى بالله تعالى حين وصله أبنه الذى كان بفاس يخاطب سلطان فاس ما نصه
المقام الذى تقلد نافلة الفضل شفعا وجود سورة الكمال إفرادا وجمعا واستولى وجمع ببره المنح والتهنئة والفتح فاحرز اصلا وفرعا واستحق الشكر عقلا وشرعا وأغرى ايدي جوده بالقصد الذى هو حظ وليه من وجوده فأثار من جيش اللقاء نقعا ووسط به جمعا مقام محل أخينا الذى اقلام مقاصده دربه بحسن التوقيع وعيون فضله مذكاة لإحكام الصنيع وعذبات فخره تهفو بذروة العلم المنيع ومكارمه تتفنن فيها مذاهب التنويع أبقاه الله تعالى والسن فضله ناطقة وأقيسة سعده صادقة وألويته بالنصر العزيز خافقة وبضائع مكارمه فى اسواق البر نافقة وعصائب التوفيق لركائب أغراضه موافقة السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا سلام كريم طيب بر عميم يخص مقامكم الأعلى وطريقتكم المثلى وأخوتكم الفضلى ورحمة الله تعالى وبركاته مجل قدركم وملتزم بركم وموجب حمدكم وشكركم فلان
أما بعد حمد الله تعالى الذى جعل الشكر على المكرمات وقفا ونهج منه بإزائها سبيلا لا تلتبس ولا تخفى وعقد بينه وبين المزيد سببا وحلفا وجعل المودة فى ذاته مما يقرب إليه زلفى مربح تجارة من قصد وجهه بعمله حتى يرى الشىء ضعفا وناصر هذه الجزيرة من أوليائه الكرام السيرة بمن يوسعها فضلا وعطفا ومدنى ثمار الآمال فتتمتع بها اجتناء وقطفا والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد النبى العربى الكريم الرؤوف الرحيم

الذى مد من الرحمة على الأمة سجفا وملأ قلوبها تعاطفا وتعارفا ولطفا القائل من أيقن بالخلف جاد بالعطية ووعد من عامل الله تعالى بربح المقاصد السنية وعدا لا يجد خلفا والرضى عن آله وأصحابه الذين كانوا من بعده للإسلام كهفا وعلى اهله فى الهواجر ظلا ملتفا غيوث الندى كلما شاموا سماحا وليوث العدى كلما شهدوا زحفا والدعاء لمقام أخوتكم الأسعد بالنصر الذى يكف من عدوان الكفر كفا والمجد الذى لا يغادر كتابه من المفاخر التى ترك الأول للآخر حرفا وإلى هذا أيدكم الله بنصر من عنده وحكم لملككم الأسمى باتصال سعده وانجز فى ظهوره على من عاند امره سابق وعده فاننا نقرر لدى مقامكم وأن كان الغنى باصالة عقله عن اجتلاء الشاهد ونقله وجلاء البيان وصقله أن الهدايا وأن لم تحل العين منها كما حلت أو تناولها الاستنزار فما نبهت فى لحظ الاعتبار ولا جلت أو كانت زيفا كلما أغري بها الاختبار قلت لا بد أن تترك فى النفوس ميلا وأن تستدعى من حسن الجزاء كيلا وأن تنال من جانب التراحم والتعاطف نيلا واي دليل اوضح محجة وابين حجة من قوله صلى الله عليه و سلم تهادوا تحابوا من غير تبيين مقدار ولا اعمال اعتبار ولا تفرقة بين لجين ولا نضار فكيف إذا كانت الهدية فلذة الكبد التى لا يلذ العيش بعد فراقها ولاتضىء ظلم الجوانح إلا بطلوع شمسها واشراقها وجمع الشمل الذى هو اقصى آمال النفوس الآلفة والبواطن المصاحبة للحنين المحالفة لا سيما إذا اقتعدت محل الهناء بالفتح الرائق السناء وحفت بها من خلفها وأمامها صنائع البر وقومه الاعتناء فهنالك تفخر السن الثناء وتتطابق اعلام الشكر السامية البناء
وأننا ورد علينا كتابكم الذى سطره البر واملاه وكنفه اللحظ وتولاه ووشحه البيان وحلاه مهنئا بما منح الله جل جلاله من رد الحق وتعيين الجمع ورفع الفرق وتطويق الأمان وأمان الطوق واسعاد السعد

وبلوغ القصد وقطع دابر من جحد نعمة الأب والجد وسل سيف البغى دامى الحد والحمد لله تعالى حمدا يلهمه ويتيحه ونسأله امدادا يسوغه ويبيحه على أن احسن العقبى وأعقب الحسنى وأرى النعم بين فرادى ومثنى وجمع الشمل الذى قد تبدد وجدد رسم السعادة لهذا القطر فتجدد واخذ الظالم فلم يجد من محيص وجمع لنا الاجر والفخر بين تخصيص وتمحيص وقلد برؤوس الفجرة الغدرة الفرضة التى فرعوها وأطفأ بمراق دمائهم نار الضلالة التى شرعوها وكتب لقبيلكم الفضل الذى يحمد ويشكر والحق الذى لا يجحد وى ينكر فلقد اوى لما تبرات الخلصان وتحفى عندما تنكر الزمان وسبب الإدالة وطاوع الأصالة والجلالة حتى فرج الله تعالى الكربة وآنس الغربة واقال العثرة وتقبل القربة له الحمد على آلائه وصله نعمائه ملء أرضه وسمائه
ووصل صحبته الولد مكنوفا بجناح اللطف ممهدا له ببركتكم مهاد العطف فبرزنا إلى تلقيه تنويها لهديتكم واشادة وابداء فى بركم واعادة واركبنا الجيش الذى آثرنا لحين استقلالنا عرضه وقررنا بموجب الاستحقاق فرضه فبرز إلى الفضاء الأفيح حسن الترتيب سافرا عن المرأى العجيب ولولا الحنان الذى تجده النفوس للأبناء وتستشعره والشوق إلى اللقاء الذى لا يجحده منصف ولا ينكره لما شق علينا طول مقامه فى حجركم ولا ثواؤه لصق أريكة امركم فجواركم محل لاستفادة رسوم الإمارة وتعلم السياسة والإدارة حتى يرد علينا يقدم كتيبة جهادكم ويقود إلينا طليعة نصركم ايانا وامدادكم فنحن الآن نشكر مقاصدكم التى اقتضى الكمال سياقها وزين المجد آفاقها وقدرها فاحكم طباقها ونقرر لديكم أن حظنا من ودادكم ومحلنا من جميل اعتقادكم حظ بان رجحانه وفضله ولم يتأت بين من يسلف من السلف مثله من الصحبة فى المنزل الخشن وهى الوسيلة وفى رعيها

تظهر الفضيلة والاشتراك فى لازم الوصول إلى الحق وضم اشتات الخلق والمودة الواضحة الطرق إلى ما بين السلف من الود الآمن بدره من الكلف المذخورة أذمته للخلف فإذا كانت المعاملة جارية على حسبة وشعبها راجعة إلى مذهبة جنى الإسلام ثمرة حافلة واستكفى الدين اياله كافلة فالله عز و جل يمهد البلاد بيمن تدبيركم ويجرى على مهيع السداد جميع اموركم ويجعلكم ممن زين الجهاد عواتق اعماله وكان رضى الله تعالى عنه اقصى آماله حتى تربى مآثركم على مآثر اسلافكم الذين عرف هذا الوطن الجهادى امدادهم وشكر جهادهم وقبل الله تعالى فيه اموالهم واولادهم وحسن من اجله معادهم
وقد حضر بين يدينا رسولكم الذى وجهتم الولد اسعده الله تعالى لنظره وتخيرتموه لصحبه سفرة فلان وهو من الأمانة والفضل والرجاحة والعقل بحيث طابق اختياركم واستحق ايثاركم فاطنب فى تقرير ما لديكم من عناية بهذه الأوطان عينت الرفد وضربت الوعد واخلصت فى سبيل الله تعالى القصد وغير ذلك مما يؤكد المودة المستقرة الأركان المؤسسة على التقوى والرضوان فأجبناه بأضعاف ذلك مما لدينا لكم وقابلنا بالثناء الجميل قولكم وعملكم والله تعالى يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله تعالى وبركاته
79 - ومن ذلك ما كتبه رحمه الله تعالى على لسان الأمير سعد ابن سلطانه الغنى بالله تعالى إليه وهو
مولاي ومولى كبيرى ومولى المسلمين ورحمتى المتكفلة بالسعد الرائق الجبين يقبل قدمكم التى جعل الله تعالى العز فى تقبيلها والسعد فى اتباع سبيلها عبدكم الصغير فى سنه الكبير فى خدمتكم وخدمة كبيره فى حياتكم بفضل الله تعالى ومنه الهاش لتمريغ وجهه فى كتابكم حسن الذراع المنبئة طباعة

عن العبودية الكامنه بالبدار إلى ذلك والاسراع عبدكم وولدكم سعد كتبه من بابكم المحوط بعز امركم المتحف أن شاء الله تعالى بانباء نصركم وقد وصل إلى عبدكم تشريفكم السابغ الحلل وتنويهكم المبلغ غايات الأمل وخط يدكم الكريمة وغمامة رحمتكم الهامية الديمة فيا له من عز اثبت لى الفخر فى ابناء الملوك وسار بى من الترشيح لرتب حظوتكم على المنهج المسلوك قرر من عافيه مولاي وسعادته واقتران السعود حيث حل بوفادته ما تكفل ببلوغ الآمال وتمم لسان الحال فى شكر الله تعالى لسان المقال والله تعالى يديم أيام مولاي حتى يقوم بحق شكر النعم لسانه وتؤدى بعده جوارحه من الدفاع بين يدي سلطانه ما يسر به سلطانه وبعث جوابه منقولا ليد حامله من يده ليهنىء تقبيل اليد الكريمة بحال تأكيد ويقرر ما لعبده إلى وجهه الكريم من شوق شديد ويعرف شمول نعمة الله تعالى ونعمته لمن ببابه من خدم وحرم وعبيد ويمد يد الرغبة لمولاه فى صلة الإنعام بتشريفه واعلامه بتزايدات حركته وتعريفه ففى ضمن ذلك كل عز مشيد وخير جديد وينهى تحية أهل منزل مولاي على اختلافهم بحسب منازلهم من نعمة لحظه التى ياخذ منها كل بحظه والسلام الكريم ورحمة الله تعالى وبركاته
80 - وقال رحمه الله تعالى ومن نثري ما خاطبت به السلطان على لسان ولده من مالقة وقد وصلت به إليه من المغرب
مولاي الذى رضى الله تعالى مقرون برضاه والنجح مسبب عن نيته ودعاه وطاعته مرتبطة بطاعة الله ابقى الله تعالى علي بكم ظل رحماه وغمام نعماه وزادنى من مواهبة هداية فى توفيه حقه الكبير فإن الهدى هدى الله يقبل مواطىء اقدامكم التى ثراها شرف الخدود وفخر الجباه ويقرر من عبوديته ما يسجل الحق مقتضاه ويسلم على مثابة رحمتكم السلام الذى يحبه الله تعالى ويرضاه ولدكم وعبدكم يوسف من منزل تأييدكم

بظاهر مالقه حرسها الله والوجود السن بالعز بالله ناطقة والأعلام والشجر الوية بالسعد خافقة وانواع التوفيق متوافقة وصنائع اللطيف الخبير مصاحبة مرافقة
وقد وصل يا مولاي لعبدكم المفتخر بالعبودية لكم ما بعث به على مقامكم وجادت به سحائب انعامكم ولمن تحت حجبه ستركم المسدول وفى ظل اهتمامكم الموصول ولمن ارتسم بخدمة ابوابكم الشريفة من الخدام واولى المراقبة والالتزام ما يضيق عنه بيان العبارة ويفتضح فيه لسان القول والإشارة من عنايات سنية ونعم باطنه وجليه وملاحظة مولاية ومقاصد ملكية فما شئت من قباب مذهبه وملابس منتخبه وأسره مرتبة ومحاسن لا مستورة ولا محجبة واللواء الذى نشرتم على عبدكم ظله الظليل ومددتم عليه جناح العز الجليل جعله الله تعالى اسعد لواء يسير فى خدمتكم ومد على وعليه لواء حرمتكم حتى يكون لجهادى بين يديكم شاهدا وبالنصر العزيز والفتح المبين عليكم عائدا ولطائفه الخلوص لامركم قائدا ولأولياء بابكم هاديا ولأعدائكم كائدا
واتفق يا مولاي أن كان عبدكم قد ركب مغتنما برد اليوم ومؤثرا للرياضة فى عقب النوم والتف عليه الخدام والأولياء الكرام فلما عدنا تعرضت لنا تلك العنايات المجلوة الصور المتلوة السور وقد حشر الناس وحضرت منهم الأجناس فعلا الدعا وانتشر الثنا وراقت الأبصار تلك الهمة العليا فنسال الله تعالى يا مولاي أن يكافىء مقامكم بالعز الذى لا يتبدل والنصر الذى يستأنف ويستقبل والسعد الذى محكمه لا يتأول والعبد ومن له على حال اشتياق للورود على ابوابكم الرفيعة المقدار وارتياح لقرب المزار
( وابرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الديار من الديار )

والعمل على تيسير الحركة متصل والدهر لأوامر السعد محتفل بفضل الله تعالى والسلام على مقام مولاي مقام الشفقة والرحمة والمنة والنعمة وC تعالى وبركاته انتهى
81 - ومن انشاء لسان الدين فى تولية الأمير يوسف المذكور مشيخة الغزاة على لسان السلطان والده ما نصه
هذا ظهير كريم فاتح بنشر الألوية والبنود وقود العساكر والجنود وأجال فى ميدان الوجود جياد البأس والجود واضفى ستر الحماية والوقاية بالتهائم والنجود على الطائفين والعاكفين والركع السجود عقد للمعتمد به عقد التشريف والقدر المنيف زاكى الشهود واوجب المنافسة بين مجالس السروج ومضاجع المهود وبشر السيوف فى الغمود وأنشا ريح النصر آمنة من الخمود أمضى احكامه وانهد العز امامه وفتح من زهر السرور والحبور كمامه أمير المسلمين عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين ابى الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبى الوليد ابن فرج بن نصر ايد الله تعالى امره وخلد ذكره لكبير ولده وسابق امده وريحانه خلده وياقوتة الملك على يده الأمير الكبير الطاهر الظاهر الاعلى واسطة السلك وهلال سماء الملك ومصباح الظلم الحلك ومظنة العناية الأزلية من مدير الفلك ومجرى الفلك عنوان سعده وحسام نصره وعضده وسمى جده وسلالة فضله ومجده السعيد المظفرالهمام الأعلى الأمضى العالم العامل الأرضى المجاهد المؤمل المعظم أبى الحجاج يوسف البسه الله تعالى من رضاه عنه حللا لا تخلق جدتها الأيام ولا تبلغ كنهها الأفهام وبلغة فى خدمته المبالغ التى يسر بها الإسلام وتسبح فى بحار صنائعها الأقلام وحرس معاليها الباهرة بعينة التى لا تنام وكنفه بركنه الذى لا يضام فهو الفرع الذى جرى بخصله على أصله وارتسم نصره فى نصله واشتمل حده على فصله وشهدت السن خلاله برفعة

جلاله وظهرت دلائل سعادته فى بدء كل أمر واعادته لما صرف وجهه إلى ترشيحه لافتراع هضاب المجد البعيد المدى وتوشيحة بالصبر والحلم والبأس والندى وارهف منه سيفا من سيوف الله تعالى لضرب هام العدا واطلعه فى سماء الملك بدر هدى لمن راح وغدا واخذه بالآداب التى تقيم من النفوس اودا وتبذر فى اليوم فتجنى غدا ورقاه فى رتب المعالى طورا فطورا ترقى النبات ورقا ونورا ليجده بحول الله تعالى يدا باطشة باعدائه ولسانا مجيبا عند ندائه وطرازا على حله علائه وغماما من غمائم آلاله وكوكبا وهاجا بسمائه وعقد له لواء الجهاد على الكتيبة الأندلسية من جنده قبل أن ينتقل عن مهده وظلله بجناح رايته وهو على كتد دابته واستركب جيش الإسلام ترحيبا بوفادته وتنويها بمجادته وأثبت فى غرض الإمارة النصرية سهم سعادته رأى أن يزيده من عنايته ضروبا وأجناسا ويتبع أثره ناسا فناسا قد اختلفوا لسانا ولباسا واتفقوا ابتغاء لمرضاة الله والتماسا ممن كرم انتماؤه وزينت بالحسب العد سماؤه وعرف غناؤه وتأسس على المجادة بناؤه حتى لا يدع من العناية فنا إلا وجلبه إليه ولا مقادة فخر إلا جعلها فى يدية ولا حله عز إلا أضفى ملابسها عليه
ولما كان جيش الإسلام فى هذه البلاد الأندلسية أمن الله سبحانه خلالها وسكن زلزالها وصدق فى رحمة الله تعالى التى وسعت كل شىء آمالها كلف همته ومرعى ذمته وميدان اجتهاده ومتعلق أمل جهاده ومعرج إرادته إلى تحصيل سعادته وسبيل خلاله إلى بلوغ كماله فلم يدع له علة إلا أزاحها ولا طلبه إلا أجال قداحها ولا عزيمة إلا أورى اقتداحها ولا رغبة إلا فسح ساحها آخذا مدونته بالتهذيب ومصافه بالترتيب وآماله بالتقريب محسنا فى تلقى الغريب

348 - 8 وتأنيس المريب مستنجزا له وبه وعد النصر العزيز والفتح القريب ورفع عنه لهذا العهد نظر من حكم الأغراض فى حماته واستشعر عروق الحسائف لتشذيب كماته واشتغل عن حسن الوساطة لهم بمصلحة ذاته وجلب جباته وتثمير ماله وتوفير أقواته ذاهبا أقصى مذاهب التعمير بأمد حياته فانفرج الضيق وخلص إلى حسن نظره الطريق وساغ الريق ورضى الفريق رأى والله الكفيل لنجح رايه وشكر سعيه وصلة حفظه ورعيه أن يجهد لهم اختياره ويحسن لديهم آثاره ويستنيب فيما بينه وبين سيوف جهاده وأبطال جلاده وحماه أحوازة وآلات اعتزازه من يجرى مجرى نفسه النفيسة فى كل مبنى ويكون له لفظ الولاية وله أيده الله تعالى المعنى فقدمه على الجماعة الأولى كبرى الكتائب ومقادة الجنائب وأجمة الأبطال ومزنة الودق الهطال المشتملة من الغزاة على مشيخة آل يعقوب نسباء الملوك الكرام وأعلام الإسلام وسائر قبائل بنى مرين ليوث العرين وغيرهم من أصناف القبائل وأولى الوسائل ليحوط جماعتهم ويعرف بتفقده إطاعتهم ويستخلص لله تعالى ولابيه ايده الله تعالى طاعتهم ويشرف بإمارته مواكبهم ويزين بهلالة الناهض إلى الإبدار على فلك سعادة الأقدار كواكبهم تقديما أشرق له وجه الدين الحنيف وتهلل واحس باقتراب ما امل فللخيل اختيال ومراح وللأسل السمر اهتزاز وارتياح وللصدور انشرح وللآمال مغدى فى فضل الله تعالى ورواح
فليتول ذلك أسعده الله تعالى تولى مثله ممن أسره الملك اسرته واسوة النبى صلوات الله تعالى عليه أسوته والملك الكريم أصل لفرعه والنسب العربى منجد لطيب طبعه آخذا أشرافهم بترفيع المجالس بنسبة أقدارهم مغريا حسن اللقاء بإيثارهم شاكرا غناءهم مستدعيا ثناءهم مستدرا لأرزاقهم موجبا المزية بحسب استحقاقهم شافعا لديه فى رغباتهم المؤملة ووسائلهم المتحملة مسهلا الإذن لوفودهم المتلاحقة منفقا لبضائعهم النافقة

مؤنسا لغرمائهم مستجليا أحوال أهليهم وآبائهم مميزا بين أغفالهم ونبهائهم
وعلى جماعتهم رعى الله تعالى جهادهم ووفر أعدادهم أن يطيعوه فى طاعة الله تعالى وطاعة أبيه ويكونوا يدا واحدة على دفاع أعداء الله تعالى وأعادية ويشدوا فى مواقف الكريهة أزره ويمتثلوا نهيه وأمره حتى يعظم الانتفاع ويشهر الدفاع ويخلص المصال لله تعالى والمصاع فلو وجد أيده الله تعالى غاية فى تشريفهم لبلغها أو موهبة لسوغها لكن ما بعد ولده العزيز عليه مذهب ولا وراء مباشرتهم بنفسه معزب والله تعالى منجح الأعمال ومبلغ الآمال والكفيل بسعادة المآل
فمن وقف على هذا الظهير الكريم فليعلم مقدار ما تضمنه من أمر مطاع وفخر مستند إلى إجماع ووجوب اتباع وليكن خير مرعى لخير راع بحول الله تعالى
وأقطعه ايده الله تعالى ليكون بعض المواد لأزواد سفره وسماط نفره فى جملة ما أولاه من نعمه وسوغه من موارد كرمه جميع القرية المنسوبة إلى عرب عنان وهى المحلة الأثيرة والمنزلة الشهيرة تنطلق عليها أيدي خدامه ورجاله جارية مجرى صريح ماله محررة من كل وظيفة لاستغلاله أن شاء الله تعالى فهو المستعان سبحانه وكتب فى كذا انتهى
82 - وكتب لسان الدين رحمه الله تعالى فى شأن تقليد الأمير سعد أخى المذكور الأصغر منه سنا ما صورته
هذا ظهير جعل الله تعالى له الملائكة ظهيرا وعقد منه فى سبيل الله تعالى لواء منصورا واعطى المعتمد به باليمن كتابا منشورا ( وما كان عطاء ربك محظورا ) الإسراء واطلع صبح العناية المبصرة الآية يبهر سفورا ويسطع نورا وأقر عيونا للمسلمين وشرح صدورا ووعد الأهلة أن تصير بإمداد شمس الهدى إياها بدورا وبشر الإسلام بالنصر المنتظر والفتح الرائق الغرر

مواسط وثغورا وأتبع حماه الدين لواء الإمارة السعيدة النصرية فأسعد بها آمرا وأكرم بها مأمورا أمر به وامضى العمل بمقتضاه وحسبه امير المسلمين عبد الله محمد ابن امير المسلمين المجاهد فى سبيل رب العالمين أبى الحجاج ابن امير المسلمين المجاهد فى سبيل رب العالمين أبى الوليد ابن فرج بن نصر أعلى الله تعالى رايته وسدد رأيه وشكر عن الإسلام والمسلمين سعيه لقوة عينه ومقتضى حقه من العدو ودينه وغصن دوحه وآية لوحه ودرة قلادته ودرى أفلاك مجادته وسيف نصره وهلال قصره وزينه عصره ومتقبل هديه ورشده ومظنة إشراق سعده وانجاز وعده ولده الأسعد وسليل ملكه المؤيد الأمير الأجل الأعز الأسنى الأطهر الأظهر الأعلى لابس أثواب رضاه ونعمته ومنحة الله لنصره وخدمته ومظهر عزه وبعد همته التقى الرضى العالم العامل الماجد حامى الحمى تحت ظل طاعته وكافى الإسلام الذى يأمن من إضاعته المحرز مزايا الأعمار الطويلة حظ الشهر فى يومه وحظ اليوم فى ساعته الموقر المهيب المؤمل المعظم أبى النصر سعد عرفه الله تعالى ببركة سعد بن عبادة جده خال رسول الله صلى عليه وسلم وأعظم بمجده ووزيره فى حله وعقده وأجناه ثمرة النصر الذى كناه به ووصل سببه بسببه فما النصر إلا من عنده وانتج له الفتح المبين من مقدمتى نصره وسعده لما صرف وجه عنايته إليه فى هذه البلاد الأندلسية التى خلص لله انفرادها وانقطاعها وتمحض لأن تكون كلمة الله هى العليا قراعها وصدق مصالها فى سبيله جل وعلا ومصاعها إلى ما يمهد أرجاءها ويحقق رجاءها من سلم يعقد ولا يعدم الحزم معه ولا يفقد وعطاء ينقد ورأي لا يتعقب ولا ينقد وحرب تضمر له الجياد ويعتقل الأسل المياد وكان الجيش روض أمله الذى فى جناه يسرح ومرمى فكره الذى عنه لا يبرح فديوانه ديوان أمانيه الذى تسهب فيه وتشرح أسهمه من سياسته أوفى الحظوظ

وأسناها وقصر عليه لفظ العناية ومعناها ووقف عليه موحدها ومثناها فازاح علله واحيا امله وأنشا جذله ورفع عنه من لم يبذل الجد له ولا أخلص لله فيه عمله
واختار لقيادة مقانبه المنصورة وامارة غزواته المبرورة أقرب الناس إلى نفسه نسبا وأوصلهم به سببا واحقهم بالرتب المنيفة والمظاهر الشريفة ذاتا وأبا وحدا وشبا وأمره على أشرافه ودل به الأنفال على أعرافه وصرف إليه آماله واستعمل فى أسنته يمينه وفى اعنته شماله وعقد عليه الويته الخافقة لعزة نصره ورأى الظهور على أعداء الله تعالى جنى فهيأه لهصره وأدار هالة قتام الجهاد عن قرب بالولادة على بدره ونبه نفوس المسلمين على جلاله قدرة وقدمه على الكتيبة الثانية من عسكر الغزاة المشتملة على الأشياخ من اولاد يعقوب كبار بنى مرين وسائر قبائلهم المكرمين وغيرهم من القبائل المحترمين ينوب عن امره فى عرض مسائلهم وقرى وافدهم واجراء عوائدهم تقديما تهلل له الإسلام واستبشر وتيقن الظفر فاستبصر لما علم بمن استنصر فليخلصوا له فى طاعته الكبرى الطاعة وليعلقوا ببنان نداه بنان الطماعة ويؤملوا على يديه نجح الوسيلة الى مقامه والشفاعة ويعلموا أن اختصاصهم به هو العنوان على رفع محالهم لديه وعزة شأنهم عليه فلو وجد هضبة أعلى لفرعها لهم وعلاها أو عزة اعز لجلالها أو قبله ازكى لصرف وجوههم شطرها وولاها حتى تجنى ثمرة هذا القصد وتعود بالسعد حركة هذا الرصد وتعلو ذؤابة هذا المجد وتشهد بنصر الدين على يده ألسنة الغور والنجد بفضل الله سبحانه
وعليه اسعد الله الدولة باستعماله مكافحا باعلامها وزينا لأيامها وسيفا فى طاعة إمامها أن يقدم منهم فى مجلسة أهل التقديم ويقابل كرامهم بالتكريم ويستدعى آراء مشايخهم فى المشكلات فى امور الحرب ويغضى جفون عزائمهم فى موقف الصبر والضرب ويتفقدهم باحسانه عند الغناء ويقابل حميد سعيهم

بالثناء على هذا يعتمد وبحسبه يعمل وهو الواجب الذى لا يهمل وقصده بالإعظام والإجلال والانقياد الذى يعود بالآمال وينجح الأعمال بحول الله تعالى متقبل وكتب فى كذا انتهى
83 - ومما اشتمل على نظم لسان الدين ونثره ما كتب به من سلا إلى سلطانه الغنى بالله تعالى وقد بلغه ما كان من صنع الله سبحانه له وعودته إلى سلطانه
( هنيئا بما خولت من رفعه الشان ... وأن كره الباغى وأن رغم الشانى )
( وأن خصك الرحمن جل جلاله ... بمعجزة منسوبة لسليمان )
( اغار على كرسيه بعض جنه ... فالقت له الدنيا مقالد إذعان )
( فلما رآها فتنه خر ساجدا ... وقال الهى امنن على بغفران )
( وهب لى ملكا بعدها ليس ينبغى ... تقلده بعدى لإنس ولا جان )
( فآتاه لما أن اجاب دعاءه ... من العز ما لم يؤت يوما لإنسان )
( وأن كان هذا الأمر فى الدهر مفردا ... فأنت له لما اقتديت به الثانى )
( فقابل صنيع الله بالشكر واستعن ... به واجز إحسان الإله بإحسان )
( وحق الذى سماك باسم محمد ... لو أن الصبا قد عاد منه بريعان )
( لما بلغ النعمى عليك سروره ... اليه واف لا اليه خوان )
( فانى أنا العبد الصريح انتسابه ... كما أنت مولاي العزيز وسلطانى )
( إذا كنت فى عز وملك وغبطة ... فقد نلت اوطاري وراجعت اوطانى )
مولاى الذى شأنه عجب والإيمان بعناية الله تعالى به قد وجب وعزة أظهره من برداء العزة احتجب إذا كانت الغاية لا تدرك فاولى إن تسلم وتترك ومنه الله تعالى عليك ليست مما يشرح قد عقل العقل فما يبرح وقيد اللسان فما يرتعى فى مجال العبارة ولا يسرح اللهم الهمنا على هذه النعمة شكرا

ترضاه وامدادا من لدنك نتقاضاه يا الله يا الله سعود انارت بعد افول شهابها وحياة كرت بعد ذهابها واحباب اجتمعت بعد فراقها واوطان دنت بعد شامها من عراقها واعداء اذهب الله تعالى رسم بغيهم ومحاه وبغاة ادار عليهم الدهر رحاه وعباد اعطوا من كشف الغم ما سالوه ونازحون لو سئلوا فى اتاحة القرب بما فى ارماقهم لبذلوه وسبحان الذى يقول ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا انفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه ) النساء فليهن الإسلام بياض وجهه بعد اسودادة وتغلب اياله من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر على بلاده وعودة الملك المظلوم إلى معتاده واستواء الحق النائى جنبه فوق مهاده ورد الإرث المغصوب الى مستحقه عن آبائه واجداده والحمد لله الذى غسل عن وجه الأمة الحنيفية العار وأنقذ عهدتها وقد ملكها الذعار فرد المعار واعيد الشعار نحمدك اللهم حمدا يليق بقدسك لا بل لا نحصى ثناء عليك أنت كما اثنيت على نفسك
والعبد يا مولاى قد بهرت عقله آلاء الله تعالى قبلك فالفكر جائل واللسان ساكت والعقل ذاهل والطرف باهت فإن اقام رسما للمخاطبة فقلم مرح وركض وطرس هز جناح الارتياح ونفض ليس هذا المرام مما يرام ولا هذه العناية التى تحار فيها الأفهام مما تصمى غرضه السهام فنسأل الله تعالى أن يجعل مولاي من الشاكرين وباحكام تقلبات الأيام من المعتبرين حتى لا يغره السراب الخادع والدهر المرغم للأنوف الجادع ولا يرى فى الوجود غير الله من صانع ولا معط ولا مانع ويمتعه بالعز الجديد ويوفقه للنظر السديد ويلهمه للشكر فهو مفتاح المزيد والسلام انتهى
84 - ومما خاطب به لسان الدين رحمه الله تعالى أبا عبد الله ابن عمر التونسى قوله
سيدي الذى عهده لاينسى وذكره يصبح فى ترديده بالجميل ويمسى

ابقاكم الله تعالى تجلون من السعادة شمسا وتصرفون فى طاعته لسانا فردا وبنانا خمسا وصلنى كتابكم الأشعث الأغبر ومقتضبكم الذى أضغاثه لا تعبر شاهده بعدم الاعتناء اوضاعه معدوما امتاعه قصيرا فى التعريف بالحال المتشوف اليها باعه مضمنا الإحالة على خلى من معناها غير ملتبس بموحدها ولا مثناها سألته كما يسأل المريض عما عند الطبيب ويحرص الحبيب على تعرف احوال الحبيب فذكر أنه لم يتحمل غير تلك السحاءة المعنية فى الاختصار المجحفة بخظى الأسماع والأبصار فهممت بالعتب على البخيل بالكتب ثم عذرت سيدي بما يعترى مثله من شواغل تطرق وخواطر تومض وتبرق وإذا كان آمنا سربه مهنأ شربه فهو الأمل ويقنع هذا المجمل وأن كان التفسير هو الأكمل وما ثم ما يعمل ووده فى كل حال وده والله سبحانه بالتوفيق يمده والسلام
وكانت للسان الدين رحمه الله تعالى مخاطبات كثيرة لسلطان الدولة واعيانها دلت على قوة عارضته فى البلاغة وقد المعنا بجملة منها فى هذا الكتاب فى مواضع ولم نكثر منها طلبا للاختصار أو التوسط بحسب ما اقتضاه الباعث فى الحال والله سبحانه وتعالى يبلغ الآمال ويزكى الأعمال
85 - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما كتبه عن السلطان أبى الحجاج يوسف بن نصر إلى سيد العالمين صلى الله عليه و سلم إثر نظم ونص الكل هو
( إذا فاتنى ظل الحمى ونعيمه ... فحسب فؤادى أن يهب نسيمه )
( ويقنعنى أنى به متكنف ... فزمزمه دمعى وجسمى حطيمة )
( يعود فؤادي ذكر من سكن الغصنا ... فيقعده فوق الغضا ويقيمه )
( ولم أر شيئا كالنسيم إذا سرى ... شفى سقم القلب المشوق سقيمه )
( نعلل بالتذكار نفسا مشوقة ... ندير عليها كأسه ونديمه )

( وما شفنى بالغور قد مرنح ... ولا شاقنى من وحش وجره ريمه )
( ولا سهرت عينى لبرق ثنيه ... من الثغر يبدو موهنا فاشيمه )
( برانى شوق للنبى محمد ... يسوم فؤادي برحة ما يسومه )
( ألا يا رسول الله ناداك ضارع ... على النأى محفوظ الوداد سليمه )
( مشوق إذا ما الليل مد رواقه ... تهم به تحت الظلام همومه )
( إذا ما حديث عنك جاءت به الصبا ... شجاه من الشوق الحثيث قديمه )
( أيجهر بالنجوى وانت سميعها ... ويشرح ما يخفى وأنت عليمه )
( وتعوزه السقيا وأنت غياثه ... وتتلقه الشكوى وأنت رحيمه )
( بنورك نور الله قد اشرق الهدى ... فاقماره وضاحة ونجومه )
( لك انهل فضل الله بالأرض ساكبا ... فانواؤه ملتفة وغيومه )
( ومن فوق اطباق السماء بك اقتدى ... خليل الذى اوطاكها وكليمه )
( لك الخلق الأرضى الذى جل ذكره ... ومجدك فى الذكر العظيم عظيمه )
( يجل مدى علياك عن مدح مادح ... فموسر در القول فيك عديمه )
( ولى يا رسول الله فيك وراثه ... ومجدك لا ينسى الذمام كريمه )
( وعندى الى انصار دينك نسبة ... هى الفخر لا يخشى انتقالا مقيمه )
( وكان بودى أن ازور مبوأ ... بك افتخرت اطلاله ورسومه )
( وقد يجهد الإنسان طرف اعتزامه ... ويعوزه من بعد ذاك مرومه )
( وعذرى فى تسويف عزمى ظاهر ... اذا ضاق عذر العزم عمن يلومه )
( عدتنى باقصى الغرب عن تربك العدا ... جلالقة الثغر الغريب ورومه )
( اجاهد منهم فى سبيلك امة ... هى البحر يعيى امرها من يرومه )
( فلولا اعتناء منك يا ملجأ الورى ... لريع حماه واستبيح حريمه )
( فلا تقطع الحبل الذى قد وصلته ... فمجدك موفور النوال عميمه )

356 - ( وأنت لنا الغيث الذى نستدره ... وأنت لنا الظل الذى نستديمه )
( ولما نأت دارى واعوز مطمعى ... واقلقنى شوق يشب جحيمه )
( بعثت بها جهد المقل معولا ... على مجدك الأعلى الذى جل خيمه )
( وكلت بها همى وصدق قريحتى ... فساعدنى هاء الروى وميمه )
( فلا تنسنى يا خير من وطىء الثرى ... فمثلك لا ينسى لديه خديمه )
( عليك صلاة الله ما ذر شارق ... وما راق من وجه الصباح وسيمه )
إلى رسول الحق إلى كافة الخلق وغمام الرحمة الصادق البرق الحائز فى ميدان اصطفاء الرحمن قصب السبق خاتم الأنبياء وامام ملائكة السماء ومن وجبت له النبوة وآدم بين الطين والماء شفيع أرباب الذنوب وطبيب أدواء القلوب والوسيلة إلى علام الغيوب نبى الهدى الذى طهر قلبه وغفر ذنبه وختم به الرسالة ربه وجرى فى النفوس مجرى الأنفاس حبه الشفيع المشفع يوم العرض المحمود فى ملإ السماء والأرض صاحب اللواء المنشور يوم النشور والمؤتمن على سر الكتاب المسطور ومخرج الناس من الظلمات إلى النور المؤيد بكفاية الله وعصمته الموفور حظه من عنايته ونعمته الظل الخفاق على أمته من لو حازت الشمس بعض كماله ما عدمت إشراقا أو كان للآباء رحمة قبله ذابت نفوسهم اشفاقا فائدة الكون ومعناه وسر الوجود الذى يبهر الوجود سناه وصفى حضرة القدس الذى لا ينام قلبه إذا نامت عيناه البشير الذى سبقت له البشرى ورأى من آيات ربه الكبرى ونزل فيه ( سبحان الذي أسرى ) الاسراء من الأنوار من عنصر نوره مستمدة والآثار تخلق وآثاره مستجدة من طوي بساط الوحى لفقده وسد باب الرسالة والنبوة من بعده واوتى جوامع الكلم فوقفت البلغاء حسرى دون حده الذى انتقل فى الغرر الكريمة نوره وأضاءت لميلاده مصانع الشام وقصوره وطفقت الملائكة تجيئه وفودها وتزوره واخبرت الكتب

357 - المنزلة على الأنبياء باسمائه وصفاته واخذ عهد الإيمان به على من اتصلت بمبعثه منهم ايام حياته المفزع الأمنع يوم الفزع الأكبر والسند المعتمد عليه فى أهوال المحشر ذو المعجزات التى أثبتتها المشاهدة والحس وأقر بها الجن والإنس من جماد يتكلم وجذع لفراقه يتألم وقمر له ينشق وحجر يشهد أن ما جاء به هو الحق وشمس بدعائه عن مسيرها تحبس وماء من بين أصابعه يتبجس وغمام باستسقائه يصوب وطوى بصق فى اجاجها فاصبح ماؤها وهو العذب المشروب المخصوص بمناقب الكمال وكمال المناقب المسمى بالحاشر العاقب ذو المجد البعيد المرامى والمراقب أكرم من رفعت إليه وسيلة المعترف المغترب ونجحت لديه قربة البعيد المقترب سيد الرسل محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذى فاز بطاعته المحسنون واستنقذ بشفاعته المذنبون وسعد باتباعه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون صلى الله عليه و سلم ما لمع برق وهمع ودق وطلعت شمس ونسخ اليوم أمس
من عتيق شفاعته وعبد طاعته المعتصم بسببه المؤمن بالله ثم به المستشفى بذكره كلما تألم المفتتح بالصلاة عليه كلما تكلم الذى أن ذكر تمثل طلوعه بين اصحابه وآله وأن هب النسيم العاطر وجد فيه طيب خلاله وان سمع الأذان تذكر صوت بلاله وأن ذكر القرآن استشعر تردد جبريل بين معاهده وخلاله لاثم تربه ومؤمل قربه ورهين طاعته وحبه المتوسل به إلى رضى الله ربه يوسف بن اسماعيل بن نصر
كتبه اليك يا رسول الله والدمع ماح وخيل الوجد ذات جماح عن شوق يزداد كلما نقص الصبر وانكسار لا يتاح له إلا بدنو مزارك الجبر وكيف لا يعيى مشوقك الأمر وتوطأ على كبده الجمر وقد مطلت الأيام بالقدوم على تربك المقدسة اللحد ووعدت الآمال ودانت باخلاف الوعد وانصرفت الرفاق والعين بنور ضريحك ما اكتحلت والركائب اليك

358 - ما رحلت والعزائم قالت وما فعلت والنواظر فى تلك المشاهد الكريمة لم تسرح وطيور الآمال عن وكور العجز لم تبرح فيا لها من معاهد فاز من حياها ومشاهد ما اعطر رياها بلاد نيطت بها عليك التمائم واشرقت بنورك منها النجود والتهائم ونزل فى حجراتها عليك الملك وانجلى بضياء فرقانك فيها الحلك مدارس الآيات والسور ومطالع المعجزات السافرة الغرر حيث قضيت الفروض وحتمت وافتتحت سورة الرحمن وختمت وابتدئت الملة الحنيفية وتممت ونسخت الآيات واحكمت
أما والذى بعثك بالحق هاديا واطلعك للخلق نورا باديا لا يطفىء غلتى إلا شربك ولا يسكن لوعتى إلا قربك فما اسعد من أفاض من حرم الله إلى حرمك واصبح بعد اداء ما فرضت عن الله ضيف كرمك وعفر الخد فى معاهدك ومعاهد اسرتك وتردد ما بين داري بعثتك وهجرتك وأنى لما عاقتنى عن زيارتك العوائق وأن كان شغلى عنك بك وعدتنى الأعداء فيك عن وصل سببي بسببك واصبحت بين بحر تتلاطم امواجه وعدو تتكاثف افواجه ويحجب الشمس عند الظهيرة عجاجه فى طائفة من المؤمنين بك وطنوا على الصبر نفوسهم وجعلوا التوكل على الله وعليك لبوسهم ورفعوا إلى مصارختك رؤوسهم واستعذبوا فى مرضاه الله تعالى ومرضاتك بوسهم يطيرون من هيعة إلى اخرى ويلتفتون والمخاوف عن يمنى ويسرى ويقارعون وهم الفئة القليلة جموعا كجموع قيصر وكسرى لا يبلغون من عدو هو الذر عند انتشاره عشر معشاره قد باعوا من الله تعالى الحياة الدنيا لان تكون كلمة الله تعالى هى العليا فيا له من سرب مروع وصريخ الا منك ممنوع ودعاء إلى الله وإليك مرفوع وصبية حمر

الحواصل تخفق فوق اوكارها اجنحة المناصل والصليب قد تمطى فمد ذراعيه ورفعت الأطماع وقد حجبت بالقتام السماء وتلاطمت أمواج الحديد والباس الشديد فالتقى الماء ولم يبق إلا وعلى ذلك فما ضعفت البصائر ولا ساءت الظنون وما وعد به الشهداء تعتقده القلوب حتى تشاهده العيون إلى أن نلقاك غدا أن شاء الله تعالى وقد ابلينا العذر وارغمنا الكفر واعملنا فى الله تعالى وسبيلك البيض والسمر استنبت رقعتى هذه لتطير إليك من شوقى بجناح خافق من نيتى التى تصحبها برفيق موافق فتؤدي عن عبدك وتبلغ وتعفر الخد فى تربك وتمرغ بريا معاهدك الطاهرة وبيوتك وتقف وقوف الخضوع والخشوع تجاه تابوتك وتقول بلسان عند التشبث باسبابك والتعلق منكسرة الطرف حذرا بهرجها من عدم الصرف يا غياث الأمة الرحمة ارحم غربتى وانقطاعي وتغمد بطولك قصر باعى وقو على هيبتك خور طباعى فكم جزت من مهول وجبت من حزون وسهول وقابل بالقبول نيابتى وعجل بالرضى اجابتى ومعلوم من كمال تلك الشيم تيك الديم أن لا يخيب قصد من حط بفنائها ولا يظمأ وارد اكب على انائها
اللهم يا من جعلته أول الأنبياء بالمعنى وآخرهم بالصورة واعطيته لواء الحمد يسير آدم فمن تحت ظلاله المنشورة وملكت امته ما زوى له من زوايا البسيطة المعمورة وجعلتنى من امته على حبه المفطورة وشوقتنى الى معاهده المبرورة ومشاهده المزورة ووكلت لسانى عليه وقلبى بالحنين إليه ورغبتنى بالتماس ما لديه فلا تقطع منه أسبابى ولا تحرمنى من ثوابى وتداركنى بشفاعته يوم أخذ كتابى
هذه يا رسول الله وسيلة من بعدت داره وشط مزاره ولم يجعل بيده

اختياره
فأن لم تكن للقبول اهلا فأنت للإغضاء والسماح أهل وأن كانت الفاظها وعرة فجنابك سهل وإن كان الحب يتوارث كما اخبرت والعروق تدس حسبما إليه اشرت فلى بانتسابى سعد عميد انصارك مزية ووسيلة اثيرة حفية فإن لم يكن لى عمل ترتضيه فلى نية فلا تنسنى بهذه الجزيرة المفتتحة بسيف كلمتك على ايدي خيار امتك فأنما نحن بها وديعة تحت بعض نعوذ بوجه ربك من إغفالك ونستنشق من ريح عنايتك نفحة ونرتقب من محيا قبولك لمحة بها عدوا طغى وبغى وبلغ من مضايقتنا ما ابتغى فمواقف التمحيص قد اعيت من كتب والبحر قد اصمت من استصرخ والطاغية فى العدوان مستبصر والعدو محلق والولى وبجاهك ندفع ما لا نطيق وبعنايتك نعالج سقيم الدين فيفيق فلا تفردنا ولا تهملنا وناد ربك ( ربنا ولا تحملنا ) البقرة وطوائف امتك حيث كانوا عناية منك تكفيهم وربك يقول لك وقوله ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) الأنفال 33 والصلاة والسلام عليك يا خير من طاف وسعى داعيا إذا دعا وصلى الله على جميع احزابك وآلك صلاة تليق بجلالك وتحق لكمالك وعلى وصديقيك وحبيبيك ورفيقيك خليفتك فى امتك وفاروقك المستخلف بعده على جلتك ذي النورين المخصوص ببرك ونحلتك وابن عمك سيفك المسلول على حلتك بدر سمائك اهلتك والسلام الكريم عليك وعليهم كثيرا أثيرا ورحمة الله تعالى وبركاته وكتب بحضرة الأندلس غرناطة صانها الله تعالى ووقاها ودفع عنها ببركتك كيد عداها انتهت الرسالة86 - وكتب أيضا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على لسان مخدومه

السلطان الغنى بالله محمد ابن السلطان أبى الحجاج رحم الله تعالى الجميع ما صورته
( دعاك المغربين غريب ... وأنت على بعد المزار قريب )
( مدل باسباب الرجاء وطرفه ... على حكم الحياء مريب )
( يكلف قرص البدر حمل تحية ... إذا ما هوى والشمس حين )
( لترجع من تلك المعالم غدوة ... وقد ذاع من رد التحية طيب )
( ويستودع الريح الشمال ... من الحب لم يعلم بهن رقيب )
( ويطلب فى جيب الجيوب جوابها ... إذا ما اطلت جنيب )
( ويستفهم الكف الخضيب ودمعه ... غراما بحناء النجيع خضيب )
( ويتبع آثار مشيعا ... وقدزمزم الحادى وحن نجيب )
( إذا أثر الأخفاف لاحت محاربا ... يخر عليها وينيب )
( ويلقى ركاب الحج وهى قوافل ... طلاح وقد لبى النداء لبيب )
( فلا قول إلا أنه ... ولا حول إلا زفرة ونحيب )
( غليل ولكن من قبولك منهل ... عليل ولكن من رضاك )
( ألا ليت شعري والأمانى ضله ... وقد تخطىء الآمال ثم تصيب )
( اينجد نجد بعد مزاره ... ويكثب بعد البعد منه كثيب )
( وتقضى ديونى بعدما مطل المدى ... وينفذ بيعى معيب )
( وهل أقتضى دهري فيسمح طائعا ... وادعو بحظى مسمعا فيجيب
( ويا ليت شعرى لحومى مورد ... لديك وهل لى فى رضاك نصيب )
( ولكنك المولى الجواد وجاره ... على اي كان ليس يخيب )
( وكيف يضيق الذرع يوما بقاصد ... وذاك الجناب المستجار رحيب )
( وما هاجنى إلا بارق ... يلوح بفود الليل منه مشيب )

( ذكرت به ركب الحجاز وجيرة ... أهاب بها نحو الحبيب مهيب )
( فبت وجفنى من لآلىء دمعه ... غنى وصبرى للشجون سليب )
( ترنحنى الذكرى ويهفو بى الجوى ... كما مال غصن فى رطيب )
( واحضر تعليلا لشوقى بالمنى ... ويطرق وجد غالب فاغيب )
( مرامى لو الأمانى زوره ... يبث غرام عندها ووجيب )
( فقول حبيب إذ يقول تشوقا ... عسى وطن الى حبيب )
( تعجبت من سيفي وقد جاور الغضا ... بقلبى فلم يسبكه منه مذيب )
( واعجب لا يورق الرمح فى يدي ... ومن فوقه غيث المشوق سكيب )
( فيا سرح ذاك الحي لو اخلف ... لأغناك من صوب الدموع صبيب )
( ويا هاجر الجو الجديب تلبثا ... فعهدي رطب خصيب )
( ويا قادح الزند الشحاح ترفقا ... عليك فشوقى الخارجى شبيب )
( ايا خاتم المكين مكانه ... حديث الغريب الدار فيك غريب )
( فؤادي على جمر البعاد مقلب ... يماح للدموع قليب )
( فو الله ما يزداد إلا تلهبا ... أأبصرت ماء ثار عنه لهيب )
( فليلته ليل ويومها ... إذا شد للشوق العصاب عصيب )
( هواي هدى فيك اهتديت بنوره ... ومنتسبى منك نسيب )
( وحسبىعلى أنى لصحبك منتم ... وللخزرجيين الكرام نسيب )
( عدت عن المشوقة للعدا ... عقارب لا يخفى لهن دبيب )
( حراص على إطفاء نور قدحته ... فمستلب دونه وسليب )
( فكم من شهيد فى رضاك مجدل ... يظلله نسر ويندب ذيب )
( تمر الرياح فوق كلومهم ... فتعبق من انفاسها وتطيب )
( بنصرك عنك الشغل من غير منه ... وهل مشهد ومغيب )

( فإن صح منك الحظ طاوعت المنى ... ويبعد مرمى السهم وهو مصيب )
( ولولاك لم يعجم من عودها ... فعود الصليب الأعجمى صليب )
( وقد كانت الأحوال لولا مراغب ... ضمنت بالظهور تريب )
( فما شئت من نصر عزيز وانعم ... أثاب بهن المؤمنين مثيب )
( منابر اذن الفتح فوقها ... وأفصح للعضب الطرير خطيب )
( نقود الى هيجائها كل صائل ... كما ريع اللحاظ ربيب )
( ونجتاب من سرد اليقين مدارعا ... يكفتها من يجتنى ويثيب )
( إذا الخطى حول غديرها ... يروقك منها لجه وقضيب )
( فعذرا وإغضاء ولا تنس صارخا ... بعزك يرجو ان يجيب مجيب )
( وجاهك بعد الله نرجو وانه ... لحظ ملىء بالوفاء رغيب )
( صلاة الله ما طيب الفضا ... عليك مطيل بالثناء مطيب )
( وما اهتز قد للغصون مرنح ... افتر ثغر للبروق شنيب )
إلى حجة الله تعالى المؤيدة ببراهين أنواره وفائدة الكون ونكته ادواره وصفوة نوع البشر أطواره إلى المجتبى وموجود الوجود لم يغن بمطلق الوجود عديمة المصطفى من ذرية قبل أن يكسو العظام أديمة المحتوم فى القدم وظلمات العدم عند صدق القدم تفضيله وتقديمه وديعة النور المنتقل فى الجباة الكريمة والغرر ودرة الأنبياء التى لها الفضل على الدرروغمام الهامية الدرر إلى مختار الله تعالى المخصوص باجتبائه وحبيبه الذى له المزية على احبائه انبياء الله تعالى آبائه الى الذى شرح صدره وغسله ثم بعثه واسطة بينه وبين العباد وارسله عليه انعامة الذى اجزله وانزل عليه من الهدى والنور ما انزله إلى بشرى المسيح والذبيح لهم التجر الربيح المنصور بالرعب والريح المخصوص

بالنسب الصريح إلى الذى جعله فى المحول غماما وللأنبياء اماما وشق صدره لتلقى روح امره واعلم به فى التوراة والإنجيل اعلاما وعلم المؤمنين صلاة عليه وسلاما إلى الشفيع الذى لا فى العصاة شفاعته والوجيه الذى قرنت بطاعة الله تعالى طاعته والرؤوف الرحيم الذى إلى الله تعالى فى اهل الجرائم ضراعته صاحب الآيات التى لا يسع ردها والمعجزات اربى على الألف عدها فمن قمر شق وجذع حن له وحق وبنان يتفجر بالماء فيقوم بري وطعام يشبع الجمع الكثير يسيره وغمام يظلل به مقامه ومسيرة خطيب المقام المحمود إذا العرض واول من تنشق عنه الأرض ووسيله الله تعالى التى لولاها ما اقرض القرض ولا النفل والفرض محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف المحمود الخلال ذى الجلال الشاهد بصدقه صحف الأنبياء وكتب الأرسال وآياته التىأثلجت القلوب ببرد اليقين صلى الله عليه و سلم ما ذر شارق واومض بارق وفرق بين اليوم الشامس والليل الدامس صلاة تتأرج على شذا الزهر وتتبلج عن سنا الكواكب الزهر وتردد بين السر والجهر ساعات اليوم وأيام الشهر وتدوم بدوام الدهر
من عبد هداه ومستقرى مواقع نداه ومزاحم أبناء انصاره فى منتداه وبعض سهامه المفوقه إلى عداه مؤمل العتق من النار بشفاعته ومحرز طاعة الجبار بطاعته الآمن باتصال رعيه من الله تعالى وإضاعته متخذ الصلاة عليه وسائل نجاة وذخائر فى الشدائذ مرتجاه متاجر غير مزجاة الذى ملأ بحبه جوانح صدره وجعل فكره هالة لبدره وأوجب حقه على قدر لا على قدره محمد بن يوسف بن نصر الأنصارىالخزرجى نسيب سعد بن عبادة من وبوارق سحابه وسيوف نصرته وأقطاب دار هجرته ظلله الله تعالى يوم الفزع الأكبر من عنه بظلال الأمان كما أنار قلبه من هدايتك بانوار الهدى والإيمان وجعله

من أهل السياحة فى فضاء حبك والهيمان
كتبه اليك يا رسول الله واليراع تقتضى الهيبة صفرة لونه والمداد يكاد أن يحول سواد جونه الكتاب يخفق فؤادها حرصا على حفظ اسمك الكريم وصونه والدمع يقطر فتنقط به وتفصل الأسطر وتوهم المثول بمثواك المقدس لا يمر بالخاطر سواه ولا يخطر عن قلب عنك قريح وجفن بالبكاء جريح وتأوه عن تبريح كلما هب من ارضك نسيم ريح وانكسار له إلا جبرك واغتراب لا يؤنس فيه إلا قربك وإن يقض فقبرك وكيف لا يسلم فى مثلها الأسى الصباح والمسا ويرجف جبل الصبر بعدما رسا لولا لعل وعسى فقد سارت الركبان إليك يقض مسير وحومت الأسراب عليك والجناح كسير ووعدت الآمال فاخلفت وحلفت العزائم فلم بما حلفت ولم تحصل النفس من تلك المعاهد ذات الشرف الأثيل إلا على التمثيل ولا من الملتمسة التنوير إلا على التصوير مهبط وحى الله تعالى ومتنزل اسمائه ومتردد ملائكة ومدافن اوليائه وملاحد اصحاب خيرة انبيائه رزقنى الله تعالى الرضى بقضائه والصبر جاحم البعد ورمضائه من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى دار ملك الإسلام بالأندلس قاصية ومسحبة رجلك يا رسول الله وخيلك وأناى مطارح دعوتك ومساحب ذيلك حيث مصاف فى سبيل الله وسبيلك قد ظللها القتام وشهبان الأسنة أطلعها منه الإعتام واسواق بيع النفوس الله تعالى قد تعدد بها الأيامى والأيتام حيث الجراح قد تحلت بعسجد نجيعها النحور والشهداء بها الحور والأمم الغريبة قد قطعها عن المدد البحور حيث المباسم المفترة تجلوها المصارع فتحييها بالعراء ثغور الأزاهر وتندبها صوادح الأدواح برنات تلك المزاهر وتحلى السحاب المعطلة من ظلها بالجواهر وحيث الإسلام من عدوه المكايد بمنزلة

قطرة من عارض غمام وحصاه من ثبير أو شمام وقد سدت الطريق واسلم الفراق الفريق واغص ويئس من الساحل الغريق إلا أن الإسلام بهذه الجهة المتمسكة بحبل الله تعالى وحبلك بادلة سبلك سالم والحمد لله تعالى من الانصداع محروس بفضل الله تعالى من الابتداع من جديد الملة معدوم فيه وجود الطوائف المضلة إلا ما يخص الكفر من هذه العلة على جمع الكثرة من جموعه بجمع القلة
ولهذه الأيام يا رسول الله اقام الله تعالى اوده برا بوجهك الوجيه ورعيا وانجازا لوعدك وهو لا يخلف وعدا ولا يخيب سعيا وفتح لنا فتوحا اشعرتنا برضاه عن وطننا الغريب وبشرتنا منه بغفر التقصير ورفع التثريب ونصرنا وله المنة على عبده الصليب وجعل لألفنا الردينى السردي حكم التغليب وإذا كانت الموالى التى طوقت الأعناق مننها وقررت العوائد الحسان وسننها تبادر إليها نوابها الصرحاء وخدامها النصحاء بالبشائر والمسرات التى تشاع فى وتجلو لديها نتائج ايديها وغايات مباديها وتتاحفها وتهاديها بمجانى جناتها وأزاهر غواديها محاضرها بطرف بواديها فبابك يا رسول الله اولى بذلك واحق ولك الحق الحق والحر عبدك المسترق حسبما سجله الرق وفى رضاك من كل من يلتمس رضاه المطمع ومثواك وملوك الإسلام فى الحقيقة عبيد سدتك المؤملة وخول مثابتك المحسنة بالحسنات المجملة تعشو إلى بدورك المكملة وبعض سيوفك المقلدة فى سبيل الله تعالى المحملة وحرسة وسلاح جهادك وبروق عهادك
وأن مكفول احترامك الذى لا يخفر وربى انعامك الذى لا يكفر وملتحف جاهك الذى يمحى ذنبه أن شاء الله تعالى ويغفر يطالع روضة الجنة المفتحة ابوابها بمثواك ويفاتح صوان القدس اجنك وحواك

وينثر بضائع الصلاة عليك بين يدي الضريح الذى طواك ويعرض جنى ما غرست وبذرت ما بشرت به لما بشرت وانذرت وما انتهى إليه طلق جهادك ومصب عهادك لتقر عين التى انام العيون الساهرة هجوعها واشبع البطون ورواها ظمؤها فى الله تعالى وجوعها كانت الأمور بمرأى من عين عنايتك وغيبها متعرف بين إفصاحك وكنايتك ومجملة يا رسول صلى الله عليك وبلغ وسيلتى إليك هو أن الله سبحانه لما عرفنى لطفه الخفى فى التمحيص عدم المحيص ثم فى التخصيص المغنى بعيانه عن التنصيص وفق ببركاتك السارية فى القلوب ووسائل محبتك العائدة بنيل المطلوب إلى استفادة عظة واعتبار واغتنام اقبال ادبار ومزيد استبصار واستعانه بالله تعالى وانتصار فسكن هبوب الكفر بعد إعصار وحل الإسلام بعد حصار وجرت على سنن السنة بحسب الاستطاعة والمنة السيرة وجبرت القلوب الكسيرة وسهلت المآرب العسيرة ورفع بيد العزة الضيم وكشف بنور البصيرة الغيم القليل على الكثير وباء الكفر بخطه التعثير واستوى الدين الحنيف على المهاد الوثير فاهتبلنا رسول الله غرة العدو وانتهزناها وشمنا صوارم عزة الغدو وهززناها وأزحنا علل الجيوش
فكان مما ساعد عليه القدر والخطب المبتدر والورد الذى حسن بعده الصدر أننا عاجلنا مدينة وقد جرعت الأختين مالقه ورندة من مدائن دينك ومزابن ميادينك أكواس الفراق وأذكرت مثل بالعراق وسدت طرق التزاور عن الطراق واسالت المسيل بالنجيع المراق فى مراصد المراد ومنعت المراسلة مع هدير الحمام لا بل مع طيف المنام عند الإلمام فيسر الله تعالى اقتحامها بيض الشفار

فى زرق الكفار الحامها وازال بشر السيوف من بين تلك الحروف اقحامها فانطلق المسرى القواعد الحسرى وعدمت بطريقها المخيف مصارع الصرعى ومثاقف الأسرى والحمد على فتحه الأسنى ومنحه الأسرى ولا إله إلا هو منفل قيصر وكسرى وفاتح مغلقاتهما المنيعة واستولى الإسلام منها على قرار جنات وأم بنات وقاعدة حصون وشجرة غصون طهرت مساجدها المكرهة وفجع بحفظها الفيل الأفيل وابرهه وانطلقت بذكر الله الألسنة المدرهة وفاز بسبق جيادك الفرهة هذا وطاغية الروم على توفر جموعه وهول مرئيه ومسموعه قريب جواره يتصل خواره وقد حرك اليها الحنين حواره
ثم نازل المسلمون بعدها شجا الإسلام الذى اعيا النطاسى علاجه وكرك هذا القطر الذى لا أعلامه ولا تصاول اعلاجه وركاب الغارات التى تطوى المراحل إلى مكايدة المسلمين طى وحجر الحيات التى لا تخلع على اختلاف الفصول جلود الزرود ومنغص الورود فى العذب ومقض المضاجع وحلم الهاجع ومجهز الخطب الفاجىء الفاجع ومستدرك فاتكة الراجع هبوب الطائر الساجع حصن آشر حماه الله تعالى دعاء لا خبرا كما جعله للمتفكرين فى قدرته فأحاطوا به إحاطة القلادة بالجيد وأذلوا عزته بعزة ذى العرش المجيد وحفت به الرايات وسمك ويلوح فى صفحاتها اسم الله تعالى واسمك فلا ترى إلا نفوسا تتزاحم على مورد أسرابها وليوثا يصدق فى الله تعالى ضرابها وأرسل الله عليها رجزا إسرائيليا من جراد تشذ آياته عن الأفهام

وسدد إلى الجبل النفوس القابلة للإلهام من بعد الاستغلاق والاستبهام وقد عبثت جوارح صخوره قنائص الهام واعيا صعبه على الجيش اللهام فأخذ مسائغه النقض والنقب ورغا فوق أهله ونصبت المعارج والمراقى وقرعت المناكب والتراقى واغتنم الصادقون مع الله تعالى الحظ وقال الشهيد السابق يا فوز استباقى ودخل البلد فالحم السيف واستلب البحت والزيف ثم القصبة فعلت اعلامك فى ابراجها المشيدة وظفر ناشد دينك منها بالنشيدة وشكر الله فى قصدها مساعى النصائح الرشيدة وعمل ما يرضيك يا رسول الله فى سد ثلمها وصون ومداواة المها حرصا على الاقتداء فى مثلها باعمالك والاهتداء بمشكاة كمالك ورتب فيها تشجى العدو وتصل فى مرضاة الله تعالى ومرضاتك برواحها الغدو
ثم كان الغزو الى مدينة إطريرة بنت حاضرة الكفر اشبيلية التى اظلتها بالجناح الساتر وأنامتها ضمان الأمان للحسام الباتر وقد وتر الإسلام من هذه المومسة البائسة بوتر الواتر واحفظ منها الوقاح المهاتر لما جرته على أسراه من عمل الخاتل الخاتر حسب المنقول لا بل المتواتر اليها المسلمون المدى النازح ولم تشك المطى الروازح وصدق الجد جدها المازح وخفقت أو كارها اجنحة الأعلام وغشيتها أفواج الملائكة الموسومة وظلال الغمام وصابت من السهام الرهام وكاد يكفى السهام على الأرض ارتجاج اجوائها بكلمة الإسلام وقد صم خاطب عروس

عن الملام وسمح بالعزيز المصون مبايع الملك العلام وتكلم لسان الحديد الصامت وصمت إلا بذكر الله الكلام ووفت الأوتار بالأوتار ووصل بالخطى ذرع الأبيض البتار وسلطت النار على أربابها الله تعالى فى تبار تلك الأمة وتبابها فنزلوا على حكم السيف آلافا بعد أن اتلفوا بالسلاح إتلافا المقاتلة كتافا وقرنوا فى الجدل أكتافا اكتافا وحملت العقائل والخرائد والولدان والولائد من فوق الظهور واردافا واقلت منها أفلاك الحمول بدورا تضىء من ليالى المحاق اسدافا الأيدي من المواهب والغنائم بما لا يصوره حلم النائم وتركت العوافى تتداعى الى تلك وتفتن من مطاعمها فى الملائم وشنت الغارات على حمص فجللت خارجها مغارا وكست الروم بها صغارا وأجحرت ابطالها احجارا واستاقت من النعم ما لا يقبل الحصر استبحارا
ولم يكن إلا ان عدل القسم واستقل بالقفول العزيز الرسم ووضح من التوفيق الوسم فكانت الى قاعدة جيان قيعة الظل الأبرد ونسيجه المنوال المفرد وكناس الغيد الخرد وكرسى وبحر العمارة ومهوى هوى الغيث الهتون وحزب التين والزيتون حيث خندق الجنة تدنو النار مجانيه وتشرق بشواطىء الأنهار إشراق الأزهار زهر مبانية والقلعة التى تختمت بنان بخواتيم النجوم وهمت من دون سحابها البيض سحائب الغيث السجوم والعقيلة التى أبدى يوم طلاقها وهجوم فراقها سمة الوجوم لذلك الهجوم فرمتها البلاد المسلمة بأفلاذ اكبادها وأجابت منادي دعوتك الصادقة الصادعة وحبتها بالفادحة الفادعة فغصت الربى والوهاد بالتكبير والتهليل الخيل بالصهيل وانهالت الجموع المجاهدة فى الله تعالى انهيال الكثيب المهيل وفهمت نفوس العباد فى الله تعالى حق الجهاد معانى التيسير من ربها والتسهيل وسفرت الرايات عن المرأى وأربت المحلات المسلمة على التاميل ولما صبحتها

النواصى المقبلة الغرر والأعلام المكتتبة الطرر برز حاميتها مصحرين وللحوزة المستباحة فكاثرهم من سرعان الأبطال رجل الدبا ونبت الوهاد والربى فاقحموهم من وراء السور اقلام الرماح فى بسط عددهم المكسور وتركت صرعاهم ولائم للنسور ثم اقتحموا ربض الأعظم ففرعوه وجدلوا من دافع عن أسواره وصرعوه وأكواس الحتوف جرعوه ولم اولى الناس باخراهم ويحمد بمخيم النصر العزيز سراهم حتى خذل الكافر الصبر وأسلم ونزل على المسلمين النصر فدخل البلد وطاح فى السيل الجارف الوالد منه والولد وأتهم والمتلد فكان هولا بعيد الشناعة وبعثا كقيام الساعة أعجل المجانيق عن الركوع والسجود عن مطاولة النجود والأيدي عن ردم الخنادق والأغوار والأكبش عن مناطحة الأسوار عن إصعاق الفجار وعمد الحديد ومعاول البأس الشديد عن نقب الابراج ونقض الأحجار الكثبان وابيد الشيب والشبان وكسرت الصلبان وفجع بهدم الكنائس الرهبان واهبطت من مراقيها العالية وصروحها المتعالية وخلعت السنتها الكاذبة ونقل ما استطاعته الأيدي وعجزت عن الأسلاب ذوات الظهور وجلل الإسلام شعار العز والظهور بما خلت عن سوالف الدهور والأعوام والشهور وأعرست الشهداء ومن النفوس المبيعة من الله تعالى نحل والمهور ومن بعد ذلك هدم السور ومحيت عن محيطة المحكم السطور وكاد يسير ذلك الذى اقتعدته المدينة ويدك ذلك الطور ومن بعد ما خرب الوجار عقرت الأشجار وعفر المنار وسلطت على

372 - التراب والماء النار وارتحل عنها المسلمون وقد عمتها المصائب واصمى لبتها السهم الصائب وجللتها القشاعم العصائب فالذئاب فى الليل البهيم تعسل والضباع من الحدب البعيد تنسل وقد ضاقت الجدل عن المخانق وبيع العرض الثمين بالدانق وسبكت أسورة الأسوار وسويت الهضاب بالأغوار واكتسحت الأحواز القاصية سرايا الغوار وحجبت بالدخان مطالع الأنوار وتخلفت قاعتها عبرة للمعتبرين وعظة للناظرين وآية للمستبصرين ونادى لسان الحمية يا لثارات الإسكندرية فاسمع آذان المقيمين والمسافرين وأحق الله الحق بكلماته وقطع دابر الكافرين
ثم كانت الحركة الى اختها الكبرى ولدتها الحزينة عليها العبرى مدينة أبدة ذات العمران المستبحر والربض الخرق المصحر والمبانى الشم الأنوف وعقائل المصانع الجمة الحلى والشنوف والغاب الأنوف بلدة التجر والعسكر المجر وأفق الضلال الفاجر الكذب على الله تعالى الكاذب الفجر فخذل الله تعالى حاميتها التى يعيي الحسبان عدها وسجر بحورها التى لايرام مدها وحقت عليها كلمة الله تعالى التى لايستطاع ردها فدخلت لأول وهلة واستوعب جمها والمنة لله تعالى فى نهلة ولم يكف السيف من عليها ولا مهلة فلما تناولها العفا والتخريب واستباحها الفتح القريب واسند عن عواليها حديث النصر الحسن الغريب وأقعدت أبراجها من بعد القيام والانتصاب واضرعت مسايفها لهول المصاب انصرف عنها المسلمون بالفتح الذى عظم صيته والعز الذى سما طرفه واشرأب ليته والعزم الذى حمد مسراه ومبيته والحمد لله ناظم الأمر وقد راب شتيته وجابر الكسر وقد افات الجبر مفيته

373 - ثم كان الغزو الى أم البلاد ومثوى الطارف والتلاد قرطبة وما قرطبةالمدينة التى على عمل أهلها فى القديم بهذا الإقليم كان العمل والكرسى الذى بعصاه رعى الهمل والمصر الذى له فى خطة المعمور الناقة والجمل والأفق الذى هو لشمس الخلافة العبشمية الحمل فخيم الإسلام بعقوتها المستباحة وأجاز نهرها المعيى على السباحة وعم دوحها الأشب بوارا وادار المحلات بسورها سوارا وأخذ بمخنقها حصارا واعمل النصر بشجر بصلها اجتناء ما شاء واهتصارا وجدل من أبطالها من لم يرض انجحارا فاعمل الى المسلمين إصحارا حتى فرغ بعض جهاتها غلابا جهارا ورفعت الأعلام إعلاما بعز الإسلام واظهارا فلولا استهلال الغوادي وان اتى الوادي لأفضت الى فتح الفتوح تلك المبادى ولقضى تفثه العاكف والبادى فاقتضى الرأى ولذنب الزمان فى اغتصاب الكفر إياها متاب تعمل ببشراه بفضل الله تعالى أقتاد واقتاب ولكل اجل كتاب ان يراض صعبها حتى يعود ذلولا وتعفى معاهدها الآهلة فتترك طلولا فاذا فجع الله تعالى بمارج النار طوائفها المارجة واباد بخارجها الطائرة والدارجة خطب السيف منها أم خارجة فعند ذلك أطلقنا بها ألسنة النار ومفارق الهضاب بالهشيم قد شابت والغلات المستغلات قد دعا بها القصل فما ارتابت وكأن صحيفة نهرها لما

374 - أضرمت النار فى ظهرها ذابت وحيته فرت أمام الحريق فانسابت وتخلفت لغمائم الدخان عمائم تلويها برؤوس الجبال ايدي الرياح وتنشرها بعد الركود ايدي الاجتياح واغريت باقطارها الشاسعة وجهاتها الواسعة جنود الجوع وتوعدت بالرجوع فسلب اهلها لتوقع الهجوم منزور الهجوع فأعلامها خاشعة خاضعة وولدانها لثدي البؤس راضعة والله سبحانه يوفد بخبر فتحها القريب ركاب البشرى وينشر رحمته قبلنا نشرا
ثم تنوعت يا رسول الله لهذا العهد أحوال العدو تنوعا يوهم إفاقته من الغمرة وكادت فتنته تؤذن بخمود الجمرة وتوقع الواقع وحذر ذلك السم الناقع وخيف الخرق الذى يحار فيه الراقع فتعرفنا عوائد الله سبحانه ببركة هدايتك وموصول عنايتك فأنزل النصر والسكينة ومكن العقائد المكينة فثابت العزائم وهبت واطردت عوائد الإقدام واستتبت وما راع العدو إلا خيل الله تعالى تجوس خلاله وشمس الحق توجب ظلاله وهداك الذى هديت يدحض ضلاله ونازلنا حصنى قنبيل والحائر وهما معقلان متجاوران يتناجى منهما الساكن سرارا وقد اتخذا بين النجوم قرارا وفصل بينهما حسام النهر يروق غرارا والتف معصمه فى حلة العصب وقد جعل الجسر سوارا فخذل الصليب بذلك الثغر من تولاه وارتفعت أعلام الإسلام باعلاه وتبرجت عروس الفتح المبين بمجلاه والحمد لله تعالى على ما أولاه
ثم تحركنا على تفئة تعدي ثغر الموسطة على عدوة المساور فى المضاجع ومصبحة بالفاجىء الفاجع فنازلنا حصن روطة الآخذ بالكظم المعترض بالشجا اعتراض العظم وقد شحنه العدو مددا بئيسا ولم يأل اختياره رايا ولا تلبيسا فاعيا داؤه واستقلت بالمدافعة أعداؤه ولما اتلع اليه جيد المنجنيق

375 - وقد برك عليه بروك الفنيق وشد عصام العزم الوثيق لجأ أهله إلى التماس العهود والمواثيق وقد غصوا بالريق وكاد يذهب بابصارهم لمعان البريق فسكناه من حاميه المجاهدين بمن يحمي ذماره ويقرر اعتماره واستولى أهل الثغور إلى هذا الحد على معاقل كانت مستغلقة ففتحوها وشرعوا أرشية الرماح إلى قلب قلوبها فمتحوها
ولم تكد الجيوش المجاهدة تنفض عن الأعراف متراكم الغبار وترخى عن آباط خيلها شد حزم المغار حتى عاودت النفوس شوقها واستتبعت ذوقها وخطبت التى لا فوقها وذهبت بها الآمال إلى الغاية القاصية والمدارك المتصاعبة على الأفكار المتعاصية فقصدنا الجزيرة الخضراء باب هذا الوطن الذى منه طرق وادعه ومطلع الحق الذى صدع الباطل صادعه وثنية الفتح التى برق منها لامعه ومشرف الهجوم الذى لم تكن لتعثر على غيره مطامعه وفرضه المجاز التى لا تنكر ومجمع البحرين فى بعض ما يذكر حيث يتقارب الشطان ويتوازى الخطان وكاد أن تلتقى حلقتا البطان وقد كان الكفر قدر قدر هذه الفرضة التى طرق منها حماه ورماه الفتح الأول بما رماه وعلم أن لا تتصل ايدي المسلمين باخوانهم إلا من تلقائها وأنه لا يعدم المكروه مع بقائها فاجلب عليها برجله وخيله وسد افق البحر باساطيله ومراكب اباطيله بقطع ليله وتداعى المسلمون بالعدوتين الى استنقاذها من لهواته أو امساكها من دون مهواته فعجز الحول ووقع بملكه إياها القول واحتازها قهرا وقد صابرت الضيق ما يناهز ثلاثين شهرا وأطرق الإسلام بعدها إطراق الوجم واسودت الوجوه لخبرها الهاجم وبكتها حتى دمووع الغيث الساجم وانقطع المدد إلا من رحمه من ينفس الكروب ويغري بالإدالة الشروق والغروب ولما شكنا بشبا الله تعالى نحرها واغصصنا بجيوش الماء وجيوش الأرض تكاثر نجم السماء برها وبحرها ونازلناها نذيقها شديد النزال ونحجها بصدق الوعيد فى سبيل الاعتزال راينا باوا لا يظاهر إلا بالله تعالى ولا يطال

376 - وممنعه يتحاماها الأبطال وجنابا روضة الغيث الهطال أما أسواقها فهى التى اخذت النجد والغور واستعدت بجدال الجلاد عن البلاد فارتكبت الدور تحوز بحرا من العمارة ثانيا وتشكك ان يكون الإنس لها بانيا وأما ابراجها فصفوف وصفوف تزين صفحات المسايف منها انوف وآذان لها من دوامغ الصخر شنوف وأما خندقها فصخر مجلوب وسور مقلوب فصدقها المسلمون القتال بحسب محلها من نفوسهم واقتران اغتصابها ببوسهم وافول شموسهم فرشقوها من النبال بظلالة تحجب الشمس فلا يشرق سناها وعرجوا فى المراقى البعيدة يفرعون مبناها ونفوسها انقابا وحصونها عقابا ودخلوا مدينه البنة بنتها غلابا واحسبوا السيوف استلالا والأيدي اكتسابا واستوعب القتل مقاتلتها السابغة الجنن البالغة المنن فاخذهم الهول المتفاقم وجدلوا كأنهم الأراقم لم تفلت منهم عين تطرف ولا لسان يلبى من يستطلع الخبر أو يستشرف
ثم سمت الهمم الإيمانية إلى المدينة الكبرى فداروا سوارا على سورها وتجاسروا على اقتحام اودية الفناء من فوق جسورها وادنوا إليها بالضروب من حيل الحروب بروجا مشيدة ومجانيق توثق حبالها منها نشيدة وخفقت بنصر الله تعالى عذبات الأعلام وأهدت الملائكة مدد السلام فخذل الله تعالى كفارها وأكهم شفارها وقلم بيد قدرته أظفارها فالتمسوا الأمان للخروج ونزلوا على مراقى العروج إلى الأباطح والمروج من سمائها ذات البروج فكان بروزهم إلى العراء من الأرض تذكرة بيوم العرض وقدر

377 - جلل المقاتلة الصغار وتعلق بالأمان النساء والصغار وبودرت المدينة بالتطهير ونطقت المآذن العالية بالأذان الشهير والذكر الجهير وطرحت كفارها الثماثيل عن المسجد الكبير وأزرى بالسنة النواقيس لسان التهليل والتكبير وانزلت عن الصروح اجرامها يعيي الهندام مرامها والفى منبر الإسلام بها مجفوا فانست غربته واعيد اليه قربة وقربته وتلا واعظ الجمع المشهود قول منجز الوعود ومورق العود ( وما ظلمناهم ولكن ظلموا انفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التى يدعون من دون الله من شىء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب وكذلك أخذ ربك أذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد إن فى ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ) هود فكان الدمع يغرق الآماق والوجد يستأصل الأرماق وارتفعت الرغبات وعلت السيات وجىء بأسرى المسلمين يرسفون فى القيود الثقال وينسلون من أحداب الاعتقال ففكت عن سوقهم أساود الحديد وعن أعناقهم فلكات البأس الشديد وظللوا بجناح اللطف العريض المديد وترتبت فى المقاعد الحامية وأزهرت بذكر الله تعالى المآذن السامية وعادت المدينة لأحسن أحوالها وسكنت من بعد أهوالها وعادت الجالية إلى اموالها ورجع إلى القطر شبابه ورد على دار الإسلام بابه واتصلت باهل لا إله إلا الله اسبابه فهى اليوم فى بلاد الإسلام قلادة النحر وحاضرة البر والبحر أبقى الله تعالى عليها وعلى ما وراءها من بيوت امتك ودائع الله تعالى فى ذمتك بكلمة دينك الصالحة الباقية وسدل عليه أستار عصمته الواقية وعدنا والصلاة عليك شعار البروز والقفول وهجيرا الشروق والأفول والجهاد يا رسول الله الشأن المعتمد ما امتد بالأجل الأمد والمستعان الفرد الصمد
ولهذا العهد يا رسول الله صلى الله عليك وبلغ وسيلتى إليك بلغ من هذا

378 - القطر المرتدى بجاهك الذى لا يذل من ادرعه ولا يضل من اهتدى بالسبيل الذى شرعه إلى أن لا طفنا ملك الروم باربعة من البلاد كان الكفر قد اغتصبها ورفع التماثيل ببيوت الله تعالى ونصبها فانجاب عنها بنورك الحلك ودار بادالتها إلى دعوتك الفلك وعاد إلى مكاتبها القرآن الذى نزل به على قلبك الملك فوجبت مطالعة مقرك النبوى باحوال هذه الأمة المكفولة فى حجرك المفضلة بإدارة تجرك المهتدية بانوار فجرك وهل هو إلا ثمرات سعيك ونتائج رعيك وبركة حبك ورضاك الكفيل برضى ربك وغمام رعدك وانجاز وعدك وشعاع من نور سعدك وبذر يجنى ريعه من بعدك ونصر رايتك وبرهان آيتك واثر حمايتك ورعايتك
واستنبت هذه الرسالة مائحة بحر الندى الممنوح ومفاتحة باب الهدى بفتح الفتوح وفارعة المظاهر والصروح وملقية الرحل بمتنزل الملائكة والروح لتمد إلى قبولك يد استمناح وتطير إليك من الشوق الحثيث بجناح ثم تقف موقف الانكسار وأن كان تجرها آمنا من الخسار وتقدم بانس القربة وتحجم بوحشة الغربة وتتاخر بالهيبة وتجهش لطول الغيبة وتقول ارحم بعد دارى وضعف اقتدارى وانتزاح اوطانى وخلو اعطانى وقلة زادي وفراغ مزادي وتقبل وسيلة اعترافى وتغمد هفوة اقترافى وعجل بالرضى انصراف متحملى لانصرافى فكم جبت من بحر زاخر وقفر بالركاب ساخر وحاش لله تعالى أن يخيب قاصدك أو تتخطانى مقاصدك أو تطردنى موائدك أو تضيق عنى عوائدك ثم تمد مقتضية مزيد رحمتك مستدعية دعاء من حضر من أمتك وأصحبتها يا رسول الله عرضا من النواقيس التى كانت بهذه البلاد المفتتحة تعيق الإقامة والأذان وتسمع الأسماع الضالة والآذان مما قبل الحركة وسالم المعركة ومكن من نقله الأيدي المشتركة واستحق بالقدوم عليك والإسلام بين يديك السابقة فى الأزل البركة وما سواها فكانت جبالا عجز عن نقلها الهندام فنسخ وجودها الإعدام وهى يا

379 - رسول الله جنى من جنانك ورطب من أفنانك وأثر ظهر علينا من مسحة حنانك
هذه هى الحال والانتحال والعائق أن تشد اليك الرحال ويعمل الترحال إلى أن نلقاك فى عرصات القيامة شفيعا ونحل بجاهك أن شاء الله تعالى محلا رفيعا ونقدم فى زمرة الشهداء الدامية كلومهم من أجلك الناهلة غللهم فى سجلك ونبتهل إلى الله تعالى الذى اطلعك فى سماء الهداية سراجا واعلى لك فى السبع الطباق معراجا وأم الأنبياء منك بالنبى الخاتم وقفى على آثار نجومها المشرقة بقمرك العاتم أن لا يقطع عن هذه الأمة الغريبة أسبابك ولا يسد فى وجوهها أبوابك ويوفقها لاتباع هداك ويثبت أقدامها على جهاد عداك وكيف تعدم ترفيها أو تخشى بخسا وانت موفيها أو يعذبها الله تعالى وأنت فيها وصلاة الله وسلامه تحط بفنائك رحال طيبها وتهدر فى ناديك شقاشق خطيبها ما أذكر الصباح الطلق هداك والغمام السكب نداك وما حن مشتاق إلى لثم ضريحك وبليت نسمات الأسحار عما استرقت من ريحك وكتب فى كذا
انتهت الرسالة وفيها ما لا خفاء به من براعة لسان الدين رحمه الله تعالى وقدس روحه الطاهرة آمين
87 - ومما علق بحفظى من نثره رحمه الله تعالى اثناء رسالة فى العزاء خاطب بها ملك المغرب قوله بعد كلام أين مروان بن الحكم ودهاؤه وعبد الملك بن مروان وبهاؤه والوليد وبناؤه وسليمان وغذاؤه وعمر بن عبد العزيز وثناؤه ويزيد ونساؤه وهشام وخيلاؤه والوليد وندماؤه والجعدى وآراؤه أم اين السفاح وحسامه والمنصور واعتزامه والمهدى واعظامه والهادى واقدامه والرشيد وأيامه والأمين وندامه والمأمون وكلامه والمعتصم واسراجه والجامه انتهى

380 - وقد تقدم كلام ابى الخطاب ابن دحية فى هذا المعنى بطوله فى الباب الثانى من هذا القسم فليراجع ثمة
للمقري محاكيا لسان الدين
قلت وقد تقدم فى الخطبة نظمى لمثل هذا وقد كنت نسجت على منوال لسان الدين وأنا بالمغرب نثرا مما لم يحضرنى منه الآن غير قولى اين الإسكندر ويونانه وشداد وبنيانه والنمروذ وعدوانه وفرعون وهامانه وقارون وطغيانه وكسرى انوشروان وإيوانه وقيصر وبطارقته وأعوانه وسيف ابن ذى يزن وغمدانه والمنذر ونعمانه إلى أن قلت واين أبو بكر رضى الله تعالى عنه وثباته وعمر رضى الله تعالى عنه ووثباته وعثمان رضى الله تعالى عنه ورهباته أم اين علي رضى الله تعالى عنه وشجاعته وعلمه وأين معاوية رضى الله تعالى عنه وحمله وأين يزيد وظلمه
ثم ذكرت ما تقدم للسان الدين وقلت بعده وأين الواثق وغناؤه والمتوكل ومواليه وأولياؤه وأبناؤه والمنتصر وآماله والمعتز وجماله والمستعين وعماله والمهتدي وأعماله والمعتضد وذكاؤه وإحاطته بالأخبار واشتماله والمقتدر ونساؤه وإهماله إلى أن قلت وأين بنو عبيد وضلالهم وبنو بويه وجلالهم وبنو سلجوق ونظامهم وبنو سامان وإعظامهم وبنو ايوب وصلاحهم والجراكسة ومبانيهم وسلاحهم
ثم قلت فى ملوك المغرب وأين عبد الرحمن الداخل وأمراؤه والناصر وزهراؤه والحكم ووزراؤه والمؤيد وظهراؤه أم اين المنصور بن أبى عامر وغزواته ومواليه والمظفر وأدواته ومعاليه أم أين بنو حمود

381 - وعلاهم وأوصافهم وحلاهم وبنو جهور وحزمهم وبنو باديس وعزمهم وأين معتضد بنى عباد ومعتمدهم الذى سنا كرمه للمعتفين باد وبنو ذى النون ومزيتهم وبنو صمادح ومريتهم وبنو الأفطس وبنو هود وما كان لهم من المكارم فى الحفل المشهود وأين لمتونه وصبرهم الذى ركبوا متونه أم أين الموحدون وناصرهم ومنصورهم ومصانعهم وقصورهم أم أين بنو الأحمر وغرناطتهم وإزالتهم عن حوزة الدين أدناس المعتدين وإماطتهم وجعلهم الأمور لمثل أبن الحكيم ولسان الدين واناطتهم أم أين بنو مرين وفارسهم ومغانيهم ومدارسهم وأين بنو زيان ومنازلهم الشاهقة وأشجار عزهم الباسقة واين الحفصيون ومستنصرهم الذى قضى للمعالى الديون وابو فارس الذى شنفت باخباره آذان الطروس والفهارس طحنت والله تعالى الجميع رحى المنون وتأيمت الأزواج ويتم البنون وطالت الأيام والسنون وبقيت القصور العالية خالية والرسوم المتكاثرة داثرة والسلوك المنظومة متناثرة وعن قريب يقف الكل بين يدي رب الأرباب فى يوم تذهل فيه الألباب وتنقطع إلا من رسول الله صلى الله عليه و سلم الأسباب ويقتص للمظلوم من الظالم وتنبهم للنجاة الطرق والمعالم وتبلى السرائر لدى من هو بها عالم ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) آل عمران يوم يحكم الله تعالى فى الخلق بالحق حسبما سبق فى علمه إذ جعلهم قريبا وبعيدا وشقيا وسعيدا اللهم اجعلنا فى ذلك اليوم الصعب ممن فاز بالنجاة وحاز شفاعة نبيك ومصطفاك ذى الحرمة والجاه صلى الله عليه و سلم وشرف وكرم انتهى
رجع لنثر لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى 88 - ومن كلام لسان الدين رحمه الله تعالى ما خاطب به سلطان المغرب

382 - أبا زيان لما تم له الأمر وهو مشتمل على نظم ونثر ونصه
( يا ابن الخلائف يا سمى محمد ... يا من علاه ليس يحصر حاصر )
( أبشر فانت مجدد الملك الذى ... لولاك أصبح وهو رسم داثر )
( من ذا يعاند منك وارثه الذى ... بسعوده فلك المشيئة دائر )
( ألقت اليك يد الخلافة أمرها ... إذ كنت انت لها الولى الناصر )
( هذا وبينك للصريخ وبينها ... حرب مضرسة وبحر زاخر )
( من كان هذا الصنع اول أمره ... حسنت له العقبى وعز الآخر )
( مولاي عندي فى علاك محبة ... والله يعلم ما تكن ضمائر )
( قلبى يحدثنى بانك جابر ... كسرى وحظى منك حظ وافر )
( بثرى جدودك قد حططت حقيبتى ... فوسيلتى لعلاك نور باهر )
( وبذلت وسعى واجتهادى مثلما ... يلقى لملكك سيف أمرك عامر )
( فهو الولى لدى الذى اقتحم الردى ... وقضى العزيمة وهو سيف باتر )
( وولى جدك فى الشدائد عندما ... خذلت علاه قبائل وعشائر )
( فاستهد منه النصح واعلم أنه ... فى كل معضلة طبيب ماهر )
( أن كنت قد عجلت بعض مدائحى ... فهى الرياض وللرياض بواكر )
مولانا وعمدة ديننا ودنيانا الذى سخر الله تعالى البر والبحر بامره وحكم فوق السموات السبع بعز نصره واغنى يوم سعده عن سل السلاح وشهرة وفتق عن زهر الصنع الجميل كمامه تسليمه وصبره وقيض له فى علم غيبه وزيرا مذخورا لشد أزره وقود الملك إليه على حال حصره الخليفة الإمام الذى استبشر به الإسلام وخفقت بعزة الأعلام ولاح بدر محياه فافتض الظلام المقتدى بالنبى الكريم سمية فى المراشد التى تألق منها الصبح والمقاصد التى لازمها النجح والتمحيص الذى نبع منه المنح حتى

383 - فى الهجرة التى جاءه بعدها الفتح أبو زيان ابن مولانا السلطان ولى العهد ترشيحا ومآلا ومؤمل الإسلام تقلدا للمذهب الصريح وانتحالا وامير المسلمين لو أوسعه القدر امهالا ووسطى عقد البنين خلائق متعددة وخلالا المتحف بالشهادة ولما يعرف بدره هلالا المعوض بما عند الله تعالى سعادة البسته سربالا وابلغته من رضوان الله تعالى آمالا أبى عبد الرحمن ابن مولانا أمير المسلمين عظيم الخلفاء وعنصر الصبر والوفاء وستر الله تعالى المسدول على الضعفاء والمجاهد فى سبيل الله تعالى بنفسه وماله المنيف على مراكز النجوم بهممه وآماله المقدس أبى الحسن أبن موالينا الخلفاء الطاهرين والأئمة المرضيين من قبيل بنى مرين وصفوة الله تعالى فى هذا المغرب الأقصى من أوليائه المؤمنين وزينة الدنيا وعمدة الدين هنأه الله تعالى ما أورثه من سرير الملك الأصيل وخوله من سعادة الدنيا والدين على الإجمال والتفصيل وتوجه من تاج العزة القعساء عند اشتباه السبيل وعوضه من قبيل الملائكة عند تشتت القبيل وجعل قدمه الراسخة وآياته الناسخة وربوته السامية الباذخة وغرة نصره الشادخة وأوزعه شكر آلائه فى الخلاص من ملكه أعدائه وخطر البحر وعدوان مائه وغول السفر وارتكاب الغرر وثبات أقدام اوليائه الذين ما بدلوا تبديلا ولا ارتضوا لقبله طاعته بعد إن ولوا وجوههم شطرها تحويلا بل صبروا صبرا جميلا وباعوا نفوسهم تتميما لعقدة إيمانهم وتكميلا
يسلم على مقامكم الذى وسم السعد مشرق جبينه وذخرت قبل الطاعة ليمينه وأقسم الدهر بمظاهرة أمره السعيد فبر والشكر لله تعالى فى يمينه عبدكم الذى اعتلق منكم بالوسيلة الكبرى وقر بملككم عينا وشرح صدرا وبذل الجهد وإن قل قدرة وقدرا والتمس لكم الدعاء علنا وسرا أبن الخطيب الذى حط رحل اقتصاده بتراب الملوك الكرام جدودكم محاريب

384 - بركم واسباب وجودكم وآبائكم الذين فى مظاهرتهم ورعيهم يظهر للناس مخايل هداكم وتدر سحائب جودكم ملتحفا منذ سنتين باصونه قبورهم وثيابها مستظلا بافنيتها المعظمة وقبابها ممرغا خده بترابها مواصلا الصراخ يا لمرين ويا ليعقوب متطارحا على ابوابها فلم يتح الله تعالى له نعره ترعى الضيف وتحمى الدخيل او حمية تدفع الضيم وتشفى الغليل إلا على يدكم يا أيها الكريم أبن الكريم أبن الكريم وبطل الميدان فى موقف الهول العظيم المذخور لنصر المظلوم وإنصاف الغريم واجالة اقلام الفتح بفتح الأقاليم
كتبه مهنئا بما سنى الله تعالى لملككم من الصنع الذى خرق حجاب العادة وأرى إعجاز السعادة معجلا ذلك بين يدي المبادرة إلى لثم بساطكم الذى شرف وجوهها بلثمه الوجوه وتخشاه الأملاك الجبابرة وترجوه واداء الواجب من القيام بمنظوم ثنائة فى الحفل المشهود وإبلاغ لسان الحمد وسع المجهود وإلقاء ما عند العبد من خلوص وجنوح وحب واضح اي وضوح فولى دعوتكم الشيخ أبو ثابت أعزة الله تعالى يقرره ويبين مجمله ويفسره والعبد واثق بفضل الله تعالى على يديكم وملتمس النصر لديكم وقاطع إن طلبته بكم تتسنى وانكم سبب عاقبته الحسنى إما بالظهور على الوطن الذى تجرأ به المنقلب على ملككم ومد اليد إلى نثر سلككم ونقص إرثكم المسلم المحرر وزلزل وطنكم المؤسس على الطاعة المقرر وأضرم النار فى بسائطكم وجبالكم وأطلق يد الفتنة على بيوت أموالكم متكثرا عليكم بالقلة متعززا بالذلة جانيا على داركم بما لا تبيحة الملة أو بالشفاعة الجازمة أن لم يتأذن الله تعالى فى الانتصاف والله يجعل الظهور بكم من الأوصاف ويعينكم على جبر الكسير وتيسير الأمر العسير ويهنيكم منيحة الملك الكبير ويبقى كلمته فى عقبكم بعد تملؤ التعمير والسلام

38589 - وله رحمه الله تعالى فى مخاطبة السلطان أبى زيان المذكور المولى الذى طوق المنن وأحيا السنن وأنبت الله تعالى حبه فى القلوب النبات الحسن ناظم كلمة الدين بعد انتشارها ومقيل عثارها والآخذ بثارها والمخلد لآثارها السلطان أبو زيان الخ ابقاكم الله تعالى عالى القدم منصور العلم ظاهرا على الأمم مقصود الحمى كالركن الملتزم
عبد مقامكم الذى آويتموه غريبا وأنستموه مريبا وأنلتموه على عدوه الدهر نصرا عزيزا وفتحا قريبا فلم يخش دركا وتثريبا ولا عدم حظوة وشفقة ونعمة وتقريبا ابن الخطيب عن ثناء يعطر الآفاق ويرقم الأوراق ويخلق الجيوب والأطواق وحب بهر نورا وراق وجاس اشتهاره الشام والعراق
ويطالع العبد محل مولاه الذى خلف ببابه قلبه وولده وصبره وجلده وصير وطنه داره الحقيقية وبلده أنه لما قدم على محل أخيه المعتد بما أودع الله تعالى من الخلال الشريفة فيه مولاي ابن مولاي أبى عبد الله كفل الله تعالى جميل رعيه وكرم عهده وحكم باعلاء جده ومضاء حده رعى الوسيلة وصدق المخيلة وجلا عند اجتلاء مخاطبتكم اسارير الفضيلة فلم يدع حقا إلا صرفه ولا نكرة إلا عرفه ولا نعمة إلا سكبها ولا مزية إلا اوجبها ولا رتبه إلا اعلاها ولا نعمة إلا أولاها وما ذاك يا مولاي وإن تعددت الرسائل والأذمة وادكرت القرب بعد امة إلا بوصاتكم التى لا تهمل وحرمتكم التى لا تجهل وعطف مقامكم الذى اشتهر واعتنائكم بعبدكم الذى راق وبهر فالعبد عبدكم بكل اعتبار وخديمكم وإن نات الدار ومحسوب على نعمة مقامكم الرفيع المقدار والامل فى مقامكم غير منقطع السبب والأهل والولد تحت كنف مقامكم الأصيل الحسب حتى يمن الله تعالى بحج بيته وزيارة رسوله على يديكم ويكون قضاء هذا الوطر منسوبا اليكم وبعد هذا يستقر القرار حيث يختار من يخلق ما يشاء ويختار بحول الله تعالى

386 - والعبد يذكر مولاه بما بشره به بين يدي وداعه وبمراى وزيره السعيد واستماعه من انجلاء الحركة عن عزة وظهوره ونجاح أحواله واستقامه أموره ويهنيه بصدق الوعد وامطار الرعد وظهور السعد وهى وسيلة إذا عدت الوسائل وروعيت الذمم الجلائل ومثل مولاي من رعى وابقى وسلك التى هى ابر واتقى وما قصر عنه القلم من حق مولاي فالرسول أعزه الله تعالى يتممه وما قصر عنه الرسول فالله تعالى يعلمه وهو جل وعلا يديم ايام مولاي ويبقى مجده ويصل سعده والسلام انتهى
90 - ومما خاطب به لسان الدين رحمه الله تعالى شيخ الدولة يحيى بن رحو قوله سيدي الذى له المزية العظمى والمحل الأسمى شيخ قبيل بنى مرين وقطب مدار الأحرار على الإجمال والتعيين والتميز بالدهاء والرجاجة والمعرفة الفسيحة الساحة والصدقة المباحة وشروط الصوفيه من ترك الأذى ووجود الراحة أسلم على ذاتكم الطاهرة التى بخلت الأزمان والله إن تاتى بنظيرها وتنافست الدول فى تكبيرها وسارت المواكب الملوكية بمسيرها وأثنت الألسن بفضلها وخيرها وأقرر لديها أنى اعددت من معرفتها بالأندلس كنزا لم انفق منه إلى اليوم وزنا إعدادا له وخزنا إذ له يخرج العتاد الكبير إلا عن حاجة وفاقة ولا ترد اليد إلى الذخيرة إلا فى إضاقة وعجز طاقة وما كانت الوصلة بمثلها ليهملها مثلى جهلا بقيمتها العالية وازراء بجهتها الكافلة الكافيه لكن نابت عن يدها ايد وكفى عن ابتذالها ما كف الله تعالى من عمرو وزيد والآن أقرر إنى قد كادت حاجتى إلى ذلك العتاد إن تتمحض وزبدته إن تتمخض إذ هو حظى من رعى ذلك القبيل الذى قصرت عليه رياسته والوزير

الذى من رايه تستمد سياستة وإذا وفد خاصة هذه المدينة مهنين وبشكر ايالته الكريمة مثنين فخيمته ظل ظليل ومشاركته معتمدي فى الكثير فكيف ولا غرض لى إلا فى القليل وعندي إن رعيه لمثلى لا يفتقر إلى وسيلة تجلب ولا ذمام يحسب فمثله من قدر قدر الهناء وشد أعلام الحمد والثناء سامية البناء وعرف إن الدنيا على الله تعالى أحقر الأشياء وقد رفعت امرى كله بعد الله تعالى إلى رايك وغنيت عن سعيى لنفسى بجميل سعيك والسلام
91 - ومما خاطب به لسان الدين شيخه سيدي أبا عبد الله ابن مرزوق التلمسانى رضى الله تعالى عنه قوله شافعا يا سيدي ابقاكم الله تعالى محط الآمال وقبلة الوجوه وبلغ سيادتكم ما تؤمله من فضل الله تعالى وترجوه وكلأ بعين حفظه ذاتكم الفاخرة وجعل عز الدنيا متصلا لكم بعز الآخرة بعد تقبيل يدكم التى يدها لا تزال تشكر وحسنتها عند الله تعالى تذكر انهى إلى مقامكم إن الشيخ الكذا أبا فلان مع كونه مستحق التجلة بهجرة إلى ابوابكم الكريمة قدمت ووسائل من أصالة وحشمة كرمت وفضل ووقار وتنويه للولاية إن كانت ذات احتقار وسن اقتضى الفضل بره وأدب شكر الاختبار عليه وسره له بمعرفة سلفكم الأرضى وسيلة مرعية وفى الاعتراف بنعمتكم مقامات مرضية وتوجه إلى بابكم والتمسك باسبابكم والمؤمل من سيدي سترة بجناح رعيه فى حال الكبرة ولحظة بطرف المبرة إما فى استعمال يليق بذوي الاحتشام أو سكون تحت رعى واهتمام وإعانة على عمل صالح يكون مسكة ختام وهو أحق الغرضين بالتزام واحالة سيدي فى حفظه رسم مثله على الله تعالى الذى يجزي المحسنين بفضله ومنه نسأل إن يديم أيام المجلس العلى محروسا من النوائب مبلغ الآمال والمآرب والمملوك قد قرر شأنه فى إسعاف المقاصد المأمولة من الشفاعة إليكم والتحسب فى هذه الأبواب عليكم وتقليب القلوب بيد الله تعالى الذى يعطى

ويمنع ويملك الأمر أجمع والسلام 92 - وكتب إليه أيضا فى الشفاعة بما نصه سيدي الأعظم وملاذى الأعصم وعروة عزي الوثقى التى لا تفصم أبقاك الله تعالى بقاء آثارك آية للعز تأمر الدهر فيأتمر ويلبى بفنائك الطائف والمعتمر بأي لسان أثنى على فواضلك وهى أمهات المنن وطرف الشام واليمن ومقامات بديع الزمن والتحف المرتفعة عن الثمن فحسبى دعاء أردده وأواليه وأرتقب مطلوب الإجابة من مقدمة وتاليه وإن تشوف المنعم للحال الموقوف خيرة بمشيئة الله تعالى على جميل سعيه الموسد على وطاء لطفه المغشى بغطاء رعيه قلب خافق وقلب مؤمن يجول به وسواس منافق وقد تجاوز موسى مجمع البحرين وأصبح سري بابه سري العين ولقد كانت مراحل الرمل قصيرة قبل إن يكسبها زجلى ثقل الحركة ويخلط خاصى فى وظائفها المشتركة وليت أمرى برز إلى طرف وأفضى الى منصرف وربما ظفر آيس بما يرجوه وزبرز المحبوب من المكروه والله تعالى لا يفضح جاه الكتاب الذى أحيا وأنشر وحيا وبشر وأعطى صحيفته باليمين وقد جمعت مثابتكم المحشر وموصل كتابى ينوب فى تقبيل اليد العليا منابى
وليعلم سيدي إن هذا القطر على شهرته وتألق مشتريه وزهرته إذا انتحل كرامه وعهد الفضل لم يبق إلا انصرامه فهو لبابه المتخير وزلاله الذى لا يتغير أصاله معروفة وهمة إلى الإيثار مصروفة ونبلا على السن والكبرة ورجولية خليقة بصلة الحرمة والمبرة والوسيلة لا تطرح والمعنى الذى لا يفسر لوضوحه ولا يشرح وهو انتماؤه إلى جناب سيدي حديثا وقديما واعترافه بنعمة مديرا لها ومديما والله تعالى يوفى من إيثار سيدي حظه ويجدد لديه رعيه ولحظه حتى يعود خافقا علم إقباله معلما برد اهتباله مسرورا

ببلوغ آماله فلعمرى أن محل ولايته لكفى وأن عهد أمانته لوفى وإن عامل جده لظاهر وخفى وما يفعله سيدي من رعيه وانجاح سعيه محسوب من مناقبه ومعدود فى فضل مذاهبه والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله وبركاته انتهى
وقد تكررت فى كتابنا هذا مخاطبات لسان الدين رحمه الله تعالى للخطيب ابن مرزوق المذكور نظما ونثرا إذ كان اعنى ابن مرزوق رئيس الدولة ومعتمد الجلة وسبق منا التعريف ببعض أحواله فى باب مشايخ لسان الدين مما جرته المناسبة فليرجع إليه من أراده والله تعالى يجعل الجميع من أهل السعادة
93 - ومما اشتمل على نثر لسان الدين ونظمه ما خاطب به الرئيس أبا زيد ابن خلدون لما ارتحل من بحر المرية واستقر ببلد بسكرة عند رئيسها أبى العباس ابن مزنى صحبة رسالة خطبها أخوه أبو زكريا وقد تقلد كتابة صاحب تلمسان ووصل الكتاب عنه من إنشائه وهذه صورة ما كتبه لسان الدين رحمه الله تعالى
( بنفسى وما نفسى على بهينة ... فينزلنى عنها المكاس بأثمان )
( حبيب نأى عنى وصمم لا ينى ... وراش سهام البين عمدا فاصمانى )
( وقد كان هم الشيب لا كان كافيا ... فقد آدنى لما ترحل همان )
( شرعت له من دمع عينى موردا ... فكدر شربى بالفراق وأظمانى )
( وأرعيته من حسن عهدي حميمه ... فأجدب آمالى واوحش ازمانى )
( حلفت على ما عنده لى من رضى ... قياسا بما عندي فأحنث أيمانى )
( وأنى على ما نالنى منه من قلى ... لأشتاق من لقياه نغبه ظمآن )

( سألت جنونى فيه تقريب عرشه ... فقست بجن الشوق جن سليمان )
( اذا ما دعا داع من القوم باسمه ... وثبت وما استثبت شيمه هيمان )
( وتالله ما أصغيت فيه لعاذل ... تحاميته حتى ارعوى وتحامانى )
( ولا استشعرت نفسى برحمة عابد ... تظلل يوما مثله عبد رحمن )
( ولا شعرت من قبله بتشوق ... تخلل منها بين روح وجثمان )
أما الشوق فحدث عن البحر ولا حرج وأما الصبر فسل به أية درج بعد أن تجاوز اللوى والنعرج لكن الشدة تعشق الفرج والمؤمن ينشق من روح الله تعالى الأرج وأنى بالصبر على إبر الدبر لا بل الضرب الهبر ومطاولة اليوم والشهر حتى حكم القهر وهل للعين أن تسلو سلو المقصر عن إنسانها المبصر أو تذهل ذهول الزاهد عن سرها الرائى والمشاهد وفى الجسد بضعة يصلح إذا صلحت فكيف حاله إن رحلت عنه ونزحت وإذا كان الفراق هو الحمام الأول فعلام المعول أعيت مراوضة الفراق على الراق وكادت لوعة الأشتياق ان تفضى إلى السياق
( تركتمونى بعد تشييعكم ... أوسع أمر الصبر عصيانا )
( أقرع سنى ندما تاره ... واستميح الدمع أحيانا )
وربما تعللت بغشيان المعاهد الخالية وجددت رسوم الأسى بمباكرة الرسوم البالية أسال نون النوى عن أهلية وميم الموقد المهجور عن مصطليه وثاء الأثافى المثلثة عن منازل الموحدين وأحار بين تلك الأطلال حيرة الملحدين لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين كلفت لعمر الله بسال عن جفونى المؤرقة ونائم عن همومى المتجمعة المتفرقة ظعن عن ملال لا متبرما منى بشر خلال وكدر الوصل بعد صفائه وضرج النصل بعد عهد وفائه

( أقل اشتياقا أيها القلب ربما ... رأيتك تصفى الود من ليس جازيا )
فها أنا أبكى عليه بدم أساله وأنهل فيه أسى له وأعلل بذكراه قلبا صدعه وأودعه من الوجد ما أودعه لما خدعه ثم قلاه وودعه وأنشق رياه أنف ارتياح قد جدعه وأستعدي به على ظلم ابتدعه
( خليلي هل أبصرتما أو سمعتما ... قتيلا بكى من حب قاتله قبلى )
فلولا عسى الرجاء ولعله لا بل شفاعة المحل الذى حله لمزجت الحنين بالعتب وبثثت كتائبه كمناء فى شعاب الكتب تهز من الألفات رماحا خزر الأسنة وتوتر من النونات أمثال القسى المرنة وتقود من بياض الطرس وساد النقس بلقا تردى فى الأعنة ولكنه أوى إلى الحرم الأمين وتفيأ ظلال الجوار المؤمن من معرة العوار عن الشمال واليمين حرم الحلال المزنية والظلال اليزنية والهمم السنية والشيم التى لا ترضى بالدون ولا بالدنية حيث الرفد الممنوح والطير الميامن يزجر لها السنوح والمثوى الذى إليه مهما تقارع الكرام على الضيفان حول جوابى الجفان الميل والجنوع
( نسب كأن عليه من شمس الضحى ... نورا ومن فلق الصباح عمودا )
ومن حل بتلك المثابة فقد اطمأن جنبه وتغمد بالعفو ذنبه ولله در القائل حيث يقول

( فوحقه لقد انتدبت لوصفه ... بالبخل لولا ان حمصا داره )
( بلد متى أذكره تهتج لوعتى ... واذا قدحت الزند طار شراره )
اللهم غفرا لا كفرا واين قراره النخيل من مثوى الأقلف البخيل ومكذبه المخيل واين ثانية هجر من متبوإ من الحد وفجر
( من أنكر غيثا منشؤه ... فى الأرض وليس بمخلفها )
( فبنان بنى مزنى مزن ... تنهل بلطف مصرفها )
( مزن مذ حل ببسكرة ... يوما نطقت بمصحفها )
( شكرت حتى بعبارتها ... وبمعناها وباحرفها )
( ضحكت بابى العباس من ... الايام ثنايا زخرفها )
( وتنكرت الدنيا حتى ... عرفت منه بمعرفها )
بل نقول يا محل الولد ( لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ) البلد لقد حل بينك عرى الجلد وخلق الشوق بعدك يا ابن خلدون فى الصميم من الخلد فحيا الله تعالى زمنا شفيت برقى قربك زمانته واجتليت فى صدف مجدك جمانته ويا من لمشوق لم تقض من طول خلتك لبانته وأهلا بروض أظلت أشتات معارفك بانته فحمائمه بعدك تندب فيساعدها الجندب ونواسمه ترق فتتغاشى وعشياته تتخافت وتتلاشى ومزنة باك ودوحه فى مأتم ذى اشتباك كأن لم تكن قمر هالات قبابه ولم يك أنسك شارع بابه إلى صفوة الظرف ولبابه ولم يسبح إنسان عينك فى ماء شبابه فلهفى عليك من درة اختلستها يد النوى ومطل بردها الدهر ولوى ونعق الغراب ببينها فى ربوع الجوى ونطق بالزجر فما نطق عن

الهوى وبأي شىء نعتاض منك أيتها الرياض بعد إن طمى نهرك الفياض وفهقت الحياض ولا كان الشانىء المشنوء والجرب المهنوء من قطع ليل أغار على الصبح فاحتمل وشارك فى الذم الناقة والجمل واستاثر جنحه ببدر النادى لما كمل نشر الشراع فراع واعمل الإسراع كأنما هو تمساح النيل ضايق الأحباب فىالبرهة واختطف لهم من الشط نزهة العين وعين النزهة ولجج بها والعيون تنظر والغمر عن الاتباع يحظر فلم يقدر إلا على الأسف والتماح الأثر المنشف والرجوع بملء العيبة من الخيبة ووقر الجسرة من الحسرة وأنما نشكو إلى الله البث والحزن ونستمطر من عبارتنا المزن وبسيف الرجاء نصول إذا شرعت لليأس النصول
( ما أقدر الله أن يدنى على شحط ... من داره الحزن ممن داره صول )
فان كان كلم الفراق رغيبا لما نويت مغيبا وجللت الوقت الهنىء تشغيبا فلعل الملتقى يكون قريبا وحديثه يروى صحيحا غريبا
إية ثقة النفس كيف حال تلك الشمائل المزهرة الخمائل والشيم الهامية الديم هل يمر ببالها من راعت بالبعد باله وأخمدت بعاصف البين ذباله أو ترثى لشؤون شأنها سكب لا يفتر وشوق يبت حبال الصبر ويبتر وضنى تقصر عن حلله الفاقعة صنعاء وتستر والأمر أعظم والله يستر وما الذى يضيرك صين من لفح السموم نضيرك بعد إن أضرمت وأشعلت

وأوقدت وجعلت وفعلت فعلتك التى فعلت أن تترفق بذماء أو ترد بنغبة ماء أرماق ظماء وتتعاهد المعاهد بتحية يشم منها شذا أنفاسك أو تنظر إلينا على البعد بمقلة حوراء من بياض قرطااسك وسواد أنقاسك فربما قنعت الأنفس المحبة بخيال زور وتعللت بنوال منزور ورضيت لما لم تصد العنقاء بزرزور
( يا من ترحل والنسيم لأجله ... تشتاق إن هبت شذا رياها )
( تحيي النفوس إذا بعثت تحية ... فإذا عزمت اقرأ ( ومن أحياها )
ولئن أحييت بها فيما سلف نفوسا تفديك والله تعالى إلى الخير يهديك فنحن نقول معشر مريديك ثن ولا تجعلها بيضة الديك وعذرا فإنى لم أجتر على خطابك بالفقر الفقيرة وأدللت لدى حجراتك برفع العقيرة لا عن نشاط يعثت مرموسة ولا اغتباط بالأدب تغرى بسياسته سوسه وانبساط أوحى إلى على الفترة ناموسه وأنما هو اتفاق جرته نفثة المصدور وهناء الجرب المجدور وخارق لا مخارق فثم قياس فارق أو لحن غنى به بعد الممات مفارق والذى سببه وسوغ منه المكروه وحببه ما اقتضاه الصنو يحيى مد الله تعالى حياته وحرس من الحوادث ذاته من خطاب ارتشف به لهذه القريحة بلالتها بعد إن رضى علالتها ورشح إلى الصهر الحضرمى سلالتها فلم يسع إلا إسعافه بما أعافه فأمليت مجيبا ما لا

يعد فى يوم الرهان نجيبا واسمعت وجيبا لما ساجلت بهذه الترهات سحرا عجيبا حتى إذا ألف القلم العريان سبحه وجمح برذون الغرارة فلم أطق كبحه لم أفق من غمرة غلوه وموقف متلوه إلا وقد تحيز إلى فئتك معتزا بل معترا واستقبلها ضاحكا مفترا وهش لها برا وإن كان لونه من الوجل مصفرا وليس باول من هجر فى التماس الوصل ممن هجر أو بعث التمر إلى هجر وأي نسب بينى اليوم وبين زخرف الكلام واجالة جياد الأقلام فى محاورة الأعلام بعد إن حال الجريض دون القريض وشغل المريض عن التعريض واستولى الكسل ونصلت الشعرات البيض كأنها الأسل وتروع برقط الحيات سرب الحياة وتطرق بذوات الغرز والشيات عند البيات والشيب الموت العاجل وإذا ابيض زرع صبحته المناجل والمعتبر الآجل وإذا اشتغل الشيخ بغير معاده حكم فى الظاهر بإبعاده وأسره فى ملكه عاده فأغض أبقاك الله واسمح لمن قصر عن المطمح وبالعين الكليلة فالمح واغتنم لباس ثوب الثواب واشف بعض الجوى بالجواب توالاك الله تعالى فيما استضفت وملكت ولا بعدت ولا هلكت وكان لك أية سلكت ووسمك من السعادة بأوضح السمات وأتاح لقاءك من قبل الممات والسلام الكريم يعتمد جلال ولدى وساكن خلدى بل أخى وإن عتبته وسيدي وC تعالى وبركاته انتهى
قلت هذه الرسالة الرافلة فى حلل البلاغة لم أر مثلها ولم اقف عليه فرحم الله تعالى لسان الدين ووجه سحائب الرحمة إليه فلقد كان آية الله فى النظم

والنثر وجميع العلوم على اختلافها
94 - وكما خاطب الولى ابن خلدون خاطب أخاه أبا زكريا يحيى حسبما قال فى بعض كتبه ومما خاطبت به الفقيه أبا زكريا ابن خلدون لما ولى الكتابة عن السلطان أبى حمو سلطان تلمسان من بنى زيان واقترن بذلك نصر وصنع غبطته به وأشدت به قصد تنفيقه وإنهاضه لديه نخص الحبيب الذى هو فى الاستظهار به أخ وفى الشفقة عليه ولد والولى الذى ما بعد قرب مثله أمل ولا على بعده جلد والفاضل الذى لا يخالف فى فضله ساكن ولا بلد أبقاه الله تعالى وفاز فوزه وعصمته لها من توفيق الله سبحانه عمد ومورد سعادته المسوغ لعادته لا غور ولا ثمد ومدى إمداده من خزائن الهام الله تعالى وسداده ليس له أمد وحمى فرح قلبه بمواهب من ربه أن يطرقه كمد
تحية محله من صميم قلبه بمحله المنشىء رواق الشفقة مرفوعا بعمد المحبة والمقة فوق ظعنه وحله مؤثره ومجله المعتنى بدق أمره وجله ابن الخطيب من الحضرة الجهادية غرناطة صان الله تعالى خلالها ووقى هجير هجر الغيوم ظلالها وعمر بأسود الله تعالى اغيالها كما أغرى بمن كفر بالله تعالى صيالها ولا زائد إلا منن من الله تعالى تصوب وقوة يسترد بها المغصوب ويخفض الصليب المنصوب والحمد لله تعالى الذى بحمده ينال المطلوب وبذكره تطمئن القلوب ومودتكم المودة التى غذتها ثدى الخلوص بلبانها وأحلتها حلائل المحافظة بين أعينها وأجفانها ومهدت موات أخواتها الكبرى أساس بنيانها واستحقت ميراثها مع استصحاب حال الحياة إن شاء الله تعالى واتصال زمانها واقتضاء عهود الأيام بيمنها وأمانها ولله در القائل
( فإن لم يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها )

وصل الله تعالى ذلك من أجله وفى ذاته وجعله وسيلة إلى مرضاته وقربة تنفع عند اعتبار ما روعى من سنن الجبار ومفترضاته
وقد وصل كتابكم الذى فاتح بالريحان والروح وحل من مرسوم الولاء محل البسملة من اللوح وأذن لنوافح الثناء بالبوح يشهد عدله بإن البيان يا آل خلدون سكن من مثواكم دار خلود وقدح زندا غير صلود واستأثر من محابركم السيالة وقضب أقلامكم الميادة الميالة بأب منجب وأم ولود يقفو شانيه غير المشنو وفصيله غير الجرب ولا المهنو من الخطاب السلطانى سفينة منوح إن لم نقل سفينة نوح ما شئت من آل أزواج وزمر من الفضل وأفواج وأمواج كرم تطفو فوق أمواج وفنون بشائر وإهطاع قبائل وعشائر وضرب للمسرات أعيا الشائر فلله هو من قلم راعى نسب القنا فوصل الرحم وأنجد الوشيج والملتحم وساق بعصاه من البيان الذود المزدحم وأخاف من شذ عن الطاعة مع الاستطاعة فقال ( لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ) هود ولو لم يوجب الحق برقه ورعده ووعيده ووعده لأوجبه يمنه وسعده فلقد ظهرت مخايل نجحه علاوة على نصحه ووضحت محاسن صبحه فى وحشة الموقف الصعب وقبحه وصل الله تعالى له عوائد منحة وجعله إقليدا كلما استقبل باب أمل وكله الله تعالى بفتحه
أما ما قرره ولاؤكم من حب زكا على حبه القلب حبه وأنبته النبات الحسن ربه وساعده من الغمام سكبه ومن النسيم اللدن مهبة فرسم ثبت عند الولى نظيره ومن غير معارض يضيره وربما أربى بتذييل مزيد وشهادة ثابت ويزيد ولم لا يكون ذلك وللقلب على القلب شاهد وكونها

أجنادا مجندة لا يحتاج تقريره إلى ماهد وجهد جاهد ومودة الأخوة سبيلها لاحب ودليلها للدعوة الصادقة مصاحب إلى ما سبق من فضل ولقاء ونظافة سقاء واعتقاد لا يراع سربه بذئب انتقاد واجتلاء شهاب وقاد لا يحوج إلى ايقاء أنما عاق عن مواصلة ذلك نوى شط منها الشطن وتشذيب لم يتعين معه الوطن فلما تعين وكاد الصبح أن يتبين عاد الوميض ديجورا والثماد بحرا مسجورا إلى أن أعلق الله تعالى منكم اليد بالسبب الوثيق وأحلكم منجى نيق لا يخاف من منجنيق وجعل يراعكم لسعادة موسى معجزة تأتى على الخبر بالعيان فتخر لثعبانها سحرة البيان
( أيحيى سقى حيث لحت الحيا ... فنعم الشعاب ونعم الوكون )
( وحيا يراعك من آية ... فقد حرك القوم بعد السكون )
( دعوت لخدمة موسى عصاه ... فجاءت ( تلقف ما يأفكون ) )
( فأذعن من يدعي السحر رغما ... وأسلم من أجلها المشركون )
( وساعدك السعد فيما أردت ... فكان كما ينبغى أن يكون )
فأنتم أولى الأصدقاء بصلة السبب ورعى الوسائل والقرب أبقاكم الله تعالى وأيدي الغبطة بكم عالية وأحوال تلكم الجهات بدرككم المهمات حالية وديم المسرات من إنعامكم المبرات على معهود المبرات متوالية
وأما ما تشوفتم إليه من حال وليكم فأمل متقلص الظل وارتقاب لهجوم جيش الأجل المطل ومقام على مساورة الصل وعمل يكذب الدعوى وطمأنينة تنتظر الغارة الشعوا ويد بالمذخور تفتح وأخرى تجهد وتمنح ومرض يزور فيثقل وضعف عن الواجب يعقل إلا أن اللطائف تستروح

والقلب من باب الرجاء لا يبرح وربما ظفر البائس ولم تطرد المقايس تداركنا الله تعالى بعفوه وأوردنا من منهل الرضى والقبول على صفوة وأذن لهذا الخرق فى رفوة
وأما ما طلبتم من اننساخ ديوان وإعمال بنان فى الإتحاف ببيان فتلك عهود لدى مهجورة ومعاهد لا متعهدة ولا مزورة شغل عن ذلك حوض يعلو لجبه وحرص يقضى من لغط المانح عجبه وهول جهاد تساوى جمادياه ورجبه فلولا التماس أجر وتعلل بربح تجر لقلت أهلا بذات النحيين فلئن شكت وبذلت المصون بسبب ما أمسكت فلقد ضحكت فى الباطن ضعف ما بكت ونستغفر الله تعالى من سوء انتحال وإيثار المزاح بكل حال وما الذى ينتظر مثلى ممن عرف المآخذ والمتارك وجرب لما بلا المبارك وخبر مساءة الدنيا الفارك
هذا أيها الحبيب ما وسعه الوقت الضيق وقد ذهب الشباب الريق فليسمح فيه معهود كمالك جعل الله تعالى مطاوعة آمالك مطاوعة يمينك لشمالك ووطأ لك موطأ العز بباب كل مالك وقرن النجح بأعمالك وحفظك فى نفسك وأهلك ومالك والسلام انتهى
95 - ومن مخاطبات لسان الدين لصاحب العلامة أبى القاسم ابن رضوإن
( قد كنت أجهد فى التماس صنيعة ... نفسا شهاب ذكائها وقاد )
( وأقول لو كان المخاطب غيركم ... عند الشدائد تذهب الأحقاد )
سيدي أبقاكم الله تعالى علم فضل وإنصاف ومجموع كمال أوصاف كلام النية قصير والله تعالى بحسنات الأقوال والأفعال بصير وإليه بعد هذا الخباط كل رجعى منا ومصير وليس لنا إلا هو مولى ونصير وهذا الرجل سيدي الخطيب

ابو عبد الله ابن مرزوق جبره الله تعالى بالأمس كنا نقف ببابه ونتمسك باسبابه ونتوسل إلى الدنيا به فإن كنا قد عرفنا خيرا وجبت المشاركة أو كفافا تعينت المتاركة أو شرا اهتبلت غره الهدى الأنفس المباركة واتصفت بصفة من يعصى فيسمح ويسال فيمنح ويعود إلى قبيح بالفعل الجميل ويحسب يد التأميل ومع هذا فلم نذر إلا خيرا كرم منه المورد والمصرف ومن عرف حجة على من لا يعرف وأنتم فى الوقت سراج علم لا يخبو سناه ومجموع تخلق عرفنا منه ما عرفناه وهذه هى الشهرة التى تغتنم إذا سفرت والهنة التى تحبر عليها النفس إذا نفرت حتى لا تجد بعون الله تعالى عارضا يعوقها عن الخير وسبيل الكمال الأخير والأجر فى استيفاء كتاب الشفاعة وتحرى المقاصد النفاعة وتنفيق البضاعة قد ضمنه من وعد بقيام الساعة والجزاء على الطاعة وغير الطاعة وهذه المشاركة تسجيل لفضلكم قبلى وهى فى الحقيقة لى فكيف والله تعالى يرى عملكم وعملى والمتروك حقير والوجود إلى رحمة من رحمات الله تعالى فقير والسلام انتهى
96 - ومن كلام لسان الدين رحمه الله تعالى قوله فى مخاطبة شيخ العرب مبارك بن إبراهيم رحمه الله تعالى
( ساحات دارك للضياف مبارك ... وبضوء نار قراك يهدي السالك )
( ونوالك المبذول قد شمل الورى ... طرأ وفضلك ليس فيه مشارك )
( قل للذى قال الوجود قد انطوي ... والبأس ليس له حسام فاتك )
( والجود ليس له غمام هاطل ... والمجد ليس له همام باتك )
( جمع الشجاعة والرجاحة والندى ... والباس وارأى الأصيل مبارك )

( للدين والدنيا وللشيم العلا ... والجود أن شح الغمام السافك )
( عند الهياج ربيعة بن مكدم ... فى الفضل والتقوى الفضيل ومالك )
( ورث الجلالة عن ابيه وجده ... فكأنهم ما غاب منهم هالك )
( فجياده للآملين مراكب ... وخيامه للقاصدين أرائك )
( فإذا المعالى اصبحت مملوكة ... أعناقها بالحق فهو المالك )
( يا فارس العرب الذى من بيته ... حرم لها حج به ومناسك )
( يا من يبشر باسمه قصادة ... فلهم اليه مسارب ومسالك )
( أنت الذى استأثرت فيك بغبطتى ... وسواك فيه مآخذ ومتارك )
( لا زلت نورا يهتدى بضيائه ... من جنة للروع ليل حالك )
( ويخص مجدك من سلامى عاطر ... كالمسك به الغوالى صائك )
الحمد لله تعالى الذى جعل بيتك شهيرا وجعلك للعرب أميرا وجعل اسمك فالا ووجهك جمالا وقربك جاها ومالا وآل رسول الله صلى الله عليه و سلم لك آلا أسلم عليك يا أمير العرب وابن أمرائها وقطب سيادتها وكبرائها واهنيك بما منحك الله تعالى من شهرة تبقى ومكرمة لا يضل المتصف بها ولا يشقى إذ جعل خيمتك فى هذا المغرب على اتساعه واختلاف أشياعه مأمنا للخائف على قياس المذاهب والطوائف وصرف الألسنة إلى مدحك والقلوب إلى حبك وما ذلك إلا لسريرة لك عند ربك ولقد كنت أيام تجمعنى وإياك المجالس السلطانية على معرفتك متهالكا وطوع الأمل سالكا لما يلوح لى على وجهك من سيما المجد والحياء والشيم الدالة على العلياء وزكاء الأصول وكرم الآباء وكان والدي رحمه الله تعالى قد عين للقاء

خال السلطان قريبكم لما توجه فى الرسالة إلى الأندلس نائبا فى تأنيسه عن مخدومه ومنوها حيث حل بقدومه واتصلت بعد ذلك بينهما المهاداة والمعرفة والوسائل المختلفة فعظم لأجل هذه الوسائل شوقى إلى التشرف بزيارة ذلك الجناب الذى حلوله شرف وفخر ومعرفته كنز وذخر فلما ظهر الآن لمحل الأخ الكذا القائد فلان اللحاق بك والتعلق بسببك رأيت أنه قد اتصل بهذا الغرض المؤمل بعضى والله تعالى ييسر فى البعض عند تقرير الأمن وهدنة الأرض وهذا الفاضل بركة حيث حل لكونه من بيت أصالة وجهاد وماجدا وابن امجاد ومثلك لا يوصى بحسن جواره ولا ينبه على إيثاره وقبيلك فى الحديث من العرب والقديم وهو الذى أوجب لها مزية التقديم لم يفتخر قط بذهب يجمع ولا ذخر يرفع ولا قصر يبنى ولا غرس يجنى أنما فخرها عدو يغلب وثناء يجلب وجزور ينحر وحديث يذكر وجود على الفاقة وسماحة بحسب الطاقة فلقد ذهب الذهب وفنى النشب وتمزقت الأثواب وهلكت الخيل العراب وكل الذى فوق التراب تراب وبقيت المحاسن تروى وتنقل والأعراض تجلى وتصقل ولله در الشاعر إذ يقول
( وأنما المرء حديث بعده ... فكن حديثا حسنا لمن وعى )
هذه مقدمة إن يسر الله تعالى بعدها لقاء الأمير فيجلى اللسان عما فى الضمير
( ومدحى على الأملاك مدح وإنما ... رأيتك منها فامتدحت على وسمى )
( وما كنت بالمهدي لغيرك مدحتى ... ولو أنه قد حل فى مفرق النجم )

97 - ومن ذلك ما خاطب به شيخه الخطيب سيدي أبا عبد الله ابن مرزوق وهو
( راش زمانى وبرى نبله ... فكنت لى من وقعها جنه )
( ولو قهرت الموت أمنتنى ... منه وأدخلتنى الجنه )
( فكيف لا أنشرها منه ... قد عرفتها الإنس والجنه )
بماذا أخاطب به تلك الجلالة فيتيسر الخطاب وتحصل الدلالة أبسيدي ويشركنى فيه من قال لا إله إلا الله بفيه أو بروح حياتى ومقدم ماهية ذاتى وذخري الكبير الكثير لا بل فلكي الأثير وهو تضييق على الولد والأهل وتعدي المراتب المحدودة من الجهل فلم يبق إلا الإشارة الخارجة عن وظائف اللسان وهى بعض دلالات الإنسان أفدت الإكسير وجبرت الكسير ورويت يا أبا العلا التيسير وغمرت بالكرم وأمن حمام الحرم الظعن والمسير فمن رام شكر بعض أياديك فلقد شد حقائب الرحال إلى نيل المحال والحق إن نكل جزاك لمن جعل إلى المجد اعتزاك ونولى شكرك وثناك إلى من عمر بما يرضيه من الرفق بالخلق واقامة الحق اناك وندعو منك بالبقاء إلى الروض المجود وغمام الجود وإمام الركع السجود لا بل لنور الله تعالى المشرق على التهائم والنجود ورحمته المبثوثة أثناء هذا الوجود
وليعلم سيدي أن النفس طماعة جماعة وسراب آمالها بحارة لماعة فلا تفيق من كد ولا تقف عند حد سيما إذا لم يهذبها السلوك والتجريد ولم يسر منها فى عالم الغيب البريد ولا تجلت لها السعادة التى يجذب بها المراد ويشمر لها المريد إلى أن يتأتى عما دون الحق المحيد ويصح التوحيد

وقد مثلت الآن خصما توسع ظهر استظهاري بالتسليم قصما وتقول المال عديلي عند القيمة وطبيبى فى الأحوال السقيمة وهو نتيجة كدي عند الأقيسة العقيمة ومن استخلصنى على شرفى إذا تفاضلت الجواهر وتبينت للحق المظاهر وتعينت المراتب التى يقتعدها على رأي البراهمة النور الاصفهندي والنور القاهر فخلاص المال طوع يديه وهو كما قال الله تعالى أهون عليه فالاطفها حتى تلين معاطفها وأخادعها حتى تلوي أخادعها واقول قد وقع الوعد وأشرق السعد ولأن الجعد وسكن الرعد ولله تعالى الأمر من قبل ومن بعد فتجيبنى العمر المنام وأيام الجاه والقدرة قد يحق لها الاغتنام وهم العاقل إلى وقته الحاضر مصروف و إذا لم يغير حائطه مثل معروف وفى الوقت زبون يرجى به استخلاص الحقوق ويستبعد وقوع العقوق فإن رأى مولاي أن يشفع المنة ويقرع بابا ثانيا من أبواب الجنة قبل إن يشغل شاغل أو يكدر الأكل والشرب وارش أو واغل او يثوب للمتعدي نظر فى اللجاج أو يدس له ما يحمله على الاحتجاج وأو متسع مناطها فسيح استنباطها كثير هياطها ومياطها فهو تمام صنيعته التى لم ينسج على منوالها الأحرار ولا اهتدت إلى حسنتها الأبرار ولا عرف بدر مجدها السرار فإليه كان الفرار ولله تعالى ثم له خلص الاضطرار ويستقر تحت دخيله القرار وتطمئن الدار فإن ما ابتدأ به من عز ضرب على الأيدي العادية منه حكم الحكام وفارع الهضاب والآكام على ملإ ومجمع وبمرأى من الخلق ومسمع يقتضى اطراد قياس العزة القعساء وسعادة الإصباح والإمساء وظهور درجات الرجال على النساء فهو جاه حارت فيه الأوهام وهذه أذياله ومن ركب حقيقة أمرها هان عليه خياله والمال ماله والعيال عياله والوجود سريع زياله والجزاء عند الله تعالى مكياله

وعروض المغصوب باقية الأعيان مستقلة الشجر قائمة البنيان تمنع عن شرائها قاعدة الأديان وغيرها من مكيل وموزون بين مأكول ومخزون والكتب ملقاة بالقاع مطرحة باخبث البقاع فإن تاتى الجبر وإلا فالصبر على إن وعد عمادي لا يفارق الإنجاز ومكرمته التى طوقها قد بلغت الشام والحجاز وحقيقة التزامة تباين المجاز وآية مجده تستصحب الإعجاز ولله در إبراهيم بن المهدى يخاطب المامون لما أكذب فى العفو عنه الظنون
( وهبت مالى ولم تبخل على به ... وقبل ذلك ما إن قد وهبت دمى )
وقد كانت هذه المنقبة غريبة فعززتها باختها الكبرى وفريدة فجئت بأخرى وشفعت وتراء ابقاك الله تعالى لتخليد المناقب واعلاء المراتب وجعل اخمص نعلك تاجا للنجم الثاقب وتكفل لك فى النفس والولد بحسن العواقب
( آمين آمين لا أرضى بواحدة ... حتى أضيف إليها ألف آمينا )
واما تنبيه سيدي على أنشاء رزق وتقرير رفد ورفق فلا انبه حاتما وكعبا إن يملآ قعبا لمن خاض بحرا أو ركب صعبا هذا أمر كفانيه الكافى وداء كوخز الأشافى أذهبه الشافى والسلام انتهى
98 - ومن إنشاء لسان الدين رحمه الله تعالى على لسان السلطان قوله
هذا ظهير كريم مضمنه استجلاء لأمور الرعية واستطلاع ورعاية

كرمت منها اجناس وأنواع وعدل بهر منه شعاع ووصايا يجب لها إهطاع أصدرناه للفقيه فلان لما تقرر لدينا دينه وعدله وفضله رأينا أنه أحق من نقلده الهم الأكيد ونرمى به من أغراض البر الغرض البعيد ونستكشف به أحوال الرعايا حتى لا يغيب عنا شىء من أحوالها ولا يتطرق إليها طارق من أهوالها وينهى إلينا الحوادث التى تنشأ فيها إنهاء يتكفل بحياطة ابشارها وأموالها
وأمرناه إن يتوجه إلى جهة كذا حاطها الله تعالى فيجمع الناس فى مساجدهم ويندبهم من مشاهدهم ويبدا بتقرير غرضنا فى صلاح أحوالهم وإحساب أموالهم ومكابدتنا المشقة فى مداراة عدوهم الذى نعلم من أحواله ما غاب عنهم دفعه الله تعالى بقدرته ووقى نفوسهم وحريمهم من معرته ولما رأينا من انبتات الأسباب التى تؤمل وعجز الحيل التى كانت تعمل ويستدعى إنجادهم بالدعاء واخلاصهم فيه إلى رب السماء ويسال عن سيرة القواد وولاة الأحكام بالبلاد فمن نالته مظلمة فليرفعها إليه ويقصها عليه ليبلغها الينا ويوفدها مقررة الموجبات لدينا ويختبر ما افترض صدقة للجبل وما فضل عن كريم ذلك العمل ليعين إلى بناء الحصن بجبل فاره يسر الله تعالى لهم فى إتمامه وجعل صدقتهم تلك مسكة ختامه وغيره مما افترض إعانه للمسافرين وانجادا لجهاد الكافرين فيعلم مقداره ويتولى اختباره حتى لا يجعل منه شيء على ضعيف ولا يعدل به لمشروف عن شريف ولا تقع فيه مضايقة ذى الجاه ولا مخادعة غير المراقب لله ومتى تحقق إن غنيا قصر به عن حقه أو ضعيفا كلف منه فوق طوقه فيجير الفقير من الغنى

ويجرى من العدل على السنن السوى ويعلم الناس إن هذه المعونة وإن كانت بالنسبة إلى محل ضرورتها يسيرة وإن الله تعالى يضاعفها لهم اضعافا كثيرة فليست مما يلزم ولا من المعاون التى بتكررها يجزم وينظر فى عهود التوفيق فيصرفها فى مصارفها المتبينة وطرقها الواضحة البينة
ويتفقد المساجد تفقدا يكسو عاريها ويتمم منها المآرب تتميما يرضى باريها ويندب الناس إلى تعليم القرآن لصبيانهم فذلك أصل اديانهم ويحذرهم المغيب على كل شىء من أعشارهم فالزكاة أخت الصلاة وهما من قواعد الإسلام وقد اخترنا لهم بأقصى الجد والاعتزام ورفعنا عنهم رسم التعريف نظرا إليهم بعين الاهتمام وقدمنا الثقات لهذه الأحكام وجعلنا الخرص شرعيا فى هذا العام وفيما بعده إن شاء الله تعالى من الأعوام
ومن أهم ما أسندناه إليه وعولنا فيه عليه البحث بتلك الأحواز عن أهل البدع والأهواء والسائرين من السبيل على غير السواء ومن ينبز بفساد العقد وتحريف القصد والتلبس بالصوفية وهو فى الباطن من أهل الفساد والذاهبين إلى الإباحة وتأويل المعاد والمؤلفين بين النساء والرجال والمتبعين لمذاهب الضلال فمهما عثر على مطوق بالتهمة منبز بشىء من ذلك من هذه الأمة فليشد ثقافة شدا ويسد عنه سبيل الخلاص سدا ويسترعى فى شأنه الموجبات ويستوعب الشهادات حتى ينظر فى حسم دائه ويعاجل المرض بدوائه فليتول ما ذكرنا نائبا باحسن المناب ويقصد وجه الله تعالى راجيا منه جزيل الثواب ويعمل عمل من لا يخاف فى الله لومة لائم ليجد ذلك فى موقف الحساب
وعلى من يقف عليه من القواد والأشياخ والحكام إن يكونوا معه يدا واحدة

على ما حررنا فى هذه الفصول من العمل المقبول والعدل المبذول ومن قصر عن غاية من غاياته أو خالف مقتضى من مقتضياته فعقابه عقاب من عصى أمر الله وأمرنا فلا يلم إلا نفسه التى غرته وإلى مصرع النكير جرته والله تعالى المستعان انتهى
99 - ومن ذلك ما خاطب به تربة السلطان الكبير أبى الحسن المرينى لما قصدها عقب ما شرع فى جواره وتوسل إلى أغراضه بذلك إلى ولده رحم الله تعالى الجميع
السلام عليك ثم السلام أيها المولى الهمام الذى عرف فضله الإسلام وأوجبت حقه العلماء الأعلام وخفقت بعز نصره الأعلام وتنافست فى إنفاذ أمره ونهيه السيوف والأقلام السلام عليك أيها المولى الذى قسم زمانه بين حكم فصل وإمضاء نصل وإحراز خصل وعبادة قامت من اليقين على أصل السلام عليك يا مقرر الصدقات الجارية ومشبع البطون الجائعة وكاسى الظهور العارية وقادح زناد العزائم الوارية ومكتب الكتائب الغازية فى سبيل الله تعالى والسرايا السارية السلام عليك يا حجة الصبر والتسليم وملتقى أمر الله تعالى بالخلق المرضى والقلب السليم ومفوض الأمر فى الشدائد الى السميع العليم ومعمل البنان الطاهر فى اكتتاب الذكر الحكيم كرم الله تعالى تربتك وقدسها وطيب روحك الزكية وآنسها فلقد كنت للدهر جمالا وللإسلام ثمالا وللمستجيرا مجيرا وللمظلوم وليا ونصيرا لقد كنت للمحارب صدرا وفى المواكب بدرا وللمواهب بحرا وعلى العباد والبلاد ظلا ظليلا وسترا لقد فرعت أعلام عزك الثنايا وأجزلت همتك لملوك الأرض الهدايا كأنك لم تعرض الجنود ولم تنشر البنود ولم تبسط العدل المحدود ولم توجد الجود ولم تزين الركع السجود فتوسدت الثرى وأطلت الكرى وشربت الكأس التى يشربها الورى وأصبحت ضارع الخد كليل الحد

سالكا سنن الأب والجد لم تجد بعد انصرام أجلك إلا صالح عملك ولا أصبحت لقبرك إلا رابح تجرك وما أسلفت من رضاك وصبرك فنسأل الله تعالى إن يؤنس اغترابك ويجود بسحاب الرحمة ترابك وينفعك بصدق اليقين ويجعلك من الأئمة المتقين ويعلى درجتك فى عليين ويجعلك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين
وليهنك أن صير الله تعالى ملكك من بعدك إلى نير سعدك وبارق رعدك ومنجز وعدك أرضى ولدك وريحانة خلدك وشقة نفسك والسرحة المباركة من غرسك ونور شمسك وموصل عملك البر إلى رمسك فقد ظهر عليه أثر دعواتك فى خلواتك وأعقاب صلواتك فكلمتك والمنة لله تعالى باقية وحسنتك إلى محل القبول راقية يرعى بك الوسيلة ويتمم مقاصدك الجميلة أعانه الله تعالى ببركة رضاك على ما قلده وعمر بتقواه يومه وغده وأبعد فى السعد أمده وأطلق بالخير يده وجعل الملائكة أنصاره والأقدار عدده
وإننى أيها المولى الكريم البر الرحيم لما اشترانى وراشنى وبرانى وتعبدنى بإحسانه واستعمل فى استخلاصي خط بنانه ووصية لسانه لم أجد مكافأة إلا التقرب إليك وإليه برثائك وإغراء لسانى بتخليد عليائك وتعفير الوجنة فى حرمك والإشادة بعد الممات بمجدك وكرمك ففتحت الباب فى هذه الغرض إلى القيام بحقك المفترض الذى لولاه لاتصلت الغفلة عن أدائه وتمادت فما يبست الألسن ولا كادت متحيزا بالسبق إلى أداء هذا الحق بادئا بزيارة قبرك الذى هو رحله الغرب ما نويته من رحلة الشرق وما أعرضت عنه فاقطعه أثر مواقع الاستحسان وقد جمع بين الشكر والتنويه والإحسان والله سبحانه يجعله عملا مقبولا ويبلغ فيه من القبول مأمولا ويتغمد من ضاجعته من سلفك الكرام بالمغفرة الصيبة والتحيات الطيبة فنعم الملوك الكبار

والخلفاء الأبرار والأئمة الأخيار الذين كرمت منهم السير وحسنت الأخبار وسعد بعزماتهم الجهادية وشقى الكفار وصلوات الله تعالى عودا وبدءا على الرسول الذى اصطفاه واختاره فهو المصطفى المختار وعلى آله وأصحابه الذين هم السادة الأبرار وسلم تسليما انتهى
100 - وقال لسان الدين رحمه الله تعالى ومما خاطبت به الوزير المتغلب على الملك بالمغرب ما نصه
( لا ترج إلا الله فى شدة ... وثق به فهو الذى أيدك )
( حاشاك أن ترجو إلا الذى ... فى ظلمة الأحشاء قد أوجدك )
( فاشكره بالرحمة فى خلقه ... ووجهك ابسط بالرضى أو يدك )
( والله لا تهمل الطافه ... قلادة الحق الذى قلدك )
( ما أسعد الملك الذى سسته ... يا عمر العدل وما أسعدك )
نخص الوزير الذى بهر سعده وحمد فى المضاء قصده وعول على الشيم التى اقتضاها مجده وأورثه إياها أبوه وجده الوزير عمر الكذا ابن الشيخ الكذا أبقاه الله تعالى ثابت القدم خافق العلم شهيرا حديث سعده فى الأمم مثلا خبر بسالته وجلالته فى العرب والعجم
تحية معظم مجده الكبير المستند إلى عهده الوثيق وحسبه الشهير المسرور بما سناه الله تعالى له من نجح التدبير والنصر العديم النظير وإنجاده إياه عند إسلام النصير وفراق القبيل والعشير ابن الخطيب واليد ممدودة إلى الله تعالى فى صلة سعد الوزير أبقاه الله تعالى ودوام عصمته واللسان يطنب ويسهب فى شكر نعمته والأمل متعلق بأسبابه الكريمة وأذمته وقد كان شيعة مع الشفقة التى أذابت الفؤاد والزمت الأرق والسهاد على علم بأن عناية الله تعالى عليه عاكفة وديم الآئه لديه واكفة فإن الذى أقدره وأيده

ونصره وأنفذت مشيئته ما دبره كفيل بإمداده وملى بإسعاده ومرجو لإصلاح دنياه ومعاده وفى أثناء هذه الاراجيف استولى على معظم وزارته الجزع وتعاورته الأفكار تأخذ وتدع فإنى كما يعلم الوزير أعزه الله تعالى منقطع الأسباب مستوحش من الجهة الأندلسية على بعد الجناب ومستعدى على بكونى من المعدودين فيمن له من الخلصان والأحباب فشرعت فى نظر أحصل منه على زوال اللبس وأمان النفس واللحاق بمأمن يرعانى برعى الوزير بخلال ما يدبر الأمر من له التدبير ففى أثنائه وتمهيد أساس بنائه ورد البشير بما سناه الله تعالى لسيدي وجابر كسرى ومنصفى بفضل الله تعالى من دهري من الصنع الذى ظهر وراق نوره وبهر فأمنت وإن لم أكن ممن جنى وحفتنى المسرات بين فرادى وثنى وانشرح بفضل الله تعالى صدرى وزارتنى النعم والتهانى من حيث ولا أدرى ووجهت الولد الذى شملته نعمة الوزير واحسانه وسبق إليه امتنانه نائبا عنى فى تقبيل يده وشكر يده والوقوف ببابه والتمسك بأسبابه آثرته بذلك لأمور منها المزاولة فيما كان يلزمنى من إخواته الأصاغر وتدريبه على خدمة الجلال الباهر وإفرادى له بالبركة ولعائق ضعف عن الحركة وبعد ذلك أشرع بفضل الله تعالى فى العمل على تجديد العهد بباب الوزارة العلية عارضا من ثنائها ما يكون وفق الأمنية ورب عمل أغنى عنه فضل نية والسلام الكريم على سيدي ورحمة الله تعالى وبركاته
101 - قال وكتبت إليه ايضا على أثر الفتح الذى تكيف له
سيدي الذى أسر بسعادته وظهور عناية الله تعالى به فى إبدائه وإعادته وأعلم كرم مجادته وأعترف بسيادته الوزير الميمون الطائر الجاري حديث سعده ومضائه مجرى المثل السائر أبقاه الله تعالى عزيز الأنصار جارية بيمن نقيبته حركة الفلك الدوار معصوما من المكاره بعصمة الواحد القهار

معظم سيادته الرفيعة الجانب وموقر وزارته الشهيرة المناسب الداعى إلى الله تعالى بطول لقائه فىعز واضح المذاهب وصنع واكف السحائب ابن الخطيب عن الذى يعلم سيدي من لسان طلق بالثناء ويد ممدودة إلى الله تعالى بالدعاء والتماس لما يعد من جزيل النعماء والفتح الذى نفتح له ابواب السماء وقد اتصل ماسناه الله تعالى له من النصر والظهور والصنع البادى السفور لما التقى الجمعان وتهوديت أكواس الطعان وتبين الشجاع من الجبان وظهر من كرات سيدي وبسالته ما تحدث به ألسنة الركبان حتى كانت الطائلة لحزبه وظهرت عليه عناية ربه فقلت الحمد لله الذى جعل سعد عمادى متصل الآيات واضح الغرر والشيات
وقد كنت بعثت اهنئه بما قدم من صنع جميل وبلوغ تأميل فقلت اللهم افد علينا التهانى تترى واجعل الكبرى من نعمتك السالفة بنعمتك الرادفة الخالفة هى الصغرى واجمع له بين نعم الدنيا والأخرى والناس أبقى الله تعالى سيدي لهم مع الاستناد إليك جهات وأمور مشتبهات إلا المحب المتشيع فجهتك هى التى آنست الغربة وفرجت الكربة ووعدت بالخير وضمنت عاقبة الضير وأنا ارتقب ورود التعريف المولوي على عبيده بهذه المدينة وأصل أن شاء الله تعالى لمباشرة الهناء وقرة العين بمشاهدة الآلاء والله عز و جل يديم سعادة سيدي ويطيل بقاءه ويرادف قبلة نعمة وآلاءه بفضله انتهى
102 - وقال ومما خاطبت به المذكور وأنا ساكن بسلا
( أيا عمر العدل الذى مطل المدى ... بوعد الهدى حتى وفيت بدينه )
( ويا صارم الملك الذى يستعده ... لدفع عداه أو لمجلس زينه )
( هنت عينك اليقظى من الله عصمة ... كفت وجه دين الله موقع شينه )
( وهل أنت إلا الملك والدين والدنا ... ولا يلبس الحق المبين بمينه )
( إذا نال منك العين ضر فإنما ... أصيب به الإسلام فى عين عينه )

الوزير الذى هو للدين الوزر الواقى والعلم السامى المراقب والمراقى والحلى المقلد فوق الترائب والتراقى والكنز المؤمل والذخر الباقى حجب الله تعالى العيون عن عين كمالك وصير الفلك الدوار مطية آمالك وجعل اتفاق اليمن مقرونا بيمينك وانتظام الشمل معقودا بشمالك
أعلم إن مطلق لسان الثناء على مجدك والمستضىء على البعد بنور سعدك ومعقود الرجاء بعروة وعدك لا يزال فى كل ساعة يسحب الفلك فيه ذيلها ويعاقب يومها وليلها مصغى الأذان إلى نبإ يهدي عنك لله تعالى دفاعا أو يمد فى ميدان سعدك باعا وأنت اليوم النصير على الدهر الظلوم وآسى الكلوم وذو المقام المعلوم فتعرفت أن بعض ما يتلاعب به بين أيدي السادة الخدام وتتفكه به المثاقفة والافدام من كرة مرسلة الشهاب أو نارنجة ظهر عليها من اسمها صبغة الالتهاب حومت حول عينك لا كدر صفاؤها ولا هدم فوق مهاد الدعة والأمن إغفاؤها فرعت حول حماها ورامت أن تصيب فخيب الله تعالى مرماها
( نرى السوء مما نتقى فنهابه ... وما لا نرى مما يقى الله أكثر )
فقلت مكروه أخطأ سهمه وتنبيه من الله تعالى لمن نبل عقله وفهمه ودفاع قام دليله وسعد أشرق جليله وأيام أعربت عن إقبالها وعصمة غطت بسربالها وجوارح جعل الله تعالى الملائكة تحرسها فلا تغتالها الحوادث ولا تفترسها والفطن يشعر بالشىء وإن جهل أسبابه والصوفى يسمع من الكون جوابه فبادرت أهنئة من يرى تلك الجوارح الكريمة أعز عليه من جوارحه ويرسل طير الشكر لله تعالى فى مساقط اللطف الخفى ومسارحه

وسالته سبحانه إن يجعلك عن النوائب حجرا لا يقرب وربعك ربعا لا يخرب ما سبح الحوت ودب العقرب ثم إننى شفعت الهناء ووترته وأظهرت السرور فما سترته بما سناه لتدبيرك من مسالمة تكذب الإرجاف وتغنى عن الإيجاف وتخصب للإبل العجاف وتريح من كيد وتفرغ إلى مجادلة عمرو وزيد وكأنى بسعدك قد سدل الأمان وعدل الزمان وأصلح الفاسد ونفق الكاسد وقهر الروع المستاسد وسر الحبيب وساء الحاسد والسلام انتهى
103 - ومن إنشاء لسان الدين رحمه الله تعالى ما خاطب به الرئيس عامر ابن محمد بن على الهنتاتى معزبا له عن أخيه عبد العزيز
( أبا ثابت كن فى الشدائد ثابتا ... أعيذك أن يلغى حسودك شامتا )
( عزاؤك عن عبد العزيز هو الذى ... يليق بعز منك أعجز ناعتا )
( فدوحتك الغناء طالت ذوائبا ... وسرحتك الشماء طابت منابتا )
( لقد هد أركان الوجود مصابه ... وأنطق منه الشجو من كان صامتا )
( فمن نفس حر أوثق الحزن كظمها ... ومن نفس بالوجد أصبح خافتا )
( هو الموت للإنسان فصل لحده ... وكيف ترجى أن تصاحب مائتا )
( وللصبر أولى ان يكون رجوعنا ... إذا لم نكن بالحزن نرجع فائتا )
اتصل بى ايها الهمام وبدر المجد الذى لا يفارقه التمام ما جنته على عليائك الأيام واقتنصه محلق الردى بعد ان طال الحيام وما استاثر به الحمام فلم يغن الدفاع ولا نفع الذمام من وفاة صنوك الكريم الصفات وهلاك وسطى الأسلاك وبدر الأحلاك ومجير الأملاك وذهاب السمح الوهاب وأنا لديغ صل الفراق الذى لا يفيق بألف راق وجريح سهم

البين ومجارى العيون الجارية بدمع العين لفقد أنيس سهل على مضض النكبة ونحى ليث الخطب عن فريستى بعد صدق الوثبة وآنسنى فى الاغتراب وصحبنى إلى منقطع التراب وكفل أصاغرى خير الكفالة وعاملنى من حسن العشرة بما سجل عقد الوكالة انتزعه الدهر من يدي حيث لا أهل ولا وطن والاغتراب قد ألقى بعطن وذات اليد يعلم حالها من يعلم ماظهر وما بطن ورأيت من تطارح الأصاغر على شلو الغريب النازح عن النسيب والقريب ما حملنى على أن جعلت البيت له ضريحا ومدفنا صريحا لأخدع من يرى أنه لم يزل مقيما لديه وأن ظل شفقته منسحب عليه فأعيا مصابى عند ذلك القرح وأعظم الظمأ البرح ونكأ القرح القرح إذ كان ركنا قد بنته لى يد معرفتك ومتصفا فى البر بى والرعى لصاغيتى بكريم صفتك فوالهفا عليه من حسام وعز سام وأياد جسام وشهرة بين بنى حام وسام أي جمال خلق ووجه للقاصد طلق وشيم تطمح للمعالى بحق وأي عضد لك يا سيدي الأعلى لا يهن إذا سطا ولا يقهقر إذا خطا يوجب لك على تحليه بالشيبة ما توجبه البنوة من الهيبة ويرد ضيفك آمنا من الخيبة ويسد ثغرك عند الغيبة ذهبت إلى الجزع فرأيت مصابه أكبر ودعوت بالصبر فولى وأدبر واستنجدت الدمع فنضب واستصرخت الرجاء فأنكر ما روى واقتضب وبأي حزن يلقى عبد العزيز وقد جل فقده أو يطفأ لاعجه وقد عظم وقده اللهم لو بكى بندى أياديه أو بغمائم غواديه أو بعباب واديه وهى الأيام اي شامخ لم تهده أو جديد لم تبله وإن طالت المدة فرقت بين التيجان والمفارق والخدود والنمارق والطلى والعقود والكأس وأبنه العنقود فما التعلل بالفان وإنما هى إغفاءه أجفان والتشبث بالحبائل وإنما هو ظل زائل والصبر على المصائب ووقوع سهمها الصائب أولى ما اعتمد طلابا ورجع إليه طوعا أو غلابا فأنا يا سيدي أقيم رسم التعزية وإن بؤت بمضاعف المرزية ولا عتب على القدر فى الورد من الأمر والصدر ولولا أن هذا الواقع مما لا

يجدى فيه الخلصان ولا يغنى فيه اليراع ولا الخرصان لأبلى جهده من أقرضتموه معروفا وكان بالتشيع إلى تلك الهضبة معروفا لكنها سوق لا ينفق فيها إلا سلعة التسليم للحكيم العليم وطى الجوانح على المضض الأليم ولعمرى لقد خلدت لهذا الفقيد وإن طمس الحمام محاسنه الوضاحة لما كبس منه الساحة صحفا منشرة وثغورا بالحمد موشرة يفخر بها بنوه ويستكثر بها مكتسبو الحمد ومقتنوه وأنتم عماد البازة وعلم المفازة وقطب المدار وعامر الدار وأسد الأجمة وبطل الكتيبة الملجمة وكافل البيت والستر على الحى والميت ومثلك لا يهدى الى نهج لاحب ولا ترشده نار الحباحب ولا ينبه على سنن نبى كريم أو صاحب قدرك أعلى وفضلك أجلى وأنت صدر الزمان بلا مدافع وخير معل لأعلام الفضل ورافع وأنا وإن أخرت فرض بيعتك لما خصنى من المصاب ونالنى من الأوصاب ونزل بى من جور الزمان الغصاب ممن يقبل عذره الكرم ويسعه الحرم المحترم والله سبحانه الكفيل لسيدي وعمادى ببقاء يكفل به الأبناء وأبناء الأبناء ويعلى لقومه رتب العز سامية البناء حتى لا يوحش مكان فقيد مع وجوده ولا يحس بعض زمان مع جوده ويقر عينه فى ولده وولد ولده ويجعل أيدي مناويه تحت يده والسلام
104 - وخاطبه لسان الدين أيضا بما نصه
سيدي الذى هو رجل المغرب كله والمجمع على طهارة بيته وزكاء أصله علم أهل المجد والدين وبقية كبار الموحدين
بعد السلام الذى يجب لتلك الجلالة الراسخة القواعد السامية المصاعد والدعاء لله أن يفتح لك فى مضيقات هذه الأحوال مسالك التوفيق ويمسكك من عصمته بالسبب الوثيق أعرفك أن جبلك اليوم وقد عظم الرجفان وفاض التنور وطغى الطوفان تؤمل النفوس الغرقى جودي جوده وتغتبط غاية

الاغتباط بوجوده
ووالله لولا العلائق التى يجب لها الالتزام ما وقع على غير قصدك الاعتزام والله تعالى يمدك بإعانته على تحمل القصاد ويبقى محلك رفيع العماد كثير الرماد ويجعل أبا يحيى خلفا منك بعد عمر النهاية البعيد الآماد ويبقى كلمة التوحيد فيكم إلى يوم التناد
وحامله القائد الكذا معروف النباهة والجهاد ومحله لا ينكر فى الفؤاد لما اشتبهت السبل والتبس القول والعمل لم يجد أنجى من الركون إلى جنابك والتمسك بأسبابك والانتظام فى جملة خواصك وأحبابك حتى ينبلج الصبح ويظهر النجح ويعظم المنح ويكون بعد هجرته الفتح ومثلكم من قصد وأمل وانضي إليه المطى وأعمل وأما الذى عندي من القيام بحق تلك الذات الشريفة والقول بمناقبها المنيفة فهو شىء لا تفى به العبارة ولا تؤدية الألفاظ المستعارة والله تعالى المسؤول فى صلة عز سيدي ودوام سعده والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته انتهى
105 - وقال لسان الدين رحمه الله تعالى ومما خاطبت به شيخ الدولة وقد استقل من مرض ما نصه
( لا أعدم الله دار الملك منك سنا ... يجلى به الحالكان الظلم والظلم )
( وأنشدتك الليالى وهى صادقة ... المجد عوفى إذ عوفيت والكرم )
من علم أعلى الله تعالى قدرك أن المجد جواد حلاك شياته لا بل الملك بدر أنت آياته لا بل الإسلام جسم أنت حياته دعا منك بالبقاء لمجد يروق بك جبينه وملك تنيره وتزينه ولدين تعامل الله تعالى بإعزازه وتدينه فلقد ألمت نفوس المؤمنين لآلامك ووجم الإسلام لتوقع إسلامك وخفقت الأعلام لتاخر إطرافك بمصالح الملك وإعلامك فانما أنامل الدين والدنيا متشبثة بأذيال أيامك ورحال الأمل مخيمة بين حلالك وخيامك

فإذا قابلت الأشراف نعم الله تعالى بشكر ورمت الغفلة عن ذلك بنكر فاشكره جل وعلا بملء لسانك وجنانك واجر فى ميدان حمده مطلقا من عنانك على ما طوقك من استرقاق حر وإفاضة اياد غر واقتناء عسجد من الحمد ودر واتاحة نفع ودفع ضر وإدالة حلو من مر وكن على ثقة من مدافعة الله تعالى عن حماك وعز تبلغ ذوائبه السماك ورزق يجره فال منتماك ودونك مجلس الإمامة فقد تدبيره بزمامك وحظوة الخلافة فاستحقها بوسائلك القديمة وذمامك ومحاسن الدولة فاجلها على منصة إمامك ورسوم البر فأغر بها عين اهتمامك وذروه المنبر فأمض بها ظبه حسامك وأجن الآملين زهر الأيادي البيض من كمائم أكمامك فيا عز دولة بك يا جملة الكمال قد استظهرت وأذلت المعاند وقهرت وباعمال آرائك اشتهرت فراقت فضائلها وبهرت جزاله كما شق الجو جارح ولطافة كما طارح نغم التاليف مطارح وفكر فى الغيب سارح ودين لغوامض الحلم والعدل شارح ومكارم محت آثار الكرماء ونسخت وحلت عقود أخبار الأجواد فى الأعصار وفسخت فلم تدع الفضل ذكرا وتركت معروف يحيى بن خالد نكرا لا بل لم يبق لكعب من علو كعب وأنست دعوة حاتم بأي ماح وخاتم قصاره شي حوار ومنع حوار وعقر ناب عند اقشعرار جناب واين يقع من كبر قدر ترفع عن الكبر وجود خضب الأيدي بحناء التبر وعز استخدم الأسل الطوال بيراع أقل من الشبر وحقن الدماء المراقة بإراقة نجيع الحبر وفك العقال ورفع النوب الثقال وراع الذرة والمثقال وعثر الزمان فاقال ووجد لسان الصدق فقال
أقسم ببارىء النسم وهو أبر القسم ما فازت بمثلك الدول ولا ظفرت بمثلك الملوك الأواخر والأول ولو تقدمت لم يضرب إلا بك المثل ولم يقع إلا على سنتك وكتابك والإجماع المنعقد على آدابك العمل والمملوك لما شام مالكه برق العافية وتدرع بالالطاف الخافية كتب مبشرا بالهناء ومذيعا

ما يجب من الحمد والثناء وشاكرا ما له بوجوده من الاعتناء فقد بادر ركن الدين بالبناء وأبقى الستر والمنة على الآباء والأبناء فنسال الله تعالى أن يمتع منك باثير الملوك ووسطى السلوك وسلالة أرباب المقامات والسلوك ويبقيك وحصة الصحة وافرة وغرة العزة القعساء سافرة وغادة عادة السعادة غير نافرة وكتيبة الأمل فى مقامك السعيد غانمة ظافرة ما زحفت للصباح شهب المواكب وتفتحت بشط نهر المجرة أزهار الكواكب والسلام انتهى
106 - ومن ذلك ما خاطب به سيدي أبا عبد الله ابن مرزوق جوابا عن كتابه وقد استقر خطيب السلطان بتونس
( ولما أن نات منكم ديار ... وحال البعد بينكم وبينى )
( بعثت لكم سوادا فى بياض ... لأنظركم بشىء مثل عينى )
بم أفاتحك يا سيدي وأجل عددي كيف أهدي سلاما فلا أحذر ملاما أو أنتخب لك كلاما فلا أجد لتبعة التقصير فى حقك الكبير إيلاما أن قلت تحية كسرى فى الثناء وتبع فكلمة فى مرتع العجمة تربع ولها المصيف فيه والمربع والجميم والمنبع فتروى متى شاءت وتشبع وان قلت إذا العارض خطر ومهما همى أو قطر سلام الله يا مطر فهو فى الشريعة بطر وركبة خطر ولا يرعى به وطن ولا يقضى به وطر وأنما العرق الأوشج ولا يستوى البان والبنفسج والعوسج والعرفج
( سلام وتسليم وروح ورحمة ... عليك وممدود من الظل سجسج )

وما كان فضلك ليمنعنى الكفران أن أشكره ولا لينسينى الشيطان أن أذكره فأتخذ فى البحر سببا أو أسلك غير الوفاء مذهبا تأبى ذلك والمنة لله تعالى طباع لها فى مجال الرعى باع وتحقيق واشباع وسائم من الإنصاف ترعى فى رياض الاعتراف فلا يطرقها ارتياع ولا تخيفها سباع وكيف نجحد تلك الحقوق وهى شمس ظهيرة وأذان عقيرة جهيرة فوق مئذنة شهيرة آدت الأكتاد لها ديون تستغرق الذمم وتسترق حتى الرمم فإن قضيت فى الحياة فهى الخطة التى نرتضيها ولا نقنع من عامل الدهر المساعد إلا أن ينفذ مراسمها ويمضيها وأن قطع الأجل فالغنى الحميد من خزائنه التى لا تبيد يقضيها ويرضي من يقتضيها وحيا الله تعالى أيها العلم السامى الجلال زمنا بمعرفتك المبرة على الآمال بر واتحف وإن أساء بفراقك وأجحف وأعرى بعدما الحف وأظفر باليتيمة المذخورة للشدائد والمزاين ثم أوحش منها أصونة هذه الخزاين فآب حنين الأمل بخفية وأصبح المغرب غريبا يقلب كفيه ونستغفر الله تعالى من هذه الغفلات ونستهديه دليلا فى مثل هذه الفلوات وأي ذنب فى الفراق للزمن أو لغراب الدمن أو للرواحل المدلجة ما بين الشام إلى اليمن وما منها إلا عبد مقهور وفى رمة القدر مبهور عقد والحمد لله مشهور وحجة لها على النفس اللوامة ظهور جعلنا الله تعالى ممن ذكر المسبب فى الأسباب وتذكر ( وما يذكر إلا أولو الألباب ) البقرة آل عمران قبل غلق الرهن وسد الباب وبالجملة فالفراق ذاتى ووعده مأتى فإن لم يكن فكأن قد ما أقرب اليوم من الغد والمرء فى الوجود غريب وكل آت قريب وما من مقام إلا لزيال من غير احتيال والأعمار مراحل والأيام أميال

( نصيبك فى حياتك من حبيب ... نصيبك فى منامك من خيال )
جعل الله تعالى الأدب مع الحق شاننا وأبعد عنا الفراق الذى شاننا وأنى لأسر لسيدي بأن رعى الله تعالى صالح سلفة وتداركه بالتلافى فى تلفه وخلص سعادته من كلفه وأحله من الأمن فى كنفه وعلى قدرها تصاب العلياء وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء
هذا والخير والشر فى هذه الدار المؤسسة على الأكدار ظلان مضمحلان فقد ارتفع ما ضر أو نفع وفارق المكان فكأنه ما كان ومن كلمات الملوك البعيدة عن السلوك إلا أن يشاء ملك الملوك
( خذ من زمانك تيسر ... واترك بجهدك ما تعسر )
( ولرب مجمل حاله ... ترضى به ما لم يفسر )
( والدهر ليس بدائم ... لا بد أن سيسوء إن سر )
( واكتم حديثك جاهدا ... شمت المحدث أو تحسر )
( والناس آنية الزجاج ... إذا عثرت به تكسر )
( لا تعدم التقوى فمن ... عدم التقى فى الناس أعسر )
( وإذا امرؤ خسر الإله ... فليس خلق منه أخسر )
وان لله تعالى فى رعيك لسرا ولطفا مستمرا مستقرا إذ القاك اليم إلى الساحل فأخذ بيدك من ورطة الواحل وحرك منك عزيمة الراحل إلى الملك الحلاحل فأدالك من إبراهيم سميا وعرفك بعد الولى وسميا ونقلك من عناية إلى عناية وهو الذى يقول وقوله الحق ( ما ننسخ من آية - الآية ) البقرة

وقد وصل كتاب سيدي يحمد والحمد لله العواقب ويصف المراقى التى حلها والمراقب وينشر المفاخر الحفصية والمناقب ويذكر ما هيأه الله تعالى لديها من إقبال ورخاء بال خصيصى اشتمال ونشوة آمال وأنه اغتبط وارتبط وألقى العصا بعدما خبط ومثل تلك الخلافة العلية من تزن الذوات المخصوصة من الله تعالى بتشريف الأدوات بميزان تمييزها وتفرق بين شبه المعادن وابريزها و شبه الشىء مثل معروف ولقد أخطأ من قال الناس ظروف أنما هم شجرات ريع فى بقعة ماحلة وإبل مائة لا تجد فيها راحلة وما هو إلا اتفاق ونجح للمسلك وإخفاق وقلما كذب إجماع وإصفاق والجليس الصالح لرب سياسة أمل مطلوب وحظ إليه مجلوب وأن سئل أطرف وعمر الوقت ببضاعة أشرف وسرق الطباع ومد فى الحسنات الباع وسلى فى الخطوب وأضحك فى اليوم القطوب وهدى إلى أقوم الطرق وأعان على نوائب الحق وزرع له المودة فى قلوب الخلق زاد الله تعالى سيدي لديها قربا أثيرا وجعل فيه للجميع خيرا كثيرا بفضله وكرمه
ولعلمى بأنه أبقاه الله تعالى يقبل نصحى ولا يرتاب فى صدق صبحى أغبطة بمثواه وأنشده ما حضر من البديهة فى مسارة هذاه ونجواه
( بمقام إبراهيم عذ واصرف به ... فكرا تؤرق عن بواعث تنبري )
( فجواره حرم وأنت حمامه ... ورقاء والأغصان عود المنبر )
( فلقد أمنت من الزمان وريبه ... وهو المروع للمسىء وللبري )
وأن تشوف سيدي فلعمر وليه لو كان المطلوب دنيا لوجب وقوع الاجتزاء

ولاغتبط بما تحصل فى هذه الجزور المبيعة فى حانوت الزور من السهام الوافرة الأجزاء فالسلطان رعاه الله تعالى يوجب ما فوق مزية التعليم والولد هداهم الله تعالى قد أخذوا بحظ قل أن ينالوه بغير هذا الإقليم والخاصة والعامة تعامل بحسب ما بلته من نصح سليم وترك لما بالأيدي وتسليم وتدبير عاد على عدوها بالعذاب الأليم إلا من أبدى السلامة وهو من إبطان الحسد بحال السليم ولا ينكر ذلك فى الحديث ولا فى القديم ولكن النفس منصرفة عن هذا الغرض نافضة يدها من العرض قد فوتت الحاصل ووصلت فى الله تعالى القاطع وقطعت الواصل وصدقت لما نصح الفود الناصل وتأهبت للقاء الحمام الواصل وقلت
( انظر خضاب الشباب قد نصلا ... وزائر الأنس بعده انفصلا )
( ومطلبى والذى كلفت به ... حاولت تحصيله فما حصلا )
( لا أمل مسعف ولا عمل ... ونحن فى ذا والموت قد وصلا )
والوقت إلى الإمداد منكم بالدعاء فى الأصائل والأسحار إلى مقيل العثار شديد الافتقار والله عز و جل يصل لسيدي رعى جوانبه ويتولى تيسير آماله من فضله العميم ومآربه واقرا عليه من التحيات المحملة من فوق رحال الأريحيات أزكاها ما أوجع البرق الغمائم فأبكاها وحسد الروض جمال النجوم الزواهر فقاسها بمباسم الأزهار وحكاها واضطبن هرم الليل عند الميل عصا الجوزاء وتوكاها ورحمة الله تعالى وبركاته انتهى
107 - ووما خاطب به لسان الدين رحمه الله تعالى ابن مرزوق المذكور قوله

حذف 1 424 فى هذه الجزور المبيعة فى حانوت الزور من السهام الوافرة الأجزاء فالسلطان رعاه الله تعالى يوجب ما فوق مزية التعليم والولد هداهم الله تعالى قد أخذوا بخط قل أن ينالوه بغير هذا الإقليم والخاصة والعامة تعامل بحسب ما بلته من نصح سليم وترك لما بالأيدي وتسليم وتدبير عاد على عدوها بالعذاب الأليم إلا من أبدى السلامة وهو من إبطان الحسد بحال السليم ولا ينكر فى الحديث ولا فى القديم ولكن النفس منصرفة عن هذا الغرض نافضة يدها من العرض قد فوتت الحاصل ووصلت فى الله تعالى القاطع وقطعت الواصل وصدقت لما نصح الفود الناصل وتأهبت للقاء الحمام الواصل وقلت
( انظر خضاب الشباب قد نصلا ... وزائر الأنس بعده انفصلا )
( ومطلبى والذى كلفت به ... حاولت تحصيله فما حصلا )
( لا أمل مسعف ولا عمل ... ونحن فى ذا والموت قد وصلا )
والوقت إلى الإمداد منكم بالدعاء فى الأصائل والأسحار إلى مقيل العثار شديد الافتقار والله عز و جل يصل لسيدي رعى جوانبه ويتولى تيسير آماله من فضله العميم ومآربه واقرا عليه من التحيات المحملة من فوق رحال الأريحيات أزكاها ما أوجع البرق الغمائم فأبكاها وحسد الروض جمال النجوم الزواهر فقاسها بمباسم الأزهار وحكاها واضطبن هرم الليل عند عصا الجوزاء وتوكاها ورحمة الله تعالى وبركاته انتهى 107 - ووما خاطب به لسان الدين رحمه الله تعالى ابن مرزوق المذكور قوله

سيدي وعمادي كشف قناع النصيحة من الوظائف صديق أو خديم لصيق وأنا بكلتا الجهتين جقيق ويتلجلج فى صدري كلام أنا إلى نفثه ذو احتياج ولو فى سبيل هياج وخرق سياج وخوض دياج وقد اصبحت سعادتى عن أصل سعادتك فرعا فوجب النصح طبعا وشرعا فليعلم سيدي أن الجاه ورطة والاستغراق فى تيار الدول غلطة وبمقدار العلو إلا أن يقى الله تعالى تكون السقطة وأنه والله تعالى يعصمه من الحوادث ويقيه من الخطوب الكوارث وإن تبعه الجم فهو مفرد وبسهام الحسدة مقصد وأن الذى يقبل يده يضمر حسده وما من يوم إلا والعلل تستشرى والحيل تريش وتبري وسموم المكايد تسري والعين الساهرة تطرق العين النائمة من حيث تدري ولا تدري وهذا الباب الكريم مخصوص بالزيادة والبركة وخصوصا فى مثل هذه الحركة فثم ظواهر تخالف السرائر وحيل تصيب فى الجو الطائر وما عسى أن يتحفظ المحسود وقد عوت الكلاب وزأرت الأسود وأن ظن سيدي أن الخطة الدينية تذب عن نفسها أو تنفع مع غير جنسها فذلك قياس غير صحيح وهبوب الريح وإنما هى درجة فوق الوزارة والحجابة ودهر يدعى فيبادر بالإجابة وجاه يجر على القبيل الأذيال ويفيذ العز والمال وبحرهال وصدور تحمل الجبال وأن قطع بالأمان من جهة السلطان لم يؤمن أن يقع فيه والله سبحانه يقيه ويمتع به ويبقيه ما البشر بصدده والحى يجري إلى أمده فيستظهر الغير بقبيل ويجرى من التغلب على سبيل ويبقى سيدي والله تعالى يعصمه طائرا بلا جناح ومحاربا دون سلاح ينادي من مكان يثق بوده فى طلل ويقرع سن النادم والأمر جلل ومثله بين غير صنفه ممن لا يتصف بظرف ولا يلتفت إلى الإنسانية بطرف ولا يعبد الله تعالى ولو على حرف محمول عليه من حيث الصنفية معتمد بالعداوة الخفية وأن ظن غير هذا فهو مخدوع مسحور ومفتون مغرور وبالفكر فى الخلاص تفاضلت النفوس واستدفع البوس وله وجوه كلها متعذر

الحصول دونه بيض النصول إلا ما كان من الغرض الذى بإن فيه بعد الجد الفتور وعدل عنه وقد أخذ الدستور وتيسرت الأمور وتقررت الأيمان والنذور فإنه عرض قريب وسفر قاصد ومسعى لاينفق فيه سيدي من ماله درهم واحد ووطن لحركته راصد لا يمنع عليه أهله ولا يستصعب سهله وأميره جبره الله تعالى يتطارح فى تعيينكم لاقتضائه واحكام آرائه وتأمين خائفه واستقدام اصنافه وطوائفه وتتحركون حركة العز والتنويه والقدر النبيه لا يعوزكم ممن وراءكم مطلب ولا يلفى عن مخالفتكم مذهب ولا يكدر لكم مشرب
وتمر أيام وشهور وتظهر بطون للدهر وظهور وتفتح أبواب وتسبب أسباب من رجوع يتاتى بعد السكون والفتور وقد سكنت الخواطر وتنوعت الأمور أو مقام تمهد به البلاد ويعمل فى ترتيب الصلة الحسنة الاجتهاد وتستغرق فى هذا الغرض الآماد ويتأتى أن حدث وتراكم حادث الاستقلال والاستبداد تتهنا فيه الأعمار ويكون لمن ينتقل به على الشرق والغرب الخيار أو التحكم فى ذخيرة سما منها المقدار وذهل عند مشاهدتها الاعتبار وخزانه الكتب بجملتها وفيها الأمهات الكبار قد تجافت عنها الحاجة وعدم إليها الاضطرار والربع الذى يسوغ بالشرع والعقار فهذا كله حاصل وثم ضامن لا يتهم وكافل وعهود صبغها غير ناصل
وبالجملة فالوطن لأغراض الملك جامع ولمقاصده من المقام أو الانتقال مطيع وسامع وإن توقع إثارة فتنة أو ارتكاب إحنة فالأمر أقرب وحاله المتيسر أغرب وهذه الحجة فى تلمسان غير معتبرة وأجوبتها مقررة وقدوم رسول الطاغية وإعانته تحصل فى الغالب على هذه المطالب وبالجملة فالدنيا

قد اختلت والأقدام قد زلت والأموال قد قلت وشبيبة الدهر ولت وذلك القطر على علاته أحكم لمن يروم الجاه وأمنع وأجدى بكل اعتبار وأنفع وقد حضرت لاستخلاصكم إياه الآلة التى لا تتأتى فى كل زمان وتهيأ إمكان أي إمكان واقتضيت أيمان وعرضت سلع تقل لها أثمان وارتهنت الوفاء مروءات وأديان وتحقق بذلك القطر الفساد الذى اشتهر به مأموره وأموره وأميره والمنكر الذى يجب على كل مسلم تغييره فإن شئت شرعا فالحكم ظاهر أو طبعا فالطبع حاضر وما ثم عاذل بل عاذر والمؤونة التى تلزم أقل من أن تكون ثمن بعض الحصون فضلا عن الشجرة ذات الغصون وما يستهلك فى هذا الغرض شىء له خطر ولا يستنقذ من الصحيفة سطر واليد محكمة بكل أو شطر
وما يخص المملوك من هذا الأمر إلا استنقاذ نشب واستخلاص مؤمل بين موروث ومكتسب وبعيد إن لا ينعر له فى زمن من الأزمان فلا بد فى كل وقت من أعيان ومروءات وأحساب وأديان والله سبحانه كل يوم هو فى شان وأما خدمة دولة فهى على حرام لا ينجح لى فيها إن أعتمدها مرام وكأنى بالمشرق لاحق ولأنفاسه الذكية ناشق فما هى إلا أطماع سرابها لماع فإذا انقطعت انفسحت الدنيا واتسعت ومعاش فى غمار أو عكوف فى كسر دار لمداومة استقالة واستغفار والله ما توهم أن من بتلك البلاد يستنسر بغاثة عليكم أو يحتقر ما لديكم فقد ظهر الكائن وتطابق المخبر والمعاين فسبحان من يقوى الضعيف ويهين المخيف ويجري يد المشروف والشريف والهمم بيد الله تعالى ينجدها ويخذلها والأرض فى قبضته يرعاها ويهملها
هذا بث لا يسع إفشاؤه وسر إن لم يطو سقط به على السرحان شاؤه

وفيه ما ينكره الآمر وتتعلق به الظنون وتعمل الخواطر فتدبروه واعتبروه وبعقلكم فاسبروه ثم غطوه بالإحراق واستروه والله تعالى يرشدكم للتى هى أسد ويحملكم على ما فيه لكم العز السرمد والفخر الذى لا ينفد والسلام انتهى
108 - وقال رحمه الله تعالى ومما صدر عنى ما أجبت به عن كتاب بعث به إلى الفقيه الكاتب عن سلطان تلمسان أبى عبد الله محمد بن يوسف القيسي الثغري
( حيا تلمسان الحيا فربوعها ... صدف يجود بدره المكنون )
( ما شئت من فضل عميم إن سقى ... أروى ومن ليس بالمنون )
( أو شئت من دين إذا قدح الهوى ... أورى ودنيا لم تكن بالدون )
( ورد النسيم لها بنشر حديقة ... قد أزهرت أفنانها بفنون )
( وإذا حبيبة أم يحيى أنجبت ... فلها الشفوف على عيون العين )
ما هذا النشر والصف والحشر واللف والنشر والفجر والليالى العشر شذا كما تنفست دارين وسطور رقم حللها التزيين وبيان قام على إبداعه البرهان المبين ونقس وشتى به طرس فجاء كأنه عيون العين لا بل ما هذه الكتائب الكتيبة التى أطلعت علينا الأعنة وأشرعت إلينا الأسنة وراعت الإنس والجنة فاقسم بالرحمن لولا أنها رفعت شعار الأمان وحيت بتحية الإيمان لراعت السرب وعاقت الذود أن يرد الشرب أظنها مدد الجهاد قدم وشارد العرب استعمل فى سبيل الله واستخدم والمتأخر على ما فاته ندم والعزم وجد بعدما عدم نستغفر الله إنما هى رقاع الرفاع

وصلات صلاة ليس فيها سبق ولا إرباع وبقاع لها بطل الطباع الكريمة انتفاع وألحان بيان يعضدها إيقاع ودر منسوق ورطب لنخلها بسوق ولله درالقائل الملك سوق ومن نصير الشيخ على كتيبة تعقبها كتيبة واقتضاء وجيبة من ذي غلة غير نجيبة بينا هو يكابد من مراجعة الحى من حضر موت الموت ولا يكاد يرجع الصوت إذ صبحته قيس وهى التى شذت عن القياس وأجحمت عن مبارزتها أسود الأخياس فلولا امتثال أمر وصبر على جمر لأعاد ما حكي فى مبارزة الوصى عن عمرو فتحرج من الخطل وبين عذر المكره عن مناجزه البطل الم يدر قائد رعيلها وزائر غيلها أني أمت بذمة من عميده لا تخفر وأن ذنب إضافتى له لا يغفر وحقه الحق الذى لا يجحد ولا يكفر
( لما رأت راية القيسى زاحفة ... إلى ريعت وقالت لى وما العمل )
( قلت الوغى ليس من رأيي ولا عملى ... لا ناقة لى فى هذا ولا جمل )
( قد كان ذاك ورنات الصهيل ضحى ... تهز عطفى كأنى شارب ثمل )
( والآن قد صوح المرعى وقوضت ... الخيمات والركب بعد االلبث محتمل )
( قالت ألست شهاب الدين تضرمها ... حاشا العلا أن يقال استنوق الجمل )
( وان أحسن من هذا وذا وزر ... بمثله فى الدواهي يبلغ الأمل )
( هو الحمى لأبى حمو استجره ففيه ... الأمن منسدل والفضل مكتمل )
( والله لو أهمل الراعى النقاد به ... ما خاف من أسد خفان به همل )

( تكون من قوم موسى إن قضوا عدلوا ... وان تقاعد دهر جائر حملوا )
( هم الجبال الرواسى كلما حلموا ... هم البحار الطوامى كلما حملوا )
( فقلت كان لك الرحمن بعدي ما ... سواه معتمد والرأى معتمل )
( فها أنا تحت ظل منه يلحفنى ... والشمل منى بستر العز يشتمل )
( فقل لقيس لقد خاب القياس فلا ... تذكوا المصاع وتحت الليل فاحتملوا )
( دامت له ديم النعمى مساجلة ... يمناه تنهمل اليمنى قتنهمل )
( وآمنت شمس علياه الأفول إلى ... طى الوجود فلا شمس ولا حمل )
ولو خوى والعوذ بالله نجم هذا المتات ولم يتصف السبب وحاشاه بالاتصال ولا بالانبتات فمرعى العدل مكفول وسبب الرفق موصول وإن اشتجرت نصول والهرم تأبى الأبطال التنزل إلى نزاله والناسك التائب يدين ضرب الغارات باعتزاله إلا من أعرق فى مذهب الخارجى الأخرق نافع بن الأزرق وحسبى وقد ساء كسبى أن أترك الخطر لراكبه وأخلى الطريق لمن يبنى المنار به ونسير بسير أمثالى من الضعفاء ونكف فهو زمان الانكفاء ونسلم مخطوبة هذا الفن إلى الأكفاء ونقول بالبنين والرفاء فقد ذهب الزمن المذهب وتبين المذهب وشاخ البازي الأشهب وعتاد العمر ينهب ومرهب الفوت من فوق الفود يرهب اللهم ألهم هذه الأنفس رشدها وأذكرها السكرات وما بعدها
إيه أخى والفضل وصفك ونعتك والزيف يبهرجه بحتك وسهام اليراعة انفرد بها بريك ونحتك وصلتنى رسالتك البرة بل غمامتك الثرة وحيتنى ثغور فضلك المفترة فعظمت بورودها المسرة جددت العهد بمحبوب لقائك وأنهلت ظامى الاستطلاع فى سقائك واقتضت تجديد الدعاء ببقائك إلا أنها ربما ذهلت عند وداعك وأبهر عقلها نور إبداعك

فلم تلقن الوصية وسلكت المسالك القصية وابعدت من التطوف وجاءت تبتغي من أسرار التصوف ومتى تقرن هيبة السبع الشداد بحانوت الحداد أو تنظر أحكام الاعتكاف بدكان الإسكاف أو يتعلم طبع المثقال بحانوت البقال والظن الغالب وقد تلتبس المطالب أنكم أمرتموها لما أصدرتموها بإعمال التشوف فطردت حكم الإبدال غائبة عما يلزم من الجدال وسمت الشين صادا وعينت لزرع الوصية حصادا والله تعالى يجعل المحب عند ظن من نظر بمرآته أو وصفه ببعض صفاته وهى تزلق عن صفاته فالتصوف أشرف وظلاله أورف من أن يناله كلف بباطل ومغرور بسراب ماطل لا برباب هاطل ومفتون بحال حال أو عاطل ومن قال ولم يتصف بمقاله فعقله لم يرم عن عقاله وجبال أثقاله مانعه له عن انتقاله
وعلى ذلك وبعد تقرير هذه المسالك فقد عمرت يدها كيلا تعود بها صفرا بعد إعمال السفر أو ترى انها قد طولبت بذنب الغلط المغتفر واصبحت المراجعة بمجلس وعظ فتحت به باب الحرج إلى إنكار الإمام ابى الفرج وفن الوعظ لما سأل الأخ هو الصديق المسعد والمبرق قبل غمام رحمته والمرعد ولله در القائل لست به ولم تبعد والاعتراض بعد ملازم لكن الإسعاف لقصده لازم وعاملة عند الاعتلال بالعذر جازم وإغضاؤه ملتمس وفضله لا يخبو منه قبس وعذرا أيها الفاضل وبعد الاعتذار عن القلم المهذار وإغفال الحذار اقرأ عليهم من طيب السلام ما يخجل أزهار الكمام عقب الغمام ورحمة الله تعالى من ممليه على الكاتب ولعلها تفثأ من عتب العاتب ابن الخطيب فإنى كتبته والليل دامس وبحر

الظلام طامس وعادة الكسل طبع خامس والنافخ بشكوى البرد هامس والذبال المنادم خافت لا يهتدى إليه الفراش المتهافت يقوم ويقعد ويفيق ثم يرعد ويزفر ثم يخمد وربما صار ورقة آس أو مبضع آس وربما أشبه العاشق فى البوح بما يخفيه وظهوره من فيه فتميله الآمال وتلويه وتميته النواسم الهفافه بعدما تحييه والمطر قد تعذر معه الوطر وساقه الخطر وفعل فى البيوت المتداعية ما لا يفعل الترك والططر والنشاط قد طوى منه البساط والجوارح بالكلال تعتذر ووظائف الغد تنتظر والفكر فى الأمور السلطانية جائل وهى بحر هائل ومثلى مقنوع منه باليسير ومعذور فى قصر الباع وضعف المسير والسلام انتهى
109 - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى قوله ومما صدر عنى فى السياسة حدث من امتاز باعتبار الأخبار وحاز درجة الأشتهار بنقل حوادث الليل والنهار وولج بين الكمائم والأزهار وتلطف لخجل الورد من تبسم البهار قال سهر الرشيد ليله وقد مال فى هجر النبيذ ميله وجهد ندماؤه فى جلب راحته وإلمام النوم بساحته فشحت عهادهم ولم يغن اجتهادهم فقال اذهبوا إلى طرق سماها ورسمها وأمهات قسمها فمن عثرتم عليه من طارق ليل أو غثاء سيل أو ساحب ذيل فبلغوه والأمنة سوغوه واستدعوه ولا تدعوه فطاروا عجالى وتفرقوا ركبانا ورجالا فلم يكن إلا ارتداد طرف أو فواق حرف وأتوا بالغنيمة التى اكتسحوها والبضاعة التى ربحوها يتوسطهم الأشعث الأغبر واللج الذى لا يعبر شيخ طويل القامة ظاهر الاستقامة سبلته مشمطة

وعلى أنفه من القبع مطة وعليه ثوب مرقوع لطير الحرق عليه وقوع يهينم بذكر مسموع وينبىء عن وقت مجموع فلما مثل سلم وما نبس بعدها ولا تكلم فأشار إليه الملك فقعد بعد أن انشمر وابتعد وجلس فما استرق النظر ولا اختلس أنما حركة فكرة معقودة بزمام ذكره ولحظات اعتباره فى تفاصيل أخباره فابتدره الرشيد سائلا وانحراف إليه مائلا وقال ممن الرجل فقال فارسى الأصل أعجمى الجنس عربى الفصل قال بلدك وأهلك وولدك قال أما الولد فولد الديوان وأما البلد فمدينة الإيوان قال النحلة وما اعملت إليه الرحلة قال أما الرحلة فالاعتبار وأما النحلة فالأمر الكبار قال فنك الذى اشتمل عليه دنك فقال الحكمة فنى الذى جعلته أثيرا وأضجعت فيه فراشا وثيرا وسبحان الذى يقول ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا ) البقرة وما سوى ذلك فتبع ولى فيه مصطاف ومرتبع قال فتعاضد جذل الرشيد وتوفر كأنما أغشى وجهه قطعة من الصبح إذا اسفر وقال ما رأيت كالليلة أجمع لأمل وأنعم شارد بمؤانسة وارد يا هذا إنى سائلك ولن تخيب بعد وسائلك فأخبرنى ما عندك فى هذا الأمر الذى بلينا بحمل أعبائه ومنينا بمراوضة إنائه فقال هذا الأمر قلادة ثقيلة ومن خطة العجز مستقيلة ومفتقرة لسعة الذرع وربط السياسة المدنية بالشرع يفسده الحكم فى غير محله ويكون ذريعة إلى حله ويصلحه مقابلة الشكل بشكله ومن لم يكن سبعا آكلا تداعت سباع إلى أكله
فقال الملك أجملت ففصل وبريت فنصل وكلت فأوصل وانثر الحب لمن يحوصل واقسم السياسة فنونا واجعل لكل لقب قانونا وابدأ بالرعية وشروطها المرعية

فقال رعيتك ودائع الله تعالى قبلك ومرآة العدل الذى عليه جبلك ولا تصل إلى ضبطهم إلا بإعانة الله تعالى التى وهب لك وأفضل ما استدعيت به عونه فيهم وكفايته التى تكفيهم تقويم نفسك عند قصد تقويمهم ورضاك بالسهر لتنويمهم وحراسة كهلهم ورضيعهم والترفع عن تضييعهم وأخذ كل طبقة بما عليها وما لها أخذا يحوط مالها ويحفظ عليها كمالها ويقصر عن غير الواجبات آمالها حتى تستشعر عليتها رأفتك وحنانك وتعرف أوساطها فى النصب امتنانك وتحذر سفلتها سنانك وحظر على كل طبقة منها أن تتعدى طورها أو تخالف دورها أو تجاوز بأمر طاعتك فورها وسد فيها سبل الذريعة وأقر جميعها عن خدمة الملك بموجب الشريعة وامنع أغنياءها من البطر والبطالة والنظر فى شبهات الدين بالتمشدق والإطالة وليقل فيما شجر بين الناس كلامها ويرفض ما تنبز به أعلامها فإن ذلك يسقط الحقوق ويرتب العقوق وامنعهم من فحش الحرص والشره وتعاهدهم بالمواعظ التى تجلو البصائر من المره واحملهم من الاجتهاد فى العمارة على أحسن المذاهب وانههم عن التحاسد على المواهب ورضهم على الإنفاق بقدر الحال والتعزي عن الفائت فرده من المحال وحذر البخل على أهل اليسار والسخاء على أولى الإعسار وخذهم من الشريعة بالواضح الظاهر وامنعهم من تأويلها منع القاهر ولا تطلق لهم التجمع على من أنكروا أمره فى نواديهم وكف عنهم أكف تعديهم ولا تبح لهم تغيير ما كرهوه بأيديهم ولتكن غايتهم فيما توجهت إليه إبايتهم ونكصت عن الموافقة عليه رايتهم انهاءه إلى من وكلته بمصالحهم من ثقاتك المحافظين على أوقاتك وقدم منهم من أمنت عليهم مكره وحمدت على الإنصاف شكره ومن كثر حياؤه من التأنيب وقابل الهفوة باستتابة المنيب ومن لا يتخطى عندك محله الذى حله فربما عمد إلى المبرم فحله وحسن النية لهم

بجهد الاستطاعة واغتفر المكاره فى جنب حسن الطاعة وإن ثار جرادهم واختلف فى طاعتك مرادهم فتحصن لثورتهم واثبت لفورتهم فإذا سالوا وسلوا وتفرقوا وانسلوا فاحتقر كثرتهم ولا تقل عثرتهم واجعلهم لما بين أيديهم وما خلفهم نكالا ولاتترك لهم على حلمك اتكالا
ثم قال والوزير الصالح أفضل عددك وأوصل مددك فهو الذى يصونك عن الابتذال ومباشرة الانذال ويثب لك على الفرصة وينوب فى تجرع الغصة واستجلاء القصة ويستحضر مانسيته من أمورك ويغلب فيه الرأى بموافقة مأمورك ولا يسعه ما تمكنك المسامحة فيه حتى يستوفيه واحذر مصادمة تياره والتجوز فى اختياره وقدم استخارة الله تعالى فى ايثاره وأرسل عيون الملاحظة على آثاره وليكن معروفا بالإخلاص لدولتك معقود الرضى والغضب برضاك وصولتك زاهدا عما فى يديك مؤثرا لكل ما يزلف لديك بعيد الهمة راعيا للأذمة كامل الآلة محيطا بالإيالة رحيب الصدر رفيع القدر معروف البيت نبيه الحى والميت مؤثرا للعدل والإصلاح دريا بحمل السلاح ذا خبرة بدخل المملكة وخرجها وظهرها وسرجها صحيح العقد متحرزا من النقد جادا عند لهوك متيقظا فى حال سهوك يلين عند غضبك ويصل الإسهاب بمقتضبك قلقا من شكره دونك وحمده ناسبا لك الإصابة بعمده وإن أعيا عليك وجود أكثر هذه الخلال وسبق إلى نقضها شىء من الاختلال فاطلب منه سكون النفس وهدونها وإن لا يرى منك رتبة إلا رأى قدره دونها وتقوى الله تعالى تفضل شرف الانتساب وهى للفضائل فذلكه الحساب وساو فى حفظ غيبه بين قربه ونأيه واجعل حظه من نعمتك موازيا لحظك من حسن رايه واجتنب منهم من يرى فى نفسه إلى الملك سبيلا أو يقود من عيصه للاستظهار عليك قبيلا أو من كاثر مالك ماله أو من تقدم لعدوك استعماله أو من سمت لسواك آماله أو من يعظم عليه إعراض وجهك ويهمه نادر نجهك

أو من يداخل غير أحبابك أو من ينافس أحدا ببابك
وأما الجند فاصرف التقديم منهم للمقاتلة والمكايدة والمخاتلة واستوف عليهم شرائط الخدمة وخذهم بالثبات للصدمة ووف ما أوجبت لهم من الجراية والنعمة وتعاهدهم عند الغناء بالعلفة والطعمة ولا تكرم منهم إلا من أكرمه غناؤه وطاب فى الذب عن ظنك ثناؤه وول عليهم النبهاء من خيارهم واجتهد فى صرفهم عن الافتتان بأهليهم وديارهم ولا توطئهم الدعة مهادا وقدمهم على حصصك وبعوثك مهما أردت جهادا ولا تلين لهم فى الإغماض عن حسن طاعتك قيادا وعودهم حسن المواساة بانفسهم اعتيادا ولا تسمح لأحد منهم فى إغفال شىء من سلاح استظهاره أو عدة اشتهاره وليكن ما فضل من شبعهم وريهم مصروفا إلى سلاحهم وزيهم والتزيد فى مراكبهم وغلمانهم من غير اعتبار لأثمانهم وامنعهم من المستغلات والمتاجر وما تكسب به غير المشاجر وليكن من الغوار اكتسابهم وعلى المغانم حسابهم كالجوارح التى تفسد باعتيادها أن تطعم من غير اصطيادها
واعلم أنها لا تبذل نفوسها من عالم الإنسان إلا لمن يملك قلوبها بالإحسان وفضل اللسان ويملك حركاتها بالتقويم ورتبها بالميزان القويم ومن تثق بإشفاقه على أولادها ويشترى رضى الله تعالى بصبره على طاعته وجلادها فإذا استشعرت لها هذه الخلال تقدمتك إلى مواقف التلف مطيعة دواعى الكلف واثقة منك بحسن الخلف واستبق إلى تمييزهم استباقا وطبقهم طباقا أعلاها من تأملت منه فى المحاربة عنك أخطارا وأبعدهم فى مرضاتك مطارا وأضبطهم لما تحت يده من رجالك حزما ووقارا واستهانة بالعظائم واحتقارا وأحسنهم لمن تقلده أمرك من الرعية جوارا إذا أجدت اختبارا وأشدهم على مماطلة من مارسه من الخوارج عليك اصطبارا ومن بلا فى الذى عن لك إحلاء وإمرارا ولحقه الضر فى معارض الدفاع

عنك مرارا وبعده من كانت محبته لك أزيد من نجدته وموقع رأية أنفع من موقع صعدته وبعدهما من حسن انقياده لأمرائك وإحماده لآرائك ومن جعل نفسه من الأمر حيث جعله وكان صبره على ما عراه أكثر من اعتداده بما فعله
واحذر منهم من كان عند نفسه أكبر من موقعه فى الانتفاع ولم يستحى من التزيد بأضعاف ما بذله من الدفاع وشكا البخس فيما تعذر عليه من فوائدك وقاس بين عوائد عدوك وعوائدك وتوعد بانتقاله عنك وارتحاله وأظهر الكراهية لحاله
وأما العمال فإنهم ينبئون عن مذهبك وحالهم فى الغالب شديدة الشبه بك فعرفهم فى أمانتك السعادة وألزمهم فى رعيتك العادة وأنزلهم من كرامتك بحسب منازلهم فى الاتصاف بالعدل والإنصاف واحلهم من الحفاية بنسبة مراتبهم من الأمانة والكفاية وقفهم عند تقليد الأرجاء مواقف الخوف والرجاء وقرر فى نفوسهم أن أعظم ما به إليك تقربوا وفيه تدربوا وفى سبيله أعجموا وأعربوا إقامة حق ودحض باطل حتى لا يشكو غريم مطل ماطل وهو آثر لديك من كل رباب هاطل وكفهم من الرزق الموافق عن التصدى لدنىء المرافق واصطنع منهم من تيسرت كلفته وقويت للرعايا ألفته ومن زاد على تأميله صبره وأربى على خبره خبره وكانت رغبته فى حسن الذكر تشف على بنات الفكر واجتنب منهم من يغلب عليه التخرق فى الإنفاق وعدم الإشفاق والتنافس فى الاكتساب وسهل عليه سوء الحساب وكانت ذريعته المصانعه بالنفاية دون التقصى والكفاية ومن كان منشؤة خاملا ولأعباء الدناءة حاملا وابغ من يكون الاعتذار فى أعماله أوضح من الاعتذار فى أقواله ولايفتننك ممن قلدته اجتلاب الحظ المقنع والتنفق بالسعى المسمع ومخالفة السنن المرعية واتباعه رضاك بسخط الرعية فإنه قد غشك من حيث بلك ورشك وجعل من يمينك

فى شمالك حاضر مالك ولا تضمن عاملا مال عمله وحل بينه فيه وبين أمله فإنك تميت رسومك بمحياه وتخرجه من خدمتك فيه إلا أن تملكه إياه ولا تجمع له بين الأعمال فيسقط استظهارك ببلد على بلد والاحتجاج على والد بولد واحرص على أن يكون فى الولاية غريبا ومنتقلة منك قريبا ورهينة لا يزال معها مريبا ولا تقبل مصالحته على شىء اختانه ولو برغيبة فتاته فتقبل المصانعة فى أمانتك وتكون مشاركا له فى خيانتك ولا تطل مدة العمل وتعاهد كشف الأمور ممن يرعى الهمل ويبلغ الأمل
وأما الولد فأحسن آدابهم واجعل الخير دابهم وخف عليهم من إشفاقك وحنانك أكثر من غلظة جنانك واكتم عنهم ميلك وأفض فيهم جودك ونيلك ولا تستغرق بالكلف بهم يومك ولا ليلك وأثبهم على حسن الجواب وسبق لهم خوف الجزاء على رجاء الثواب وعلمهم الصبر على الضرائر والمهلة عند استخفاف الجرائر وخذهم بحسن السرائر وحبب إليهم مراس الأمور الصعبة المراس وحسن الاصطناع والاحتراس والاستكثار من أولى المراتب والعلوم والسياسات والحلوم والمقام المعلوم وكره إليهم مجالسة الملهين ومصاحبة الساهين وجاهد أهواءهم عن عقولهم وحذر الكذب على مقولهم ورشحهم إذا آنست منهم رشدا أو هديا وأرضعهم من الموازرة والمشاورة ثديا لتمرنهم على الاعتياد وتحملهم على الازدياد ورضهم رياضة الجياد واحذر عليهم الشهوات فهى داؤهم وأعداؤك فى الحقيقة وأعداؤهم وتدارك الخلق الذميمة كلما نجمت واقدعها إذا هجمت قبل أن يظهر تضعيفها ويقوى ضعيفها فإن أعجزتك فى الصغر الحيل عظم الميل
( إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ... ولن تلين إذا قومتها الخشب )
وإذا قدروا على التدبير وتشوفوا للمحل الكبير اياك إن توطنهم فى

مكانك جهد إمكانك وفرقهم فى بلدانك تفريق عبدانك واستعملهم فى بعوث جهادك والنيابة عنك فى سبيل اجتهادك فإن حضرتك تشغلهم بالتحاسد والتبارى والتفاسد وانظر إليهم بأعين الثقات فإن عين الثقة تبصر ما لا تبصر عين المحبة والمقة
وأما الخدم فإنهم بمنزلة الجوارح التى تفرق بها وتجمع وتبصر وتسمع فرضهم بالصدق والأمانة وصنهم صون الجمانة وخذهم بحسن الانقياد إلى ما آثرته والتقليل مما استكثرته واحذر منهم من قريت شهواته وضاقت عن هواه لهواته فإن الشهوات تنازعك فى استرقاقه وتشاركك فى استحقاقه وخيرهم من ستر ذلك منه بلطف الحيلة وآداب للفساد محيلة وأشرب قلوبهم أن الحق فى كل ما حاولته واستنزلته وأن الباطل فى كل ما جانبته واعتزلته وأن من تصفح منهم أمورك فقد أذنب وباين الأدب وتجنب وأعط من أكددته وأضقت منه ملكه وشددته روحه يشتغل فيها بما يعنيه على حسب صعوبة ما يعانيه تغبطهم فيها بمسارحهم وتجم كليلة جوارحهم ولتكن عطاياك فيهم بالمقدار الذى لا يبطر أعلامهم ولا يؤسف الأصاغر فيفسد أحلامهم ولا ترم محسنهم بالغاية من إحسانك واترك لمزيدهم فضله من رفدك ولسانك وحذر عليهم مخالفتك ولو فى صلاحك بحد سلاحك وامنعهم من التواثب والتشاجر ولا تحمد لهم شيم التقاطع والتهاجر واستخلص منهم لسرك من قلت فى الإفشاء ذنوبه وكان أصبر على ما ينوبه ولودائعك من كانت رغبته فى وظيفة لسانك أكثر من رغبته فى إحسانك وضبطه لما تقلد من وديعتك أحب إليه من حسن صنيعتك وللسفارة عنك من حلا الصدق فى فمه وآثره ولو باختطار دمه واستوفى لك وعليك فهم ما تحمله وعنى بلفظه حتى لا يهمله ولمن تودعه أعداء دولتك من كان مقصور الأمل قليل القول صادق العمل ومن كانت

قسوته زائدة على رحمته وعظمه فى مرضاتك آثر من شحمته ورأيه فى الحذر سديد وتحرزه من الحيل شديد ولخدمتك فى ليلك ونهارك من لانت طباعه وامتد فى حسن السجية باعه وأمن كيده وغدره وسلم من الحقد صدره ورأى المطامع فما طمع واستثقل إعادة ماسمع وكان بريئا من الملال والبشر عليه أغلب الخلال ولا تؤنسهم منك بقبيح فعل ولا قول ولا تؤيسهم من طول ومكن فى نفوسهم أن أقوى شفعائهم وأقرب إلى الإجابة من دعائهم إصابة الغرض فيما به وكلوا وعليه شكلوا فإنك لا تعدم بهم انتفاعا ولا يعدمون لديك ارتفاعا
وأما الحرم فهن مغارس الولد ورياحين الخلد وراحة القلب الذى أجهدته الأفكار والنفس التى تقسمها الإحماد إلى المساعى والإفكار فاطلب منهن من غلب عليهن من حسن الشيم المترفعة عن القيم ما لا يسوءك فى خلدك أن يكون فى ولدك وأحذر أن تجعل لفكر بشر دون بصر اليهن سبيلا وانصب دون ذلك عذابا وبيلا وأرعهن من النساء العجز من بانت فى الديانة والأمانة سبله وقويت غيرته ونبله وخذهن بسلامة النيات والشيم السنيات وحسن الاسترسال والخلق السلسال وحذر عليهن التغامز والتغاير والتنافس والتخاير وآس بينهن فى الأغراض والتصامم عن الإغراض والمحاباة بالأعراض وأقلل من مخالطتهن فهو أبقى لهمتك وأسبل لحرمتك ولتكن عشرتك لهن عند الكلال والملال وضيق الاحتمال بكثرة الأعمال وعند الغضب والنوم والفراغ من نصب اليوم واجعل مبيتك بينهن تنم بركاتك وتستتر حركاتك وافصل من ولدت منهن إلى مسكن تختبر به استقلالها وتعتبر بالتفرد خلالها ولا تطلق لحرمة شفاعة ولا تدبيرا ولا تنط بها من الأمر صغيرا ولا كبيرا واحذر إن يظهر على خدمهن فى خروجهن عن القصور وبروزهن من أجمة الأسد الهصور زي بارع ولا طيب للأنوف مسارع واخصص بذلك من طعن فى السن ويئس من الإنس

والجن ومن توفر النزوع إلى الخيرات قبله وقصر عن جمال الصورة ورسم بالبله
ثم لما بلغ إلى هذا الحد حمى وطيس اسحنفاره وختم حزبه باستغفاره ثم صمت مليا واستعاد كلاما أوليا
ثم قال واعلم يا أمير المؤمنين سدد الله تعالى سهمك لأغراض خلافته وعصمك من الزمان وآفته أنك فى مجلس الفصل ومباشرة الفرع من ملكك والأصل فى طائفة من عز الله تعالى تذب عنك حماتها وتدافع عن حوزتك كماتها فاحذر أن يعدل بك غضبك عن عدل تزرى منه بضاعة أو يهجم بك رضاك على إضاعة ولتكن قدرتك وقفا على الاتصاف بالعدل والإنصاف واحكم بالسوية واجنح بتدبيرك إلى حسن الروية وخف إن تقعد بك أناتك عن حزم تعين أو تستفزك العجلة فى أمر لم يتبين وأطع الحجة ما توجهت إليك ولا تحفل بها إذا كانت عليك فانقيادك إليها أحسن من ظفرك والحق أجدي من نفرك ولا تردن النصيحة فى وجه ولا تقابل عليها بنجه فتمنعها إذا استدعيتها وتحجب عنك إن استوعيتها ولا تستدعها من غير أهلها فيشغبك أولو الأغراض بجهلها واحرص على أن لا ينقضى مجلس جلسته أو زمن اختلسته إلا وقد أحرزت فضيلة زائدة أو وثقت منه فى معادك بفائدة
ولا يزهدنك فى المال كثرته فتقل فى نفسك أثرته وقس الشاهد بالغائب واذكر وقوع ما لا يحتسب من النوائب فالمال المصون أمنع الحصون ومن قل ماله قصرت آماله وتهاون بيمينه شماله والملك إذا فقد خزينه أخنى على أهل الجدة التى تزينه وعاد على رعيته بالإجحاف وعلى جبايته بالإلحاف وساء معتاد عيشه وصغر فى عيون جيشه ومنوا عليه بنصره وأنفوا من الاقتصار على قصره وفى المال قوة سماوية تصرف الناس لصاحبه وتربط آمال أهل السلاح به والمال نعمة الله تعالى فلا تجعله ذريعة إلى خلافة فتجمع

بالشهوات بين إتلافك وإتلافه واستأنس بحسن جوارها واصرف فى حقوق الله تعالى بعض أطوارها فإن فضل المال عن الأجل فأجل ولم يضر ما خلف منه بين يدي الله عز و جل وما ينفق فى سبيل الشريعة وسد الذريعة مأمول خلفه وما سواه فمتعين تلفه
واستخلص لنواديك الغاصة ومجالسك العامة والخاصة من يليق بولوج عتبها والعروج لرتبها أما العامية فمن عظم عند الناس قدرة وانشراح بالعلم صدره أو ظهر يساره وكان لله تعالى إخباته وانكساره ومن كان للفتيا منتصبا وبتاج المشورة معتصبا وأما الخاصية فمن رقت طباعة وامتد فيما يليق بتلك المجالس باعه ومن تبحر فى سير الحكماء وأخلاق الكرماء ومن له فضل سافر وطبع للدنية منافر ولديه من كل ما تستتر به الملوك عن العوام حظ وافر وصف ألبابهم بمحصول خيرك وسكن قلوبهم بيمن طيرك وأغنهم ما قدرت عن غيرك
واعلم بأن مواقع العلماء من ملكك مواقع المشاعل المتألقة والمصابيح المتعلقة وعلى قدر تعاهدها تبذل من الضياء وتجلو بنورها صور الأشياء وفرغها لتحبير ما يزين مدتك ويحسن من بعد البلاء جدتك وبعناية الأواخر ذكرت الأول وإذا محيت المفاخر خربت الدول
واعلم إن بقاء الذكر مشروط بعمارة البلدان وتخليد الآثار الباقية فى القاصى والدان فاحرص على ما يوضح فى الدهر سبلك ويحرز المزية على من قبلك وإن خير الملوك من ينطق بالحجة وهو قادر على القهر ويبذل الإنصاف فى السر والجهر مع التمكن من المال والظهر ويسار الرعية جمال للملك وشرف وفاقتهم من ذلك طرف فغلب اليق الحالين بمحلك وأولاهما بظعنك وحلك
واعلم أن كرامة الجور داثرة وكرامة العدل متكاثرة والغلبة بالخير

سيادة وبالشر هوادة واعلم إن حسن القيام بالشريعة يحسم عنك نكاية الخوارج ويسمو بك إلى المعارج فإنها تقصد أنواع الخدع وتورى بتغيير البدع وأطلق على عدوك أيدي الأقوياء من الأكفاء وألسنة اللفيف من الضعفاء واستشعر عند نكثة شعار الوفاء
ولتكن ثقتك بالله تعالى أكثر من ثقتك بقوة تجدها وكتيبة تنجدها فإن الإخلاص يمنحك قوى لا تكتسب ويمهد لك مع الأوقات نصرا لا يحتسب
والتمس أبدا سلم من سالمك بنفيس ما فى يدك وفضل حاصل يومك على منتظر غذك فإن أبى وضحت محجتك وقامت عليه للناس بذلك حجتك فللنفوس على الباغين ميل ولها من جانبه نيل واستهد فى كل يوم سيرة من يناويك واجتهد أن لا يوازيك فى خير ولا يساويك وأكذب بالخير ما يشيعه من مساويك ولا تقبل من الإطراء إلا ما كان فيك فضل عن إطالته وجد يزرى على بطالته ولا تلق المذنب بحميتك وسبك واذكر عند حركة الغضب ذنوبك الى ربك ولا تنس إن رب المذنب أجلسك مجلس الفصل وجعل فى قبضتك رياش النصل
وتشاغل فى هدنة الأيام بالاستعداد واعلم إن التراخى منذر بالاشتداد ولا تهمل عرض ديوانك واختبار أعوانك وتحصين معاقلك وقلاعك
وعم ايالتك بحسن اطلاعك ولا تشغل زمن الهدنة بلذاتك فتجنى فى الشدة على ذاتك ولا تطلق فى دولتك ألسنة الكهانة والإرجاف ومطاردة الآمال العجاف فإنه يبعث سوء القول ويفتح باب العول وخذ على المدرسين والمتعلمين والعلماء والمتكلمين حمل الأحداث على الشكوك الخالجة والمزلات الوالجة فإنه يفسد طباعهم ويغرى سباعهم ويمد فى مخالفة الملة باعهم وسد سبيل الشفاعات فإنها تفسد عليك حسن الاختيار ونفوس الخيار وابذل فى الأسرى من حسن ملكتك ما يرضى من ملكك رقابها وقلدك ثوابها وعقابها وتلق بدء نهارك بذكر الله تعالى فى ترفعك وابتذالك واختم اليوم بمثل ذلك

واعلم أنك مع كثرة حجابك وكثافة حجابك بمنزلة الظاهر للعيون المطالب بالديون لشدة البحث عن أمورك وتعرف السر الخفى بين أمرك ومأمورك فاعمل فى سرك ما لا تستقبح أن يكون ظاهرا ولا تأنف إن تكون به مجاهرا وأحكم بريك فى الله ونحتك وخف من فوقك يخف من تحتك واعلم إن عدوك من أتباعك من تناسيت حسن قرضه أو زادت مؤونته على نصيبه منك وفرضه فأصمت الحجج وتوق اللجج واسترب بالأمل ولا يحملنك انتظام الأمور على الاستهانة بالعمل ولا تحقرن صغير الفساد فياخذ فى الاستئساد واحبس الألسنة عن التخالى باغتيابك والتشبث بأذيال ثيابك فإن سوء الطاعة ينتقل من الأعين الباصرة إلى الألسن القاصرة ثم إلى الأيدي المتناصرة ولا تثق بنفسك فى قتال عدو ناواك حتى تظفر بعدو غضبك وهواك وليكن خوفك من سوء تدبيرك أكثر من عدوك الساعى فى تتبيرك وإذا اسنزلت ناجما أو أمنت ثائرا هاجما فلا تقلده البلد الذى فيه نجم وهمى عارضه فيه وانسجم يعظم عليك القدح فى اختيارك والغض من إيثارك واحترز من كيده فى حورك ومأمك فانك اكبر همه وليس باكبر همك وجمل المملكة بتأمين الفلوات وتسهيل الأقوات وتجديد ما يتعامل من الصرف فى البياعات وإجراء العوائد مع الأيام والساعات ولا تبخس عيار قيم البضاعات ولتكن يدك عن أموال الناس محجورة وفى احترامها إلا عن الثلاثة مأجورة مال من عدا طوره طور أهله وتخارق فى الملابس والزينة وفضول المدينة يروم معارضتك بجهله ومن باطن أعداك وأمن اعتداك ومن أساء جوار رعيتك بإخساره وبذل الأذاية فيهم بيمينه ويساره

وأضر ما منيت به التعادى بين عبدانك أو فى بلد من بلدانك فسد فيه الباب واسأل عن الأسباب وانقلهم بوساطة أولى الألباب إلى حالة الأحباب ولا تطوق الأعلام أطواق المنون بهواجس الظنون فهو أمر لا يقف عند حد ولا ينتهى إلى عد واجعل ولدك فى احتراسك حتى لا يطمع فى افتراسك
ثم لما رأى الليل قد كاد ينتصف وعموده يريد أن ينقصف ومجال الوصايا أكثر مما يصف قال يا أمير المؤمنين بحر السياسة زاخر وعمر المتمتع بناديك مستاخر فإن أذنت فى فن من فنون الأنس يجذب بالمقاد إلى راحة الرقاد ويعتق النفس بقدرة ذى الجلال من ملكه الكلال
فقال أما وقد استحسنا ما سردت فشأنك وما أردت
فاستدعى عودا فأصلحه حتى حمده وأبعد فى اختباره امده ثم حرك بمه وأطال الجس ثمه ثم تغنى بصوت يستدعى الإنصات ويصدع الحصاة ويستفز الحليم عن وقاره ويستوقف الطير ورزق بنيه فى منقاره وقال
( صاح ما أعطر القبول بنمه ... أتراها أطالت اللبث ثمه )
( هى دار الهوى منى النفس فيها ... أبد الدهر والأمانى جمه )
( إن يكن ما تأرج الجو منها ... واستفاد الشذا وإلا فممه )
( من لطرفى بنظرة ولأنفى ... فى رباها وفى ثراها بشمه )
( ذكر العهد فانتفضت كأنى ... طرقتنى من الملائك لمه )
( وطن قد نضيت فيه شبابا ... لم تدنس منه البرود مذمه )
( بنت عنه والنفس من أجل من قد ... خلفته خلاله مغتمه )
( كان حلما فويح من أمل الدهر ... وأعماه جهله وأصمه )
( تأمل العيش بعد أن خلق الجسم ... وبنيانه عسير المرمه )
( وغدت وفرة الشبيبة بالشيب ... على رغم أنفها معتمه )

( فلقد فاز سالك جعل الله ... إلى الله قصده ومأمه )
( من يبت من غرور دنيا بهم ... يلدغ القلب أكثر الله همه )
ثم أحال اللحن إلى لون التنويم فأخذ كل فى النعاس والتهويم وأطال الجس فى الثقيل عاكفا عكوف الضاحى فى المقيل فخاط عيون القوم بخيوط النوم وعمر بهم المراقد كأنما أدار عليهم الفراقد ثم انصرف فما علم به أحد ولا عرف ولما أفاق الرشيد جد فى طلبه فلم يعلم بمنقلبه فأسف للفراق وأمر بتخليد حكمه فى بطون الأوراق فهى إلى اليوم تتلى وتنقل وتجلى القلوب بها وتصقل والحمد لله رب العالمين انتهى
قال في الإحاطة بعد إيراد نبذة من نثره ما صورته فهذا ما حضر من المنثور وحظه عندي من الإجادة ضعيف وغرضه كما شاء الله تعالى سخيف لكن الله سبحانه بعباده لطيف انتهى
110 - ومما علق بحفظى من نثره قوله فى تحليته لبعض أهل زمانه هو إمام الفئة وعين أعيان هذه المائة
111 - وقوله فى وصف فاس نعم العرين لأسود بنى مرين ذات المشاهد التى منها مطرح الجنة ومسجد الصابرين
( بلد أعارته الحمامة طوقها ... وكساه ريش جناحه الطاووس )
( فكأنما الأنهار فيه مدامة ... وكأن ساحات الديار كؤوس )
جمعت ما ولد سام وحام وكثر الالتئام والالتحام واشتد الزحام إلى

أن قال يلقى الرجل أبا مثواه فلا يدعوه لبيته ولا يطعمه من بقله وزيته لا يطرق الضيف حماهم ولا يعرف اسمهم ولا مسماهم ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ) ص 112 - وقوله فى وصف مراكش المحروسة ذات المقاصر والقصور ومأوى الليث الهصور ومسكن الناصر والمنصور إلى أن قال ومنارها فى الفلاة بمنزلة وإلى الولاة
ثم بعد كلام إلا أن خرابها هائل وزحامها حرب وائل وعقاربها كثيرة الدبيب منغصة لمضاجعة الحبيب انتهى ما كتبته من حفظى لطول العهد
113 - وقال رحمه الله تعالى فى وصف مدينة بسطة من كلام لم يحضرنى جميعة الآن محل خصيب ومنزل رحيب وكفاها مسجد الجنة دليلا على البركة وباب المسك دليلا علىالطيب ولها من اسمها نصيب إذ هى بحر الطعام وينبوع العيون المتعددة بتعدد أيام العام انتهى
فى ذكر بسطة
ولما أجرى ذكر بسطة الإمام أبو الحسن القلصادى فى رحلته قال سقى الله تعالى أرجاءها المشرقة وأغصانها المورقة شآبيب الإحسان ومهدها بالهدنة واالأمان دار تخجل منها الدور وتتقاصر عنها القصور وتقر لها بالقصور مع ما حوته من المحاسن والفضائل من صحة أجسام أهلها وما طبعوا

عليه من كرم الشمائل وجسبك فيها من عدم الحرج أن داخلها باب الفرج ثم قال ولله در القائل
( دار مشى الإتقان فى تنجيدها ... حتى تناسب روضها وبناؤها )
( مرقومة الجنبات ذات قرارة ... يمتد قدام العيون فضاؤها )
( ما زال يضحك دائما نوارها ... فى وجه ساحته ويلعب ماؤها )
ولبعض أصحابنا فيها وهو الأديب الكاتب أبو عبد الله ابن الأزرق
( فى بسطة حيث الأباطح مشرقة ... أضحت جفونى بالمحاسن مغلقة ) وله أيضا فى تورية
( قل لمن رام النوى عن وطن ... قوله ليس بها من حرج )
( فرج الهم بسكنى بسطة ... إن فى بسطة باب الفرج ) رجع 114 - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما خاطب به السلطان على لسان جدته وهو
إلى قرة أعيننا وأعين المؤمنين وفلذة كبدنا الذى نصل للقائه الحنين بالحنين وعزنا الذى حللنا من كنفه بالحرم الأمين وسترنا الذى خلفنا برضاه من أفقده الدهر من كرم البنين ووارثنا المستأثر بعدنا بطول السنين أمير المسلمين الأسعد المؤيد الموفق الطاهر البر الرحيم الأرضى الكافل الفاضل حفيدنا محمد ابن ولدنا الرضى وواحدنا الكريم الحفى السلطان الكبير الجليل السعيد الطاهر الظاهر المقدس جعل الله تعالى من عصمته لزيما يرافقه وأجرى القدر بما يوافقه وحفظ عليه الكمال الذى تناسب فيه خلقه وخلائقه والبر الذى حسنت فيه طرقه وطرائقه

من المستظلة بظلال رضاه وبره المبتهلة إلى الله تعالى فى عز نصره وسعادة أمره الداعية إلى الله تعالى أن يسترها فى الحياة وما بعدها بسترة وما يفضل عمرها من عمره جدته التائقة إليه كتبته من كنفه العزيز بحمرائه العلية عن الخير الدائم بدوامه واليسر الملازم ببركة أيامه ولا زائد بفضل الله تعالى إلا الشوق اليه وتحويم الكبد الخافقة خفوق رايته عليه وتجهيز مواكب الدعاء المقبول من خلفه ومن بين يديه
وقد وصل كتابه العزيز الوفادة والوصول الكريم الجمل والفصول مطلع وجه السرور والجذل ومهدي قصي الأمل ومجدد العهد بحديثه الذى فى ضمنه شفاء الغلل وبرء العلل ومهديا تحفة عافيته وهى الهدية التى جلت عن المكافأة وترفعت عن المجازاة إنما يجازى عليها من يصل بفضله عادتها ويوالى بعد الابداء إعادتها
ووصفتم يا ولدى ما عرفتم من نعم الله تعالى التى انثالت عليكم سحابها وعنايته التى يلقى ركابكم تسهالها وترحابها واستبشار الجهات بقدومكم الميمون واجتلاء وجهكم الذى فيه للإسلام قرة العيون وكيف لا يكون ذلك وأنتم ذخرهم العزيز وحرزهم الحريز والندرة التى خلصها من معادن سلفكم الذهب الإبريز فى أيامكم والحمد لله نامت أجفانهم وتكيف أمانهم نسأل الله تعالى أن يديم لنا ولهم نعمة بقائكم ويعلى الدين بعلوكم فى معارج العز وارتقائكم فقابلنا ما قرره سلطاانكم بالحمد والثناء والشكر المتصل على الآناء ومحضتكم من خالص الدعاء ما يتكفل لكم بالحسنى وما وعد الله تعالى من نيل الرجاء وتمهيد الأرجاء وأصدرت هذا الجواب لكم مصدر الهناء بنعم الله تعالى المغدقة والآلاء ونسأل من فضلكم وبركم صلة التعريف بمثل هذه الأخبار السارة والأنباء وإتحافنا بمثلها مع الصباح والمساء وإن كان مجدكم غنيا عن الشبه لمثل هذه الأشياء أدام الله تعالى لكم اسباب البقاء وكان لكم فى كل حال من إقامة وارتحال بعزة وجهه وقدرته انتهى

ويرحم الله تعالى لسان الدين ابن الخطيب فإنه يعبر فى كل مقام بما يليق فتارة يترقى فى أدراج البراعة وطورا يهتك عنان اليراعة
شعر لسان الدين
وأما شعر لسان الدين رحمه الله تعالى فهو من النهاية فى الحسن وقد قدمنا فى هذا الكتاب منه نبذة فى اثناء نثره وكلامه الذى جلبناه وفى مواضع غيرهما جملة مفيدة من شعره رحمه الله تعالى
وقال رحمه الله تعالى فى الإحاطة ما نصه الشعر ولنثبت جملة من مطولاته ونتله بشىء من مقطوعاته ونقدم من المطولات أمداح رسول الله صلى الله عليه و سلم تبركا بها فمن ذلك قولى
( هل كنت تعلم فى هبوب الريح ... نفسا يؤجج لاعج التبريح )
( أهدتك من شيح الحجاز تحية ... فاحت لها عرض الفجاج الفيح )
( بالله قل لى كيف نيران الهوى ... ما بين ريح فى الفلاة وشيح )
( وخضيبة المنقار تحسب أنها ... نهلت بمورد دمعى المسفوح )
( باحت بما تخفي وناحت فى الدجى ... فرأيت فى الآماق دعوة نوح )
( نطقت بما يخفيه قلبى أدمعى ... ولطالما صمتت عن التصريح )
( عجبا لأجفان حملن شهادة ... عن خافت بين الضلوع جريح )
( ولقلما كتبت رواة مدامعي ... في صفحتيها حلية التجريح )
( جاد الحمى بعدي وأجراع الحمى ... جود تكل به متون الريح )
( هن المنازل ما فؤادي بعدها ... سال ولا وجدي بها بمريح )
( حسبى ولوعا أن أزور بفكرتى ... زوارها والجسم رهن نزوح )

( فأبث فيها من حديث صبابتى ... وأحث فيها من جناح جنوحي )
( ودجنة كادت تضل بها السرى ... لولا وميضا بارق وصفيح )
( رعشت كواكب جوها فكأنها ... ورق تقلبها بنان شحيح )
( صابرت منها لجة مهما ارتمت ... وطمت رميت عبابها بسبوح )
( حتى إذا الكف الخضيب بأفقها ... مسحت بوجه للصباح صبيح )
( شمت المنى وحمدت إدلاج السرى ... وزجرت للآمال كل سنيح )
( فكأنما ليلى نسيب قصيدتى ... والصبح فيه تخلصى لمديح )
( لما حططت لخير من وطىء الثرى ... بعنان كل مولد وصريح )
( رحمى إله العرش بين عباده ... وأمينة الأرضى على ما يوحى )
( والآية الكبرى التى أنوارها ... ضاءت أشعتها بصفحة يوح )
( رب المقام الصدق والآي التى ... راقت بها أوراق كل صحيح )
( كهف الأنام إذا تفاقم معضل ... مثلوا بساحة بابه المفتوح )
( يردون منه على مثابة راحم ... جم الهبات عن الذنوب صفوح )
( لهفى على عمر مضى أنضيته ... فى ملعب للترهات فسيح )
( يا زاجر الوجناء يعتسف الفلا ... والليل يعثر فى فضول مسوح )
( يصل السرى سبقا إلى خير الورى ... والركب بين موسد وطريح )
( لى فى حمى ذاك الضريح لبانه ... إن أصبحت لبنى أنا ابن ذريح )
( وبمهبط الروح الأمين أمانة ... اليمن فيها والأمان لروحى )
( يا صفوة الله المكين مكانه ... يا خير مؤتمن وخير نضيح )
( أقرضت فيك الله صدق محبتى ... أيكون تجرى فيك غير ربيح )
( حاشا وكلا أن تخيب وسائلى ... أو أن أرى مسعاي غير نجيح )
( إن عاق عنك قبيح ما كسبت يدي ... يوما فوجه العفو غير قبيح )

( واخجلتى من حلبة الفكر التى ... أغريتها بغرامى المشروح )
( قصرت خطاها بعدما ضمرتها ... من كل موفور الجمام جموح )
( مدحتك آيات الكتاب فما عسى ... يثنى على علياك نظم مديحى )
( واذا كتاب الله أثنى مفصحا ... كان القصور قصار كل فصيح )
( صلى عليك الله ما هبت صبا ... فهفت بغصن فى الرياض مروح )
( واستأثر الرحمن جل جلاله ... عن خلقه بخفى سر الروح )
وأنشدت السلطان ملك المغرب ليله الميلاد الأعظم من عام ثلاثة وستين وسبعمائة هذه القصيدة
( تألق نجديا فأذكرنى نجدا ... وهاج بى الشوق المبرح والوجدا )
( وميض رأى برد الغمامة مغفلا ... فمد يدا بالتبر أعلمت البردا )
( تبسم فى بحرية قد تجهمت ... فما بذلت وصلا ولا ضربت وعدا )
( وراود منها فاركا قد تنعمت ... فأهوى لها نصلا وهددها رعدا )
( وأغرى بها كف الغلاب فأصبحت ... ذلولا ولم تسطع لإمرته ردا )
( فحلتها الحمراء من شفق الضحى ... نضالها وحل المزن من جيدها عقدا )
( لك الله من برق كأن وميضه ... يد الساهر المقرور قد قدحت زندا )
( تعلم من سكانه شيم الندى ... فغادر أجراع الحمى روضة تندى )
( وتوج من نوارها قنن الربى ... وختم من أزهارها القضب الملدا )
( لسرعان ما كانت مناسف للصبا ... فقد ضحكت زهرا وقد خجلت وردا )
( بلاد عهدنا فى قرارتها الصبا ... يقل لذاك العهد أن يألف العهدا )
( إذا ما النسيم اعتل فى عرصاتها ... تناول فيها الباان والشيح والرندا )

( فكم فى مجانى وردها من علاقة ... اذا ما استثيرت أرضها أنبتت وجدا )
( اذا استشعرتها النفس عاهدت الجوى ... اذا التمحتها العين عاقدت السهدا )
( ومن عاشق حر اذا ما استماله ... حديث الهوى العذري صبره عبدا )
( ومن ذابل يحكى المحبين رقة ... فيثنى إذا ما هب عرف الصبا قدرا )
( سقى الله نجدا ما نضحت بذكرها ... على كبدي إلا وجدت لها بردا )
( وآنس قلبى فهو للعهد حافظ ... وقل على الأيام من يحفظ العهدا )
( صبور وان لم يبق إلا ذبالة ... إذا استقبلت مسرى الصبا اشتعلت وقدا )
( صبور إذا الشوق استجاد كتيبه ... تجوس خلال الصبر كان لها بندا )
( وقد كنت جلدا قبل أن يذهب النوى ... ذمائى وأن يستأصل العظم والجلدا )
( أأجحد حق الجب والدمع شاهد ... وقد وقع التسجيل من بعد ما أدى )
( تناثر فى إثر الحمول فريده ... فلله عينا من رأى الجوهر الفردا )
( جرى يققا فى ملعب الخد أشهبا ... وأجهده ركض الأسى فجرى وردا )
( ومرتحل أجريت دمعى خلفه ... ليرجعه فاستن فى إثره قصدا )
( وقلت لقلبى طر إليه برقعتى ... فكان حماما فى المسير بها هدى )
( سرقت صواع العزم يوم فراقه ... فلج ولم يرقب سواعا ولا ودا )
( وكحلت عيني من غبار طريقة ... فأعقبها دمعا وأورثها سهدا )
( لي الله كم أهذى بنجد وحاجر ... وأكنى بدعد فى غرامى أو سعدي )
( وما هو إلا الشوق ثار كمينه ... فأذهل نفسا لم تبن عنده قصدا )
( وما بى إلا أن سرى الركب موهنا ... وأعمل فى رمل الحمى النص والوخدا )
( وجاشت جنود الصبر والبين والأسى ... لدى فكان الصبر أضعفها جندا )
( ورمت نهوضا واعتزمت مودعا ... فصدنى المقدور عن وجهتى صدا )
( رقيق بدت للمشترين عيوبه ... ولم تلتفت دعواه فاستوجب الردا )

( تخلف منى ركب طيبة عانيا ... أما آن للعانى المعنى بأن يفدى )
( مخلف سرب قد اصيب جناحه ... وطرن فلم يسطع مراحا ولا مغدى )
( نشدتك يا ركب الحجاز تضاءلت ... لك الأرض مهما استعرض السهب وامتدا )
( وجم لك المرعى وأذعنت الصوى ... ولم تفتقد ظلا ظليلا ولا وردا )
( إذا أنت شافهت الديار بطيبة ... وجئت بها القبر المقدس واللحدا )
( وآنست نورا من جناب محمد ... يجلى القلوب الغلف والأعين الرمدا )
( فنب عن بعيد الدار فى ذلك الحمى ... وأذر به دمعا وعفر به خدا )
( وقل يا رسول الله عبد تقاصرت ... خطاه وأضحى من أحبته فردا )
( ولم يستطع من بعد ما بعد المدى ... سوى لوعة تعتاد أو مدحه تهدى )
( تداركه يا غوث العباد برحمه ... فجودك ما أجدى وكفك ما أندى )
( أجار بك الله العباد من الردى ... وبوأهم ظلا من الأمن ممتدا )
( حمى دينك الدنيا وأقطعك الرضى ... وتوجك العليا وألبسك الحمدا )
( وطهر منك القلب لما استخصه ... فجلله نورا وأوسعه رشدا )
( دعاه فما ولى هداه فما غوى ... سقاه فما يظما جلاه فما يصدا )
( تقدمت مختارا تأخرت مبعثا ... فقد شملت علياؤك القبل والبعدا )
( وعلة هذا الكون أنت وكل ما ... أعاد فأنت القصد فيه وما أبدا )
( وهل هو إلا مظهر أنت سره ... ليمتاز فى الخلق المكب من الأهدى )
( ففى عالم الأسرار ذاتك تجتلى ... ملامح نور لاح للطور فانهدا )
( وفى عالم الحس اغتديت مبوأ ... لتشفي من استشفى وتهدي من استهدى )
( فما كنت لولا أن ثبت هداية ... من الله مثل الخلق رسما ولا حدا )
( فماذا عسى يثنى عليك مقصر ... ولم يأل فيك الذكر مدحا ولا حمدا )
( بماذا عسى يجزيك هاو على شفا ... من النار قد أوردته بعدها الخلدا )
( عليك صلاة الله يا كاشف العمى ... ومذهب ليل الروع وهو قد اربدا )

( إلى كم أرانى فى البطالة كانعا ... وعمرى قد ولى ووزري قد عدا )
( تقضى زمانى فى لعل وفى عسى ... فلا عزمه تمضى ولا لوعة تهدا )
( حسام جبان كلما شيم نصله ... تراجع بعد العزم والتزم الغمدا )
( ألا ليت شعرى هل أرانى ناهدا ... أقود القلاص البدن والضامر النهدا )
( رضيع لبان الصدق فوق شملة ... مضمرة وسدت من كورها مهدا )
( فتهدى بأشواقى السراه اذا سرت ... وتحدى بأشعارى الركاب إذا تحدى )
( الى أن أحط الرحل فى تربك الذى ... تضوع ندا ما رأينا له ندا )
( وأطفىء فى تلك الموارد غلتى ... وأحسب قربا مهجة شكت البعدا )
( لمولدك اهتز الوجود فأشرقت ... قصور ببصرى ضاءت الهضب والوهدا )
( ومن رعبه الأوثان خرت مهابة ... ومن هوله إيوان كسرى قد انهدا )
( وغاض له الوادي وصبح عزة ... بيوتا لنار الفرس أعدمها الوقدا )
( رعى الله منها ليلة أطلع الهدى ... على الأرض من آفاقها القمر السعدا )
( وأقرض ملكا قام فينا بحقها ... لقد أحرز الفخر المؤثل والمجدا )
( وحيا على شط الخليج محله ... يحاالف من ينتابها العيشة الرغدا )
( وجاد الغمام العد فيها خلائفا ... مآثرهم لا تعرف الحصر والعدا )
( عليا وعثمانا ويعقوب لا عدا ... رضى الله ذاك النجل والأب والجدا )
( حموا وهم فى حومة البأس والندى ... فكانوا الغيوث المستهلة والأسدا )
( ولله ما قد خلفوا من خليفة ... حوى الإرث عنهم والوصية والعهدا )
( إذا ما أراد الصعب أغرى بنيله ... صدور العوالى والمطهمة الجردا )
( وكم معتد أردى وكم تائه هدى ... وكم حكمة أخفى وكم نعمة أبدى )
( أبا سالم دين الإله بك اعتلى ... أبا سالم ظل الإله بك امتدا )
( فدم من دفاع الله تحت وقاية ... كفاك بها أن تسحب الحلق السردا )
( ودونكها منى نتيجة فكرة ... إذا استرشحت للنظم كانت صفا صلدا )
( ولو تركت منى الليالى صبابه ... لأجهدتها ركضا وأرهقتها شدا )

( ولكنه جهد المقل بلغته ... وقد أوضح الأعذار من بلغ الجهدا )
وقلت أخاطب السلطان الملك الكبير العالم أبا عنان على أثر انصرافه من بابه رحمه الله تعالى
( أبدى لداعى الفوز وجه منيب ... وأفاق من عذل ومن تأنيب )
( كلف الجنان إذا جرى ذكر الحمى ... والبان حن له حنين النيب )
( والنفس لا تنفك تكلف بالهوى ... والشيب يلحظها بعين رقيب )
( رحل الصبا فطرحت فى أعقابه ... ما كان من غزل ومن تشبيب )
( أترى التغزل بعد أن ظعن الصبا ... شأنى الغداة أو النسيب نسيبى )
( أنى لمثلى بالهوى من بعد ما ... للوخط فى الفودين أي دبيب )
( لبس البياض وحل ذروة منبر ... منى ووإلى الوعظ فعل خطيب )
( قد كان يسترنى ظلام شبيبتى ... والآن يفضحنى صباح مشيبى )
( وإذا الجديدان استجدا أبليا ... من لبسه الأعمار كل قشيب )
( سلنى عن الدهر الخؤون وأهله ... تسل المهلب عن حروب شبيب )
( متقلب الحالات فاخبر تقله ... مهما أعدت يدا إلى تقليب )
( فكل الأمور إذا اعترتك لربها ... ما ضاق لطف الرب عن مربوب )
( قد يخبأ المحبوب فى مكروهها ... من يخبأ المكروه فى المحبوب )
( واصبر على مضض الليالى إنها ... لحوامل سيلدن كل عجيب )
( واقنع بخط لم تنله بحيلة ... ما كل رام سهمه بمصيب )
( يقع الحريص على الردى ولكم غدا ... ترك التسبب أنفع التسبيب )
( من رام نيل الشىء قبل أوانه ... رام انتقال يلملم وعسيب )
( فإذا جعلت الصبر مفزع معضل ... عاجلت علته بطب طبيب )
( وإذا استعنت على الزمان بفارس ... لبى نداءك منه خير مجيب )

( بخليفة الله الذى فى كفه ... غيث يروض ساح كل جديب )
( المنتقى من طينة المجد الذى ... ما كان يوما صرفه بمشوب )
( يرمى الصعاب بصعبه فيقودها ... ذللا على حسب الهوى المرغوب )
( ويرى الحقائق من وراء حجابها ... لا فرق بين شهادة ومغيب )
( من آل عبد الحق حيث توشحت ... شعب العلا وربت بأي كثيب )
( أسد الشرى سرج الورى فمقامهم ... لله بين محارب وحروب )
( إما دعا الداعى وثوب صارخا ... ثابوا وأموا حومه التثويب )
( شهب ثواقب فى سماء عجاجة ... مأثورها قد صح بالتجريب )
( ما شئت فى آفاقها من رامح ... يبدو وكف بالنجيع خضيب )
( عجبت سيوفهم لشدة بأسهم ... فتبسمت والجو فى تقطيب )
( نظموا بلبات العلا واستوسقوا ... كالرمح أنبوبا على أنبوب )
( تروى العوالى والمعالى عنهم ... أثر الندى المولود والمكسوب )
( من كل موثوق به إسناده ... بالقطع أو بالوضع غير معيب )
( فأبو عنان عن علي نصه ... للنقل عن عثمان عن يعقوب )
( جاءوا كما اتسق الحساب أصاله ... وغدا فذالك ذلك المكتوب )
( متجسدا من جوهر النور الذى ... لم ترم يوما شمسه بغروب )
( متألقا من مطلع الحق الذى ... هو نور أبصار وسر قلوب )
( قل للزمان وقد تبسم ضاحكا ... من بعد طول تجهم وقطوب )
( هى دعوة الحق التى أوضاعها ... جمعت من الآثار كل غريب )
( هى دعوة العدل الذى شمل الورى ... فالشاة لا تخشى اعتداء الذيب )
( لو إن كسرى الفرس أدرك فارسا ... ألقى إليه بتاجه المعصوب )
( لما حللت بأرضه مستمليا ... ما شئت من بر ومن ترحيب )

( شمل الرضى فكأن كل أقاحة ... تومى بثغر للسلام شنيب )
( وأتيت فى بحر القرى أم القرى ... حتى حطط بمرفإ التقريب )
( فرأيت أمن الله فى ظل التقى ... والعدل تحت سرادق مضروب )
( ورأيت سيف الله مطرور الشبا ... يمضى القضاء بحده المرهوب )
( وشهدت نور الحق ليس بآفل ... والدين والدنيا على ترتيب )
( ووردت بحر العلم يقذف موجه ... للناس من درر الهدى بضروب )
( لله من شيم كأزهار الربى ... غب انثيال العارض المسكوب )
( وجمال مرأى فى رداء مهابة ... كالسيف مصقول الفرند مهيب )
( يا جنة فارقت من غرفاتها ... دار القرار بما اقتضته ذنوبى )
( أسفى على ما ضاع من حظى بها ... لا تنقضى ترحاته ونحيبي )
( إن أشرقت شمس شرقت بعبرتى ... وتفيض فى وقت الغروب غروبى )
( حتى لقد علمت ساجعة الضحى ... شجوى وجانحة الأصيل شحوبى )
( وشهادة الإخلاص توجب رجعتى ... لنعيمها من غير مس لغوب )
( يا ناصر الدين الحنيف وأهله ... أنضاء مسغبة وفل خطوب )
( حقق ظنون بنية فيك فإنهم ... يتعللون بوعدك المرقوب )
( ضاقت مذاهب نصرهم فتعلقوا ... بجناب عز من علاك رحيب )
( ودجا ظلام الكفر فى آفاقهم ... أوليس صبحك منهم بقريب )
( فانظر بعين العز من ثغر غدا ... حذر العدا يرنو بطرف مريب )
( نادتك أندلس ومجدك ضامن ... أن لا يخيب لديك ذو مطلوب )
( غصب العدو بلادها وحسامك ... الماضى الشبا مسترجع المغصوب )
( أرض السوابح فى المجاز حقيقة ... من كل قعدة محرب وجنيب )
( يتأود الأسل المثقف فوقها ... وتجيب صاهلة رغاء نجيب )

( والنصر يضحك كل مبسم غرة ... واليمن معقود بكل سبيب )
( والروم فارم بكل نجم ثاقب ... يذكى بأربعها شواظ لهيب )
( بذوابل السلب التى تركت بنى ... زيان بين مجدل وسليب )
( وأضف إلى لام الوغى ألف القنا ... تظهر لديك علامة التغليب )
( إن كنت تعجم بالعزائم عودها ... عود الصليب اليوم غير صليب )
( ولك الكتائب كالخمائل أطلعت ... زهر الأسنة فوق كل قضيب )
( فمرنح العطفين لا من نشوة ... ومورد الخدين غير مريب )
( يبدو سداد الرأى فى راياتها ... وأمورها تجرى على تجريب )
( وترى الطيور عصائبا من فوقها ... لحلول يوم فى الضلال عصيب )
( هذبتها بالعرض يذكر يومه ... عرض الورى للموعد المكتوب )
( وهى الكثائب إن تنوسى عرضها ... كانت مدونة بلا تهذيب )
( حتى إذا فرض الجلاد جداله ... ورأيت ريح النصر ذات هبوب )
( قدمت سالبه العدو وبعدها ... أخرى بعز النصر ذات وجوب )
( وإذا توسط وصل سيفك عندها ... جزأي قياسك فزت بالمطلوب )
( وتبرأ الشيطان لما أن علا ... حزب الهدى من حزبه المغلوب )
( الأرض إرث والمطامع جمه ... كل يهش إلى التماس نصيب )
( وخلائف التقوى هم وراثها ... فاليكما بالحظ والتعصيب )
( لكاننى بك قد تركت ربوعها ... قفرا بكر الغزو والتعقيب )
( وأقمت فيها مأتما لكنه ... عرس لنسر بالفلاة وذيب )
( وتركت مفلتها بقلب واجب ... رهبا وخد بالأسى مندوب )
( تبكى نوادبها وينقلن الخطا ... من شلو طاغية لشلو سليب )

( جعل الإله البيت منك مثابة ... للعاكفين وأنت خير مثيب )
( فإذا ذكرت كأن هبات الصبا ... فضت بمدرجها لطيمة طيب )
( لولا ارتباط الكون بالمعنى الذى ... قصر الحجى عن سره المحجوب )
( قلنا لعالمك الذى شرفته ... حسد البسيط مزية التركيب )
( ولأجل قطرك شمسها ونجومها ... عدلت من التشريق للتغريب )
( تبدو بمطلع أفقها فضية ... وتغيب عندك وهى فى تذهيب )
( مولاي أشواقى اليك تهزنى ... والنار تفضح عرف عود الطيب )
( بحلى علاك أطلتها وأطبتها ... ولكم مطيل وهو غير مطيب )
( طالبت أفكارى بفرض بديهها ... فوفت بشرط الفوز والترتيب )
( متنبىء أنا فى حلى تلك العلى ... لكن شعرى فيك شعر حبيب )
( والطبع فحل والقريحة حرة ... فاقبله بين نجيبه ونجيب )
( هابت مقامك فاطبيت صعابها ... حتى غدت ذللا على التدريب )
( لكننى سهلتها وأدلتها ... من كل وحشي بكل ربيب )
( إن كنت قد قاربت فى تعديلها ... لا بد فى التعديل من تقريب )
( عذرىلتقصيرى وعجزىناسخ ... ويجل منك العفو عن تثريب )
( من لم يدن لله فيك بقربة ... هو من جناب الله غير قريب )
ولما احتفل السلطان لإعذار ولده نظمت هذه القصيدة مساعدة لمن نظم من الأصحاب وتشتمل على أوصاف من ذكر الحلبة التى أرسلها والطلبة التى

نصبها فى الهواء للفرسان يرسلون العصى إليها والثيران التى أرسل عليها الأكلب الرومية تمسكها فى صورة القرط من آذانها وهى آخر النظم فى الأغراض السلطانية قصر الله تعالى ألسنتنا على ذكره وشغلها به عن غيره
( شحطت وفود الليل بان به الوخط ... وعسكره الزنجى هم به القبط )
( أتاه وليد الصبح من بعد كبره ... أيولد أجنا ناحل الجسم مشمط )
( كأن النجوم الزهر أعشار سورة ... ومن خطرات الرجم أثناءها مط )
( وقد وردت نهر المجرة سحره ... غوائص فيه مثلما تفعل البط )
( وقد جعلت تفلى بأنملها الفلا ... ويرسل منها فى غدائرة مشط )
( يجف عباب الليل عنهاجواهرا ... فيكثر فيها النهب للحين واللقط )
( فسارت خيالا مثلها غير أنه ... من البث والشكوى يبين له لغط )
( سرت سلخ شهر فى تلفت مقلة ... على قثب الأحلام تسمو وتنحط )
( لى الله من نفس شعاع ومهجة ... إذا قدحت لم يخب من زندها سقط )
( ونقطة قلب أصبحت منشأ الهوى ... وعن نقطة مفروضة ينشأ الخط )
( فأقسم لولا زاجر الشيب والنهى ... ونفس لغير الله ما خضعت قط )
( لريع لها الأحراس منى بطارق ... مفارقة شمط وأسيافه شمط )
( تناقله كوماء سامية الذرا ... ويقذفه شهم من النيق منحط )
( ولولا النهى لم تستهن سبل الهدى ... وكاد وزان الحق يدركه الغمط )
( ولولا عوادى الشيب لم يبرح الهوى ... يهيجه نوء على الرمل مختط )
( ولولا أمير المسلمين محمد ... لهالت بحار الروع واحتجب الشط )
( ينوب عن الإصباح إن مطل الدجى ... ويضمن سقى السرح إن عظم القحط )

( تقر له الأملاك بالشيم العلا ... إذا بذل المعروف أو نصب القسط )
( أرادوه فارتدوا وجاروه فانثنوا ... وساموه فى مرقى الجلالة فانحطوا )
( تبر على المداح غر خلاله ... وما رسموا فوق الطروس وما خطوا )
( تعلم منه الدهر حالية فى الورى ... فآونه يسخو وآونة يسطو )
( ويجمع بين القبض والبسط كفه ... بحكمه من فى كفه القبض والبسط )
( خلائق قد طابت مذاقا ونفحة ... كما مزجت بالبارد العذب إسفنط )
( أسبط الإمام الغالبي محمد ... ويا فخر ملك كنت أنت له سبط )
( وقتك أواقى الله من كل غائل ... فأي سلاح ما المجن وما اللمط )
( لقد زلزلت منك العزائم دولة ... أناخت على الإسلام تجنى وتشتط )
( إيالة غدر ضيع الله ركنها ... ونادى بأهليها التبار فلم يبطوا )
( على قدر جلى بك الله بؤسها ... ولا يكمل البحران أو ينضج الخلط )
( وكانوا نعيم الجنتين تفيأوا ... ولما يقع منها النزول ولا الهبط )
( فقد عوضوا بالأثل والخمط بعدها ... وهيهات أين الأثل منها أو الخمط )
( فمن طائح فوق العراء مجدل ... ومن راسف فى القيد أزهقه الضغط )
( وأتحف منك الله أمة أحمد ... أمانا كما يضفو على الغادة المرط )
( أنمت على مهد الأمان عيونها ... فيسمع من بعد السهاد لها غط )
( وصم صدى الدنيا فلما رحمتها ... تزاحم مرتاد عليها ومختط )
( وأحكمت عقد السلم لم تأل بعده ... وجاء فصح العقد واستوثق الربط )
( وأيقن مرتاب وأصحب نافر ... وأذعن معتاص وأقصر مشتط )

( ولله مبناك الذى معجزاته ... سمت أن توافيها الشفاه أو الخط )
( وأنست غريب الدار مسقط رأسه ... ومن دون فرخيه القتادة والخرط )
( تناسبت الأوضاع فيك وأحكمت ... على قدر حتى الأرائك والبسط )
( فجاء على وفق العلا رائق الحلى ... كما سمط المنظوم أو نظم السمط )
( ولله إعذار دعوت له الورى ... فهبوا لداعيه المهيب وإن شطوا )
( تقودهم الزلفى ويدعوهم الرضى ... ويحدوهم الخصب المضاعف والغبط )
( وأغريت بالبهم العلاج تحفيا ... فلم يذخر الشىء الغريب ولا السمط )
( أتت صورة معلولة عن مزاجها ... وأصل اختلاف الصورة المزج والخلط )
( قضيت بها دين الزمان ولم يزل ... اكد كذوب الوعد يلوى ويشتط )
( وأرسلت يوم السبق كل طمرة ... كما قذف الملمومة النار والنفط )
( رنت عن كحيل كالغزال إذا رنا ... وأوفت بهاد كالظليم إذا يعطو )
( وقامت على منحوته من زبرجد ... تخط على الصم الصلاب إذا تخطو )
( وكل عتيق من تماثل رومة ... تأنق فى استخطاطه القس والقمط )
( وطاعنة نحر السكاك أعانها ... على الكون عرق واشج ولحى سبط )
( تلقف حيات العصى إذا هوت ... فثعبانها لا يستقيم له سرط )
( أزرت بها بحر الهواء سفينة ... على الجو لا الجودي كان لها حط )
( وطاردت مقدام الصوار بجارح ... يصاب به منه الصماخ أو الإبط )
( متين الشوا فى رأسه سمهرية ... مقصرة عنهن ما ينبت الخط )
( وقد كا ذا تاج فلما تعلقا ... بسامعتيه زانه منهما قرط )
( وجىء بشبل الملك ينجد عزمه ... عليه الحفاظ الجعد والخلق السبط )
( سمحت به لم ترع فرط ضنانه ... وفى مثلها من سنة يترك الفرط )
( فأقدم مختارا وحكم عاذرا ... ولم يشتمل مسك عليه ولا ضبط )

( ولو غير ذات الله رامته نضنضت ... قنا كالأفاعى أو دونهما الرقط )
( وأسد نزال من ذؤابه خزرج ... بهاليل لا روم القديم ولا قبط )
( جلادهم مثنى إذا اشتجر الوغى ... كأن رعاء بالعضاه لها خبط )
( كتائب أمثال الكتاب تتاليا ... فمن بيضها شكل ومن سمرها نقط )
( دليلهم القرآن يا حبذا الهدى ... ورهطهم الأنصار يا حبذا الرهط )
( وبيض كأمثال البروق غمامها ... إذا وشحت سحب القتام دم عبط )
( ولكنه حكم يطاع وسنة ... وأعمال بر لا يليق بها الحبط )
( وربت نقص للكمال مآله ... ولا غرو فالأقلام يصلحها القط )
( فهنيته صنعا ودمت مملكا ... عزيزا تشيد المعلوات وتختط )
( ودون الذى يهدي ثناؤك فى الورى ... من الطيب ما تهدي الألوة والقسط )
( رضيت من لم يرض بالله حاكما ... ضلالا فلله الرضى وله السخط )
( حياتك للإسلام شرط حياته ... ولا يوجد المشروط إن عدم الشرط )
هذا كاف فى المطولات لنجلب منها عرضا يدل على حبوبها ونتحف منها أنفس الظرفاء بمطلوبها منقولة من الكتاب المسمى ب أبيات الأبيات ومن الكتاب المسمى ب الصيب والجهام
فمن التورية على طريقة المشارقة قولى
( مضجعى فيك عن قتادة يروي ... وروى عن أبى الزناد فؤادي )
( وكذا النوم شاعر فيك أمسى ... من دموعى يهيم فى كل وادي )

=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مجلد11.و12. من كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب المؤلف : ابن العديم

  11. مجلد11. من كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب المؤلف : ابن العديم ابن عبد العزى بن رباح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشي العدوي،...